الى اجزاء البحار الى المكتبة الهاشمية الى الصفحة الرئيسية

بحار الانوار الجزء 42

العلامة المجلسي


 

[1]

بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار تأليف العلم العلامة الحجة فخر الامة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي (قدس الله سره) الجزء الثاني والاربعون دار احياء التراث العربي بيروت - لبنان الطبعة الثالثة المصححة 1403 ه‍ - 1983 م


 

[1]

بسم الله الرحمن الرحيم 115. (باب) * (ما ظهر في المنامات من كراماته ومقاماته ودرجاته) * * (صلوات الله عليه، وفيه بعض النوادر) * (1) يج: روي عن أبي علي الحسن بن عبد العزيز الهاشمي قال: كانت الفتنة قائمة بين العباسيين والطالبيين بالكوفة، حتى قتل سبعة عشر رجلا عباسيا، وغضب الخليفة القادر، واستنهض الملك شرف الدولة أبا علي حتى يسير إلى الكوفة ويستأصل بها (1) من الطالبيين، ويفعل كذا وكذا بهم وبنسائهم وبناتهم، وكتب من بغداد هذا الخبر على طيور إليهم، وعرفوهم ما قال القادر، ففزعوا وتعلقوا ببني خفاجة، فرأت امرأة عباسية في منامها كأن فارسا على فرس أشهب وبيده رمح نزل من السماء، فسألت عنه فقيل لها: هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يريد أن يقتل من عزم على قتل الطالبيين، فأخبرت الناس فشاع منامها في البلد، وسقط الطائر بكتاب من بغداد بأن الملك شرف الدولة بات عازما على المسير إلى الكوفة، فلما انتصف الليل مات فجأة، وتفرقت العساكر وفزع القادر (2). 2 - يج: روي أبو محمد الصالح قال: حدثنا أبو الحسن علي بن هارون المنجم أن الخليفة الراضي كان يجادلني كثيرا على خطأ علي فيما دبر في أمره مع معاوية قال: فأوضحت له الحجة أن هذا لا يجوز على علي، وأنه عليه السلام لم يعمل إلا الصواب فلم يقبل مني هذا القول، وخرج إلينا في بعض الايام ينهانا عن الخوض في مثل ذلك، وحدثنا أنه رأى في منامه كأنه خارج من داره يريد بعض متنزهاته، فرفع

 

(1) من بها. ظ (ب) (2) لم نجد هذه الرواية واللتين بعدها في الخرائج المطبوع.

 

[2]

إليه رجل قصير رأسه رأس كلب، فسأل عنه فقيل له: هذا الرجل كان يخطئ على علي بن أبي طالب عليه السلام قال: فعلمت أن ذلك كان عبرة لي ولامثالي، فتبت إلى الله. 3 - يج: روى الشيخ أبو جعفر بن بابويه، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد السجستي (1) قال: خرجت في طلب العلم فدخلت البصرة، فصرت إلى محمد بن عباد صاحب عبادان، فقلت: إني رجل غريب أتيتك من بلد بعيد لاقتبس من علمك شيئا، قال: من أنت ؟ قلت: من أهل سجستان، قال: من بلد الخوارج ؟ قلت لو كنت خارجيا ما طلبت علمك، قال أفلا اخبرك بحديث حسن إذا أتيت بلادك تحدث به الناس ؟ قلت: بلى، قال: كان لي جار من المتعبدين، فرأى في منامه كأنه قد مات وكفن ودفن، قال: مررت بحوض النبي صلى الله عليه واله وإذا هو جالس على شفير الحوض والحسن والحسين عليهما السلام يسقيان الامة الماء، فاستسقيتهما فأبيا أن يسقياني، فقلت: يارسول الله إني من امتك، قال: وإن قصدت عليا لا يسقيك فبكيت وقلت: أنا من شيعة علي، قال: لك جار يلعن عليا ولم تنهه، قلت، إني ضعيف ليس لي قوة وهو من حاشية السلطان، قال: فأخرج النبي سكينا وقال: امض واذبحه، فأخذت السكين وصرت إلى داره، فوجدت الباب مفتوحا، فدخلت فأصبته نائما فذبحته، وانصرفت إلى النبي صلى الله عليه واله وقلت: قد ذبحته وهذه السكين ملطخة بدمه، قال: هاتها، ثم قال للحسين عليه السلام: اسقه ماء، فلما أضاء الصبح سمعت صراخا، فسألت عنه فقيل: إن فلانا وجد على فراشه مذبوحا، فلما كان بعد ساعة قبض أمير البلد على جيرانه فدخلت عليه وقلت: أيها الامير اتق الله إن القوم برآء، وقصصت عليه الرؤيا فخلى عنهم.

 

(1) في (خ) و (م): السجزى.أقول: " السجز " بالكسر ثم السكون معرب " سگز " الفارسية علم لطائفة معروفة تسكن " سجستان " (مخفف: سجزستان) معرب " سگستان " (مخفف: سگزستان) وقد خفف عند الفارسيين في ألسنة العامة حتى صارت: " سيستان " فالسجزى نسبة إلى الطائفة والسجستى والسجستاني نسبة إلى المحل وكلها بكسر السين وسكون الجيم لا غير. (ب)

 

[3]

4 - أقول: وأخبرني بهذا الخبر شيخي ووالدي العلامة قدس الله روحه عن السيد حسين بن حيدر الحسيني الكركي - رحمه الله - قال: أخبرني الشيخ الجليل بهاء الملة والدين العاملي في إصفهان ثاني شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة وأخبرني أيضا في السابع والعشرين من شهر رجب سنة ألف وثلاث في النجف الاشرف تجاه الضريح المقدس قراءة وإجازة، قال: أخبرني والدي الشيخ حسين بن عبد الصمد في يوم الثلثاء ثاني شهر رجب سنة إحدى وتسعين وتسعمائة بدارنا في المشهد المقدس الرضوي صلوات الله على مشرفه، عن الشيخين الجليلين السيد حسن بن جعفر الكركي والشيخ زين الملة والدين قدس الله روحهما، عن الشيخ علي بن عبد العالي الميسي، عن الشيخ محمد بن المؤذن الجزيني، عن الشيخ ضياء الدين علي، عن والده الشهيد السعيد محمد بن مكي، عن السيد عبد المطلب بن محمد بن علي بن محمد الاعرج الحسيني، عن جده علي، عن شيخه عبد الحميد بن السيد فخار بن معد بن فخار الموسوي، عن يوسف بن هبة الله بن يحيى الواسطي، عن أبيه، عن أبي الحسن البصري، عن سعيد بن ناصر البستقي، عن القاضي أبي محمد السمندي عن علي بن محمد السمان السكري (1) قال: خرجت إلى أرض العراق في طلب الحديث فوصلت عبادان فدخلت على شيخها محمد بن عباد شيخ عبادان ورأس المطوعة، فقلت له: يا شيخ أنا رجل غريب أتيت من بلد بعيد ألتمس من علمك، فقال: من أين أتيت ؟ فقلت: من جهستان (2) فقال: من بلد الخوارج لعلك خارجي ؟ فقلت: لو كنت خارجيا لم أشتر علمك بدانق، فقال: ألا احدثك حديثا طريفا إذا مضيت إلى بلادك تحدثت به ؟ فقلت: بلى يا شيخ، فقال: كان لي جار من المتزهدين المتنسكين، فرأى في منامه كأنه مات ونشر وحوسب وجوز الصراط وأتى ؟ ؟ حوض النبي صلى الله عليه وآله والحسن والحسين عليهما السلام يسقيان، قال: فاستقيت الحسن فلم يسقني واستقيت الحسين فلم يسقني، فقربت من رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت: يا رسول الله أنا رجل من امتك وقد استقيت الحسن فلم يسقني واستقيت الحسين فلم يسقني، فصاح

 

(1) مصحف السكزى (ب) (2) مصحف سجستان. (ب)

 

[4]

الرسول صلى الله عليه واله بأعلى صوته لا تسقياه لا تسقياه، فقلت: يا رسول الله أنا رجل من امتك ما بدلت ولا غيرت، قال: بلى لك جار يلعن عليا ويستنقصه لم تنهه، فقلت: يا رسول الله هو رجل يغتر بالدنيا وأنا رجل فقير لا طاقة لي به، قال فأخرج الرسول صلى الله عليه وآله سكينا مسلولة وقال: اذهب فاذبحه بها، فأتيت باب الرجل فوجدته مفتوحا، فصعدت الدرجة (1) فوجدته ملقى على سريره، فذبحته وأتيت بالسكين ملطخة بالدم فأعطيتها رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذها وقال: اسقياه، فتناولت الكأس فلا أدري أشربتها أم لا، و انتبهت فزعا مرعوبا، ففزعت (2) إلى الوضوء وصليت ما شاء الله، ووضعت رأسي و نمت وسمعت (3) الصياح في جواري، فسألت عن الحال فقيل: إن فلانا وجد على سريره مذبوحا، فما مكثت حتى أتى الامير والحرس فأخذوا الجيران، فقلت: أنا ذبحت الرجل ولا يسعني أن أكتم فمضيت إلى الامير فقلت: أنا ذبحت الرجل فقال: لست متهما على مثل هذا، فقصصت الرؤيا عليه وقلت: أيها الامير إن صححها الله فما ذنبي و (ما) ذنب هؤلاء ؟ فقال الامير. أحسن الله جزاك أنت برئ والقوم برآء، قال الشيخ علي بن محمد السمان فلم أسمع بالعراق أحسن من هذا الحديث. ما ذكر الفضل بن شاذان في كتابه الذي نقض به على ابن كرام قال: روى عثمان بن عفان عن محمد بن عباد البصري وذكر نحوه (4). 5 - أقول: ذكر العلامة الحلي قدس الله روحه في إجازته الكبيرة عن تاج

 

(1) الدرجة - بالفتحات -: السلم والمرقاة. (2) بتقديم المعجمة على المهملة أي لجأت إلى الوضوء. ويمكن أن يكون بالعكس أي قصدت. (3) في (خ) و (م): فسمعت. (4) لم نجده في الامالى المطبوع. ولا يخفى ان النسخ المطبوعة منه ناقصة. وتوجد نسخة مخطوطة كاملة في مكتبة شيخ الاسلام الزنجانى طاب ثراه كما أشار إليه في الذريعة 2: 313 و 314.أقول: وقد سمعت بعض الفضلاء أنه سافر وراى تلك النسخة وسبرها فلم يجد فيها شيئا زائدا على ما هو المطبوع وعلى أي حال قد نقل تلك القصة في ناسخ التواريخ عن الخرائج والجرائح راجع الجزء الخامس من المجلد الثالث في أحوال مولانا على بن ابي طالب عليه السلام من الطبعة الحديثة ص 45 (ب)

 

[5]

الدين الحسن بن الدربي، عن أبي الفائز بن سالم بن معارويه في سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، عن أبي البقاء هبة الله بن نما، عن أبي البقاء هبة الله بن ناصر بن نصر، عن أبيه، عن الاسعد، عن الرئيس أبي البقاء أحمد بن علي المزرع، عمن حدثه عن بعض أهل الموصل قال: عزمت الحج فأتيت الامير حسام الدولة المقلد بن المسيب وهو أميرنا يومئذ، فودعته وعرضت الحاجة عليه، فاستخلى بي وأحضر لي مصحفا فحلفني به إلا بلغت رسالته وحلف به لو ظهر هذا الخبر لاقتلنك، فلما فرغ قال: إذا أتيت المدينة فقف عند قبر محمد صلى الله عليه وآله وقل: يا محمد قلت وصنعت وموهت على الناس (1) في حياتك لم أمرتهم بزيارتك بعد مماتك ؟ وكلام نحو هذا، فسقط في يدي (2) لم أتيته ولم أعلم أنه يرى رأي الكفار، فحججت وعدت حتى أتيت المدينة وزرت رسول الله صلى الله عليه وآله وهبته (3) أن أقول ما قال لي، وبقيت أياما حتى إذا كان ليلة مسيرنا فذكرت يميني بالمصحف فوقفت أمام القبر وقلت: يا رسول الله حاكي الكفر ليس بكافر، قال لي المقلد بن المسيب كذا وكذا، ثم استعظمت ذلك وفزعت عنه، فأتيت رحلي ورفاقتي ورميت بنفسي وتدبرت (4) وحرت كالمجهود، فلما أن تهور الليل رأيت في منامي رسول الله صلى الله عليه وآله وعليا وبيد علي سيف وبينهما رجل نائم عليه إزار رقيق أبيض بطراز أحمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا فلان اكشف عن وجهه، فكشفته فقال: تعرفه ؟ قلت: نعم، قال: من هو ؟ قلت: المقلد بن المسيب، قال: يا علي اذبحه، فأمر السيف على نحره وذبحه، ورفعه فمسحه بالازار الذي على صدره مسحتين، فأثر الدم فيه خطين، فانتبهت مرعوبا ولم أكن أخبرت أحدا، فتداخلني أمر عظيم حتى أخبرت رجلا من أصحابي، وكتبت شرح المنام وأرخت الليلة، ولم نعلم به ثالثا حتى انتهينا إلى الكوفة سمعنا الخبر أن الامير قد قتل وأصبح مذبوحا في فراشه، فسألنا لما وصلنا إلى الموصل عن خبره

 

(1) موه عليه الامر أو الخبر: زوره عليه وزخرفه ولبسه أو بلغه خلاف ما هو. (2) أي ندمت. (3) من هاب يهاب أي خفت. (4) وتدثرت ظ. (ب)

 

[6]

فلم يزد أحد غير أنه أصبح مذبوحا، فسألنا عن الليلة التي ذبح فيها فإذا هي الليلة التي أرخناها بالمدينة مع صاحبي، فكان موافقا، ثم قلنا: قد بقي شئ واحد وهو الازار والدم عليه، فسألنا عمن غسله فارشدنا إليه، فسألناه فأخرج لنا ما أخذ من ثيابه حين غسله والازار الابيض المطرز بالاحمر وفيه الخطان بالدم (1). بيان: تهور الليل: ذهب أو ولى أكثره. 6 - ما: جماعة، عن أبي المفضل، عن أحمد بن جعفر البجلي، عن محمد بن عمار الاسدي، عن يحيى بن ثعلبة، عن أبي نعيم محمد بن جعفر الحافظ، عن أحمد بن عبيد بن ناصح، عن هشام بن محمد بن السائب، عن يحيى بن ثعلبة، عن امه عائشة بنت عبد الرحمن بن السائب، عن أبيها قال: جمع زياد بن أبيه شيوخ أهل الكوفة و أشرافهم في مسجد الرحبة لسب أمير المؤمنين عليه السلام والبراءة منه وكنت فيهم، و كان الناس من ذلك في أمر عظيم، فغلبتني عيناي، فنمت فرأيت في النوم شيئا طويلا طويل العنق أهدل أهدب (2)، فقلت: من أنت ؟ فقال: أنا النقاد ذو الرقبة، قلت: وما النقاد ؟ قال: طاعون بعثت إلى صاحب هذا القصر لاجتثه (3) من جديد الارض كما عتا (4) وحاول ما ليس له بحق، قال: فانتبهت فزعا وأنا في جماعة من قومي فقلت: هل رأيتم ما رأيت في المنام ؟ فقال رجلان منهم: رأينا كيت وكيت بالصفة وقال الباقون: ما رأينا شيئا، فما كان بأسرع من أن خرج خارج من دار زياد فقال: يا هؤلاء انصرفوا فإن الامير عنكم مشغول، فسألناه عن خبره فخبرنا أنه طعن في ذلك الوقت، فما تفرقنا حتى سمعنا الواعية عليه، فأنشأت أقول في ذلك:

 

(1) راجع بحار الانوار المجلد الخامس والعشرين ص 26 وبين النسختين اختلافات كابى العامر بدل أبى الفائز وأبى الغنائم أحمد بدل أبى البقاء أحمد وغير ذلك. وقال في آخره: قال أبو البقاء ابن ناصر. ورأيت أنا بعد نسخي هذا الحديث أن ذلك كان في سنة تسعين وثلاثمائة. (2) الاهدل: المسترخى المشفر أو الشفة. الاهدب: الذى طال هدب عينيه وكثرت اشفارهما. (3) اجتثه: قلعه من أصله. وفى هامش (ك): لاجشه أي أدقه وأكسره. (4) عتا يعتو عتوا: استكبر وجاوز الحد.

 

[7]

قد جشم الناس أمرا ضاق ذرعهم (1) * بحمله حين ناداهم إلى الرحبة يدعو على ناصر الاسلام حين يرى * له على المشركين الطول والغلبة ماكان منتهيا عما أراد بنا * حتى تناوله النقاد ذو الرقبة فأسقط الشق منه ضربة عجبا * كما تناول ظلما صاحب الرحبة (2) 7 - قب: كان بالمدينة رجل ناصبي ثم نشيع بعد ذلك، فسئل عن السبب في ذلك فقال: رأيت في منامي عليا عليه السلام يقول لي: لو حضرت صفين مع من كنت تقاتل ؟ قال: فأطرقت افكر، فقال عليه السلام: يا خسيس هذه مسألة تحتاج إلى هذا الفكر العظيم ؟ اعطوا قفاه، فصفقت (3) حتى انتبهت وقد ورم قفاي، فرجعت عما كنت عليه (4). 8 - فض، يل: عن إبراهيم بن مهران قال: كان بالكوفة رجل يكنى بأبي جعفر وكان حسن المعاملة مع الله تعالى، ومن أتاه من العلويين يطلب منه شيئا أعطاه و يقول لغلامه: يا هذا اكتب " هذا ما أخذ علي بن أبي طالب عليه السلام " وبقي على ذلك زمانا، ثم قعد به الوقت وافتقر، فنظر يوما في حسابه فجعل كل ما هو عليه اسم حي من غرمائه بعث إليه يطالبه، ومن مات ضرب على اسمه: فبينا هو جالس على باب داره إذ مر به رجل فقال: ما فعل بمالك علي بن أبي طالب ؟ فاغتم لذلك غما شديدا ودخل منزله، فلما جنه الليل رأى النبي صلى الله عليه وآله وكان الحسن والحسين عليهما السلام يمشيان أمامه، فقال لهما النبي صلى الله عليه وآله: ما فعل أبوكما ؟ فأجابه علي عليه السلام من ورائه: ها أنا ذا يارسول الله، فقال له: لم لا تدفع إلى هذا الرجل حقه ؟ فقال علي عليه السلام: يا رسول الله هذا حقه قد جئت به، فقال له النبي صلى الله عليه وآله ادفعه إليه فأعطاه كيسا من صوف أبيض فقال: إن هذا حقك فخذه، فلا تمنع من جاءك من ولدي يطلب شيئا فإنه لا فقر عليك بعد هذا، قال الرجل: فانتبهت والكيس في

 

(1) جشم الامر: تكلفه على مشقه. (2) لم نجده في الامالى المطبوع. (3) في المصدر " فصفقت " على المجهول أي ضرب بقفاى. (4) مناقب آل أبى طالب 1: 479.

 

[8]

يدي، فناديت زوجتي وقلت لها: هاك، فناولتها الكيس فإذا فيه ألف دينار، فقالت لي: يا ذا الرجل اتق الله تعالى ولا يحملك الفقر على أخذ ما لا تستحقه، وإن كنت خدعت بعض التجار على ماله فاردده إليه ! فحدثتها بالحديث فقالت: إن كنت صادقا فأرني حساب علي بن أبي طالب عليه السلام فأحضر الدستور وفتحه فلم يجد فيه شيئا من الكتابة بقدرة الله تعالى (1). أقول: روي في كتاب صفوة الاخبار عن جابر بن عبد الله الانصاري مثله (2). 9 - فض: من المسموعات بواسط في سنة اثنين وخمسين وست مائة عن الحسن ابن أبي بكر أن ابن سلامة القزاز حيث ذهبت عينه اليمنى وكان عليه دين لشخص يعرف بابن حنظلة الفزاري فألح عليه بالمطالبة وهو معسر، فشكا حاله إلى الله سبحانه وتعالى، واستجار بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام فلما كان في بعض الليالي رأى في منامه عز الدين أبا المعالى ابن طبيبي رحمه الله ومعه رجل آخر، فدنا منه وسلم عليه وسأله عن الرجل، فقال له: هذا مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فدنا من الامام و قال له: يا مولاي هذه عيني اليمنى قد ذهبت، فقال له: يردها الله عليك، ومد يده الكريمة إليها وقال: " يحييها الذي أنشأها أول مرة " فرجعت بإذن الله تعالى، وقد شاهد ذلك كل من في واسط والرجل موجود بها (3). 10 - يل، فض: روى عبد الله بن مسعود بن عبدالدار، عن عيسى بن عبد الله مولى بني تميم، عن شيخ القاروني من قريش من بني هاشم قال: رأيت رجلا بالشام قد اسود وجهه وهو يغطيه، فسألته عن سبب ذلك قال: نعم قد جعلت علي لله أن لا يسألني أحد عن ذلك الاذى إلا أجبته وأخبرته، إني كنت شديد الوقيعة في علي ابن أبي طالب عليه السلام كثير السب له، فبينما أنا ذات ليلة من الليالي نائم إذ أتاني آت في منامي فقال: أنت صاحب الوقيعة في علي بن أبي طالب ؟ قلت: بلى، فضرب

 

(1) الروضة: 2. الفضائل: 99 و 100. (2) مخطوط ولم نظفر بنسخته. (3) الروضة: 8 و 9.

 

[9]

وجهي وقال: سود الله، فاسود كما ترى (1). 11 - من كتاب صفوة الاخبار روى الاعمش قال: رأيت جارية سوداء تسقي الماء وهي تقول: اشربوا حبا لعلي بن أبي طالب عليه السلام وكانت عمياء، قال: ثم أتيتها بمكة بصيرة تسقي الماء وهي تقول: اشربوا حبا لمن رد الله علي بصري به، فقلت: يا جارية رأيتك في المدينة ضريرة تقولين: اشربوا حبا لمولاي علي بن أبي طالب عليه السلام وأنت اليوم بصيرة فما شأنك ؟ قالت: بأبي أنت إني رأيت رجلا قال: يا جارية أنت مولاة لعلي بن أبي طالب عليه السلام ومحبته ؟ فقلت نعم، فقال: اللهم إن كانت صادقة فرد عليها بصرها، فوالله لقد رد الله علي بصري فقلت: من أنت ؟ قال: أنا الخضر وأنا من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام (2). 12 - من كتاب كشف اليقين للعلامة قدس الله روحه من كتاب الاربعين عن الاربعين قال: إن الشاعر الببغاء (3) وفد على بعض الملوك، وكان يفد عليه في كل سنة، فوجده في الصيد، فكتب وزير الملك يخبر بقدومه، فأمره بأن يسكنه في بعض دوره، وكان على تلك الدار غرفة كان الببغاء يبيت كل ليلة فيها، ولها مطلع إلى الدرب، وكان كل ليلة يخرج الحارث (4) بعد نصف الليل فيصيح بأعلى صوته: يا غافلين اذكروا الله، ثم يسب عليا، وكان الشاعر الببغاء ينزعج لصوته، فاتفق في بعض الليالي أن الشاعر رأى في منامه أن النبي صلى الله عليه وآله قد جاء هو وعلي عليه السلام إلى ذلك الدرب، ووجد الحارث فقال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: اصفقه (5) فله اليوم أربعون سنة يسبك، فضربه أمير المؤمنين عليه السلام بين كتفيه، فانتبه الشاعر منزعجا من المنام، ثم انتظر الصوت الذي كان من الحارث كل وقت فلم يسمعه، فتعجب من ذلك، ثم رأى صياحا ورجالا قد أقبلوا إلى دار الحارث، فسألهم الخبر فقالوا

 

(1) الروضة: 10. ولم نجده في الفضائل المطبوع. (2) مخطوط. (3) الببغاء - بفتح الموحدتين وتشديد ثانيهما، أو تخفيفه، وبالفتح فالسكون -: أبو الفرج عبد الواحد بن نصر بن محمد المخزومى من أهل نصيبين، كان اديبا شاعرا لقب به لحسن فصاحته، خدم سيف الدولة ابن حمدان، توفى سنة 398. (الكنى والالقاب 2: 57). (4) وفي (ت) الحارس في كل المواضع. (5) في المصدر: اصفعه.

 

[10]

له: إن الحارث حصل له بين كتفيه ضربة بقدر الكف، وهي تنشق وتمنعه القرار فلم يكن وقت الصباح إلا وقد مات، وشاهده بهذه الحال أربعون نفسا (1). وكان ببلد الموصل شخص يقال له أحمد بن حمدون (2) بن الحارث العدوي، كان شديد العناد كثير البغض لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام فأراد بعض أهل الموصل الحج، فجاء إليه يودعه، فقال له: إني قد عزمت (3) على الخروج إلى الحج فإن كان لك حاجة تعرفني حتى أقضيها لك، فقال: إن لي حاجة مهمة وهي سهلة عليك، فقال له: مرني بها حتى أفعلها، فقال: إذا قضيت الحج ووردت المدينة وزرت النبي صلى الله عليه وآله فخاطبه عني وقل: يا رسول الله ما أعجبك من علي بن أبي طالب حتى تزوجته (4) بابنتك ؟ عظم بطنه أو دقة ساقه أو صلعة رأسه ؟ وحلفه وعزم عليه أن يبلغه هذا الكلام، فلما ورد المدينة وقضى حوائجه أنسى تلك الوصية، فرأى أمير المؤمنين عليه السلام في منامه فقال له: ألا تبلغ وصية فلان إليك ؟ فانتبه ومشى لوقته إلى القبر المقدس وخاطب النبي صلى الله عليه وآله بما أمره (5) ذلك الرجل به ثم نام فرأى أمير - المؤمنين عليه السلام فأخذه ومشى هو وإياه إلى منزل ذلك الرجل، وفتح الابواب وأخذ مدية (6) فذبحه عليه السلام بها، ثم مسح المدية بملحفة كانت عليه، ثم أتى سقف باب الدار (7) فرفعه بيده ووضع المدية تحته وخرج، فانتبه الحاج منزعجا من ذلك، و كتب صورة المنام هو وأصحابه، وانتبه سلطان الموصل في تلك الليلة وأخذ الجيران والمشتبهين ورماهم في السجن، وتعجب أهل الموصل من قتله حيث لا يجدوا (8) نقبا ولا تسليقا على حائط ولا بابا مفتوحا ولا قفلا، وبقي السلطان متحيرا في أمره ما

 

(1) في المصدر: بهذا الحال اربعون نقيبا. (2) في المصدر: حمدويه. (3) في المصدر: ويقول له: اننى قد آذنت. (4) في المصدر: زوجته. (5) في المصدر: كما أمره. (6) المدية - مثلثة الميم -: الشفرة الكبيرة. (7) في المصدر: ثم جاء إلى باب سقف الدار. (8) ": لم يجدوا.

 

[11]

يدري ما يصنع في قضيته، فإن ورود واحد من الخارج متعذر مع هذه العلامات ولم يسرق من الدار شئ البتة، ولم تزل الجيران وغيرهم في السجن إلى ورود الحاج (1) من مكة، فلقي الجيران في السجن فسأل عن ذلك فقيل: إن في الليلة الفلانية وجدوا فلانا مذبوحا في داره ولم يعرف قاتله، ففكر (2) وقال لاصحابه: أخرجوا صورة المنام، فإذا هي ليلة القتل، ثم مشى هو والناس بأجمعهم إلى دار المقتول، فأمر بإخراج الملحفة وأخبرهم بالدم فيها، فوجدوها كما قال، ثم أمر برفع المردم (3) فرفع فوجد السكين تحته، فعرفوا صدق منامه، وافرج عن المحبوسين ورجع أهله إلى الايمان، وكان ذلك من ألطاف الله تعالى في حق بريته. وكان في الحلة شخص من أهل الدين والصلاح ملازم لتلاوة الكتاب العزيز، فرجمه الجن فكان تأتي الحجارة من الخزائن والروازن المسدودة، وألحوا عليه بالرجم وأضجروه، وشاهدت أنا الموضع التي (4) كان يأتي الرجم منها، ولم يقصر في طلب العزائم والتعاويذ ووضعها في منزله وقراءتها فيه، ولم ينقطع عنه الرجم مدة، فخطر بباله أنه دخل ووقف على باب البيت الذي كان يأتي الرجم منه، فخاطبهم وهو لا يراهم، فقال: والله لئن لم تنتهوا عني لاشكونكم إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فانقطع عنه الرجم في الحال ولم يعد إليه. ونقل ابن الجوزي وكان حنبلي المذهب في كتاب تذكرة الخواص: كان عبد الله بن المبارك يحج سنة ويغزو (5) سنة، وداوم عليه على ذلك خمسين سنة، فخرج في بعض سني الحج وأخذ معه خمسمائة دينار إلى موقف الجمال بالكوفة ليشتري

 

(1) في المصدر: إلى ان ورد الحاج. (2) في المصدر: فكبر. (3) ثوب مردم - بتشديد الدال -: خلق مرقع. (4) في المصدر، المواضع التى وفى (خ) و (م): الموضع الذى. (5) في المصدر: ويعمر.

 

[12]

جمالا للحج، فرأى امرأة علوية على بعض المزابل تنتف ريش بطة ميتة، قال: فتقدمت إليها فقلت: ولم تفعلين هذا ؟ فقالت: يا عبد الله لا تسأل عما لا يعنيك، قال: فوقع في خاطري من كلامها شئ، فألححت عليها فقالت: يا عبد الله قد ألجأتني إلى كشف سري إليك. أنا امرأة علوية ولي أربع بنات يتامى، مات أبوهن من قريب وهذا اليوم الرابع ما أكلنا شيئا، وقد حلت لنا الميتة، فأخذت هذه البطة اصلحها وأحملها إلى بناتي يأكلنها، قال: فقلت في نفسي: ويحك يا ابن المبارك أين أنت عن هذه ؟ فقلت: افتحي حجرك، ففتحت فصببت الدنانير في طرف إزارها وهي مطرقة لا تلتفت، قال: ومضيت إلى المنزل ونزع الله من قلبي شهوة الحج في ذلك العام ثم تجهزت إلى بلادي فأقمت حتى حج الناس وعادوا، فخرجت أتلقى جيراني وأصحابي، فجعل كل من أقول له: قبل الله حجك وشكر سعيك، يقول لي: وأنت قبل الله حجك وشكر سعيك، إنا قد اجتمعنا بك في مكان كذا وكذا، وأكثر الناس علي في القول، فبت متفكرا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام وهو يقول لي: يا عبد الله لا تعجب فإنك أغثت ملهوفة من ولدي، فسألت الله أن يخلق على صورتك ملكا يحج عنك كل عام إلى يوم القيامة، فإن شئت أن تحج وإن شئت لا تحج. ونقل ابن الجوزي (1) في كتابه قال: قرأت في الملتقط - وهو كتاب لجده أبي - الفرج بن الجوزي - قال: كان ببلخ رجل من العلويين نازلا بها وله زوجة وبنات فتوفي، قالت المرأة: فخرجت بالبنات إلى سمرقند خوفا من شماتة الاعداء، و اتفق وصولي في شدة البرد، فأدخلت البنات مسجدا فمضيت لاحتال في القوت، فرأيت الناس مجتمعين على شيخ، فسألت عنه فقالوا: هذا شيخ البلد، فشرحت له حالي فقال: أقيمي عندي البينة أنك علوية، ولم يلتفت إلي، فيئست منه وعدت إلى المسجد، فرأيت في طريقي شيخا (2) جالسا على دكة وحوله جماعة، فقلت:

 

(1) يعنى سبط ابن الجوزى مؤلف تذكرة الخواص ومن هنا يعرف أنهم قد يطلقون " ابن الجوزى " على سبطه بتلك القرينة. (2) في المصدر: شخصا.

 

[13]

من هذا ؟ فقالوا: ضامن البلد وهو مجوسي، فقلت عسى أن يكون عنده فرج، فحدثته حديثي وما جرى لي مع الشيخ، (1) فصاح بخادم له فخرج، فقال: قل لسيدتك: تلبس ثيابها، فدخل فخرجت امرأة ومعها جوار، فقال لها: اذهبي مع هذه المرأة إلى المسجد الفلاني واحملي بناتها إلى الدار. فجاءت معي وحملت البنات، وقد أفرد لنا دارا في داره، وأدخلنا الحمام، وكسانا ثيابا فاخرة، وجائنا بألوان الاطعمة، وبتنا بأطيب ليلة، فلما كان نصف الليل رأى شيخ البلد المسلم في منامه كأن القيامة قد قامت واللواء على رأس محمد صلى الله عليه وآله وإذا قصر من الزمرد الاخضر فقال: لمن هذا ؟ فقيل (له): لرجل مسلم موحد، فتقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأعرض عنه، فقال: يا رسول الله تعرض (2) عني وأنا رجل مسلم ؟ فقال له أقم البينة عندي أنك مسلم ! فتحير الرجل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: نسيت ما قلت للعلوية ؟ وهذا القصر للشيخ الذي هي في داره، فانتبه الرجل وهو يلطم ويبكي، وبعث غلمانه في البلد وخرج بنفسه يدور على العلوية، فاخبر أنها في دار المجوسي، فجاء إليه فقال: أين العلوية ؟ قال: عندي، قال: اريدها، قال: ما إلى (3) هذا سبيل: قال: هذه ألف دينار وسلمهن إلي، قال: لا والله ولا مائة ألف دينار، فلما ألح عليه قال له: المنام الذي رأيته أنت رأيته أنا أيضا، والقصر الذي رأيته لي خلق، (4) وأنت تدل علي بإسلامك، والله ما نمت ولا أحد في داري إلا وقد أسلمنا كلنا على يد العلوية، وعاد من بركاتها علينا، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وقال لي: القصر لك ولاهلك بما فعلت مع العلوية، وأنتم من أهل الجنة، خلقكم الله مؤمنين في العدم (5).

 

(1) في المصدر: وما جرى معى ومع الشيخ. (2) في المصدر: لم تعرض ؟. (3) في المصدر وفى غير (ك) من النسخ: مالى إلى هذا. (4) في المصدر: والقصر الذى رأيته انت رأيته لى خلق. (5) في المصدر: في القدم.

 

[14]

ونقل أيضا في كتابه عن أبي الدنيا أن رجلا رأى رسول الله صلى الله عليه وآله في منامه وهو يقول: امض إلى فلان المجوسي وقل له: قد اجيبت الدعوة، فامتنع الرجل من أداء الرسالة لئلا يظن المجوسي أنه يتعرض له، وكان الرجل في الدنيا واسعة، فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله ثانيا وثالثا، فأصبح فأتى المجوسي وقال له في خلوة من الناس: أنا رسول رسول الله إليك وهو يقول لك: قد اجبت (1) الدعوة، فقال له: أتعرفني ؟ فقال: نعم، فقال: إني انكر دين الاسلام ونبوة محمد صلى الله عليه وآله فقال: أنا أعرف هذا وهو الذي أرسلني إليك مرة ومرة ومرة، فقال: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله ودعا أهله وأصحابه وقال لهم: كنت على ضلال وقد رجعت إلى الحق فأسلموا، فمن أسلم فما في يده له، ومن أبى فلينزع عما لي عنده فأسلم القوم وأهله، وكانت إبنته مزوجة من ابنه، ففرق بينهما، ثم قال لي: أتدري ما الدعوة ؟ (2) فقلت: لا والله وأنا اريد أن أسألك عنها الساعة، فقال: لما زوجت ابنتي صنعت طعاما ودعوت الناس فأجابوا، وكان إلى جانبنا قوم أشراف فقراء لا مال لهم، فأمرت غلماني أن يبسطوا لي حصيرا في وسط الدار، فسمعت صبية تقول لامها: يا اماه قد آذانا هذا المجوسي برائحة طعامه، فأرسلت إليهن بطعام كثير وكسوة ودنانير للجميع، فلما نظروا إلى ذلك قالت الصبية للباقيات: والله ما نأكل حتى ندعو له، فرفعن أيديهن و قلن: حشرك الله مع جدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وأمن بعضهن، فتلك الدعوة التي اجيبت. ونقل ابن الجوزي أيضا في كتابه عن جده أبي الفرج بإسناده إلى ابن الخضيب قال: كنت كاتبا للسيدة ام المتوكل، فبينا أنا في الديوان إذا بخادم صغير قد خرج من عندها ومعه كيس فيه ألف دينار، فقال: السيدة تقول لك: فرق هذا في أهل الاستحقاق فهو من أطيب مالي، واكتب أسماء الذين تفرقه فيهم حتى إذا جاءني

 

(1) في المصدر: قد اجيبت. (2) أي الدعوة التى بشر رسول الله صلى الله عليه وآله بانها قد اجيبت.

 

[15]

من هذا الوجه شئ صرفته إليهم، قال: فمضيت إلى منزلي وجمعت أصحابي وسألتهم عن المستحقين، فسموا لي أشخاصا ففرقت فيهم ثلاثمائة دينار وبقي الباقي بين يدي إلى نصف الليل، وإذا بطارق يطرق الباب، فسألته من هو ؟ فقال: فلان العلوي - وكان جاري - فأذنت له فدخل، فقلت له: ما شأنك ؟ فقال: إني جائع، فأعطيته من ذلك دينارا فدخلت إلى زوجتي فقالت: ما الذي عناك في هذه الساعة ؟ فقلت: طرقني في هذه الساعة طارق من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن عندي ما اطعمه فأعطيته دينارا فأخذه وشكر لي وانصرف، فخرجت زوجتي وهي تبكي وتقول: أما تستحيي يقصدك مثل هذا الرجل وتعطيه دينارا وقد عرفت استحقاقه ؟ أعطه الجميع فوقع كلامها في قلبي. وقمت خلفه فناولته الكيس، فأخذه وانصرف، فلما عدت إلى الدار ندمت وقلت: الساعة يصل الخبر إلى المتوكل وهو يمقت العلويين فيقتلني فقال لي زوجتي: لا تخف واتكل على الله وعلى جدهم، فبينا نحن كذلك إذ طرق الباب والمشاعل في أيدي الخدم، وهم يقولون: أجب السيدة، فقمت مرعوبا وكلما مشيت قليلا تواترت الرسل، فوقفت على ستر السيدة فسمعتها تقول: يا أحمد جزاك الله خيرا وجزى زوجتك، كنت الساعة نائمة فجائني رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: " جزاك الله خيرا وجزى زوجة ابن الخضيب خيرا " فما معنى هذا ؟ فحدثتها الحديث وهي تبكي، فأخرجت دنانير وكسوة وقالت: هذا للعلوي وهذا لزوجتك وهذا لك، و كان ذلك يساوي مائة (1) ألف درهم، فأخذت المال وجعلت طريقي على بيت العلوي فطرقت الباب فقال من داخل المنزل: هات ما معك يا أحمد، وخرج وهو يبكي، فسألته عن بكائه فقال: لما دخلت منزلي قالت لي زوجتي: ما هذا الذي معك ؟ فعرفتها فقالت لي: قم بنا حتى نصلي وندعو للسيدة ولاحمد وزوجته، فصلينا ودعونا، ثم نمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام وهو يقول: قد شكرتم على ما فعلوا معك فالساعة يأتونك بشئ فاقبل منهم. انتهى ما أخرجته من كتاب كشف اليقين (2).

 

(1) في المصدر: مائتي. (2) كشف اليقين في فضائل امير المومنين: 164 - 172.

 

[16]

(13 - كنز الكراجكى: حدثني علي بن أحمد اللغوي بميا فارقين (1) في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، قال دخلت على أبي الحسن علي السلماسي (2) في مرضته التي توفي فيها فسألته عن حاله، فقال: لحقتني غشية اغمي علي فيها، فرأيت مولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قد أخذ بيدي وأنشأ يقول: فإن آل محمد في الارض غرق جهلها (3) * وسفينتهم حمل الذي طلب النجاة وأهلها فاقبض بكفك عروة لا تخش منها فصلها ومنه عن محمد بن عبيدالله الحسيني، عن أبيه، عن أحمد بن محبوب قال: سمعت أبا جعفر الطبري يقول: حدثنا هناد بن السري قال: رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وآله في المنام فقال لي: ياهناد، قلت: لبيك يا أمير - المؤمنين، قال: أنشدني قول الكميت: ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان لنا الولاية لو اطيعا ولكن الرجال تبايعوها * فلم أر مثلها أمرا شنيعا قال فأنشدته فقال لي: خذ إليك يا هناد، فقلت: هات يا سيدي، فقال عليه السلام: ولم أر مثل ذاك اليوم يوما * ولم أر مثله حقا اضيعا (4)]

 

(1) بفتح اوله وتشديد ثانيه أشهر مدينة بديار بكر. (2) في المصدر: على بن السلماسى. (3) في المصدر: طوفان آل محمد. ولم نفهم المراد. (4) كنز الكراجكى: 154. والراويتان توجدان في (ك) فقط.- 1 -

 

[17]

116. (باب) * (جوامع معجزاته صلوات الله عليه ونوادرها) * 1 - يج: روي عن رميلة أن عليا عليه السلام مر برجل يخبط: هو هو، فقال: يا شاب لو قرأت القرآن لكان خيرا لك، فقال: إني لا احسنه ولوددت أن احسن منه شيئا، فقال: ادن مني، فدنا منه فتكلم في اذنه بشئ خفي، فصور الله القرآن كله في قلبه فحفظ كله (1). 2 - يج: روي عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قرئت عند أمير المؤمنين عليه السلام " إذا زلزلت الارض زلزالها " إلى أن بلغ قوله: " وقال الانسان مالها يومئذ تحدث أخبارها (2) " قال: أنا الانسان وإياي تحدث أخبارها، فقال له ابن الكواء: يا أمير المؤمنين " وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم (3) " قال نحن الاعراف نعرف أنصارنا بسيماهم، ونحن أصحاب الاعراف نوقف بين الجنة والنار، ولا يدخل الجنة إلا من عرفنا وعرفناه، ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه، وكان علي عليه السلام يخاطبه بويحك، وكان يتشيع، فلما كان يوم النهروان قاتل عليا عليه السلام ابن الكواء. وجاءه عليه السلام رجل فقال: إني احبك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: كذبت فقال الرجل: سبحان الله كأنك تعلم ما في قلبي ! وجاءه آخر فقال: إني احبكم أهل البيت - وكان فيه لين - فأثنى عليه عنده، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: كذبتم لا

 

(1) لم نجد هذه الرواية واللتين بعدها في الخرائج المطبوع. (2) سورة الزلزال: 1 - 4. (3) " الاعراف: 46.

 

[18]

يحبنا مخنث ولا ديوث ولا ولد زناء ولا من حملته امه في حيضها، فذهب الرجل فلما كان يوم صفين قتل مع معاوية. 3 - يج: روي أنه صعب على المسلمين قلعة فيها كفار ويئسوا من فتحها فقعد في المنجنيق ورماه الناس إليها وفي يده ذو الفقار، فنزل عليهم وفتح القلعة. 4 - يج: روي عن محمد بن سنان قال: دخلت على الصادق عليه السلام فقال لي: من بالباب ؟ قلت: رجل من الصين، قال: فأدخله، فلما دخل قال له أبو عبد الله عليه السلام: هل تعرفونا بالصين ؟ قال: نعم يا سيدي، قال: وبما ذا تعرفوننا ؟ قال: يا ابن رسول الله إن عندنا شجرة تحمل كل سنة وردا يتلون كل يوم مرتين، فإذا كان أول النهار نجد مكتوبا عليه " لا إله إلا الله محمد رسول الله " وإذا كان آخر النهار فإنا نجد مكتوبا عليه " لا إله إلا الله علي خليفة رسول الله " (1). 5 - يج: روي أن أبا طالب قال لفاطمة بنت أسد - وكان علي عليه السلام صبيا: - رأيته يكسر الاصنام فخفت أن يعلم كبار قريش، فقالت: يا عجبا اخبرك بأعجب من هذا، إني اجتزت بالموضع الذي كانت أصنامهم فيه منصوبة وعلي في بطني، فوضع رجليه في جوفي شديدا لا يتركني أن أقرب من ذلك الموضع الذي فيه، وإنما كنت أطوف بالبيت لعبادة الله لا للاصنام (2). 6 - شا: (3) ومن آيات أمير المؤمنين صلوات الله عليه وبيناته التي انفرد بها ممن عداه ظهور مناقبه في الخاصة والعامة، وتسخير الجمهور لنقل فضائله وما خصه الله (4) من كرائمه، وتسليم العدو من ذلك بما فيه الحجة عليه، هذا مع كثرة المنحرفين عنه والاعداء له، وتوافر أسباب دواعيهم إلى كتمان فضله وجحد حقه، وكون الدنيا في يد خصومه وانحرافها عن أوليائه، وما اتفق لاضداده من

 

(1) الخرائج والجرائح: 87. (2) لم نجده في الخرائج المطبوع. (3) في (ك) و (ت): " يج " لكنه سهو من النساخ. (4) في المصدر: وما خصه الله به اه‍.

 

[19]

سلطان الدنيا، وحمل الجمهور على إطفاء نوره ودحض أمره، فخرق الله العادة بنشر فضائله وظهور مناقبه، وتسخير الكل للاعتراف بذلك والاقرار بصحته، واندحاض ما احتال به أعداؤه في كتمان مناقبه وجحد حقوقه، حتى تمت الحجة له وظهر البرهان بحقه، ولما كانت العادة جارية بخلاف ما ذكرناه فيمن اتفق له من أسباب خمول أمره ما اتفق لامير المؤمنين عليه السلام فانخرقت العادة فيه دل ذلك على بينونته من الكافة بباهر الآية على ما وصفناه، وقد شاع الخبر واستفاض عن الشعبي أنه كان يقول: لقد كنت أسمع خطباء بني امية يسبون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على منابرهم وكأنما يشال بضبعه (1) إلى السماء، وكنت أسمعهم يمدحون أسلافهم على منابرهم وكأنهم يكشفون عن جيفة. وقال الوليد بن عبد الملك لبنيه يوما: يا بني عليكم بالدين فإني لم أر الدين بنى شيئا فهدمته الدنيا، ورأيت الدنيا قد بنت بنيانا فهدمه الدين، ما زالت (2) أصحابنا وأهلنا يسبون علي بن أبي طالب عليه السلام ويدفنون فضائله ويحملون الناس على شنآنه ولا يزيده ذلك من القلوب إلا قربا، ويجهدون (3) في تقريبهم من نفوس الخلق ولا يزيدهم ذلك إلا بعدا (4)، وفيما انتهى إليه الامر من دفن فضائل أمير المؤمنين والحيلولة بين العلماء ونشرها ما لا شبهة فيه على عاقل، حتى كان الرجل إذا أراد أن يروي عن أمير المؤمنين عليه السلام رواية لن يستطيع (5) أن يصفها بذكر اسمه ونسبه ويدعوه الضرورة إلى أن يقول: حدثني رجل من أصحاب رسول الله، ويقول (6): حدثني رجل من قريش، ومنهم من يقول: حدثني أبو زينب، وروى عكرمة عن

 

(1) شاله: رفعه. والضبع - بسكون الباء -: العضد. (2) في المصدر: مازلت اسمع اصحابنا. (3) في المصدر: ويجتهدون. (4) في المصدر: فلا يزيدهم ذلك من القلوب الا بعدا. (5) كذا في (ك). وفى غيره من النسخ " لم يستطع ". وفى المصدر: لم يستطع أن يضيفها إليه. (6) في المصدر: أو يقول.

 

[20]

عائشة في حديثها له بمرض رسول الله صلى الله عليه واله ووفاته فقالت في جملة ذلك: فخرج رسول الله صلى الله عليه واله متوكئا على رجلين من أهل بيته أحدهما الفضل بن العباس، فلما حكي عنها ذلك لعبدالله بن العباس قال له: اتعرف الرجل الآخر ؟ قال: لا لم تسمه لي قال: ذلك علي بن أبي طالب، وما كانت امنا تذكره بخير وهي تستطيع. وكانت الولاة الجورة تضرب بالسياط من ذكره بخير، بل تضرب الرقاب على ذلك، وتعرض للناس بالبراءة منه، والعادة جارية فيمن اتفق له ذلك أن لا يذكر على وجه بخير فضلا عن أن يذكر له فضائل أو يروى (1) له مناقب أو يثبت له حجة لحق (2) وإذا كان ظهور فضائله عليه السلام وانتشار مناقبه على ما قدمنا ذكره من شياع ذلك في الخاصة والعامة وتسخير العدو والولي لنقله ثبت خرق العادة فيه، و بان وجه البرهان فيه (3) بالآية الباهرة على ما قدمناه. ومن آيات الله تعالى فيه أنه لم يمن أحد في ولده وذريته بما مني عليه السلام (4) في ذريته، وذلك أنه لم يعرف خوف شمل جماعة من ولد نبي ولا إمام ولا ملك زمان ولابر ولا فاجر كالخوف الذي شمل ذرية أمير المؤمنين عليه السلام، ولا لحق أحدا من القتل والطرد عن الديار والاوطان والاخافة والارهاب ما لحق ذرية أمير المؤمنين عليه السلام وولده، ولم يجر على طائفة من الناس من صروف (5) النكال ما جرى عليهم من ذلك، فقتلوا بالفتك والغيلة والاحتيال، وبني على كثير منهم - وهم أحياء - البنيان، وعذبوا بالجوع والعطش حتى ذهبت أنفسهم على الهلاك، وأحوجهم ذلك إلى التمزق في ذلك (6) ومفارقة الديار والاهل والاوطان، وكتمان نسبهم

 

(1) في المصدر: أو تروى. (2) في المصدر: أو تثبت له حجة بحق. (3) في المصدر: في معناه. (4) في المصدر: بمثل مامنى. يقال: منى الله الخير لفلان: قدره له. منى لكذا: وفق له. (5) في المصدر: من ضروب. (6) في المصدر: وأحوجهم ذلك إلى التمزق في البلاد. والتمزق: التفرق.

 

[21]

عن أكثر الناس، وبلغ بهم الخوف إلى الاستخفاء عن أحبائهم فضلا عن الاعداء وبلغ هربهم من أعدائهم (1) إلى أقصى الشرق والغرب، والمواضع النائية عن العمارة وزهد في معرفتهم أكثر الناس، ورغبوا عن تقريبهم والاختلاط بهم مخافة على أنفسهم وذراريهم من جبابرة الزمان، وهذه كلها أسباب يقتضي (2) انقطاع نظامهم واجتثاث اصولهم وقلة عددهم، وهم مع ما وصفناه أكثر ذرية أحد من الانبياء والصالحين والاولياء، بل أكثر من ذراري أحد (3) من الناس قد طبقوا الارض (4) بكثرتهم البلاد، وغلبوا في الكثرة على ذراري أكثر العباد، هذا مع اختصاص مناكحهم في أنفسهم دون البعداء، وحصرها في ذوي أنسابهم دنية من الاقرباء، وفي ذلك خرق العادة على ما بيناه، وهو دليل الآية الباهرة في أمير المؤمنين عليه السلام كما وصفناه و بيناه، وهذا ما لا شبهة فيه والحمد لله (5). 7 - م: قال الصادق عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه واله لما أظهر لليهود ولجماعة من المنافقين المعجزات فقابلوها بالكفر أخبر الله عزوجل عنهم بأنه جل ذكره ختم على قلوبهم وعلى سمعهم ختما يكون علامة لملائكته المقربين القراء لما في اللوح المحفوظ من أخبار هؤلاء المكذبين المذكورين فيه أحوالهم، حتى إذا نظروا إلى أحوالهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وشاهدوا ما هناك من ختم الله عزوجل عليها ازدادوا بالله معرفة، وبعلمه بما يكون قبل أن يكون يقينا، حتى إذا شاهدوا هؤلاء المختوم عليهم وعلى جوارحهم يخبرون على ما قرؤوا من اللوح المحفوظ وشاهدوه في قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم ازدادوا بعلم الله عزوجل بالغائبات يقينا، قال: فقالوا: يا رسول الله فهل في عباد الله من يشاهد هذا الختم كما تشاهده الملائكة ؟ فقال رسول -

 

(1) في المصدر: من أوطانهم. (2) في المصدر: تقتضي. (3) في المصدر: من ذرارى كل احد. (4) ليست كلمة " الارض " في المصدر. (5) الارشاد: 147 و 148.

 

[22]

الله صلى الله عليه واله: بلى محمد رسول الله شاهده بإشهاد الله تعالى له، ويشاهده من امته أطوعهم لله عزوجل وأشدهم جدا في طاعة الله عزوجل وأفضلهم في دين الله عزوجل، فقالوا: بينه يا رسول الله، وكل منهم يتمنى أن يكون هو، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: دعوه يكن ممن شاء الله، فليس الجلالة في المراتب عند الله عزوجل بالتمني ولا بالتظني ولا بالاقتراح، ولكنه فضل من الله عزوجل على من يشاء يوفقه للاعمال الصالحة يكرمه بها، فيبلغه أفضل الدرجات وأفضل المراتب، إن الله تعالى سيكرم بذلك من يريكموه في غد، فجدوا في الاعمال الصالحة، فمن وفقه الله لما يوجب عظيم كرامته عليه فلله عليه في ذلك الفضل العظيم. قال عليه السلام: فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه واله وغص مجلسه بأهله وقد جد بالامس كل من خيارهم في خيار عمله وإحسانه إلى ربه قدمه يرجو أن يكون هو ذلك الخير الافضل، فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه واله من هذا عرفناه بصفته إن لم تنص لنا على اسمه، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: هذا الجامع للمكارم، الحاوي للفضائل، المشتمل على الجميل، قاض عن أخيه دينا مجحفا إلى غريم سغب (1) غاضب لله تعالى، قاتل لغضبه ذاك عدو الله، مستحي من مؤمن معرضا عنه بخجلة، مكايدا (2) في ذلك الشيطان الرجيم حتى أخزاه الله عنه ووقى بنفسه نفس عبد الله مؤمن حتى أنقذه من الهلكة ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: أيكم قضى البارحة ألف درهم وسبعمائة درهم ؟ فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: أنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يا علي فحدث إخوانك المؤمنين كيف كانت قصته اصدقك لتصديق الله إياك، فهذا الروح الامين أخبرني عن الله تعالى أنه قد هذبك عن القبيح كله، ونزهك عن المساوي بأجمعها وخصك بالفضائل من أشرفها (3) وأفضلها، لا يتهمك إلا من كفر به وأخطأ حظ نفسه.

 

(1) أجحف به: استأصله. وسغب سغبا: جاع. وفى المصدر وهامش (خ): متعنت خ ل. (2) في (خ): مكابدا. وكابده أي قاساه وتحمل المشاق في فعله. (3) في المصدر: من الفضائل بأشرفها.

 

[23]

فقال علي عليه السلام: مررت البارحة بفلان بن فلان المؤمن، فوجدت فلانا وأنا أتهمه بالنفاق، وقد لازمه وضيق عليه، فناداني المؤمن: يا أخا رسول الله وكشاف الكرب عن وجه رسول الله وقامع أعدائه عن حبيبه أغثني واكشف كربتي ونجني من غمي، سل غريمي هذا لعله يجيبك ويؤجلني فإني معسر، فقلت له: الله إنك لمعسر ؟ فقال: يا أخا رسول الله صلى الله عليه واله لان كنت أستحل الكذب فلا تأمنني على يميني أيضا، فإني معسر وفي قولي هذا صادق، واوقر الله واجله أن أحلف به صادقا أو كاذبا، فأقبلت على الرجل فقلت: إنى لاجل نفسي عن أن يكون لهذا علي يد، وأجلك أيضا عن أن يكون له عليك يد أو منة، وأسأل مالك الملك (1) الذي لا يؤنف من سؤاله ولا يستحيى من التعرض لثوابه، ثم قلت: اللهم بحق محمد وآله الطيبين لما قضيت عن عبدك هذا هذا الدين، فرأيت أبواب السماء تنادي أملاكها: يا أبا الحسن مر هذا العبد ؟ يضرب بيده إلى ما شاء مما بين يديه من حجر ومدر وحصاة وتراب يستحيل في يده ذهبا، ثم يقضي منه دينه ويجعل ما يبقى نفقته وبضاعته التي يسد بها فاقته ويمون (2) بها عياله، فقلت: يا عبد الله قد أذن الله بقضاء دينك وإيسارك بعد فقرك، اضرب بيدك إلى ما تشاء مما أمامك فتناوله، فإن الله يحوله في يدك ذهبا إبريزا، فتناول أحجارا ثم مدرا فانقلبت له ذهبا أحمر، ثم قلت له: افصل له منها قدر دينه فأعطه، ففعل، قلت: فالباقي لك رزق ساقه الله تعالى إليك فكان الدي قضاه من دينه ألفا وسبعمائة درهم، وكان الذي بقي أكثر من مائة ألف درهم، فهو من أيسر أهل المدينة. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: إن الله يعلم من الحساب ما لا يبلغه عقول الخلق إنه يضرب ألفا وسبعمائة في ألف وسبعمائة، ثم ما ارتفع من ذلك في مثله إلى أن يفعل ذلك ألف مرة، ثم آخر ما يرتفع من ذلك عدد ما يهبه الله لك في الجنة من القصور قصر من ذهب وقصر من فضة وقصر من لؤلؤ وقصر من زبرجد وقصر من

 

(1) ملك الملوك خ ل. (2) مانه: احتمل مؤنته وقام بكفايته.

 

[24]

جوهر وقصر من نور رب العزة، وأضعاف ذلك من العبيد والخدم والخيل والنجب تطير بين سماء الجنة وأرضها، فقال علي عليه السلام: حمدا لربي وشكرا، قال رسول الله صلى الله عليه واله: وهذا العدد فهو عدد من يدخلهم الجنة ويرضى عنهم لمحبتهم لك، و أضعاف هذا العدد من يدخلهم النار من الشياطين من الجن والانس ببغضهم لك و وقيعتهم فيك وتنقيصهم إياك. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: أيكم قتل البارحة رجلا غضبا لله ولرسوله ؟ فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: أنا، وسيأتيكم الخصوم الآن، فقال رسول الله صلى الله عليه واله حدث إخوانك المؤمنين القصة، فقال علي عليه السلام: كنت في منزلي إذ سمعت رجلين خارج دارى يتدارءان (1) فدخلا إلي، فإذا فلان اليهودي وفلان رجل معروف في الانصار، فقال اليهودي: يا أبا الحسن اعلم أنه قد بدت لي مع هذا حكومة فاحتكمنا إلى محمد صاحبكم فقضى لي عليه، فهو يقول: لست أرضى بقضائه فقد حاف (2) ومال وليكن بيني وبينك كعب بن الاشرف، فأبيت عليه، فقال: أفترضي بعلي ؟ فقلت: نعم، فها هو قد جاء بي إليك، فقلت لصاحبه: أكما يقول ؟ قال: نعم، ثم قلت: أعد علي الحديث، فأعاد كما قال اليهودي، ثم قال لي: يا علي فاقض بيننا بالحق، فقمت أدخل منزلي، فقال الرجل: إلى أين ؟ قلت: أدخل آتيك بما به أحكم بالحكم العدل، فدخلت واشتملت على سيفي وضربته على حبل عاتقه، فلو كان جبلا لقددته فوقع رأسه بين يديه. فلما فرغ علي عليه السلام من حديثه جاء أهل ذلك الرجل بالرجل المقتول و قالوا: هذا ابن عمك قتل صاحبنا فاقتص منه، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: لا قصاص فقالوا أودية، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: ولا دية لكم، هذا والله قتيل الله لا يؤدى، إن عليا قد شهد على صاحبكم بشهادة، والله يلعنه بشهادة علي، ولو شهد علي على الثقلين لقبل الله شهادته عليهم، إنه الصادق الامين، ارفعوا صاحبكم هذا وادفنوه مع اليهود

 

(1) تدارء القوم، تدافعوا في الخصومة. (2) حاف عليه: جار عليه وظلمه وفى المصدر: خاف.

 

[25]

فقد كان منهم، فرفع وإذا أوداجه تشخب دما وبدنه قد كسي شعرا، فقال علي عليه السلام: يا رسول الله ما أشبهه إلا بالخنزير في شعره ! فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يا علي أو ليس لو جئت بعدد كل شعرة منه مثل عدد رمال الدنيا حسنات لكان كثيرا ؟ قال: بلى يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه واله: يا أبا الحسن إن هذا القتل الذي قتلت به هذا الرجل قد أوجب الله لك به من الثواب كأنما أعتقت رقابا بعدد رمل عالج الدنيا، وبعدد كل شعرة على هذا المنافق، وإن أقل ما يعطي الله بعتق رقبة لمن يهب له بعدد كل شعرة من تلك الرقبة ألف حسنة، ويمحو عنه ألف سيئة، فإن لم يكن له فلابيه، فان لم يكن لابيه فلامه، فإن لم يكن لها فلاخيه، فإن لم يكن له فلذويه وجيرانه وقراباته. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: أيكم استحيا البارحة من أخ له في الله لما رأى به خلة ثم كايد (1) الشيطان في ذلك الاخ ولم يزل به حتى غلبه ؟ فقال علي عليه السلام: أنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: حدث به يا علي إخوانك المؤمنين ليتأسوا بحسن صنيعك فيما يمكنهم، وإن كان أحد منهم لم يلحق شأنك ولم يسبق عبادتك ولا يرمقك في سابقة لك إلى الفضائل إلا كما يرمق الشمس إلى الارض وأقصى المشرق من أقصى المغرب، فقال علي عليه السلام: مررت بمزبلة بني فلان فرأيت رجلا من الانصار مؤمنا قد أخذ من تلك المزبلة قشور البطيخ والقثاء والتين، فهو يأكلها من شدة الجوع، فلما رأيته استحييت من أن يراني فيخجل، وأعرضت عنه و مررت إلى منزلي وكنت أعددت لفطوري وسحوري قرصين من شعير، فجئت بهما إلى الرجل فناولته إياهما، وقلت: أصب من هذا كلما جعت فإن الله عزوجل يجعل البركة فيهما، فقال: يا أبا الحسن أنا اريد أن أمتحن هذه البركة لعلمي بصدقك في قيلك، إني أشتهي لحم فراخ وأشتهاه على أهل منزلي فقلت: اكسر منه لقما بعدد ما تريده من فراخ، فإن الله تعالى يقلبها فراخا بمسألتي إياه بجاه

 

(1) في (خ): كابد.

 

[26]

محمد وآله الطيبين الطاهرين، فأخطر الشيطان ببالي فقال: يا أبا الحسن تفعل هذا به ولعله منافق ؟ فرددت عليه وقلت: إن يكن مؤمنا فهو أهل لما أفعل معه وإن يكن منافقا فأنا للاحسان أهل، فليس كل معروف يلحق مستحقه، وقلت: أنا أدعو الله بمحمد وآله الطيبين ليوفقه للاخلاص والنزوع عن الكفر إن كان منافقا فإن تصدقي عليه بهذا أفضل من تصدقي عليه بالطعام الشريف الموجب للثروة و الغناء، وكابدت الشيطان ودعوت الله سرا من الرجل بالاخلاص بجاه محمد وآله الطيبين فارتعدت فرائص الرجل وسقط لوجهه، فأقمته وقلت ماذا شأنك ؟ قال كنت منافقا شاكا فيما يقوله محمد وفيما تقوله أنت، فكشف لي الله عن السماوات والارض (1) فأبصرت كل ما تواعدان من العقوبات، فذلك حين وقر الايمان في قلبي وأخلص به جناني، وزال عني الشك الذي كان يعتورني، فأخذ الرجل القرصين وقلت له: كل شئ تشتهيه فاكسر من القرص قليلا فإن الله يحوله ما تشتهيه وتتمناه وتريده فما زال ذلك يتقلب شحما ولحما وحلوا ورطبا وبطيخا وفواكه الشتاء وفواكه الصيف حتى أظهره الله تعالى من الرغيفين عجبا، وصار الرجل من عتقاء الله من النار ومن عبيده المصطفين الاخيار فذلك حين رأيت جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت قد قصد الشيطان كل واحد منهم بمثل جبل أبي قبيس، فوضع أحدهم عليه يبنيها (2) بعضهم على بعض فيهشم، وجعل إبليس يقول: يا رب وعدك وعدك ألم تنظرني إلى يوم يبعثون ؟ فإذا نداء بعض الملائكة: أنظرتك لئلا تموت ما أنظرتك لئلا تهشم و ترضض، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يا أبا الحسن كما عاندت (3) الشيطان فأعطيت في الله حين نهاك عنه وغلبته فإن الله يخزي عنك الشيطان وعن محبيك، ويعطيك في الآخرة بعدد كل حبة مما أعطيت صاحبك وفيما تتمناه الله منه درجة في الجنة أكبر من الدنيا من الارض إلى السماء، وبعدد كل حبة منها جبلا من فضة كذلك، و

 

(1) والحجب خ ل. (2) ويثنيها خ ل. ولم نفهم المراد. (3) في المصدر: كما كايدت.

 

[27]

جبلا من لؤلؤ وجبلا من ياقوت وجبلا من جوهر وجبلا من نور رب العزة (1) كذلك وجبلا من زمرد وجبلا من زبرجد كذلك، وجبلا من مسك وجبلا من عنبر كذلك، وإن عدد خدمك في الجنة أكثر من عدد قطر المطر والنبات وشعور الحيوانات، بك يتم الله الخيرات ويمحو عن محبيك السيئات، وبك يميز الله المؤمنين من الكافرين والمخلصين من المنافقين، وأولاد الرشد من أولاد الغي. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: وأيكم وقى بنفسه نفس رجل مؤمن البارحة ؟ فقال علي عليه السلام: أنا يا رسول الله وقيت بنفسي نفس ثابت بن قيس بن شماس الانصاري فقال رسول الله صلى الله عليه واله: حدث بالقصة إخوانك المؤمنين ولا تكشف عن اسم المنافقين المكايدين لنا، فقد كفا كما الله شرهم وأخرهم للتوبة لعلهم يتذكرون أو يخشون فقال علي عليه السلام: إني بينا أسير في بني فلان بظاهر المدينة وبين يدي بعيدا مني ثابت بن قيس: إذ بلغ بئرا عادية عميقة بعيدة القعر، وهناك رجال من المنافقين، فدفعوه ليرموه في البئر فتماسك ثابت، ثم عاد فدفعه، والرجل لا يشعر بي حتى وصلت إليه، وقد اندفع ثابت في البئر، فكرهت أن أشغل بطلب المنافقين خوفا على ثابت، فوقعت في البئر لعلي آخذه، فنظرت فإذا أنا سبقته إلى قعر البئر، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: وكيف لا تسبقة وأنت أرزن منه، ولو لم يكن من رزانتك إلا ما في جوفك من علم الاولين والآخرين الذي أودع الله رسوله وأودعك رسوله لكان من حقك أن تكون أرزن من كل شئ، فكيف كان حالك وحال ثابت ؟ قال: يا رسول الله صرت إلى قرار البئر واستقررت قائما وكان ذلك أسهل علي وأخف على رجلي من خطاي التي كنت أخطوها رويدا رويدا، ثم جاء ثابت فانحدر فوقع على يدي، وقد بسطتها له، فخشيت أن يضرني سقوطه علي أو يضره، فما كان إلا كباقة ريحان تناولتها بيدي، ثم نظرت فإذا ذاك المنافق ومعه آخران على شفير البئر وهو يقول: أردنا واحدا فصار اثنين ! فجاؤوا بصخرة فيها مائتا من (2) فأرسلوها علينا،

 

(1) العالمين خ ل. (2) في المصدر و (خ): فيها مقدار مائتي من.

 

[28]

فخشيت أن تصيب ثابتا فاحتضنته، وجعلت رأسه إلى صدري وانحنيت عليه، فوقعت الصخرة على مؤخر رأسي، فما كانت إلا كترويحة بمروحة (1) روحت بها في حمارة القيظ، ثم جاؤوا بصخرة اخرى فيها قدر ثلاثمائة من فأرسلوها علينا، فانحنيت على ثابت فأصابت مؤخر رأسي، فكانت كماء صببت على رأسي وبدني في يوم شديد الحر، ثم جاؤوا بصخرة ثالثة فيها قدر خمسمائة من يد يرونها على الارض لا يمكنهم أن يقلبوها، فأرسلوها علينا، فانحنيت على ثابت فأصابت مؤخر رأسي وظهري، فكانت كثوب ناعم صببته (2) على بدني ولبسته و تنعمت به، ثم سمعتهم يقولون: لو أن لابن أبي طالب وابن قيس مائة ألف روح ما نجت واحدة منها من بلاء هذه الصخور، ثم انصرفوا وقد دفع الله عنا شرهم، فأذن الله لشفير البئر فانحط ولقرار البئر فارتفع، فاستوى القرار والشفير بعد بالارض، فخطونا وخرجنا. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يا أبا الحسن إن الله عزو جل قد أوجب لك بذلك من الفضائل والثواب ما لا يعرفه غيره، ينادي مناد يوم القيامة: أين محبو علي بن أبي - طالب ؟ فيقوم قوم من الصالحين، فيقال لهم: خذوا بأيدي من شئتم من عرصات القيامة فأدخلوهم الجنة، فأقل رجل منهم ينجو بشفاعته من أهل تلك العرصات ألف ألف رجل، ثم ينادي مناد أين البقية من محبي علي بن أبي طالب ؟ فيقومون مقتصدون، فيقال لهم: تمنوا على الله عزوجل ما شئتم، فيتمنون فيفعل بكل واحد منهم ما تمنى، ثم يضعف له مائة ألف ضعف، ثم ينادي مناد: أين البقية من محبي علي بن أبي طالب ؟ فيقوم قوم ظالمون لانفسهم معتدون عليها، فيقال: أين المبغضون لعلي بن أبي طالب ؟ فيؤتى بهم جم غفير وعدد عظيم كثير، فيقال: ألا نجعل كل ألف من هؤلاء فداء لواحد من محبي علي بن أبي طالب عليه السلام ليدخلوا

 

(1) روح عليه بالمروحة: حرك يده بها يستجلب له الريح. والمروحة آلة تحرك بها الريح عند اشتداد الحر. (2) أي لبسته.

 

[29]

الجنة، فينجي الله عزوجل محبيك ويجعل أعداءهم فداءهم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: هذا الافضل الاكرم، محبه محب الله ومحب رسوله ومبغضه مبغض الله ومبغض رسوله، هم خيار خلق الله من امة محمد صلى الله عليه واله. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله لعلي عليه السلام: انظر فنظر إلى عبد الله بن ابي وإلى سبعة نفر من اليهود، فقال: قد شاهدت ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: أنت يا علي أفضل شهداء الله في الارض بعد محمد رسول الله، قال: فذلك قوله: " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة (1) " تبصرها الملائكة فيعرفونهم بها، ويبصرها رسول الله صلى الله عليه واله ويبصرها خير خلق الله بعده علي بن أبي طالب عليه السلام ثم قال: " ولهم عذاب عظيم (2) " في الآخرة بما كان من كفرهم بالله وكفرهم بمحمد رسول الله صلى الله عليه واله (3). بيان: قد مضى تمام الخبر في باب هداية الله وإضلاله وباب نوادر معجزات الرسول صلى الله عليه واله، والذهب الابريز بالكسر: الخالص، والباقة: الحزمة (4) من بقل والحمارة بتخفيف وتشديد الراء: شدة الحر. 8 - م: قال علي بن محمد عليهما السلام: لما رجع أمير المؤمنين من صفين - وسقى القوم من الماء التي تحت الصخرة التي قلبها - ليقعد (5) لحاجته فقال بعض منافقي عسكره سوف أنظر إلى سوأته وإلى ما يخرج منه، فإنه يدعي مرتبة النبي صلى الله عليه واله لاخبر أصحابي بكذبه، فقال علي عليه السلام لقنبر: يا قنبر اذهب إلى تلك الشجرة وإلى التي تقابلها - وقد كان بينهما أكثر من فرسخ - فنادهما أن وصي محمد يأمر كما أن تتلاصقا فقال قنبر: يا أمير المؤمنين أو يبلغهما صوتي ؟ قال علي عليه السلام: إن الذي يبلغ بصر عينك السماء وبينك و بينها مسيرة خمسمائة عام سيبلغهما صوتك، فذهب قنبر فنادى فسعت

 

(1 و 2) سورة البقرة: 7. (3) تفسير الامام: 36 - 41. (4) بتقديم المهملة على المعجمة أي ما شد. (5) في المصدر: ذهب ليقعد اه‍.

 

[30]

إحداهما إلى الاخرى سعي المتحابين طالت غيبة أحدهما عن الآخر واشتد شوقه وانضما، فقال قوم من منافقي العسكر: إن عليا يضاهي في سحره رسول الله ابن عمه ! ما ذاك رسول الله ولا هذا إمام، وإنما هما ساحران ! لكنا سندور من خلفه فننظر إلى عورته وما يخرج منه، فأوصل الله عزو جل ذلك إلى اذن علي من قبلهم فقال جهرا: يا قنبر إن المنافقين أرادوا مكايدة وصي رسول الله صلى الله عليه واله وظنوا أنه لا يمتنع منهم إلا بالشجرتين، فارجع إليهما - يعني الشجرتين - فقل لهما: إن وصي رسول الله صلى الله عليه واله يأمر كما أن تعودا إلى مكانكما، ففعل ما أمره به فانقلعتا وعدت (1) كل واحدة تفارق الاخرى كهزيمة الجبان من الشجاع البطل، ثم ذهب علي عليه السلام ورفع ثوبه ليقعد، وقد مضى من المنافقين جماعة لينظروا إليه، فلما رفع ثوبه أعمى الله تعالى أبصارهم فلم يبصروا شيئا، فولوا عنه وجوههم فأبصروا كما كانوا يبصرون، فنظروا إلى جهته فعموا، فما زالوا ينظرون إلى جهته ويعمون ويصرفون عنه وجوههم ويبصرون إلى أن فرغ علي عليه السلام وقام ورجع، وذلك ثمانون مرة من كل واحدة. ثم ذهبوا ينظرون ما خرج عنه فاعتقلوا في مواضعهم فلم يقدروا أن يروها، فإذا انصرفوا أمكنهم الانصراف، أصابهم ذلك مائة مرة حتى نودي فيهم بالرحيل، فرحلوا وما وصلوا إلى ما أرادوا من ذلك، ولم يزدهم ذلك إلا عتوا وطغيانا وتماريا في كفرهم وعنادهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا إلى هذا العجب من هذه آياته و معجزاته ويعجز (2) عن معاوية وعمرو ويزيد ! فنظروا، فأوصل الله عزوجل ذلك من قبلهم إلى اذنه فقال علي عليه السلام: يا ملائكة (3) ايتوني بمعاوية وعمرو ويزيد، فنظروا في الهواء فإذا ملائكة كأنهم السودان قد علق كل واحد منهم بواحد، فأنزلوهم إلى حضرته فإذا أحدهم معاوية والآخر عمرو والآخر يزيد، فقال علي عليه السلام: تعالوا فانظروا

 

(1) في المصدر: وعادت. (2) في المصدر: يعجز. (3) في المصدر: يا ملائكة ربى.

 

[31]

إليهم، أما لو شئت لقتلتهم ولكني أنظرهم كما أنظر الله عزوجل إبليس إلى الوقت المعلوم، إن الذي ترونه بصاحبكم ليس لعجز ولا دل ؟ ؟، ولكنه محنة من الله عزوجل لينظر كيف تعملون، ولئن طعنتم على علي فلقد طعن الكافرون والمنافقون قبلكم على رسول رب العالمين، فقالوا: إن من طاف ملكوت السماوات والجنان في ليلة ورجع كيف يحتاج إلى أن يهرب ويدخل الغارو يأتي إلى المدينة من مكة في أحد عشر يوما ؟ وإنما هو من الله إذا شاء أراكم القدرة لتعرفوا صدق أنبياء الله، وإذا شاء امتحنكم بما تكرهون لينظر كيف تعملون، وليظهر حجته عليكم (1). 9 - م: قال علي بن الحسين صلوات الله عليه: كان جد بن قيس تالي عبد الله في النفاق، كما أن عليا عليه السلام كان تالي رسول الله صلى الله عليه واله في الكمال والجلال والجمال وتفرد جد مع عبد الله بن ابي بعد ما سم الرسول صلى الله عليه واله ولم يؤثر فيه، فقال له: إن محمدا صلى الله عليه واله ماهر في السحر وليس علي كمثله، فاتخذ أنت يا جد لعلي دعوة بعد أن تتقدم في تنبيش أصل حائط بستانك، ثم توقف رجالا خلف الحائط بخشب يعتمدون بها على الحائط ويدفعونه على علي ومن معه ليموتوا تحته، فجلس علي عليه السلام تحت الحائط فتلقاه بيساره وأوقفه، وكان الطعام بين أيديهم، فقال عليه السلام: كلوا بسم الله، وجعل يأكل معهم حتى أكلوا وفرغوا، وهو يمسك الحائط بشماله والحائط ثلاثون ذراعا طوله في خمسة عشر سمكة (2) في ذراعين غلظة، فجعل أصحاب علي عليه السلام يأكلون وهم يقولون: يا أخا رسول الله صلى الله عليه واله أفتحامي هذا وأنت تأكل ؟ فإنك تتعب في حبسك هذا الحائط عنا، فقال علي عليه السلام: إني لست أجد له من المس بيساري إلا أقل مما أجد من ثقل هذه اللقمة بيميني، وهرب جد بن قيس، وخشي أن يكون علي قد مات وصحبه، وإن محمدا يطلبه لينتقم منه، واختفى عند عبد الله بن ابي، فبلغهم أن عليا عليه السلام قد أمسك الحائط بيساره وهو يأكل بيمينه وأصحابه تحت الحائط لم يموتوا، فقال: أبو الشرور وأبو الدواهي اللذان أصل التدبير في ذلك: إن عليا قد مهر بسحر محمد فلا سبيل لنا عليه، فلما فرغ القوم أقام

 

(1) تفسير الامام: 64 - 66. (2) السمك - بسكون الميم -: القامة من كل شئ ثخن صاعد.

 

[32]

علي عليه السلام الحائط بيساره فأقامه وسواه وأرأب صدعه وألم شعبه (1) وخرج هو والقوم من تحته، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه واله قال: يا أبا الحسن ضاهيت اليوم أخي الخضر لما أقام الجدار، وما سهل الله ذلك له إلا بدعائه بنا أهل البيت (2). 10 - قب: صالح بن كيسان وابن رومان رفعاه إلى جابر الانصاري قال: جاء العباس إلي علي عليه السلام يطالبه بميراث النبي صلى الله عليه واله، فقال له ما كان لرسول الله صلى الله عليه واله شئ يورث إلا بغلته دلدل وسيفه ذو الفقار ودرعه وعمامته السحاب، وأنا أربأ بك (3) أن تطالب بما ليس لك، فقال: لا بد من ذلك وأنا أحق، عمه ووارثه دون الناس كلهم، فنهض أمير المؤمنين عليه السلام ومعه الناس حتى دخل المسجد، ثم أمر بإحضار الدرع والعمامة والسيف والبغلة فاحضر، فقال للعباس: يا عم إن أطقت النهوض بشئ منها فجميعه لك، فإن ميراث الانبياء لاوصيائهم دون العالم ولاولادهم فإن لم تطق النهوض فلا حق لك فيه، قال: نعم فألبسه أمير المؤمنين عليه السلام الدرع بيده وألقى عليه العمامة والسيف، ثم قال: انهض بالسيف والعمامة يا عم، فلم يطق النهوض، فأخذ السيف منه وقال له: انهض بالعمامة فإنها آية من نبينا صلى الله عليه واله فأراد النهوض فلم يقدر على ذلك، وبقي متحيرا، ثم قال له: يا عم وهذه البغلة بالباب لي خاصة ولولدي، فإن أطقت ركوبها فاركبها، فخرج ومعه عدوي، فقال له: يا عم رسول الله خدعك علي فيما كنت فيه فلا تخدع نفسك في البغلة، إذا وضعت رجلك في الركاب فاذكر الله وسم واقرأ " إن الله يمسك السماوات والارض أن تزولا " قال: فلما نظرت البغلة إليه مقبلا مع العباس نفرت وصاحت صياحا ما سمعناه منها قط، فوقع العباس مغشيا عليه، واجتمع الناس وأمر بإمساكها فلم يقدر عليها، ثم إن عليا عليه السلام دعا البغلة باسم ما سمعناه، فجاءت خاضعة ذليلة، فوضع رجله في الركاب ووثب عليها فاستوى عليها راكبا، فاستدعا أن يركب الحسن

 

(1) أرأب صدعه أي أصلح شقه. وألم شعبه أي جمع ما انفرج من الحائط وضمة. (2) تفسير الامام: 76 و 77. (3) يقال " انى اربا بك عن ذلك " أي لا ارضاه لك.

 

[33]

والحسين عليهما السلام فأمرهما بذلك، ثم لبس علي الدرع والعمامة والسيف وركبها و سار عليها إلى منزله وهو يقول: هذا من فضل ربي ليبلونئ أشكر أنا وهما أم تكفر أنت يا فلان (1). 11 - قب: من عجائبه عليه السلام طول ما لقي من الحروب لم ينهزم قط، ولم ينله فيها شين ولا جراح سوء، ولم يبارز أحدا إلا ظفر به، ولا نجا من ضربته أحد فصلح منها، ولم يفلت منه قرن، ولم يخرج في حروبه إلا وهو ماش يهرول طول الدهر بغير جند إلى العدو، وما قدمت راية قوتل تحتها علي إلا انقلبوا صاغرين. ويروى وثبته (2) أربعون ذراعا إلى عمرو ورجوعه إلى خلف عشرون ذراعا وذلك خارج عن العادة، وروي ضربته (3) على رجليه وقطعهما بضربة واحدة مع ما كان عليه من الثياب والسلاح، وروي أنه ضرب مرحب الكافر يوم خيبر على رأسه فقطع العمامة والخوذة والرأس والحلق وما عليه من الجوشن من قدام و خلف إلى أن قده بنصفين، ثم حمل على سبعين فارس فبددهم، وتحير الفريقان من فعله فانهزموا إلى الحصن. وأصل مشهد البوق عند رحبة الشام أنه عليه السلام أخبر أن الساعة خرج معاوية في خيله من دمشق، وضرب البوق وسمع ذلك من مسيرة ثمانية عشر يوما، وهو خرق العادة. ومنه الدكة المشهورة في الكوفة التي يقال: إنه رأى منها مكة وسلم عليها وذلك مثل قولكم: يا سارية الجبل (4). ومسجد المجذاف في الرقة، وهو أنه لما طلب الزواريق لحمل الشهداء قالوا: الزواريق ترعى، فقال عليه السلام: كلامكم غث وقمصانكم رث (5) لاشد الله

 

(1) مناقب آل ابى طالب 1: 465 و 466. (2 و 3) على صيغة المصدر. (4) في المصدر: يا سايرة الخيل. (5) الغث من الكلام: رديئه. وقمصان جمع القميص والرمث: البالى.

 

[34]

بكم صفا (1) ولا أشبعكم إلا على قتب، وعمل جائزة عظيمة بمنزلة المجذاف (2) و حمل الشهداء عليها، فخربت الرقة وعمرت الرافقة (3) ولا يزالون في ضنك العيش. وروت الغلاة أنه عليه السلام صعد إلى السماء على فرس وينظر إليه أصحابه وقال: لو أردت لحملت إليكم إبن أبي سفيان، وذلك نحو قوله: " ورفعناه مكانا عليا (4) ". وخرج عن أبي زهرة وقطع مسيرة ثلاثة أيام بليلة واحدة، وأصبح عند الكفار وفتح عليه فنزل " والعاديات ضبحا ". وروي أنه رمي إلى حصن ذات السلاسل في المنجنيق ونزل على حائط الحصن وكان الحصن قد شد على حيطانه سلاسل فيها غرائر (5) من نبن أو قطن، حتى لا يعمل فيها المنجنيق إذا رمي الحجر، فقالت الغلاة: فمر في الهواء والترس تحت قدميه، ونزل على الحائط وضرب السلاسل ضربة واحدة فقطعها، وسقطت الغرائر وفتح الحصن. وروت الغلاة أنه نزلت فيه " وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا (6) " وذلك إن صح مثل صعود الملائكة ونزولهم وإسراء النبي صلى الله عليه واله (7). تفسير أبي محمد العسكري عليه السلام أنه أرادت الفجرة ليلة العقبة قتل النبي صلى الله عليه واله ومن بقي في المدينة قتل علي عليه السلام فلما تبعه وقص عليه بغضاءهم فقال: أما ترضى

 

(1) في المصدر: صنعا. (2) القتب - بالكسر فالسكون - يقال: قتبه أي أطعمه الاقتاب وهى الامعاء المشوية. والجائزة: الخشبة المعترضة بين الحائطين فارسيته " تير ". والمجذاف - بالذال المعجمة و المهملة -: خشبة طويلة مبسوطة أحد الطرفين تسير بها القوارب والسفن الصغيرة. (3) الرقة - بالفتح - مدينة مشهورة على الفرات من جانبها الشرقي. والرافقة بلد متصل البناء بالرقة بينهما مقدار ثلاثمائة ذراع (المراصد 2: 595). (4) سورة مريم: 57. (5) جمع الغرارة - بالكسر -: الجوالق. (6) سورة الحشر: 2. (7) مناقب آل ابى طالب 1: 446.

 

[35]

أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ الخبر، فحفروا له حفيرة طويلة وغطوها فلما انصرف وبلغها أنطق الله فرسه فقال: سر بإذن الله، فطفرت، ثم أمر بكشفه فرآه عجيبا (1). مسند أحمد وفضائله وسنن ابن ماجة: قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: كان أمير المؤمنين عليه السلام يلبس في البرد الشديد الثوب الرقيق، وفي الحر الشديد القباء والثوب الثقيل، وكان لا يجد الحر والبرد، فكان النبي صلى الله عليه واله دعا له يوم خيبر فقال: كفاك الله الحر والبرد، وفي رواية: اللهم قه الحر والبرد، وفي رواية: اللهم اكفه الحر والبرد (2). سهل بن حنيف في حديثه أنه لما أخذ معاوية مورد الفرات أمر أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الاشتر أن يقول لمن على جانب الفرات: يقول لكم علي: اعدلوا عن الماء، فلما قال ذلك عدلوا عنه، فورد قوم أمير المؤمنين الماء وأخذوا منه، فبلغ ذلك معاوية فأحضرهم وقال لهم في ذلك، فقال إن عمرو بن العاص جاء وقال: إن معاوية يأمركم أن تفرجوا عن الماء، فقال معاوية لعمرو: إنك لتأتي أمرا ثم تقول ما فعلته ؟ ! فلما كان من غد وكل معاوية حجل بن العتاب النخعي في خمسة آلاف، فأنفذ أمير المؤمنين عليه السلام مالكا فنادى مثل الاول، فمال حجل عن الشريعة فورد أصحاب علي عليه السلام وأخذوا منه، فبلغ ذلك معاوية فأحضر حجلا وقال له في ذلك، فقال: إن ابنك يزيد أتاني فقال: إنك أمرت بالتنحي عنه ! فقال ليزيد في ذلك فأنكر، فقال معاوية: فإذا كان غدا فلا تقبل من أحد ولو أتيتك حتى تأخذ خاتمي، فلما كان اليوم الثالث أمر أمير المؤمنين عليه السلام لمالك مثل ذلك، فرأى حجل معاوية وأخذ منه خاتمه وانصرف عن الماء: وبلغ معاوية فدعاه وقال له في ذلك، فأراه خاتمه، فضرب معاوية يده على يده فقال: نعم وإن هذا من دواهي علي.

 

(1) في المصدر: فرأى عجبا. (2) مناقب آل ابى طالب 1: 448.

 

[36]

وحدثني محمد الشوهاني بإسناده أنه قدم أبو الصمصام العبسي (1) إلى النبي عليه السلام وقال متى يجئ‌ئ المطر ؟ وأي شئ في بطن ناقتي هذه ؟ وأي شئ يكون غدا ؟ ومتى أموت ؟ فنزل " إن الله عنده علم الساعة (2) " الآيات، فأسلم الرجل ووعد النبي صلى الله عليه واله أن يأتي بأهله، فقال: اكتب يا أبا الحسن: " بسم الله الرحمن الرحيم أقر محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وأشهد على نفسه في صحة عقله وبدنه وجواز أمره أن لابي الصمصام العبسي عليه وعنده وفي ذمته ثمانين ناقة حمر الظهور بيض العيون سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز " وخرج أبو الصمصام ثم جاء في قومه بني عبس كلهم مسلمين، وسأل عن النبي صلى الله عليه واله فقالوا: قبض، قال: فمن الخليفة من بعده ؟ فقالوا: أبو بكر، فدخل أبو الصمصام المسجد وقال: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه واله إن لي على رسول الله صلى الله عليه واله ثمانين ناقة حمر الظهور بيض العيون سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز، فقال: يا أخا العرب سألت ما فوق العقل، والله ما خلف رسول الله إلا بغلته الدلدل وحمارة اليعفور وسيفه ذا الفقار ودرعه الفاضل، أخذها كلها علي بن أبي طالب عليه السلام وخلف فينا فدك فأخذناها بحق، ونبينا صلى الله عليه واله لا يورث، فصاح سلمان " كردي ونكردي، و حق أزمير ببردي، ردوا العمل إلى أهله " ثم ضرب بيده إلى أبي الصمصام فأقامه إلى منزل علي بن أبي طالب عليه السلام فقرع الباب فنادى علي ادخل يا سلمان ادخل أنت وأبو الصمصام، فقال أبو الصمصام: هذه اعجوبة من هذا الذي سماني باسمي ولم يعرفني ؟ فعد سلمان فضائل علي عليه السلام فلما دخل وسلم عليه قال: يا أبا الحسن إن لي على رسول الله صلى الله عليه واله ثمانين ناقة ووصفها، فقال علي عليه السلام: أمعك حجة ؟ فدفع إليه الوثيقة، فقال علي عليه السلام: يا سلمان ناد في الناس ألا من أراد أن ينظر إلى دين رسول الله صلى الله عليه واله فليخرج غدا إلى خارج المدينة، فلما كان الغد خرج الناس و خرج علي عليه السلام وأسر إلى ابنه الحسن سرا وقال: امض يا أبا الصمصام مع ابني

 

(1) في المصدر: " ابو الضمضام " في المواضع. (2) سورة لقمان: 34.

 

[37]

الحسن إلى الكثيب من الرمل، فمضى عليه السلام ومعه أبو الصمصام، فصلى الحسن عليه السلام ركعتين عند الكثيب، وكلم الارض بكلمات لا ندري ما هي، وضرب الكثيب بقضيب رسول الله صلى الله عليه واله فانفجر الكثيب عن صخرة ململمة (1)، مكتوب عليها سطران من نور، السطر الاول " بسم الله الرحمن الرحيم " والثاني " لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه واله " فضرب الحسن عليه السلام الصخرة بالقضيب فانفجرت عن خطام ناقة، فقال الحسن عليه السلام: اقتد يا أبا الصمصام، فاقتاد أبو الصمصام ثمانين ناقة حمر الظهور بيض العيون سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز، ورجع إلى علي بن أبي طالب فقال عليه السلام: استوفيت يا أبا الصمصام ؟ قال: نعم، قال: فسلم الوثيقة فسلمها إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فأخذها وخرقها، ثم قال: هكذا أخبرني أخي وإبن عمي رسول الله صلى الله عليه واله إن الله خلق هذه النوق من هذه الصخرة قبل أن يخلق ناقة صالح بألفي عام فقال المنافقون هذا من سحر علي قليل (2). بيان: قوله: " نقط الحجاز " أقول: الظاهر أنه تصحيف لقط باللام، قال الفيروز آبادي: اللقط محركة: ما يلتقط من السنابل، وقطع ذهب توجد في المعدن. 12 - قب: من معجزاته عليه السلام تسخيره الجماعة اضطرارا لنقل فضائله مع ما فيها من الحجة عليهم، حتى إن أنكره واحد رد عليه صاحبه وقال: هذا في التواريخ والصحاح والسنن والجوامع والسير والتفاسير مما أجمعوا على صحته، فإن لم يكن في واحد يكن في آخر، ومن جملة ذلك ما أجمعوا عليه، وروى مناقبه خلق كثير منهم حتى صار علما ضروريا، كما صنف ابن جرير الطبري كتاب الغدير، وابن الشاهين كتاب المناقب وكتاب فضائل فاطمة عليها السلام، ويعقوب بن شيبة تفضيل الحسن والحسين عليهما السلام ومسند أمير المؤمنين عليه السلام وأخباره وفضائله، والجاحظ كتاب العلوية وكتاب فضل بني هاشم على بني امية، وأبو نعيم الاصفهاني منقبة المطهرين في فضائل

 

(1) لملم الحجر: جعله مستديرا كالكرة. (2) مناقب آل ابى طالب 1: 470 و 471.

 

[38]

أمير المؤمنين عليه السلام وما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام وأبو المحاسن الروياني الجعفريات، والموفق المكي كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السلام وكتاب رد الشمس لامير المؤمنين عليه السلام، وأبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي كتاب نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين عليه السلام، وأبو صالح عبد الملك المؤذن كتاب الاربعين في فضائل الزهراء عليها السلام، وأحمد بن حنبل مسند أهل البيت وفضائل الصحابة، وأبو عبد الله محمد بن أحمد النطنزي الخصائص العلوية على سائر البرية، وابن المغازلي كتاب المناقب، و أبو القاسم البستي كتاب الدرجات، والخطيب أبو تراب كتاب الحدائق مع الكتمان والميل. وذلك خرق العادة، شهد بفضائله معادوه وأقر بمناقبه جاحدوه. ومن جملة ذلك كثرة مناقبه مع ما كانوا يدفنونها ويتوعدون على روايتها، روى مسلم والبخاري وابن بطة والنطنزي عن عائشة في حديثها بمرض النبي صلى الله عليه واله فقالت في جملة ذلك: فخرج النبي صلى الله عليه واله بين رجلين من أهل بيته أحدهما الفضل و رجل آخر، يخط قدماه عاصبا رأسه. يعني عليا عليه السلام. وقال معاوية لابن عباس: إنا كتبنا في الآفاق ننهي عن ذكر مناقب علي عليه السلام فكف لسانك، قال: أفتنهانا عن قراءة القرآن ؟ قال: لا، قال: أفتنهانا عن تأويله قال: نعم، قال: أفنقرؤه ولا نسأل ؟ قال سل عن غير أهل بيتك ! قال: إنه منزل علينا أفتسأل غيرنا ؟ أتنهانا أن نعبد الله ؟ فإذا تهلك الامة، قال: اقرؤوا ولا ترووا ما أنزل الله فيكم " يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم (1) " ثم نادى معاوية: أن (2) برئت الذمة ممن روى حديثا من مناقب علي، حتى قال عبد الله بن شداد الليثي: وددت أني اترك أن احدث بفضائل علي بن أبي طالب عليه السلام يوما إلى الليل وأن عنقي ضربت فكان المحدث يحدث بحديث في الفقه أو يأتي بحديث المبارزة فيقول: قال رجل من قريش، وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول: حدثني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله، وكان الحسن البصري يقول: قال أبو زينب.

 

(1) سورة الصف: 8. (2) في المصدر: انى.

 

[39]

وسئل ابن جبير عن حامل اللواء فقال: كأنك رخي البال. ورأى رجل أعرابية في مسجد تقول: يا مشهورا في السماوات ويا مشهورا في الارضين (ويا مشهورا في الدنيا) ويا مشهورا في الآخرة جهدت الجبابرة والملوك على إطفاء نورك وإخماد ذكرك فأبى الله لذكرك إلا علوا ولنورك إلا ضياء ونماء ولو كره المشركون، فقيل: لمن تصفين ؟ قالت: ذاك أمير المؤمنين عليه السلام، فالتفت فلم ير أحدا. ومن ذلك ما طبقت الارض بالمشاهد لاولاده، وفشت المنامات من مناقبه، فيبرئ الزمنى ويفرج المبتلى وما سمع هذا لغيره عليه السلام (1). 13 - م: قال الامام عليه السلام: إن رجلا من محبي علي بن أبي طالب عليه السلام كتب إليه من الشام: يا أمير المؤمنين أنا بعيالي مثقل، وعليهم إن خرجت خائف وبأموالي التي اخلفها إن خرجت ظنين، وأخر اللحاق (2) بك والكون في جملتك و الخفوق في خدمتك، فجدلي يا أمير المؤمنين، فبعث إليه علي عليه السلام: أجمع أهلك و عيالك وحصل عندهم مالك، وصل على ذلك كله على محمد وآله الطاهرين، ثم قل: اللهم هذه كلها ودائعي عندك بأمر عبدك ووليك علي بن أبي طالب، ثم قم وانهض إلي، ففعل الرجل ذلك واخبر معاوية بهربه إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فأمر معاوية أن تسبى عياله ويسترقوا، وأن تنهب أمواله، فذهبوا فألقى الله عليهم شبه عيال معاوية وحاشيته وأخص حاشيته كيزيد بن معاوية يقولون: نحن أخذنا هذا المال وهو لنا، وأما عياله فقد استرققناهم وبعثناهم إلى السوق، فكفوا لما رأو ذلك، وعرف الله عياله أنه قد ألقى عليهم شبه عيال معاوية وعيال خاصة يزيد، فأشفقوا من أموالهم أن تسرقها اللصوص، فمسخ المال عقارب وحيات، كلما قصد اللصوص ليأخذوا منه لذعوا ولسعوا، فمات منهم قوم وضني آخرون، ودفع الله عن ماله بذلك إلى أن قال علي عليه السلام يوما للرجل: أتحب أن يأتيك عيالك ومالك ؟ قال: بلى، قال علي عليه السلام: ايت بهم، فإذاهم بحضرة الرجل لا يفقد من عياله وماله شيئا، فأخبروه

 

(1) مناقب آل ابى طالب 1: 484 و 485. (2) في المصدر: ضنين، وأحب اللحاق.

 

[40]

بما ألقى الله تعالى من شبه عيال معاوية وخاصته وحاشية يزيد عليهم. وبما مسخه من أمواله عقارب وحيات تلسع اللص الذي يريد أخذ شئ منه، وقال علي عليه السلام إن الله تعالى ربما أظهر آية لبعض المؤمنين ليزيد في بصيرته ولبعض الكافرين ليبالغ في الاعذار إليه (1). بيان: الخفوق: التحرك والاضطراب، وفي بعض النسخ بالفائين بمعنى الاحاطة، وضني كرضي: مرض مرضا مخامرا كلما ظن برؤه نكس. 14 - م: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما نص على علي عليه السلام بالفضيلة والامامة و سكن إلى ذلك قلوب المؤمنين وعاند فيه أصناف الجاحدين من المعاندين وشك في ذلك ضعفاء من الشاكين وغاض (2) في صدور المنافقين العداوة والبغضاء والحسد والشحناء حتى قال قائل من المنافقين: لقد أسرف محمد صلى الله عليه وآله في مدح نفسه ثم أسرف في مدح أخيه علي عليه السلام وما ذلك من عند رب العالمين ولكنه في ذلك من المقبولين (3) يريد أن يثبت لنفسه الرئاسة علينا ولعلي بعد موته قال الله تعالى: يا محمد قل لهم: وأي شئ أنكرتم من ذلك ؟ هو عظيم كريم حكيم، ارتضى عبادا من عباده واختصهم بكرامات (4) لما علم من حسن طاعتهم وانقيادهم لامره، ففوض إليهم امور عباده وجعل عليهم سياسة خلقه بالتدبير الحكيم الذي وفقهم له، أو لا ترون ملوك الارض إذا ارتضى أحدهم خدمة بعض عبيده ووثق بحسن إطاعته فيما يندبه له (5) من امور ممالكه جعل ما وراء بابه إليه، واعتمد في سياسة جيوشه ورعاياه عليه، كذلك محمد في التدبير الذي رفعه له ربه، وعلي من بعده الذي جعله وصيه وخليفته في أهله وقاضي دينه ومنجز عداته والمؤازر لاوليائه والمناصب لاعدائه، فلم يقنعوا بذلك ولم يسلموا وقالوا: ليس الذي يسنده إلى ابن أبي طالب بأمر صغير، إنما هو دماء الخلق ونساؤهم

 

(1) تفسير الامام: 170. (2) كذا في (ك). وفى غيره من النسخ وكذا المصدر: فاض. (3) في هامش المصدر: من المتقولين. (4) في (خ): بكراماته. (5) في المصدر: بحسن اصطناعه فيما يندب له.

 

[41]

وأولادهم وأموالهم وحقوقهم وأنسابهم ودنياهم وآخرتهم، فليأتنا بآية يليق بجلالة هذه الولاية، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: أما كفاكم نور علي المشرق في الظلمات الذي رأيتموه ليلة خروجه من عند رسول الله إلى منزله ؟ أما كفاكم أن عليا جاز و الحيطان بين يديه، ففتحت له وطرقت ثم عادت والتأمت ؟ أما كفاكم يوم غدير خم أن عليا لما أقامه رسول الله رأيتم أبواب السماء مفتحة والملائكة منها مطلعين تناديكم هذا ولي الله فاتبعوه وإلا حل بكم عذاب الله فاحذروه ؟ أما كفاكم رؤيتكم علي بن أبي طالب وهو يمشي والجبال يسير بين يديه لئلا يحتاج إلى الانحراف عنها فلما جاز رجعت الجبال إلى أماكنها ؟ ثم قال: اللهم زدهم آيات فإنها عليك سهلات يسيرات لتزيد حجتك عليهم تأكيدا، قال: فرجع القوم إلى بيوتهم فأرادوا دخولها فاعتقلتهم الارض ومنعتهم ونادتهم: حرام عليكم دخولها حتى تؤمنوا بولاية علي عليه السلام قالوا: آمنا ودخلوا، ثم ذهبوا ينزعون ثيابهم ليلبسوا غيرها فثقلت عليهم ولم يقلوها (1) ونادتهم: حرام عليكم سهولة نزعها (2) حتى تقروا بولاية علي عليه السلام فأقروا ونزعوها، ثم ذهبوا ليلبسوا ثياب الليل فثقلت عليهم ونادتهم: حرام عليكم لبسنا حتى تعترفوا بولاية علي عليه السلام فاعترفوا، فذهبوا يأكلون فثقلت عليهم اللقم وما لم يثقل منها استحجر في أفواههم، ونادتهم: حرام عليكم أكلنا حتى تعترفوا بولاية علي عليه السلام فاعترفوا، ثم ذهبوا يبولون ويتغوطون فتعذر عليهم ونادتهم بطونهم ومذاكيرهم: حرام عليكم السلامة منا حتى تعترفوا بولاية علي بن أبي - طالب عليه السلام فاعترفوا، ثم ضجر بعضهم وقال: " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم (3) " قال الله تعالى: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " فإن عذاب الاصطلام (4) العام إذا نزل نزل بعد خروج

 

(1) أي لم يرفعوها. (2) في المصدر: نزعنا. (3) سورة الانفال: 32. وما بعدها ذيلها. (4) اصطلمه: استأصله.

 

[42]

النبي صلى الله عليه واله من بين أظهرهم، ثم قال الله عزوجل: " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " يظهرون التوبة والانابة، فإن من حكمه في الدنيا أن يأمرك بقبول الظاهر وترك التفتيش عن الباطن، لان الدنيا دار إمهال وإنظار والآخرة دار الجزاء بلا بعد، قال: " وما كان الله معذبهم " وفيهم من يستغفر لان هؤلاء لو لا أن فيهم (1) من علم الله أنه سيؤمن أو أنه سيخرج من نسله ذرية طيبة يجود ربك على هؤلاء بالايمان وثوابه ولا يقتطعهم باخترام (2) آبائهم الكفار ولولا ذلك لاهلكهم، فذلك قول رسول الله: كذلك اقترح الناصبون آيات في علي عليه السلام حتى اقترحوا ما لا يجوز في حكمته، جهلا بأحكام الله واقتراحا للاباطيل على الله (3). 15 - يل: روي عن الصادق عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام بلغه عن عمر بن الخطاب أمر، فأرسل إليه سلمان رضي الله عنه وقال: قل له: قد بلغني عنك كيت وكيت، وكرهت أن أعتب عليك في وجهك، فينبغي أن لا يقال في إلا الحق، فقد غصبت حقي على القذى وصبرت حتى تبلغ الكتاب أجله، فنهض سلمان رضي الله عنه وبلغه ذلك وعاتبه، وذكر مناقب أمير المؤمنين عليه السلام وذكر فضائله وبراهينه فقال عمر: عندي الكثير من فضائل علي عليه السلام ولست بمنكر فضله إلا أنه يتنفس الصعداء ويظهر البغضاء، فقال له سلمان رضي الله عنه: حدثني بشئ مما رأيته منه فقال عمر: يا أبا عيد الله نعم خلوت به ذات يوم في شئ من أمر الجيش، فقطع حديثي وقام من عندي وقال: مكانك حتى أعود إليك، فقد عرضت لي حاجة، فما كان أسرع أن رجع علي ثانية وعلى ثيابه وعمامته غبار كثير، فقلت له: ما شأنك ؟ فقال: أقبل نفر من الملائكة وفيهم رسول الله صلى الله عليه وآله يريدون مدينة بالمشرق يريدون مدينة جيحون، فخرجت لاسلم عليه، وهذه الغبرة ركبتني من سرعة المشي، فقال عمر: فضحكت متعجبا حتى استلقيت على قفائي، وقلت له: النبي صلى الله عليه واله قد مات

 

(1) في المصدر: لو أن فيهم. (2) اخترمه: أهلكه واستأصله. (3) تفسير الامام: 265 و 266.

 

[43]

وبلي وتزعم أنك لقيته الساعة وسلمت عليه ؟ ! فهذا من العجائب ومما لا يكون فغضب علي عليه السلام ونظر إلي وقال: تكذبني يا ابن الخطاب ؟ فقلت: لا تغضب وعد إلى ما كنا فيه فإن هذا مما لا يكون أبدا، قال: فإن أنت رأيته حتى لا تنكر منه شيئا استغفرت الله مما قلت وأضمرت وأحدثت توبة مما أنت فيه وتركت حقا لي ؟ فقلت: نعم، فقال: قم، فقمت معه فخرجنا إلى طرف المدينة، وقال لي: غمض عينيك فغمضتهما، فقال: افتحهما ففعلت ذلك، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه واله معه نفر من الملائكة، فلما أطلت النظر قال لي: هل رأيته ؟ فقلت: نعم، قال: غمض عينيك فغمضتهما، ثم قال: افتحهما فإذا لا عين ولا أثر. فقلت له: هل رأيت من علي عليه السلام غير ذلك ؟ قال: نعم إنه استقبلني يوما وأخذ بيدي ومضى بي إلى الجبانة، وكنا نتحدث في الطريق، وكان بيده قوس فلما صرنا في الجبانة رمى بقوسه من يده فصار ثعبانا عظيما مثل ثعبان موسى عليه السلام وفتح فاه وأقبل ليبتلعني، فلما رأيت ذلك طار قلبي من الخوف وتنحيت وضحكت في وجه علي عليه السلام وقلت: الامان يا علي بن أبي طالب واذكر ما بيني وبينك من الجميل، فلما سمع هذا القول افتر (1) ضاحكا وقال: لطفت في الكلام ونحن أهل بيت نشكر القليل، فضرب بيده إلى الثعبان وأخذه بيده فإذا هو قوسه الذي كان بيده. ثم قال عمر: يا سلمان إني كتمت ذلك عن كل أحد وأخبرتك به يا أبا - عبد الله، فإنهم أهل بيت يتوارثون هذه الاعجوبة كابر عن كابر، ولقد كان إبراهيم يأتي بمثل ذلك وكان أبو طالب وعبد الله يأتيان بمثل ذلك في الجاهلية، وأنا لا انكر فضل علي عليه السلام وسابقته ونجدته وكثرة علمه، فارجع إليه واعتذر عني إليه وأثن عني عليه بالجميل (2). 16 - يل: روى عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام

 

(1) افتر الرجل: ضحك ضحكا حسنا. (2) الفضائل: 65 و 66.

 

[44]

جالسا في دكة القضاء إذ نهض إليه رجل يقال له صفوان الاكحل، وقال له: أنا رجل من شيعتك وعلي ذنوب فاريد أن تطهرني منها في الدنيا لاصل إلى الآخرة وما معي ذنب، فقال الامام عليه السلام: ما أعظم ذنوبك وما هي ؟ فقال: أنا ألوط الصبيان، فقال عليه السلام: أيما أحب إليك ضربة بذي الفقار أو اقلب عليك جدارا أو أرمي عليك نارا ؟ فإن ذلك جزاء من ارتكب تلك المعصية، فقال: يا مولاي احرقني بالنار لانجو من نار الآخرة، فقال عليه السلام: يا عمار اجمع ألف حزمة (1) قصب لنضرمه غداة غد بالنار، ثم قال للرجل: انهض وأوص بمالك وبما عليك، قال: فنهض الرجل و أوصى بما له وما عليه، وقسم أمواله على أولاده، وأعطى كل ذي حق حقه، ثم بات على حجرة أمير المؤمنين عليه السلام في بيت نوح شرقي جامع الكوفة، فلما صلى أمير المؤمنين عليه السلام قال: يا عمار ناد بالكوفة: اخرجوا وانظروا حكم أمير المؤمنين عليه السلام فقال جماعة منهم: كيف يحرق رجلا من شيعته ومحبيه وهو الساعة يريد يحرقه بالنار فبطلت إمامته ؟ ! فسمع بذلك أمير المؤمنين عليه السلام قال عمار: فأخذ الامام الرجل ورمى عليه ألف حزمة من القصب، فأعطاه مقدحة وكبريتا وقال: اقدح وأحرق نفسك، فإن كنت من شيعتي ومحبي وعارفي فإنك لا تحترق بالنار وإن كنت من المخالفين المكذبين فالنار تأكل لحمك وتكسر عظمك، فأوقد الرجل على نفسه واحترق القصب، وكان على الرجل ثياب بيض فلم تعلق بها النار ولم تقربها الدخان، فاستفتح الامام عليه السلام وقال: كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا، ثم قال: إن شيعتنا منا وأنا قسيم الجنة والنار، وأشهد لي بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله في مواطن كثيرة (2). 17 - فر: علي بن محمد بن مخلد الجعفي معنعنا عن الاعمش قال: خرجت حاجا إلى مكة، فلما انصرفت بعيدا رأيت عمياء على ظهر الطريق تقول: بحق (3) محمد

 

(1) بالمهملة ثم المعجمة ما حزم وشد من الحطب وغيره. (2) الفضائل: 77 و 78. (3) في المصدر: اللهم انى اسألك بحق اه‍.

 

[45]

وآله رد علي بصري، قال: فتعجبت من قولها وقلت لها: أي حق لمحمد وآله على الله ؟ إنما الحق له عليهم، فقالت: مه يا لكع والله ما ارتضى هو حتى حلف بحقهم، فلو لم يكن لهم عليه حقا ما حلف به، قال: قلت: وأي موضع حلف ؟ قالت قوله: " لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون " (1) والعمر في كلام العرب الحياة قال فقضيت حجتي ثم رجعت فإذا بها مبصرة في موضعها وهي تقول: أيها الناس أحبوا عليا فحبه ينجيكم من النار، قال: فسلمت عليها وقلت: ألست العمياء بالامس تقولين: بحق (2) محمد وآله رد علي بصري ؟ قالت: بلى، قلت: حدثيني بقصتك، قالت: والله ما جزتني حتى وقف علي رجل فقال لي: إن رأيت محمدا و آله تعرفينه قلت: لا ولكن بالدلالة (3) التي جاءتنا، قالت: فبينا هو يخاطبني إذ أتاني رجل آخر متوكئا على رجلين فقال: ما قيامك معها ؟ قال: إنها تسأل ربها بحق محمد وآله أن يرد عليها بصرها فادع الله لها، قال: فدعا ربه ومسح على عيني بيده فأبصرت، فقلت: من أنتم ؟ فقال: أنا محمد وهذا علي، قد رد الله عليك بصرك اقعدي في موضعك هذا حتى يرجع الناس وأعلميهم أن حب علي ينجيهم من النار (4). 18 - ج، م: قال علي بن الحسين عليهما السلام: كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه قاعدا ذات يوم فأقبل إليه رجل من اليونانيين المدعين للفلسفة والطب، فقال: يا با حسن (5) بلغني خبر صاحبك وأن به جنونا وجئت لاعالجه ! فلحقته قد مضى لسبيله وفاتني ما أردت من ذلك، وقد قيل لي: إنك ابن عمه وصهره وأرى (6) صفارا قد علاك وساقين دقيقتين ما أراهما ثقلانك (7) فأما الصفار فعندي دواؤه وأما

 

(1) سورة الحجر: 72. (2) في المصدر: اللهم انى اسألك بحق اه‍ (3) في المصدر: بالولاء. (4) تفسير فرات: 99 - 100. (5) في المصدرين: فقال له: يا ابا الحسن. (6) ": وارى بك اه‍. (7) ": تقلانك.

 

[46]

الساقان الدقيقان فلا حيلة (1) لتغليظهما، والوجه أن ترفق بنفسك في المشي تقلله ولا تكثره، وفيما تحمله على ظهرك وتحضنه (2) بصدرك أن تقللهما ولا تكثرهما فإن ساقيك دقيقان لا يؤمن عند حمل ثقيل انقصافهما (3) وأما الصفار فدواؤك (4) عندي وهو هذا، وأخرج دواء وقال: هذا لا يؤذيك ولا يخيسك (5) ولكنه يلزمك حمية من اللحم أربعين صباحا، ثم يزيل صفارك، فقال علي عليه السلام (6): قد ذكرت نفع هذا الدواء الصفاري فهل تعرف شيئا يزيد فيه ويضره ؟ فقال الرجل: بلى حبة من هذا، وأشار إلى دواء معه وقال: إن تناوله الانسان وبه صفار أماته من ساعته، وإن كان لا صفار به صار به صفار حتى يموت في يومه، فقال علي عليه السلام: فأرني هذا الضار فأعطاه فقال (7): كم قدر هذا ؟ فقال: قدر مثقالين سم ناقع، و قدر كل حبة منه يقتل رجلا، فتناوله علي عليه السلام فقمحه (8) وعرق عرقا خفيفا وجعل الرجل يرتعد ويقول في نفسه: الآن اؤخذ بابن أبي طالب ويقال: قتلته ولا يقبل مني قولي إنه لهو ألجأني على نفسي، فتبسم علي عليه السلام وقال: يا عبد الله أصح ما كنت بدنا الآن، لم يضرني ما زعمت أنه سم، فغمض عينيك فغمض، ثم قال: افتح عينيك، ففتح فنظر إلى وجه علي عليه السلام فإذا هو أبيض أحمر مشرب حمرة فارتعد الرجل مما رآه وتبسم علي عليه السلام وقال: أين الصفار الذي زعمت أنه بي ؟ فقال: والله لكأنك لست من رأيت قبل، كنت مصفارا فأنت الآن مورد، قال علي بن أبي طالب عليه السلام: فزال عني الصفار بسمك الذي زعمت أنه قاتلي، وأما ساقاي

 

(1) في المصدرين: فلا حيلة لى اه‍. (2) في المصدر: تحتضنه. (3) انقصف: انكسر. (4) في المصدرين: فدواؤه. (5) خاس اللحم: فسدت رائحته. (6) في المصدرين، فقال له على بن ابى طالب عليه السلام. (7) في المصدر: فأعطاه اياه، فقال له. (8) قمح السويق: استفه والشراب: اخذه في راحته فلطعه.

 

[47]

هاتان - ومد رجليه وكشف عن ساقيه - فإنك زعمت أني أحتاج أن أرفق (1) ببدني في حمل ما أحمل عليه لئلا ينقصف الساقان، وأنا أدلك أن طب الله عزوجل خلاف طبك، وضرب بيده إلى اسطوانة خشب غليظة (2) على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه، و (في) فوقه حجرتان إحداهما فوق الآخر، وحركها أو احتملها (3) فارتفع السطح والحيطان وفوقهما الغرفتان، فغشي على اليوناني، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: صبوا عليه ماء (4) فأفاق وهو يقول: والله ما رأيت كاليوم عجبا، فقال له علي عليه السلام: هذه قوة الساقين الدقيقين واحتمالهما في طبك هذا يا يوناني !. فقال اليوناني: أمثلك كان محمدا صلى الله عليه واله ؟ فقال علي عليه السلام: فهل علمي إلا من علمه وعقلي إلا من عقله وقوتي إلا من قوته ؟ لقد أتاه ثقفي كان أطب العرب فقال له: إن كان بك جنون داويتك ! فقال له محمد صلى الله عليه وآله: أتحب أن اريك آية تعلم بها غناي عن طبك وحاجتك إلى طبي ؟ قال: نعم، قال: أي آية تريد ؟ قال: تدعو ذلك العذق - وأشار إلى نخلة سحوق - فدعاها فانقلع أصلها من الارض وهي تخد في الارض خدا (5)، حتى وقفت بين يديه، فقال له: أكفاك ؟ قال: لا، قال: فتريد ماذا ؟ قال: تأمرها أن ترجع إلى حيث جاءت (6) وتستقر في مقرها الذي انقلعت منه، فأمرها فرجعت واستقرت في مقرها. فقال اليوناني لامير المؤمنين عليه السلام: هذا الذي تذكره عن محمد صلى الله عليه واله غائب عني، وأنا أقتصر منك على أقل من ذلك، أنا أتباعد عنك فادعني وأنا لا أختار الاجابة، فإن جئت بي إليك فهي آية، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هذا إنما يكون

 

(1) في المصدرين: احتاج إلى أن ارفق. (2) في المصدرين: عظيمة. (3) في المصدرين: واحتملها. (4) في المصدرين بعد ذلك: فصبوا عليه ماءا. (5) خد الارض: شقها وأثر فيها. (6) في المصدرين: حيث جاءت منه.

 

[48]

آية لك وحدك لانك تعلم من نفسك أنك لم ترد وأني أزلت اختيارك من غير أن باشرت مني شيئا أو ممن أمرته بأن يباشرك أو ممن قصد إلي ذلك، وإن (1) لم آمره إلا ما يكون من قدرة الله القاهر، وأنت يوناني (2) يمكنك أن تدعي ويمكن غيرك أن يقول: أني قد واطأتك على ذلك، فاقترح إن كنت مقترحا ما هو آية لجميع العالمين، قال له اليوناني: إذا جعلت الاقتراح إلي فأنا أقترح أن تفصل أجزاء تلك النخلة وتفرقها وتباعد ما بينها ثم تجمعها وتعيدها كما كانت، فقال علي عليه السلام: هذه آية وأنت رسولي إليها - يعني إلى النخلة - فقل لها: إن وصي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله يأمر أجزاءك أن تتفرق وتتباعد، فذهب فقال لها، فتفاصلت وتهافتت و تبترت (3) وتصاغرت أجزاؤها، حتى لم تر عين ولا أثر، حتى كأن لم يكن هناك نخلة قط، فارتعدت فرائص اليوناني وقال: يا وصي محمد قد أعطيتني اقتراحي الاول فأعطني الآخر، فأمرها أن تجتمع وتعود كما كانت، فقال: أنت رسولي إليها بعد (4) فقل لها: يا أجزاء النخلة إن وصي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله يأمرك أن تجتمعي وكما كنت تعودي. فنادى اليوناني فقال ذلك فارتفعت في الهواء كهيئة الهباء المنثور، ثم جعلت تجتمع جزء جزء منها حتى تصور لها القضبان والاوراق والاصول والسعف والشماريخ والاعذاق (5) ثم تألفت وتجمعت واستطالت وعرضت واستقل (6) أصلها في مقرها، وتمكن عليها ساقها، وتركب على الساق قضبانها، وعلى القضبان أوراقها، وفي أمكنتها أعذاقها، وقد كانت في الابتداء شماريخها متجردة (7) لبعدها

 

(1) في تفسير الامام: وانى. (2) في المصدرين: يا يوناني. (3) أي تقطعت وفى الاحتجاج: وتنثرت. (4) في المصدرين: فعد. (5) السعف: جريد النخل. الشمروخ: العذق عليه بسر أو عنب. وعذق النخل كالعنقود من العنب. (6) في المصدرين: واستقر. (7) في الاحتجاج: متفردة. وفي التفسير: مجردة.- 2 -

 

[49]

من أوان الرطب والبسر والخلال (1) فقال اليوناني: واخرى احبها (2) أن تخرج شماريخها خلالها، وتقلبها من خضرة إلى صفرة وحمرة وترطيب وبلوغ أناه (3) ليؤكل وتطعمني ومن حضر منها، فقال عليه السلام (4): أنت رسولي إليها بذلك فمرها به فقال له اليوناني ما أمره أمير المؤمنين عليه السلام فأخلت وأبسرت واصفرت واحمرت وترطبت وثقلت أعذاقها برطبها، فقال اليوناني: واخرى احبها يقرب من يدي أعذاقها أو تطول يدي لتنالها، وأحب شئ إلي أن تنزل إلي أحدها وتطول يدي إلى الاخرى التي هي اختها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: مد اليد التي تريد أن تنالها وقل: يا مقرب البعيد قرب يدي منها، واقبض الاخرى التي تريد أن يترك (5) إليك العذق منها وقل: يا مسهل العسير سهل لي تناول ما يبعد عني منها ففعل ذلك وقاله فطالت يمناه فوصلت إلى العذق، وانحطت الاعذاق الاخر فسقطت على الارض وقد طالت عراجينها (6) ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنك إن أكلت منها ثم لم تؤمن بمن أظهر لك عجائبها عجل الله عزوجل من العقوبة التي يبتليك بها ما يعتبر به عقلاء خلقه وجهالهم، فقال اليوناني: إني إن كفرت بعد ما رأيت فقد بالغت في العناد وتناهيت في التعرض للهلاك، أشهد أنك من خاصة الله صادق في جميع أقاويلك عن الله، فأمرني بما تشاء أطعك (7). أقول: تمام الخبر في أبواب احتجاجاته عليه السلام وقد مضى كثير من معجزاته ومناقبه صلوات الله عليه في أبواب معجزات الرسول صلى الله عليه وآله. (هامش) * (1) بضم الخاء: الرطب. (2) في المصدرين: احب. (3) الاناء: حلول الوقت. النضج. (4) في المصدرين: ومن حضرك منها فقال على عليه السلام. (5) في المصدرين: ان تنزل. (6) جمع العرجون: اصل العذق الذي يعوج ويبقى على النخل يابسا بعد ان تقطع عنه الشماريخ. (7) الاحتجاج: 122 - 124. تفسير الامام: 67 - 69.


 

[50]

19 - ختص محمد بن علي، عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن أبان الاحمر قال: قال الصادق عليه السلام: يا أبان كيف تنكر (1) الناس قول أمير - المؤمنين عليه السلام لما قال: " لو شئت لرفعت رجلى هذه فضربت بها صدر ابن أبي سفيان بالشام فنكسته عن سريره " ولا ينكرون تناول آصف وصي سليمان عرش بلقيس و إتيانه سليمان به قبل أن يرتد إليه طرفه ؟ أليس نبينا صلى الله عليه وآله أفضل الانبياء ووصيه أفضل الاوصياء ؟ أفلا جعلوه كوصي سليمان ؟ حكم الله بيننا وبين من جحد حقنا وأنكر فضلنا (2) 117. (باب) * (ما ورد من غرائب معجزاته عليه السلام بالاسانيد الغريبة) * 1 - وجدت في بعض الكتب: حدثنا محمد بن زكريا العلائي، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار المعروف بابن المعافا، عن وكيع، عن زاذان، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: كنا مع مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فقلت: يا أمير المؤمنين احب أن أرى من معجزاتك شيئا، قال صلوات الله عليه: أفعل إن شاء الله عزوجل ثم قام ودخل منزله وخرج إلي وتحته فرس أدهم، وعليه قباء أبيض وقلنسوة بيضاء، ثم نادى: يا قنبر أخرج إلي ذلك الفرس، فأخرج فرسا آخر أدهم، فقال صلوات الله عليه وآله: اركب يا با عبد الله، قال سلمان: فركبته فإذا له جناحان ملتصقان إلى جنبه، قال: فصاح به الامام صلوات الله عليه فتعلق في الهواء، وكنت أسمع حفيف أجنحة الملائكة وتسبيحها تحت العرش، ثم خطونا على ساحل بحر عجاج مغطمط الامواج، فنظر إليه الامام شزرا (3) فسكن البحر من غليانه، فقلت

 

(1) في المصدر: ينكر. (2) الاختصاص: 212 و 213. (3) شزر إليه: نظر إليه بجانب عينه مع اعراض أو غضب.

 

[51]

له: يا مولاي سكن البحر من غليانه من نظرك إليه، فقال صلوات الله عليه: يا سلمان خشي أن آمر فيه بأمر، ثم قبض على يدي وسار على وجه الماء والفرسان تتبعاننا لا يقودهما أحد، فوالله ما ابتلت أقدامنا ولا حوافر الخيل. قال سلمان: فعبرنا ذلك البحر ورفعنا (1) إلى جزيرة كثيرة الاشجار والاثمار والاطيار والانهار، وإذا شجرة عظيمة بلا صدع ولا زهر (2) فهزها صلوات الله عليه بقضيب كان في يده فانشقت، وخرج منها ناقة طولها ثمانون ذراعا وعرضها أربعون ذراعا وخلفها قلوص (3) فقال صلوات الله عليه: ادن منها واشرب من لبنها، قال سلمان: فدنوت منها وشربت حتى رويت، وكان لبنها أعذب من الشهد وألين من الزبد، وقد اكتفيت، قال صلوات الله عليه: هذا حسن يا سلمان ؟ فقلت: مولاي حسن، فقال صلوات الله عليه: تريد أن أراك ما هو أحسن منه ؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال سلمان: فنادى مولاي أمير المؤمنين صلوات الله عليه: اخرجي يا حسناء قال: فخرجت ناقة طولها عشرون ومائة ذراع وعرضها ستون ذراعا، ورأسها من الياقوت الاحمر، وصدرها من العنبر الاشهب، وقوائمها من الزبرجد الاخضر، وزمامها من الياقوت الاصفر، وجنبها الايمن من الذهب، وجنبها الايسر من الفضة، وعرضها من اللؤلؤ الرطب، فقال صلوات الله عليه: يا سلمان اشرب من لبنها، قال سلمان: فالتقمت الضرع فإذا هي تحلب عسلا صافيا مخلصا (4) فقلت يا سيدي: هذه لمن ؟ قال صلوات الله عليه: هذه لك ولسائر الشيعة من أوليائي ثم قال صلوات الله عليه وسلامه لها: ارجعي إلى الصخرة، ورجعت من الوقت، و ساربي في تلك الجزيرة حتى ورد بي إلى شجرة عظيمة عليها طعام يفوح منه رائحة المسك، فإذا بطائر في صورة النسر العظيم، قال سلمان رضي الله عنه: فوثب ذلك

 

(1) كذا في (ك). وفى غيره من النسخ: ودفعنا. (2) الصدع: الشق في شئ صلب. الزهر: نور النبات. (3) القلوص من الابل: أول ما يركب من اناثها. (4) في (خ): محضا خ ل.

 

[52]

الطائر فسلم عليه صلوات الله عليه ورجع إلى موضعه، فقلت: يا أمير المؤمنين ما هذه المائدة ؟ فقال صلوات الله عليه: هذه منصوبة في هذا المكان للشيعة من موالي إلى يوم القيامة، فقلت: ما هذا الطائر ؟ قال صلوات الله عليه: ملك موكل بها إلى يوم القيامة، فقلت: وحده يا سيدي ؟ فقال صلوات الله عليه: يجتاز به الخضر صلوات الله عليه في كل يوم مرة. ثم قبض صلوات الله عليه على يدي وسار إلى بحر ثان، فعبرنا وإذا جزيرة عظيمة فيها قصر لبنة من ذهب ولبنة من فضة بيضاء، وشرفها من عقيق أصفر، و على كل ركن من القصر سبعون صفا من الملائكة، فأتوا وسلموا، ثم أذن لهم فرجعوا، إلى مواضعهم، قال سلمان رحمه الله تعالى: ثم دخل أمير المؤمنين عليه السلام القصر فإذن أشجار وأثمار وأنهار وأطيار وألوان النبات: فجعل الامام صلوات الله عليه يمشي فيه حتى وصل إلى آخره، فوقف صلوات الله عليه على بركة كانت في البستان، ثم صعد على قصر (1) فإذن كرسي من الذهب الاحمر، فجلس عليه صلوات الله عليه، وأشرفنا على القصر فإذا بحر أسود يغطمط أمواجه كالجبال الراسيات، فنظر صلوات الله عليه شزرا فسكن من غليانه حتى كان كالمذنب، فقلت: يا سيدي سكن البحر من غليانه إلى نظره إليه (2) فقال عليه السلام: خشي أن آمر فيه بأمر، أتدري يا سلمان أي بحر هذا ؟ فقلت: لا يا سيدي، فقال: هذا الذي غرق فيه فرعون وملؤه المذنبة، حملها جناح جبرئيل عليه السلام ثم زجها في هذا البحر، فهو يهوي لا يبلغ قراره إلى يوم القيامة. فقلت: يا أمير المؤمنين هل سرنا فرسخين ؟ فقال صلوات الله عليه: يا سلمان لقد سرت خمسين ألف فرسخ ودرت حول الدنيا عشر مرات، فقلت: يا سيدي و كيف هذا ؟ قال عليه السلام: إذا كان ذوالقرنين طاف شرقها وغربها وبلغ إلى سد يأجوج

 

(1) كذا في (ك) وفى غيره من النسخ: إلى قصر. (2) كذا. والظاهر أن تكون العبارة هكذا: فسكن من غليانه من نظره إليه حتى كان كالمذنب، فقلت، يا سيدي سكن البحر من غليانه، فقال اه‍.

 

[53]

ومأجوج فأنى يتعذر علي وأنا أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين ؟ يا سلمان أما قرأت قول الله عزوجل حيث يقول: " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول (1) " ؟ فقلت: بلى يا أمير المؤمنين، فقال عليه السلام: أنا ذلك المرتضى من الرسول الذي أظهره الله عزوجل على غيبه، أنا العالم الرباني، أنا الذي هون الله علي الشدائد فطوى له البعيد. قال سلمان رضي الله عنه: فسمعت صائحا يصيح في السماء أسمع الصوت ولا أرى الشخص، وهو يقول: صدقت (2) أنت الصادق المصدق صلوات الله عليك، قال: ثم نهض صلوات الله عليه فركب الفرس وركبت معه وصاح بهما فطارا في الهواء ثم خطونا على باب الكوفة، هذا كله وقد مضى من الليل ثلاث ساعات، فقال صلوات الله عليه لي: يا سلمان الويل كل الويل لمن لا يعرفنا حق معرفتنا وأنكر ولايتنا، أيما أفضل محمد صلى الله عليه وآله أم سليمان عليه السلام ؟ قلت: بل محمد صلى الله عليه وآله ثم قال صلوات الله عليه: فهذا آصف بن برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس من فارس بطرفة عين و عنده علم الكتاب (3) ولا أفعل أنا ذلك وعندي مائة كتاب وأربعة وعشرون كتابا ؟ أنزل الله تعالى على شيث بن آدم عليهما السلام خمسين صحيفة، وعلى إدريس النبي عليه السلام ثلاثين صحيفة، وعلى نوح عليه السلام عشرين صحيفة، وعلى إبراهيم عليه السلام عشرين صحيفة والتوراة والانجيل والزبور والفرقان، فقلت: صدقت يا أمير المؤمنين هكذا يكون الامام، فقال عليه السلام: إن الشاك في امورنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا، وحقوقنا قد فرض الله عزوجل في كتابه في غير موضع، وبين فيه ما وجب العمل به وهو غير مكشوف. بيان: الغطمطة: اضطراب موج البحر. ومنه أيضا: روي الاصبغ بن نباتة قال: كنت يوما مع مولانا أمير المؤمنين عليه السلام

 

(1) سورة الجن: 26 و 27. (2) في (خ) و (م): صدقت صدقت. (3) الصحيح كما في القرآن المجيد و (خ): علم من الكتاب.

 

[54]

إذ دخل عليه نفر من أصحابه منهم أبو موسى الاشعري وعبد الله بن مسعود و أنس بن مالك وأبو هريرة والمغيرة بن شعبة وحذيفة بن اليمان وغيرهم فقالوا: يا أمير المؤمنين أرنا شيئا من معجزاتك التي خصك الله بها، فقال عليه السلام: ما أنتم و ذلك وما سؤالكم عما لا ترضون به ؟ والله تعالى يقول: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني إني لا اعذب أحدا من خلقي إلا بحجة وبرهان وعلم وبيان، لان رحمتي سبقت غضبي، وكتبت الرحمة علي، فأنا الراحم الرحيم وأنا الودود العلي، وأنا المنان العظيم، وأنا العزيز الكريم، فإذا أرسلت رسولا أعطيته برهانا وأنزلت عليه كتابا. فمن آمن بي وبرسولي فأولئك هم المفلحون الفائزون، ومن كفر بي وبرسولي فاولئك هم الخاسرون الذين استحقوا عذابي، فقالوا: يا أمير المؤمنين نحن آمنا بالله وبرسوله وتوكلنا عليه، فقال علي عليه السلام: اللهم اشهد على ما يقولون وأنا العليم الخبير بما يفعلون. ثم قال عليه السلام: قوموا على اسم الله وبركاته، قال فقمنا معه حتى أتى بالجبانة ولم يكن في ذلك الموضع ماء، قال: فنظرنا فإذا روضة خضراء ذات ماء، وإذا في الروضة غدران (1) وفي الغدران حيتان، فقلنا: والله إنها لدلالة الامامة فأرنا غيرها يا أمير المؤمنين وإلا قد أدركنا بعض ما أردنا، فقال عليه السلام: " حسبي الله ونعم الوكيل " ثم أشار بيده العليا نحو الجبانة فإذا قصور كثيرة مكللة بالدر والياقوت والجواهر وأبوابها من الزبرجد الاخضر، وإذا في القصور حور وغلمان وأنهار وأشجار وطيور ونبات كثيرة، فبقينا متحيرين متعجبين، وإذا وصائف وجواري وولدان وغلمان كالؤلؤ المكنون، فقالوا: يا أمير المؤمنين لقد اشتد شوقنا إليك وإلى شيعتك و أوليائك فأومأ إليهم بالسكوت، ثم ركض الارض برجله فانفلقت الارض عن منبر من ياقوت أحمر فارتقى إليه، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله ثم قال: غمضوا أعينكم، فغمضنا أعيننا، فسمعنا حفيف أجنحة الملائكة بالتسبيح والتهليل

 

(1) بالضم جمع الغدير: النهر: قطعة من الماء يتركها السيل.

 

[55]

والتحميد والتعظيم والتقديس، ثم قاموا بين يديه قالوا: مرنا بأمرك يا أمير المؤمنين و خليفة رب العالمين صلوات الله عليك، فقال عليه السلام: يا ملائكة ربي ائتوني الساعة بإبليس الابالسة وفرعون الفراعنة، قال: فوالله ما كان بأسرع من طرفة عين حتى أحضروه عنده، فقال عليه السلام: ارفعوا أعينكم، قال: فرفعنا أعيننا ونحن لا نستطيع أن ننظر إليه من شعاع نور الملائكة فقلنا: يا أمير المؤمنين الله الله في أبصارنا فما ننظر شيئا البتة، وسمعنا صلصلة (1) السلاسل واصطكاك الاغلال، وهبت ريح عظيمة، فقالت الملائكة: يا خليفة الله زد الملعون لعنة وضاعف عليه العذاب، فقلنا: يا أمير المؤمنين الله الله في أبصارنا ومسامعنا، فوالله ما نقدر على احتمال هذا السر والقدر، قال: فلما جروه بين يديه قام وقال: واويلاه من ظلم آل محمد واويلاه من اجترائي عليهم، ثم قال: يا سيدي ارحمني فإني لا أحتمل هذا العذاب، فقال عليه السلام: لا رحمك الله ولا غفر لك أيها الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان، ثم التفت إلينا وقال عليه السلام: أنتم تعرفون هذا باسمه وجسمه ؟ قلنا: نعم يا أمير المؤمنين، فقال عليه السلام: سلوه حتى يخبركم من هو، فقالوا: من أنت ؟ فقال: أنا إبليس الابالسة وفرعون هذه الامة أنا الذي جحدت سيدي ومولاي أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين، وأنكرت آياته ومعجزاته. ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: يا قوم غمضوا أعينكم، فغمضنا أعيننا فتكلم عليه السلام بكلام أخفى، فإذا نحن في الموضع الذي كنا فيه لا قصور ولا ماء ولا غدران ولا أشجار. قال الاصبغ بن نباتة رضي الله عنه: والذي أكرمني بما رأيت من تلك الدلائل والمعجزات ما تفرق القوم حتى ارتابوا وشكوا ! وقال بعضهم: سحر وكهانة و إفك ! فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن بني إسرائيل لم يعاقبوا ولم يمسخوا إلا بعد ما سألوا الآيات والدلالات، فقد حلت عقوبة الله بهم، والآن حلت لعنة الله فيكم وعقوبته عليكم، قال الاصبغ بن نباته رضي الله عنه: إني أيقنت أن العقوبة حلت بتكذيبهم الدلالات والمعجزات.

 

(1) الصلصلة: الصوت.

 

[56]

عن عمار (1) بن ياسر رضي الله عنه قال: كنت عند أمير المؤمنين جالسا بمسجد الكوفة ولم يكن سواي أحد فيه، وإذا هو يقول: صدقيه صدقيه، فالتفت يمينا وشمالا فلم أر أحدا، فبقيت متعجبا فقال لي: يا عمار كأني بك تقول: لمن يكلم علي ؟ فقلت: هو كذلك يا أمير المؤمنين، فقال: ارفع رأسك، فرفعت رأسي وإذا أنا بحمامتين يتجاوبان، فقال لي: يا عمار أتدري ما تقول إحداهما للاخرى ؟ فقلت: لا وعيشك يا أمير المؤمنين، قال: تقول الاثنى للذكر أنت استبدلت بي غيري و هجرتني وأخذت سواي، وهو يحلف لها ويقول: ما فعلت ذلك، وهي تقول: ما اصدقك، فقال لها: وحق هذا القاعد في هذا الجامع ما استبدلت بك سواك ولا أخذت غيرك، فهمت أن تكذبه فقلت لها: صدقيه صدقيه، قال عمار: يا أمير - المؤمنين ما علمت أحدا يعلم منطق الطير إلا سليمان بن داود عليهما السلام فقال له: يا عمار والله إن سليمان بن داود عليهما السلام سأل الله تعالى بنا أهل البيت حتى علم منطق الطير.

 

(1) في (خ): نقل من كتاب صفوة الاخبار عن الائمة الاطهار اه‍.

 

[57]

(أبواب) * (ما يتعلق به ومن ينتسب إليه) *. 118. (باب) * (أسلحته وملابسه ومراكبه ولوائه وساير ما يتعلق به صلوات الله) * * (عليه من أشباه ذلك) * 1 - قب: تفسير السدي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: " و أنزلنا الحديد " (1) قال: أنزل الله آدم من الجنة معه ذو الفقار، خلق من ورق آس (2) الجنة، ثم قال: " فيه بأس شديد " فكان به يحارب آدم أعداءه من الجن والشياطين، وكان عليه مكتوبا: لا يزال أنبيائي يحاربون به نبي بعد نبي وصديق بعد صديق حتى يرثه أمير المؤمنين عليه السلام فيحارب به عن النبي الامي " ومنافع للناس " لمحمد صلى الله عليه واله وعلي " إن الله قوي عزيز " منيع من النقمة بالكفار بعلي بن أبي طالب عليه السلام. وقد روى كافة أصحابنا أن المراد بهذه الآية ذو الفقار، انزل (3) من السماء، على النبي صلى الله عليه واله فأعطاه عليا، وسئل الرضا عليه السلام من أين هو ؟ فقال: هبط به جبرئيل من السماء، وكان حليه من فضة، وهو عندي. وقيل: أمر جبرئيل عليه السلام أن يتخذ من صنم حديد في اليمن فذهب علي وكسره، فاتخذ منه سيفان مخدم وذو الفقار، وطبعهما (4) عمير الصيقل. وقيل: صار إليه يوم بدر،

 

(1) سورة الحديد: 25. (2) الاس: شجر يعرف بالريحان. (3) في المصدر: انزل به. (4) طبع السيف: عمله وصاغه.

 

[58]

أخذه من العاص بن منبه السهمي وقد قتله. وقيل: كان من هدايا بلقيس إلى سليمان. وقيل: أخذه من منبه بن الحجاج السهمي في غزاة بني المصطلق بعد أن قتله. وقيل: كان سعف نخل نفث فيه النبي صلى الله عليه واله فصار سيفا. وقيل: صار إلى النبي صلى الله عليه واله يوم بدر فأعطاه عليا، ثم كان مع الحسن ثم مع الحسين إلى أن بلغ المهدي عليهم السلام. سئل الصادق عليه السلام: لم سمي ذو الفقار ؟ فقال: إنما سمي ذو الفقار لانه ما ضرب به أمير المؤمنين أحدا إلا افتقر في الدنيا من الحياة وفي الآخرة من الجنة. علان الكليني رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما سمي سيف أمير - المؤمنين عليه السلام ذو الفقار لانه كان في وسطه خطة في طوله مشبهة بفقار الظهر، وزعم الاصمعي أنه كان فيه ثماني عشرة فقارة. تاريخ أبي يعقوب: كان طوله سبعة أشبار وعرضه شبر، في وسطه كالفقار. أبو عبد الله عليه السلام: نظر رسول الله صلى الله عليه واله إلى جبرئيل بين السماء والارض على كرسي من ذهب وهو يقول: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. القاضي أبو بكر الجعابي بإسناده عن الصادق عليه السلام: نادى ملك من السماء يوم احد يقال له رضوان: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. ومثله في إرشاد المفيد وأمالي الطوسي عن عكرمة وأبي رافع، وقد رواه السمعاني في فضائل الصحابة وابن بطة في الابانة، إلا أنهما قالا: يوم بدر. درعه عليه السلام: رآه قيس بن سعد الهمداني في الحرب وعليه ثوبان، فقال: يا أمير المؤمنين في مثل هذا الموضع ؟ فقال: نعم يا قيس إنه ليس من عبد إلا وله من الله حافظ وواقية ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر، فإذا نزل القضاء خليا بينه وبين كل شئ. وكان مكتوبا على درعه عليه السلام: أي يومي من الموت أفر * يوم لا يقدر أم يوم قدر يوم لا يقدر لا أخشى الوغى * يوم قد قدر لا يغني الحذر وروي أن درعه عليه السلام كانت لا قب لها أي لا ظهر لها، فقيل في ذلك فقال:


 

[59]

إن وليت فلا وألت أي نجوت. وكان له مثل الدراهم سايل * على ظهره في الدرع كالسطر إذا سطر (1) مركوبه عليه السلام بغلة بيضاء يقال لها: دلدل، أعطاه رسول الله صلى الله عليه واله وإنما سميت دلدل لان النبي صلى الله عليه واله لما انهزم المسلمون يوم حنين قال: دلدل، فوضعت بطنها على الارض فأخذ النبي صلى الله عليه واله حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم، ثم أعطاها عليا عليه السلام وذلك دون الفرس. وقيل له: لم لا تركب الخيل وطلابك كثير ؟ فقال: الخيل للطلب والهرب ولست أطلب مدبرا ولا أنصرف عن مقبل. وفي رواية: أكر على من فر ولا أفر ممن كر والبغلة تزجيني - أي تكفيني -. فصل في لوائه وخاتمه عليه السلام: محمد الكسائي في المبتدء: إن أول حرب كانت بين بني آدم ما كان بين شيث وقابيل، وذلك أن الله تعالى أهدى إليه حلة بيضاء و رفعت الملائكة له رأية بيضاء، فسلسلت الملائكة لقابيل وحملوه إلى عين الشمس و مات فيها، وصارت ذريته عبيد الشيث. وفي الخبر: أول من اتخذ الرايات إبراهيم الخليل عليه السلام. ابن أبي البختري وسائر أهل السير أنه كانت راية قريش ولواؤها جميعا بيدي قصي بن كلاب، ثم لم تزل الراية في يدي عبد المطلب، فلما بعث النبي صلى الله عليه واله أقرها في بني هاشم ودفعها إلى علي عليه السلام في أول غزاة حمل فيها، وهي ودان فلم تزل معه وكان اللواء يومئذ في عبد الدار، فأعطاه النبي صلى الله عليه واله مصعب بن عمير فاستشهد يوم احد، فأخذها النبي صلى الله عليه واله ودفعها إلى علي عليه السلام فجمع يومئذ له الراية واللواء وهما أبيضان، وذكره الطبري في تاريخه والقشيري في تفسيره. تنبيه المذكرين: زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام: كسرت زند علي عليه السلام يوم احد وفي يده لواء رسول الله صلى الله عليه واله فسقط اللواء من يده، فتحاماه المسلمون أن يأخذوه فقال رسول الله صلى الله عليه واله: فضعوه في يده الشمال فإنه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة.

 

(1) في المصدر: إذ سطر. ولم نفهم المراد من التشبيه.

 

[60]

وفي رواية غيره: فرفعه المقداد وأعطاه عليا عليه السلام، وقال صلى الله عليه واله: أنت صاحب رايتي في الدنيا والآخرة. المواعظ والزواجر عن العسكري أن مالك بن دينار سأل سعيد بن جبير: من كان صاحب لواء النبي صلى الله عليه واله ؟ قال: علي بن أبي طالب. عبد الله بن حنبل أنه لما سأل مالك بن دينار سعيد بن جبير عن ذلك قال: فنظر إلي فقال: كأنك رخي البال، فغضبت وشكوت إلى القراء فقالوا: إنك سألته وهو خائف من الحجاج وقد لاذ بالبيت، فاسأله الآن، فسألته فقال: كان حاملها علي كان حاملها علي، كذا سمعته من عبد الله بن عباس. تاريخ الطبري والبلاذري وصحيحي مسلم والبخاري أنه لما أراد النبي صلى الله عليه واله أن يخرج إلى بدر اختار كل قوم راية، فاختار حمزة حمراء، وبنو امية خضراء وعلي بن أبي طالب عليه السلام صفراء، وكانت راية النبي صلى الله عليه واله بيضاء، فأعطاها عليا يوم خيبر لما قال: لاعطين الراية غدا رجلا، الخبر. وكان النبي صلى الله عليه واله عقد لحمزة ولعبيدة بن الحارث ولسعد بن أبي وقاص ألوية بيضاء. وكان مكتوبا على علم أمير المؤمنين عليه السلام: الحرب إن باشرتها فلا يكن منك الفشل * واصبر على أهوالها لا موت إلا بالاجل وعلى رايته عليه السلام: هذا علي والهدى يقوده * من خير فتيان قريش عوده وحدثني ابن كادش في تكذيب العصابة العلوية في ادعائهم الامامة النبوية أن النبي صلى الله عليه واله رأى العباس في ثوبين أبيضين فقال: إنه لابيض الثوبين، وهذا جبرئيل يخبرني أن ولده يلبسون السواد. عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب صفين أنه نشر عمرو بن العاص في يوم صفين راية سوداء الخبر. وفي أخبار دمشق عن أبي الحسين محمد بن عبد الله الرازي قال ثوبان: قال


 

[61]

النبي صلى الله عليه واله: يكون لبني العباس رايتان مركزهما كفر وأعلاهما ضلالة، إن أدركتها يا ثوبان فلا تستظل بظلهما (1). ابي بن كعب: أول الرايات السود نصر وأوسطها غدر وآخرها كفر، فمن أعانهم كان كمن أعان فرعون على موسى. تاريخ بغداد قال أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه واله: إذا أقبلت الرايات السود من قبل المشرق فإن أولها فتنة وأوسطها هرج وآخرها ضلالة. أخبار دمشق عن النبي صلى الله عليه واله: أبو أمامة في خبر: أولها منشور وآخرها مثبور (2). تاريخ الطبري: إن إبراهيم الامام أنفذ إلى أبي مسلم لواء النصرة وظل السحاب، وكان أبيض طوله أربعة عشر ذراعا، مكتوب عليها بالحبر " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (3) " فأمر أبو مسلم غلامه أرقم أن يتحول بكل لون من الثياب، فلما لبس السواد قال: معه هيبة، فاختاره خلافا لبني امية وهيبة للناظر، وكانوا يقولون: هذا السواد حداد (4) آل محمد صلى الله عليه واله وشهداء كربلاء وزيد ويحيى. خاتمه عليه السلام: سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه واله قال: يا علي تختم بالعقيق تكن من المقربين، قال: يا رسول الله وما المقربون ؟ قال: جبرائيل وميكائيل، قال: فبم أتختم يا رسول الله ؟ قال بالعقيق الاحمر. ابن عباس وصعصعة وعائشة أنه هبط جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه واله فقال: يا محمد ربي يقرؤك السلام ويقول لك: البس خاتمك بيمينك، واجعل فصه عقيقا، و قل لابن عمك: يلبس خاتمه بيمينه ويجعل فصه عقيقا، فقال علي: يا رسول الله وما العقيق ؟ قال: العقيق جبل في اليمن. والخبر مذكور في فضل الميثاق.

 

(1) في المصدر: بظلها. (2) أي ملعون ومطرود. (3) سورة الحج: 39. (4) الحداد - بالكسر -: ثياب المأتم السود.

 

[62]

زياد القندي عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال النبي صلى الله عليه واله: لما كلم الله موسى بن عمران على جبل طور سيناء اطلع على الارض اطلاعة فخلق من نور وجهه العقيق، وقال: أقسمت على نفسي أن لا اعذب كف لابسك إذا تولى عليا عليه السلام بالنار. ابن عباس والسدي: كان لامير المؤمنين عليه السلام أربعة خواتيم: ياقوت لنبله (1) فيروزج لنصره، حديد صيني لقوته، عقيق لحرزه. صحيح البخاري وشمائل الترمذي عن عبد الله بن جعفر، وجامع البيهقي عن جابر وعن أنس، وتختم. عبد الرحمن السلمي عن ابن المسيب عن زين العابدين عن أبيه عليهما السلام، وتختم محمد بن يحيى بن المحتسب عن هاشم بن عروة عن أبيه عن عائشة، وعن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة، وعن نافع عن ابن عمر عن أنس وعن جابر، كلهم عن النبي صلى الله عليه واله أنه كان صلى الله عليه واله يتختم في يمينه. وزاد بعضهم في الرواية: وقبض والخاتم في يمينه. وقال أبو أمامة: كان النبي صلى الله عليه واله يجعل خاتمه في يمينه. عكرمة والضحاك عن ابن عباس أنه كان النبي صلى الله عليه واله: يتختم في اليد اليمنى. شمائل الترمذي وسنن السجستاني: وتختم المحتسب أنه كان علي عليه السلام يتختم في يمينه. جامع البيهقي كان ابن عباس وعبد الله بن جعفر يتختمان في يمينهما. الراغب في محاضراته: كان النبي صلى الله عليه واله وأصحابه يتختمون في أيمانهم، وأول من تختم في يساره معاوية. نتف أبي عبد الله السلامي أن النبي صلى الله عليه وآله كان يتختم في يمينه والخلفاء الاربعة بعده، فنقلها معاوية إلى اليسار، وأخذ الناس بذلك، فبقي كذلك أيام المروانية، فنقلها السفاح إلى اليمين، فبقي إلى أيام الرشيد

 

(1) النبل - بضم النون -: الذكاء والنجابة والفضل والشوكة.

 

[63]

فنقلها إلى اليسار، وأخذ الناس بذلك، واشتهر أن عمرو بن العاص عند التحكيم سلها من يده اليمنى وقال: خلعت الخلافة من علي كخلعي خاتمي هذا من يميني وجعلتها في معاوية كما جعلت هذا في يساري. نقوش الخواتيم عن الجاحظ أنه كان آدم وإدريس وإبراهيم وإسماعيل و إسحاق وإلياس ويعقوب وداود وسليمان ويوسف ودانيال ويوشع وذو القرنين ويونس ولوط وهود وشعيب وزكريا ويحيى وصالح وعزير وأيوب ولقمان وعيسى ومحمد عليهم السلام يتختمون في أيمانهم. الصعقب (1) بن زهير أنه سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن التختم في اليمين فقال عليه السلام: إنه لما أنزل الله على نبيه " قل تعالوا ندع أبنائنا (2) " الآية قال جبرئيل عليه السلام: يا رسول الله ما من نبي إلا وأنا بشيره ونذيره، فما افتخرت بأحد من الانبياء إلا بكم أهل البيت، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل أنت منا، فقال جبرئيل: أنا منكم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت منا يا جبرئيل، فقال: يارسول الله بين لي ليكون لي فرج لامتك، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله خاتمه بشماله فقال: أنا رسول الله أولكم، وثانيكم علي، وثالثكم فاطمة، ورابعكم الحسن، وخامسكم الحسين، و سادسكم جبرئيل، وجعل خاتمه في إصبعه اليمنى فقال: أنت سادسنا يا جبرئيل، فقال جبرئيل: يا رسول الله ما من أحد تختم في يمينه (3) وأراد بذلك سنتك ورأيته يوم القيامة متحيرا إلا أخذت بيده وأوصلته إليك وإلى أمير المؤمنين علي بن أبي - طالب عليه السلام (4). 2 - يف: ابن المغازلي بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن المنادي نادى

 

(1) في المصدر " الصقعب ". وفي هامشه: بتقديم القاف على العين المهملة - وزان جعفر - ابن زهير بن عبد الله بن زهير الازدي الكوفى. قال ابن حجر في التقريب: ثقة من السادسة (2) سورة آل عمران: 61. (3) في المصدر: بيمينه. (4) مناقب آل ابى طالب 2: 69 - 75.

 

[64]

يوم احد: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. وروي أيضا أن المنادي كان قد نادى بذلك يوم البدر. وروى أيضا بإسناده إلى محمد بن علي الباقر عليهما السلام قال: نادى ملك من السماء يوم بدر ويقال له رضوان: لا سيف إلا ذو الفقار ولافتى إلا علي (1). 3 - قب: كان له عليه السلام بغلة يقال له الشهباء ودلدل، أهداها إليه النبي صلى الله عليه وآله (2) 4 - كا: حميد، عن عبيدالله الدهقان، عن الطاطري، عن محمد بن زياد، عن أبان، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: علي عليه السلام شد على بطنه يوم الجمل بعقال أبرق نزل به جبرئيل من السماء، وكان النبي صلى الله عليه وآله يشد به على بطنه إذا لبس الدرع (3). 5 - ن: هاني بن محمد بن محمود العبدي، عن أبيه رفعه، عن موسى بن جعفر عليهما السلام فيما ناظر به الرشيد في تفضيل العزة (4) قال عليه السلام: إن العلماء قد أجمعوا على أن جبرئيل قال يوم احد: يا محمد إن هذه لهي المواساة من علي، قال صلى الله عليه وآله: لانه مني وأنا منه، قال جبرئيل عليه السلام: وأنا منكما يا رسول الله، ثم قال: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، فكان كما مدح الله عزوجل به خليله عليه السلام إذ يقول " فتى يذكرهم يقال له إبراهيم " إنا معشر بني عمك نفتخر بقول جبرئيل عليه السلام إنه منا (5). 6 - لى، مع: ابن إدريس، عن أبيه، عن ابن أبي الخطاب وابن يزيد ومحمد ابن أبي الصهبان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن الصادق، عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: إن أعرابيا أتى رسول الله فخرج إليه في رداء ممشق، فقال: يا محمد لقد خرجت إلي كأنك فتى، فقال صلى الله عليه واله: نعم يا أعرابي أنا الفتى، ابن الفتى أخو الفتى، فقال: يا محمد أما الفتى فنعم فكيف ابن الفتى وأخو الفتى ؟ فقال: أما

 

(1) الطرائف: 22. (2) مناقب آل ابى طالب 2: 77. (3) روضة الكافي: (4) العترة ظ 0 ؟ ؟ (ب) (5) عيون الاخبار: 49 والطبعة الحديثة ج 1: 85.

 

[65]

سمعت الله عزوجل يقول: " قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم (1) " فأنا ابن إبراهيم، وأما أخو الفتى فإن مناديا نادى من السماء (2) يوم احد: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، فعلي أخي وأنا أخوه (3). قب: مرسلا مثله (4). 7 - ع، مع: ابن عصام، عن الكليني، عن علان رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إنما سمي سيف أمير المؤمنين عليه السلام ذا الفقار لانه كان في وسطه خطة في طوله فشبه (5) بفقار الظهر، فسمي ذاالفقار لذلك، وكان سيفا نزل به جبرئيل عليه السلام من السماء، كانت حلقته فضة، وهو الذي نادى به مناد من السماء: لا سيف إلا ذواالفقار ولا فتى إلا علي (6). أقول: قد مضى بعض أخبار الباب في باب غزوة احد. 8 - ن، لى: ابن المتوكل، عن محمد العطار، عن اليقطيني، عن أحمد بن عبد الله قال: سألت الرضا عليه السلام عن ذي الفقار سيف رسول الله صلى الله عليه واله من أين هو ؟ فقال هبط به جبرئيل عليه السلام من السماء، وكان حليته من فضة وهو عندي (7). ير: عبد الله بن جعفر، عن محمد بن عيسى، عن أحمد بن عبد الله مثله (8). 9 - ع: الهمداني، عن علي، عن أبيه، عن البزنطي وابن أبي عمير معا، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما كان يوم احد انهزم أصحاب

 

(1) سورة الانبياء: 60. (2) في المعاني: في السماء. (3) امالي الصدوق: 120 و 121. معاني الاخبار: 119. (4) لم نظفر به في المناقب. (5) في المعاني: تشبه. (6) علل الشرائع: 64. معاني الاخبار: 63. (7) عيون الاخبار: 214. امالي الصدوق: 174. (8) بصائر الدرجات: 48.

 

[66]

رسول الله صلى الله عليه واله حتى لم يبق معه إلا علي بن أبي طالب عليه السلام وأبو دجانة (1) وكان علي عليه السلام كلما حملت طائفة على رسول الله صلى الله عليه واله استقبلهم وردهم حتى أكثر فيهم القتل والجراحات، حتى انكسر سيفه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه واله فقال: يا رسول الله إن الرجل يقاتل بسلاحه وقد انكسر سيفي، فأعطاه عليه السلام سيفه ذاالفقار، فما زال يدفع به عن رسول الله صلى الله عليه واله حتى أثر وأنكر (2)، فنزل جبرئيل عليه السلام وقال: يا محمد إن هذه لهي المواساة من علي لك، فقال النبي صلى الله عليه واله: إنه مني وأنا منه، فقال جبرئيل عليه السلام: وأنا منكما، وسمعوا دويا من السماء: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي (3). 10 - ع: الدقاق وابن عصام معا، عن الكليني، عن القاسم بن العلاء، عن إسماعيل الفزاري، عن محمد بن جمهور العمي، عن ابن أبي نجران، عمن ذكره، عن الثمالي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام فقلت: يا ابن رسول الله لم سمي سيف أمير - المؤمنين عليه السلام ذاالفقار ؟ فقال عليه السلام: لاأنه ما ضرب به أحد من خلق الله إلا أفقره في هذه الدنيا (4) من أهله وولده، وأفقره في الآخرة من الجنة (5). أقول: قد مر الاخبار في باب علامات الامام أنه عند الائمة عليهم السلام. 11 - ما: المفيد، عن علي بن محمد بن مالك، عن أحمد بن عبد الجبار، عن بشر بن بكر، عن محمد بن إسحاق، عن مشيخته قال: سمع يوم احد - وقد هاجت ريح عاصف - كلام هاتف يهتف وهو يقول:

 

(1) في المصدر: وابو دجانة سماك بن خرشة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: يا بادجانة أما ترى قومك ؟ قال: بلى، قال: الحق بقومك، قال: ما على هذا بايعت الله ورسوله قال: أنت في حل، قال: والله لا تتحدث قريش بأنى خذلتك وفررت حتى أذوق ما تذوق، فجزاه النبي خيرا اه‍. (2) كذا في النسخ. وفى المصدر: وانكسر. (3) علل الشرايع: 14. (4) في المصدر: من هذه الدنيا. (5) علل الشرايع: 64.

 

[67]

لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي * وإذا ندبتم هالكا فابكوا الوفي أخا الوفي (1) 12 - ير: عباد بن سليمان، عن سعد بن سعد، عن يحيى، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال: آتى أبي بسلاح رسول الله صلى الله عليه واله وقد دخل عمومتي من ذلك فقال كلمة، فقال صفوان: وذكرنا سيف رسول الله فقال: أتاني إسحاق بن جعفر فعظم علي وسألني له بالحق والحرمة: السيف الذي أخذه هو سيف رسول الله صلى الله عليه واله ؟ قال: فقلت: لا كيف يكون هذا وقد قال أبو جعفر عليه السلام: مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل حيث ما دار دار الامر، قال: فسألته عن ذي الفقار سيف رسول الله صلى الله عليه واله فقال: نزل به جبرئيل من السماء، وكانت حليته فضة، وهو عندي (2). بيان: " فقال كلمة " أي فقال عليه السلام بعد ذلك كلمة نسيتها أولا أرى المصلحة في ذكرها والحاصل أنه عليه السلام قال: إن أبي أعطاني سلاح رسول الله صلى الله عليه واله ودخل عمومتي من ذلك حسد علي، ثم ذكر عليه السلام أن إسحاق عمه أتاه وأقسم عليه بالحق والحرمة أن السيف الذي أخذه المأمون منه عليه السلام هل هو سيف رسول الله ؟ فأجاب عليه السلام بأنه لم يكن سيف رسول الله صلى الله عليه واله لان سيفه لا يكون إلا عند الامام. 13 - شف: محمد بن جرير الطبري قال في كتابه ما لفظه: أبو جعفر، عن داود بن عمر، عن روح بن عبد الله، عن أبي الاحوص عبد الله بن يسار، عن زرارة بن أعين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: إن الله تبارك وتعالى أعطاني ذاالفقار، قال: يا محمد خذه وأعطه خير أهل الارض، فقلت: من ذلك يا رب ؟ فقال: خليفتي في الارض علي بن أبي طالب عليه السلام. وأن ذاالفقار كان ينطق مع علي عليه السلام ويحدثه حتى أنه هم يوما يكسره (3) فقال: مه يا أمير المؤمنين إني مأمور، وقد بقي في أجل المشرك تأخيرا. أقول: إنما يمكن أن يكون قد سقط بعد

 

(1) أمالى الشيخ: 88 و 89. (2) بصائر الدرجات: 51. (3) في المصدر: بكسره.

 

[68]

قوله " هم يوم يكسره ": وقد ضرب به مشركا فلم يقتله (1). 14 - ب: هارون، عن ابن صدقة، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام أن خاتم رسول الله كان من فضة، ونقشه: محمد رسول الله. وكان نقش خاتم علي عليه السلام، الله الملك. و كان نقش خاتم والدي رضي الله عنه: العزة لله (2). 15 - ب: أبوالبختري، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: كان نقش خاتم علي عليه السلام: الملك لله (3). 16 - لى، ن: أبي، عن سعد، عن البرقي، عن محمد بن علي الكوفي، عن الحسن بن أبي العقبة الصيرفي، عن الحسين بن خالد، عن الرضا عليه السلام قال: كان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه السلام: الملك لله، تمام الخبر (4). 17 - ع، ل: محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أحمد بن سعيد، عن محمد بن مسلم بن زرارة، عن محمد بن يوسف، عن سفيان الثوري، عن إسماعيل السدي، عن عبد خير قال: كان لعلي عليه السلام أربعة خواتيم يتختم بها: ياقوت لنبله وفيروزج لنصرته (5) والحديد الصيني لقوته، وعقيق لحرزه، وكان نقش الياقوت: لا إله إلا الله الملك الحق المبين، ونقش الفيروزج: الله الملك الحق (6) ونقش الحديد الصيني: العزة لله جميعا، ونقش العقيق ثلاثة أسطر: ما شاء الله لا قوة إلا بالله أستغفر الله (7). 18 - ع: ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير قال: قلت لابي الحسن موسى عليه السلام: أخبرني عن تختم أمير المؤمنين عليه السلام بيمينه

 

(1) اليقين في امرة أمير المؤمنين: 48. (2) قرب الاسناد: 31. (3) قرب الاسناد: 72. (4) امالي الصدوق: 274. عيون الاخبار: 218. (5) في العلل: لبصره. (6) في العلل: الله الملك الحق المبين. (7) علل الشرائع: 63 و 64 الخصال 1: 93.

 

[69]

لاي شئ كان ؟ فقال: إنما كان يتختم بيمينه لانه إمام أصحاب اليمين بعد رسول الله صلى الله عليه واله وقد مدح الله عزوجل أصحاب اليمين وذم أصحاب الشمال، وقد كان رسول الله صلى الله عليه واله يتختم بيمينه، وهو علامة لشيعتنا، يعرفون به وبالمحافظة على أوقات الصلاة وإيتاء الزكاة ومواساة الاخوان والامر بالمعروف والنهي عن المنكر (1). قب: عن ابن أبي عمير مثله. 19 - ع: عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب القرشي، عن منصور بن عبد الله الاصفهاني، عن علي بن عبد الله، عن عباس بن العباس، عن سعيد الكندي، عن عبد الله بن حازم الخزاعي، عن إبراهيم بن موسى الجهني، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله لعلي: يا علي تختم باليمين تكن من المقربين، قال: يا رسول الله وما المقربون ؟ قال: جبرئيل وميكائيل، قال بما أتختم يا رسول الله ؟ قال: بالعقيق الاحمر، فإنه أفر لله عزوجل بالوحدانية، ولي بالنبوة، ولك يا علي بالوصية، ولولدك بالامامة، ولمحبيك بالجنة، ولشيعة ولدك بالفردوس (2). 20 - ثو: أبي، عن أحمد بن إدريس، عن الاشعري، عن يوسف بن السخت عن الحسن بن سهل، عن ابن مهزيار قال: دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام فرأيت في يده خاتما فصه فيروزج نقشه: الله الملك، فقال: هذا (3) حجر أهداه جبرئيل لرسول الله صلى الله عليه واله من الجنة، فوهبه رسول الله صلى الله عليه واله لعلي عليه السلام، الخبر (4). 21 - كا: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن الحسن (5) بن علي العقيلي، عن علي بن أبي علي اللهبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: عمم رسول الله صلى الله عليه واله عليا عليه السلام بيده، فسد لها من بين يديه وقصرها من خلفه قدر أربع أصابع، ثم قال: أدبر فأدبر، ثم قال: أقبل فأقبل، فقال (6): هكذا تيجان

 

(1 و 2) علل الشرايع: 64. (3) في المصدر: فأدمت النظر إليه فقال: مالك تنظر فيه ؟ هذا حجر اه‍. (4) ثواب الاعمال: 169 و 170. (5) في المصدر: الحسن. (6) في المصدر: ثم قال

 

[70]

الملائكة (1). 22 - كا: علي بن محمد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق الاحمر، عن الحسن ابن سهل، عن الحسن بن علي بن مهران قال: دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام وفي إصبعه خاتم فصه فيروزج نقشه " الله الملك " فأدمت النظر إليه فقال لي: ما لك تديم النظر إليه ؟ فقلت: بلغني أنه كان لعلي أمير المؤمنين عليه السلام خاتم فصه فيروزج نقشه " الله الملك " فقال: أتعرفه ؟ فقلت: لا، قال: هذا هو، تدري ما سببه ؟ قلت: لا، قال: هذا حجر أهداه جبرئيل إلى رسول الله صلى الله عليه واله فوهبه رسول الله صلى الله عليه واله لامير المؤمنين عليه السلام، أتدري ما اسمه ؟ قلت: فيروزج، قال: هذا بالفارسية، فما اسمه بالعربية ؟ قلت: لا أدري، قال: اسمه الظفر (2). 23 - كا: العدة، عن البرقي، عن محمد بن علي، عن العرزمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يتختم في يمينه (3). 24 - كا: العدة، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه السلام: الله الملك (4). 25 - كا: علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن ابن ظبيان و حفص بن غياث، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان في خاتم أمير المؤمنين عليه السلام: الله الملك (5). كا: العدة، عن سهل، عن محمد بن عيسى، عن الحسين بن خالد، عن الرضا عليه السلام مثله (6).

 

(1) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 461. (2) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 472. (3) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 470. (4) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة: 473. وفيه وفى (خ): الملك لله. (5) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 473. (6) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 474.

 

[71]

26 - كا: أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل عن أبي الصباح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يحلي ولده ونساءه بالذهب والفضة (1). 119. (باب) * (صدقاته ومواليه عليه السلام) * 1 - كا: علي، عن أبيه أو قال: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أوصى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: إن أبا نيزر ورباحا وجبيرا عتقوا على أن يعملوا في المال خمس سنين (2). 2 - كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر، عن يحيى الحلبي، عن أيوب بن عطية الحذاء قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قسم النبي صلى الله عليه واله الفئ، فأصاب علي عليه السلام أرضا (3) فاحتفر فيها عينا فخرج ماء ينبع في السماء كهيئة عنق البعير، فسماها ينبع، فجاء البشير يبشر فقال عليه السلام: بشر الوارث هي صدقة بتة بتلافي حجيج بيت الله وعابر (4) سبيل الله، لا تباع ولا توهب ولا تورث، فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا (5). 3 - كا: أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: بعث إلي

 

(1) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 475. (2) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 179. (3) في المصدر: فاصاب عليا ارضا. (4) في المصدر: وعابري. (5) فروع الكافي (الجزء السابع من الطبعة الحديثة): 54 و 55. وقد اوردها بعينها في باب سخائه عليه السلام راجع ج 41 ص 39 و 40.

 

[72]

أبو الحسن عليه السلام بوصية أمير المؤمنين عليه السلام وهي: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به وقضى به في ماله عبد الله علي ابتغاء وجه الله، ليولجني به الجنة ويصرفني به عن النار ويصرف النار عني يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، إن ما كان لي من ينبع (1) مال يعرف لي فيها وما حولها صدقة ورقيقها، غير أن رباحا وأبا نيزر وجبيرا عتقاء ليس لاحد فيهم سبيل، فهم موالي يعملون في المال خمس حجج وفيه نفقتهم ورزقهم وأرزاق أهاليهم، ومع ذلك ما كان لي بوادي القرى من مال بني فاطمة (2) ورقيقها صدقة، وما كان لي بديمة وأهلها صدقة، غير أن زريقا له مثل ما كتبت لاصحابه، وما كان لي بادينه وأهلها والعفرتين (3) كما قد علمتم صدقة في سبيل الله، وإن الذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة حيا أنا أو ميتا، ينفق في كل نفقة يبتغي بها وجه الله في سبيل الله ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب والقريب والبعيد، فإنه يقوم على ذلك الحسن بن علي، يأكل منه بالمعروف وينفقه حيث يراه الله عزوجل في حل محلل لا حرج عليه فيه، فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال فيقضي به الدين فليفعل إن شاء، لا حرج عليه فيه، وإن شاء جعله سرى الملك، وإن ولد علي ومواليهم وأموالهم إلى الحسن بن علي، وإن كانت دار الحسن بن علي غير دار الصدقة فبداله أن يبيعها فليبع إن شاء لا حرج عليه فيه، وإن باع فإنه يقسم ثمنها ثلاثة أثلاث فيجعل ثلثها (4) في سبيل الله، ويجعل ثلثا في بني هاشم وبني المطلب ويجعل الثلث في آل أبي طالب، وإنه يضعه فيهم حيث يراه الله، وإن حدث بحسن

 

(1) في المصدر: من مال ينبع. (2) في المصدر: بوادي القرى كله من مال لبنى فاطمة. (3) كذا في النسخ وفى المصدر: وما كان لى باذينة وأهلها صدقة، والفقيرين اه‍. قال في المراصد (3: 1039): الفقير الحفيرة للنخلة تغرس فيها، وهو ركى بعينه. وفقير - بالتصغير موضع قرب خيبر. (4) في المصدر: ثلثا. (*)

 

[73]

حدث وحسين حي فإنه إلى حسين بن علي، وإن حسينا يفعل فيه مثل الذي أمرت به حسنا، له مثل الذي كتبت للحسن وعليه مثل الذي على حسن، وإن [الذي] لبني ابني فاطمة (1) من صدقة علي مثل الذي لبني علي، وإني إنما جعلت الذي جعلت لابني فاطمة ابتغاء وجه الله عزوجل وتكريم حرمة رسول الله صلى الله عليه واله وتعظيمها وتشريفها (2) ورضاهما، وإن حدث بحسن وحسين حدث فإن الآخر منهما ينظر في بني علي، فإن وجد فيهم من يرضى بهديه (3) وإسلامه وأمانته فإنه يجعل إليه إن شاء، فإن لم ير فيهم بعض الذي يريده فإنه يجعله إلى رجل من آل أبي طالب يرضى به، فإن وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم وذو وآرائهم فإنه يجعله إلى رجل يرضاه من بني هاشم، وإنه يشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على اصوله وينفق ثمره حيث أمرته به من سبيل الله ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب والقريب والبعيد، لا يباع منه شئ ولا يوهب ولا يورث وإن مال محمد بن علي على ناحيته وهو إلى ابني فاطمة، وإن رقيقي الذين في صحيفة صغيرة التي كتبت لي عتقاء. هذا ما قضى به علي بن أبي طالب في أمواله هذه الغد من يوم قدم مسكن ابتغاء وجه الله والدار الآخرة والله المستعان على كل حال، ولا يحل لامرئ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يغير شيئا مما أوصيت به في مالي (4) ولا يخالف فيه أمري من قريب ولا بعيد. أما بعد فإن ولائدي اللاتي أطوف عليهن السبعة عشر منهن امهات أولاد معهن أولادهن، ومنهن حبالى ومنهن من لا ولد له، فقضائي فيهن إن حدث بي

 

(1) في المصدر: لبنى فاطمة. (2) في المصدر: وتعظيمهما وتشريفهما. (3) الهدى: الطريقة والسيرة. وفي المصدر و (م) و (خ): بهداه. (4) كذا في (ك) وفي غيره من النسخ وكذا المصدر: أن يقول في شئ قضيته من مالى ولا يخالف اه‍.

 

[74]

حدث أن من كانت (1) منهن ليس لها ولد وليست بحبلى فهي عتيق لوجه الله عز وجل، ليس لاحد عليهن سبيل، ومن كانت منهن لها ولد أو حبلى فتمسك على ولدها وهي من حظه، فإن مات ولدها وهي حية فهي عتيق، ليس لاحد عليها سبيل، هذا ما قضى به علي في ماله، الغد من يوم قدم مسكن، شهد أبو سمر بن أبرهة وصعصعة بن صوحان ويزيد بن قيس وهياج بن أبي هياج، وكتب علي بن أبي طالب عليه السلام بيده لعشر خلون من جمادى الاولى سنة سبع وثلاثين. وكانت الوصية الآخرى مع الاولى (2). 120. (باب) * (أحوال أولاده وأزواجه وامهات أولاده صلوات الله عليه) * * (وفيه بعض الرد على الكيسانية) * 1 - د: كان له عليه السلام سبعة وعشرون ذكرا وانثى: الحسن والحسين و زينب الكبرى وزينب الصغرى المكناة بام كلثوم من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله وأبو القاسم محمد امه خولة بنت جعفر بن الحنفية، وعمر ورقية كانا توأمين امهما الصهباء ويقال: ام حبيب التغلبية، والعباس وجعفر وعثمان وعبد الله الشهداء بكربلاء امهم ام البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة الكلابية، وله من أسماء بنت عميس الخثعمية يحيى وعون، وكان له من ليلى ابنة مسعود الدارمية محمد الاصغر المكنى أبا بكر وعبيدالله، وكان له خديجة وام هانئ وميمونة وفاطمة لام ولد وكان له من ام شعيب الدارمية - وقيل ام مسعود المخزومية - ام الحسن ورملة.

 

(1) في المصدر: انه من كان. (2) فروع الكافي (الجزء السابع من الطبعة الحديثة): 49 - 51: وقد أوردها المصنف بعينها في باب سخائه عليه السلام مع بيان في ذيلها: راجع ج 41 ص 40 - 42.

 

[75]

وأعقب لامير المؤمنين عليه السلام من البنين خمسة: الحسن والحسين عليهما السلام ومحمد والعباس وعمر رضي الله عنهم (1). 2 - من كتاب تذكرة الخواص لابن الجوزي: النسل من ولد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لخمسة: الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وعمر الاكبر والعباس وأما عمر الاكبر فعاش خمسا وثمانين سنة حتى حاز نصف ميراث أمير المؤمنين، و روى الحديث، وكان فاضلا، وتزوج أسماء بنت عقيل بن أبي طالب عليه السلام فأولدها محمد [ا] وام موسى وام حبيب، وأما العباس فأول من استشهد مع الحسين عليه السلام، قال الزبير بن بكار: كان للعباس ولد اسمه عبيدالله، كان من العلماء، فمن ولده عبيدالله بن علي بن إبراهيم بن الحسن بن عبيدالله بن عباس بن أمير المؤمنين عليه السلام وكان عالما فاضلا جوادا، طاف الدنيا وجمع كتبا تسمى الجعفرية، فيها فقه أهل البيت عليهم السلام، قدم بغداد فأقام بها وحدث، ثم سافر إلى مصر فتوفي بها سنة اثني عشر وثلاثمائة، ومن نسل العباس بن أمير المؤمنين العباس بن الحسن بن عبيدالله بن العباس، ذكره الخطيب في تاريخ بغداد، فقال: قدم إليها في أيام الرشيد و صحبه، وكان يكرمه، ثم صحب المأمون بعده، وكان فاضلا شاعرا فصيحا، وتزعم العلوية أنه أشعر ولد أبي طالب (2). 3 - ع: المفسر، عن علي بن محمد بن سنان، عن محمد بن يزيد المنقري، عن سفيان بن عيينة قال: قيل للزهري: من أزهد الناس في الدنيا ؟ قال: علي بن الحسين عليهما السلام حيث كان، وقد قيل له - فيما بينه وبين محمد بن الحنفية من المنازعة في صدقات علي بن أبي طالب عليه السلام -: لو ركبت إلى الوليد بن عبد الملك ركبة لكشف عنك من غرر (3) شره وميله عليك بمحمد، فإن بينه وبينه خلة، قال:

 

(1) كتاب العدد القوية لدفع المخاوف اليومية من مؤلفات الشيخ رضى الدين على بن سديد الدين يوسف بن على بن مطهر الحلى مخطوط لم نظفر بنسخته قال المصنف في الفصل الثاني من مقدمه الكتاب وقد اتفق لنا منه نصفه. (2) وجدناها ص 32 من طبعته الحجرية مع تقديم وتأخير واختلاف كثير والكتاب كما عرفت إنما هو للشيخ جمال الدين يوسف ابن أبى الفرج عبد الرحمن بن الجوزى. (3) الغرر: التعريض للهلاك.

 

[76]

وكان هو بمكة والوليد بها - فقال: ويحك أفي حرم الله أسأل غير الله عزوجل ؟ إني أنف إذ أسأل الدنيا خالقها (1) فكيف أسأل مخلوقا مثلي ؟ وقال الزهري: لا جرم إن الله عزوجل ألقى هيبته في قلب الوليد حتى حكم له على محمد بن الحنفية (2). 4 - جا، ما: المفيد، عن محمد بن عمران، عن علي بن عبد الرحيم السجستاني عن أبيه، عن الحسين بن إبراهيم، عن عبد الله بن عاصم، عن محمد بن بشر قال: لما سير ابن الزبير ابن عباس إلى الطائف كتب إليه محمد بن الحنفية: أما بعد فقد بلغني أن ابن الجاهلية سيرك إلى الطائف، فرفع الله - عزوجل اسمه - بذلك لك ذكرا وعظم (3) لك أجرا وحط به عنك وزرا، يا ابن عم إنما يبتلى الصالحون وإنما تهدى (4) الكرامة للابرار، ولو لم توجر إلا فيما تحب إذا قل أجرك، قال الله تعالى: " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم " (5) وهذا مالست أشك أنه خير لك عند بارئك، عزم الله لك على الصبر في البلوى (6) والشكر في النعماء إنه على كل شئ قدير. فلما وصل الكتاب إلى ابن عباس أجاب عنه وقال: أما بعد فقد أتاني كتابك تعزيني فيه على تسييري، وتسأل ربك جل اسمه أن يرفع لي به ذكرا، وهو تعالى قادر على تضعيف الاجر والعائدة بالفضل والزيادة من الاحسان، أما احب أن الذي ركب مني ابن الزبير كان ركبه مني أعداء خلق الله لي احتسابا وذلك في حسناتي ولما أرجو أن أنال به رضوان ربي، يا أخي ! الدنيا قد ولت وإن الآخرة قد أظلت، فاعمل صالحا جعلنا الله وإياك ممن يخافه بالغيب ويعمل لرضوانه في السر والعلانية إنه على كل شئ قدير (7).

 

(1) أي انى اكره السؤال من الله تعالى في النعم الفانية الدنياوية وهو خالقها اه‍. (2) علل الشرايع: 87 و 88. (3) في امالي الطوسى: وأعظم. (4) في امالي الطوسى: تهتدى. (5) سورة البقرة: 216. (6) في امالي المفيد: عظم الله لك الصبر على البلوى. (7) امالي المفيد: 205 و 206. امالي الطوسى: 74 و 75.

 

[77]

(5) ير: محمد بن الحسين، عن نضر بن شعيب، عن خالد بن ماد، عن الثمالي عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: أتى محمد بن الحنفية الحسين بن علي عليهما السلام فقال: أعطني ميراثي من أبي، فقال له الحسين عليه السلام: ما ترك أبوك إلا سبع مائة درهم فضلت من عطاياه، قال: فإن الناس يزعمون فيأتون فيسألوني فلا أجد بدا من أن اجيبهم، قال: فأعطني من علم أبي، فقال: (1) فدعا الحسين عليه السلام قال: فذهب فجاء بصحيفة تكون أقل من شبر أو أكبر من أربع أصابع، قال: فملات شجرة ونحوه علما (2). 6 - خص: سعد بن عبد الله، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة وزرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما قتل الحسين بن علي عليهما السلام أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين عليهما السلام فخلا به ثم قال: يا ابن أخي قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه واله كانت الوصية منه والامامة من بعده إلى علي بن أبي طالب ثم إلى الحسن بن علي ثم إلى الحسين عليهم السلام وقد قتل أبوك ولم يوص، وأنا عمك وصنو أبيك، وولادتي من علي عليه السلام في سني وقد متى و أنا أحق بها منك في حداثتك، لا تنازعني في الوصية والامامة ولا تجانبني، فقال له علي بن الحسين عليهما السلام: يا عم اتق الله ولا تدع ما ليس لك بحق، إني أعظك أن تكون من الجاهلين، إن أبي عليه السلام يا عم أوصى إلي في ذلك قبل أن يتوجه إلى العراق، وعهد إلي في ذلك قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول الله صلى الله عليه واله عندي، فلا تتعرض لهذا، فإني أخاف عليك نقص العمر وتشتت الحال، إن الله تبارك وتعالى لما صنع الحسن مع معاوية (3) أبى أن يجعل الوصية والامامة إلا في عقب الحسين عليه السلام فإن رأيت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الاسود حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك، قال أبو جعفر عليه السلام: وكان الكلام بينهما بمكة،

 

(1) في المصدر: قال. (2) بصائر الدرجات: 42 و 43. (3) في المصدر بعد ذلك: ما صنع.

 

[78]

فانطلقا حتى أتيا الحجر، فقال علي بن الحسين عليهما السلام لمحمد بن علي: آته يا عم وابتهل إلى الله تعالى أن ينطق لك الحجر، ثم سله عما ادعيت، فابتهل في الدعاء وسأل الله ثم دعا الحجر فلم يجبه، فقال علي بن الحسين عليهما السلام: أما إنك يا عم لو كنت وصيا وإماما لاجابك، فقال له محمد: فادع أنت يا ابن أخي فاسأله، فدعا الله علي بن الحسين عليهما السلام بما أراده ثم قال: أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الانبياء والاوصياء وميثاق الناس أجمعين لما أخبرتنا: من الامام والوصي بعد الحسين عليه السلام ؟ فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله بلسان عربي مبين فقال: اللهم إن الوصية والامامة بعد الحسين بن علي عليهما السلام إلى علي بن الحسين بن علي، ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله فانصرف محمد بن علي، ابن الحنفية وهو يقول: (1) علي بن الحسين (2). 7 - أقول: ذكر الصدوق في كتاب إكمال الدين في بيان خطاء الكيسانية أن السيد بن محمد الحميري رضي الله عنه اعتقد ذلك وقال فيه: ألا إن الائمة من قريش * ولاة الامر أربعة سواء علي والثلاثة من بنيه * هم أسباطنا والاوصياء فسبط سبط إيمان وبر * وسبط قد حوته كربلاء وسبط لا يذوق الموت حتى * يقود الجيش يقدمه اللواء يغيب فلا يرى عنا زمانا * برضوى عنده عسل وماء وقال فيه السيد أيضا: أيا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى * فحتى متى تخفى وأنت قريب ؟ فلو غاب عنا عمر نوح لايقنت * منا النفوس بأنه سيؤوب وقال فيه السيد أيضا: ألا حي المقيم بشعب رضوى * وأهد له بمنزله سلاما

 

(1) أي يقول: الامام على بن الحسين. وفي المصدر: وهو يتولى. (2) مختصر البصائر: 14 و 15.

 

[79]

وقل: يا ابن الوصي فدتك نفسي * أطلت بذلك الجبل المقاما أضر بمعشر والوك منا (1) * وسموك الخليفة والاماما فما ذاق ابن خولة طعم موت * ولا وارت له أرض عظاما فلم يزل السيد ضالا في أمر الغيبة يعتقدها في محمد بن علي ابن الحنفية حتى لقي الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام، ورأى منه علامات الامامة، وشاهد منه دلالات الوصية، فسأله عن الغيبة وذكر له أنها حق وأنها (2) تقع بالثاني عشر من الائمة عليهم السلام وأخبره بموت محمد بن علي، ابن الحنفية، وأن أباه شاهد دفنه، فرجع السيد عن مقالته واستغفر من اعتقاده، ورجع إلى الحق عند اتضاحه، ودان بالامامة (3). 8 - حدثنا ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن حمدان بن سليمان: عن محمد بن إسماعيل بن روح (4) عن حيان السراج قال: سمعت السيد بن محمد الحميري يقول: كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمد بن علي ابن الحنفية رضي الله عنه، قد ضللت في ذلك زمانا، فمن الله علي بالصادق جعفر بن محمد عليهما السلام وأنقذني به من النار، وهداني إلى سواء الصراط، فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله علي وعلى جميع أهل زمانه وأنه الامام الذي فرض الله طاعته وأوجب الاقتداء به فقلت له: يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحة كونها فأخبرني بمن يقع (5) ؟ فقال: عليه السلام: ستقع (6) بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الائمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه واله أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و آخرهم القائم بالحق بقية الله في الارض وصاحب الزمان، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملا الارض قسطا وعدلا كما

 

(1) في المصدر: فمر بمعشر. (2) في المصدر: فذكر له انها حق ولكنها. (3) اكمال الدين: 20. (4) في المصدر: بزيع. (5) في المصدر: تقع. (6) في المصدر: ان الغيبة ستقع.

 

[80]

ملئت ظلما وجورا (1)، قال السيد: فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه (2). 9 - أقول: أورد قصيدة عن السيد في ذلك، وقد أوردناها في باب أحوال مداحي الصادق عليه السلام ثم قال: وكان حيان السراج الراوي لهذا الحديث من الكيسانية، ومتى صح موت محمد بن علي ابن الحنفية بطل أن تكون الغيبة التي رويت في الاخبار واقعة به، فمما روي في وفاة محمد بن الحنفية رضي الله عنه ما حدثنا به محمد بن عصام، عن الكليني، عن القاسم بن العلاء، عن إسماعيل بن علي القزويني عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن جعفر بن مختار قال: دخل حيان السراج على الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فقال له: يا حيان ما يقول أصحابك في محمد ابن الحنفية ؟ قال: يقولون: حي (3) يرزق، فقال الصادق عليه السلام: حدثني أبي عليه السلام أنه كان فيمن عاداه في مرضه وفيمن غمضه وأدخله حفرته وزوج نساؤه وقسم ميراثه، فقال: يا با عبد الله إنما مثل محمد في هذه الامة كمثل عيسى بن مريم شبه أمره للناس، فقال الصادق عليه السلام: شبه أمره على أوليائه أو على أعدائه ؟ قال: بل على أعدائه قال: أتزعم أن أبا جعفر محمد بن علي الباقر عدو عمه محمد بن الحنفية ؟ فقال: لا ثم قال الصادق عليه السلام: يا حيان إنكم صدفتم عن آيات الله، وقد قال الله تبارك و تعالى: " سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون (4) ". 10 - كش: الحسين بن الحسن بن بندار، عن سعد، عن ابن عيسى ومحمد بن عبد الجبار، عن ابن معروف، عن عبد الله بن الصلت، عن حماد بن عيسى، قال: وحدثني علي بن إسماعيل ويعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار القلانسي، عن عبد الله بن مسكان قال: دخل حيان السراج، وذكر نحوه

 

(1) في المصدر: و (م) و (خ): جورا وظلما. (2) اكمال الدين: 20 و 21. (3) في المصدر: انه حى. (4) اكمال الدين: 21 و 22. والاية في سورة الانعام: 157.

 

[81]

وزاد في آخره: قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: فتبت إلى الله من كلام حيان ثلاثين يوما (1). 11 - ك: وقال الصادق عليه السلام: ما مات محمد بن الحنفية حتى أقرت لعلي ابن الحسين عليهما السلام، وكانت وفاة محمد بن الحنفية سنة أربع وثمانين من الهجرة (2). 12 ير: أيوب بن نوح، عن صفوان، عن مروان بن إسماعيل، عن حمزة ابن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكرنا خروج الحسين وتخلف ابن الحنفية عنه، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا حمزة إني سأحدثك في هذا الحديث ولا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا، إن الحسين لما فصل (3) متوجها دعا بقرطاس وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلي بني هاشم أما بعد فإنه من لحق بي منكم استشهد معي ومن تخلف لم يبلغ الفتح، والسلام (4). قب: حمزة بن حمران مثله (5). بيان: قوله عليه السلام: " لم يبلغ الفتح " أي لم يبلغ ما يتمناه من فتوح الدنيا والتمتع بها، وظاهر هذا الجواب ذمه، ويحتمل أن يكون المعنى أنه عليه السلام خيرهم في ذلك، فلا إثم على من تخلف، وسيأتي بعض الكلام في ذلك في أحوال الحسين عليه السلام وسنعيد بعض أحواله عند ذكر أحوال المختار. 13 - غط: أما الذي يدل على فساد قول الكيسانية القائلين بإمامة محمد بن الحنفية فأشياء: منها أنه لو كان إماما مقطوعا على عصمته لوجب أن يكون منصوصا عليه نصا صريحا، لان العصمة لا تعلم إلا بالنص، وهم لا يدعون نصا صريحا، و إنما يتعلقون بامور ضعيفة دخلت عليهم فيها شبهة، لا يدل (6) على النص، نحو

 

(1) معرفة اخبار الرجال: 203. (2) اكمال الدين: 22. (3) في هامش (ك): رحل خ ل. (4) بصائر الدرجات: 141. (5) مناقب آل أبى طالب 2: 199. (6) في المصدر: لا تدل.

 

[82]

إعطاء أمير المؤمنين إياه الراية يوم البصرة، وقوله: " أنت ابني حقا " مع كون الحسن والحسين عليهما السلام ابنيه، وليس في ذلك دلالة على إمامته على وجه، وإنما يدل على فضله ومنزلته، على أن الشيعة تروي أنه جرى بينه وبين علي بن الحسين عليهما السلام كلام في استحقاق الامامة، فتحاكما إلى الحجر فشهد الحجر لعلي بن الحسين عليهما السلام بالامامة، فكان ذلك معجزا له، فسلم له الامر وقال بإمامته، والخبر بذلك مشهور عند الامامية لانهم رووا أن محمد بن الحنفية نازع علي بن الحسين عليهما السلام في الامامة، وادعى أن الامر افضي إليه بعد أخيه الحسين، فناظره علي بن الحسين عليهما السلام واحتج عليه بآي من القرآن كقوله: " واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض (1) " وأن هذه الآية جرت في علي بن الحسين عليهما السلام وولده، ثم قال له: احاجك إلى الحجر الاسود، فقال له: كيف تحاجني إلى حجر لا يسمع ولا يجيب فأعلمه أنه يحكم بينهما، فمضيا حتى انتهيا إلى الحجر، فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية: تقدم وكلمه، فتقدم إليه فوقف حياله وتكلم ثم أمسك، ثم تقدم علي بن الحسين عليهما السلام فوضع يده عليه ثم قال: اللهم إني أسألك باسمك المكتوب في سرادق العظمة - ثم دعا بعد ذلك وقال -: لما أنطقت ذلك الحجر (2). ثم قال: أسألك بالذي جعل فيك مواثيق العباد والشهادة لمن وافاك لما أخبرت لمن الامامة والوصية ؟ فزعزع الحجر ثم كاد (3) أن يزول، ثم أنطقه الله فقال: يا محمد سلم الامامة لعلي بن الحسين عليهما السلام، فرجع محمد عن منازعته وسلمها إلى علي بن الحسين عليهما السلام. ومنها تواتر الشيعة الامامية بالنص عليه من أبيه وجده، وهي موجودة في كتبهم في الاخبار لا نطول بذكره الكتاب. ومنها الاخبار الواردة عن النبي صلى الله عليه واله من جهة الخاصة والعامة على ما سنذكره

 

(1) سورة الانفال: 75. سورة الاحزاب: 6. (2) في المصدر وفي غير (ك) من النسخ: هذا الحجر. (3) في المصدر: فتزعزع الحجر حتى كاد.

 

[83]

فيما بعد بالنص على إمامة الاثني عشر، وكل من قال بإمامتهم قطع على وفاة محمد ابن الحنفية، وسياقة الامامة إلى صاحب الزمان عليه السلام. ومنها انقراض هذه الفرقة، فإنه لم يبق في الدنيا في وقتنا ولا قبله بزمان طويل قائل يقول به، ولو كان ذلك حقا لما جاز انقراضه. فإن قيل: كيف يعلم انقراضهم وهلا جاز أن يكون في بعض البلاد البعيدة و جزائر البحر وأطراف الارض أقوام يقولون بهذا القول كما يجوز أن يكون في أطراف الارض من يقول بمذهب الحسن في أن مرتكب الكبيرة منافق، فلا يمكن ادعاء انقراض هذه الفرقة، وإنما كان يمكن العلم (1) لو كان المسلمون فيهم قلة و العلماء محصورين، فأما [الآن] وقد انتشر الاسلام وكثر العلماء، فمن أين يعلم ذلك ؟ قلنا: هذا يؤدي إلى أن لا يمكن العلم بإجماع الامة على قول ولا مذهب، بأن يقال: لعل في أطراف الارض من يخالف ذلك، ويلزم أن يجوز أن يكون في أطراف الارض من يقول أن البرد لا ينقض الصوم، وأنه يجوز للصائم أن يأكل إلى طلوع الشمس، لان الاول كان مذهب أبي طلحة الانصاري والثاني مذهب الحذيفة والاعمش، وكذلك مسائل كثيرة من الفقه كان الخلف فيها واقعا بين الصحابة و التابعين، ثم زال الخلف فيما بعد، واجتمع أهل الاعصار على خلافه، فينبغي أن يشك في ذلك ولا نثق بالاجماع على مسألة سبق الخلاف فيها، وهذا طعن من يقول أن الاجماع لا يمكن معرفته ولا التوصل إليه، والكلام في ذلك لا يختص هذه المسألة فلا وجه لايراده ههنا، ثم إنا نعلم أن الانصار طلبت الامرة ودفعهم المهاجرون عنها، ثم رجعت الانصار إلى قول المهاجرين على قول المخالف، فلو أن قائلا قال: يجوز عقد الامامة لمن كان من الانصار لان الخلاف سبق فيه ولعل في أطراف الارض من يقول به فما كان يكون جوابهم فيه ؟ فأي شئ قالوه فهو جوابنا بعينه، فلا نطول بذكره. فإن قيل: إذا كان الاجماع عندكم إنما يكون حجة لكون المعصوم فيه فمن

 

(1) في المصدر: يمكن العلم بذلك.

 

[84]

أين تعلمون دخول قوله في جملة أقوال الامة ؟ وهلا جاز أن يكون قوله منفردا عنهم فلا تتيقنون (1) بالاجماع ؟ قلنا: المعصوم إذا كان من جملة علماء الامة فلا بد أن يكون قوله موجودا في جملة أقوال العلماء، لانه لا يجوز أن يكون [قوله] منفردا مظهرا للكفر، فإن ذلك لا يجوز عليه، فإذا لا بد أن يكون قوله في جملة الاقوال وإن شككنا في أنه الامام فإذا اعتبرنا أقوال الامة ووجدنا بعض العلماء يخالف فيه فإن كنا نعرفه ونعرف مولده ومنشأه لم نعتد بقوله، لعلمنا أنه ليس بإمام، وإن شككنا في نسبه لم يكن المسألة إجماعيا، فعلى هذا أقوال العلماء من الامة اعتبرناها فلم نجد فيهم قائلا بهذا المذهب الذي هو مذهب الكيسانية أو الواقفية، وإن وجدنا فرضا واحدا أو اثنين فإنا نعلم منشأه ومولده، فلا يعتد بقوله، واعتبرنا أقوال الباقين الذين نقطع على كون المعصوم فيهم، فسقطت هذه الشبهة على هذا التحرير وبان وهنها (2). 14 - يج: عن دعبل الخزاعي قال: حدثنا الرضا عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: كنت عند [أبي] الباقر عليه السلام إذ دخل عليه جماعة من الشيعة وفيهم جابر بن يزيد، فقالوا: هل رضي أبوك علي (3) بإمامة الاول والثاني ؟ قال: اللهم لا، قالوا: فلم نكح من سبيهم خولة الحنفية إذا لم يرض بإمامتهم ؟ فقال الباقر عليه السلام امض يا جابر بن يزيد إلى منزل جابر بن عبد الله الانصاري فقل له: إن محمد بن علي يدعوك، قال جابر بن يزيد، فأتيت منزله وطرقت عليه الباب، فناداني جابر ابن عبد الله الانصاري من داخل الدار: اصبر يا جابر بن يزيد، فقلت في نفسي: أين (4) علم جابر الانصاري أني جابر بن يزيد ولا يعرف الدلائل إلا الائمة من آل محمد عليهم السلام ؟ والله لاسألنه إذا خرج إلي، فلما خرج قلت له: من أين علمت أني

 

(1) في المصدر و (م) و (خ): فلا تثقون. (2) الغيبة للشيخ الطوسى: 17 - 20. (3) في المصدر: على بن ابى طالب. (4) في المصدر: قال جابر بن يزيد قلت في نفسي من أين اه‍.

 

[85]

جابر (1) وأنا على الباب وأنت داخل الدار ؟ قال: خبرني (2) مولاي الباقر عليه السلام البارحة أنك تسأله (3) عن الحنفية في هذا اليوم، وأنا أبعثه إليك يا جابر بكرة غدو أدعوك، فقلت: صدقت، قال: سربنا، فسرنا جميعا حتى أتينا المسجد، فلما بصر مولاي الباقر عليه السلام بنا ونظر إلينا قال للجماعة: قوموا إلى الشيخ فاسألوه حتى ينبئكم بما سمع ورأى، فقالوا: يا جابر هل راض إمامك علي بن أبي طالب عليه السلام بإمامة من تقدم ؟ قال: اللهم لا، قالوا: فلم نكح من سبيهم (4) إذ لم يرض بإمامتهم ؟ قال جابر: آه آه لقد ظننت أني أموت ولا اسأل عن هذا، إذ سألتموني (5) فاسمعوا وعوا، حضرت السبي وقد ادخلت الحنفية فيمن ادخل، فلما نظرت إلى جميع الناس عدلت إلى تربة رسول الله صلى الله عليه واله فرنت وزفرت زفرة وأعلنت بالبكاء والنحيب ثم نادت: السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه واله وعلى أهل بيتك من بعدك هؤلاء امتك سبينا (6) سبي النوب (7) والديلم، والله ماكان لنا إليهم من ذنب إلا الميل إلى أهل بيتك، فجعلت (8) الحسنة سيئة والسيئة حسنة فسبينا، ثم انعطفت (9) إلى الناس وقالت: لم سبيتمونا وقد أقررنا ؟ بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه واله قالوا (10): منعتمونا الزكاة، قالت: هب الرجال منعوكم فما بال النسوان ؟ فسكت المتكلم كأنما القم حجرا، ثم ذهب إليها طلحة وخالد يرميان في التزويج إليها

 

(1) في المصدر: جابر بن يزيد. (2) في المصدر: أخبرني. (3) في المصدر: تسأل. (4) في المصدر: فلم نكح من سبيهم خولة الحنفية اه‍. (5) في المصدر: فالان إذ سألتموني. (6) في المصدر: سبتنا. (7) النوب - بالضم -: جيل من السودان. (8) في المصدر: فحولت. (9) في المصدر: التفتت. (10) في المصدر: قال أبو بكر. (*)

 

[86]

ثوبين (1) فقالت: لست بعريانة فتكسوني (2)، قيل: إنهما يريدان أن يتزايدا عليك فأيهما زاد على صاحبه أخذك من السبي، قالت: هيهات والله لا يكون ذلك أبدا، ولا يملكني ولا يكون لي ببعل إلا من يخبرني بالكلام الذي قلته ساعة خرجت من بطن امي فسكت الناس ينظر (3) بعضهم إلى بعض، وورد عليهم من ذلك الكلام ما أبهر عقولهم وأخرس ألسنتهم، وبقي القوم في دهشة من أمرها، فقال أبو بكر: ما لكم ينظر بعضكم إلى بعض ؟ قال الزبير: لقولها الذي سمعت، قال أبو بكر: ما هذا الامر (4) الذي أحصر أفهامكم إنها جارية من سادات قومها ولم يكن (5) لها عادة بما لقيت ورأت، فلا شك أنها داخلها الفزع وتقول ما لا تحصيل له، فقالت: رميت بكلامك غير مرمي، والله ما داخلني فزع ولا جزع، ووالله ما قلت إلا حقا ولا نطقت إلا فصلا، ولا بد أن يكون كذلك وحق صاحب هذا البنية ما كذبت، ثم سكتت وأخذ طلحة وخالد ثوبيهما وهي قد جلست ناحية من القوم، فدخل علي بن أبي طالب عليه السلام فذكروا له حالها، فقال عليه السلام: هي صادقة فيما قالت، وكان حالتها (6) وقصتها كيت وكيت في حال ولادتها، وقال: إن كل ما تكلمت به في حال خروجها من بطن امها هو كذا وكذا، وكل ذلك مكتوب على لوح معها، فرمت باللوح إليهم لما سمعت كلامه عليه السلام، فقرؤوها (7) على ما حكى علي بن أبي طالب عليه السلام لا يزيد حرفا ولا ينقص، فقال أبو بكر: خذها يا أبا الحسن بارك الله لك فيها. فوثب سلمان فقال: والله ما لاحد ههنا منة على أمير المؤمنين، بل لله المنة ولرسوله ولامير المؤمنين، والله ما أخذها إلا بمعجزه الباهرة وعلمه القاهر وفضله

 

(1) في المصدر: ورميا عليها ثوبيهما. (2) في المصدر: فتكسوننى. (3) في المصدر: ونظر. (4) في المصدر: الكلام. (5) في المصدر: ولم تكن. (6) في المصدر: من حالتها. (7) في المصدر: فقرؤوا ذلك.

 

[87]

الذي يعجز عنه كل ذي فضل (1)، ثم قال المقداد: ما بال أقوام قد أوضح الله لهم الطريق للهداية فتركوه وأخذوا طريق العمى ؟ وما من قوم إلا وتبين لهم فيه دلائل أمير المؤمنين، وقال أبو ذر: واعجبا لمن يعاند الحق وما من وقت إلا وينظر إلى بيانه، أيها الناس قد تبين لكم (2) فضل أهل الفضل، ثم قال: يا فلان أتمن على أهل الحق بحقهم (3) وهم بما يديك أحق وأولى ؟ وقال عمار: اناشدكم بالله أما سلمنا على أمير المؤمنين هذا علي بن أبي طالب عليه السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه واله بإمرة المؤمنين ؟ فزجره عمر عن الكلام، فقام أبو بكر، فبعث علي عليه السلام خولة إلى بيت أسماء بنت عميس، قال لها: خذي هذه المرأة وأكرمي مثواها، فلم تزل خولة عند أسماء بنت عميس إلى أن قدم أخوها فتزوجها علي بن أبي طالب عليه السلام، فكان الدليل على علم أمير المؤمنين عليه السلام وفساد ما يورده القوم من سبيهم (4) وإنه عليه السلام تزوجها نكاحا، فقالت الجماعة: يا جابر أنقذك الله من حر النار كما أنقذتنا من حرارة الشك (5). 15 - يج: روي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: جمع أمير المؤمنين عليه السلام بنيه وهم اثنا عشر ذكرا فقال لهم: إن الله أحب أن يجعل في سنة من يعقوب، إذ جمع بنيه وهم اثنا عشر ذكرا فقال لهم: إني اوصي إلى يوسف فاسمعوا له وأطيعوا، وأنا اوصي إلى الحسن والحسين فاسمعوا لهما وأطيعوا، فقال له عبد الله ابنه: دون محمد بن علي ؟ - يعني محمد بن الحنفية - فقال له: أجرأة علي في حياتي ؟ كأني بك قد وجدت مذبوحا في فسطاطك لا يدرى من قتلك، فلما كان في زمان المختار أتاه فقال: لست هناك، فغضب فذهب إلى مصعب بن الزبير وهو بالبصرة، فقال: ولني قتال أهل الكوفة، فكان على مقدمة مصعب، فالتقوا بحروراء، فلما

 

(1) في المصدر: فضل كل ذى فضل. (2) في المصدر: ان الله قد بين لكم. (3) في المصدر: بحقوقهم. (4) كذا في النسخ. وفى المصدر: من شبههم. (5) الخرائج والجرائح: 90 - 92.

 

[88]

حجز الليل بينهم أصبحوا وقد وجدوه مذبوحا في فسطاطه لا يدرى من قتله (1). بيان: أتاه أي أتى عبد الله المختار ليبايع المختار له بالامامة، فقال المختار له: لست هناك أي لا تستحق ؟ ؟ الامامة. 16 - يج: الصفار، عن أبي بصير، عن جذعان بن نصر، عن محمد بن مسعدة عن محمد بن حمويه بن إسماعيل، عن أبي عبد الله الربيبي (2)، عن عمر بن اذينة قال: قيل لابي عبد الله عليه السلام: إن الناس يحتجون علينا ويقولون: إن أمير المؤمنين عليه السلام زوج فلانا ابنته ام كلثوم، وكان متكئا فجلس وقال: أيقولون ذلك ؟ إن قوما يزعمون ذلك لا يهتدون إلى سواء السبيل، سبحان الله ما كان يقدر أمير المؤمنين عليه السلام أن يحول بينه وبينها فينقذها ؟ ! كذبوا ولم يكن ما قالوا، إن فلانا خطب إلى علي عليه السلام بنته ام كلثوم فأبى علي عليه السلام، فقال للعباس: والله لئن لم تزوجني لانتزعن منك السقاية وزمزم، فأتى العباس عليا فكلمه، فأبى عليه، فألح العباس، فلما رأى أمير المؤمنين عليه السلام مشقة كلام الرجل على العباس وأنه سيفعل بالسقاية ما قال أرسل أمير المؤمنين عليه السلام إلى جنية من أهل نجران يهودية يقال لها سحيفة (3) بنت جريرية، فأمرها فتمثلت في مثال ام كلثوم وحجبت الابصار عن ام كلثوم وبعث بها إلى الرجل، فلم تزل عنده حتى أنه استراب (4) بها يوما فقال: ما في الارض أهل بيت أسحر من بني هاشم، ثم أراد أن يظهر ذلك للناس فقتل وحوت الميراث وانصرفت إلى نجران، وأظهر أمير المؤمنين عليه السلام ام كلثوم (5). 17 - سر: عن أبان بن تغلب، عن صفوان، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله عليه السلام أن أباه حدثه أن علي بن الحسين عليهما السلام أتى محمد بن علي الاكبر قال:

 

(1) لم نجده في المصدر المطبوع. (2) في (خ): الزبيبى. (3) في (خ) و (م): سحيقة. (4) أي وقع في الريبة. (5) لم نجده في المصدر المطبوع.

 

[89]

إن هذا الكذاب أراه يكذب على الله وعلى رسوله وعلينا أهل البيت، وذكر أنه يأتيه جبرئيل وميكائيل عليهما السلام، فقال له محمد بن علي: يا ابن أخي أتاك بهذا من يصدق ؟ قال: نعم، قال: اذهب فارو عني لا أقول هذا وإني أبرأ ممن قال به (1) فلما انصرف من عنده دخل عليه عبد الله بن محمد وامرأته وسريته، فقالوا له: إنما أتاك علي بن الحسين بهذا أنه حسدك لما يبعث به إليك، فأرسل إليه محمد بن علي لا ترو علي شيئا فإنك إن رويت عني (2) شيئا قلت: لم أقله (3). بيان: المراد بالكذاب المختار قوله: " وذكر أنه " أي ذكر المختار للناس أن محمد بن الحنفية يأتيه جبرئيل وميكائيل، فلما خرج عليه السلام دخل على ابن الحنفية ابنه وامرأته وسريته ليصرفوه عن رد المختار وتكذيبه، لئلا ينقطع عنهم ما يأتيهم من قبله من الاموال، فلم يقبل منهم، وبعث إلى المختار لا ترو عني الاكاذيب بعد ذلك فإنك إن رويت عني قلت للناس: أني لم أقله وإنه كاذب، هذا تأويل للكلام يناسب حال محمد بن الحنفية، وإلا فظاهر الكلام أنه قبل منه ذلك وبعث إلى علي بن الحسين عليهما السلام أن لا تقل ما أمرتك بروايته عني من تكذيب المختار و براءتي منه، وإلا فأنا اكذبك في ذلك عند الناس. 18 - شا: أولاد أمير المؤمنين عليه السلام سبعة وعشرون ولدا ذكرا وانثى: الحسن والحسين وزينب الكبرى وزينب الصغرى المكناة بام كلثوم، امهم فاطمة البتول سيدة نساء العالمين بنت سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد النبي صلى الله عليه واله، ومحمد المكنى بأبي القاسم امه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية: وعمر ورقية كانا توأمين (و) امهما ام حبيب بنت ربيعة، والعباس وجعفر وعثمان وعبد الله (4) الشهداء مع أخيهم الحسين عليهم السلام بطف كربلاء امهم ام البنين بنت حزام بن خالد بن دارم، ومحمد

 

(1) في المصدر: ممن قاله. (2) في المصدر: على. (3) مستطرفات السرائر ما أورده ابان بن تغلب عن الصادقين عليهما السلام. (4) في المصدر: وعبيدالله.

 

[90]

الاصغر المكنى بأبي بكر وعبد الله (1) الشهيدان مع أخيهما الحسين بن علي عليهما السلام بالطف امهما ليلى بنت مسعود الدارمية، ويحيى امه أسماء بنت عميس الخثعمية رضي الله عنها، وام الحسن ورملة امهما ام سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي، ونفيسة وزينب الصغرى ورقية الصغرى وام هانئ وام الكرام وجمانة المكناة ام جعفر وأمامة وام سلمة وميمونة وخديجة وفاطمة رحمة الله عليهن لامهات شتى، وفي الشيعة من يذكر أن فاطمة صلوات الله عليها أسقطت بعد النبي صلى الله عليه واله ذكرا كان سماه رسول الله صلى الله عليه واله وهو حمل محسنا، فعلى قول هذه الطائفة أولاد أمير المؤمنين عليه السلام ثمانية وعشرون ولدا، والله أعلم (2). أقول: قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: أما الحسن والحسين و ام كلثوم الكبرى وزينب الكبرى (3) فامهم فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه واله وأما محمد فامه خولة بنت أياس بن جعفر من بني حنيفة (4) وأما أبو بكر وعبد الله فامهما ليلى بنت مسعود النهشلية من تميم، وأما عمر ورقية فامهما سبية (5) من بني تغلب يقال لها: الصهباء، سبيت في خلافة أبي بكر وإمارة خالد بن الوليد بعين التمر، وأما يحيى وعون فامهما أسماء بنت عميس الخثعمية، وأما جعفر و العباس وعبد الله وعبد الرحمن فامهم ام البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد من بني كلاب، وأما رملة وام الحسن فامهما ام سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي، وأما ام كلثوم الصغرى وزينب الصغرى وجمانة وميمونة وخديجة وفاطمة وام الكرام ونفيسة وام سلمة وام أبيها وأمامة بنت علي عليه السلام فهن

 

(1) في (ت): وعبيدالله. (2) الارشاد للمفيد: 167 و 168. (3) في المصدر: وزينب الكبرى وام كلثوم الكبرى. (4) في المصدر: من بنى حنفية. (5) في المصدر: مسبية.

 

[91]

لامهات أولاد شتى (1). 19 - شا: هارون بن موسى، عن عبد الملك بن عبد العزيز قال: لما ولي عبد الملك بن مروان الخلافة رد إلى علي بن الحسين عليهما السلام صدقات رسول الله و صدقات أمير المؤمنين عليهما السلام وكانتا مضمومتين، فخرج عمر بن علي إلى عبد الملك يتظلم إليه من ابن أخيه (2) فقال عبد الملك: أقول كما قال ابن أبي الحقيق: إنا إذا مالت دواعي الهوى * وأنصت السامع للقائل واصطرع القوم بألبابهم (3) * نقضي بحكم عادل فاصل لا نجعل الباطل حقا ولا * نلط دون الحق بالباطل (4) نخاف أن تسفه أحلامنا (5) * فنخمل الدهر مع الخامل (6) 20 - قب: قال الشيخ المفيد في الارشاد: أولاده خمسة وعشرون، وربما يزيدون على ذلك إلى خمسة وثلاثين، ذكره النسابة العمري في الشافي وصاحب الانوار، البنون خمسة عشر والبنات ثمانية عشر، فولد من فاطمة عليها السلام الحسن و الحسين والمحسن سقط وزينب الكبرى وام كلثوم الكبرى تزوجها عمر، وذكر أبو محمد النوبختي في كتاب الامامة أن ام كلثوم كانت صغيرة ومات عمر قبل أن يدخل بها، وإنه خلف على ام كلثوم بعد عمر عون بن جعفر ثم محمد بن جعفر ثم عبد الله بن جعفر، ومن خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية محمدا، ومن ام البنين ابنة حزام بن خالد الكلابية عبد الله وجعفر الاكبر والعباس وعثمان، ومن ام حبيب بنت ربيعة التغلبية عمر ورقية توأمان في بطن، ومن أسماء بنت عميس الخثعمية

 

(1) شرح النهج 2: 718. (2) في المصدر: يتظلم إليه من نفسه. (3) في المصدرين: واصطرع الناس. (4) لط الرجل حقه وعن حقه: جحده اياه. (5) في المصدر: نسفه. (6) الارشاد للمفيد: 242. وفي (م) و (خ): فيخمل.

 

[92]

يحيى ومحمد الاصغر، وقيل: بل ولدت له عونا، ومحمد الاصغر من ام ولد، ومن ام سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفية نفيسة وزينب الصغرى ورقية الصغرى، و من ام شعيب المخزومية ام الحسن ورملة، ومن الهملاء بنت مسروق النهشلية أبو بكر وعبد الله، ومن أمامة بنت أبي العاص بن الربيع وامها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه واله محمد الاوسط، ومن محياة بنت امرء القيس الكلبية جارية هلكت وهي صغيرة، وكانت له خديجة وام هانئ وتميمة وميمونة وفاطمة لامهات أولاد [شتى] وتوفي قبله يحيى وام كلثوم الصغرى وزينب الصغرى وام الكرام وجمانة - و كنيتها ام جعفر - وأمامة وام سلمة ورملة الصغرى. وزوج ثماني بنات: زينب الكبرى من عبد الله بن جعفر، وميمونة من عقيل بن عبد الله بن عقيل، وام كلثوم الصغرى من كثير بن عباس بن عبد المطلب ورملة من أبي الهياج عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ورملة من الصلت بن عبد الله بن نوفل بن الحارث، وفاطمة من محمد بن عقيل. وفي الاحكام الشرعية عن الخزاز القمي أنه نظر النبي صلى الله عليه واله إلى أولاد علي وجعفر فقال: بناتنا لبنيناو بنونا لبناتنا. وأعقب له من خمسة: الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية والعباس الاكبر وعمر، وكان النبي صلى الله عليه واله لم يتمتع بحرة ولا أمة في حياة خديجة، وكذلك كان علي مع فاطمة عليهم السلام. وفي قوت القلوب أنه تزوج بعد وفاتها بتسع ليال، وأنه تزوج بعشرة نسوة وتوفي عن أربعة: أمامة وامها زينب بنت النبي صلى الله عليه واله، وأسماء بنت عميس، وليلى التميمية، وام البنين الكلابية، ولم يتزوجن بعده، وخطب المغيرة بن نوفل أمامة ثم أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث فروت عن علي عليه السلام أنه لا يجوز لازواج النبي صلى الله عليه واله والوصي أن يتزوجن بغيره بعده، فلم يتزوج امرأة ولا ام ولد بهذه الرواية. وتوفي عن ثماني عشرة ام ولد، فقال عليه السلام: جميع امهات أولادي الآن محسوبات على أولادهن بما أبتعتهن به من أثمانهن، فقال: ومن


 

[93]

كان من إمائه غير ذوات أولاد فهن حرائر من ثلثه (1). ويروى أن عمر بن علي خاصم علي بن الحسين عليهما السلام إلى عبد الملك في صدقات النبي وأمير المؤمنين عليهما السلام، فقال: يا أمير المؤمنين أنا ابن المصدق وهذا ابن ابن، فأنا أولى بها منه، فتمثل عبد الملك بقول أبي الحقيق: لا تجعل الباطل حقا ولا * تلط دون الحق بالباطل قم يا علي بن الحسين فقد وليتكها، فقاما فلما خرجا تناوله عمر وآذاه، فسكت عليه السلام عنه ولم يرد عليه شيئا، فلما كان بعد ذلك دخل محمد بن عمر على علي بن الحسين عليهما السلام فسلم عليه وأكب عليه يقبله، فقال علي عليه السلام: يا ابن عم لا تمنعني قطيعة أبيك أن أصل رحمك. فقد زوجتك ابنتي خديجة ابنة علي (2). 21 - عم: أما زينب الكبرى بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله فتزوجها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وولد له منها علي وجعفر وعون الاكبر وام كلثوم أولاد عبد الله بن جعفر، وقد روت زينب عن امها فاطمة عليها السلام أخبارا، وأما ام كلثوم فهي التي تزوجها عمر بن الخطاب، وقال أصحابنا: أنه عليه السلام إنما زوجها منه بعد مدافعة كثيرة وامتناع شديد واعتلال عليه بشئ بعد شئ، حتى ألجأته الضرورة إلى أن رد أمرها إلى العباس بن عبد المطلب، فزوجها إياه، وأما رقية بنت علي فكانت عند مسلم بن عقيل، فولدت له عبد الله قتل بالطف، وعليا ومحمدا ابني مسلم، وأما زينب الصغرى فكانت عند محمد بن عقيل، فولدت له عبد الله وفيه العقب من ولد عقيل، وأما ام هانئ فكانت عند عبد الله الاكبر ابن عقيل بن أبي طالب فولدت له محمد قتل بالطف وعبد الرحمن، وأما ميمونة بنت علي فكانت عند عبد الله الاكبر ابن عقيل فولدت له عقيلا، وأما نفيسة فكانت عند عبد الله الاكبر ابن عقيل فولدت له ام عقيل، وأما زينب الصغرى فكانت عند عبد الرحمن بن عقيل فولدت

 

(1) مناقب آل ابى طالب 2: 76 و 77. (2) مناقب آل ابى طالب 2: 267 و 268.

 

[94]

له سعدا (1) وعقيلا، وأما فاطمة بنت علي عليه السلام فكانت عند أبي سعيد بن عقيل فولدت له حميدة، وأما أمامة بنت علي فكانت عند الصلت بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فولدت له نفيسة (2) وتوفيت عنده (3). 22 - يف: (4) ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما خطب عمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال له: إنها صبية، قال: فأتى العباس فقال: مالي ؟ أبي بأس ؟ فقال له: وما ذاك ؟ قال: خطبت إلى ابن أخيك فردني، أما والله لاعورن (5) زمزم ولا أدع لكم مكرمة إلا هدمتها، ولاقيمن عليه شاهدين أنه سرق ولاقطعن يمينه ! فأتاه العباس فأخبره وسأله أن يجعل الامر إليه، فجعله إليه (6). كا: علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير مثله (7). 23 - كش: وجدت بخط جبرئيل بن أحمد: حدثني محمد بن عبد الله بن مهران عن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الخياط، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهرا، وما كان يشك في أنه إمام، حتى أتاه ذات يوم فقال له: جعلت فداك إن لي حرمة ومودة وانقطاعا، فأسألك بحرمة رسول الله صلى الله عليه واله و أمير المؤمنين عليه السلام إلا أخبرتني: أنت الامام الذي فرض الله طاعته على خلقه ؟ قال: فقال: يا باخالد حلفتني بالعظيم، الامام علي بن الحسين عليهما السلام علي وعليك و

 

(1) في المصدر: سعيدا. (2) في المصدر: نقية. (3) اعلام الورى: 204. (4) في (م) و (خ): ين. (5) أعار عين الماء أو الركية: دفنها وكبسها بالتراب. (6) لم نجده في الطرائف المطبوع. وسياق الرواية لا يناسبه. (7) فروع الكافي (الجزء الخامس من الطبعة الحديثة): 346.

 

[95]

على كل مسلم، فأقبل أبو خالد لما أن سمع ما قاله محمد بن الحنفية، وجاء إلى علي بن الحسين عليهما السلام، فلما استأذن عليه فاخبر أن أبا خالد بالباب أذن له، فلما دخل عليه دنا منه قال: مرحبا بك يا كنكر: ما كنت لنا بزائر ما بدا لك فينا ؟ فخر أبو خالد ساجدا شكرا (1) لله تعالى مما سمع من علي بن الحسين عليهما السلام، فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي، فقال له علي بن الحسين عليهما السلام: و كيف عرفت إمامك يا باخالد ؟ قال: إنك دعوتني باسمي الذي سمتني امي التي ولدتني، وقد كنت في عمياء من أمري، ولقد خدمت محمد بن الحنفية عمرا (2) من عمري ولا أشك إلا وأنه إمام، حتى إذا كان قريبا سألته بحرمة الله وبحرمة رسوله وبحرمة أمير المؤمنين فأرشدني إليك وقال: هو الامام علي وعليك وعلى جميع خلق الله كلهم، ثم أذنت لي فجئت فدنوت منك، وسميتني باسمي الذي سمتني امي فعلمت أنك الامام الذي فرض الله طاعته علي وعلى كل مسلم (3). 24 - يج: عن أبي خالد مثله إلا أنه قال في آخره: ولدتني امي فسمتني وردان، فدخل عليها والدي فقال: سميه كنكر، والله ما سماني به أحد من الناس إلى يومي هذا غيرك، فأشهد أنك إمام من في الارض ومن في السماء (4). 25 - كش: حمدويه، عن الحسن بن موسى، عن محمد بن أصبغ، عن مروان بن مسلم، عن بريد العجلي قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال لي: لو كنت سبقت قليلا لادركت حيان السراج، قال: وأشار إلى موضع في البيت أبو عبد الله عليه السلام فقال: وكان ههنا جالسا، فذكر محمد بن الحنفية وذكر حياته وجعل يطريه ويقرظه، فقلت له: يا حيان أليس تزعم ويزعمون وتروي ويروون: لم يكن في بني إسرائيل شئ إلا وهو في هذه الامة مثله ؟ قال: بلى، قال: فقلت: فهل رأينا

 

(1) في المصدر: شاكرا. (2) في المصدر: دهرا. (3) معرفة اخبار الرجال: 79 و 80. ورواه في المناقب 2: 249. (4) لم نجده في الخرائج المطبوع.

 

[96]

ورأيتم وسمعنا وسمعتم بعالم مات على أعين الناس فنكح نساؤه وقست أمواله و هو حي لا يموت ؟ ! فقام ولم يرد علي شيئا (1). بيان: أطراه: أحسن الثناء عليه. والتقريظ: مدح الانسان وهو حي بحق أو باطل. 26 - كش: حمدويه، عن الحسن بن موسى قال: روى أصحابنا عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أتاني ابن عم لي يسألني أن آذن لحيان السراج، فأذنت له، فقال لي: يا با عبد الله إني اريد أن أسألك عن شئ أنا به عالم إلا أني احب أن أسألك عنه، أخبرني عن عمك محمد بن علي مات ؟ قال: فقلت: أخبرني أبي أنه كان في ضيعة له فاتي فقيل له: أدرك عمك، قال: فأتيت (2) وقد كانت أصابته غشية، فأفاق فقال لي: ارجع إلى ضيعتك، قال: فأبيت، فقال: لترجعن قال: فانصرفت فما بلغت الضيعة حتى أتوني فقالوا: أدركه، فأتيته فوجدته قد اعتقل لسانه، فأتوا بطشت وجعل يكتب وصيته، فما برحت حتى غمضته وكفنته وغسلته وصليت عليه ودفنته، فإن كان هذا موتا فقد والله مات، قال: فقال لي: رحمك الله شبه على أبيك ! قال: فقلت: يا سبحان الله أنت تصدف على قلبك ! قال: فقال لي: وما الصدف على القلب ؟ قال: قلت: الكذب (3). بيان: صدف عنه: أعرض و " على " بمعنى " عن " أو ضمن معنى الافتراء و نحوه، أي تعرض عن الحق مفتريا على قلبك، حيث تدعي ما لا يصدقه قلبك. 27 - كشف: قيل لمحمد بن الحنفية رحمه الله: أبوك يسمح بك في الحرب ويشح بالحسن والحسين عليهما السلام، فقال: هما عيناه وأنا يده، والانسان يقي عينيه بيده، وقال مرة اخرى وقد قيل له ذلك: أنا ولده وهما ولدا رسول الله صلى الله عليه واله (4).

 

(1) معرفة اخبار الرجال: 202. (2) في المصدر: فأتيته. (3) معرفة اخبار الرجال: 202 و 203. (4) كشف الغمة: 183.- 6 -

 

[97]

28 - كا: علي، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام (قال:) إن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر، فأمرها رسول الله صلى الله عليه واله حين أرادت الاحرام من ذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف والخرق وتهل بالحج، الخبر (1). 29 - يف: أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده إلى المستظل (2) قال: إن عمر بن الخطاب خطب إلى علي عليه السلام ام كلثوم فاعتل بصغرها، فقال له: لم أكن اريد الباه ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: كل حسب ونسب منقطع يوم القيامة ما خلا حسبي ونسبي، وكل قوم فإن عصبتهم لابيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم (3). [كنز الكراجكي: عن القاضي السلمي أسد بن إبراهيم، عن عمر بن علي العتكي، عن محمد بن إسحاق، عن الكديمي، عن بشر بن مهران، عن شريك بن شبيب، عن عروة، عن المستطيل بن حصين مثله، إلا أن فيه: فاعتل بصغرها وقال: إني أعددتها لابن أخي جعفر، ومكان " كل قوم " " كل بني انثى " (4)]. 30 - كا: علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن البطائني، عن أبي بصير، عن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم، عن أبيه قال: أنت امرأة مجح أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني، وساق الحديث الطويل إلى أن قال: فأخرجها أمير المؤمنين عليه السلام إلى الظهر بالكوفة فأمر أن يحفر لها حفيرة ثم

 

(1) فروع الكافي (الجزء الرابع من الطبعة الحديثة): 449. (2) كذا والظاهر: المستطيل. (3) الطرائف: 19. (4) كنز الكراجكى: 166 و 167.

 

[98]

دفنها فيه (1) ثم ركب بغلته ونادى بأعلى صوته (2): يا أيها الناس إن الله تعالى عهد إلى نبيه صلى الله عليه واله عهد أعهده محمد صلى الله عليه واله إلي، بأن (3) لا يقيم الحد من لله عليه حد فمن كان لله عليه حد مثل ما له عليها (4) فلا يقيم عليها الحد قال: فانصرف الناس يومئذ كلهم ما خلا أمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات الله عليهم، فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحد يومئذ وما معهم غيرهم، قال: وانصرف فيمن انصرف يومئذ محمد بن أمير المؤمنين (5). 31 - [كتاب الغارات لابراهيم بن محمد الثقفي عن مغيرة الضبي قال: لما نكح علي عليه السلام ليلى بنت مسعود النهشلي قالت: ما زلت احب أن يكون بيني و بينه سبب منذ رأيته، فأقام مقاما من رسول الله صلى الله عليه واله فذكر أنه ولدت له عبيدالله بن علي، فبايع مصعبا يوم المختار]. أقول: قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: دفع أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل رايته إلى محمد ابنه، وقد استوت الصفوف، وقال له: احمل، فتوقف قليلا فقال: يا أمير المؤمنين (6) أما ترى السماء كأنها شآببب (7) المطر، فدفع في صدره وقال: أدركك عرق من امك، ثم أخذ الراية بيده فهزها ثم قال:

 

(1) في المصدر: فيها. (2) في المصدر: ثم ركب بغلته واثبت رجليه في غرز الركاب ثم وضع اصبعيه السبابتين في اذنيه ثم نادى بأعلى صوته اه‍. (3) في المصدر: بأنه. (4) في المصدر: مثل ما عليها. (5) فروع الكافي (الجزء السابع من الطبعة الحديثة): 185 - 187. وقد مر في باب قضاياه عليه السلام تحت رقم 65 راجع ج 40 ص 290 - 292. (6) في المصدر: فقال له: أحمل يا أمير المؤمنين اه‍ ؟. (7) جمع الشؤبوب: الدفعة من المطر.

 

[99]

اطعن بها طعن أبيك تحمد * لا خير في الحرب إذا لم توقد بالمشرفي والقنا المسدد. ثم حمل وحمل الناس خلفه، فطحن عسكر البصرة. قيل لمحمد: لم يغرر بك أبوك في الحرب ولا يغرر بالحسن والحسين ؟ فقال: إنهما عيناه وأنا يمينه، فهو يدفع عن عينيه بيمينه. كان علي عليه السلام يقذف بمحمد في مهالك الحرب ويكف حسنا وحسينا عنها. ومن كلامه في يوم صفين: أملكوا عني هذين الفتيين، أخاف أن ينقطع بهما نسل رسول الله صلى الله عليه واله. ام محمد خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة (1) بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، واختلف في أمرها، فقال قوم: إنها سبية من سبايا الردة قوتل أهلها على يد خالد بن الوليد في أيام أبي بكر لما منع كثير من العرب الزكاة، وارتدت بنو حنيفة وادعت نبوة مسيلمة، وإن أبا بكر دفعها إلى علي عليه السلام من سهمه في المغنم، وقال قوم منهم أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني: هي سبية في أيام رسول الله صلى الله عليه واله قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه واله عليا عليه السلام إلى اليمن، فأصاب خولة في بني زبية (2) وقد ارتدوا مع عمرو بن معدي كرب، وكانت زبية سبتها من بني حنيفة في غارة لهم عليهم، فصارت في سهم علي عليه السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: إن ولدت منك غلاما فسمه باسمي وكنه بكنيتي، فولدت له بعد موت فاطمة عليها السلام محمدا فكناه أبا القاسم، وقال قوم وهم المحققون وقولهم الاظهر: إن بني أسد أغارت على بني حنيفة في خلافة أبي بكر فسبوا خولة بنت جعفر، وقدموا بها المدينة فباعوها من علي عليه السلام، وبلغ قومها خبرها، فقدموا المدينة على علي فعرفوها، وأخبروه بموضعها منهم، فأعتقها و مهرها وتزوجها، فولدت له محمدا فكناه أبا القاسم، وهذا القول هو اختيار أحمد

 

(1) في (ك): سلمة. (2) في المصدر: في بنى زبيد وكذا فيما يأتي.

 

[100]

بن يحيى البلاذري في كتابه المعروف بتاريخ الاشراف. لما تعامس (1) محمد يوم الجمل عن الحملة وحمل علي عليه السلام بالراية فضعضع (2) أركان عسكر الجمل دفع إليه الراية وقال: امح الاولى بالاخرى، وهذه الانصار معك، وضم إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع من الانصار كثير منهم أهل بدر، حمل حملات كثيرة أزال بها القوم عن مواقفهم، وأبلى بلاء حسنا، فقال خزيمة بن ثابت لعلي عليه السلام: أما إنه لو كان غير محمد اليوم لافتضح، ولئن كنت خفت عليه الجبن وهو بينك وبين حمزة وجعفر لما خفنا عليه، وإن كنت أردت أن تعلمه الطعان فطال ما علمته الرجال. وقالت الانصار: يا أمير المؤمنين لو لا ما جعل الله تعالى لحسن ولحسين (3) لما قدمنا على محمد أحدا من العرب، فقال عليه السلام: أين النجم من الشمس والقمر ؟ أما إنه قد أغنى وأبلى وله فضل، ولا ينقص فضل صاحبه (4) عليه، وحسب صاحبكم ما انتهت به نعمة الله تعالى إليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين إنا والله ما نجعله كالحسن والحسين ولا نظلمهما ولا نظلمه لفضلهما عليه حقه، فقال علي عليه السلام: أين يقع ابني من ابني رسول الله صلى الله عليه واله (5) ؟ فقال خزيمة بن ثابت فيه: محمد ما في عودك اليوم وصمة * ولا كنت في الحرب الضروس معردا (6) أبوك الذي لم يركب الخيل مثله * علي وسماك النبي محمدا فلو كان حقا من أبيك خليفة * لكنت ولكن ذاك ما لا يرى بدا وأنت بحمد الله أطول غالب * لسانا وأنداها بما ملكت يدا وأقربها من كل خير تريده * قريش وأوفاها بما قال موعدا

 

(1) أي تغافل. وفى المصدر " تقاعس " أي تأخر. (2) ضعضعه: هدمه حتى الارض. (3) في المصدر: للحسن والحسين. (4) في المصدر: صاحبيه. (5) في المصدر: من ابني بنت رسول الله. (6) الحرب الضروس: الشديدة المهلكة. عرد: هرب وفر.

 

[101]

وأطعنهم صدر الكمي برمحه * وأكساهم للهام عضبا مهندا (1) سوى أخويك السيدين كلاهما * إماما الورى والداعيان إلى الهدى أبى الله أن يعطي عدوك مقعدا * من الارض أو في اللوح مرقى ومصعدا (2) وقال في موضع آخر: روى عمرو بن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: خطب عبد الله بن الزبير فنال من علي عليه السلام فبلغ ذلك محمد بن الحنفية، فجاء إليه وهو يخطب، فوضع له كرسي، فقطع عليه خطبته وقال: يا معشر العرب شاهت الوجوه أينتقص علي وأنتم حضور ؟ إن عليا كان يد الله على أعدائه، وصاعقة من أمر الله (3) أرسله على الكافرين به والجاحدين لحقه، فقتلهم بكفرهم، فشنؤه وأبغضوه و ضمروا (4) له السيف والحسد وابن عمه عليه السلام حي بعد لم يمت، فلما نقله الله إلى جواره وأحب له ما عنده أظهرت له رجال أحقادها، وشفت أضغانها، فمنهم من ابتزه حقه، ومنهم من أسمر به (5) ليقتله، ومنهم من شتمه وقذفه بالاباطيل، فإن يكن لذريته وناصري دعوته دولة ينشر عظامهم ويحفر على أجسادهم والابدان (6) يومئذ بالية بعد أن يقتل الاحياء منهم ويذل رقابهم، ويكون الله عز اسمه قد عذبهم بأيدينا، وأخزاهم ونصرنا عليهم، وشفى صدورنا منهم، إنه والله ما يشتم عليا إلا كافر يسر شتم رسول الله صلى الله عليه واله ويخاف أن يبوح به، فيلقى شتم علي عنه (7) أما إنه قد يخطب المنية (8) منكم من امتد عمره وسمع قول رسول الله صلى الله عليه واله فيه: " لا

 

(1) الكمى - بالفتح فالكسر -: الشجاع أو لابس السلاح. العضب: السيف القاطع. والمهند السيف المطبوع من حديد الهند. (2) شرح النهج 1: 118 - 120. (ك ل م). وفيه: أو في اللوح. (3) في المصدر: من امره. (4) في المصدر: وأضمروا. (5) ابتز منه الشئ: استلبه قهرا. سمر: لم ينم وتحدث ليلا. (6) في المصدر: والابدان منهم اه‍. (7) في المصدر: فيكنى بشتم على عنه. (8) في المصدر: قد تخطت المنية. (*)

 

[102]

يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ". فعاد ابن الزبير إلى خطبته وقال: عذرت بني الفواطم يتكلمون فما بال ابن ام حنفية ؟ فقال محمد: يا ابن ام فتيلة (1) ومالي لا أتكلم وهل فاتني من الفواطم إلا واحدة ؟ ولم يفتني فخرها، لانها ام أخوي، أنا ابن فاطمة بنت عمران بن عائذ بن مخزوم جدة رسول الله صلى الله عليه واله وأنا ابن فاطمة بنت أسد بن هاشم كافلة رسول الله والقائمة مقام امه، أما والله لولا خديجة بنت خويلد ما تركت في أسد (2) بن عبد العزى عظما إلا هشمته، ثم قام فانصرف (3). وقال ابن أبي الحديد في موضع آخر: قال أبو العباس المبرد: قد جاءت الرواية أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام لما ولد لعبدالله بن العباس مولود ففقده (4) وقت صلاة الظهر فقال: ما بال ابن العباس لم يحضر ؟ قالوا: ولد له ولد ذكر يا أمير المؤمنين، قال: فامضوا بنا إليه، فأتاه فقال له: شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب، ما سميته ؟ فقال: يا أمير المؤمنين أو يجوز لي أن اسميه حتى تسميه ؟ فقال: أخرجه إلي، وأخرجه فأخذه فحنكه ودعا له، ثم رده إليه وقال: خذ إليك أبا الاملاك قد سميته عليا وكنيته أبا الحسن، قال: فلما قدم معاوية خليفة قال لعبدالله بن العباس: لا أجمع لك بين الاسم والكنية، قد كنيته أبا محمد فجرت عليه. قلت: سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن محمد بن أبي زيد فقلت له: من أي طريق عرف بنو أمية أن الامر سينتقل عنهم وإنه سيليه بنو هاشم وأول من يلي منهم يكون اسمه عبد الله ؟ ولم منعوهم عن مناكحة بني الحارث بن كعب لعلمهم

 

(1) في المصدر: يا ابن ام رومان. (2) في المصدر: في بنى اسد. (3) شرح النهج 1: 466 و 477. (4) في المصدر: فقده.

 

[103]

أن أول من يلي الامر من بني هاشم يكون (1) امه حارثية ؟ وبأي طريق عرف بنو هاشم أن الامر سيصير إليهم ويملكه عبيد أولادهم حتى عرفوا [أولادهم] صاحب الامر منهم كما قد جاء في هذا الخبر ؟ فقال: أصل هذا كله محمد بن الحنفية، ثم ابنه عبد الله المكنى أبا هاشم، قلت له: أفكان محمد بن الحنفية مخصوصا من أمير المؤمنين بعلم يستأثر به على أخويه حسن وحسين عليهما السلام ؟ قال: لا ولكنهما كتما وأذاع. ثم قال: قد صحت الرواية عندنا عن أسلافنا وعن غيرهم من أرباب الحديث أن عليا عليه السلام لما قبض أنى محمد ابنه أخويه حسنا وحسينا فقال لهما: أعطياني ميراثي من أبي، فقالا له: قد علمت أن أباك لم يترك صفراء ولا بيضاء، فقال: قد علمت ذلك وليس ميراث المال أطلب، إنما أطلب ميراث العلم، أبو جعفر: (2) فروى أبان بن عثمان عمن روى له ذلك عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: فدفعا إليه صحيفة لو أطلعاه على أكثر منها لهلك، فيها ذكر دولة بني العباس. قال أبو جعفر: وقد روى أبو الحسن علي بن محمد النوفلي قال: حدثني عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس قال: لما أردنا الهرب من مروان بن محمد لما قبض على إبراهيم الامام جعلنا نسخة الصحيفة التي دفعها أبو هاشم بن محمد بن الحنفية إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس - وهي التي كان آباؤنا يسمونها صحيفة الدولة - في صندوق من نحاس صغير، ثم دفناه تحت زيتونات بالشراة (3) لم يكن بالشراة من الزيتون غيرهن، فلما افضي السلطان إلينا وملكنا الامر أرسلنا إلى ذلك الموضع، فبحث وحفر فلم يوجد شئ، فأمرنا بحفر جريب من الارض في ذلك الموضع، حتى بلغ الحفر الماء ولم نجد شيئا.

 

(1) في المصدر: تكون. (2) كذا في النسخ. والصحيح كما في المصدر: قال ابو جعفر. (3) الشراة صقع بالشام بين دمشق ومدينة الرسول صلى الله عليه وآله، من بعض نواحيه القرية المعروفة بالحميمة التى كان يسكنها ولد على بن عبد الله بن عباس في ايام بنى مروان.

 

[104]

قال أبو جعفر: وقد كان محمد بن الحنفية صرح بالامر لعبدالله بن العباس وعرفه تفصيله، ولم يكن أمير المؤمنين عليه السلام قد ؟ ؟ فصل لعبدالله بن العباس الامر وإنما أخبره به مجملا، كقوله في هذا الخبر " خذ إليك أبا الاملاك " ونحو ذلك مما كان يعرض له به، ولكن الذي كشف القناع وأبرز المستور هو محمد بن الحنفية وكذلك أيضا ما وصل إلى بني امية من علم هذا الامر فإنه وصل من جهة محمد بن الحنفية، وأطلعهم على السر الذي علمه، ولكن لم يكشف لهم كشفه لبني العباس كان أكمل (1). قال أبو جعفر: فأما أبو هاشم فإنه قد كان أفضى بالامر إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وأطلعه عليه وأوضحه له، فلما حضرته الوفاه عقيب انصرافه من عند الوليد بن عبد الملك مر بالشراة وهو مريض ومحمد بن علي بها، فدفع إليه كتبه وجعله وصيه، وأمر الشيعة بالاختلاف إليه، قال أبو جعفر: وحضر وفاة أبي هاشم ثلاثة نفر من بني هاشم: محمد بن علي هذا، ومعاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، فلما مات خرج محمد بن علي ومعاوية بن عبد الله بن جعفر من عنده وكل واحد منهما يدعي وصايته، فأما عبد الله بن الحارث فلم يقل شيئا. قال أبو جعفر: وصدق محمد بن علي، إليه أوصى أبو هاشم، وإليه دفع كتاب الدولة، وكذب معاوية بن عبد الله بن جعفر، لكنه قرأ الكتاب فوجد لهم فيه ذكرا يسيرا فادعى الوصية بذلك، فمات وخرج ابنه عبد الله بن معاوية يدعي وصاية أبيه إليه، ويدعي لابيه وصاية أبي هاشم، ويظهر الانكار على بني امية، وكان له في ذلك شيعة يقولون بإمامته سرا حتى قتل، انتهى (2).

 

(1) كذا في النسخ. وفى العبارة سقط. والصحيح كما في المصدر: فان كشفه الامر لبنى العباس كان اكمل. (2) شرح النهج 2: 308 - 310.

 

[105]

أقول: روى في جامع الاصول من صحيح الترمذي عن محمد بن الحنفية عن أبيه عليهما السلام قال: قلت: يا رسول الله أرأيت إن ولد لي بعدك ولد اسميه باسمك واكنيه بكنيتك ؟ قال: نعم. وقال ابن أبي الحديد: أسماء بنت عميس هي اخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه واله (1) وكانت من المهاجرات إلى أرض الحبشة، وهي إذ ذاك تحت جعفر بن أبي طالب، فولدت له هناك محمد بن جعفر وعبد الله وعونا، ثم هاجرت معه إلى المدينة، فلما قتل جعفر تزوجها أبو بكر، فولدت له محمد بن أبي بكر، ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب عليه السلام فولدت له يحيى بن علي، لا خلاف في ذلك. وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: ذكر ابن الكلبي أن عون بن علي امه أسماء بنت عميس، ولم يقل ذلك أحد غيره، وقد روي أن أسماء كانت تحت حمزة بن عبد المطلب، فولدت له بنتا تسمى أمة الله، وقيل: أمامة (2). أقول: روي في بعض مؤلفات أصحابنا عن ابن عباس قال: لما كنا في حرب صفين دعا علي عليه السلام ابنه محمد بن الحنفية وقال له: يا بني شد على عسكر معاوية فحمل على الميمنة حتى كشفهم، ثم رجع إلى أبيه مجروحا فقال: يا أبتاه العطش العطش، فسقاه جرعة من الماء ثم صب الباقي بين درعه وجلده، فوالله لقد رأيت علق الدم يخرج من حلق درعه، فأمهله ساعة ثم قال له: يا بني شد على الميسرة، فحمل على ميسرة عسكر معاوية فكشفهم، ثم رجع وبه جراحات وهو يقول: الماء الماء يا أباه، فسقاه جرعة من الماء وصب باقيه بين درعه وجلده، ثم قال: يا بني شد على القلب، فحمل عليهم وقتل منهم فرسانا، ثم رجع إلى أبيه وهو يبكي، وقد أثقلته الجراح، فقام إليه أبوه وقبل ما بين عينيه (3) وقال له: فداك أبوك فقد (هامش) * (1) في المصدر بعد ذلك: واخت لبابة ام الفضل وعبد الله زوج العباس بن عبد المطلب. (2) شرح النهج 4: 74. (3) في (م) و (خ): مما بين عينيه.


 

[106]

سررتني والله يا بني بجهادك هذا بين يدي، فما يبكيك أفرحا أم جزعا ؟ فقال: يا أبت كيف لا أبكي وقد عرضتني للموت ثلاث مرات فسلمني الله، وها أنا مجروح كما ترى، وكلما رجعت إليك لتمهلني عن الحرب ساعة ما أمهلتني، وهذان أخواي الحسن والحسين ما تأمرهما بشئ من الحرب، فقام إليه أمير المؤمنين وقبل وجهه وقال له: يا بني أنت ابني وهذان ابنا رسول الله صلى الله عليه واله أفلا أصونهما عن القتل ؟ فقال: بلى يا أبتاه جعلني الله فداك وفداهما من كل سوء. 32 - ب: محمد بن الحسن، عن علي بن الاسباط، عن الحسن بن شجرة، عن عنبسة العابد قال: إن فاطمة بنت علي مد لها في العمر حتى رآها أبو عبد الله عليه السلام (1). 33 - يد: ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن أبي الخطاب، عن ابن بشير، عن الحسين بن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال أبي عليه السلام: إن محمد بن الحنفية (2) كان رجلا رابط الجأش (3) - وأشار بيده - وكان يطوف بالبيت فاستقبله الحجاج، فقال: قد هممت أن أضرب الذي فيه عيناك، قال له محمد: كلا إن الله تبارك اسمه في خلقه في كل يوم ثلاثمائة لحظة أو لمحة، فلعل إحداهن تكفك عني (4). 34 - كا: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم وحماد، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام في تزويج ام كلثوم: فقال: إن ذلك فرج غصبناه (5). بيان: هذه الاخبار لا ينافي ما مر من قصة الجنية، لانها قصة مخفية

 

(1) قرب الاسناد: 76. (2) في المصدر: ان محمد بن على ابن الحنفية. (3) الجأش: القلب والصدر. يقال " رابط الجأش " أي شجاع. (4) التوحيد: 117. (5) فروع الكافي (الجزء الخامس من الطبعة الحديثة): 346.

 

[107]

أطلعوا عليها خواصهم، ولم يكن يتم به الاحتجاج على المخالفين، بل ربما كانوا يحترزون عن إظهار أمثال تلك الامور لاكثر الشيعة أيضا، لئلا تقبله عقولهم ولئلا يغلو فيهم، فالمعنى: غصبناه ظاهرا وبزعم الناس إن صحت تلك القصة. وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه في جواب المسائل السروية: إن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنته من عمر لم يثبت، وطريقته من الزبير بن بكار ولم يكن موثوقا به في النقل، وكان متهما فيما يذكره من بغضه لامير المؤمنين عليه السلام وغير مأمون، والحديث نفسه مختلف، فتارة يروى أن أمير المؤمنين تولى العقد له على ابنته، وتارة يروى عن العباس أنه تولى ذلك عنه، وتارة يروى أنه لم يقع العقد إلا بعد وعيد عن عمر وتهديد لبني هاشم، وتارة يروى أنه كان عن اختيار و إيثار، ثم بعض الرواة يذكر أن عمر أولدها ولدا سماه زيدا، وبعضهم يقول: إن لزيد بن عمر عقبا، ومنهم من يقول: إنه قتل ولا عقب له، ومنهم من يقول: إنه وامه قتلا، ومنهم من يقول: إن امه بقيت بعده، ومنهم من يقول: إن عمر أمهر ام كلثوم أربعين ألف درهم، ومنهم من يقول: مهرها أربعة آلاف درهم، ومنهم من يقول: كان مهرها خمسمائة درهم، وهذا الاختلاف مما يبطل الحديث. ثم إنه لو صح لكان له وجهان لا ينافيان مذهب الشيعة في ضلال المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام أحدهما أن النكاح إنما هو على ظاهر الاسلام الذي هو الشهادتان والصلاة إلى الكعبة والاقرار بجملة الشريعة، وإن كان الافضل مناكحة من يعتقد الايمان، ويكره مناكحة من ضم إلى ظاهر الاسلام ضلالا يخرجه عن الايمان، إلا أن الضرورة متى قادت إلى مناكحة الضال مع إظهاره كلمة الاسلام زالت الكراهة من ذلك، وأمير المؤمنين عليه السلام كان مضطرا إلى مناكحة الرجل، لانه تهدده وتواعده، فلم يأمنه على نفسه وشيعته، فأجابه إلى ذلك ضرورة، كما أن الضرورة يشرع إظهار كلمة الكفر، وليس ذلك بأعجب من قول لوط: " هؤلاء بناتي هن أطهر لكم (1) " فدعاهم إلى العقد عليهم لبناته وهم كفار ضلال قد أذن الله

 

(1) سورة هود: 78.

 

[108]

تعالى في هلاكهم، وقد زوج رسول الله صلى الله عليه واله ابنتيه قبل البعثة كافرين كانا يعبدان الاصنام، أحدهما عتبة بن أبي لهب والآخر أبو العاص بن الربيع، فلما بعث صلى الله عليه واله فرق بينهما وبين ابنتيه (1). وقال السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب الشافي: فأما الحنفية فلم يكن سبية على الحقيقة ولم يستبحها عليه السلام بالسبي لانها بالاسلام قد صارت حرة مالكة أمرها، فأخرجها من يد من استرقها ثم عقد عليها النكاح (2) وفي أصحابنا من يذهب إلى أن الظالمين متى غلبوا على الدار وقهروا ولم يتمكن المؤمن من الخروج من أحكامهم جاز له أن يطأ سبيهم، ويجري أحكامهم مع الغلبة والقهر مجرى أحكام المحقين فيما يرجع إلى المحكوم عليه وإن كان فيما يرجع إلى الحاكم معاقبا آثما وأما تزويجه بنته فلم يكن ذلك عن اختيار، ثم ذكر رحمه الله الاخبار السابقة الدالة على الاضطرار، ثم قال: على أنه لو لم يجر ما ذكرناه لم يمتنع أن يجوزه عليه السلام لانه كان على ظاهر الاسلام والتمسك بشرائعه وإظهار الاسلام، وهذا حكم يرجع إلى الشرع فيه، وليس مما يخاطره (3) العقول، وقد كان يجوز في العقول أن يبيحنا الله تعالى مناكحة المرتدين على اختلاف ردتهم، وكان يجوز أيضا أن يبيحنا أن ننكح اليهود والنصارى، كما أباحنا عند أكثر المسلمين أن ننكح فيهم، وهذا إذا كان في العقول سائغا فالمرجع في تحليله وتحريمه إلى الشريعة، وفعل أمير المؤمنين عليه السلام حجة عندنا في الشرع، فلنا أن نجعل ما فعله أصلا في جواز مناكحة من ذكروه وليس لهم أن يلزموا على ذلك مناكحة اليهود والنصارى وعباد الاوثان، لانهم إن سألوا عن جوازه في العقل فهو جائز (4) وإن سألوا عنه في الشرع فالاجماع يحظره (هامش) * (1) رسائل الشيخ المفيد: 61 - 63. (2) في المصدر بعد ذلك: فمن اين انه استباحها بالسبي دون عقد النكاح. (3) في المصدر: يحظره. (4) في المصدر: فهو جار.


 

[109]

ويمنع منه، انتهى كلامه رفع الله مقامه (1). أقول: بعد إنكار عمر النص الجلي وظهور نصبه وعداوته لاهل البيت عليهم السلام يشكل القول بجواز مناكحته من غير ضرورة ولا تقية، إلا أن يقال بجواز مناكحة كل مرتد عن الاسلام، ولم يقل به أحد من أصحابنا، ولعل الفاضلين إنما ذكرا ذلك استظهارا على الخصم، وكذا إنكار المفيد رحمه الله أصل الواقعة إنما هو لبيان أنه لم يثبت ذلك من طرقهم، وإلا فبعد ورود ما مر من الاخبار إنكار ذلك عجيب. وقد روي الكليني، عن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن محمد بن زياد، عن عبد الله بن سنان، ومعاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن عليا لما توفي عمر أتى ام كلثوم فانطلق بها إلى بيته. وروى نحو ذلك عن محمد بن يحيى وغيره عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن هشام ابن سالم، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام (2). والاصل في الجواب هو أن ذلك وقع على سبيل التقية والاضطرار ولا استبعاد في ذلك، فإن كثيرا من المحرمات تنقلب عند الضرورة وتصير من الواجبات، على أنه ثبت بالاخبار الصحيحة أن أمير المؤمنين وسائر الائمة عليهم السلام كانوا قد أخبرهم النبي صلى الله عليه واله بما يجري عليهم من الظلم وبما يجب عليهم فعله عند ذلك، فقد أباح الله تعالى له خصوص ذلك بنص الرسول صلى الله عليه واله وهذا مما يسكن استبعاد الاوهام، والله يعلم حقائق أحكامه وحججه عليهم السلام. أقول: قد أثبتنا في غزوة الخوارج بعض أحوال محمد بن الحنفية، وكذا في باب معجزات علي بن الحسين عليهما السلام منازعته له ظاهرا في الامامة، وفي أبواب أحوال الحسين عليه السلام وما جرى بعد شهادته. ثم اعلم أنه سأل السيد مهنا بن سنان عن العلامة الحلي قدس الله روحهما فيما كتب إليه من المسائل: ما يقول سيدنا في

 

(1) الشافي: 215 و 216. (2) راجع فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 115 و 116.

 

[110]

محمد بن الحنفية ؟ هل كان يقول بإمامة زين العابدين عليه السلام ؟ وكيف تخلف عن الحسين عليه السلام ؟ وكذلك عبد الله بن جعفر، فأجاب العلامة رحمه الله: قد ثبت في أصل الامامة أن أركان الايمان التوحيد والعدل والنبوة والامامة، والسيد محمد بن الحنفية و عبد الله بن جعفر وأمثالهم أجل قدرا وأعظم شأنا من اعتقادهم خلاف الحق، و خروجهم عن الايمان الذي يحصل به اكتساب الثواب الدائم والخلاص من العقاب وأما تخلفه عن نصرة الحسين عليه السلام فقد نقل أنه كان مريضا، ويحتمل في غيره عدم العلم بما وقع على مولانا الحسين عليه السلام من القتل وغيره، وبنوا على ما وصل من كتب الغدرة إليه وتوهموا نصرتهم له. 121. (باب) * (أحوال اخوانه وعشائره صلوات الله عليه) * 1 - ل: الحسن بن محمد بن يحيى العلوي، عن جده، عن إبراهيم بن محمد بن يوسف عن علي بن الحسن، عن إبراهيم بن رستم، عن أبي حمزة السكوني، عن جابر الجعفي، عن عبد الرحمن بن ثابت (1) قال: كان النبي صلى الله عليه واله يقول لعقيل: إني لاحبك يا عقيل حبين: حبا لك وحبا لحب أبي طالب لك (2). 2 - د: ذكر ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب أن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كان أصغر ولد أبي طالب عليه السلام كان أصغر من جعفر بعشر سنين، وجعفر أصغر من عقيل بعشر سنين، وعقيل أصغر من طالب بعشر سنين (3).

 

(1) في المصدر و (م) و (خ): سابط. (2) الخصال 1: 38. (3) مخطوط. وتوجد في الاستيعاب 3: 26 و 27.

 

[111]

3 - ما: أحمد بن محمد بن الصلت، عن ابن عقدة، عن أحمد بن القاسم الاكفاني عن عباد بن يعقوب، عن أبي معاذ زياد بن رستم بياع الادم، عن عبد الصمد، عن جعفر ابن محمد عليهما السلام قال: قلت: يا أبا عبد الله حدثنا حديث عقيل، قال: نعم، جاء عقيل إليكم بالكوفة وكان علي عليه السلام جالسا في صحن المسجد وعليه قميص سنبلاني قال: فسأله، قال: أكتب لك إلى ينبع، قال: ليس غير هذا ؟ قال: لا، فبينما هو كذلك إذ أقبل الحسين عليه السلام (1) فقال: اشتر لعمك ثوبين، فاشترى له، قال: يا ابن أخي ما هذا ؟ قال: هذه كسوة أمير المؤمنين عليه السلام، ثم أقبل حتى انتهى إلى علي عليه السلام فجلس فجعل يضرب يده على الثوبين وجعل يقول: ما ألين هذا الثوب يا أبا يزيد ! قال: يا حسن أخد عمك قال: قال: ما أملك صفراء ولا بيضاء، قال: فمر له ببعض ثيابك، قال: فكساه بعض ثيابه، قال: ثم قال: يا محمد أخد عمك، قال: والله ما أملك درهما ولا دينارا، قال: اكسه بعض ثيابك. قال عقيل: يا أمير المؤمنين ائذن لي إلى معاوية ؟ قال: في حل محلل، فانطلق نحوه، وبلغ ذلك معاوية، فقال: اركبوا أفره دوابكم والبسوا من أحسن ثيابكم فإن عقيلا قد أقبل نحوكم، وأبرز معاوية سريره، فلما انتهى إليه عقيل قال: معاوية مرحبا بك يا أبا يزيد ما نزع بك ؟ قال: طلب الدنيا من مظانها، قال: وقفت وأصبت قد أمرنا لك بمائة ألف، فأعطاه المائة الالف: ثم قال: أخبرني عن العسكرين اللذين مررت بهما عسكري وعسكر علي، قال: في الجماعة اخبرك أو في الوحدة قال: لا بل في الجماعة، قال: مررت على عسكر علي عليه السلام فإذا ليل كليل النبي صلى الله عليه واله ونهار كنهار النبي صلى الله عليه واله إلا أن رسول الله صلى الله عليه واله ليس فيهم، ومررت على عسكرك فإذا أول من استقبلني أبو الأعور وطائفة من المنافقين والمنفرين برسول الله صلى الله عليه واله إلا أن أبا سفيان ليس فيهم ! فكف عنه حتى إذا ذهب الناس قال له: يا أبا يزيد أيش صنعت بي ؟ قال: ألم أقل لك: في الجماعة أو في الوحدة فأبيت علي ؟ قال: أما

 

(1) في المصدر: الحسن عليه السلام.

 

[112]

الآن فاشفني من عدوي، قال: ذلك عند الرحيل، فلما كان من الغد شد غرائره ورواحله وأقبل نحو معاوية وقد جمع معاوية حوله، فلما انتهى إليه قال: يا معاوية من ذا عن يمينك ؟ قال: عمرو بن العاص، فتضاحك، ثم قال: لقد علمت قريش أنه لم يكن أحصى لتيوسها (1) من أبيه، ثم قال: من هذا ؟ قال: هذا أبو موسى، فتضاحك، ثم قال: لقد علمت قريش بالمدينة أنه لم يكن بها امرأة أطيب ريحا من قب امه ! قال: (2) أخبرني عن نفسي يا أبا يزيد قال تعرف حمامة ؟ ثم سار فألقى في خلد (3) معاوية، قال: ام من امهاتي لست أعرفها، فدعا بنسابين من أهل الشام فقال: أخبراني أو لاضربن أعناقكما، لكما الامان، قالا: فإن حمامة جدة أبي - سفيان السابعة وكانت بغيا، وكان لها بيت توفي فيه، قال جعفر بن محمد عليهما السلام: و كان عقيل من أنسب الناس (4). بيان: يقال: أخديته أي أعطيته. والقب بالكسر: العظم الناتئ بين الاليتين. أقول: قال عبد الحميد بن أبي الحديد: رووا أن عقيلا رحمه الله قدم على أمير المؤمنين عليه السلام فوجده جالسا في صحن المسجد بالكوفة (5) فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، قال: وعليك السلام يا أبا يزيد، ثم التفت إلى الحسن ابنه (6) عليهما السلام فقال: قم فأنزل عمك، فقام فأنزله، ثم عاد إليه فقال: اذهب فاشتر لعمك قميصا جديدا ورداء جديدا وإزارا جديدا ونعلا جديدا، فذهب فاشترى له، فغدا عقيل على أمير المؤمنين عليه السلام في الثياب، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال: و

 

(1) جمع التيس: الذكر من المعز. والضمير راجع إلى قريش. (2) في المصدر: ثم قال. (3) الخلد - بفتحتين -: البال والقلب. (4) امالي ابن الشيخ: 89 و 90. (5) في المصدر: في صحن مسجد الكوفة. (6) ": إلى ابنه الحسن.- 6 -

 

[113]

عليك السلام يا أبا يزيد (1) يخرج عطائي فأدفعه إليك، فلما ارتحل عن أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية (2) فنصب له كراسيه وأجلس جلساءه حوله، فلما ورد عليه أمر له بمائة ألف فقبضها، ثم غدا عليه يوما بعد ذلك وجلساء معاوية حوله، فقال: يا أبا يزيد أخبرني عن عسكري وعسكر أخيك فقد وردت عليهما، قال: اخبرك، مررت والله بعسكر أخي فإذا ليل كليل رسول الله صلى الله عليه واله ونهار كنهار رسول الله صلى الله عليه واله إلا أن رسول الله ليس في القوم، ما رأيت إلا مصليا ولا سمعت إلا قارئا، ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفر ناقة رسول الله صلى الله عليه واله (3) ليلة العقبة ثم قال: من هذا عن يمينك يا معاوية ؟ قال: هذا عمرو بن العاص، قال: هذا الذي اختصم فيه ستة نفر فغلب عليه جزار قريش، فمن الآخر ؟ قال: الضحاك بن قيس الفهري، قال: أما والله لقد كان أبوه جيد الاخذ لعسب التيوس (4)، فمن هذا الآخر ؟ قال: أبو موسى الاشعري، قال: هذا ابن السراقة ! فلما رأى معاوية أنه قد أغضب جلساءه علم أنه إن استخبره عن نفسه قال فيه سوءا، فأحب أن يسأله ليقول فيه ما يعلمه من السوء فيذهب بذلك غضب جلسائه، قال: يا أبا يزيد فما تقول في ؟ قال: دعني من هذا، قال: لتقولن، قال: أتعرف حمامة ؟ قال: ومن حمامة يا أبا يزيد ؟ قال: قد أخبرتك، ثم قال (5) فمضى، فأرسل معاوية إلى النسابة فدعاه، قال: من حمامة ؟ قال: ولي الامان ؟ قال: نعم، قال: حمامة جدتك ام أبي سفيان، كانت بغيا في الجاهلية صاحبة راية، قال معاوية لجلسائه: قد ساويتكم و

 

(1) في المصدر بعد ذلك: قال يا أمير المؤمنين ما اراك اصبت من الدنيا شيئا وانى لا ترضى نفسي من خلافتك بما رضيت به لنفسك، فقال: يا ابا يزيد اه‍. (2) في المصدر: أتى معاوية. (3) في المصدر: و (م) و (خ): ممن نفر برسول الله. (4) العسب: النسل. (5) كذا في النسخ، والصحيح كما في المصدر، قام.

 

[114]

زدت عليكم فلا تغضبوا (1) ! وقال في موضع آخر: من المفارقين لعلي عليه السلام أخوه عقيل بن أبي طالب قدم على أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة (2) يسترفده، فعرض عليه عطاءه فقال: إنما اريد من بيت المال، فقال: تقيم لي (3) يوم الجمعة، فلما صلى علي الجمعة قال له: ما تقول فيمن خان هؤلاء أجمعين ؟ قال: بئس الرجل، قال: فإنك أمرتني أن أخونهم واعطيك، فلما خرج من عنده شخص إلى معاوية، فأمر له يوم قدومه بمائة ألف درهم، وقال له: يا أبا يزيد أنا خير لك أم علي ؟ قال: وجدت عليا أنظر لنفسه منك ووجدتك أنظر لي منك لنفسك ! وقال معاوية لعقيل: إن فيكم يا بني هاشم لينا، قال: أجل إن فينا للينا من غير ضعف وعزا من غير عنف، وإن لينكم يا معاوية غدر وسلمكم كفر ! وقال معاوية: ولا كل هذا يا أبا يزيد، وقال الوليد ابن عقبة لعقيل في مجلس معاوية: غلبك أخوك يا با يزيد على الثروة، قال: نعم و سبقني وإياك إلى الجنة، قال: أما والله (4) لو أن أهل الارض اشتركوا في قتله لارهقوا صعودا، وإن أخاك لاشد هذه الامة عذابا، فقال: صه ! والله إنا لنرغب بعبد من عبيده عن صحبة أبيك عقبة بن أبي معيط ! وقال معاوية يوما وعنده عمرو بن العاص وقد أقبل عقيل: لاضحكنك من عقيل، فلما سلم قال معاوية: مرحبا برجل عمه أبو لهب، فقال عقيل: وأهلا بمن (5) عمته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد، لان امرأة أبي لهب ام جميل بنت حرب

 

(1) شرح النهج 1: 184 و 185. (2) في المصدر: بالكوفة. (3) في المصدر: إلى. (4) في المصدر بعد ذلك، ان شدقيه لمضمومان من دم عثمان، فقال: وما أنت وقريش والله ما انت فينا الا كنصيح التيس، فغضب الوليد وقال: والله اه‍. (5) في المصدر: برجل.

 

[115]

ابن امية، قال معاوية يا أبا يزيد: ما ظنك بعمك أبي لهب ؟ قال: إذا دخلت النار فخذ على يسارك تجده مفترشا عمتك حمالة الحطب، أفناكح في النار خير أم منكوح ؟ ! قال: كلاهما شر والله (1). وقال في موضع آخر: عقيل بن أبي طالب هو أخو أمير المؤمنين عليه السلام لابيه وامه، وكانوا بنو أبي طالب أربعة: طالب وهو أسن من عقيل بعشر سنين، وعقيل وهو أسن من جعفر بعشر سنين، وجعفر وهو أسن من علي بعشر سنين، وعلي عليه السلام وهو أصغرهم سنا وأعظمهم قدرا بل وأعظم الناس بعد ابن عمه قدرا، وكان أبو طالب يحب عقيلا أكثر من حبه سائر بنيه، فلذلك قال للنبي صلى الله عليه واله وللعباس حين أتياه ليقسما بنيه عام المحل (2) فيخففا عنه ثقلهم: دعوا لي عقيلا وخذوا من شئتم، فأخذ العباس جعفرا وأخذ محمد عليا، وكان عقيل يكنى أبا يزيد، قال له رسول الله صلى الله عليه واله: يا أبا يزيد إني احبك حبين: حبا لقرابتك مني وحبا لما كنت أعلم من حب عمي إياك. اخرج عقيل إلى بدر مكرها كما اخرج العباس فاسر وفدي وعاد إلى مكة، ثم أقبل مسلما مهاجرا قبل الحديبية، وشهد غزاة مؤتة مع أخيه جعفر، وتوفي في خلافة معاوية في سنة خمسين، وكان عمره ست و تسعون سنة، وله دار بالمدينة معروفة، وخرج إلى مكة (3) ثم إلى الشام ثم عاد إلى المدينة، ولم يشهد مع أخيه أمير المؤمنين عليه السلام شيئا من حروبه أيام خلافته وعرض نفسه وولده عليه فأعفاه ولم يكلفه حضور الحرب، وكان أنسب قريش و أعلمهم بأيامها، وكان مبغضا إليهم، لانه كان يعد مساويهم، وكانت له طنفسة (4) تطرح في مسجد رسول الله فيصلي عليها، ويجتمع إليه الناس في علم النسب وأيام العرب، وكان حينئذ قد ذهب بصره، وكان أسرع الناس جوابا وأشدهم عارضة

 

(1) شرح النهج 1: 481. (2) بالفتح فالسكون: انقطاع المطر ويبس الارض. (3) في المصدر: إلى العراق. (4) الطنفسة - مثلثة الطاء والفاء -: البساط. الحصير.

 

[116]

وكان يقال: إن في قريش أربعة يتحاكم إليهم في علم النسب وأيام قريش ويرجع إلى قولهم: عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل الزهري، وأبوالجهم بن حذيفة العدوي، وحويطب بن عبد العزى العامري، واختلف الناس فيه هل التحق بمعاوية وأمير المؤمنين عليه السلام حي ؟ فقال قوم (1) ورووا أن معاوية قال يوما وعقيل عنده: هذا أبو يزيد لولا علمه أني خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه، فقال عقيل: أخي خير لي في ديني وأنت خير لي في دنياي، وقد آثرت دنيا، وأسأل الله خاتمة خير. وقال قوم: إنه لم يفد إلى معاوية إلا بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام و استدلوا على ذلك بالكتاب الذي كتبه إليه في آخر خلافته والجواب الذي أجابه عليه السلام به وقد ذكرناه فيما تقدم، وسيأتي ذكره أيضا في باب كتبه عليه السلام، وهذا القول هو الاظهر عندي. وروى المدائني قال: قال معاوية يوما لعقيل بن أبي طالب: هل من حاجة فأقضيها لك ؟ قال: نعم، جارية عرضت علي وأبى أصحابها أن يبيعوها إلا بأربعين ألفا، فأحب معاوية أن يمازحه، قال: وما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفا وأنت أعمى ؟ تجتزئ بجارية قيمتها خمسون درهما: قال: أرجو أن أطأها فتلد لي غلاما إذا أغضبته يضرب عنقك ! فضحك معاوية وقال: مازحناك يا بايزيد، وأمر فابتيعت له الجارية التي أولد منها مسلما رحمه الله، فلما أتت على مسلم ثماني عشرة سنة وقد مات عقيل أبوه قال لمعاوية: يا أمير المؤمنين إن لي أرضا بمكان كذا من المدينة، و إني أعطيت بها مائة ألف، وقد أحببت أن أبيعك إياها، فادفع إلي ثمنها، فأمر معاوية بقبض الارض ودفع الثمن إليه، فبلغ ذلك الحسين عليه السلام فكتب إلى معاوية: أما بعد فإنك اغتررت (2) غلاما من بني هاشم فابتعت منه أرضا لا يملكها، فاقبض من الغلام ما دفعته إليه واردد علينا أرضنا، فبعث معاوية إلى مسلم فأخبره ذلك وأقرأه

 

(1) أي اعتقد قوم ذلك. وفى المصدر: فقال قوم: نعم. (2) في المصدر: غررت.

 

[117]

كتاب الحسين عليه السلام وقال: اردد علينا مالنا وخذ أرضك فإنك بعت ما لا تملك، فقال مسلم: أما دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا، فاستلقى معاوية ضاحكا يضرب برجليه وقال: يا بني هذا والله كلام قاله لي أبوك حين ابتعت له امك، ثم كتب إلى الحسين عليه السلام: إني قد رددت عليكم الارض وسوغت مسلما ما أخذه، فقال الحسين عليه السلام: أبيتم يا آل أبي سفيان إلا كرما. وفقال معاوية لعقيل: يا أبا يزيد أين يكون عمك أبو لهب اليوم ؟ قال: إذا دخلت جهنم فاطلبه تجده مضاجعا عمتك ام جميل بنت حرب بن امية. وقالت له زوجته ابنة عتبة بن ربيعة: يا بني هاشم لا يحبكم قلبي أبدا، أين أبي ؟ أين عمي ؟ أين أخي ؟ كأن أعناقهم أباريق الفضة ترد أنفهم الماء قبل شفاههم، قال: إذا دخلت جهنم فخذي على شمالك تجدينهم. سأل معاوية عقيلا رحمه الله عن قصة الحديدة المحماة المذكورة، فبكى وقال: أنا احدثك يا معاوية عنه (1) ثم احدثك عما سألت، نزل بالحسين ابنه ضيف، فاستسلف (2) درهما اشترى به خبزا، واحتاج إلى الادام، فطلب من قنبر خادمهم أن يفتح له زقا من زقاق عسل جاءتهم من اليمن، فأخذ منه رطلا، فلما طلبها ليقسمها قال: يا قنبر أظن أنه حدث في هذا الزق حدث، قال: نعم يا أمير المؤمنين، و أخبره، فغضب وقال: علي بحسين، ورفع الدرة (3) فقال: بحق عمي جعفر - وكان إذا سئل بحق جعفر سكن - فقال له: ما حملك إذ أخذت منه قبل القسمة ؟ قال: إن لنا فيه حقا، فإذا أعطيناه رددناه، قال: فداك أبوك وإن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم، أما لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه واله يقبل ثنيتيك لاوجعتك ضربا، ثم دفع إلى قنبر درهما كان مصرورا في ردائه وقال: اشتر به خير عسل تقدر عليه، قال عقيل: والله لكأني أنظر

 

(1) أي عن أمير المؤمنين عليه السلام. (2) أي اقترض. (3) في المصدر: فرفع عليه الدرة.

 

[118]

إلى يدي علي وهي على فم الزق وقنبر يقلب العسل فيه ثم شده وجعل يبكي و يقول: اللهم اغفر للحسين فإنه لم يعلم. فقال معاوية ذكرت من لا ينكر فضله، رحم الله أبا حسن فلقد سبق من كان قبله وأعجز من يأتي بعده، هلم حديث الحديدة، قال: نعم، أقويت (1) وأصابتني مخمصة شديدة، فسألته فلم تند صفاته (2) فجمعت صبياني وجئته بهم والبؤس والضر ظاهران عليهم، فقال: ائتني عشية لادفع إليك شيئا، فجئته يقودني أحد ولدي فأمره بالتنحي ثم قال: ألا فدونك، فأهويت حريصا قد غلبني الجشع (3) أظنها صرة، فوضعت يدي على حديد تلتهب نارا، فلما قبضتها نبذتها وخرت كما يخور (4) الثور تحت جازره، فقال لي: ثكلتك امك هذا من حديدة أوقدت لها نار الدنيا فكيف بك وبي غدا أن سلكنا في سلاسل جهنم ؟ ثم قرأ " إذ الاغلال في أعناقهم و السلاسل يسحبون " (5) ثم قال: ليس لك عندي فوق حقك الذي فرضه الله لك إلا ما ترى، فانصرف إلى أهلك، فجعل معاوية يتعجب ويقول: هيهات عقمت النساء أن تلد بمثله (6). أقول: روي في بعض مؤلفات أصحابنا عن قتادة أن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب دخلت على معاوية بن أبي سفيان وقد قدم المدينة وهي عجوز كبيرة فلما رآها معاوية قال: مرحبا بك يا خالة كيف كنت بعدي ؟ قالت: كيف أنت يا ابن اختي ؟ لقد كفرت النعمة وأسأت لابن عمك الصحبة، وتسميت بغير اسمك

 

(1) أي افتقرت. (2) الصفاة: الحجر الصلد الضخم. يقال " فلان لا تندى صفاته " أي انه بخيل. والجملة كناية عن امساكه عليه السلام عن بذل بيت المال لاخيه عقيل. (3) الجشع: اشد الحرص. (4) خار البقر: صاح. (5) سورة المؤمن: 71. (6) شرح النهج 3: 120 - 122. وفيه: هيهات هيهات عقمت النساء أن يلدن بمثله.

 

[119]

وأخذت غير حقك بلا بلاء كان منك ولا من آبائك في ديننا ولا سابقة كانت لكم، بل كفرتم بما جاء به محمد صلى الله عليه واله، فأتعس الله منكم الجدود، وأصعر منكم الخدود، و رد الحق إلى أهله، فكانت كلمتنا هي العليا ونبينا هو المنصور على من ناواه، فوثبت قريش علينا من بعده حسدا لنا وبغيا، فكنا بحمدالله ونعمته أهل بيت فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون، وكان سيدنا فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى، وغايتنا الجنة وغايتكم النار، فقال لها عمرو بن العاص: كفي أيتها العجوز الضالة، واقصري من قولك مع ذهاب عقلك، إذ لا تجوز شهادتك وحدك ! فقالت: وأنت يا ابن الباغية تتكلم وامك أشهر بغي بمكة، وأقلهم اجرة ! و ادعاك خمسة من قريش، فسئلت امك عن ذلك فقالت: كل أتاها فانظروا أشبههم به فألحقوه به ! فغلب شبه العاص بن وائل جزار قريش الامهم مكرا وأمهنهم خيرا فما ألومك ببغضنا، قال مروان بن الحكم: كفي أيتها العجوز واقصدي لما جئت له، فقالت: وأنت يا ابن الزرقاء تتكلم والله وأنت ببشير مولى ابن كلدة أشبه منك بالحكم بن العاص ! وقد رأيت الحكم سبط الشعر مديد القامة، وما بينكما قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الاتان المقرف ! فاسأل عما أخبرتك به امك فإنها ستخبرك بذلك، ثم التفتت إلى معاوية فقالت: والله ما جرأ هؤلاء غيرك، وإن امك القائلة في قتل حمزة: نحن جزيناكم بيوم بدر * والحرب بعد الحرب ذات السعر إلى آخر الابيات، فأجابتها ابنة عمي: خزيت في بدر وغير بدر * يا بنت وقاع عظيم الكفر إلى آخر الابيات، فالتفت معاوية إلى مروان وعمرو وقال: والله ما جرأها علي غيركما، ولا أسمعني هذا الكلام سواكما، ثم قال: يا خالة اقصدي لحاجتك ودعي أساطير النساء عنك، قالت: تعطيني ألفي دينار وألفي دينار، قال: ما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت: أزوج بها فقراء بني الحارث بن عبد المطلب، قال:


 

[120]

هي كذلك، فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت: أستعين بها على شدة الزمان وزيارة بيت الله الحرام، قال: قد أمرت بها لك، فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت: أشتري بها عينا خرارة في أرض حوارة تكون لفقراء بني الحارث بن عبد المطلب، قال: هي لك يا خالة، أما والله لو كان ابن عمك علي ما أمر بها لك، قالت: تذكر عليا فض الله فاك وأجهد بلاك، ثم علا نحيبها وبكاؤها وجعلت تقول: ألا يا عين ويحك فاسعدينا * ألا فابكي أمير المؤمنينا رزئنا خير من ركب المطايا * وجال بها ومن ركب السفينا ومن لبس النعال ومن حذاها * ومن قرأ المثاني والمئينا إذا استقبلت وجه أبي حسين * رأيت البدر راق الناظرينا ألا فابلغ معاوية بن حرب * فلا قرت عيون الشامتينا أفي الشهر الحرام فجعتمونا * بخير الخلق طرا أجمعينا مضى بعد النبي فدته نفسي * أبو حسن وخير الصالحينا كأن الناس إذ فقدوا عليا * نعام جال في بلد سنينا فلا والله لا أنسى عليا * وحسن صلاته في الراكعينا لقد علمت قريش حيث كانت * بأنك خيرها حسبا ودينا فلا يفرح معاوية بن حرب * فإن بقية الخلفاء فينا قال: فبكى معاوية ثم قال: يا خالة لقد كان كما قلت وأفضل. بيان: الخرير: صوت الماء أي عينا يكون لمائها صوت لكثرته. والحوارة لعلها من الحور بمعنى الرجوع، أي ترجع كل سنة إلى إعطاء الغلة، وفي أكثر النسخ بالخاء المعجمة، والخوار: الصوت والضعف والانكسار، ولا يستقيم إلا بتكلف. 4 - قب: إخوته عليه السلام طالب وعقيل وجعفر وعلي أصغرهم، وكل واحد منهم أكبر من أخيه بعشر سنين بهذا الترتيب، وأسلموا كلهم وأعقبوا إلا طالب،


 

[121]

فإنه أسلم ولم يعقب، اخته ام هانئ واسمها فاختة وجمانة، وخاله حنين بن أسد ابن هاشم، وخالته خالدة بنت أسد، وربيبه محمد بن أبي بكر، وابن اخته جعدة بن هبيرة (1). 5 - ل: الحسن بن محمد العلوي، عن جده، عن الحسين بن محمد، عن ابن أبي السري، عن هشام بن محمد السائب، عن أبيه، عن أبي الصالح، عن ابن عباس قال: كان بين طالب وعقيل عشر سنين، وبين عقيل وجعفر عشر سنين، وبين جعفر وعلي عليه السلام عشر سنين، وكان علي عليه السلام أصغرهم (2). أقول: قد مضى كثير من أحوال عقيل في باب جوامع مكارمه عليه السلام وأحوال جعفر عليه السلام وبعض عشائره في أبواب أحوال عشائر الرسول صلى الله عليه واله وأصحابه، وسيأتي أحوال عبد الله بن جعفر وعبد الله بن العباس في باب أحوال أصحابه عليه السلام وأبواب أحوال الحسين عليه السلام. 122. (باب) * (أحوال رشيد الهجرى وميثم التمار وقنبر رضى الله عنهم أجمعين) * 1 - ما: المفيد، عن الجعابي، عن ابن عقدة، عن محمد بن يوسف بن إبراهيم عن أبيه، عن وهيب بن حفص، عن أبي حسان العجلي قال: لقيت أمة الله بنت راشد الهجري فقلت لها: أخبريني بما سمعت من أبيك، قالت: سمعته يقول: قال لي حبيبي أمير المؤمنين عليه السلام: يا راشد كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني امية فقطع يديك ورجليك ولسانك ؟ فقلت: يا أمير المؤمنين أيكون آخر ذلك إلى الجنة ؟

 

(1) مناقب آل أبى طالب 2: 75. (2) الخصال 1: 85.

 

[122]

قال: نعم يا راشد وأنت معي في الدنيا والآخرة، قالت: فوالله ما ذهبت الايام حتى أرسل إليه الدعي عبيد الله بن زياد فدعاه إلى البراءة منه، فقال له ابن زياد: فبأي ميتة قال لك صاحبك تموت ؟ قال: خبرني خليلي صلوات الله عليه أنك تدعوني إلى البراءة منه فلا أتبرا، فتقدمني فتقطع يدي ورجلي ولساني، فقال: والله لاكذبن صاحبك، قدموه واقطعوا يده ورجله واتركوا لسانه، فقطعوه ثم حملوه إلى منزلنا، فقلت له: يا أبت جعلت فداك هل تجد لما أصابك ألما ؟ قال: لا والله يا بنية إلا كالزحام بين الناس، ثم دخل عليه جيرانه ومعارفه يتوجعون له فقال: آتوني (1) بصحيفة ودواة أذكر لكم ما يكون مما أعلمنيه مولاي أمير المؤمنين عليه السلام فأتوه بصحيفة ودواة، فجعل يذكر ويملي عليهم أخبار الملاحم والكائنات ويسندها إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فبلغ ذلك ابن زياد، فأرسل إليه الحجام حتى قطع لسانه فمات من ليلته تلك، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يسميه راشد المبتلى، وكان قد ألقى إليه علم البلايا والمنايا، فكان يلقى الرجل ويقول له: يا فلان بن فلان تموت ميتة كذا، وأنت يا فلان تقتل قتلة كذا، فيكون الامر كما قاله راشد رحمه الله (2). 2 - يد: أبي، عن سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير، عن العرزمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان لعلي عليه السلام غلام اسمه قنبر، وكان يحب عليا حبا شديدا، فإذا خرج علي عليه السلام خرج على أثره بالسيف، فرآه ذات ليلة فقال: يا قنبر مالك ؟ قال: جئت لامشي خلفك، فإن الناس كما تراهم يا أمير المؤمنين، فخفت عليك، قال: ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الارض ؟ قال: لا بل من أهل الارض، قال: إن أهل الارض لا يستطيعون بي شيئا إلا بإذن الله عز وجل من السماء فارجع فرجع (3). (هامش) * (1) في المصدر: ايتونى. (2) أمالى الشيخ: 103 و 104. (3) التوحيد: 350. (*)


 

[123]

3 - ختص: أحمد بن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن جعفر، عن هارون، عن ابن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام: أن عليا عليه السلام قال: إذا رأيت [منهم] أمرا منكرا * أو قدت ناري ودعوت قنبرا (1). 4 - ير: عبد الله بن محمد، عن إبراهيم بن محمد، عن علي بن معلى، عن ابن أبي حمزة، عن سيف بن عميرة قال: سمعت العبد الصالح أبا الحسن عليه السلام ينعى إلى رجل نفسه، فقلت في نفسي: وإنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته ؟ فقال شبه الغضب: يا إسحاق قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا فالامام أولى بذلك (2). 5 - ير: الحسن بن علي بن معاوية (3)، عن إسحاق قال: كنت عند أبي - الحسن عليه السلام ودخل عليه رجل، فقال له أبو الحسن عليه السلام: يا فلان إنك أنت تموت إلى شهر، قال: فأضمرت في نفسي كأنه يعلم آجال شيعته، قال: فقال: يا إسحاق وما تنكرون من ذلك ؟ وقد كان رشيد الهجري مستضعفا وكان يعلم علم المنايا والبلايا فالامام أولى بذلك، ثم قال: يا إسحاق تموت إلى سنتين، ويتشتت أهلك وولدك وعيالك وأهل بيتك، ويفلسون إفلاسا شديدا (4). بيان: مستضعفا أي مظلوما، أي يعده الناس ضعيفا لا يعتنون بشأنه، أو كانوا يحسبونه ضعيف العقل. 6 - سن: عثمان بن عيسى، عن أبي الجارود، عن قنو (5) ابنة رشيد الهجري قالت: قلت لابي: ما أشد اجتهادك ! فقال: يا بنية سيجئ قوم بعدنا بصائرهم في دينهم أفضل من اجتهاد أوليهم (6).

 

(1) الاختصاص: 73. وفيه: أوقدت نارا. (2) بصائر الدرجات: 73. (3) كذا في النسخ. والصحيح كما في المصدر: الحسن بن على بن فضال، عن معاوية، عن إسحاق. (4) بصائر الدرجات: 73. (5) في المصدر: قنوة. (6) المحاسن: 251.

 

[124]

7 - شا: من معجزات أمير المؤمنين صلوات الله عليه أن ميثم التمار كان عبدا لا مرأة من بني أسد، فاشتراه أمير المؤمنين عليه السلام منها فأعتقه، فقال: ما اسمك ؟ فقال: سالم، فقال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه واله أن اسمك الذي سماك به أبوك في العجم ميثم، قال: صدق الله ورسوله وصدق أمير المؤمنين (1) والله إنه لاسمي، قال: فارجع إلى اسمك الذي سماك به رسول الله صلى الله عليه واله ودع سالما، فرجع إلى ميثم و اكتنى بأبي سالم، فقال علي عليه السلام ذات يوم: إنك تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر منخراك وفمك دما فتخضب لحيتك، فانتظر ذلك الخضاب، فتصلب على باب دار عمرو بن حريث عاشر عشرة، أنت أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة، وامض حتى اريك النخلة التي تصلب على جذعها، فأراه إياها، وكان ميثم يأتيها فيصلي عندها ويقول: بوركت من نخلة لك خلقت ولي غذيت، ولم يزل معاهدها (2) حتى قطعت، وحتى عرف الموضع الذي يصلب عليها بالكوفة، قال: وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول: إني مجاورك فأحسن جواري فيقول له عمرو: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم ؟ وهو لا يعلم ما يريد، وحج في السنة التي قتل فيها فدخل على ام سلمة رضي الله عنها، فقالت: من أنت ؟ قال: أنا ميثم، قالت: والله لربما سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يذكرك ويوصي بك عليا في جوف الليل، فسألها عن الحسين عليه السلام فقالت: هو في حائط له، قال: أخبريه أنني قد أحببت السلام عليه، ونحن ملتقون عند رب العالمين إن شاء الله، فدعت بطيب وطيبت لحيته، وقالت: أما إنها ستخضب بدم فقدم الكوفة فأخذه عبيد الله ابن زياد فادخل عليه، فقيل له: هذا كان من آثر الناس عند علي عليه السلام قال: ويحكم هذا الاعجمي ؟ قيل له: نعم، قال له عبيدالله أين ربك ؟ قال: بالمرصاد

 

(1) في المصدر: وصدقت يا أمير المؤمنين. (2) ": يتعاهدها.

 

[125]

لكل ظالم وأنت أحد الظلمة، قال: إنك على عجمتك لتبلغ الذي تريد: قال: أخبرني ما أخبرك صاحبك أني فاعل بك، قال: أخبرني أنك تصلبني عاشر عشرة أنا أقصرهم خشبة وأقربهم إلى المطهرة، قال: لنخالفنه، قال: كيف تخالفه فوالله ما أخبر (1) إلا عن النبي صلى الله عليه واله عن جبرئيل عن الله تعالى، فكيف تخالف هؤلاء ؟ ولقد عرفت الموضع الذي اصلب فيه وأين هو من الكوفة، وأنا أول خلق الله الجم في الاسلام. فحسبه وحبس معه المختار بن أبي عبيدة، قال له ميثم: إنك تفلت وتخرج ثائرا بدم الحسين عليه السلام فتقتل هذا الذي يقتلنا، فلما دعا عبيدالله بالمختار ليقتله طلع بريد بكتاب يزيد إلى عبيدالله يأمره بتخلية سبيله، فخلاه وأمر بميثم أن يصلب، فأخرج فقال له رجل لقيه: ما كان أغناك عن هذا ؟ فتبسم وقال وهو يومئ إلى النخلة لها خلقت ولي غذيت، فلما رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث، قال عمرو: قد كان والله يقول: إني مجاورك، فلما صلب أمر جاريته بكنس تحت خشبته ورشه وتجميره، فجعل ميثم يحدث بفضائل بني هاشم، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، فقال: الجموه وكان أول خلق الله الجم في الاسلام، وكان قتل ميثم رحمه الله قبل قدوم الحسين بن علي عليهما السلام العراق بعشرة أيام، فلما كان اليوم الثالث من صلبه طعن ميثم بالحربة فكبر، ثم انبعث في آخر النهار فمه وأنفه دما، وهذا من جملة الاخبار عن الغيوب المحفوظة عن أمير المؤمنين عليه السلام وذكره شائع والرواية به بين العلماء مستفيضة. ومن ذلك ما رواه ابن عياش، عن مجالد، عن الشعبي، عن زياد بن النصر الحارثي قال: كنت عند زياد إذ اتي برشيد الهجري قال له زياد: ما قال لك صاحبك - يعني عليا عليه السلام - إنا فاعلون بك ؟ قال: تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني، فقال زياد: أم والله لاكذبن حديثه، خلوا سبيله، فلما أراد أن يخرج قال زياد: والله

 

(1) في المصدر، ما أخبرني.

 

[126]

ما نجد (1) شيئا شرا مما قال له صاحبه، اقطعوا يديه ورجليه واصلبوه، فقال رشيد: هيهات قد بقي لي عندكم شئ أخبرني به أمير المؤمنين عليه السلام، فقال زياد: اقطعوا لسانه، فقال رشيد: الآن والله جاء التصديق لامير المؤمنين عليه السلام. وهذا الخبر أيضا قد نقله المؤالف والمخالف عن ثقاتهم عمن سميناه، واشتهر أمره عند علماء الجميع وهو من جملة ما تقدم ذكره من المعجزات والاخبار عن الغيوب. ومن ذلك ما رواه عامة أصحاب السيرة من طرق مختلفة أن الحجاج بن يوسف الثقفي قال ذات يوم: احب أن اصيب رجلا من أصحاب أبي تراب فأتقرب إلى الله بدمه ! فقيل له: ما نعلم أحدا كان أطول صحبة لابي تراب من قنبر مولاه، فبعث في طلبه فاتي به، فقال له: أنت قنبر ؟ قال: نعم، قال: أبو همدان ؟ قال: نعم، قال مولى علي بن أبي طالب ؟ قال: الله مولاي وأمير المؤمنين علي ولي نعمتي، قال: ابرأ من دينه، قال: فإذا برئت من دينه تدلني على دين غيره أفضل منه ؟ قال: إني قاتلك فاختر أي قتلة أحب إليك، قال: قد صيرت ذلك إليك، قال: ولم ؟ قال: لانك لا تقتلني قتلة إلا قتلتك مثلها، وقد أخبرني أمير المؤمنين عليه السلام أن ميتتي يكون ذبحا ظلما بغير حق، قال: فأمر به فذبح (2). 8 - شى: عن محمد بن مروان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ما منع ميثم رحمه الله من التقية ؟ [فوالله] لقد علم أن هذه الآية نزلت في عمار وأصحابه " إلا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان (3) ". * [كا، علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن محمد بن مروان مثله (4)

 

(1) في المصدر: ما نجد له. (2) الارشاد للمفيد: 152 - 155. (3) تفسير العياشي: 2: 271. والاية في سورة النحل: 106.من هنا إلى الرواية الاتية من مختصات نسخة (ك). (4) اصول الكافي (الجزء الثاني من الطبعة الحديثة): 320.

 

[127]

بيان: لعل وجه الجمع بين أخبار التقية وعدمها في التبري الحمل على التخيير، فيكون هذا الكلام منه عليه السلام على وجه الاشفاق بأنه كان يمكنه حفظ النفس بالتقية فلم تركها، على وجه إلا الذم ؟ والاعتراض (1)، وفي أكثر نسخ الكتابين " ميثم " بالرفع، فالظاهر قراءة " منع " على بناء المجهول، فيحتمل ما ذكرنا أي لم يكن ممنوعا عن التقية شرعا فلم لم يتق ؟ ويحتمل أن يكون مدحا، أي وطن نفسه على القتل لحب أمير المؤمنين عليه السلام مع أنه لم يكن ممنوعا من التقية ويحتمل أن يكون المعنى: لم يمنع من التقية ولم يتركها ولكن لم تنفعه، أو المعنى أنه إنما تركها لعلمه بعدم الانتفاع بها وعدم تحقق شرط التقية فيه، ويمكن أن يقرأ " منع " على بناء المعلوم، أي ليس فعله مانعا للغير عن التقية، لانه اختار أحد الفردين المخير فيهما أو لاختصاصه به لعدم تحقق شرطها فيه، أو فعله ولم ينفعه وبالجملة يبعد عن مثل ميثم ورشيد وقنبر رضي الله عنهم بعد إخبار أمير المؤمنين عليه السلام إياهم بما يجري عليهم أمرهم بالتقية تركهم أمره عليه السلام، وعدم بيانه عليه السلام لهم ما يجب عليهم فعله في هذا الوقت أبعد والله يعلم]. 9 - كش: حمدويه وإبراهيم معا، عن أيوب بن نوح، عن صفوان، عن عاصم بن حميد، عن ثابت الثقفي قال: لما امر بميثم ليصلب قال رجل: يا ميثم لقد كنت عن هذا غنيا، قال فالتفت إليه ميثم ثم قال: والله ما نبتت هذه النخلة إلا لي، ولا اغتذيت إلا لها (2). 10 - محمد بن مسعود قال: حدثني علي بن محمد، عن أحمد بن محمد النهدي، عن العباس بن معروف، عن صفوان، عن يعقوب بن شعيب، عن صالح بن ميثم قال: أخبرني أبو خالد التمار قال: كنت مع ميثم التمار بالفرات يوم الجمعة، فهبت ريح وهو في سفينة من سفن الرمان، قال: فخرج فنظر إلى الريح فقال: شدوا برأس سفينتكم إن هذا ريح عاصف مات معاوية الساعة، قال: فلما كانت

 

(1) على وجه الذم والاعتراض، ظ. (2) معرفة أخبار الرجال: 53.

 

[128]

الجمعة المقبلة قدم بريد من الشام فلقيته فاستخبرته، فقلت له: يا عبد الله ما الخبر ؟ قال: الناس على أحسن حال، توفي أمير المؤمنين وبايع الناس يزيد ! قال: قلت: أي يوم توفي ؟ قال: يوم الجمعة (1). 11 - محمد بن مسعود، عن عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي، عن الوشاء، عن عبد الله بن خراش المنقري، عن علي بن إسماعيل، عن فضيل الرسان، عن حمزة بن ميثم قال: خرج أبي إلى العمرة فحدثني قال: استأذنت على أم سلمة رحمة الله عليها، فضربت بيني وبينها خدرا، فقالت لي: أنت ميثم ؟ فقلت: أنا ميثم، فقالت: كثيرا ما رأيت الحسين بن علي ابن فاطمة يذكرك، قلت: فأين هو ؟ قالت: خرج في غنم له آنفا، قلت: أنا والله اكثر ذكره فاقرأه (2) فإني مبادر، فقالت: يا جارية اخرجي فادهنيه، فخرجت فدهنت لحيتي ببان (3) فقلت أنا: أما والله لئن دهنتها (4) لتخضبن فيكم بالدماء فخرجنا فإذا ابن عباس رحمة الله عليهما جالس، فقلت: يا ابن عباس سلني ما شئت من تفسير القرآن فإني قرأت تنزيله على أمير المؤمنين عليه السلام وعلمني تأويله، فقال يا جارية الدواة والقرطاس، فأقبل يكتب، فقلت: يا ابن عباس كيف بك إذا رأيتني مصلوبا تاسع تسعة أقصرهم خشبة وأقربهم بالمطهرة ؟ فقال لي: وتكهن أيضا ؟ وخرق الكتاب، فقلت: مه احفظ (5) بما سمعت مني فإن يكن ما أقول لك حقا أمسكته وإن يك باطلا خرقته، قال: هو ذلك، فقدم أبي علينا، فما لبث يومين حتى أرسل عبيدالله بن زياد فصلبه تاسع تسعة أقصرهم خشبة وأقربهم إلى المطهرة، فرأيت الرجل الذي جاء إليه ليقتله وقد أشار إليه بالحربة وهو يقول: أما والله لقد كنت ما علمتك إلا قواما، ثم طعنه في خاصرته

 

(1) معرفة اخبار الرجال: 53. (2) كذا في النسخ. وفى المصدر: فاقرأنيه السلام. (3) البان: شجر معتدل القوام لين ورقه كورق الصفصاح يؤخذ من حبه دهن طيب. (4) في (م) و (خ): دهنتيها. (5) في المصدر: احتفظ.

 

[129]

فأجافه فاحتقن الدم (1) فمكث يومين، ثم إنه في اليوم الثالث بعد العصر قبل المغرب انبعث منخراه دما، فخضبت لحيته بالدماء. قال أبو نصر محمد بن مسعود: وحدثني أيضا بهذا الحديث علي بن الحسن بن فضال، عن أحمد بن محمد الاقرع، عن داود بن مهزيار، عن علي بن إسماعيل، عن فضيل، عن عمران بن ميثم - قال علي بن الحسن: هو حمزة بن ميثم خطاء - و قال علي: أخبرني به الوشاء بإسناده مثله سواء، غير أنه ذكر عمران بن ميثم (2). 12 - حمدويه وإبراهيم، قالا: حدثنا أيوب، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن جده قال: قال لي ميثم التمار ذات يوم: يابا حكيم إني اخبرك بحديث وهو حق، قال: فقلت: يا با صالح بأي شئ تحدثني ؟ قال: إني أخرج العام إلى مكة، فإذا قدمت القادسية راجعا أرسل إلي هذا الدعي ابن زياد رجلا في مائة فارس حتى يجئ بي إليه، فيقول لي: أنت من هذه السبابية الخبيثة المحترقة التي قد يبست عليها جلودها، وأيم الله لاقطعن يدك ورجلك، فأقول: لا رحمك الله، فوالله لعلي عليه السلام كان أعرف بك من حسن عليه السلام حين ضرب رأسك بالدرة فقال له الحسن: يا أبت لا تضربه فإنه يحبنا ويبغض عدونا، فقال له علي عليه السلام مجيبا له: اسكت يا بني فوالله لانا أعلم به منك، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة أنه لولي لعدوك و عدو لوليك، قال: فيأمر بي عند ذلك فاصلب، فأكون أول هذه الامة الجم بالشريط في الاسلام، فإذا كان اليوم الثالث فقلت: غابت الشمس أولم تغب، ابتدر منخراي دما على صدري ولحيتي، قال: فرصدناه فلما كان اليوم الثالث فقلت: غابت الشمس أولم تغب ؟ ابتدر منخراه على صدره ولحيته دما، قال: فاجتمعنا سبعة من التمارين فاتعدنا بحمله، فجئنا إليه ليلا والحراس يحرسونه وقد أوقدوا النار، فحالت النار بيننا وبينهم، فاحتملناه بخشبة حتى انتهيا به إلى فيض من ماء

 

(1) اجافه بالطعنة: بلغ بها جوفه. احتقن الدم: اجتمع في الجوف من طعنة جائفة. (2) معرفة اخبار الرجال: 53 و 54.

 

[130]

في مراد فدفناه فيه، ورمينا الخشبة في مراد في الخراب، وأصبح فبعث الخيل فلم تجد شيئا. قال: وقال يوما: يابا حكيم ! ترى هذا المكان ليس يؤدى فيه طسق - والطسق أداء الاجر - ولئن طالت بك الحياه لتؤدين طسق هذا المكان إلى رجل في دار الوليد بن عقبة اسمه زرارة، قال سدير: فأديته على خزي إلى رجل في دار الوليد بن عقبة يقال له زرارة (1). 13 - جبرئيل بن أحمد، عن محمد بن عبد الله بن مهران، عن محمد بن علي الصيرفي، عن علي بن محمد، عن يوسف بن عمران الميثمي قال: سمعت ميثما (2) النهرواني يقول: دعاني أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقال: كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني امية (3) عبيدالله بن زياد إلى البراءة مني ؟ فقلت يا أمير المؤمنين: أنا والله لا أبرأ منك، قال: إذن والله يقتلك ويصلبك، قلت: أصبر فذاك في الله قليل، فقال: يا ميثم إذا تكون معي في درجتي، قال وكان ميثم يمر بعريف قومه (4) ويقول: يا فلان كأني بك وقد دعاك دعي بني امية ابن دعيها فيطلبني منك أياما، فإذا قدمت عليك ذهبت بي إليه حتى يقتلني على باب دار عمرو بن حريث، فإذا كان يوم الرابع ابتدر منخراي دما عبيطا، وكان ميثم يمر بنخلة في سبخة فيضرب بيده عليها و يقول: يا نخلة ما غذيت إلا لي وما غذيت إلا لك، وكان يمر بعمرو بن حريث و يقول: يا عمرو إذا جاورتك فأحسن جواري، فكان عمرو يرى أنه يشتري دارا أو ضيعة لزيق (5) ضيعته، فكان يقول له عمرو: ليتك قد فعلت، ثم خرج ميثم النهرواني إلى مكة، فأرسل الطاغية عدو الله ابن زياد إلى عريف ميثم فطلبه منه، فأخبره

 

(1) معرفة اخبار الرجال: 54 و 55. (2) في المصدر: ميثم. (3) في المصدر بعد ذلك: ابن دعيها. (4) العريف من يعرف اصحابه. القيم بأمر القول والنقيب. (5) اللزيق: اللصيق

 

[131]

أنه بمكة، فقال له: لئن لم تأتني ؟ ؟ به لاقتلنك: فأجله أجلا، وخرج العريف إلى القادسية ينتظر ميثما، فلما قدم ميثم قال: أنت ميثم ؟ قال: نعم أنا ميثم، قال: تبرأ من أبي تراب (1) قال: لا أعرف أبا تراب، قال: تبرأ من علي بن أبي طالب فقال له: فإن أنا لم أفعل ؟ قال: إذا والله لاقتلك (2) قال: أما لقد كان يقول لي إنك ستقتلني وتصلبني على باب عمرو بن حريث، فإذا كان يوم الرابع ابتدر منخراي دما عبيطا، فأمر به فصلب على باب عمرو بن حريث، فقال للناس: سلوني - وهو مصلوب - قبل أن اقتل، فوالله لاخبرتكم بعلم ما يكون إلى أن تقوم الساعة وما يكون من الفتن، فلما سأله الناس حدثهم حديثا واحدا إذ أتاه رسول من قبل ابن زياد فألجمه بلجام من شريط، وهو أول من الجم بلجام وهو مصلوب (3). يج عن عمران عن أبيه ميثم مثله (4). بيان: الشريط: حبل يفتل من خوص. كش: وروي عن أبي الحسن الرضا عن أبيه عن آبائه صلوات الله عليهم قال: أتى ميثم التمار دار أمير المؤمنين عليه السلام فقيل له: إنه نائم، فنادى بأعلى صوته: انتبه أيها النائم، فوالله لتخضبن لحيتك من رأسك، فانتبه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أدخلوا ميثما، فقال (5): أيها النائم والله لتخضبن لحيتك من رأسك، فقال: صدقت وأنت والله ليقطعن يداك ورجلاك ولسانك، ولتقطعن النخلة التي في الكناسة فتشق أربع قطع فتصلب أنت على ربعها، وحجر بن عدي على ربعها، ومحمد بن أكتم على ربعها، وخالد بن مسعود على ربعها، قال ميثم: فشككت في نفسي وقلت: إن

 

(1) كأن في العبارة سقطا، والظاهران يكون هكذا: فجاء به العريف إلى ابن زياد، فقال ابن زياد: تبرأ من ابى تراب. (2) في المصدر: لاقتلنك. (3) معرفة اخبار الرجال: 55 و 56. (4) الخرائج والجرائح: 20. (5) في المصدر: فقال له.

 

[132]

عليا ليخبرنا بالغيب ! فقلت له: أو كائن ذاك يا أمير المؤمنين ؟ فقال: إي ورب الكعبة كذا عهده إلي النبي صلى الله عليه واله، قال: فقلت: لم (1) يفعل ذلك بي يا أمير المؤمنين فقال: ليأخذنك العتل الزنيم ابن الامة الفاجرة عبيدالله بن زياد، قال: وكان يخرج إلى الجبانة وأنا معه فيمر بالنخلة فيقول لي: يا ميثم إن لك ولها شأنا من الشأن، قال: فلما ولي عبيدالله بن زياد الكوفة ودخلها تعلق علمه بالنخلة التي بالكناسة فتخرق، فتطير من ذلك فأمر بقطعها، فاشتراها رجل من النجارين فشقها أربع قطع، قال ميثم: فقلت لصالح ابني: فخذ مسمارا من حديد فانقش عليه اسمي واسم أبي ودقه في بعض تلك الاجذاع. قال: فلما مضى بعد ذلك أيام أتوني قوم من أهل السوق فقالوا: يا ميثم انهض معنا إلى الامير نشتكي (2) إليه عامل السوق فنسأله أن يعزله عنا ويولي علينا غيره، قال: وكنت خطيب القوم، فنصت لي وأعجبه منطقي، فقال له عمرو بن حريث: أصلح الله الامير تعرف هذا المتكلم ؟ قال: ومن هو ؟ قال: ميثم التمار الكذاب مولى الكذاب علي بن أبي طالب، قال: فاستوى جالسا فقال لي: ما تقول ؟ فقلت كذب أصلح الله الامير، بل أنا الصادق مولى الصادق علي بن أبي طالب أمير المؤمنين حقا، فقال لي: لتبرأن من علي ولتذكرن مساويه وتتولى عثمان وتذكر محاسنه أو لاقطعن يديك ورجليك ولاصلبنك، فبكيت، فقال لي: بكيت من القول دون الفعل ؟ فقلت: والله ما بكيت من القول ولا من الفعل ولكني بكيت من شك كان دخلني يوم أخبرني سيدي ومولاي، فقال لي: وما قال لك ؟ قال: فقلت: أتيته الباب فقيل لي: إنه نائم، فناديت: انتبه أيها النائم فوالله لتخضبن لحيتك من رأسك، فقال: صدقت وأنت والله ليقطعن يداك ورجلاك ولسانك ولتصلبن، فقلت: ومن يفعل ذلك بي يا أمير المؤمنين ؟ فقال: يأخذك العتل الزنيم ابن الامة الفاجرة عبيدالله بن زياد قال: فامتلا غيظا ثم قال لي: والله لاقطعن يديك ورجليك ولادعن لسانك حتى

 

(1) ومن يفعل ظ. (2) في المصدر: نشكو.

 

[133]

اكذبك واكذب مولاك، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه، ثم اخرج وأمر به أن يصلب، فنادى بأعلى صوته: أيها الناس من أراد أن يسمع الحديث المكنون عن علي ابن أبي طالب ؟ قال فاجتمع الناس، وأقبل يحدثهم بالعجائب، قال: وخرج عمرو ابن حريث وهو يريد منزله فقال: ما هذه الجماعة ؟ قال: ميثم التمار يحدث الناس عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: فانصرف مسرعا فقال: أصلح الله الامير بادر فابعث إلى هذا من يقطع لسانه، فإني لست آمن أن يتغير قلوب أهل الكوفة فيخرجوا عليك، قال: فالتفت إلى حرسي فوق رأسه فقال: اذهب فاقطع لسانه، قال: فأتاه الحرسي وقال له: يا ميثم ! قال: ما تشاء ؟ قال: أخرج لسانك فقد أمرني الامير بقطعه قال ميثم: ألا زعم ابن الامة الفاجرة أنه يكذبني ويكذب مولاي ؟ هاك لساني، قال: فقطع لسانه وتشخط ساعة في دمه ثم مات، وأمر به فصلب، قال صالح: فمضيت بعد ذلك أيام (1) فإذا هو قد صلب على الربع الذي كتبت ودققت فيه المسمار (2). 15 - ختص، كش: إبراهيم بن الحسين الحسيني العقيقي رفعه قال: سئل (3) قنبر: مولى من أنت ؟ فقال: مولاي (4) من ضرب بسيفين، وطعن برمحين، وصلى القبلتين، وبايع البيعتين، وهاجر الهجرتين، ولم يكفر بالله طرفة عين، أنا مولى صالح المؤمنين، ووارث النبيين، وخير الوصيين، وأكبر المسلمين، ويعسوب المؤمنين، ونور المجاهدين، ورئيس البكائين، وزين العابدين، وسراج الماضين، وضوء القائمين وأفضل القانتين، ولسان رسول رب العالمين وأول المؤمنين (5) من آل يس، المؤيد بجبرئيل الامين، والمنصور بميكائيل المتين، والمحمود عند أهل السماء أجمعين، سيد المسلمين

 

(1) كذا في النسخ. وفى المصدر: بأيام. (2) معرفة اخبار الرجال: 56 - 58. (3) في الاختصاص: وفي رواية العامة سئل اه‍. (4) كذا في (ك). وفي (م) و (خ): مولى. وفي المصدرين: انا مولى. (5) في الاختصاص: واول الوصيين.

 

[134]

والسابقين، وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين، والمحامي عن حرم المسلمين ومجاهد أعدائه الناصبين، ومطفئ نار (1) الموقدين، وأفخر من مشى من قريش أجمعين، وأول من أجاب (2) واستجاب لله، أمير المؤمنين، ووصي نبيه في العالمين وأمينه على المخلوقين، وخليفة من بعث إليهم أجمعين، سيد المسلمين والسابقين ومبيد المشركين، وسهم من مرامي الله على المنافقين، ولسان كلمة العابدين، ناصر دين الله، وولي الله، ولسان كلمة الله، وناصره في أرضه، وعيبة علمه، وكهف دينه، إمام أهل الابرار، (3) من رضي عنه العلي الجبار (4)، سمح سخي، حيي بهلول سنحنحي، زكي، مطهر أبطحي، جري همام صابر صوام مهدي مقدام قاطع الاصلاب، مفرق الاحزاب، عالي الرقاب، أربطهم عنانا وأثبتهم جنانا وأشدهم شكيمة، بازل، باسل، صنديد، هزبر، ضرغام، حازم، عزام، حصيف، خطيب محجاج، كريم الاصل، شريف الفصل، فاضل القبيلة، نقي العشيرة (5) زكي الركانة مؤدي الامانة من بني هاشم، وابن عم النبي صلى الله عليهما، الامام المهدي الرشاد، مجانب الفساد، الاشعث الحاتم، البطل الجماجم، والليث المزاحم، بدري مكي حنفي روحاني شعشعاني، من الجبال شواهقها، ومن ذي الهضاب (6) رؤوسها، ومن العرب سيدها، ومن الوغى ليثها، البطل الهمام، والليث المقدام، والبدر التمام، محك المؤمنين، ووارث المشعرين، وأبو السبطين الحسن والحسين والله أمير المؤمنين حقا حقا علي بن أبي طالب عليه من الله الصلوات الزكية والبركات السنية. (7)

 

(1) في الاختصاص: نيران. (2) في الاختصاص: واول من حارب واستجلب. (3) في المصدرين: امام الابرار. (4) في الاختصاص: مرضى عند العلى الجبار. (5) في الاختصاص: العترة. (6) الهضبة: الجبل المنبسط على وجه الارض وفي (كش): ذى الهضبات. (7) الاختصاص: 73 و 74. معرفة اخبار الرجال: 49 و 50.

 

[135]

توضيح: البهلول بالضم الضحاك والسيد الجامع لكل خير. ورجل سنحنح: لاينام الليل، والياء للمبالغة كالاحمري، والهمام (1): الملك العظيم الهمة والسيد الشجاع السخي قوله: " عالي الرقاب " أي يعلوها ويسلط عليها. وربط العنان كناية عن التقيد بقوانين الشريعة، أو حمل الناس عليها. والشكيمة: الطبع وفي اللجام: الحديدة المعترضة في فم الفرس. والبازل: الرجل الكامل في تجربته والباسل: الاسد والشجاع. والصنديد: السيد الشجاع والهزبر - بكسر الهاء و فتح الراء وسكون الباء -: الاسد والشديد الصلت. والضرغام بالكسر: الاسد. والحصيف: من استكمل عقله. والمحجاج بالكسر: الجدل الكامل في الحجاج. و الفصل: القضاء بين الحق والباطل، ويحتمل أن يكون المراد هنا المحل الذي انفصل منه من الوالدين والاجداد. والركانة: الوقار، وفي بعض النسخ بالزاي المعجمة، أي الحدس والفطانة. والاشعث: المغبر الرأس، وفي بعض النسخ " الاسغب " بالغين المعجمة والباء الموحدة، أي الجائع، والحاتم بالكسر القاضي و وبالفتح الجواد والجماجم: السادات والعظماء، ولعل الالف واللام في البطل زيد من النساخ قوله: " محك المؤمنين " أي بولايته ومتابعته يعرف المؤمنون ودرجاتهم وفي بعض النسخ " مجلي المؤمنين " من التجلية أي مصفيهم ومنورهم. 16 - كش: محمد بن مسعود، عن علي بن قيس القومشي: عن أحلم بن يسار (2)، عن أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام، أن قنبرا مولى أمير المؤمنين عليه السلام دخل على الحجاج بن يوسف فقال له: ما الذي كنت تلي من علي بن أبي طالب ؟ فقال: كنت أوضيه، فقال له: ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه ؟ فقال: كان يتلو هذه الآية: " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما اوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله

 

(1) بالضم. (2) كذا في النسخ. وفي المصدر: احكم بن يسار وفى جامع الرواة: احكم بن بشار.

 

[136]

رب العالمين " (1) فقال الحجاج: أظنه كان يتأولها علينا ؟ قال: نعم، فقال: ما أنت صانع إذا ضربت علاوتك ؟ (2) قال: إذن أسعد وتشقى فأمر به. (3) شى: مرسلا عنه عليه السلام مثله (4). كش: محمد بن عبد الله، عن وهيب بن مهران، عن محمد بن علي الصيرفي، عن علي بن محمد بن عبد الله الحناط، عن وهب بن حفص الجريري، عن أبي حيان البجلي، عن قنوا بنت الرشيد الهجري قال: قلت لها: أخبرني ما سمعت من أبيك قالت: سمعت أبي يقول: أخبرني أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا رشيد كيف صبرك متى أرسل إليك دعي بني امية فقطع يديك ورجليك ولسانك ؟ قلت: يا أمير المؤمنين آخر ذلك إلى الجنة ؟ فقال: يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة قالت: فوالله ما ذهبت الايام حتى أرسل إليه عبيدالله بن زياد الدعي فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين عليه السلام فأبى أن يبرأ منه، فقال له الدعي فبأي ميتة قال لك تموت ؟ فقال له: أخبرني خليلي أنك تدعوني إلى البراءة منه فلا أبرأ فتقدمني فتقطع يدي ورجلي ولساني، فقال: والله لاكذبن قوله، قال: فقدموه فقطعوا يديه ورجليه وتركوا لسانه، فحملت أطراف يديه ورجليه، فقلت: يا أبة هل تجد ألما لما (5) أصابك ؟ فقال: لا يا بنتي (6) إلا كالزحام بين الناس، فلما احتملناه وأخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله فقال: آتوني (7) بصفيحة ودواة أكتب لكم ما يكون إلى يوم الساعة، فأرسل إليه الحجام يقطع لسانه، فمات رحمة الله عليه في ليلته، قال: وكان أمير

 

(1) سورة الانعام: 44 - 45. (2) العلاوة - بالكسر -: اعلى الرأس أو العنق. (3) معرفة اخبار الرجال: 50. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 359. (5) في المصدر: مما. (6) في المصدر و (م) و (خ): يا بنية. (7) في المصدر و (م) و (خ): ايتونى.

 

[137]

المؤمنين عليه السلام يسميه رشيد البلايا، وقد كان ألقى إليه علم البلايا والمنايا، فكان [في] حياته إذا لقي الرجل قال له: أنت تموت بميتة كذا وتقتل أنت يا فلان بقتلة كذا وكذا، فيكون كما يقول الرشيد، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أنت رشيد البلايا أو تقتل (1) بهذه القتلة فكان كما قال أمير المؤمنين عليه السلام (2). ختص، جعفر بن الحسين، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الصيرفي مثله. (3) يج: عن قنوا مثله. (4) 18 - كش: جبرئيل، عن محمد بن عبد الله بن مهران، عن أحمد بن النضر عن عبد الله بن يزيد الاسدي، عن فضيل بن الزبير قال: خرج أمير المؤمنين صلوات الله عليه يوما إلى بستان البرني ومعه أصحابه، فجلس تحت نخلة ثم أمر بنخلة فلقطت فانزل منها رطب، فوضع بين أيديهم، قالوا: فقال رشيد الهجري يا أمير المؤمنين ما أطيب هذا الرطب ! فقال: يا رشيد أما إنك تصلب على جذعها، قال رشيد: فكنت أختلف إليها طرفي النهار أسقيها ومضى أمير المؤمنين صلوات الله عليه، قال: فجئتها يوما وقد قطع سعفها، قلت: اقترب أجلي، ثم جئت يوما فجاء العريف فقال: أجب الامير، فأتيته فلما دخلت القصر إذا خشب ملقى، ثم جئت يوما آخر فإذا النصف الآخر قد جعل زرنوقا يستقى عليه الماء، فقلت: ما كذبني خليلي، فأتاني العريف فقال: أجب الامير، فأتيته فلما دخلت القصر إذا الخشب ملقى فإذا فيه الزرنوق فجئت حتى ضربت الزرنوق برجلي، ثم قلت: لك غذيت ولي نبت (5) ثم ادخلت على عبيد الله بن زياد فقال: هات من كذب صاحبك، قلت: والله ما أنا بكذاب ولا هو

 

(1) في المصدر و (م) و (خ): أي تقتل وفى (ت): تقتل. (2) معرفة اخبار الرجال 50 و 51. (3) الاختصاص: 77 و 78. (4) لم نجده في الحزائج المطبوع. (5) في المصدر و (م) و (خ): انبتت.

 

[138]

ولقد أخبرني أنك تقطع يدي ورجلي ولساني، قال: إذا والله نكذبه، اقطعوا يديه ورجليه وأخرجوه. فلما حمل إلى أهله أقبل يحدث الناس بالعظائم، وهو يقول: أيها الناس سلوني وإن للقوم عندي طلبة لم يقضوها، فدخل رجل على ابن زياد فقال له: ما صنعت قطعت يديه ورجليه وهو يحدث الناس بالعظائم ؟ قال: فأرسل إليه: ردوه - وقد انتهى إلى بابه - فردوه فأمر بقطع يديه ورجليه ولسانه وأمر بصلبه - (1) بيان: الزرنوقان - بالضم ويفتح -: منارتان تبنيان على جانبي رأس البئر. 19 - فض: قيل: كان مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يخرج من الجامع بالكوفة فيجلس عند ميثم التمار رضي الله عنه فيحادثه، فيقال: إنه قال له ذات يوم: ألا ابشرك يا ميثم ؟ فقال: بماذا يا أمير المؤمنين ؟ قال: بأنك تموت مصلوبا، فقال يا مولاي وأنا على فطرة الاسلام ؟ قال: نعم، ثم قال يا ميثم تريد اريك الموضع الذي تصلب فيه والنخلة التي تعلق عليها وعلى جذعتها ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فجاء به إلى رحبة الصيارف (2) وقال له: ههنا، ثم أراه نخلة قال له: على جذع هذه فما زال ميثم رضي الله عنه يتعاهد تلك النخلة حتى قطعت وشقت نصفين، فسقف بالنصف منها وبقي النصف الآخر، فما زال يتعاهد النصف ويصلي في ذلك الموضع ويقول لبعض جيران الموضع: يا فلان إني اريد أن اجاورك عن قريب فأحسن جواري، فيقول ذلك الرجل في نفسه: يريد ميثم أن يشتري دارا في جواري، ولا يعلم ما يريد بقوله، حتى قبض أمير المؤمنين عليه السلام وظفر معاوية و أصحابه، واخذ ميثم فيمن اخذ، وأمر معاوية بصلبه فصلب على ذلك الجذع في ذلك المكان، فلما رأى ذلك الرجل أن ميثما قد صلب في جواره قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم أخبر الناس بقصة ميثم وما قاله في حياته، وما زال ذلك الرجل يتعاهده

 

(1) معرفة اخبار الرجال: 51 و 52. (2) في المصدر: الصيارفة.

 

[139]

ويكنس تحت الجذع ويبخره ويصلي عنده ويكرر الرحمة عليه رضي الله عنه. (1) 20 - كشف: من دلائل الحميري، عن إسحاق بن عمار قال سمعت العبد الصالح ينعى إلى رجل نفسه فقلت في نفسي: وإنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته فالتفت إلي شبه المغضب فقال: يا إسحاق قد كان الرشيد الهجري - وكان من المستضعفين - يعلم علم المنايا والبلايا، والامام (2) أولى بذلك، يا إسحاق اصنع ما أنت صانع فعمرك قد فني وأنت تموت إلى سنتين، وإخوتك وأهل بيتك لا يلبثون من بعدك إلا يسيرا حتى تفترق كلمتهم ويخون بعضهم بعضا ويصيرون لاخوانهم ومن يعرفهم رحمة حتى يشمت بهم عدوهم، قال إسحاق: فإني أستغفر الله مما عرض في صدري، فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلا سنتين حتى مات، ثم ما ذهبت الايام حتى قام بنو عمار بأموال الناس وأفلسوا أقبح إفلاس رآه الناس، فجاء ما قال أبو الحسن عليه السلام فيهم ما غادر قليلا ولا كثيرا (3). 21 - كا: علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن محمد بن مروان قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام، ما منع ميثم رحمه الله من التقية ؟ فوالله لقد علم أن هذه الآية نزلت في عمار وأصحابه " إلا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان (4) ". أقول قد مر كثير من أخبارهم في باب إخبار أمير المؤمنين عليه السلام بالكائنات. 22 - ختص: جعفر بن الحسين، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن عيسى عن عثمان بن عيسى، عن أبي الجارود قال: سمعت القنوا بنت الرشيد الهجري تقول: قال أبي: يا بنية أميتي الحديث بالكتمان، واجعلي القلب مسكن الامانة. وعن قنوا قالت: قلت لابي: ما أشد اجتهادك ! قال يا بنية: يأتي قوم بعدنا بصائرهم

 

(1) الروضة: 5. (2) في المصدر: فالامام. (3) كشف الغمة: 251. (4) اصول الكافي (الجزء الثاني من الطبعة الحديثة): 220. والاية في سورة النحل: 106.

 

[140]

في دينهم أفضل من اجتهادنا (1). 23 - ختص: جعفر، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن أبي الخطاب، عن ابن محبوب، عن عبد الكريم يرفعه إلى رشيد الهجري قال: لما طلب زياد أبو عبيد الله رشيد الهجري اختفى رشيد، فجاء ذات يوم إلى أبي أراكة وهو جالس على بابه في جماعة من أصحابه، فدخل منزل أبي أراكة ففزع لذلك أبو أراكة وخاف، فقام فدخل في أثره، فقال: ويحك قتلتني وأيتمت ولدي وأهلكتهم، قال: وما ذاك ؟ قال: أنت مطلوب، وجئت حتى دخلت داري، وقد رآك من كان عندي، فقال: ما رأني أحد منهم، قال: وتسخربي أيضا فأخذه وشده كتافا ثم أدخله بيتا وأغلق عليه بابه، ثم خرج إلى أصحابه فقال لهم: إنه خيل إلي أن رجلا شيخا قد دخل داري آنفا، قالوا ما رأينا أحدا، فكرر ذلك عليهم كل ذلك يقولون: ما رأينا أحدا فسكت عنهم، ثم إنه تخوف أن يكون قد رآه غيرهم، فذهب إلى مجلس زياد ليتجسس هل يذكرونه، فإن هم أحسوا بذلك أخبرهم أنه عنده ودفعه إليهم فسلم على زياد وقعد عنده، وكان الذي بينهما لطيف، قال: فبينا هو كذلك إذ أقبل الرشيد على بغلة أبي أراكة مقبلا نحو مجلس زياد، فلما نظر إليه أبو أراكة تغير وجههه وأسقط في يده وأيقن بالهلاك، فنزل رشيد عن البغلة وأقبل إلى زياد فسلم عليه، فقام إليه زياد فاعتنقه فقبله، ثم أخذ يسائله: كيف قدمت ؟ وكيف من خلفت ؟ وكيف كنت في مسيرك ؟ وأخذ لحيته ثم مكث هنيئة ثم قام فذهب، فقال أبو أراكة لزياد: أصلح الله الامير من هذا الشيخ ؟ قال: هذا أخ من إخواننا من أهل الشام قدم علينا زائرا، فانصرف أبو أراكة إلى منزله فإذا رشيد بالبيت كما تركه، فقال له أبو أراكة: أما إذا كان عندك من العلم كل ما أرى فاصنع ما بدالك، وادخل علينا كيف شئت (2).

 

(1) الاختصاص: 78. (2) الاختصاص: 78 و 79.

 

[141]

123. (باب) * (حال الحسن البصري) * 1 - ج: عن ابن عباس قال: مر أمير المؤمنين عليه السلام بالحسن البصري وهو يتوضأ، فقال: يا حسن أسبغ الوضوء، فقال: يا أمير المؤمنين لقد قتلت (1) بالامس اناسا يشهدون أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، يصلون الخمس ويبغون الوضوء، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: قد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدونا ؟ فقال: والله لاصدقنك يا أمير المؤمنين، لقد خرجت في أول يوم فاغتسلت وتحنطت وصببت علي سلاحي، وأنا لا أشك في أن التخلف عن ام المؤمنين عائشة هو الكفر، فلما انتهيت إلى موضع من الخريبة (2) نادى مناد: يا حسن إلى أين ؟ ارجع فإن القاتل والمقتول في النار، فرجعت زعرا وجلست في بيتي فلما كان اليوم الثاني لم أشك أن التخلف عن ام المؤمنين عائشة هو الكفر، فتحنطت وصببت علي سلاحي وخرجت إلى القتال (3) حتى انتهيت إلى موضع من الخريبة فناداني مناد من خلفي: يا حسن إلى أين ؟ مرة بعد اخرى، فإن القاتل والمقتول في النار، قال علي عليه السلام: صدقت أفتدري من ذلك المنادي ؟ قال: لا، قال عليه السلام: ذاك أخوك إبليس وصدقك، إن القاتل منهم والمقتول في النار، فقال الحسن البصري: الآن عرفت يا أمير المؤمنين أن القوم هلكى (4). 2 - ج: عن أبي يحيى الواسطي قال: لما افتتح أمير المؤمنين عليه السلام البصرة

 

(1) في (ك): فنيت. (2) الخريبة مصغرا موضع بالبصرة عندها كانت وقعة الجمل. (3) في المصدر: اريد القتال. (4) الاحتجاج: 92. (*)

 

[142]

اجتمع الناس عليه وفيهم الحسن البصري ومعه الالواح، فكان كلما لفظ أمير المؤمنين عليه السلام بكلمة كتبها، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام بأعلى صوته: ما تصنع ؟ قال نكتب آثاركم لنحدث بها بعدكم، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما إن لكل قوم سامريا وهذا سامري هذه الامة إلا أنه لا يقول: " لا مساس " ولكنه يقول: لا قتال (1). 3 - ج: عن عبد الله بن سليمان قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام فقال له رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الاعمى: إن الحسن البصري يزعم أن الذين يكتمون العلم تؤذي ريح بطونهم من يدخل النار، فقال أبو جعفر عليه السلام: فهلك إذا مؤمن آل فرعون والله مدحه بذلك، وما زال العلم مكتوما منذ بعث الله عزوجل رسوله نوحا، فليذهب الحسن يمينا وشمالا، فوالله ما يوجد العلم إلا ههنا (2). كا: الحسين بن محمد، عن المعلى، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن عبد الله مثله (3). 4 - لى: أبي، عن المؤدب، عن أحمد الاصبهاني، عن الثقفي، عن قتيبة بن سعيد، عن عمرو بن غزوان، عن أبي مسلم قال: خرجت مع الحسن البصري وأنس بن مالك حتى أتينا باب ام سلمة، فقعد أنس على الباب ودخلت مع الحسن البصري، فسمعت الحسن البصري وهو يقول: السلام عليك يا اماه ورحمة الله و بركاته، فقالت له: وعليك السلام من أنت يا بني ؟ فقال: أنا الحسن البصري، فقالت: فيما جئت يا حسن ؟ فقال لها: جئت لتحدثيني بحديث سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه واله في علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت ام سلمة: والله لاحدثنك بحديث سمعته اذناي (4) من رسول الله صلى الله عليه واله وإلا فصمتا، ورأته عيناي وإلا فعميتا، ووعاه قلبي و إلا فطبع الله عليه، وأخرس لساني إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول لعلي

 

(1) الاحتجاج: 92. (2) الاحتجاج، 180. (3) اصول الكافي (الجزء الاول من الطبعة الحديثة): 51. (4) في (ك): سمعته اذناك.

 

[143]

ابن أبي طالب عليه السلام يا علي: ما من عبد لقي الله يوم يلقاه جاحدا لولايتك إلا لقي الله بعبادة صنم أو وثن، قال: فسمعت الحسن البصري وهو يقول: ألله أكبر أشهد أن عليا مولاي ومولى المؤمنين، فلما خرج قال له أنس بن مالك: مالي أراك تكبر ؟ قال: سألت امنا ام سلمة أن تحدثيني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه واله في علي، فقالت لي كذاو كذا، فقلت: ألله أكبر أشهد أن عليا مولاي ومولى كل مؤمن، قال: فسمعت عند ذلك أنس بن مالك وهو يقول: أشهد على رسول الله صلى الله عليه واله أنه قال هذه المقالة ثلاث مرات أو أربع مرات (1). 5 - يج: روي أن عليا عليه السلام أتى الحسن البصري يتوضأ في ساقية، فقال: أسبغ طهورك يالفتى، قال لقد قتلت بالامس رجالا كانوا يسبغون الوضوء، قال: وإنك لحزين عليهم ؟ قال: نعم، قال: فأطال الله حزنك. قال أيوب السجستاني: فما رأينا الحسن قط إلا حزينا كأنه يرجع عن دفن حميم أو خربندج ضل حماره، فقلت له [في] ذلك فقال: عمل في دعوة الرجل الصالح، ولفتى بالنبطية الشيطان وكانت امه سمته بذلك ودعته في صغره، فلم يعرف ذلك أحد حتى دعاه به علي عليه السلام (2). 6 - كا: علي، عن أبيه، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن خالد بن عمارة، عن سدير الصيرفي قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: حديث بلغني عن الحسن البصري فإن كان حقا فإنا لله وإنا إليه راجعون، قال: وما هو ؟ قلت: بلغني أن الحسن البصري كان يقول: لو غلا دماغه من حر الشمس ما استظل بحائط صيرفي، ولو تفرث (3) كبده عطشا لم يستسق من دار صيرفي ماءا، وهو عملي وتجارتي وفيه نبت لحمي ودمي، ومنه حجي وعمرتي، فجلس ثم قال: كذب الحسن خذ سواء وأعط سواء، فإذا حضرت الصلاة فدع ما بيدك وانهض إلى الصلاة، أما علمت أن أصحاب الكهف كانوا صيارفة (4).

 

(1) امالي الصدوق: 190. (2) لم نجده في الخرائج المطبوع. (3) أي تشقق وانتثر. (4) فروع الكافي (الجزء الخامس من الطبعة الحديثة): 113 و 114.

 

[144]

أقول: قال السيد المرتضى في كتاب الغرر والدرر: روى أبو بكر الهذلي أن رجلا قال للحسن: يا أبا سعيد إن الشيعة تزعم أنك تبغض عليا عليه السلام فأكب يبكي طويلا ثم رفع رأسه فقال: لقد فارقكم بالامس رجل كان سهما من مرامي الله (1) عزوجل على عدوه، رباني هذه الامة، ذو شرفها وفضلها، ذو قرابة من النبي صلى الله عليه واله (2) قريبة، لم يكن بالنؤومة عن أمر الله تعالى ولا بالغافل عن حق الله تعالى، ولا السروقة (3) من مال الله، أعطى القرآن عزائمه في ماله وعليه فأشرف منها على رياض مونقة وأعلام بينة، ذاك ابن أبي طالب عليه السلام يالكع. وكان الحسن إذا أراد أن يحدث في زمن بني امية عن علي عليه السلام قال: قال أبو زينب. وأتى علي بن الحسين عليهما السلام يوما الحسن البصري وهو يقص عند الحجر، فقال: أترضى يا حسن نفسك للموت ؟ قال: لا، قال: فعملك للحساب ؟ قال: لا قال: فثم دار للعمل غير هذه (4) قال: لا، قال: فلله في الارض (5) معاذ غير هذا البيت ؟ قال: لا، قال: فلم تشغل الناس عن الطواف (6). أقول: سيأتي احتجاج الحسن بن علي واحتجاج علي بن الحسين عليهم السلام عليه، وكذا احتجاج الباقر عليه السلام عليه، وقد مضى في باب ما جرى من فضائل أهل البيت عليهم السلام على لسان أعدائهم وباب جوامع مناقب أمير المؤمنين عليه السلام وفي باب كتمان العلم، بعض أحواله.

 

(1) في المصدر: من مرامي ربنا. (2) في المصدر: وذو قرابة من رسول الله (3) في المصدر: ولا بالسروقة. (4) في المصدر: غير هذه الدار. (5) في المصدر: في ارضه. (6) الغرر والدرر 1: 162. وفيه و (خ): عن التطواف.

 

[145]

124. (باب) * (أحوال سائر أصحابه عليه السلام وفيه أحوال) * * (عبد الله بن العباس) * 1 - ل: الحسن بن محمد بن يحيى العلوي، عن جده، عن داود، عن عيسى بن عبد الرحمن بن صالح، عن أبي مالك الجهني، عن عمر بن بشير قال: قلت لابي إسحاق: متى ذل الناس ؟ قال: حين قتل الحسين عليه السلام وادعى زياد وقتل حجر بن عدي (1). 2 - ن: ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن عيسى، عن البزنطي قال: قال الرضا عليه السلام: يا أحمد إن أمير المؤمنين أتى صعصعة بن صوحان يعوده في مرضه فافتخر على الناس بذلك، فلا تذهبن نفسك إلى الفخر، وتذلل لله عزوجل، وسيأتي الخبر بتمامه في باب معجزات الرضا عليه السلام (2). 3 - ما: المفيد، عن الجعابي، عن ابن عقدة، عن أحمد بن عبد الحميد، عن محمد بن عمرو بن عتبة، عن الحسن بن المبارك، عن العباس بن عامر، عن مالك الاحمسي، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباتة قال: كنت أركع عند باب أمير المؤمنين عليه السلام وأنا أدعو الله إذ خرج أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أصبغ ! قلت: لبيك، قال: أي شئ كنت تصنع ؟ قلت: ركعت وأنا أدعو (3) قال: أفلا اعلمك دعاء سمعته من رسول الله صلى الله عليه واله ؟ قلت: بلى، قال: قل: " الحمد لله على ما كان،

 

(1) الخصال 1: 85. (2) عيون الاخبار: 333. (3) في (ك): وأنا أدعو الله.

 

[146]

والحمد لله على كل حال " ثم ضرب بيده اليمنى على منكبي الايسر وقال: يا أصبغ لئن ثبتت قدمك وتمت ولايتك وانبسطت يدك فالله أرحم بك من نفسك (1). 4 - ما: المفيد عن عمر بن محمد الزيات، عن علي بن العباس، عن أحمد بن منصور، عن عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن عمار الدهني قال: سمعت أبا الطفيل يقول: جاء المسيب بن نجية إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام متلببا (2) بعبدالله بن سبا فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ما شأنك ؟ فقال: يكذب على الله وعلى رسوله، فقال: ما يقول ؟ قال: (3) فلم أسمع مقالة المسيب وسمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: هيهات هيهات الغضب، ولكن يأتيكم راكب الدغيلة يشد حقوها بوضينها، لم يقض تفثا من حج ولا عمرة فيقتلوه. يريد بذلك الحسين بن علي عليهما السلام (4). 5 - ما: ابن الصلت، عن ابن عقدة، عن عباد، عن عمه، عن أبيه، عن مطرف عن الشعبي، عن صعصعة بن صوحان قال: عادني أمير المؤمنين عليه السلام في مرض ثم قال: انظر فلا تجعلن عيادتي إياك فخرا على قومك، الخبر (5). ب: ابن عيسى وابن أبي الخطاب عن البزنطي عن الرضا عليه السلام مثله (6). 6 - لى: أبي، عن الكميداني، عن ابن عيسى، عن ابن أبي نجران، عن جعفر بن محمد الكوفي، عن عبيد السمين (7) عن ابن طريف، عن ابن نباتة قال: بينا أمير المؤمنين عليه السلام يخطب الناس وهو يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن شئ مضى ولا عن شئ يكون إلا نبأتكم به، فقام إليه سعد بن أبي

 

(1) امالي الشيخ: 108 و 109. (2) تلبب للقتال: تشمر وتحزم (3) أي قال ابو الطفيل. (4) امالي الشيخ: 144. وقد أوردها المصنف في باب معجزات كلامه عليه السلام عن المناقب مع توضيحه، راجع ج 41 ص 314. (5) امالي الشيخ: 221. (6) قرب الاسناد: 167. (7) في المصدر: عبيدالله السمين.

 

[147]

وقاص فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة، فقال له: أما والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول الله صلى الله عليه واله أنك ستسألني عنها، وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس، وإن في بيتك لسخلا يقتل الحسين ابني، وعمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه (1). 7 - شا، يج: روي أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال بذي قار وهو جالس لاخذ البيعة: يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل، لا يزيدون رجلا ولا ينقصون رجلا يبايعوني على الموت، قال ابن عباس: فجزعت لذلك وخفت أن ينقص القوم من لعدد أو يزيدوا عليه فيفسد الامر علينا، وإني احصي القوم فاستوفيت (2) عددهم تسع مائة رجل وتسعة وتسعين رجلا، ثم انقطع مجيئ القوم فقلت: إنا لله و إنا إليه راجعون، ماذا حمله على ما قال ؟ فبينما أنا مفكر في ذلك إذ رأيت شخصا قد أقبل حتى دنا، وهو رجل عليه قباء صوف ومعه سيف وترس وإداوة. فقرب من أمير المؤمنين عليه السلام فقال: امدد يديك لابايعك، قال علي عليه السلام: وعلى ما تبايعني ؟ قال: على السمع والطاعة والقتال بين يديك حتى أموت أو يفتح الله عليك، فقال: ما اسمك ؟ فقال: اويس، قال: أنت اويس القرني ؟ قال: نعم، قال: الله أكبر فإنه أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه واله أني أدرك رجلا من امته يقال له اويس القرني، يكون من حزب الله ورسوله، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر، قال ابن عباس: فسري عنا (3). 8 - يج: من معجزاته عليه السلام أنه لما بلغه ما صنع بشر بن أرطاة باليمن قال عليه السلام: اللهم إن بشرا باع دينه بالدنيا، فاسلبه عقله، فبقي بشر حتى اختلط، فاتخذ له سيف من خشب يلعب به حتى مات. ومنها قوله عليه السلام لجويرية بن مسهر: لتعتلن

 

(1) امالي الصدوق: 81. ودرج الصبى: مشى. (2) في الارشاد: فيفسد الامر علينا، ولم أزل مهموما دأبي احصاء القوم حتى ورد أوائلهم فجعلت احصيهم فاستوفيت اه‍. (3) الارشاد: 149 ولم نجده والروايات الثلاثة المنقولة بعده عن الخرائج في المطبوع منه.

 

[148]

إلى العتل الزنيم، وليقطعن يدك ورجلك، ثم ليصلبنك، ثم مضى دهر حتى ولي زياد في أيام معاوية، فقطع يده ورجله ثم صلبه. 9 - يج: روى طلحة بن عميرة قال: نشد علي عليه السلام الناس في قول النبي صلى الله عليه واله " من كنت مولاه فعلي مولاه " فشهد اثنا عشر رجلا من الانصار وأنس بن مالك حاضر لم يشهد، فقال علي عليه السلام: يا أنس ما منعك أن تشهد وقد سمعت ما سمعوا ؟ قال: كبرت ونسيت، فقال له عليه السلام، [اللهم] إن كان كاذبا فاضربه ببياض أو بوضح لا تواريه العمامة، قال أبو عميرة: فأشهد بالله لقد رأيته (1) بيضاء بين عينيه. 10 - يج: روي عن زيد بن أرقم قال: نشد علي عليه السلام الناس في المسجد فقال: أنشد رجلا سمع من النبي صلى الله عليه واله يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " فقام اثنا عشر بدريا ستة من الجانب الايمن وستة من الجانب الايسر فشهدوا بذلك، قال زيد وكنت فيمن سمع ذلك فكتمته، فذهب الله ببصري، وكان يتندم على ما فاته من الشهادة ويستغفر. 11 - شا: روى العلماء أن جويرية بن مسهر وقف على باب القصر فقال: أين أمير المؤمنين ؟ فقيل له: نائم، فنادى: أيها النائم استيقظ، فوالذي نفسي بيده لتضربن ضربة على رأسك تخضب منها لحيتك كما أخبرتنا بذلك من قبل، فسمعه أمير المؤمنين عليه السلام فنادى: أقبل يا جويرية حتى احدثك بحديثك، فأقبل فقال: أنت والذي نفسي بيده لتعتلن إلى العتل الزنيم، وليقطعن يدك ورجلك، ثم لتصلبن تحت جذع كافر، فمضى على ذلك الدهر حتى ولي زياد في أيام معاوية فقطع يده ورجله، ثم صلبه إلى جذع ابن معكبر، وكان جذعا طويلا، فكان تحته (2). 12 - شا: روى جرير عن المغيرة قال: لما ولي الحجاج طلب كميل بن زياد، فهرب منه، فحرم قومه عطاهم، فلما رأى كميل ذلك قال: أنا شيخ كبير و

 

(1) في (م و (خ): رأيتها. (2) الارشاد: 152. وفيه ابن مكعبر.

 

[149]

قد نفد عمري لا ينبغي أن أحرم قومي (1) عطاهم، فخرج فدفع بيده إلى الحجاج فلما رآه قال له: لقد كنت احب أن أجد عليك سبيلا، فقال له كميل: لا تصرف علي أنيابك ولا تهدم علي، فوالله ما بقي من عمري إلا مثل كواهل الغبار، فاقض ما أنت قاض، فإن الموعد الله، وبعد القتل الحساب، ولقد خبرني أمير المؤمنين عليه السلام أنك قاتلي، فقال (2) له الحجاج: الحجة عليك إذا، فقال له كميل: ذاك إذا كان القضاء إليك، قال: بلى قد كنت فيمن قتل عثمان بن عفان، اضربوا عنقه فضربت عنقه (3). بيان: الصريف: صوت ناب البعير. وتهدم عليه غضبا: توعده، وكواهل الغبار: أوائله، شبه عمره في سرعة انقضائه بالغبار وبقيته بأوائله، فإن مقدم الغبار يحدث بعد مؤخره ويسكن بعده، أو شبه بقية العمر في سرعة انقضائه بأول ما يحدث من الغبار، فإنه يسكن قبل ما يحدث آخرا، والاول أبلغ وأكمل. 13 - شى: عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن رجل من الانصار قال: خرجت أنا والاشعث الكندي وجرير البجلي حتى إذا كنا بظهر الكوفة بالفرس مر بنا ضب، فقال الاشعث وجرير: السلام عليك يا أمير المؤمنين - خلافا على علي بن أبي طالب عليه السلام - - فلما خرج الانصاري قال لعلي عليه السلام، فقال علي عليه السلام: دعهما فهو إمامهما يوم القيامة، أما تسمع إلى الله وهو يقول: " نوله ما تولى " (4). 14 - شى: عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاء رجل إلى أبي فقال: ابن عباس يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن في أي يوم نزلت وفيمن نزلت، قال: فسله فيمن نزلت: " ومن كان في هذه أعمى فهو في

 

(1) أي اسبب حرمانهم. وفى (ك): قوما. (2) في المصدر: قال: فقال. (3) الارشاد: 154 و 155. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 275، والاية في سورة النساء: 114.

 

[150]

الآخرة أعمى وأضل سبيلا " (1) وفيمن نزلت: " ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم " (2) وفيمن نزلت: " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا (3) " فأتاه الرجل، فغضب وقال: وددت أن الذي أمر بهذا واجهني فاسائله، ولكن سله: ما العرش ؟ ومتى خلق ؟ وكيف هو ؟ فانصرف الرجل إلى أبي فقال ما قال، فقال: وهل أجابك في الآيات ؟ قال: لا، قال لكني اجيبك فيها بنور وعلم غير المدعي ولا المنتحل، أما الاوليان فنزلتا فيه وفي أبيه وأما الاخرى فنزلت في أبي وفينا، ولم يكن الرباط الذي أمرنا به بعد، وسيكون من نسلنا المرابط ومن نسله المرابط (4). 15 - كش: جعفر بن معروف، عن ابن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام مثله، وزاد في آخره بعد الجواب عن سؤال العرش على ما سيأتي: أما إن في صلبه وديعة لقد ذرئت لنار جهنم، سيخرجون أقواما من دين الله أفواجا كما دخلوا فيه، وستصبغ الارض من دماء (5) الفراخ من فراخ آل محمد صلى الله عليه واله تنهض تلك الفراخ في غير وقت وتطلب غير ما تدرك، ويرابط الذين آمنوا ويصبرون لما يرون حتى يحكم الله و هو خير الحاكمين (6). 16 - كش: نصر بن الصباح، عن ابن عيسى، عن الاهوازي، عن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الجارود قال: قلت للاصبغ بن نباتة: ما كان منزلة هذا الرجل فيكم ؟ قال: ما أدري ما تقول إلا أن سيوفنا كانت على عواتقنا، فمن أومأ إلينا

 

(1) سورة بنى اسرائيل: 72. (2) سورة هود: 34. (3) سورة آل عمران: 200. (4) تفسير العياشي: ج 2 ص 305. (5) في المصدر: بدماء. (6) معرفة اخبار الرجال: 36 و 37.

 

[151]

ضربناه بها، وكان يقول لنا: تشرطوا (1) فوالله ما اشتراطكم لذهب ولا فضة وما اشتراطكم إلا للموت، إن قوما من قبلكم من بني إسرائيل تشارطوا بينهم فما مات أحد منهم حتى كان نبي قومه أو نبي قريته أو نبي نفسه، وإنكم لبمنزلتهم غير أنكم لستم بأنبياء (2). بيان: قال الجزري: شرط السلطان: نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده، وفي حديث ابن مسعود " وتشرط شرطة للموت لا يرجعون إلا غالبين " الشرطة: أول طائفة من الجيش تشهد الوقعة (3) وقال الفيروز آبادي: الشرطة بالضم: هم أول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت، وطائفة من أعوان الولاة، سموا بذلك لانهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها (4). 17 - كش: محمد بن مسعود العياشي وأبو عمرو بن عبد العزيز، قالا: حدثنا محمد بن نصير، عن محمد بن عيسى، عن أبي الحسن الغزالي (5) عن غياث الهمداني، عن بشر بن عمرو الهمداني قال: مر بنا أمير المؤمنين عليه السلام فقال: البثوا في هذه الشرطة، فوالله لا تلي بعدهم إلا شرطة النار إلا من عمل بمثل أعمالهم (6). 18 - كش: روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لعبدالله بن يحيى الحضرمي يوم الجمل: ابشر ابن يحيى فإنك وأبوك من شرطة الخميس حقا، لقد أخبرني رسول الله صلى الله عليه واله باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس، والله سماكم شرطة الخميس على لسان نبيه صلى الله عليه واله، وذكر أن شرطة الخميس كانوا ستة آلاف رجل أو خمسة آلاف (7).

 

(1) في المصدر و (خ): تشرطوا تشرطوا. (2) معرفة اخبار الرجال: 3 و 4. (3) النهاية 2: 213. (4) القاموس 2: 368. (5) في المصدر: العرنى. (6 و 7) معرفة اخبار الرجال: 4. (*)

 

[152]

بيان: الخميس: الجيش، سمي به لانه مقسوم بخمسة أقسام: المقدمة و الساقة والميمنة والميسرة والقلب. 19 - كش: ذكر هشام عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان علي بن أبي طالب عليه السلام عندكم بالعراق يقاتل عدوه ومعه أصحابه، وما كان فيهم خمسون رجلا يعرفونه حق معرفته وحق معرفة إمامته (1). 20 - كش: حمدويه وإبراهيم معا، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى عن عاصم بن حميد، عن سلام بن سعيد، عن عبد الله بن عبدياليل [عن] رجل من أهل الطائف قال: أتينا ابن عباس رحمة الله عليهما نعوده في مرضه الذي مات فيه، قال: فأغمي عليه في البيت، فاخرج إلى صحن الدار، قال: فأفاق فقال: إن خليلي رسول الله صلى الله عليه واله قال: إنى سأهجر هجرتين، وإني سأخرج من هجرتي، فهاجرت هجرة مع رسول الله صلى الله عليه واله وهجرة مع علي عليه السلام، وإني سأعمى فعميت، وإني سأغرق فأصابني حكة (2) فطر حني أهلي في البحر فغفلوا عني فغرقت، ثم استخرجوني بعد، وأمرني أن أبرأ من خمسة: من الناكثين وهم أصحاب الجمل، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام، ومن الخوارج وهم أهل النهروان، ومن القدرية وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم فقالوا: لا قدر، ومن المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم فقالوا: الله أعلم. قال: ثم قال: اللهم إني أحيا على ما حي عليه علي بن أبي طالب عليه السلام وأموت على ما مات عليه علي بن أبي طالب عليه السلام قال: ثم مات، فغسل وكفن ثم صلي على سريره، قال: فجاء طائران أبيضان فدخلا في كفنه، فرأى الناس أنما هو فقهه، فدفن (3). 21 - كش: علي بن زياد الصائع، عن عبد العزيز بن محمد، عن خلف المخزومي عن سفيان بن سعيد، عن الزهري قال: سمعت الحارث يقول: استعمل علي عليه السلام

 

(1) معرفة أخبار الرجال: 4 وفيه: حق معرفته امامته. (2) الحكة - بالكسر -: علة توجب الحكاك كالجرب. (3) معرفة اخبار الرجال: 38.

 

[153]

على البصرة عبد الله بن عباس، فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة، ولحق بمكة وترك عليا، وكان مبلغه ألفي ألف درهم، فصعد علي عليه السلام المنبر حين بلغه ذلك فبكى فقال: هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه واله في عمله وقدره يفعل مثل هذا، فكيف يؤمن من كان دونه ؟ اللهم إني قد مللتهم فأرحني منهم، واقبضني إليك غير عاجز ولا ملول. قال الكشي: شيخ (1) من اليمامة يذكر عن معلى بن هلال عن الشعبي قال: لما احتمل عبد الله بن عباس بيت مال البصرة وذهب به إلى الحجاز كتب إليه علي بن أبي طالب عليه السلام: من عبد الله علي بن أبي طالب إلى عبد الله بن عباس، أما بعد فإني قد كنت أشركتك في أمانتي ولم يكن أحد من أهل بيتي في نفسي أوثق منك لمواساتي ومؤازرتي وأداء الامانة إلي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب والعدو عليه قد حرب وأمانة الناس قد عزت (2) وهذه الامور قد فشت قلبت لابن عمك ظهر المجن (3) وفارقته مع المفارقين وخذلته أسوأ خذلان الخاذلين، فكأنك لم تكن تريد الله بجهادك، وكأنك لم تكن على بينة من ربك، وكأنك إنما كنت تكيد امة محمد صلى الله عليه وآله على دنياهم، وتنوي غر ؟ ؟، فلما أمكنتك الشدة في خيانة امة محمد صلى الله عليه وآله أسرعت الوثبة، وعجلت العدوة فاختطفت ما قدرت عليه اختطاف الذئب الازل دامية المعزى الكسيرة (4) كأنك - لا أبا لك - إنما جررت إلى أهلك تراثك من أبيك وامك. سبحان الله أما تؤمن بالمعاد ؟ أو ما تخاف من سوء الحساب ؟ أو ما يكبر عليك أن تشتري الاماء وتنكح

 

(1) في المصدر: قال شيخ. (2) عن الشئ: قل فكاد لا يوجد. وفى النهج: قد خزيت. (3) المجن: الترس. وسيأتى توضيح الجملة فيما ينقله عن النهج. (4) الذئب الازل: السريع الخفيف الوركين وذلك اشد لعدوه واسرع لوثبته. والدامية: شجة تدمى والمعزى: المعز. أي اختطفت على بيت المال كاختطاف الذئب السريع على المعزى المجروحة والمكسورة الرجل بحيث لا تقدر على الدفاع والهرب.

 

[154]

النساء بأموال الارامل والمهاجرين الذين أفاء الله عليهم هذه البلاد ؟ اردد إلى القوم أموالهم، فوالله لئن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لاعذرن الله فيك، والله فوالله لو أن حسنا وحسينا فعلا مثل الذي فعلت لما كان لهما عندي في ذلك هوادة (1) ولا لواحد منهما عندي فيه رخصة، حتى آخذ الحق وازيح الجور عن مظلومها والسلام (2). قال: فكتب إليه عبد الله بن عباس: أما بعد فقد أتاني كتابك تعظم علي إصابة المال الذي أخذته من بيت مال البصرة، ولعمري إن لي في بيت مال الله أكثر مما أخذت والسلام. قال: فكتب إليه علي بن أبي طالب عليه السلام: أما بعد فالعجب كل العجب من تزيين نفسك أن لك في بيت مال الله أكثر من مال (3) رجل من المسلمين ! فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل وادعاؤك ما لا يكون ينجيك من الاثم، ويحل لك ما حرم الله عليك، عمرك الله إنك لانت العبد المهتدي إذن، فقد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا، وضربت بها عطنا، تشتري مولدات مكة والطائف، تختارهن على عينيك، وتعطي فيهن مال غيرك، وإني لاقسم بالله ربي وربك رب العزة ما يسرني أن ما أخذت من أموالهم لي حلال أدعه لعقبي ميراثا، فلا غرور (4) أشد باغتباطك تأكله (5) رويدا رويدا، فكأن قدن بلغت المدى (6) وعرضت على ربك المحل الذي يتمنى الرجعة المضيع للتوبة لذلك (7)، وما ذلك ولات حين مناص والسلام. قال: فكتب إليه عبد الله بن عباس: أما بعد فقد أكثرت علي ! فوالله لئن

 

(1) الهوادة: اللين والرفق. (2) في (ك): مظلومهما. (3) في المصدر: أكثر مما اخذت واكثر من مال اه‍. (4) في المصدر: فلا غرو. (5) في (ك): بأكله. (6) المدى: الغاية والمنتهى. (7) في المصدر: كذلك.

 

[155]

ألقى الله بجميع ما في الارض من ذهبها وعقيانها أحب إلي [من] أن ألقى الله بدم رجل مسلم (1). 22 - يل، فض: روي عن رسول الله صلى الله عليه واله أنه كان يقول: تفوح روائح الجنة من قبل قرن، واشوقاه إليك يا اويس القرني (2) ألا ومن لقيه فليقرأه مني السلام، فقيل يا رسول الله: ومن اويس القرني فقال صلى الله عليه واله: إن غاب عنكم لم تفتقدوه، وإن ظهر لكم لم تكترثوا به، يدخل الجنة في شفاعته مثل ربيعة ومضر، يؤمن بي ولايراني، ويقتل بين يدي خليفتي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في صفين. (3) 23 - يل، فض: بالاسناد يرفعه إلى سليم بن قيس أنه قال: لقيت سعد بن أبي وقاص فقلت: إني سمعت عليا عليه السلام يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: اتقوا فتنة الاخنس، اتقوا فتنة سعد، فإنه يدعو إلى خذلان الحق وأهله، فقال: سعد: اللهم إني أعوذ بك أن أبغض عليا أو يبغضي، أو اقاتل عليا أو يقاتلني، أو اعادي عليا أو يعاديني، إن عليا كان له خصال لم يكن لاحد من الناس مثلها، إنه صاحب براءة، حتى قال رسول الله صلى الله عليه واله: لا يبلغ عني إلا رجل مني، وقال له يوم تبوك: أنت وصيي أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة، ويوم أمر بسد الابواب إلى المسجد ولم يبق غير بابه فسأل عمر أن يجعل له روزنة صغيرة قدر عينيه، فأبى رسول الله قال: (4) فعند ذلك قال: سددت أبوابنا وتركت باب علي ؟ فقال: ما سددتها لكم أنا ولا فتحت بابه ولكن الله سدها وفتح بابه ويوم آخى رسول الله بين الصحابة كل رجل مع صاحبه وبقي هو فآخاه من نفسه وقال له: أنت أخي وأنا

 

(1) معرفة اخبار الرجال: 40 - 0 42 وأورد السيد الرضى رحمه الله الرسالة الاولى و قال في اوله " ومن كتاب له عليه السلام إلى بعض عماله ". وذكر عبد الحميد بن أبى الحديد في شرح النهج جوابه إلى أمير المؤمنين عليه السلام والرسالة الثانية وجوابها أيضا مع اختلافات لما في " كش "، وقال: قد اختلف الناس في المكتوب إليه هذا الكتاب فقال الاكثرون: انه عبد الله ابن عباس وقال آخرون وهم الاقلون: هو عبيدالله بن عباس. وسيأتى نقله بعيد هذا. (2) في (ك): يا اويس القرن. (3) الفضائل: 111 و 112. الروضة: 6. (4) ليست هذه الكلمة في الروضة.

 

[156]

أخوك في الدنيا والآخرة. ويوم خيبر حين انهزم أبو بكر وعمر فغضب رسول الله صلى الله عليه واله وقال: ما بال قوم يلقون المشركين ثم يفرون ؟ لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار، يفتح الله على يديه، فلما كان من الغد قال رسول الله صلى الله عليه واله: علي بعلي، فجاءه أرمد العين، فوضع كريمه (1) في حجره وتفل في عينيه، وعقد له راية ودعا له، فما انثنى حتى فتح خيبرا، وأتاه بصفية بنت حيي بن أخطب، فأعتقها رسول الله صلى الله عليه واله ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها، وأعظم من ذلك يوم غدير خم أخذ رسول الله صلى الله عليه واله بيده وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب والحر العبد (2). 24 - ضه: قال النبي صلى الله عليه واله ذات يوم لاصحابه: ابشروا برجل من امتي يقال له: اويس القرني، فإنه يشفع بمثل ربيعة ومضر، ثم قال لعمر: يا عمر إن أدركته فاقرأه مني السلام، فبلغ عمر مكانه بالكوفة، فجعل يطلبه في الموسم لعله أن يحج حتى وقع إليه هو وأصحابه وهو من أحسنهم (3) هيئة وأرثهم حالا، فلما سأل عنه أنكروا ذلك وقالوا: يا أمير المؤمنين تسأل عن رجل لا يسأل عنه مثلك، قال: فلم، قالوا لانه عندنا مغمور في عقله ! وربما عبث به الصبيان، قال عمر: ذلك أحب إلي، ثم وقف عليه فقال: يا اويس إن رسول الله صلى الله عليه وآله أودعني إليك رسالة وهو يقرأ عليك السلام وقد أخبرني أنك تشفع بمثل ربيعة ومضر فخر اويس ساجدا ومكث طويلا ما ترقى له دمعة (4)، حتى ظنوا أنه مات، و نادوه: يا اويس هذا أمير المؤمنين، فرفع رأسه ثم قال: يا أمير المؤمنين أفاعل ذلك قال: نعم يا اويس، فأدخلني في شفاعتك، فأخذ الناس في طلبه والتمسح به، فقال يا أمير المؤمنين شهرتني وأهلكتني، وكان يقول: كثيرا ما لقيت من عمر، ثم قتل

 

(1) في (ك): كريميه. والظاهر: كريمته. والمراد رأسه. (2) الروضة: 23 و 24. ولم نجده في الفضائل المطبوع. (3) أخشنهم: ظ. (4) في المصدر: دعوة خ ل.

 

[157]

بصفين في الرجالة مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. (1) 25 - نبه: حكي أن مالك بن الاشتر (2) رضي الله عنه كان مجتازا بسوق وعليه قميص خام وعمامة منه، فرآه بعض السوقة فأزرى (3) بزيه فرماه ببابه (4) تهاونا به فمضى ولم يلتفت، فقيل له: ويلك تعرف لمن رميت ؟ (5) فقال: لا، فقيل له: هذا مالك صاحب أمير المؤمنين عليه السلام، فارتعد الرجل ومضى ليعتذر إليه، (6) وقد دخل مسجدا وهو قائم يصلي، فلما انفتل انكب الرجل على قدميه يقبلهما، فقال: ما هذا الامر ؟ فقال: أعتذر إليك مما صنعت، فقال: لا بأس عليك فوالله ما دخلت المسجد إلا لاستغفرن لك. (7) 26 - نبه: الاحنف (8): شكوت إلى عمي صعصعة وجعا في بطني، فنهرني ثم قال: يا ابن أخي إذا نزل بك شئ فلا تشكه إلى أحد، فإن (9) الناس رجلان: صديق تسوؤه وعدو تسره، والذي بك لا تشكه إلى مخلوق مثلك لا يقدر على دفع مثله عن نفسه، ولكن إلى من ابتلاك به، فهو قادر أن يفرج عنك، يا ابن أخي إحدى عيني هاتين ما أبصر بها سهلا ولا جبلا منذ أربعين سنة وما اطلع على ذلك امرأتي ولا أحد من أهلي !. (10)

 

(1) روضة الواعظين: 248. (2) في المصدر: مالكا الاشتر. (3) أي عابه وفى المصدر " ازدرى " أي تهاون. (4) كذا في النسخ، وفى المصدر " ببندقة " والبندق: كل ما يرمى به من رصاص كروي وسواه. (5) في المصدر: اتدرى بمن رميت. (6) في المصدر ومضى إليه ليعتذر منه. (7) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 1: 2. (8) في المصدر: عن الاحنف. (9) في المصدر: إلى احد مثلك، فانما اه‍. (10) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 1: 57. (*)

 

[158]

27 - كا: محمد بن أبي عبد الله ومحمد بن الحسن، عن سهل ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، جميعا عن الحسن بن العباس (1) عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: بينا أبي جالس عليه السلام وعنده نفر إذا استضحك حتى اقرورقت عيناه دموعا، ثم قال: هل تدرون ما أضحكني ؟ قال: فقالوا: لا، قال: زعم ابن عباس أنه من الذين قالوا: " ربنا الله ثم استقاموا " فقلت له: هل رأيت الملائكة يا ابن عباس تخبرك بولايتها لك في الدنيا والآخرة مع الامن من الخوف والحزن ؟ قال: فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول: " إنما المؤمنون إخوة " (2) وقد دخل في هذا جميع الامة، فاستضحكت ثم قلت: صدقت يا ابن عباس أنشدك الله هل في حكم الله جل ذكره اختلاف ؟ قال: فقال: لا، فقلت: ما ترى في رجل ضرب رجلا أصابعه بالسيف حتى سقطت، ثم ذهب وأتى رجل آخر فأطار كفه فأتى به إليك وأنت قاض كيف أنت صانع به ؟ قال: أقول لهذا القاطع: أعطه دية كفه وأقول: لهذا المقطوع: صالحه على ما شئت، وأبعث به إلى ذوي عدل، قلت: جاء الاختلاف في حكم الله عز ذكره ونقضت القول الاول أبى الله عز ذكره أن يحدث في خلقه شيئا من الحدود، فليس (3) تفسيره في الارض، اقطع قاطع الكف أصلا ثم أعطه دية الاصابع هكذا حكم الله ليلة

 

(1) الحسن بن العباس بن الحريش الرازي ضعيف جدا عنونه العلامة في القسم الثاني من الخلاصة والنجاشى في رجاله وقال: " ضعيف جدا، له كتاب انا انزلناه في ليلة القدر وهو كتاب ردى الحديث مضطرب الالفاظ " وفي جامع الرواة 1: 205 " قال ابن الغضائري: هو ابو محمد ضعيف روى عن ابى جعفر الثاني عليه السلام فضل انا انزلناه كتابا مصنفا فاسد الالفاظ تشهد مخائله على انه موضوع، وهذا الرجل لا يلتفت إليه ولا يكتب حديثه. " اقول: قد افرد الكليني رحمه الله لما نقله الرجل في شأن انا انزلناه بابا في كتابه الكافي راجع ج 1: 242 - 253 لكن امارات الوضع والخطاء تلوح من الاضطرابات الواقعة في طيات رواياته، ولاجل ذلك لم نتعمق في بيان هذه الرواية وان كان بعض جملاتها آبيا عن البيان والتوضيح لكثرة اضطرابها. (2) سورة الحجرات: 10. (3) في المصدر: وليس.

 

[159]

ينزل فيها أمره، إن جحدتها بعد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه واله فأدخلك الله النار كما أعمى بصرك يوم جحدتها علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: فلذلك عمي بصري، قال: وما علمك بذلك فوالله إن عمي بصري إلا من صفقة جناح الملك، قال: فاستضحكت ثم تركته يومه ذلك لسخافة عقله، ثم لقيته فقلت: يا ابن عباس ما تكلمت بصدق مثل أمس، قال لك علي بن أبي طالب عليه السلام: إن ليلة القدر في كل سنة، وإنه ينزل في تلك الليلة أمر تلك السنة، وإن لذلك الامر ولاة بعد رسول الله صلى الله عليه واله فقلت: من هم ؟. فقال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون، فقلت: لا أراها كانت إلا مع رسول الله فتبدا لك الملك الذي يحدثه ؟ فقال: كذبت يا عبد الله، رأت عيناي الذي حدثك به علي ولم تره عيناه ولكن وعا قلبه ووقر في سمعه ثم صفقك بجناحيه فعميت ! قال: فقال ابن عباس: ما اختلفنا في شئ فحكمه إلى الله، فقلت له: فهل حكم الله في حكم من حكمه بأمرين ؟ قال: لا، فقلت: هيهنا هلكت وأهلكت. (1) 28 - كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كبر رسول الله صلى الله عليه واله على حمزة سبعين تكبيرة، وكبر علي عليه السلام عندكم على سهل بن حنيف خمسا (2) وعشرين تكبيرة، قال: كبر خمسا خمسا، كلما أدركه الناس قالوا: يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل فيضعه فيكبر عليه خمسا حتى انتهى إلى قبره خمس مرات (3). 29 - كا: علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد رفعه قال: جاء أمير المؤمنين عليه السلام إلى الاشعث بن قيس يعزيه بأخ له يقال له عبد الرحمن، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام إن جزعت فحق الرحم أتيت، وإن صبرت فحق الله أديت، على أنك إن صبرت جرى

 

(1) اصول الكافي (الجزء الاول من الطبعة الحديثة): 247 و 248. (2) في المصدر: خمسة. (3) فروع الكافي (الجزء الثالث من الطبعة الحديثة): 186

 

[160]

عليك القضاء وأنت ممدوح، (1) وإن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مذموم، فقال له الاشعث: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال أمير المؤمنين عليه السلام. أتدري ما تأويلها ؟ فقال له الاشعث: أنت غاية العلم ومنتهاه، فقال: أما قولك: " إنا لله " فإقرار منك بالملك، وأما قولك: " وإنا إليه راجعون " فإقرار منك بالهلاك (2). 30 - كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن حديد، عن مرازم بن حكيم، عمن رفعه إليه قال: إن حارث (3) الاعور أتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين احب أن تكرمني بأن تأكل عندي، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: علي أن لا تتكلف لي شيئا، ودخل فأتاه الحارث بكسرة، فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يأكل فقال له الحارث: إن معي دراهم - وأظهرها وإذا هي في كمه - فإن أذنت لي اشتريت لك (4) فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: هذه مما في بيتك (5). 31 - كا: أحمد بن محمد العاصمي، عن محمد بن أحمد النهدي، عن محمد بن علي عن شريف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتت الموالي أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا: نشكوا إليك هؤلاء العرب، إن رسول الله صلى الله عليه واله كان يعطينا معهم العطايا بالسوية، وزوج سلمان وبلال وصهيب (6) وأبوا علينا هؤلاء وقالوا: لا نفعل، فذهب إليهم أمير المؤمنين عليه السلام فكلمهم فيهم، فصاح الاعاريب: أبينا ذلك يا أبا الحسن أبينا ذلك فخرج وهو مغضب يجر رداءه وهو يقول: يا معشر الموالي إن هؤلاء قد صيروكم بمنزلة اليهود والنصارى، يتزوجون إليكم ولا يزوجونكم ولا يعطونكم مثل ما يأخذون، فاتجروا بارك الله لكم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله

 

(1) في المصدر و (خ): محمود. (2) فروع الكافي (الجزء الثالث من الطبعة الحديثة) 261. (3) في المصدر: ان حارثا الاعور. (4) في المصدر: اشتريت لك شيئا غيرها. (5) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 276. (6) في المصدر: وزوج سلمان وبلالا وصهيبا.

 

[161]

يقول: الرزق عشرة أجزاء، تسعة أجزاء في التجارة وواحدة في غيرها (1). 32 - كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتى قوم أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا: السلام عليك يا ربنا، فاستتابهم فلم يتوبوا، فحفر لهم حفيرة وأوقد فيها نارا، وحفر حفيرة إلى جانبها اخرى (2) وأفضى بينهما، فلما لم يتوبوا ألقاهم في الحفيرة وأوقد في الحفيرة الاخرى حتى ماتوا (3). 33 - ختص: أحمد وعبد الله ابنا محمد بن عيسى وابن أبي الخطاب، جميعا عن ابن محبوب، عن الثمالي، عن سويد بن غفلة قال: كنت أنا عند أمير المؤمنين عليه السلام إذ أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين جئتك من وادي القرى وقد مات خالد بن عرفطة فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لم يمت (4) فأعاد عليه الرجل فقال له: لم يمت، وأعرض بوجهه عنه، فأعاد عليه الثالثة فقال: سبحان الله اخبرك أنه قد مات وتقول: لم يمت ! فقال علي عليه السلام: والذي نفسي بيده لا يموت حتى يقود جيش ضلالة يحمل رايته حبيب بن جماز، قال: فسمع حبيب (5) فأتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: أنشدك الله في فإني لك شيعة، وقد ذكرتني بأمر لا والله لا أعرفه من نفسي ! فقال له علي عليه السلام: ومن أنت ؟ قال: أنا حبيب بن جماز، فقال له علي عليه السلام: إن كنت حبيب بن جماز فلا يحملها غيرك - أو فلتحملنها - فولى عنه حبيب، وأقبل أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إن كنت حبيبا لتحملنها. قال أبو حمزة: فوالله ما مات خالد بن عرفطة حتى بعث عمر بن سعد إلى الحسين عليه السلام وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته و حبيب بن جماز صاحب رايته (6).

 

(1) فروع الكافي (الجزء الخامس من الطبعة الحديثة): 318 و 319. (2) في المصدر: وحفر حفيرة اخرى إلى جانبها. (3) فروع الكافي (الجزء السابع من الطبعة الحديثة) 257. (4) في المصدر: انه لم يمت. (5) في المصدر: فسمع ذلك حبيب بن جماز. (6) الاختصاص: 280.

 

[162]

قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: روى أنس بن عياض المدني قال: حدثني جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده عليهم السلام أن عليا عليه السلام كان يوما يؤم الناس وهو يجهر بالقراءة، فجهر ابن الكواء من خلفه " ولقد اوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين " (1) فلما جهر ابن الكواء من خلفه بها سكت علي عليه السلام، فلما أنهاها ابن الكواء عاد علي عليه السلام ليتم قراءته، فلما شرع علي عليه السلام في القراءة أعاد ابن الكواء الجهر بتلك (2) فسكت علي عليه السلام فلم يزالا كذلك يسكت هذا ويقرء ذاك مرارا، حتى قرأ علي عليه السلام " فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون (3) " فسكت ابن الكواء وعاد علي عليه السلام إلى قراءته (4). وقال في موضع آخر: ام محمد بن أبي بكر أسماء بنت عميس كانت تحت جعفر ابن أبي طالب، وهاجرت معه إلى الحبشة فولدت له هناك عبد الله بن جعفر الجواد ثم قتل عنها يوم مؤتة، فخلف عليها أبو بكر فأولدها محمدا، ثم مات عنها، فخلف عليها علي بن أبي طالب عليه السلام وكان محمد ربيبه وخريجه وجاريا عنده مجرى أولاده، و رضيع الولاء والتشيع مذ زمن الصبا، فنشأ عليه، فلم يكن يعرف أبا غير علي عليه السلام ولا يعتقد لاحد فضيلة غيره، حتى قال عليه السلام: محمد ابني من صلب أبي بكر، وكان يكنى أبا القاسم في قول ابن قتيبة، وقال غيره: بل كان يكنى أبا عبد الرحمن، و كان من نساك قريش، وكان ممن أعان في يوم الدار (5) واختلف هل باشر قتل عثمان أولا ومن ولد محمد القاسم بن محمد بن أبي بكر فقيه أهل الحجاز (6) وفاضلها، ومن

 

(1) سورة الزمر: 65. (2) في المصدر: بتلك الاية. (3) سورة الروم: 60. (4) شرح النهج 1: 264. (5) في المصدر: اعان على عثمان في يوم الدار. (6) ": فقيه الحجاز.

 

[163]

ولد القاسم عبد الرحمن من فضلاء قريش، ويكنى أبا محمد، ومن ولد القاسم أيضا ام فروة، تزوجها الباقر أبو جعفر محمد بن علي صلوات الله عليهما (1). أقول: قد أوردت قصة شهادته وفضائله في كتاب الفتن. وقال ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب: ولد محمد بن أبي بكر في عام حجة الوداع، فسمته عائشة محمدا، وكنته بعد ذلك أبا القاسم لما ولد له ولد سماه القاسم ولم تكن الصحابة ترى بذلك بأسا، ثم كان في حجر علي عليه السلام وقتل بمصر، و كان علي عليه السلام يثني عليه ويقرظه ويفضله، وكان لمحمد رحمه الله عبادة واجتهاد وكان ممن حصر عثمان ودخل عليه، فقال له: لو رآك أبوك لم يسره هذا المقام منك، فخرج وتركه، فدخل عليه بعده من قتله، قال: ويقال: إنه أشار إلى من كان معه فقتلوه (2). وقال ابن أبي الحديد في وصف كميل: هو كميل بن زياد بن نهيك بن هيثم بن سعد بن مالك بن حرب، من صحابة علي عليه السلام وشيعته وخاصته، وقتله الحجاج على المذهب فيمن قتل من الشيعة، وكان كميل عامل علي عليه السلام على هيت (3) و كان ضعيفا يمر عليه سرايا معاوية ينهب أطراف العراق فلا يردها، ويحاول أن يجبر ما عنده من الضعف بأن يغير على أطراف أعمال معاوية مثل قرقيسياء (4) وما يجري مجراها من القرى التي على الفرات، فأنكر أمير المؤمنين عليه السلام ذلك من فعله وقال: إن من العجز الحاضر أن يهمل العامل ما وليه ويتكلف ما ليس من تكليفه (5). وقال: روى المدائني قال: بينا معاوية يوما جالسا وعنده عمرو بن العاص

 

(1) شرح النهج 2: 32. (2) الاستيعاب 3: 328 و 329. (3) هيت بلدة على الفرات فوق الانبار، ذات نخل كثير وخيرات واسعة على جهة البرية في غربي الفرات، وبها قبر عبد الله بن المبارك. (4) قرقيسياء بلد على الخابور عند مصبه، وهى على الفرات فوق رحبة مالك بن طوق. (5) شرح النهج 4: 227.

 

[164]

إذ قال الآذن: قد جاء عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فقال عمرو: والله لاسوأنه اليوم، فقال معاوية: لا تفعل يا با عبد الله فإنك لا تنصف (1) منه، ولعلك أن تظهر لنا من مغبته (2) ما هو خفي عنا وما لا يجب (3) أن نعلمه منه، وغشيهم (4) عبد الله بن جعفر، فأدناه معاوية وقربه، فمال عمرو إلى بعض جلساء معاوية فنال من علي عليه السلام جهارا غير ساتر له، وثلبه ثلبا (5) قبيحا، فالتمع لون عبد الله بن جعفر واعتراه أفكل (6) حتى أرعدت خصائله، ثم نزل عن السرير كالفنيق، فقال له عمرو: مه يا باجعفر، فقال له عبد الله: مه لا ام لك، ثم قال: أظن الحلم ذل علي قومي * وقد يتجهل الرجل الحليم ثم حسر عن ذراعيه وقال: يا معاوية حتام نتجرع غيظك ؟ وإلى كم الصبر على مكروه قولك وسيئ أدبك وذميم أخلاقك ؟ هبلتك الهبول وأما يزجرك ذمام (7) المجالسة عن القدع لجليسك إذا لم يكن له حرمة من دينك ينهاك (8) عما لا يجوز لك، أما والله لو عطفتك أواصر الاحلام أو حاميت على سهمك من الاسلام ما أرعيت بني الاماء المتك والعبيد السك أعراض قومك، وما يجهل موضع الصفوة إلا أهل الجزة، وإنك لتعرف في رشاء قريش صفوة غرائرها، فلا يدعونك تصويب ما فرط من خطائك في سفك دماء المسلمين ومحاربة أمير المؤمنين عليه السلام إلى التمادي فيما قد وضح لك الصواب في خلافه، فاقصد لمنهج (9) الحق فقد طال عماك (10) عن

 

(1) في المصدر: لا تنتصف. (2) في المصدر: من منقبته. (3) في المصدر: ومالا نحب. (4) أي أتاهم. (5) ثلبه ثلبا: عابه ولامه. (6) الافكل: الرعدة. يقال " اخذه افكل " إذا ارتعد من خوف أو غضب. ويأتى توضيح بعض اللغات في البيان، ونحن نوضح ما لم يوضحه المصنف. (7) كذا في النسخ والمصدر: وفى (ك): زمام. (8) في المصدر: إذا لم تكن لك حرمة من دينك تنهاك. (9) في المصدر: المنهج الحق. (10) في المصدر: عمهك.

 

[165]

سبيل الرشد، وخبطك في بحور (1) ظلمة الغي، فإن أبيت أن لا تتابعا ؟ ؟ (2) في قبح اختيارك لنفسك فاعفنا عن سوء القالة فينا إذا ضمنا وإياك الندي، وشأنك وما تريد إذا خلوت، والله حسيبك، فوالله لو لا ما جعل الله لنا في يديك لما آتيناك. ثم قال: إنك إن كلفتني ما لم أطق ساءك ما سرك مني خلق (3). فقال معاوية: أبا جعفر (4) لغير الخطاء أقسمت عليك لتجلس، لعن الله من أخرج ضب صدرك من وجاره (5) محمول لك ما قلت، ولك عندنا ما أملت، فلو لم يكن مجدك ومنصبك لكان خلقك وخلقك شافعين لك إلينا، وأنت ابن ذي الجناحين وسيد بني هاشم. فقال عبد الله: كلا بل سيد بني هاشم حسن وحسين لا ينازعهما في ذلك أحد، فقال: أبا جعفر أقسمت عليك ما ذكرت حاجة لك إلا قضيتها كائنة ما كانت ولو ذهب (6) بجميع ما أملك، فقال: أما في هذا المجلس فلا، ثم انصرف فأتبعه معاوية بصرة وقال: والله لكأنه رسول الله مشيه وخلقه وخلقه، وإنه لمن مشكاته، ولوددت أنه أخي بنفيس ما أملك، ثم التفت إلى عمرو فقال: أبا عبد الله ما تراه منعه من الكلام معك ؟ قال: ما لا خفاء به عنك. قال: أظنك تقول: إنه هاب جوابك، لا والله ولكنه ازدراك واستحقرك ولم يرك للكلام أهلا، ما رأيت إقباله علي دونك ذاهبا نفسه عنك، فقال عمرو: فهل لك أن تسمع ما أعددته لجوابه ؟ قال معاوية: اذهب إليك أبا عبد الله فلا حين جواب سائر اليوم (7) ونهض معاوية و تفرق الناس. وروى المدائني أيضا قال: وفد عبد الله بن عباس على معاوية مرة، فقال معاوية لابنه يزيد ولزياد بن سمية وعتبة بن أبي سفيان ومروان بن الحكم وعمرو

 

(1) في المصدر: ديجور. (2) في المصدر: أن لا تتابعنا (3) في المصدر: من خلق. (4) في المصدر: يا أبا جعفر. (5) الضب: الحقد الخفى. الوجار: الحجر. (6) في المصدر: ولو ذهبت، (7) في المصدر: فلات حين جواب، فبما يرى اليوم.

 

[166]

ابن العاص والمغيرة بن شعبة وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن ام الحكم: إنه قد طال العهد لعبدالله بن عباس وما كان شجر بيننا وبينه وبين ابن عمه، ولقد كان نصبه للتحكيم فدفع عنه، فحركوه على الكلام لنبلغ حقيقة صفته، ونقف على كنه معرفته، ونعرف ما صرف عنا من شباحده، وزوى (1) عنا من دهاء رأيه، فربما وصف المرء بغير ما هو فيه، واعطي من النعت والاسم مالا يستحقه، ثم أرسل إلى عبد الله بن عباس، فلما دخل واستقر به المجلس ابتدأه ابن أبي سفيان فقال: يا ابن عباس ما منع عليا أن يوجه بك حكما ؟ فقال: أما والله لو فعل لقرن عمروا بصعبة من الابل يوجع كتفيه مراسها (2) ولاذهلت عقله وأجرضته بريقه، وقدحت في سويداء قلبه، فلم يبرم أمرا ولم ينقض رأيا (3) إلا كنت منه بمرأى و مسمع، فإن نكبه أدمت قواه (4) وإن أدمه قصمت عراه بعضب (5) مصقول لا يفل حده وأصالة رأي كمناخ الاجل لا ورز منه (6) أصدع به أديمه، وأفل (7) به شباحده وأستجد به عزائم المتقين (8) وازيح به شبه الشاكين (9). فقال عمرو بن العاص: هذا والله يا أمير المؤمنين نجوم أول الشر وافول آخر الخير، وفي حسمه قطع مادته، فبادره بالجملة (10) وانتهز منه الفرصة، واردع

 

(1) الشبا جمع الشباة: طرف الشئ وحده. وفى المصدر: وروى عنا. (2) المراس: الشدة والقوة، يقال " هو صعب المراس " أي ذو الشدة والقوة. (3) في المصدر: ولم ينفض ترابا. (4) سيأتي معناه عن المصنف. وفي المصدر: فان نكثه أرمت قواه وان أرمه فصمت عراه بغرب مقول لا يفل حده. (5) العضب: السيف القاطع. (6) كذا في النسخ. وفى المصدر: كمتاح الاجل لا وزر منه. (7) في (ك) و (ت): أقل. (8) كذا في النسخ. وفى المصدر: وأشحذ به عزائم المتقين. والصحيح المتيقنين. (9) في (ك) الناكثين خ ل. (10) في المصدر: بالحملة.

 

[167]

بالتنكيل به غيره، وشردبه من خلفه، فقال ابن عباس: يا ابن النابغة ضل والله عقلك، وسفه حلمك، ونطق الشيطان على لسانك، هلا توليت ذلك بنفسك يوم صفين حين دعيت إلى النزال وتكافح الابطال (1) وكثرت الجراح وتقصفت الرماح ؟ وبرزت إلى أمير المؤمنين مصاولا فانكفأ (2) نحوك بالسيف حاملا، فلما رأيت الكر آثر من الفر وقد أعددت حيلة السلامة قبل لقائه والانكفاء عنه بعد إجابة دعائه فمنحت (3) رجاء النجاة عورتك، وكشفت له خوف بأسه سوأتك، حذر أن (4) يصطلمك بسطوته، أو يلتهمك بحملته، ثم أشرت إلى معاوية (5) كالناصح له بمبارزته وحسنت له التعريض (6) لمكافحته، رجاء أن تكفي (7) مؤونته وتعدم صولته (8) فعلم غل صدرك وما ألحت عليه من النفاق أصلعك (9) وعرف مقر سهمك في غرضك فاكفف عضب لسانك (10) واقمع عوراء لفظك. فإنك لمن أسد خادر وبحر زاخر إن برزت (11) للاسد افترسك وإن عمت في البحر قمسك (12). فقال مروان بن الحكم: يا ابن عباس إنك لتصرف بنابك وتوري نارك، كأنك ترجو الغلبة وتؤمل العافية. ولولا حلم أمير المؤمنين عنكم لناولكم (13)

 

(1) كفح العدو، واجهه واستقبله. (2) أي مال (3) في المصدر: فمنحته. (4) في المصدر: حذرا ان يصطلمك. (5) كذا في (ك). وفى غيره من النسخ وكذا المصدر: على معاوية. (6) في المصدر: التعرض. (7) في المصدر: أن تكتفى. (8) في المصدر: صورته. (9) في المصدر: وما انحنت عليه من النفاق أضلعك. (10) في المصدر: غرب لسانك والغرب: الحدة. (11) في المصدر: تبرزت. (12) عام في الماء: سبح. والقمس بمعنى الغمس. (13) في المصدر: لتناولكم.

 

[168]

بأقصر أنامله فأوردكم منهلا بعيدا صدره، ولعمري لئن سطابكم ليأخذن بعض حقه منكم، ولئن عفا عن جرائركم فقديما ما نسب إلى ذلك، فقال ابن عباس: وإنك لتقول ذلك يا عدوالله وطريد رسول الله والمباح دمه والداخل بين عثمان ورعيته بما حملهم على قطع أوداجه وركوب أنتاجه (1) ؟ ! أما والله لو طلب معاوية ثاره لاخذك به، ولو نظر في أمر عثمان لوجدك أوله وآخره، وأما قولك لي: " إنك لتصرف بنابك وتوري نارك " فسل معاوية وعمروا يخبراك ليلة الهرير كيف ثباتنا للمثلات واستخفافنا بالمعضلات، وصدق جلادنا عند المصاولة، وصبرنا على اللاواء والمطاولة (2) ومصافحتنا بجباهنا السيوف المرهفة، ومباشرتنا بنحورنا حد الاسنة هل خمنا (3) عن كرائم تلك المواقف أم لم نبذل مهجنا للمتالف ؟ وليس لك إذ ذاك فيها مقام محمود ولا يوم مشهود ولا أثر معدود، وإنهما شهدا مالو شهدت لاقلقك، فاربع على ظلعك، ولا تعرض (4) لما ليس لك، فإنك كالمغرور في صفقة (5) لا يهبط برجل ولا يرقى بيد. فقال زياد: يا ابن عباس إني لاعلم ما منع حسنا وحسينا من الوفود معك على أمير المؤمنين إلا ما سولت لهما أنفسهما، وغرهما به من هو عند البأساء سلمهما (6) وأيم الله لو وليتهما لادأبا في الرحلة إلى أمير المؤمنين أنفسهما، ويقل (7) بمكانهما لبثهما، فقال ابن عباس: إذا والله يقصر دونهما باعك، ويضيق بهما ذراعك، ولو

 

(1) في المصدر: أثباجه. والثبج ما بين الكاهل إلى الظهر. (2) اللاواء: الشدة والمحنة. (3) خام يخيم عنه: جبن ونكص. وفى نسخ الكتاب " حمنا " بالمهملة ولكنه سهو. (4) في المصدر: ولا تتعرض. (5) في المصدر: كالمغروز في صفد. أي المشدود في قيد. (6) في المصدر: يسلمهما. (7) في المصدر: ولقل.

 

[169]

رمت ذلك لوجدت من دونهما فئة صدقا (1) صبرا على البلاء، لا يخيمون (2) عن اللقاء فلعركوك (3) بكلاكلهم، ووطؤوك بمناسمهم، وأوجروك مشق رماحهم وشفار سيوفهم ووخز أسنتهم حتى تشهد بسوء ما آتيت، وتتبين ضياع الحزم فيما جنيت فحذار حذار من سوء النية فتكافأ برد الامنية (4) وتكون سببا لفساد هذين الحيين بعد صلاحهما، وساعيا في اختلافهما بعد ايتلافهما، حيث لا يضرهما التباسك (5) ولا يغني عنهما إيناسك. فقال عبد الرحمن بن ام الحكم: لله در ابن ملجم، فقد بلغ الاجل (6) و أمن الوجل، وأحد الشفرة وألان المهرة وأدرك الثار ونفى العار، وفاز بالمنزلة العلياء ورقا الدرجة القصوى، فقال ابن عباس: أما والله لقد كرع (7) كأس حتفه بيده، وعجل الله إلى النار بروحه، ولو أبدى لامير المؤمنين صفحته لخالطه الفحل القطم والسيف الخذم، ولالعقه صابا (8) وسقاه سماما، وألحقه بالوليد وعتبة و حنظلة، فكلهم كان أشد منه شكيمة وأمضى عزيمة، ففرى بالسيف هامهم ورملهم بدمائهم، وفرى الذئاب أشلاءهم (9) وفرق بينهم وبين أحبائهم، اولئك حصب جهنم هم لها واردون، فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ؟ ولا غرو إن ختل ولا وصمة إن قتل فإنا لكما قال دريد بن الصمة شعر:

 

(1) الصدق - بضم الصاد والدال أو سكونها -: جمع الصدوق. والصبر - بضم الصاد و الباء -: جمع الصبور. (2) أي لا يجبنون. وفى نسخ الكتاب " لا يحتمون " ولكنه سهو. (3) عركه: دلكه. (4) في المصدر: فانها ترد الامنية. (5) في المصدر: ابساسك. (6) في المصدر: الامل. (7) كرع في الماء أو الاناء: مد عنقه وتناول الماء بفيه من موضعه. (8) أبدى له صفحته أي كاشفه. القطم - بالفتح فالكسر: الغضبان. الخذم: القاطع بالسرعة. وفى النسخ " الجزم " وكلاهما سهو. والصاب: عصير شجر مر. (9) جمع الشلو: العضو.

 

[170]

فإنا للحم السيف غير مكره * ونلحمه طورا وليس بذي مكر (1) يغار علينا واترين فيشتفى * بنا إن اصبنا أو نغير على وتر فقال المغيرة بن شعبة: أما والله لقد أشرت على علي بالنصيحة، فآثر رأيه و مضى على غلوائه (2) فكانت العاقبة عليه لا له، وإني لاحسب أن خلقه يعتدون لمنهجه، وقال (3) ابن عباس: كان والله أمير المؤمنين أعلم بوجوه الرأي ومعاقد الحزم وتصريف الامور من أن يقبل مشورتك فيما نهى الله عنه وعنف ؟ ؟ عليه قال سبحانه: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله (4) " إلى آخر الآية، ولقد وقفك على ذكر متين (5) وآية متلوة قوله تعالى: " وما كنت متخذ المضلين عضدا (6) " وهل كان يسوغ له أن يحكم في دماء المسلمين وفي المؤمنين من ليس بمأمون عنده ولا موثوق به في نفسه ؟ هيهات هيهات هو أعلم بفرض الله وسنة رسوله أن يبطن خلاف ما يظهر إلا للتقية، ولات حين تقية مع وضوح الحق وثبوت الجنان وكثرة الانصار، يمضي كالسيف المصلت في أمر الله موثرا لطاعة ربه والتقوى على آراء أهل الدنيا. فقال يزيد بن معاوية: يا ابن عباس إنك لتنطق بلسان طلق تنبئ عن مكنون قلب حرق، فاطو ما أنت عليه كشحا، فقد محا ضوء حقنا ظلمة باطلكم ! فقال ابن عباس: مهلا يزيد ! فوالله ما صفت القلوب لكم منذ تكدرت عليكم (7) ولا دنت بالمحبة

 

(1) كذا في النسخ والمصدر. والصحيح كما في شرح ديوان الحماسة ص 825 كذا: فانا للحم السيف غير نكيرة ونلحمه حينا وليس بذكرى نكر ودريد بن الصمة شاعر شجاع فارس من ذوى الرأى في الجاهلية، وشهد يوم حنين مع هوازن وهو شيخ كبير وقتل يومئذ فيمن قتل من المشركين. (2) الغلواء - بضم الغين وسكون اللام أو فتحها - الغلو. (3) في المصدر: يقتدون بمنهجه. فقال اه‍. (4) سورة المجادلة: 22. (5) في المصدر: مبين. (6) سورة الكهف: 51. (7) في المصدر: منذ تكدرت بالعداوة عليكم. (*)

 

[171]

لكم مذ بات (1) بالبغضاء عنكم، ولا رضيت اليوم منكم ما سخطت الامس من أفعالكم وإن بذل الايام يستقضي ما صدعنا ويسترجع (2) ما ابتز منا كيلا بكيل و وزنا بوزن، وإن تكن الاخرى فكفى بالله وليا لنا ووكيلا على المعتدين علينا. فقال معاوية: إن في نفسي منكم لحرارات (3) بني هاشم، وإن الخليق أن (4) ادرك فيكم الثار وأنفي العار ! فإن دمائنا قبلكم وظلامتنا فيكم، فقال ابن عباس والله إن رمت ذلك يا معاوية لتثيرن عليك أسدا مخدرة وأفاعي مطرقة، لا يفثأها (5) كثرة السلاح ولا يقصها (6) نكاية الجراح، يضعون أسيافهم على عواتقهم، يضربون قدما قدما من ناواهم، يهون عليهم نباح الكلاب وعواء الذئاب، لا يفاقون بوتر ولا يسبقون إلى كر، ثم ذكر: (7) قد وطنوا على الموت أنفسهم، وسمت بهم إلى العلياء هممهم، كما قالت الازدية: قوم إذا شهدوا الهياج فلا * ضرب ينهنههم ولا زجر (8) وكأنهم آساد غينة غرست (9) * وبل متونها القطر فلتكونن منهم بحيث أعددت ليلة الهرير للهرب فرسك، وكان أكبر همك سلامة حشاشة نفسك ! ولو لا طغام من أهل الشام وقوك بأنفسهم وبذلوا دونك مهجهم حتى إذا ذاقوا وخز الشفار وأيقنوا بحلول الدمار (10) رفعوا المصاحف مستجيرين

 

(1) في المصدر: إليكم مذ نأت اه‍. (2) في المصدر: وان تدل الايام نستقض ما شذ عنا ونسترجع اه‍. (3) في المصدر: نحزازات. وهى الوجع في القلب من غيظ ونحوه. (4) في المصدر: وانى لخليق. (5) فثأ الغضب: سكن حدته. وفثأ الشئ عنه: كفه وحبسه. (6) في المصدر: ولا تعضها. (7) في المصدر: ولا يسبقون إلى كريم ذكر. (8) نهنهه عن الشئ: كفه عنه وزجره. (9) كذا في النسخ. وفي المصدر: غرثت. أي جاعت. والغينة: الاشجار الملتفة بلا ماء. (10) الدمار: الهلاك.

 

[172]

بها وعائذين بعصمتها لكنت شلوا مطروحا بالعراء، تسفى عليك رياحها، ويعتورك ذئابها (1) وما أقول هذا اريد صرفك عن عزيمتك ولا إزالتك عن معقود نيتك لكن الرحم التي تعطف عليك والاوامر التي توجب صرف النصيحة إليك، فقال معاوية: لله درك يا ابن عباس، ما يكشف (2) الايام منك إلا عن سيف صقيل ورأي أصيل، وبالله لو لم يلد هاشم غيرك لما نقص عددهم، ولو لم يكن لاهلك سواك لكان الله قد كثرهم: ثم نهض، فقام ابن عباس وانصرف (3). توضيح: قال الفيروز آبادي: الخصيلة: القطعة من اللحم، أو لحم الفخذين والعضدين والذراعين أو كل عصبة فيها لحم غليظ، والجمع خصيل وخصائل (4). والفنيق: الفحل المكرم لا يؤذى لكرامته على أهله ولا يركب. وقدعه كمنعه: كفه. وفرسه: كبحه. والفحل: ضرب أنفه بالرمح (5) والاواصر جمع الاوصر وهو المرتفع من الارض، ويحتمل أن يكون تصحيف الاقاصر جمع الاقصر، أي الاحلام القصيرة فكيف طوالها. والمتك بالضم جمع المتكاء، وهي المفضاة أو الطويلة ما بين أسكتي فرجها (6). والسك لعله من قولهم " سكه " إذا اصطلم اذنيه، وفي بعض النسخ " المسك " يقال: رجل مسكة كهمزة (7) أي بخيل، أو هو الذي لا يعلق بشئ فيتخلص منه، والجمع مسك بضم الميم وفتح السين، ولعل المراد بأهل الجزة الذين يجزون أصواف الحيوانات، وهم أداني الناس والرشاء الحبل. و الغرائر جمع الغرارة التي تكون للتبن.

 

(1) اعتور القوم الشئ: تعاطوه وتداولوه: وفى المصدر: الذباب. (2) في المصدر: ما تكشف. (3) شرح النهج 2: 169 - 173. (4) القاموس 3: 368. (5) في هامش (ك): وذلك إذا كان غير كريم. (6) الاسكتان - بفتح الكاف وكسرها - شفر الرحم أو جانباه مما يلى شفريه أو قذتاه. (7) بضم الاول وفتح الثاني.

 

[173]

ويقال: جرض بريقه أي ابتلعه على هم وحزن. ونكب الاناء: أماله و كبه. وأدم بينهما: أصلح وألف والتهمه: ابتلعه. وأسد خادر أي داخل الخدر وهو الستر. والكلاكل: الصدور، والجماعات، ومن الفرس: ما بين محزمه إلى ما مس الارض منه. والمناسم: أخفاف البعير. والمشق: سرعة في الطعن والضرب، والطول مع الرقة. والوخز: الطعن بالرمح. والمهرة بالضم واحد المهر كصرد وهي مفاصل متلاحكة في الصدر أو غراضيف الضلوع (1). واللحم: القطع. 34 - نهج: قال أمير المؤمنين عليه السلام في ذكر خباب بن الارت: يرحم الله خبابا فلقد أسلم راغبا وهاجر طائعا وعاش مجاهدا (2). وقال عليه السلام وقد جاءه نعي الاشتر: مالك وما مالك لو كان جبلا لكان فندا، لا يرتقيه الحافر ولا يرقى عليه الطائر. قوله عليه السلام: " الفند " هو المنفرد من الجبال (3). بيان: قال الجزري: الفند من الجبل أنفه الخارج منه (4). أقول: قال عبد الحميد بن أبي الحديد: الذي رويته عن الشيوخ ورأيته بخط عبد الله بن أحمد بن الخشاب أن الربيع بن زياد الحارثي أصابته نشابة في جبينه فكانت تتنقض عينيه (5) في كل عام، فأتاه علي عليه السلام عائدا فقال: كيف تجدك أبا عبد الرحمن ؟ قال: أجدني يا أمير المؤمنين لو كان لا يذهب ما بي إلا بذهاب بصري لتمنيت ذهابه، فقال: وما قيمة بصرك عندك ؟ قال: لو كانت لي الدنيا لفديته بها قال: لا جرم ليعطينك الله على قدر ذلك، إن الله تعالى يعطي على قدر الالم والمصيبة وعنده تضعيف كثير، قال الربيع: يا أمير المؤمنين ألا أشكو إليك عاصم بن زياد (هامش) * (1) متلاحكة أي متلاصقة متداخلة. والغرضوف والغضروف كل عظم رخص يؤكل. (2) نهج البلاغة (عبده ط مصر) 2: 154. وفيه: يرحم الله خباب بن الارت فلقد اسلم راغبا وهاجر طائعا وقنع بالكفاف ورضى عن الله وعاش مجاهدا. (3) نهج البلاغة (عبده ط مصر) 2: 249. (4) النهاية 3: 216. والفند بكسر الفاء وسكون النون. (5) كذا في النسخ، وفى المصدر وهامش (خ): عليه وتنقض الجرح: سال دمه.


 

[174]

أخي ؟ قال: ماله ؟ قال: لبس العباء وترك الملاء وغم أهله وحزن ولده، فقال عليه السلام: ادعوا لي عاصما، فلما أتاه عبس في وجهه وقال: ويحك يا عاصم أترى الله أباح لك اللذات وهو يكره ما أخذت منها ؟ لانت أهون على الله من ذلك، أو ما سمعته يقول: " مرج البحرين يلتقيان (1) " ثم قال: " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان (2) " وقال: " ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها (3) " أما والله ابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال، وقد سمعتم الله يقول: " وأما بنعمة ربك فحدث (4) " وقوله: " من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق (5) " إن الله خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين فقال: " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم (6) " وقال: " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا (7) " وقال رسول الله صلى الله عليه واله لبعض نسائه: مالي أراك شعثاء مرهاء سلتاء ؟ (8). قال عاصم: فلم اقتصرت يا أمير المؤمنين على لبس الخشن وأكل الجشب ؟ (9) قال إن الله تعالى افترض على أئمة العدل أن يقدروا لانفسهم بالقوام كيلا يتبيغ (10) بالفقير فقره، فما قام علي عليه السلام حتى نزع عاصم العباء ولبس ملاءة (11).

 

(1 و 2) سورة الرحمن: 19 و 22. (3) سورة الفاطر: 12. (4) سورة الضحى: 11. (5) سورة الاعراف: 32. (6) سورة البقرة: 172. (7) سورة المؤمنون: 51. (8) الشعثاء: التى كان شعرها مغبرا متلبدا. والمرهاء: التى فسدت وابيضت بواطن اجفانها والسلتاء: التى قطع انفها. (9) الجشب: الطعام الغليظ. (10) تبيغ: هاج. (11) بضم الميم ثوب يلبس على الفخذين.

 

[175]

وكتب زياد بن أبيه إلى الربيع بن زياد وهو على قطعة من خراسان: إن أمير المؤمنين معاوية كتب إلي يأمرك أن تحرز الصفراء والبيضاء وتقسم الخرثي (1) وما أشبهه على أهل الحروب، فقال له الربيع: إني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين، ثم نادى في الناس: أن اغدوا على غنائمكم، فأخذ الخمس وقسم الباقي على المسلمين ثم دعا الله أن يميته، فما جمع حتى مات (2). وقال في أحوال شريح القاضي: هو شريح بن الحارث بن المنتجع الكندي وقيل: اسم أبيه معاوية، وقيل: هاني، وقيل: شراحيل، ويكنى أبا امية، استعمله عمر بن الخطاب على القضاء بالكوفة، فلم يزل قاضيا ستين سنة، لم يتعطل فيها إلا ثلاث سنين في فتنة ابن الزبير، امتنع (3) من القضاء، ثم استعفى الحجاج من العمل فأعفاه، فلزم منزله إلى أن مات، وعمر عمرا طويلا، قيل: إنه عاش مائة وثمان سنين، وقيل: مائة سنة، وتوفي سنة سبع وثمانين، وكان خفيف الروح مزاحا، فقدم إليه رجلان فأقر أحدهما بما ادعى به خصمه وهو لا يعلم، فقضى عليه، فقال لشريح: من شهد عندك بهذا ؟ قال: ابن اخت خالك ! وقيل: إنه جاءته امرأة تبكي وتتظلم على خصمها، فمارق لها حتى قال له إنسان كان بحضرته: ألا تنظر أيها القاضي إلى بكائها ؟ فقال: إن إخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون وأقر علي عليه السلام شريحا على القضاء مع مخالفته له في مسائل كثيرة من الفقه مذكورة في كتب الفقهاء، وسخط علي عليه السلام مرة عليه فطرده عن الكوفة ولم يعزله عن القضاء، وأمره بالمقام ببانقيا، وكانت قرية قريبة من الكوفة أكثر ساكنيها اليهود فأقام بها مدة حتى رضي عنه، وأعاده إلى الكوفة، وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب: أدرك شريح الجاهلية، ولا يعد من الصحابة بل من التابعين،

 

(1) بضم الخاء وسكون الراء: اردأ المتاع وسقطه. (2) شرح النهج 3: 19 و 20. جمع المسلم: شهد الجمعة. (3) في المصدر: امتنع فيها.

 

[176]

وكان شاعرا محسنا، وكان سناطا لا شعر في وجهه (1). 35 - نهج: من كتاب له إلى أميرين من امراء جيشه: وقد أمرت عليكما وعلى من في حيزكما مالك بن الحارث الاشتر، فاسمعاله وأطيعا واجعلاه درعا ومجنا، فإنه ممن لا يخاف وهنه ولا سقطته ولا بطؤه عما الاسراع إليه أحزم، ولا إسراعه إلى ما البطؤ عنه أمثل (2). قال ابن أبي الحديد في شرح هذا الكلام: هو مالك بن الحارث بن عبديغوث ابن سلمة بن ربيعة بن حذيمة (3) بن سعد بن مالك بن النخع بن عمرو بن غلة (4) بن خالد بن مالك بن داود، وكان حارسا (5) شجاعا رئيسا من أكابر الشيعة وعظمائها شديد التحقق بولاء أمير المؤمنين عليه السلام ونصره، وقال فيه بعد موته: يرحم (6) الله مالكا فلقد كان لي كما كنت لرسول الله صلى الله عليه واله، ولما قنت علي عليه السلام على خمسة ولعنهم وهم: معاوية وعمرو بن العاص وأبو الاعور السلمي وحبيب بن مسلمة و بسر بن أرطاة قنت معاوية على خمسة: وهم علي والحسن والحسين وعبد الله بن العباس والاشتر، ولعنهم. وقد روي أنه قال لما ولى علي عليه السلام بني العباس على الحجاز واليمن و العراق: " فلماذا قتلنا الشيخ بالامس ؟ " وإن عليا عليه السلام لما بلغته هذه الكلمة أحضره ولاطفه واعتذر إليه، وقال له: فهل وليت حسنا أو حسينا أو أحدا من ولد جعفر أخي أو عقيلا أو أحدا من ولده ؟ وإنما وليت ولد عمي العباس لاني سمعت العباس يطلب من رسول الله صلى الله عليه واله الامارة مرارا، فقال له رسول الله صلى الله عليه واله: " يا عم إن الامارة إن طلبتها وكلت إليها وإن طلبتك اعنت عليها " ورأيت بنيه في أيام

 

(1) شرح النهج 3: 445 و 446. (2) نهج البلاغة (عبده ط مصر) 2: 14 و 15. (3) في المصدر: ربيعة بن الحارث بن خزيمة. (4) في المصدر: علة. (5) في المصدر: ادد وكان فارسا. (6) في المصدر: رحم الله.

 

[177]

عمر وعثمان يجدون في أنفسهم أن ولي غيرهم من أبناء الطلقاء ولم يول أحد منهم فأحببت أن أصل رحمهم وازيل ما كان في أنفسهم، وبعد فإن علمت أحدا هو خير منهم فائتني به، فخرج الاشتر وقد زال ما في نفسه. وقد روى المحدثون حديثا يدل على فضيلة عظيمة للاشتر، وهي شهادة قاطعة من النبي صلى الله عليه واله بأنه مؤتمن (1)، روى هذا الحديث أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب في حرف الجيم في باب جندب، قال أبو عمر: لما حضرت أبا ذر الوفاة وهو بالربذة بكت زوجته ام ذر، قالت: فقال لي: (2) ما يبكيك ؟ فقالت: مالي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الارض، وليس عندي ثوب يسعك كفنا، ولا بد لي من القيام بجهازك، فقال: ابشري ولا تبكي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: " لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاث فيصبران ويحتسبان فيريان النار أبدا " وقد مات لنا ثلاثة من الولد. وسمعت أيضا رسول الله صلى الله عليه واله يقول لنفر أنا فيهم: " ليموتن أحدكم بفلاة من الارض، يشهده عصابة من المؤمنين " وليس من اولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة، فأنا لا أشك أني ذلك الرجل، والله ما كذبت ولا كذبت، فانظري الطريق، قالت ام ذر: فقلت: أنى وقد ذهب الحاج وتقطعت الطرق ؟ فقال: اذهبي فتبصري، قالت: فكنت أشتد إلى الكثيب فأصعد فأنظر ثم أرجع إليه فامرضه، فبينا أنا وهو على هذه الحالة إذا أنا برجال على ركابهم كأنهم الرخم (3) تخب بهم رواحلهم، فأسرعوا إلي حتى وقفوا علي وقالوا: يا أمة الله مالك ؟ فقلت: امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه ؟ قالوا: ومن هو ؟ قلت: أبو ذر، قالوا: صاحب رسول الله صلى الله عليه واله ؟ قلت: نعم، ففدوه بآبائهم وامهاتهم و أسرعوا إليه حتى دخلوا عليه، فقال لهم: ابشروا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول لنفر أنا فيهم: " ليموتن رجل منكم بفلاة من الارض تشهده عصابة من المؤمنين " و

 

(1) في المصدر: مؤمن. (2) في المصدر: فقال لها. (3) الرخم: طائر من الجوارح الكبيرة الجثة الوحشية الطباع. خب الفرس في عدوه: راوح بين يديه ورجليه أي قام على احداهما مرة وعلى الاخرى مرة.

 

[178]

ليس من اولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة، والله ما كذبتم ولا كذبتم (1) ولو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي لم اكفن إلا في ثوب لي أولها، و إني أنشدكم الله أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو بريدا أو نقيبا، قالت: وليس في اولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال إلا فتى من الانصار قال له: أنا اكفنك يا عم في ردائي هذا وفي ثوبين معي في عيبتي من غزل امي، فقال أبو ذر: أنت تكفنني، فمات فكفنه الانصاري وغسله في النفر الذين (2) حضروه وقاموا عليه، ودفنوه في نفر كلهم يمان. قال أبو عمر بن عبد البر قبل أن يروي هذا الحديث في أول باب جندب: كان النفر الذين حضروا موت أبي ذر بالربذة مصادفة جماعة منهم حجر بن الابرد (3) هو حجر بن عدي الذي قتله معاوية، وهو من أعلام الشيعة وعظمائها وأما الاشتر فهو أشهر في الشيعة من أبي الهذيل في المعتزلة. وقرئ كتاب الاستيعاب على شيخنا عبد الوهاب بن سكينة المحدث وأنا حاضر، فلما انتهى القارئ إلى هذا الخبر قال استادي عمر بن عبد الله الدباس - وكان يحضر (4) معه سماع الحديث -: لتقل الشيعة بعد هذا ما شاءت، فما قال المرتضى والمفيد إلا بعض ما كان حجر والاشتر يعتقدانه في عثمان ومن تقدمه، فأشار الشيخ إليه بالسكوت فسكت. وقد ذكرنا آثار الاشتر ومقاماته بصفين فيما سبق، والاشتر هو الذي عانق عبد الله بن الزبير يوم الجمل فاصطرعا على ظهر فرسيهما حتى وقعا إلى الارض (5) فجعل عبد الله يصرخ من تحته: اقتلوني ومالكا، فلم يعلم من الذي يعنيه لشدة

 

(1) في المصدر: ما كذبت ولا كذبت. (2) ": وغسله النفر الذين اه‍ (3) في الاستيعاب: منهم حجر بن الادبر ومالك بن الحارث الاشتر قلت: حجر بن الادبر اه‍. (4) في المصدر: وكنت أحضر. (5) في المصدر: في الارض.

 

[179]

الاختلاط وثوران النقع (1) فلو قال: اقتلوني والاشتر لقتلا جميعا، فلما افترقا قال الاشتر: أعايش لولا أنني كنت طاويا (2) * ثلاثا لالفيت ابن اختك هالكا غداة ينادي والرماح تنوشه * كوقع الصياصي: اقتلوني ومالكا (3) فنجاه مني شبعه وشبابه * وأني شيخ لم أكن متماسكا ويقال: إن عائشة فقدت عبد الله فسألت عنه، فقيل لها: عهدنا به وهو معانق للاشتر، فقالت: واثكل أسماء. ومات الاشتر في سنة تسع وثلاثين متوجها إلى مصر واليا عليها لعلي عليه السلام، قيل: سقي سما، وقيل: إنه لم يصح ذلك وإنما مات حتف أنفه، فأما ثناء أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الفصل فقد بلغ فيه مع اختصاره ما لا يبلغ بالكلام الطويل، ولعمري لقد كان الاشتر أهلا لذلك، كان شديد البأس جوادا رئيسا حليما فصيحا شاعرا، وكان يجمع بين اللين والعنف، فيسطو في موضع السطوة ويرفق في موضع الرفق (4). أقول: وقال ابن أبي الحديد في شرح وصايا أوصى أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحارث الهمداني: هو الحارث بن عبد الله بن كعب بن أسد بن مخلد بن حارث بن سبيع بن معاوية الهمداني، كان أحد الفقهاء (5) وصاحب علي عليه السلام، وإليه تنسب الشيعة الخطاب الذي خاطب به في قوله عليه السلام: يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا (6) أقول: رأيت في بعض مؤلفات أصحابنا: روي أنه دخل أبو أمامة الباهلي على

 

(1) النقع: الغبار. (2) أي جائعا. (3) ناش الشئ بالشئ: تعلق به. والصياصى جمع الصيصية: الوتد يقلع به التمر. (4) شرح النهج 3: 625 - 627. (5) في المصدر بعد ذلك: له قول في الفتيا وكان اه‍. (6) شرح النهج 4: 309.

 

[180]

معاوية، فقربه وأدناه ثم دعا بالطعام، فجعل يطعم أبا أمامة بيده، ثم أوسع رأسه ولحيته طيبا بيده، وأمر له ببدرة من دنانير فدفعها إليه، ثم قال: يا أبا أمامة بالله أنا خير أم علي بن أبي طالب ؟ فقال أبو أمامة ! نعم ولا كذب ولو بغير الله سألتني لصدقت، علي والله خير منك وأكرم وأقدم إسلاما، وأقرب إلى رسول الله قرابة وأشد في المشركين نكاية، وأعظم عند الامة غناء، أتدري من علي يا معاوية ؟ ابن عم رسول الله صلى الله عليه واله وزوج ابنته سيدة نساء العالمين، وأبو الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وابن أخي حمزة سيد الشهداء، وأخو جعفر ذي الجناحين، فأين تقع أنت من هذا يا معاوية. أظننت أني سأخيرك على علي بألطافك وطعامك و عطائك فأدخل إليك مؤمنا وأخرج منك كافرا ؟ بئس ما سولت لك نفسك يا معاوية. ثم نهض وخرج من عنده، فأتبعه بالمال فقال: لا والله لا أقبل منك دينارا واحدا. 36 - قب: كتابه: عبيدالله بن أبي رافع وسعيد بن نمران (1) الهمداني و عبد الله بن جعفر وعبيدالله بن عبد الله بن مسعود. وكان بوابه سلمان سلمان ومؤذنه جويرية بن مسهر العبدي وابن النباح وهمدان الذي قتله الحجاج، وخدامه أبو نيرز من أبناء ملوك العجم، رغب في الاسلام وهو صغير، فأتى رسول الله صلى الله عليه واله فأسلم وكان معه، فلما توفي صلى الله عليه واله صار مع فاطمة وولديها عليهم السلام، وكان عبد الله ابن مسعود في سبي فزارة، فوهبه النبي صلى الله عليه واله لفاطمة عليها السلام، فكان بعد ذلك مع معاوية وكان له ألف نسمة منهم قنبر وميثم، قتلهما الحجاج، وسعد ونصر قتلا مع الحسين عليه السلام، وأحمر قتل في صفين، ومنهم غزوان وثبيت وميمون. وخادمته فضة وزبرا وسلافة (2). 37 - ختص: ابن قولويه، عن العياشي، عن أبيه، عن علي بن الحسين عن مروك بن عبيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن رجل، عن الاصبغ قال: قلت

 

(1) غزوان خ ل. (2) مناقب آل ابى طالب 2: 77.

 

[181]

له كيف سميتم شرطة الخميس يا أصبغ ؟ فقال: إنا ضمنا له الذبح وضمن لنا الفتح (1). 38 - ختص: جعفر بن الحسين المؤمن وأحمد بن هارون الفامي وجماعة من مشائخنا، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن علي بن إسماعيل بن عيسى، عن حماد ابن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحارث بن المغيرة قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: أي شئ تقولون أنتم ؟ فقال: نقول: هلك الناس إلا ثلاثة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: فأين ابن ليلى وشتير ؟ فسألت حماد بن عيسى عنهما، قال: كانا موليين أسودين لعلي بن أبي طالب عليه السلام (2). 39 - ختص: جعفر بن الحسين، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن ذريح المحاربي، عن أبي عبد الله عليه السلام، وعن ابن جريح وغيره من ثقيف أن ابن عباس لما مات واخرج به خرج من تحت كفنه طير أبيض ينظرون إليه، يطير نحو السماء حتى غاب عنهم، وقال أبو عبد الله عليه السلام: كان أبي يحبه حبا شديدا، وكان أبي عليه السلام وهو غلام يلبسه امه ثيابه، فينطلق في غلمان بني عبد المطلب، قال: فأتاه فقال: من أنت ؟ - بعدما اصيب بصره - فقال: أنا محمد بن علي بن الحسين بن علي، فقال: حسبك من لم يعرفك فلا عرفك (3). 40 - نهج: ومن كتاب له إلى عبد الله بن العباس: أما بعد فإني كنت أشركتك في أمانتي، وجعلتك شعاري وبطانتي، ولم يكن في أهلي رجل أوثق منك في نفسي، لمواساتي ومؤازرتي وأداء الامانة إلي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب والعدو قد حرب وأمانة الناس قد خزيت وهذه الامة قد فتكت وشغرت قلبت لابن عمك ظهر المجن، ففارقته مع المفارقين، وخذلته مع الخاذلين، وخنته مع الخائنين، فلا ابن عمك آسيت (4) ولا الامانة أديت، وكأنك لم تكن الله تريد

 

(1) الاختصاص: 65. (2) في المصدر: 70 و 71. (3) في المصدر: 71. (4) آسى الرجل في ماله: جعله اسوته فيه.

 

[182]

بجهادك، وكأنك لم تكن على بينة من ربك، وكأنك كنت تكيد هذه الامة عن دنياهم، وتنوي ؟ ؟ غرتهم عن فيئهم، فلما أمكنتك الشدة في خيانة الامة أسرعت الكرة، وعاجلت الوثبة، واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لاراملهم وأيتامهم اختطاف الذئب الازل دامية المعزى الكسيرة، فحملته إلى الحجاز رحيب الصدر بحمله غير متأثم من أخذه كأنك - لا أبا لغيرك - حدرت على (1) أهلك تراثك من أبيك وامك، فسبحان الله أما تؤمن بالمعاد ؟ أو ما تخاف نقاش الحساب ؟ أيها المعدود كان عندنا من ذوي الالباب كيف تسيغ شرابا وطعاما وأنت تعلم أنك تأكل حراما وتشرب حراما ؟ وتبتاع الاماء وتنكح النساء من مال اليتامى والمساكين والمؤمنين والمجاهدين الذين أفاء الله عليهم هذه الاموال وأحرز بهم هذه البلاد ؟ فاتق الله واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم، فإنك إن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لاعذرن إلى الله فيك. ولاضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلا دخل النار، والله لو أن الحسن والحسين عليهما السلام فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة، ولا ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحق منهما وازيح الباطل من مظلمتها (2)، واقسم بالله رب العالمين ما يسرني أن ما أخذته من أموالهم حلال لي أتركه ميراثا لمن بعدي، فضح رويدا، فكأنك قد بلغت المدى ودفنت تحت الثرى، وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي الظالم فيه بالحسرة و يتمني المضيع الرجعة، ولات حين مناص، والسلام (3). توضيح: قوله عليه السلام: وكنت أشركتك في أمانتي، أي في الخلافة التي ائتمنني الله عليها، حيث جعلتك واليا. وبطانة الرجل: صاحب سره الذي يشاوره في أحواله. والمواساة: المشاركة والمساهمة. قوله: " قد كلب " بكسر اللام

 

(1) في المصدر: إلى. (2) في المصدر: عن مظلمتهما. (3) نهج البلاغة (عبده ط مصر) 2: 67 - 69. وقد مضى عن معرفة اخبار الرجال تحت الرقم 20.

 

[183]

أي اشتد، يقال: كلب الدهر على أهله إذا ألح عليهم واشتد قاله الجزري (1). وقال: قد حرب أي غضب (2). والفتك أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار غافل حتى يشد عليه فيقتله. قوله عليه السلام: " وشغرت " أي خلت من الخير قال الجوهري: شغر البلد أي خلا من الناس (3). قوله عليه السلام: " قلبت لابن عمك " أي كنت معه فصرت عليه، وأصل ذلك أن الجيش إذا لقوا العدو كانت ظهور مجانهم إلى وجه العدو وبطونها إلى عسكرهم، فإذا فارقوا رئيسهم عكسوا، قوله عليه السلام: " فلما أمكنتك الشدة " من قولهم شد عليه في الحرب إذا حمل. وقال الجزري: الازل في الاصل: الصغير العجز وهو في صفات الذئب: الخفيف، وقيل: هو من قولهم زل زليلا إذا عدا، وخص الدامية لان من طبع الذئب محبة الدم حتى أنه يرى ذئبا داميا فيثب عليه ليأكله (4). وتأثم أي تحرج عنه وكف. قوله عليه السلام: " لا أبا لغيرك " استعمل ذلك في مقام " لا أبا لك " تكرمة له وشفقة عليه، وما قيل من أن " لا أبا لك " لما كان يستعمل كثيرا في معرض المدح أي لا كافي لك غير نفسك فيحتمل أن يكون ذما له بمدح غيره فلا يخفى بعده، ويقال: حدرت السفينة إذا أرسلتها إلى أسفل. وقال الجزري: فيه " من نوقش في الحساب عذب " أي من استقصي في محاسبته وحوقق، ومنه حديث علي عليه السلام: لنقاش الحساب (5) " وهو مصدر منه، و أصل المناقشة من نقش الشوكة إذا استخرجها من جسمه (6). قوله عليه السلام " أيها المعدود كان عندنا " أدخل عليه [السلام] لفظة " كان " تنبيها

 

(1) النهاية 3: 30 و 31. (2) النهاية 1: 212. (3) الصحاح: 700. (4) النهاية 2: 130. (5) اصل الحديث: يوم يجمع الله فيه الاولين والاخرين لنقاش الحساب. (6) النهاية 4: 170.

 

[184]

على أنه لم يبق كذلك، قيل: ولعله عدل عن أن يقول: " يا من كان عندنا من ذوي الالباب " إشعارا بأنه معدود في الحال أيضا عند الناس منهم. وأعذر: أبدى عذرا والهوادة: الرخصة والسكون والمحاباة. قوله: " بإرادة " أي بمراد. والازاحة: الازالة والابعاد. وقال الجزري: إن العرب كان يسيرون في ظعنهم، فإذا مروا ببقعة من الارض فيه كلا وعشب قال قائلهم: ألا ضحوا رويدا، أي ارفقوا بالابل حتى تتضحى أي تنال من هذا المرعى، ومنه كتاب علي عليه السلام إلى ابن عباس " ألاضح رويدا فقد بلغت المدى " أي اصبر قليلا (1). وقال البيضاوي في قوله تعالى: " ولات حين مناص " أي ليس الحين حين مناص و " لا " هي المشبهة بليس، زيدت عليه تاء التأنيث للتأكيد. كما زيدت على رب وثم، وخصت بلزوم الاحيان وحذف أحد المعمولين، وقيل: هي النافية للجنس، أي ولا حين مناص لهم، وقيل: للفعل، والنصب بإضماره، أي ولا أرى حين مناص، إلى آخر ما حقق في ذلك (2)، والمناص: المنجى. أقول: قال عبد الحميد بن بن أبي الحديد: اختلف الناس في المكتوب إليه هذا الكتاب، فقال الاكثرون: إنه عبد الله بن العباس كما تدل عليه عبارات الكتاب وقد روى أرباب هذا القول: أن عبد الله بن العباس كتب إلى علي عليه السلام جوابا عن هذا الكتاب، قالوا: وكان جوابه: أما بعد فقد أتاني كتابك تعظم علي ما أصبت من بيت مال البصرة، ولعمري إن حقي في بيت المال لاكثر مما أخذت والسلام. قالوا: فكتب إليه علي عليه السلام أما بعد فإن من العجب أن تزين لك نفسك أن لك في بيت مال المسلمين من الحق أكثر مما لرجل (3) من المسلمين ! فقد أفلحت لقد كان (4) تمنيك الباطل وادعاؤك مالا يكون ينجيك عن المآثم ويحل

 

(1) النهاية 3: 13 و 14. (2) تفسير البيضاوى 2: 137. (3) في المصدر: لرجل واحد اه‍. (4) في المصدر: إن كان.

 

[185]

لك المحرم، إنك لانت المهتدي السعيد إذا، وقد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا وضربت بها عطنا، تشتري بها مولدات مكة والمدينة والطائف، تختارهن على عينك وتعطي فيهن مال غيرك، فارجع هداك الله إلى رشدك، وتب إلى الله ربك، واخرج إلى المسلمين من أموالهم، فعما قليل تفارق من ألفت وتترك ما جمعت، وتغيب في صدع من الارض غير موسد ولا ممهد، قد فارقت الاحباب وسكنت التراب وواجهت الحساب غنيا عما خلقت فقيرا إلى ما قدمت والسلام. قالوا: فكتب إليه عبد الله بن العباس: أما بعد فإنك قد أكثرت علي، و والله لئن ألقى الله قد احتويت على كنوز الارض كلها من ذهبها وعقيانها ولجينها أحب إلي من أن ألقاه بدم امرئ مسلم، والسلام (1). أقول: قد أثبتنا في باب علة قعوده وقيامه عليه السلام من كتاب الفتن كفر الاشعث بن قيس، وفي باب " سلوني " كفر ابن الكواء وغيره وفي باب احتجاجات الحسن عليه السلام على معاوية وأصحابه حال جماعة، وكذا في باب احتجاج الحسين عليه السلام على معاوية مدح حجر بن عدي وعمرو بن الحمق، وفي باب احتجاجات الباقر عليه السلام وأبواب أحوال الخوارج ذم نافع وغيره، وفي باب أحوال الصحابة وباب أحوال السلمان وباب فضائله مدح جماعة من أصحابه عليه السلام وذم جماعة، وفي باب عبادته عليه السلام مدح أبي الدرداء، وفي جواب أسؤلة اليهودي المشتمل على خصال الاوصياء حال جماعة، وفي باب إخباره بالمغيبات وباب علمه عليه السلام كفر عمرو بن حريث، وكذا في باب أنهم المتوسمون وفي باب حبهم عليهم السلام مدح الحارث الاعور، وكذا في باب ما ينفع حبهم فيه من المواطن وفي باب غصب الخلافة ذم ابن عباس، وأيضا في باب الاخبار بالمغيبات كفر الاشعث وكذا في باب جوامع مكارمه عليه السلام وفي باب أحوال أولاده عليهم السلام مكاتبة ابن الحنفية وابن عباس، وفي باب إخباره بالمغيبات أحوال كثير منهم، وقد أوردنا بابا آخر في كتاب الفتن يتضمن أحوال أصحابه صلوات الله عليه مفصلا.

 

(1) شرح النهج 4: 88.

 

[186]

125. * (باب النوادر) * 1 - ن، لى: ابن المتوكل، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: رأى أمير المؤمنين عليه السلام رجلا من شيعته بعد عهد طويل وقد أثر السن فيه، وكان يتجلد في مشيه، فقال عليه السلام: كبر سنك يا رجل، قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين، فقال: عليه السلام: إنك لتتجلد، قال: على أعدائك يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام: أجد فيك بقية، قال: هي لك يا أمير المؤمنين (1). 2 - لى: ابن موسى، عن الاسدي، عن الفزاري، عن عباد بن يعقوب، عن منصور بن أبي نويرة، عن أبي بكر بن عياش، عن قرن أبي سليمان الضبي قال: أرسل علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام إلى لبيد العطاردي بعض شرطه فمروا به على مسجد سماك، فقام إليه نعيم بن دجاجة الاسدي فحال بينهم وبينه، فأرسل أمير المؤمنين عليه السلام إلى نعيم فجيئ به، قال: فرفع أمير المؤمنين عليه السلام شيئا ليضربه، فقال نعيم: والله إن صحبتك لذل، وإن خلافك لكفر، فقال أمير المؤمنين عليه السلام وتعلم ذاك ؟ قال: نعم، قال: خلوه (2). 3 - ما: ابن الصلت، عن ابن عقدة، عن موسى بن القاسم، عن إسماعيل بن همام، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام أن عليا عليه السلام قال: يا رسول الله إنك تبعثني في الامر فأكون (3) فيها كالسكة المحماة أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ؟ قال: بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب (4).

 

(1) عيون الاخبار: 167 و 168. أمالى الصدوق: 107. (2) أمالى الصدوق: 219. (3) في المصدر: أفأكون. (4) أمالى الشيخ: 215.

 

[187]

4 - ما: جماعة، عن ابن المفضل، عن أحمد بن محمد بن عيسى بن العواد، عن محمد بن عبد الجبار السدوسي، عن علي بن الحسين بن عون بن أبي حرب بن أبي الاسود الدئلي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن أبي حرب بن أبي الاسود، عن أبيه أبي الاسود أن رجلا سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن سؤال، فبادر فدخل منزله، ثم خرج فقال: أين السائل ؟ فقال الرجل: ها أنا (1) يا أمير المؤمنين، قال: ما مسألتك ؟ قال: كيت وكيت، فأجابه عن سؤاله، فقيل يا أمير المؤمنين كنا عهدناك إذا سئلت عن المسألة كنت فيها كالسكة المحماة جوابا، فما بالك أبطأت اليوم عن جواب هذا الرجل حتى دخلت الحجرة ثم خرجت فأجبته ؟ فقال: كنت حاقنا، ولا رأي لثلاثة: لا رأي لحاقن ولا حاذق، ثم أنشأ يقول: إذا المشكلات تصدين لي * كشفت حقائقها بالنظر وإن برقت في مخيل الصواب * عمياء لا يجتليها البصر تتبعته بعيون الامور * وضعت عليها صحيح النظر (2) لسانا كشفت به الارحبي * أو كالحسام البتار الذكر وقلبا إذا استنطقته الهموم * أربى عليها بواهي الدرر ولست بإمعة في الرجال * اسائل هذا وذاما الخبر ولكنني مذرب الاصغرين * أبين مع ما مضى ما غبر (3) بيان: قد مر شرحه في كتاب العلم (4). 5 - يج: روي أن أعرابيا أتى أمير المؤمنين عليه السلام وهو في المسجد، فقال: مظلوم، قال: ادن مني، فدنا حتى وضع يديه على ركبتيه، قال: ما ظلامتك ؟ فشكا ظلامته، فقال: يا أعرابي أنا أعظم ظلامة منك، ظلمني المدر والوبر، ولم

 

(1) في المصدر: ها أناذا. (2) في المصدر: تتبعتها بعيون الامور * وضعت عليها صحيح الفكر (3) امالي الشيخ: 327 و 328. (4) راجع الجزء الثاني من الطبعة الحديثة ص 60 - 62.

 

[188]

يبق بيت من العرب إلا وقد دخلت مظلمتي عليهم، وما زلت مظلوما حتى قعدت مقعدي هذا، إن كان عقيل بن أبي طالب يومه ليرمد فما يدعهم يذرونه (1) حتى يأتوني فاذر وما بعيني رمد، ثم كتب له بظلامته ورحل، فهاج الناس وقالوا: قد طعن على الرجلين، فدخل عليه الحسن عليه السلام فقال: قد علمت ما شرب قلوب الناس من حب هذين، فخرج فقال: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال: أيها الناس إن الحرب خدعة، فإذا سمعتموني أقول: " قال رسول الله " فوالله لئن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب على رسول الله كذبة، وإذا حدثتكم أن الحرب خدعة، ثم ذكر غير ذلك، فقام رجل يساوي برأسه رمانة المنبر فقال: أنا براء من الاثنين والثلاثة، فالتفت إليه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: بقرت العلم في غير إبانه، لتبقرن كما بقرته، فلما قدم ابن سمية أخذه فشق بطنه وحشا فوقه حجارة وصلبه (2). 6 - كا: علي، عن أبيه، عن جعفر بن محمد الاشعري، عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل أمير المؤمنين عليه السلام المسجد فإذا هو برجل على باب المسجد كئيب حزين، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: مالك ؟ قال: يا أمير المؤمنين اصبت بأبي وأخي وأخشى أن أكون قد وجلت (2)، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: عليك بتقوى الله والصبر، تقدم عليه غدا، والصبر في الامور بمنزلة الرأس من الجسد فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد، وإذا فارق الصبر الامور فسدت الامور (4). 7 - كا: الحسين بن محمد، عن المعلى، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن سلمة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اجتمع عيدان على عهد أمير المؤمنين عليه السلام فخطب الناس ثم قال: هذا يوم اجتمع فيه عيدان، فمن أحب أن يجمع معنا فليفعل، ومن

 

(1) أي يصبون في عينه الدواء. (2) لم نجده في المصدر المطبوع. (3) أي انى اخاف أن ينشق مرارتي لاجل المصيبة الواردة على. (4) اصول الكافي (الجزء الثاني من الطبعة الحديثة): 90.

 

[189]

لم يفعل فإن له رخصة (1). 8 - ختص: روي أن أمير المؤمنين عليه السلام كان قاعدا في المسجد وعنده جماعة من أصحابه، فقالوا له: حدثنا يا أمير المؤمنين، فقال لهم: ويحكم إن كلامي صعب مستصعب لا يعقله إلا العالمون، قالوا: لابد من أن تحدثنا، قال: قوموا بنا فدخل الدار فقال: أنا الذي علوت فقهرت، أنا الذي احيي واميت، أنا الاول والآخر والظاهر والباطن، فغضبوا وقالوا: كفر ! وقاموا، فقال علي عليه السلام للباب: يا باب استمسك عليهم، فاستمسك عليهم الباب، فقال: ألم أقل لكم: إن كلامي صعب مستصعب لا يعقله إلا العالمون ؟ تعالوا افسر لكم، أما قولي: أنا الذي علوت فقهرت فأنا الذي علوتكم بهذا السيف فقهرتكم حتى آمنتم بالله ورسوله، وأما قولي: أنا احيي واميت فأنا احيي السنة واميت البدعة، وأما قولي: أنا الاول فأنا أول من آمن بالله وأسلم وأما قولي: أنا الآخر فأنا آخر من سجى على النبي صلى الله عليه واله ثوبه ودفنه، وأما قولي: أنا الظاهر والباطن فأنا عندي علم الظاهر والباطن، قالوا: فرجت عنا فرج الله عنك. (2)

 

(1) فروع الكافي (الجزء الثالث من الطبعة الحديثة): 461 (2) الاختصاص: 163.

 

[190]

(أبواب) * (وفاته صلوات الله عليه) * 126. (باب) * (اخبار الرسول صلى الله عليه وآله بشهادته واخباره صلوات) * * (الله عليه بشهادة نفسه) * أقول: قد مضى في خطبته عليه السلام عند وصول خبر الانبار إليه: أما والله لوددت أن ربي قد أخرجني من بين أظهركم إلى رضوانه، وإن المنية لترصدني، فما يمنع أشقاها أن يخضبها ؟ - وترك يده على رأسه ولحيته - عهدا عهده إلي النبي الامي، وقد خاب من افترى، ونجا من اتقى وصدق بالحسنى. 1 - ن، لى: الطالقاني، عن أحمد الهمداني، عن علي بن الحسن بن الفضال عن أبيه، عن الرضا، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام في خطبة النبي صلى الله عليه واله في فضل شهر رمضان فقال عليه السلام: فقمت فقلت: يا رسول الله ما أفضل الاعمال في هذا الشهر ؟ فقال يا أبا الحسن أفضل الاعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزوجل، ثم بكى، فقلت: يارسول الله ما يبكيك ؟ فقال: يا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك وقد انبعث أشقى الاولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك، قال أمير المؤمنين عليه السلام: فقلت: يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني ؟ فقال: صلى الله عليه واله: في سلامة من دينك، ثم قال: صلى الله عليه واله: يا علي من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني، و من سبك فقد سبني، لانك مني كنفسي، روحك من روحي وطينتك من طينتي إن الله تبارك وتعالى خلقني وإياك واصطفاني وإياك، واختارني للنبوة واختارك


 

[191]

للامامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي، يا علي أنت وصيي وأبو ولدي، وزوج ابنتي وخليفتي على امتي في حياتي وبعد موتي، أمرك أمري ونهيك نهيي اقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية إنك لحجة الله على خلقه، وأمينه على سره، وخليفته على عباده (1). 2 - ن: أبي، عن سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن الحكم بن مسكين، عن صالح بن عقبة، عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال: جاء رجل من اليهود إلى أمير المؤمنين عليه السلام فسأله عن أشياء إلى أن قال: كم يعيش وصي نبيكم بعده ؟ قال: ثلاثين سنة قال: ثم مه يموت أو يقتل ؟ قال: يقتل يضرب (3) على قرنه فتخضب لحيته، قال: صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى عليه السلام، الخبر (4). 3 - ما: بإسناد أخي دعبل عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: خطب الناس أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة فقال: معاشر الناس إن الحق قد غلبه الباطل، وليغلبن الباطل عما قليل، أين أشقاكم - أو قال: شقيكم، شك أبي - هذا، فوالله ليضربن هذه فليخضبنها من هذه - وأشار بيده إلى هامته ولحيته - (5). 4 - ما: أبو عمر، عن ابن عقدة، عن أحمد بن يحيى، عن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي إسحاق (6) عن هبيرة بن مريم قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول - ومسح لحيته -: ما يحبس أشقاها أن يخضبها عن أعلاها بدم ؟ (7) 5 - ل: في خبر اليهودي الذي سأل أمير المؤمنين عليه السلام عما فيه من خصال الاوصياء: قال عليه السلام: قد وفيت سبعا وسبعا يا أخا اليهود وبقيت الاخرى واوشك

 

(1) عيون الاخبار: 163 - 165. امالي الصدوق: 57 و 58. (2) في المصدر: عن جعفر بن محمد. (3) في المصدر: ويضرب. (4) عيون الاخبار: 31 و 32. (5) امالي الشيخ: 232. (6) في المصدر: ابن اسحاق. (7) امالي الشيخ: 167.

 

[192]

بها، فكأن قد، فبكى أصحاب علي عليه السلام وبكى رأس اليهود وقالوا: يا أمير المؤمنين أخبرنا بالاخرى، فقال: الاخرى أن تخضب هذه - وأومأ بيده إلى لحيته - من هذه - وأومأ بيده إلى هامته - قال: وارتفعت أصوات الناس في المسجد الجامع بالضجة والبكاء، حتى لم يبق بالكوفة دار إلا خرج أهلها فزعا، وأسلم رأس اليهود على يدي علي عليه السلام من ساعته، ولم يزل مقيما حتى قتل أمير المؤمنين عليه السلام واخذ ابن ملجم لعنه الله، فأقبل رأس اليهود حتى وقف على الحسن عليه السلام والناس حوله وابن ملجم لعنه الله بين يديه، فقال له: يا أبا محمد اقتله قتله الله، فإني رأيت في الكتب التي انزلت على موسى عليه السلام أن هذا أعظم عند الله عزوجل جرما من ابن آدم قاتل أخيه، ومن الغدار عاقر ناقة ثمود (1). 6 - شا: علي بن المنذر الطريقي، عن أبي الفضل العبدي، عن مطر (2) عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال جمع أمير المؤمنين عليه السلام الناس للبيعة، فجاء عبد - الرحمن بن الملجم المرادي لعنه الله، فرده مرتين أو ثلاثا، ثم بايعه، فقال عند بيعته له: ما يحبس أشقاها فوالذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذه. ووضع يده على لحيته ورأسه - فلما أدبر ابن ملجم منصرفا عنه قال عليه السلام: متمثلا. اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك * ولا تجزع من الموت إذا حل بواديك كما أضحكك الدهر كذاك الدهر يبكيك (3) 7 - شا: ابن محبوب، عن الثمالي عن أبي إسحاق السبيعي، عن ابن نباتة قال: أتى ابن ملجم أمير المؤمنين عليه السلام فبايعه فيمن بايع، ثم أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين عليه السلام فتوثق منه وتوكد عليه أن لا يغدر ولا ينكث، ففعل، ثم أدبر عنه فدعاه الثانية فتوثق منه وتوكد عليه ألا يغدر ولا ينكث، ففعل، ثم أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين الثالثة فتوثق منه وتوكد عليه أن لا يغدر ولا ينكث، فقال ابن ملجم لعنه الله: والله

 

(1) الخصال 2: 24 و 25. (2) في المصدر: عن فطر. (3) الارشاد: 6.

 

[193]

يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيري، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: اريد حباءه ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد (1) امض يا ابن ملجم فوالله ما أرى أن تفي بما قلت (2). 8 - شا: روى أبو زيد الاحول عن الاجلح عن أشياخ كندة قال: سمعتهم أكثر من عشرين مرة يقولون: سمعنا عليا عليه السلام على المنبر يقول: ما يمنع أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم ؟ ويضع يده على لحيته (3). 9 - شا: روى علي بن الحزور عن ابن نباتة قال: خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام في الشهر الذي قتل فيه فقال: أتاكم شهر رمضان وهو سيد الشهور وأول السنة، و فيه تدور رحى السلطان (4)، ألا وإنكم حاجوا العام صفا واحدا، وآية ذلك أني لست فيكم، قال: فهو ينعى نفسه ونحن لا ندري (5). 10 - كشف: ومن مناقب الخوارزمي يرفعه إلى أبي سنان الدؤلي أنه عاد عليا في شكوى اشتكاها قال: فقلت له: تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه، فقال: لكني والله ما تخوفت على نفسي، لاني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله الصادق المصدق يقول: إنك ستضرب ضربة ههنا - وأشار إلى صدغيه - فيسيل دمها حتى يخضب لحيتك، ويكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود. وبإسناده عن جابر قال: إني لشاهد لعلي وقد أتاه المرادي يستحمله فحمله ثم قال " شعر ": عذيري من خليلي من مراد * اريد حباءه ويريد قتلي

 

(1) قال الزمخشري في اساس البلاغة ص 295 بعد نقل البيت ونسبته إلى عمرو بن معدى كرب: معناه هلم من يعذرك منه إن اوقعت به يعنى أنه اهل للايقاع به فان أوقعت به كنت معذورا. (2) الارشاد: 6. (3 و 5) الارشاد: 7. (4) في المصدر: الشيطان خ ل.

 

[194]

كذا أورده فخر خوارزم، والذي نعرفه " اريد حباءه ويريد قتلي * عذيري " البيت. ثم قال: هذا والله قاتلي، قالوا: يا أمير المؤمنين أفلا تقتله ؟ قال: لا، فمن يقتلني إذا ؟ ثم قال: " شعر ": اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك * * * ولا تجزع من الموت إذا حل بناديك (1) بيان: قال الجزري: في حديث علي عليه السلام أنه قال وهو ينظر إلى ابن ملجم: " عذيرك من خليلك من مراد " يقال: عذيرك من فلان بالنصب أي هات من يعذرك فيه، فعيل بمعنى فاعل (2). وقال: في حديث علي عليه السلام " اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك " الحيازيم جمع الحيزوم وهو الصدر، وقيل: وسطه، وهذا الكلام كناية عن التشمر للامر والاستعداد له (3) 11 - كنز: أبو طاهر المقلد بن غالب عن رجاله بإسناده المتصل إلى علي بن أبي طالب عليه السلام: وهو ساجد يبكي حتى علا نحيبه وارتفع صوته بالبكاء، فقلنا: يا أمير المؤمنين لقد أمرضنا بكاؤك وأمضنا وشجانا (4). وما رأيناك قد فعلت مثل هذا الفعل قط، فقال كنت ساجدا أدعو ربي بدعاء الخيرات في سجدتي، فغلبني عيني فرأيت رؤيا هالتني وفظعتني، رأيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قائما وهو يقول: يا أبا الحسن طالت غيبتك، فقد اشتقت إلى رؤياك، وقد أنجز لي ربي ما وعدني فيك، فقلت: يا رسول الله وما الذي أنجز لك في ؟ قال أنجز لي فيك وفي زوجتك وابنيك وذريتك في الدرجات العلى في عليين، قلت بأبي أنت وامي يا رسول الله فشيعتنا، قال:

 

(1) كشف الغمة: 128 - 130. (2) النهاية 3: 76. (3) النهاية 1: 274. وفيه: التشمير. (4) أمضه الامر: أحرقه وشق عليه. شجا الرجل: أحرقه.

 

[195]

شيعتنا معنا، وقصورهم بحذاء قصورنا، ومنازلهم مقابل منازلنا، قلت: يا رسول الله صلى الله عليه واله فما لشيعتنا في الدنيا ؟ قال: الامن والعافية، قلت: فما لهم عند الموت ؟ قال: يحكم الرجل في نفسه ويؤمر ملك الموت بطاعته، قلت: فما لذلك حد يعرف ؟ قال: بلى إن أشد شيعتنا لنا حبا يكون خروج نفسه كشراب أحدكم في يوم الصيف الماء البارد الذي ينتقع (1) به القلوب، وإن سائرهم ليموت كما يغبط أحدكم على فراشه كأقر ما كانت عينه بموته (2). 12 - قب: روي أنه جرح عمرو بن عبدود رأس علي عليه السلام يوم الخندق فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه واله فشده ونفث فيه فبرأ، وقال: أين أكون إذا خضبت هذه من هذه ؟. (3) 13 - د: في كتاب تذكرة الخواص ليوسف الجوزي قال أحمد في الفضائل: قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: يا علي أتدري من أشقى الاولين والآخرين ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: من يخضب هذه من هذه - يعني لحيته من هامته -. قال الزهري: كان أمير المؤمنين عليه السلام يستبطئ القاتل فيقول: متى يبعث أشقاها ؟ وقال: قدم وفد من الخوارج من أهل البصرة فيهم رجل يقال له الجعد بن نعجة، فقال له: يا علي اتق الله فإنك ميت، فقال له: بل أنا مقتول بضربة على هذا فتخضب هذه - يعني لحيته من رأسه - عهد معهود وقضاء مقضي وقد خاب من افترى. وعن فضالة بن أبي فضالة الانصاري - وكان أبو فضالة من أهل بدر قتل بصفين مع أمير المؤمنين عليه السلام - قال فضالة: خرجت مع أبي فضالة عائدا أمير المؤمنين عليه السلام من مرض أصابه بالكوفة، فقال له أبي: ما يقيمك هيهنا بين أعراب جهينة ؟ تحمل إلى المدينة. فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا

 

(1) ينتفع خ ل. (2) مخطوط. وفى (ك): كما قرت عينه ما كانت عنه بموته. لكنه مصحف. (3) لم نظفر به في المصدر.

 

[196]

عليك، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه واله عهد إلي أن لا أموت حتى تخضب هذه من هذه أي لحيته من هامته. وذكر ابن سعد في الطبقات أن أمير المؤمنين عليه السلام لما جاء ابن ملجم وطلب منه البيعة طلب منه فرسا أشقر، فحمله عليه فركبه، فأنشد أمير المؤمنين: " اريد حباءه " البيت. وعن محمد بن عبيدة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما يحبس أشقاكم أن يجئ فيقتلني، اللهم إني قد سئمتهم وسئموني، فأرحهم مني وأرحني منهم، قالوا: يا أمير المؤمنين أخبرنا بالذي يخضب هذه من هذه نبيد عشيرته، فقال: إذا والله تقتلون بي غير قاتلي (1). 14 - ير: أبو محمد، عن عمران بن موسى، عن إبراهيم بن مهزيار، عن محمد بن عبد الوهاب، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام قال: دخل عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله على أمير المؤمنين عليه السلام في وفد مصر الذي أوفدهم محمد بن أبي بكر، ومعه كتاب الوفد قال: فلما مر باسم عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله قال: أنت عبد الرحمن ؟ لعن الله عبد الرحمن، قال: نعم يا أمير المؤمنين، أما والله يا أمير المؤمنين إني لاحبك، قال: كذبت والله ما تحبني - ثلاثا - قال: يا أمير المؤمنين أحلف ثلاثة أيمان أني احبك، وتحلف ثلاثة أيمان أني لا احبك ؟ قال: ويلك - أو ويحك - إن الله خلق الارواح قبل الاجساد (2) بألفي عام فأسكنها الهواء، فما تعارف منها هنالك ائتلف في الدنيا، وما تناكر منها هنا اختلف في الدنيا، وإن روحي لا تعرف روحك، قال: فلما ولى قال: إذا سركم أن تنظروا إلى قاتلي فانظروا إلى هذا، قال بعض القوم: أولا تقتله ؟ - أو قال نقتله - فقال: ما أعجب من هذا، تأمروني أن أقتل قاتلي لعنه الله. (3)

 

(1) تذكرة الخواص: 100 و 101. (2) في المصدر: قبل الابدان. (3) بصائر الدرجات: 24.

 

[197]

بيان: أقتل قاتلي أي من لم يقتلني وسيقتلني، والحاصل أن القصاص لا يجوز قبل الفعل، أو المعنى أنه إذا كان في علم الله أنه قاتلي فكيف أقدر على قتله ؟ وإن كان من أسباب عدم القدرة عدم مشروعية القصاص قبل الفعل وعدم صدور ما يخالف الشرع عنه عليه السلام ويرد عليه إشكالات ليس المقام موضع حلها. 15 - ير: أحمد بن الحسن، عن ابن أسباط يرفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال: دخل أمير المؤمنين عليه السلام الحمام فسمع صوت الحسن والحسين عليهما السلام قد علا، فقال لهما: مالكما فداكما أبي وامي ؟ فقالا: اتبعك هذا الفاجر فظننا أنه يريد أن يضرك، قال: دعاه والله ما اطلق إلا له (1). 16 - حة: رأيت في كتاب عن حسن بن الحسين بن طحال المقدادي قال: روى الخلف عن السلف عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه واله قال لعلي عليه السلام: يا علي إن الله عزوجل عرض مودتنا أهل البيت على السماوات والارض، فأول من أجاب منها السماء السابعة، فزينها بالعرش والكرسي، ثم السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور، ثم السماء الدنيا فزينها بالنجوم، ثم أرض الحجاز فشرفها بالبيت الحرام ثم أرض الشام فزينها (2) ببيت المقدس، ثم أرض طيبة فشرفها بقبري، ثم أرض كوفان فشرفها بقبرك يا علي، فقال له: يا رسول الله اقبر بكوفان العراق ؟ فقال: نعم يا علي، تقبر بظاهرها قتلا بين الغريين والذكوات البيض، يقتلك شقي هذه الامة عبد الرحمن بن ملجم، فوالذي بعثني بالحق نبيا ما عاقر ناقة صالح عند الله بأعظم عقابا منه، يا علي ينصرك من العراق مائة ألف سيف (3). 17 - يج: من معجزاته عليه السلام ما روي عن حنان بن سدير عن رجل من مزينة قال: كنت جالسا عند علي عليه السلام فأقبل إليه قوم من مراد ومعهم ابن ملجم، قالوا:

 

(1) بصائر الدرجات: 140. (2) فشرفها خ ل. (3) فرحة الغرى: 18 و 19. (*)

 

[198]

يا أمير المؤمنين طرأ علينا ولا والله ما جاءنا زائرا ولا منتجعا (1) وإنا لنخافه عليك فاشدد يدك به (2) فقال له علي عليه السلام: اجلس، فنظر في وجهه طويلا ثم قال: أرأيتك إن سألتك عن شئ وعندك منه علم هل أنت مخبري عنه ؟ قال: نعم، وحلفه عليه فقال: أكنت تراضع الغلمان وتقوم عليهم فكنت إذا جئت فرأوك من بعيد قالوا: قد جاءنا ابن راعية الكلاب ؟ قال: اللهم نعم، فقال له: مررت برجل وقد أيفعت فنظر إليك وأحد النظر فقال: أشقى من عاقر ناقة ثمود ؟ قال: نعم، قال: قد أخبرتك امك أنها حملت بك في بعض حيضها، فتعتع هنيئة ثم قال: نعم قد حدثتني بذلك، ولو كنت كاتما شيئا لكتمتك هذه المنزلة، فقال له علي عليه السلام: قم، فقام ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: إن قاتلك شبه اليهودي بل هو يهودي. ومنها ما تواترت به الروايات من نعيه نفسه قبل موته وأنه يخرج من الدنيا شهيدا من قوله: والله ليخضبنها من فوقها - يومئ إلى شيبته - ما يحبس أشقاها أن يخضبها بدم ؟ وقوله: أتاكم شهر رمضان وفيه تدور رحى السلطان، ألا وإنكم حاجو العام صفا واحدا، وآية ذلك أني لست فيكم، وكان يفطر في هذه الشهر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن جعفر زوج زينب بنته لاجلها، لا يزيد على ثلاث لقم، فقيل له في ذلك فقال: يأتيني أمر الله وأنا خميص إنما هي ليلة أو ليلتان، فاصيب من الليل وقد توجه إلى المسجد في ليلة ضربه الشفي في آخرها، فصاح الاوز في وجهه وطردهن الناس، فقال: دعوهن فإنهن نوائح (3). بيان: تراضع الغلمان لعله من قولهم: فلان يرضع الناس أي يسألهم، وفي بعض النسخ " تواضع " بالواو من المواضعة بمعنى الموافقة في الامر. ويقال:

 

(1) انتجع فلانا: أتاه طالبا معروفه. (2) أي خذ البيعة منه. (3) لم نجد الروايتين في المصدر المطبوع.

 

[199]

تعتع في الكلام أي تردد من حصر أوعي، قوله: " وفيه تدور رحى السلطان " لعل المراد انقضاء الدوران كناية عن ذهاب ملكه عليه السلام، أو هو كناية عن تغير الدولة وانقلاب أحوال الزمان، ولا يبعد أن يكون في الاصل " الشيطان " مكان السلطان وخمص البطن خلا. وفي الديوان المنسوب إليه عليه السلام مخاطبا لابن ملجم لعنه الله: ألا أيها المغرور في القول والوعد * ومن حال عن رشد المسالك والقصد] (1). أقول: قد أثبتنا بعض الاخبار في كتاب الفتن في باب إخبار النبي صلى الله عليه واله بمظلوميتهم عليهم السلام. 127. (باب) * (كيفية شهادته عليه السلام ووصيته وغسله والصلاة عليه ودفنه) * 1 - قب: قبض صلوات الله عليه قتيلا في مسجد الكوفة وقت التنوير ليلة الجمعة، لتسع عشرة ليلة مضين من شهر رمضان، على يدي عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله، وقد عاونه وردان بن مجالد من تيم الرباب، وشبيب بن بجرة والاشعث بن قيس، وقطام بنت الاخضر، فضربه سيفا على رأسه مسموما، فبقي يومين إلى نحو الثلث من الليل، وله يومئذ خمس وستون سنة في قول الصادق عليه السلام وقالت العامة: ثلاث وستون سنة، عاش مع النبي صلى الله عليه واله بمكة ثلاث عشرة سنة و بالمدينة عشر سنين، وقد كان هاجر وهو ابن أربع وعشرين سنة، وضرب بالسيف بين يدي النبي صلى الله عليه واله وهو ابن ستة عشرة سنة، وقتل الابطال وهو ابن تسع عشرة سنة، وقلع باب خيبر وله ثمان وعشرون سنة، وكانت مدة إمامته ثلاثون سنة

 

(1) الديوان: 38. ولا يوجد هذه الفقرة في غير (ك) من النسخ.

 

[200]

منها أيام أبي بكر سنتان وأربعة أشهر، وأيام عمر تسع سنين وأشهر وأيام - وعن الفرياني: عشر سنين وثمانية أشهر - وأيام عثمان اثنتا عشرة سنة، ثم آتاه الله الحق خمس سنين وأشهرا، وكان عليه السلام أمر بأن يخفى قبره لما عرف من بني امية وعداوتهم فيه، إلى أن أظهره الصادق عليه السلام، ثم إن محمد بن زيد الحسني أمر بعمارة الحائر بكربلاء والبناء عليهما، وبعد ذلك زيد فيه، وبلغ عضد الدولة الغاية في تعظيمهما والاوقاف عليهما (1). 2 - د: في كتاب الذخيرة: جرح أمير المؤمنين عليه السلام لتسع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان سنة أربعين، وتوفي في ليلة الثاني والعشرين منه. وفي كتاب عتيق: ليلة الاحد لسبع بقين من شهر رمضان سنة أربعين. في مواليد الائمة: ليلة الاحد لتسع بقين من شهر رمضان. في كتاب أسماء حجج الله: قبض في أحدى و عشرين ليلة من رمضان في عام الاربعين. وفي تاريخ المفيد: في ليلة إحدى وعشرين من رمضان سنة أربعين من الهجرة وفاة أمير المؤمنين عليه السلام وقيل: يوم الاثنين لتسع عشر من رمضان سنة إحدى وأربعين. دفن بالغري، وعمره ثلاث وستون سنة، كان مقامه مع رسول الله صلى الله عليه واله بعد البعثة ثلاث عشرة سنة بمكة قبل الهجرة، مشاركا له في محنه كلها، محتملا عنه أثقاله، وعشر سنين بعد الهجرة بالمدينة، يكافح (2) عنه المشركين ويجاهد دونه الكافرين، ويقيه بنفسه، فمضى صلى الله عليه واله ولامير المؤمنين ثلاث وثلاثون سنة، وكانت إمامته عليه السلام ثلاثون سنة، منها أربع وعشرون سنة ممنوع من التصرف للتقية والمداراة، ومنها خمس سنين وأشهر ممتحنا بجهاد المنافقين، وقيل: مدة ولايته أربع سنين وتسعة أشهر، وقيل: عمره أربع وستون سنة و أربعة شهور وعشرون يوما، وقيل: قتل عليه السلام في شهر رمضان لتسع مضين منه، و قيل: لتسع بقين منه ليلة الاحد سنة أربعين من الهجرة (3).

 

(1) مناقب آل ابى طالب 2: 78. (2) أي يدافع. (3) مخطوط.

 

[201]

3 - كا: قتل عليه السلام في شهر رمضان لتسع بقين منه ليلة الاحد سنة أربعين من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة، بقي بعد قبض النبي صلى الله عليه واله ثلاثين سنة (1). 4 - د: اختلف في الليلة التي استشهد فيها، أحدها آخر الليلة السابع عشرة من شهر رمضان صبيحة الجمعة بمسجد الكوفة قاله ابن عباس. الثاني ليلة إحدى وعشرين من رمضان، فبقي الجمعة ثم يوم السبت وتوفي ليلة الاحد، قاله مجاهد والثالث أنه قتل في الليلة السابعة والعشرين من شهر رمضان، قاله الحسن البصري وهي ليلة القدر، وفيها عرج بعيسى بن مريم عليه السلام، وفيها توفي يوشع بن نون وهذا أشهر (2). 5 - يب: الشيخ، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: الغسل في سبعة عشر موطنا، وساق الحديث إلى أن قال: وليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان، وهي الليلة التي اصيب فيها [سيد] أوصياء الانبياء، وفيها رفع عيسى بن مريم وقبض موسى عليه السلام، الخبر (3). 6 - لى: أبي، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي حمزة الثمالي، عن حبيب بن عمرو قال: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام في مرضه الذي قبض فيه، فحل عن جراحته، فقلت: يا أمير المؤمنين ما جرحك هذا بشئ وما بك من بأس، فقال لي: يا حبيب أنا والله مفارقكم الساعة، قال: فبكيت عند ذلك وبكت ام كلثوم وكانت قاعدة عنده، فقال لها: ما يبكيك يا بنية ؟ فقالت: ذكرت يا أبه أنك تفارقنا الساعة فبكيت، فقال لها: يا بنية لا تبكين فوالله لو ترين ما يرى أبوك ما بكيت

 

(1) اصول الكافي (الجزء الاول من الطبعة الحديثة): 452. (2) مخطوط. (3) التهذيب 1: 32.

 

[202]

قال حبيب: فقلت له: وما الذي ترى يا أمير المؤمنين ؟ فقال: يا حبيب أرى ملائكة السماء والنبيين بعضهم في أثر بعض وقوفا إلى أن يتلقوني، وهذا أخي محمد رسول الله صلى الله عليه واله جالس عندي يقول: أقدم فإن أمامك خير لك مما أنت فيه، قال: فما خرجت من عنده حتى توفي عليه السلام. فلما كان من الغد وأصبح الحسن عليه السلام قام خطيبا على المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: أيها الناس في هذه الليلة نزل القرآن، وفي هذه الليلة رفع عيسى بن مريم، وفي هذه الليلة قتل يوشع بن نون، وفي هذه الليلة مات أبي أمير المؤمنين عليه السلام والله لا يسبق أبي أحد كان قبله من الاوصياء إلى الجنة، ولا من يكون بعده، وإن كان رسول الله صلى الله عليه واله ليبعثه في السرية فيقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، وما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه كان يجمعها ليشتري بها خادما لاهله (1). 7 - جا، ما: المفيد، عن عمر بن محمد بن علي الصيرفي، عن محمد بن همام الاسكافي، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن أحمد بن سلامة الغنوي، عن محمد بن الحسن العامري، عن معمر (2) عن أبي بكر بن عياش، عن الفجبع العقيلي قال: حدثني الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام قال: لما حضرت والدي الوفاة أقبل يوصي فقال: هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أخو محمد رسول الله صلى الله عليه واله وابن عمه وصاحبه أول وصيتي أني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله وخيرته، اختاره بعلمه وارتضاه لخيرته، وأن الله باعث من في القبور، وسائل الناس عن أعمالهم، عالم بما في الصدور، ثم إني اوصيك يا حسن - وكفى بك وصيا - بما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه واله فإذا كان ذلك يا بني الزم بيتك، وابك على خطيئتك، ولا تكن الدنيا أكبر همك، واوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها والزكاة في أهلها عند محلها، والصمت

 

(1) أمالى الصدوق: 192. (2) في المصدرين: حدثنا ابو معمر.

 

[203]

عند الشبهة، والاقتصاد، والعدل في الرضى والغضب، وحسن الجوار، وإكرام الضيف، ورحمة المجهود وأصحاب البلاء، وصلة الرحم، وحب المساكين ومجالستهم والتواضع فإنه من أفضل العبادة، وقصر الامل واذكر الموت، وازهد في الدنيا فإنك رهين موت وغرض بلاء وطريح (1) سقم، واوصيك بخشية الله في سر أمرك وعلانيتك، وأنهاك عن التسرع بالقول والفعل، وإذا عرض شئ من أمر الآخرة فابدأ به، وإذا عرض شئ من أمر الدنيا فتأنه حتى تصيب رشدك فيه، وإياك و مواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء، فإن قرين السوء يغر (2) جليسه، وكن لله يا بني عاملا، وعن الخنى زجورا، وبالمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا وواخ الاخوان في الله، وأحب الصالح لصلاحه، ودار الفاسق عن دينك وابغضه بقلبك، وزايله بأعمالك لئلا (3) تكون مثله، وإياك والجلوس في الطرقات، ودع الممارات ومجارات من لا عقل له ولا علم، واقتصد يا بني في معيشتك، واقتصد في عبادتك، وعليك فيها بالامر الدائم الذي تطيقه، والزم الصمت تسلم، وقدم لنفسك تغنم، وتعلم الخير تعلم، وكن لله ذاكرا على كل حال، وارحم من أهلك الصغير، ووقر منهم الكبير، ولا تأكلن طعاما حتى تصدق منه قبل أكله، وعليك بالصوم فإنه زكاة البدن وجنة لاهله. وجاهد نفسك، واحذر جليسك، واجتنب عدوك، وعليك بمجالس الذكر، وأكثر من الدعاء فإني لم آلك يا بني نصحا وهذا فراق بيني وبينك، واوصيك بأخيك محمد خيرا، فإنه شقيقك وابن أبيك وقد تعلم حبي له، وأما أخوك الحسين فهو ابن امك، ولا اريد (4) الوصاة بذلك والله الخليفة عليكم، وإياه أسأل أن يصلحكم، وأن يكف الطغاة البغاة عنكم،

 

(1) في " ما " و (خ): صريع. (2) في " ما " يغير. وفي " جا " يعير. (3) في " ما ": كيلا. (4) في " ما ": ولا ازيد.

 

[204]

والصبر الصبر حتى ينزل الله الامر، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (1). بيان: وارتضاه لخيرته أي لان يكون مختاره من بين الخلق. 8 - جا، ما: المفيد، عن محمد بن عمر الجعابي، عن ابن عقدة، عن موسى بن يوسف القطان، عن محمد بن سليمان المقري، عن عبد الصمد بن علي النوفلي عن أبي إسحاق السبيعي، عن الاصبغ بن نباتة قال: لما ضرب ابن ملجم لعنه الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عدونا (2) نفر من أصحابنا أنا والحارث و سويد بن غفلة وجماعة معنا، فقعدنا على الباب، فسمعنا البكاء فبكينا، فخرج إلينا الحسن بن علي عليه السلام فقال: يقول لكم أمير المؤمنين عليه السلام: انصرفوا إلى منازلكم فانصرف القوم غيري، فاشتد البكاء من منزله فبكيت، وخرج الحسن عليه السلام وقال: ألم أقل لكم: انصرفوا ؟ فقلت: لا والله يا ابن رسول الله صلى الله عليه واله لا يتابعني (3) نفسي ولا يحملني رجلي أنصرف (4) حتى أرى أمير المؤمنين عليه السلام قال: فبكيت، ودخل فلم يلبث أن خرج فقال لي: ادخل، فدخلت على أمير المؤمنين عليه السلام فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف واصفر وجهه ما أدري وجهه أصفر أو العمامة فأكببت عليه فقبلته وبكيت، فقال لي: لا تبك يا أصبغ فإنها والله الجنة، فقلت له: جعلت فداك إني أعلم والله أنك تصير إلى الجنة، وإنما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين جعلت فداك حدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه واله فإني أراك لا أسمع منك حديثا بعد يومي هذا أبدا، قال: نعم يا أصبغ دعاني رسول الله صلى الله عليه واله يوما فقال لي: يا علي انطلق حتى تأتي مسجدي ثم تصعد منبري، ثم تدعو الناس إليك فتحمد الله تعالى وتثني عليه وتصلي علي صلاة كثيرة، ثم تقول: أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم، وهو يقول لكم: إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين

 

(1) امالي المفيد: 129 و 130. امالي الشيخ: 4 و 5. وفيه: ولا حول ولا قوة اه‍. (2) في " ما ": غدونا عليه اه‍. (3) في المصدرين: لا يتابعني. (4) في المصدرين: أن أنصرف.

 

[205]

وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه، أو ادعى إلى غير مواليه أو ظلم أجيرا أجره، فأتيت مسجده صلى الله عليه واله وصعدت منبره، فلما رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوي، فحمدت الله وأثنيت عليه وصليت على رسول الله صلى الله عليه واله صلاة كثيرة ثم قلت: أيها الناس إني رسول الله إليكم، وهو يقول لكم: ألا إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي إلى (1) من انتمى إلى غير أبيه أو ادعى إلى غير مواليه أو ظلم أجيرا أجره، قال: فلم يتكلم أحد من القوم إلا عمر بن الخطاب، فإنه قال: قد أبلغت يا أبا الحسن ولكنك جئت بكلام غير مفسر، فقلت: ابلغ ذلك رسول الله، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه واله فأخبرته الخبر، فقال: ارجع إلى مسجدي حتى تصعد منبري، فاحمد الله وأثن عليه وصل علي ثم قل: أيها الناس ما كنا لنجيئكم بشئ إلا وعندنا تأويله وتفسيره، ألا وإني أنا أبوكم، ألا وإني أنا مولاكم، ألا وإني أنا أجيركم (2). توضيح: نزف فلان دمه - كعني -: سال حتى يفرط، فهو منزوف ونزيف قوله عليه السلام: ألا وإني أنا أبوكم يعني أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وإنما وصفه بكونه أجيرا لان النبي والامام عليهما السلام لما وجب لهما بإزاء تبليغهما رسالات ربهما إطاعتهما ومودتهما فكأنهما أجيران، كما قال تعالى: " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى (3) " ويحتمل أن يكون المعنى: من يستحق الاجر من الله بسببكم. 9 - ما: بإسناد أخي دعبل، عن الرضا، عن آبائه، عن علي بن الحسين عليهم السلام قال: لما ضرب ابن ملجم لعنه الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كان معه آخر فوقعت ضربته على الحائط، وأما ابن ملجم فضربه فوقعت الضربة وهو ساجد على

 

(1) في المصدرين: على. (2) امالي المفيد: 208 و 209. أمالى الشيخ: 76 و 77. (3) سورة الشورى: 23.

 

[206]

رأسه على الضربة التي كانت، فخرج الحسن والحسين عليهما السلام وأخذا ابن ملجم وأوثقاه واحتمل أمير المؤمنين عليه السلام فادخل داره، فقعدت لبابة عند رأسه وجلست ام كلثوم عند رجليه، ففتح عينيه فنظر إليهما فقال: الرفيق الاعلى خير مستقرا وأحسن مقيلا، ضربة بضربة أو العفو إن كان ذلك، ثم عرق، ثم أفاق فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه واله يأمرني بالرواح إليه عشاء ثلاث مرات (1). بيان: لعل العرق كناية عن الفتور والضعف والغشي، فإنها تلزمه غالبا، وفي بعض النسخ بالغين المعجمة، فيكون المراد الاغماء أو النوم مجازا، وقد يقال: غرق في السكر إذا بلغ النهاية فيه. 10 - ب: أبوالبختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهم السلام أن علي بن أبي طالب عليه السلام خرج يوقظ الناس لصلاة الصبح، فضربه عبد الرحمن بن ملجم بالسيف على ام رأسه، فوقع على ركبتيه، وأخذه فالتزمه حتى أخذه الناس، وحمل علي حتى أفاق، ثم قال للحسن والحسين عليهما السلام: احبسوا هذا الاسير وأطعموه واسقوه وأحسنوا إساره فإن عشت فأنا أولى بما صنع في، إن شئت استقدت (2) وإن شئت صالحت، وإن مت فذلك إليكم، فإن بدالكم أن تقتلوه فلا تمثلوا به (3). 11 - كا: الحسين بن الحسن الحسني، رفعه، ومحمد بن الحسن، عن إبراهيم ابن إسحاق الاحمري رفعه قال: لما ضرب أمير المؤمنين عليه السلام حف به العواد و قيل له: يا أمير المؤمنين أوص، فقال اثنوا لي وسادة، ثم قال: الحمد لله حق قدره متبعين أمره، أحمده كما أحب، ولا إله إلا الله الواحد الاحد الصمد كما انتسب، أيها الناس كل امرئ لاق في فراره ما منه يفر، والاجل مساق النفس إليه و الهرب منه موافاته، كم أطردت الايام أبحثها عن مكنون هذا الامر فأبى الله عز ذكره إلا إخفاءه، هيهات علم مكنون، أما وصيتي فأن لا تشركوا بالله جل ثناؤه

 

(1) أمالى الشيخ، 232. (2) أي اخذت منه القود وهو القصاص. وفى المصدر: استنقذت. (3) قرب الاسناد: 67.

 

[207]

شيئا، ومحمد صلى الله عليه واله فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين وخلاكم ذم ما لم تشردوا، حمل كل امرئ منكم مجهوده، وخفف عن الجهلة، رب رحيم وإمام عليم ودين قويم، أنا بالامس صاحبكم واليوم عبرة لكم وغدا مفارقكم إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك المراد، وإن تدحض القدم فإنا كنا في أفياء أغصان وذرى رياح وتحت ظل غمامة اضمحل في الجو متلفقها وعفا في الارض مخطها، وإنما كنت جارا جاوركم بدني أياما، وستعقبون مني جثة خلاء ساكنة بعد حركة، وكاظمة بعد نطق، ليعظكم هدوي وخفوت إطراقي وسكون أطرافي، فإنه أوعظ لكم من الناطق البليغ، ودعتكم وداع مرصد للتلاقي غدا ترون أيامي ويكشف الله عزوجل عن سرائري، وتعرفوني بعد خلو مكاني وقيام غيري مقامي، إن أبق فأنا ولي دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعف فالعفو لي قربة ولكم حسنة، فاعفوا واصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ؟ فيا لها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة، أو يؤديه (1) أيامه إلى شقوة، جعلنا الله وإياكم ممن لا يقصر به عن طاعة الله رغبة، أو تحل به (2) بعد الموت نقمة، فإنما نحن له وبه. ثم أقبل على الحسن عليه السلام فقال: يا بني ضربة مكان ضربة ولا تأثم (3). بيان: قوله: " اثنوالي وسادة " يقال: ثنى الشئ كسمع (4): رد بعضه على بعض، وثنيها إما للجلوس عليها ليرتفع ويظهر للسامعين، أو للانكاء عليها لعدم قدرته على الجلوس. قوله عليه السلام: " قدره " أي حمدا يكون حسب قدره وكما هو أهله. وقوله: " متبعين " حال عن فاعل الحمد لانه في قوة نحمد الله. قوله: " كما انتسب " أي كما نسب نفسه في سورة التوحيد. قوله عليه السلام: " كل امرئ لاق في

 

(1) في المصدر: تؤديه. (2) في (ك): عليه. (3) اصول الكافي (الجزء الاول من الطبعة الحديثة): 299 و 300. (4) هذا وهم، والصواب " كرمى " فان العين في ثنى مفتوح وفى مضارعه مكسور بخلاف سمع. (*)

 

[208]

فراره " أي من الامور المقدرة الحتمية كالموت، قال الله تعالى: " قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم (1) " وإنما قال عليه السلام: " في فراره " لان كل أحد يفر دائما من الموت وإن كان تبعدا. والمساق مصدر ميمي، وليست في نهج البلاغة كلمة " إليه " فيحتمل أن يكون المراد بالاجل منتهى العمر والمساق ما يساق إليه، وأن يكون المراد به المدة فالمساق زمان السوق. وقوله عليه السلام: " والهرب منه موافاته " من حمل اللازم على الملزوم، فإن الانسان مادام يهرب من موته بحركات وتصرفات يفني عمره فيها، فكأن الهرب منه موافاته، والمعنى أنه إذا قدر زوال عمر أو دولة فكل ما يدبره الانسان لرفع ما يهرب منه يصير سببا لحصوله، إذ تأثير الادوية والاسباب بإذنه تعالى، مع أنه عند حلول الاجل يصير أحذق الاطباء أجهلم، ويغفل عما ينفع المريض، وهكذا في سائر الامور. وقال الفيروز آبادي: الطرد: الابعاد وضم الابل من نواحيها، وطردتهم أتيتهم وجزتهم، وأطرده: أمر بطرده أو بإخراجه عن البلد، واطرد الامر: تبع بعضه بعضا وجرى، انتهى (2)، ويحتمل أن يكون الاطراد بمعنى الطرد والجمع أو الامر به مجازا، ويمكن أن يقرأ " اطردت " على صيغة الغائب بتشديد الطاء فالايام فاعله، قال أكثر شراح النهج: كأنه عليه السلام جعل الايام أشخاصا يأمر بإخراجهم وإبعادهم عنه، أي ما زلت أبحث عن كيفية قتلي وأي وقت يكون بعينه، وفي أي أرض يكون يوما يوما، فإذا لم أجده في يوم طردته واستقبلت يوما آخر، وهكذا حتى وقع المقدر، قالوا: وهذا الكلام يدل على أنه عليه السلام لم يكن يعرف حال قتله مفصلة من جميع الوجوه، وأن رسول الله صلى الله عليه واله أعلمه بذلك مجملا، و " مكنون هذا الامر " أي المستور من خصوصيات هذا الامر، أو المستور هو هذا الامر فالمشار إليه شئ متعلق بوفاته. و " هيهات " أي بعد الاطلاع عليه فإنه علم مكنون مخزون، ومن خواص المخزون ستره والمنع من أن يناله أحد

 

(1) سورة الجمعة: 8. (2) القاموس 1: 310.

 

[209]

والاظهر عندي أن المراد أني جمعت مرارا حوادث الايام وغرائبها التي وقعت علي في ذهني، وبحثت عن السر الخفي في خفاء الحق وظهور الباطل وغلبة أهله، وقيل: أي السر في قتله عليه السلام فظهر لي، فأبى الله إلا إخفاءه عنكم، لضعف عقولكم عن فهمه، إذ هي من غوامض مسائل القضاء والقدر. قوله: " ومحمدا " عطف على " أن لا تشركوا " ويمكن أن يقدر فيه فعل، أي اذكركم محمدا أو هو نصب على الاغراء، وفي بعض النسخ بالرفع وفي النهج " وأما وصيتي فالله لا تشركوا به شيئا ومحمدا صلى الله عليه واله فلا تضيعوا سنته " والعمودان التوحيد والنبوة، وإقامتهما كناية عن إحقاق حقوقهما، وقيل: المراد بهما الحسنان، وقيل: هما المراد بالمصباحين، ويقال: خلاك ذم أي اعذرت وسقط عنك الذم. قوله عليه السلام: " ما لم تشردوا " أي تتفرقوا في الدين. قوله: " حمل " على التفعيل مجهولا أو معلوما، و " خفف " أيضا إما على بناء المعلوم أو المجهول، فيقدر مبتدء لقوله: " رب رحيم " أي ربكم، أو خبر أي لكم، وعلى الاول (1) في إسناد الحمل والتخفيف إلى الدين والامام تجوز، والمراد إمام كل زمان، و ثبوت الوطأة كناية عن البرء من المرض. والذرى اسم لما ذرته الرياح، شبه ما فيه الانسان في الدنيا من الامتعة بما ذرته الرياح في عدم الثبات وقلة الانتفاع بها، وقيل: المراد محال ذروها، كما أن في النهج " ومهب رياح ". قوله: " متلفقها " بكسر الفاء أي ما انضم واجتمع من متفرقات الغمام. و مخطها ما يحدث في الارض من الخط الفاصل بين الظل والنور، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة أي محط ظلها فاعله (2)، والحاصل أني إن مت فلا عجب، فإني كنت في امور فانية شبيهة بتلك الامور، أو لا ابالي فإني كنت في الدنيا غير

 

(1) أي على كون خفف معلوما. (2) كذا.

 

[210]

متعلق بها كمن كان في تلك الامور، وكنت دائما مترصدا للانتقال، وقيل: استعار الاغصان للعناصر الاربعة، والافياء لتركبها المعرض للزوال، والرياح للارواح، وذراها للابدان الفائزة هي عليها بالجود الالهي، والغمامة للاسباب القوية من الحركات السماوية والتأثيرات الفلكية والارزاق المفاضة على الانسان في هذا العالم، وكنى باضمحلال متلفقها عن تفرق تلك الاسباب وزوالها، وبعفاء مخطها في الارض عن فناء آثارها في الابدان. " جاوركم بدني " إنما خص المجاورة بالبدن لانها من خواص الاجسام، أو لان روحه عليه السلام كانت معلقة بالملاء الاعلى وهو بعد في هذه الدنيا، كما قال عليه السلام في وصف إخوانه " كانوا في الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملاء الاعلى " و " ستعقبون " على بناء المفعول من الاعقاب، وهو إعطاء شئ. وجثة الانسان بالضم شخصه وجسده، خلاء أي خالية من الروح والخواص. وفي القاموس: كظم غيظه: رده وحبسه، والباب: أغلقه، وكظم كعني كظوما: سكت، وقوم كظم كركع: ساكتون (1). وفي النهج " وصامتة بعد نطوق ". ليعظكم بكسر اللام والنصب كما هو المضبوط في النهج، ويحتمل الجزم لكونه أمرا، وفتح اللام والرفع أيضا، و الهدوء بالهمزة وقد يخفف ويشدد: السكون وخفت الصوت خفوتا: سكن، و لهذا قيل للميت " خفت " إذا انقطع كلامه وسكت. وإطراقي إما بكسر الهمزة كما هو المضبوط في النهج من أطرق إطراقا أي أرخى عينيه إلى الارض، كناية عن عدم تحريك الاجفان، أو بفتحها جمع طرق - بالكسر - بمعنى القوة، أو جمع طرق بالفتح وهو الضرب بالمطرقة، والاطراق بالتحريك (2) هي الاعضاء كالبدن و الرجلين. ووداع بالفتح اسم من قولهم: ودعته توديعا، وإما بالكسر فهو الاسم من قولك: أودعته موادعة أي صالحته. وتقول: رصدته إذا قعدت له على طريقة

 

(1) القاموس 4: 172. (2) كذا.

 

[211]

تترقبه، وأرصدت له العقوبة أي أعدتها له، ومرصد في بعض نسخ النهج بالفتح، فالفاعل هو الله تعالى أو نفسه عليه السلام كأنه أعد نفسه بالتوطين للتلاقي، وفي بعضها بالكسر، فالمفعول نفسه أو ما ينبغي إعداده وتهيئته، ويوم التلاقي يوم القيامة، ويحتمل شموله للرجعة أيضا. وقوله: " غدا " ظرف الافعال الآتية، ويحتمل تلك الفقرات وجوها من التأويل: الاول أن يكون المعنى: بعد أن افارقكم يتولى بنو امية وغيرهم أمركم ترون وتعرفون فضل أيام خلافتي، وأني كنت على الحق، ويكشف الله لكم عن سرائري، أي أني ما أردت في حروبي وسائر ما أمرتكم به إلا الله تعالى، أو ينكشف بعض حسناتي المروية إليكم وكنت أسترها عنكم وعن غيركم، وتعرفون عدلي و قدري بعد قيام غيري مقامي بالخلافة. الثاني أن يكون المراد بقوله: " غدا " أيام الرجعة والقيامة، فإن فيهما تظهر شوكته ورفعته ونفاذ حكمه في عالم الملك والملكوت، فهو عليه السلام في الرجعة ولي الانتقام من المنافقين والكفار، وممكن المتقين والاخيار في الاصقاع و الاقطار، وفي القيامة إلى الحساب وقسيم الجنة والنار، فالمراد بخلو مكانه خلو قبره عن جسده بحسب ما يظنه الناس في الرجعة، ونزوله عن منبر الوسيلة وقيامه على شفير جهنم، يقول للنار: خذي هذا واتركي هذا في القيامة. ثم اعلم أن في أكثر نسخ الكافي " وقيامي غير مقامي " وهو أنسب بهذا المعنى وعلى الاول يحتاج إلى تكلف كأن يكون المراد قيامه عند الله تعالى في السماوات وتحت العرش وفي الجنان في الغرفات وفي دار السلام، كما دلت عليه الروايات، وفي نسخ النهج وبعض نسخ الكافي " وقيام غيري مقامي " فهو بالاول أنسب، وعلى الاخير لا يستقيم إلا بتكلف كأن يكون المراد بالغير القائم عليه السلام فإنه إمام زمان في الرجعة، وقيام الرسول صلى الله عليه واله مقامه للمخاصمة في القيامة، كذا خطر بالبال، و إن ذكرا مجملا منه بعض المعاصرين في مؤلفاتهم.


 

[212]

الثالث ما خطر بالبال أيضا وهو الجمع بين المعنيين، بأن يكون " ترون أيامي ويكشف الله عن سرائري " في الرجعة والقيامة، لاتصاله بقوله: " وداع مرصد للتلاقي " وقوله: " وتعرفوني " إلى آخره إشارة إلى المعنى الاول غير متعلقة بالفقرتين الاوليين، وهو أسد وأفيد وأظهر، لا سيما على النسخة الاخيرة إن أبق الشر (1) في لا تنافي العلم بعدم وقوع المقدم، وفي تنزيل العالم منزلة الشاك نوع من المصلحة، وفي بعض النسخ " العفو لي قربة " ويحتمل أن يكون استحلالا من القوم على سبيل التواضع، كما هو الشائع عند الموادعة. وفي أكثر النسخ " وإن أعف فالعفو لي قربة " أي إن أعف عن قاتلي، فقوله عليه السلام: " ولكم حسنة " أي فيما يجوز العفو فيه لا في تلك الواقعة، أو عفوي عن قاتلي لكم حسنة لصبر كم على ما يشق عليكم في ذلك - " فيالها حسرة " النداء للتعجب، والمنادى محذوف وضمير " لها " مبهم، وحسرة تمييز للضمير المبهم، نحو ربه رجلا أن يكون أي لان يكون، أو هو خبر مبتدء محذوف والشقوة بالكسر: سوء العاقبة قوله: " ممن لا يقصر به " الباء للتعدية. ورغبة فاعل لم تقصر، وضمير " به " راجع إلى الموصول أي لا يجعله رغبة من رغبات النفس قاصرا عن طاعة الله، وضمير له وبه راجعان إلى الله أو إلى الموت. قوله عليه السلام: " ولا تأثم " أي في الزيادة، فالمراد بالاثم ترك الاولى مجازا، ويمكن أن يقرأ على باب التفعل أي لا تزد فتكون عند الناس منسوبا إلى الاثم (2) 12 - غط: أحمد بن عبدون، عن علي بن محمد بن الزبير، عن علي بن الحسن ابن فضال، عن محمد بن عبيدالله بن زرارة، عمن رواه، عن عمرو بن شمر، عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: هذه وصية أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحسن عليه السلام وهي

 

(1) كذا. (2) البيان المذكور موافق لنسخة (ك) ويزيد على سائر النسخ ويختلف اياها بكثير، أثبتناه كما وجدناه.

 

[213]

نسخة كتاب سليم بن قيس الهلالي دفعها إلى أبان وقرأها عليه، قال أبان: وقرأتها على علي بن الحسين عليهما السلام فقال: صدق سليم رحمه الله، قال سليم: فشهدت وصية أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام وأشهد على وصيته الحسين و محمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، وقال: يا بني أمرني رسول الله صلى الله عليه واله أن اوصى إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي، ثم أقبل عليه فقال: يا بني أنت ولي الامر وولي الدم، فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربة مكان ضربة ولا تأثم، ثم ذكر الوصية إلى آخرها، فلما فرغ من وصيته قال: حفظكم الله وحفظ فيكم نبيكم، أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله، ثم لم يزل يقول: " لا إله إلا الله " حتى قبض ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة، وكان ضرب ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان (1). 13 - غط: أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى قال: بعث إلي أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام بهذه الوصية مع الاخرى. وفي رواية اخرى أنه قبض ليلة إحدى وعشرين وضرب ليلة تسع عشرة، وهي الاظهر (2). 14 - حة: محمد بن أحمد بن داود القمي، عن محمد بن علي بن الفضل، عن علي بن الحسين بن يعقوب، عن جعفر بن أحمد بن يوسف، عن علي بن بدرج (3) الجاحظ عن عمرو بن اليسع قال: جاءني سعد الاسكاف فقال: يا بني تحمل الحديث ؟ قلت: نعم: فقال: حدثني أبو عبد الله عليه السلام قال: لما اصيب أمير المؤمنين عليه السلام قال للحسن والحسين عليهما السلام: غسلاني وكفناني وحنطاني واحملاني على سريري، واحملا مؤخره تكفيان مقدمه - وفي رواية الكليني (4) عن علي بن محمد رفعه قال: قال

 

(1 و 2) الغيبة للشيخ الطوسي: 127. والجملة الاخيرة من قوله " وفى رواية اخرى " قد ذكرت في المصدر عقيب الرواية الاولى. (3) في المصدر: عن على بن بذرج الحافظ. (4) كذا في (ك). وفى غيره من النسخ " الكلبى ". وفى المصدر: المهلبى.

 

[214]

أبو عبد الله عليه السلام: لما غسل أمير المؤمنين عليه السلام نودوا من جانب البيت: إن أخذتم مقدم السرير كفيتم مؤخره، وإن أخذتم مؤخره كفيتم مقدمه - رجعنا إلى تمام الحديث: فإنكما تنتهيان إلى قبر محفور ولحد ملحود ولبن محفوظ (1) فالحداني وأشرجا (2) علي اللبن، وارفعا لبنة مما عند رأسي فانظرا ما تسمعان، فأخذ اللبنة من عند الرأس بعد ما أشرجا عليه اللبن فإذا ليس بالقبر (3) شئ، وإذا هاتف يهتف: أمير المؤمنين (4) عليه السلام كان عبدا صالحا، فألحقه الله عزوجل بنبيه صلى الله عليه واله، وكذلك يفعل بالاوصياء بعد الانبياء، حتى لو أن نبيا مات في الشرق ومات وصيه في الغرب ألحق الله الوصي بالنبي (5). 15 - حة: ذكر الفقيه محمد بن معد الموسوي قال: رأيت في بعض الكتب الحديثية القديمة ما صورته: حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد العزيز بن عامر الدهان (6) قال: حدثنا علي بن عبد الله الانباري، قال: حدثني محمد بن أحمد بن عيسى ابن أخي الحسن بن يحيى، قال: حدثني محمد بن الحسن الجعفري قال: وجدت في كتاب أبي وحدثتني امي عن امها أن جعفر بن محمد حدثها أن أمير المؤمنين عليه السلام أمر ابنه الحسن عليه السلام أن يحفر له أربع (7) قبور في أربع مواضع: في المسجد وفي الرحبة وفي الغري وفي دار جعدة بن هبيرة، وإنما أراد بهذا أن لا يعلم أحد من أعدائه موضع قبره (8).

 

(1) في المصدر: موضوع. (2) شرج الحجارة واللبن، نضدها وضم بعضها على بعض. (3) في المصدر: في القبر. (4) في المصدر: ان امير المؤمنين. (5) فرحة الغرى 21 و 22. (6) في المصدر: الدهقان. (7) في المصدر: " اربعة " في الموضعين. (8) فرحة الغرى: 22 و 23.

 

[215]

16 - حة: ذكر جعفر بن مبشر في كتابه في نسخة عتيقة عندي ما صورته: قال: قال المدائني: عن أبي زكريا، عن أبي بكر الهمداني، عن الحسين بن علوان عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباتة وعبد الله بن محمد، عن علي بن اليماني، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي، والقاسم بن محمد المقري، عن عبد الله بن زيد، عن المعافا بن عبد السلام، عن أبي عبد الله الجدلي قال: (1) استنفر علي بن أبي طالب عليه السلام الناس في قتال معاوية في الصيف، وذكر الحديث مطولا وقال في آخره أبو عبد الله الجدلي: وقد حضره عليه السلام وهو يوصي الحسن فقال: يا بني إني ميت من ليلتي هذه، فإذا أنا مت فاغسلني (2) وكفنني وحنطني بحنوط جدك، وضعني على سريري، ولا يقربن أحد منكم مقدم السرير فإنكم تكفونه، فإذا حمل المقدم فاحملوا المؤخر، وليتبع المؤخر المقدم حيث ذهب (3) فإذا وضع المقدم فضعوا المؤخر، ثم تقدم أي بني فصل علي، فكبر (4) سبعا فإنها لن تحل لاحد من بعدي إلا لرجل من ولدي يخرج في آخر الزمان يقيم اعوجاج الحق، فإذا صليت فخط حول سريري، ثم احفر لي قبرا في موضعه إلى منتهى كذاو كذا، ثم شق لحدا فإنك تقع على ساجة منقورة ادخرها (5) لي أبي نوح، وضعني في الساجة، ثم ضع علي سبع لبن (6) كبار، ثم ارقب هنيئة، ثم انظر فإنك لن تراني في لحدي (7).

 

(1) في المصدر: قالوا. (2) في المصدر: فغسلني. (3) في المصدر: فإذا المقدم ذهب فاذهبوا حيث ذهب. (4) في المصدر: وكبر. (5) في (ك): أذخرها. (6) في المصدر: لبنات. (7) فرحة الغرى: 23 و 24.

 

[216]

17 - حة: الصدوق، عن الحسن بن محمد بن سعيد، عن فرات بن إبراهيم، عن علي بن حامد، عن إسماعيل بن علي بن قدامة، عن أحمد بن علي بن ناصح عن جعفر بن محمد الارمني، عن موسى بن سنان الجرجاني، عن أحمد بن علي المقري عن ام كلثوم بنت علي عليه السلام قالت: آخر عهد أبي إلى أخوي عليهما السلام أن قال: يا بني إذا (1) أنامت فغسلاني ثم نشفاني بالبردة التي نشفتم بها رسول الله صلى الله عليه واله وفاطمة عليها السلام ثم حنطاني وسجياني على سريري، ثم انظرا (2) حتى إذا ارتفع لكما مقدم السرير فاحملا مؤخره، قال: فخرجت اشيع جنازة أبي، حتى إذا كنا بظهر الغري ركن (3) المقدم فوضعنا المؤخر، ثم برز الحسن عليه السلام بالبردة التي نشف بها رسول الله صلى الله عليه واله وفاطمة وأمير المؤمنين عليه السلام (4) ثم أخذ المعول فضرب ضربة فانشق القبر عن ضريح، فإذا هو بساجة (5) مكتوب عليها سطران بالسريانية: " بسم الله الرحمن الرحيم هذا قبر قبره (6) نوح النبي لعلي وصي محمد قبل الطوفان بسبع مائة عام " قالت ام كلثوم: فانشق القبر، فلا أدري أنبش (7) سيدي في الارض أم اسري به إلى السماء إذ سمعت ناطقا لنا بالتعزية: أحسن الله لكم العزاء في سيدكم وحجة الله على خلقه (8). بيان: ثم برز الحسن عليه السلام بالبردة أي مرتديا بها. 18 - حة: محمد بن أحمد بن داود، عن سلامة، عن محمد بن جعفر المؤدب، عن

 

(1) في المصدر: إن. (2) في المصدر: ثم انتظرا. (3) ركن إليه: مال وسكن. وفى المصدر: ركز. (4) في المصدر: فنشف بها امير المؤمنين عليه السلام. (5) الساجة: االلوح، والخشبة من شجر الساج التى لا تكاد تبليها الارض. (6) في المصدر: ادخره. (7) في المصدر: غار. (8) فرحة الغرى: 24 و 25.

 

[217]

محمد بن أحمد بن يحيى، عن يعقوب بن زيد، عن علي بن أسباط، عن أحمد بن حباب قال: نظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى ظهر الكوفة فقال: ما أحسن منظرك (1) وأطيب [ريحك] قعرك اللهم اجعل قبري بها (2). 19 - حة: عمي علي بن طاوس، عن محمد بن عبد الله بن زهرة، عن محمد بن الحسن العلوي، عن القطب الراوندي، عن ذي الفقار بن معبد، عن المفيد محمد بن النعمان، قال: رواه (3) عباد بن يعقوب الرواجني، قال: حدثنا حسان بن علي القسري (4)، قال: حدثنا مولى لعلي بن أبي طالب عليه السلام قال: لما حضرت أمير - المؤمنين عليه السلام الوفاة قال للحسن والحسين عليهما السلام: إذا أنامت فاحملاني على سرير ثم أخرجاني واحملا مؤخر السرير فإنكما تكفيان مقدمه، ثم ايتابي الغريين فإنكما ستريان صخرة بيضاء، فاحتفرا فيها فإنكما ستجدان فيها ساجة، فادفناني فيها، قال: فلما مات أخرجناه وجعلنا نحمل مؤخر السرير ونكفى مقدمه، و جعلنا نسمع دويا وحفيفا حتى أتينا الغريين، فإذا صخرة بيضاء تلمع نورا، فاحتفرنا فإذا ساجة مكتوب عليها: ما ادخر (5) نوح عليه السلام لعلي بن أبي طالب عليه السلام فدفناه فيها وانصرفنا ونحن مسرورون بإكرام الله تعالى لامير المؤمنين عليه السلام، فلحقنا قوم من الشيعة لم يشهدوا الصلاة عليه، فأخبرناهم بما جرى وبإكرام الله تعالى أمير المؤمنين عليه السلام، فقالوا: نحب أن نعاين من أمره ما عاينتم، فقلنا لهم: إن الموضع قد عفي أثره بوصية منه عليه السلام فمضوا وعادوا إلينا فقالوا: إنهم احتفروا فلم يروا شيئا (6).

 

(1) في المصدر: ما أحسن ظهرك. (2) فرحة الغرى: 22. (3) كذا في (ك). وفي غيره من النسخ وكذا المصدر: قال ما رواه اه‍. (4) في الارشاد: حيان بن على العنزي. (5) في المصدر و (خ): هذا ما ادخر. (6) فرحة الغرى: 26 و 27.

 

[218]

شا: عباد بن يعقوب الرواجني مثله (1). 20 - حة: خاتم العلماء نصير الدين، عن والده، عن السيد فضل الله الحسني الراوندي، عن ذي الفقار بن معبد، عن الطوسي - ومن خطه نقلت - عن المفيد عن محمد بن أحمد بن داود (2) عن محمد بن بكار، عن الحسن بن محمد الفزاري، عن الحسن ابن علي النحاس، عن جعفر الرماني، عن يحيى الحماني، عن محمد بن عبيد الطيالسي، عن مختار التمار، عن أبي مطر قال: لما ضرب ابن ملجم الفاسق لعنه الله أمير المؤمنين عليه السلام قال له الحسن عليه السلام: أقتله ؟ قال: لا ولكن احبسه فإذا مت فاقتلوه فإذا مت فادفنوني في هذا الظهر في قبر أخوي هود وصالح (3). 21 - حة: بهذا الاسناد عن محمد بن أحمد بن داود، عن محمد بن بكران، عن علي بن يعقوب، عن علي بن الحسن، عن أخيه، عن أحمد بن محمد، عن عمر الجرجاني عن الحسن بن علي بن أبي طالب قال (4): سألت الحسن بن علي عليهما السلام أين دفنتم أمير المؤمنين عليه السلام ؟ قال: على شفير الجرف، ومررنا به ليلا على مسجد الاشعث وقال: ادفنوني في قبر أخي هود (5). 22 - حة: والدي، عن محمد بن نما، عن محمد بن إدريس، عن عربي بن مسافر عن إلياس بن هشام، عن أبي علي، عن الطوسي، عن المفيد، عن محمد بن أحمد بن داود، عن ابن الوليد، عن سعد، عن البرقي، عن البطائني، عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قبر أمير المؤمنين عليه السلام فإن الناس قد اختلفوا فيه، قال: إن أمير المؤمنين دفن مع أبيه نوح في قبره، قلت: جعلت فداك من تولى دفنه ؟

 

(1) الارشاد للمفيد: 11 و 12. (2) في المصدر: عن احمد بن محمد بن داود. (3) فرحة الغرى: 27 و 28. (4) أي قال الجرجاني. وفى المصدر و (م) و (خ): عن الحسن بن على بن ابى طالب عن جده ابى طالب قال اه‍. وفيه تصحيف واضح. (5) فرحة الغرى: 28.

 

[219]

فقال: رسول الله صلى الله عليه واله مع الكرام الكاتبين بالروح والريحان (1). 23 - حة: بهذا الاسناد عن سعد، عن أحمد بن الحسين بن سعيد، عن أبيه عن ابن أبي نجران، عن علي بن أبي حمزة، عن عبد الرحيم القصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قبر أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أمير المؤمنين مدفون في قبر نوح، قال: قلت: ومن نوح ؟ قال: نوح النبي عليه السلام، قلت: كيف صار هكذا ؟ فقال: إن أمير المؤمنين صديق هيأ الله له مضجعه في مضجع صديق، يا عبد الرحيم إن رسول الله صلى الله عليه واله أخبرنا بموته وبموضع دفن فيه، فأنزل الله عزوجل (2) حنوطا من عنده مع حنوط أخيه رسول الله صلى الله عليه واله، وأخبره أن الملائكة تنشر له قبره (3) فلما قبض عليه السلام كان فيما أوصى به ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام إذ قال لهما: إذا مت فغسلاني وحنطاني واحملاني بالليلة (4) سرا، واحملا يا ابني مؤخر السرير و اتبعا مقدمه (5) فإذا وضع فضعا، وادفناني في القبر الذي يوضع السرير عليه وادفناني مع من يعينكما على دفني في الليل، وسويا (6). 24 - حة: بهذا الاسناد عن أحمد بن ميثم، عن محمد بن علي، عن محمد بن هشام عن محمد بن سليمان، عن داود بن النعمان، عن عبد الرحيم القصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قبر أمير المؤمنين فإن الناس قد اختلفوا فيه: فقال: إن أمير المؤمنين عليه السلام دفن مع أبيه نوح عليه السلام (7). 25 - حة: نجيب الدين يحيى بن سعيد، عن محمد بن عبد الله بن زهرة، عن

 

(1) فرحة الغرى: 37 و 38. (2) في المصدر: وبالموضع الذى دفن فيه، وانزل الله عزوجل له اه‍. (3) في المصدر: تنزله قبره. وفى هامش (خ) و (ت): تنبش له قبره. (4) في المصدر: بالليل. (5) في المصدر: واتبعاه. (6) فرحة الغرى: 38. وفيه: وسوياه. (7) فرحة الغرى: 38 و 39.

 

[220]

محمد بن الحسن الحسيني، عن القطب الراوندي، عن ذي الفقار بن معبد، عن المفيد (1) عن محمد بن أحمد بن زكريا، عن أبيه، عن ابن فضال، عن عمرو بن إبراهيم. عن خلف بن حماد، عن عبد الله بن حنان (2)، عن الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان في وصية أمير المؤمنين صلوات الله عليه: أن أخرجوني إلى الظهر، فإذا تصوبت ؟ ؟ أقدامكم فاستقبلتكم ريح فادفنوني، وهو أول طور سيناء، ففعلوا ذلك. (3) توضيح: تصوبت أي نزلت ورسبت في الارض، وفي بعض النسخ " تضببت " بالضاد المعجمة أي لصقت. 26 - حة: أبو القاسم جعفر بن سعيد، عن الحسن بن الدربي، عن شاذان بن جبرئيل، عن جعفر الدوريستي، عن جده، عن المفيد قال: وروى محمد بن عمار، عن أبيه. عن جابر بن يزيد قال: سمعت (4) أبا جعفر عليه السلام أين دفن أمير المؤمنين قال: دفن بناحية الغريين، ودفن قبل طلوع الفجر، ودخل قبره الحسن والحسين ومحمد بنو علي عليهم السلام وعبد الله بن جعفر رضي الله عنه. (5) شا: محمد بن عمارة مثله. (6) 27 - حة: وقفت في كتاب ما صورته: قال إسحاق بن عبد الله بن أبي مروان: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام: كم كانت سن علي بن أبي طالب عليه السلام يوم قتل ؟ قال: ثلاثا وستين سنة، قلت: ما كانت صفته ؟ قال: كان رجلا آدم شديدا الادمة (7)

 

(1) في المصدر و (خ) بعد ذلك: عن محمد بن احمد، عن محمد بن احمد بن زكريا اه‍. (2) في المصدر: حسان:. (3) فرحة الغرى: 39. (4) كذا في النسخ. وفى المصدر: سألت وكذا في الارشاد. (5) فرحة الغرى: 39 و 40. (6) الارشاد للمفيد: 12. (7) الادم: الاسمر. والادمة: السمرة.

 

[221]

ثقيل العينين عظيمهما، ذا بطن أصلع، فقلت: طويلا أو قصيرا ؟ قال: هو إلى القصر أقرب، قلت ما كانت كنيته ؟ قال: أبو الحسن، قلت: أين دفن ؟ قال: بالكوفة ليلا وقد عمي قبره. (1) 28 - حة: والدي، عن محمد بن أبي غالب. عن محمد بن معد الموسوي، و أخبرني عمي علي بن طاوس، عن محمد بن معد، عن أحمد بن أبي المظفر، وأخبرني عبد الصمد بن أحمد، عن أبي الفرج بن الجوزي، وعبد الكريم بن علي السدي (2) وأخبرني عبد الحميد بن فخار، عن أحمد بن علي الغزنوي، كلهم عن عبد الله بن أحمد بن أحمد بن الخشاب (3)، عن محمد بن عبد الملك بن خيرون (4)، عن الحسن بن الحسين بن العباس، عن أحمد بن نصر بن عبد الله بن فتح، عن حرب بن محمد المؤدب عن الحسن بن جمهور العمي، عن أبيه، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، وأخبرنا أحمد بن نصر، عن صدقة بن موسى، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني، عن أبي جعفر عليه السلام قالا: مضى أمير المؤمنين عليه السلام - وهو ابن خمس وستين سنة - سنة أربعين من الهجرة، ونزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه واله ولامير المؤمنين عليه السلام اثنا عشرة سنة، فكان عمره بمكة مع رسول الله صلى الله عليه واله اثنتا عشرة سنة، وأقام [بها] مع رسول الله صلى الله عليه واله ثلاث عشرة سنة، ثم هاجر إلى المدينة فأقام بها مع رسول الله صلى الله عليه واله عشر سنين ثم أقام بعد ما توفي رسول الله صلى الله عليه واله ثلاثين سنة، وكان عمره خمسا وستين سنة، قبض في ليلة الجمعة وقبره بالغري، وهو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن

 

(1) فرحة الغرى: 40. (2) في المصدر و (خ): السندي. (3) في المصدر و (م): عن عبد الله بن احمد بن الخشاب. (4) في المصدر و (م) و (خ): حيزون.

 

[222]

عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة، الغرض من الحديث (1). 29 - حة: عمي، عن الحسن بن الدربي، عن محمد بن علي بن شهر آشوب عن جده، عن الطوسي، عن المفيد، عن جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن عبد الله ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سمعه يقول: لما قبض أمير - المؤمنين عليه السلام أخرجه الحسن والحسين عليهما السلام ورجلان آخران حتى إذا خرجوا من الكوفة تركوها عن أيمانهم، ثم أخذوا في الجبانة حتى مروا به إلى الغري ودفنوه وسووا قبره وانصرفوا (2). 30 - حة: عبد الرحمن بن أحمد الحربي، عن عبد العزيز بن الاخضر، عن أبي الفضل بن ناصر، عن محمد بن علي بن ميمون، عن محمد بن علي بن الحسين القسري، عن محمد بن جعفر التميمي، عن محمد بن علي بن شاذان، عن حسن بن محمد بن عبد الواحد، عن محمد بن أبي السري، عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال: قال أبو بكر بن عياش: سألت أبا حصين، وعاصم بن بهدلة والاعمش وغيرهم فقلت: أخبركم أحد أنه [من] صلى على علي وشهد دفنه ؟ فقالوا لي: قد سألنا أباك محمد بن سائب الكلبي فقال: اخرج به ليلا، خرج به الحسن والحسين عليهما السلام وابن الحنفية وعبد الله بن جعفر في عدة من أهل بيته، ودفن ليلا في ذلك الظهر ظهر الكوفة، قال: قلت لابيك: لم فعل به ذلك، قال: مخافة الخوارج وغيرهم (3). 31 - د: عن أبي مخنف قال: جاء رجل من مراد إلى أمير المؤمنين عليه السلام يصلي في المسجد، فقال: احترس فإن اناسا من مراد يريدون قتلك، فقال: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه ما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، وإن الاجل

 

(1) فرحة الغرى: 41 - 43. (2) في المصدر: 74. (3) في المصدر: 106 و 107.

 

[223]

جنة حصينة. وقال الشعبي: أنشد أمير المؤمنين عليه السلام قبل أن يستشهد بأيام: تلكم قريش تمناني لتقتلني * فلا وربك ما فازوا ولا ظفروا فإن بقيت فرهن ذمتي لهم * وإن عدمت فلا يبقى لها أثر وسوف يورثهم فقدي على وجل * ذل الحياة بما خانوا وما غدروا (1) 32 - يج: روي عن أبي حمزة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عمرو بن الحمق قال: دخلت على علي عليه السلام حين ضرب ضربة بالكوفة فقلت: ليس عليك: بأس إنما هو خدش قال لعمري إني لمفارقكم، ثم قال: إلى السبعين بلاء - قالها ثلاثا - قلت: فهل بعد البلاء رخاء ؟ فلم يجبني وأغمي عليه، فبكت ام كلثوم، فلما أفاق قال: لا تؤذيني يا ام كلثوم، فإنك لو ترين ما أرى [لم تبك] إن الملائكة من السماوات السبع بعضهم خلف بعض والنبيون يقولون: انطلق يا علي فما أمامك خير لك مما أنت فيه، فقلت: يا أمير المؤمنين إنك قلت: إلى السبعين بلاء، فهل بعد السبعين رخاء ؟ قال: نعم وإن بعد البلاء رخاء " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب " قال أبو حمزة: قلت لابي جعفر عليه السلام: إن عليا قال: إلى السبعين بلاء، وكان يقول: بعد السبعين رخاء وقد مضت السبعون ولم نر رخاء، فقال أبو جعفر عليه السلام: يا ثابت إن الله كان قد وقت هذا الامر في السبعين، فلما قتل الحسين عليه السلام غضب الله على أهل الارض، فأخره الله إلى الاربعين ومائة سنة، فحدثناكم فأذعتم الحديث و كشفتم القناع قناع السر، فأخره الله ولم يجعل له بعد ذلك وقتا عند الله " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب " قال أبو حمزة: قد قلت لابي عبد الله عليه السلام ذلك فقال: قد كان ذلك (2). 33 - يج: من معجزاته صلوات الله عليه أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه واله (3)

 

(1) مخطوط. (2) الخرائج والجرائح: 18. (3) في المصدر: رأيت رسول الله في منامي.

 

[224]

وهو يمسح الغبار عن وجهي وهو يقول: يا علي لا عليك لا عليك قد قضيت ما عليك فما مكث إلا ثلاثا حتى ضرب (1)، وقال للحسن والحسين عليهما السلام: إذا مت فاحملاني إلى الغري من نجف الكوفة، واحملا آخر سريري، فالملائكة يحملون أوله، و أمرهما أن يدفناه هناك، ويعفيا قبره، لما يعلمه من دولة بني امية بعده، وقال: ستريان صخرة بيضاء تلمع نورا، فاحتفرا فوجدا ساجة مكتوبا عليها: مما ادخرها نوح لعلي بن أبي طالب عليه السلام، فدفناه فيه وعفيا أثره، ولم يزل قبره مخفيا حتى دل عليه جعفر بن محمد عليهما السلام في أيام الدولة العباسية، وقد خرج هارون الرشيد يوما يصيد، وأرسل الصقور والكلاب على الظباء بجانب الغريين فجادلتها (2) ساعة ثم لجأت الظباء إلى الاكمة فرجع الكلاب والصقور عنها فسقطت في ناحية، ثم هبطت الظباء من الاكمة فهبطت الصقور والكلاب ترجع إليها، فتراجعت الظباء إلى الاكمة فانصرفت عنها الصقور والكلاب، ففعلن ذلك ثلاثا، فتعجب هارون وسأل شيخا من بني أسد: ما هذه الاكمة: فقال: لي الامان ؟ قال: نعم، قال: فيها قبر الامام علي بن أبي طالب عليه السلام، فتوضأ هارون وصلى ودعا، ثم أظهر الصادق عليه السلام موضع قبره بتلك الاكمة (3). 34 - شا: روى الفضل بن دكين، عن حيان بن العباس، عن عثمان بن مغيرة قال: لما دخل شهر رمضان كان أمير المؤمنين عليه السلام يتعشى ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن العباس، وكان لا يزيد على ثلاث لقم، فقيل له ليلة من تلك الليالي في ذلك، فقال: يأتيني أمر الله وأنا خميص، إنما هي ليلة أو ليلتان، فاصيب عليه السلام آخر الليل (4).

 

(1) في المصدر بعد ذلك: ثم قال: رأيت رسول الله ايضا في منامي فشكوت إليه: ما لقيت من بنى امية من الاود واللدد وبكيت: فقال: لا تبك: فالتفت فإذا رجلان مصفدان وإذا جلاميد ترضح بها رؤسهما اه‍. وسيأتي عن الارشاد تحت الرقم 36. (2) في المصدر: فجاولتها. (3) الخرائج والجرائح: 21. (4) الارشاد للمفيد: 7.

 

[225]

35 - شا: روى إسماعيل بن زياد قال: حدثتني ام موسى خادمة علي عليه السلام وهي حاضنة فاطمة ابنته عليها السلام قالت: سمعت عليا عليه السلام يقول لابنته ام كلثوم: يا بنية إني أراني قل ما أصحبكم، قالت: وكيف ذلك يا أبتاه ؟ قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه واله في منامي وهو يمسح الغبار عن وجهي ويقول: يا علي لا عليك قضيت (1) ما عليك، قال: فما مكثنا (2) إلا ثلاثا حتى ضرب تلك الضربة، فصاحت ام كلثوم، فقال: يا بنية لا تفعلي فإني أرى رسول الله صلى الله عليه واله يشير إلي بكفه ويقول: يا علي هلم إلينا فإن ما عندنا هو خير لك (3). كشف: من مناقب الخوارزمي مثله (4). 36 - شا: روى عمار الدهني عن أبي صالح الحنفي قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: رأيت النبي صلى الله عليه واله في منامي فشكوت إليه ما لقيت من امته (5) من الاود و اللدد (6) وبكيت، فقال: لا تبك يا علي والتفت فالتفت (7) وإذا رجلان مصفدان وإذا جلاميد ترضح (8) بها رؤوسهما، قال أبو صالح: فغدوت إليه من الغد كما كنت أغدو إليه كل يوم، حتى إذا كنت في الجزارين لقيت الناس يقولون: قتل أمير المؤمنين (9).

 

(1) في المصدر: قد قضيت (2) في المصدر: فما مكث. وفي غير (ك) من النسخ: فما مكثا. والفاعل في قوله " قال " اسماعيل بن زياد. (3) الارشاد للمفيد: 7. (4) كشف الغمة: 130. (5) في المصدر: عن امته. (6) الاود: الكد والتعب. اللدد: الخصومة الشديدة. (7) فالتفت والتفت. (8) المصفد: المقيد بالحديد. الجلاميد جمع الجلمود: الصخر. ورضح رأسه بالحجر - بالمعجمة والمهملة كما في النسخ أو بالمعجمتين كما في المصدر -: رضه. (9) الارشاد للمفيد: 7 و 8. وفيه: قتل أمير المؤمنين قتل أمير المؤمنين. (*)

 

[226]

37 - نهج: قال عليه السلام في سحرة (1) اليوم الذي ضرب فيه: ملكتني عيني و أنا جالس فسنح لي (2) رسول الله صلى الله عليه واله فقلت: يا رسول الله ماذا لقيت من امتك من الاود واللدد، فقال: ادع عليهم، فقلت: أبدلني الله بهم خيرا منهم وأبدلهم بي شرا مني. قال الرضي رضي الله عنه: يعني بالاود الاعوجاج، وباللدد الخصام، وهذا من أفصح الكلام (3). 38 - شا: روى عبد الله بن موسى، عن الحسن بن دينار، عن الحسن البصري قال: سهر أمير المؤمنين عليه السلام في الليلة التي قتل في صبيحتها ولم يخرج إلى المسجد لصلاة الليل على عادته، فقالت له ابنته ام كلثوم رحمة الله عليها: ما هذا الذي قد أسهرك ؟ فقال: إني مقتول لو قد أصبحت، فأتاه ابن النباح فأذنه بالصلاة، فمشى غير بعيد ثم رجع، فقالت له ام كلثوم: مر جعدة فليصل بالناس، قال: نعم مروا جعدة فليصل، ثم قال: لا مفر من الاجل، فخرج إلى المسجد وإذا هو بالرجل قد سهر ليلته كلها يرصده، فلما برد السحر نام، فحركه أمير المؤمنين عليه السلام برجله فقال له: الصلاة ! فقام إليه فضربه. وفي حديث آخر: إن أمير المؤمنين عليه السلام قد سهر تلك الليلة، فأكثر الخروج والنظر إلى السماء وهو يقول: والله ما كذبت ولا كذبت، وإنها الليلة التي وعدت فيها، ثم عادوا (4) مضجعه، فلما طلع الفجر شد إزاره وخرج وهو يقول: اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك ولا تجزع من الموت إذا حل بواديك فلما خرج إلى صحن داره استقبلته الاوز فصحن في وجهه، فجعلوا يطردونهن

 

(1) السحرة بالضم: السحر الاعلى من آخر الليل. (2) أي مربى كما تسنح الظباء والطير. (3) نهج البلاغة (عبده ط مصر) 1: 128. (4) في المصدر: وعدت بها ثم يعاود.

 

[227]

فقال: دعوهن فإنهن نوائح، ثم خرج فاصيب (1). 39 - شا: كانت إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه واله ثلاثين سنة، منها أربعة وعشرون سنة وأشهر (2) ممنوعا من التصرف في أحكامها مستعملا للتقية و المداراة، ومنها خمس سنين وستة أشهر ممتحنا بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين ومضطهدا بفتن الضالين، كما كان رسول الله صلى الله عليه واله ثلاثة عشر سنة من نبوته ممنوعا من أحكامها خائفا ومحبوسا وهاربا ومطرودا، لا يتمكن من جهاد الكافرين ولا يستطيع دفعا عن المؤمنين، ثم هاجروا وأقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهدا للمشركين ممتحنا بالمنافقين إلى أن قبضه الله إليه وأسكنه جنات النعيم، وكان وفاة أمير المؤمنين عليه السلام قبل الفجر ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلا بالسيف، قتله ابن ملجم المرادي لعنه الله في مسجد الكوفة، وقد خرج عليه السلام يوقظ الناس لصلاة الصبح ليلة تسع عشر من شهر رمضان، وقد كان ارتصده من أول الليل لذلك، فلما مر به في المسجد وهو مستخف بأمره مماكر بإظهار النوم في جملة النيام قام إليه (3) فضربه على ام رأسه بالسيف، وكان مسموما، فمكث يوم تسع عشر وليلة عشرين ويومها وليلة إحدى وعشرين إلى نحو الثلث الاول من الليل، ثم قضى نحبه عليه السلام شهيدا، ولقي ربه تعالى مظلوما، وقد كان يعلم ذلك قبل أوانه، ويخبر به الناس قبل زمانه، وتولى غسله وتكفينه ودفنه ابناه الحسن والحسين عليهما السلام بأمره، وحملاه إلى الغري من نجف الكوفة فدفناه هناك، وعفيا موضع قبره بوصية كانت منه إليهما في ذلك، لما كان يعلمه عليه السلام من دولة بني امية من بعده، واعتقادهم في عداوته، وما ينتهون إليه من سوء النيات فيه من قبح الفعال (4) والمقال بما تمكنوا من ذلك، فلم يزل قبره عليه السلام مخفيا حتى

 

(1) الارشاد للمفيد: 8. (2) في المصدر: وستة أشهر. (3) في المصدر: ثار إليه. (4) في المصدر: بسوء النيات فيه من قبيح الفعال.

 

[228]

دل عليه الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام في الدولة العباسية، وزاره عند وروده إلى أبي جعفر وهو بالحيرة، فعرفته الشيعة واستأنفوا إذ ذاك زيارته، صلى الله عليه وعلى ذريته الطاهرين، وكانت سنه يوم وفاته ثلاثا وستين سنة (1). 40 - كا: العدة، عن سهل، عن ابن يزيد أو غيره، عن سليمان كاتب علي ابن يقطين، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الاشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين عليه السلام، وابنته جعدة سمت الحسن عليه السلام، ومحمد ابنه شرك في دم الحسين عليه السلام (2). 41 - شا: من الاخبار الواردة بسبب قتله عليه السلام وكيف جرى الامر في ذلك ما رواه جماعة من أهل السير منهم أبو مخنف وإسماعيل بن راشد أبو هاشم (3) الرفاعي وأبو عمرو الثقفي وغيرهم أن نفرا من الخوارج اجتمعوا بمكة، فتذاكروا الامراء فعابوهم وعابوا أعمالهم (4)، وذكروا أهل النهروان وترحموا عليهم، فقال بعضهم لبعض: لو أنا شرينا أنفسنا لله فأتينا أئمة الضلال فطلبنا غرتهم وأرحنا منهم العباد والبلاد وثأرنا (5) بإخواننا الشهداء بالنهروان، فتعاهدوا عند انقضاء الحج على ذلك، فقال عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله: أنا أكفيكم عليا، وقال البرك بن عبيدالله التميمي: أنا أكفيكم معاوية، وقال عمرو بن بكر التميمي، أنا أكفيكم عمرو بن العاص، وتعاقدوا (6) على ذلك وتوافقوا (7) على الوفاء، واتعدوا شهر رمضان في ليلة تسع عشرة منه، ثم تفرقوا (8) فأقبل ابن ملجم لعنه الله - وكان

 

(1) الارشاد للمفيد: 5 و 6. (2) لم نظفر به في المصدر. (3) في المصدر: وأبو هاشم. (4) في المصدر: وعابوا عليهم اعمالهم (5) ثأر بالقتيل: طلب دمه. وفى المصدر: وارحنا منهم العباد والبلاد لله وثأرنا. (6) تعاهدوا خ ل. (7) في المصدر: وتواثقوا. (8) في المصدر: ثم تفرقوا على ذلك.

 

[229]

عداده في كندة - حتى قدم الكوفة، فلقي بها أصحابه فكتمهم أمره مخافة أن ينتشر منه شئ، فهو في ذلك إذ زار رجلا من أصحابه ذات يوم من تيم الرباب، فصادف عنده قطامة بنت الاخضر التيمية، وكان أمير المؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنهروان، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها، فلما رآها ابن ملجم شغف بها و اشتد إعجابه بها، وسأل في نكاحها وخطبها، فقالت له: ما الذي تسمي لي من الصداق ؟ فقال لها: احتكمي ما بدالك، فقالت له: أنا محتكمة عليك ثلاثة آلاف درهم ووصيفا وخادما وقتل علي بن أبي طالب، فقال لها: لك جميع ما سألت، فأما قتل علي بن أبي طالب عليه السلام فأنى لي بذلك ؟ فقالت: تلتمس غرته، فإن أنت قتلته شفيت نفسي وهنأك العيش معي، وإن أنت قتلت فما عند الله خير لك من الدنيا، فقال: أما والله ما أقدمني هذا المصر - وقد كنت هاربا منه لا آمن مع أهله (1) - إلا ما سألتني من قتل علي بن أبي طالب، فلك ما سألت، قالت: فأنا طالبة لك بعض من يساعدك على ذلك ويقويك، ثم بعثت إلى وردان بن مجالد من تيم الرباب فخبرته الخبر، وسألته معونة ابن ملجم لعنه الله، فتحمل ذلك لها، و خرج ابن ملجم فأتى رجلا من أشجع يقال له شبيب بن بجرة، فقال (2): يا شبيب هل لك في شرف الدنيا والآخرة ؟ قال: وما ذاك ؟ قال: تساعدني على قتل علي بن أبي طالب، وكان شبيب على رأي الخوارج، فقال له: يا ابن ملجم هبلتك الهبول لقد جئت شيئا إدا، وكيف تقدر على ذلك ؟ فقال له ابن ملجم: نمكن له في المسجد الاعظم فإذا خرج لصلاة الفجر فتكنا به، فإن نحن قتلناه شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا، فلم يزل به حتى أجابه، فأقبل معه حتى دخلا المسجد الاعظم على قطامة وهي معتكفة في المسجد الاعظم قد ضربت عليها قبة، فقالا لها: قد اجتمع رأينا على قتل هذا الرجل، فقالت لهما: إذا أردتما ذلك فائتياني في هذا

 

(1) في (ك): مع اهلي. (2) في المصدر: فقال له.

 

[230]

الموضع، فانصرفا من عندها، فلبثا أياما ثم أتياها ومعهما الآخر ليلة الاربعاء لتسعة عشرة [ليلة] خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم، وتقلدوا أسيافهم، ومضوا وجلسوا مقابل السدة التي كان يخرج منها أمير المؤمنين عليه السلام إلى الصلاة، وقد كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الاشعث ابن قيس ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنين عليه السلام، وواطأهم على ذلك وحضر الاشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه، وكان حجر ابن عدي في تلك الليلة بائتا في المسجد، فسمع الاشعث يقول: يا ابن ملجم (1) النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح (2) فأحس حجر بما أراد الاشعث، فقال له: قتلته يا أعور ! وخرج مبادرا ليمضي إلى أمير المؤمنين عليه السلام ليخبره الخبرو يحذره من القوم، وخالفه أمير المؤمنين عليه السلام من الطريق فدخل المسجد. فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف. وأقبل حجر والناس يقولون: قتل أمير المؤمنين عليه السلام. وذكر عبد الله بن محمد الازدي قال: إني لاصلي في تلك الليلة في المسجد الاعظم مع رجال من أهل المصر كانوا يصلون في ذلك الشهر من أوله إلى آخره إذ نظرت إلى رجال يصلون قريبا من السدة، وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام لصلاة الفجر، فأقبل ينادي: الصلاة الصلاة، فما أدري أنادى أم رأيت بريق السيوف، و سمعت قائلا يقول: لله الحكم لا لك يا علي ولا لاصحابك (3)، وسمعت عليا يقول: لا يفوتنكم الرجل، فإذا عليه السلام مضروب، وقد ضربه شبيب بن بجرة فأخطأه ووقعت ضربته في الطاق، وهرب القوم نحو أبواب المسجد، وتبادر الناس لاخذهم، فأما شبيب بن بجرة فأخذه رجل فصرعه وجلس على صدره، وأخذ السيف ليقتله (4)

 

(1) في المصدر: يقول لابن ملجم. (2) في المصدر فقد فضح الصبح. أي طلع. (3) في المصدر: لله الحكم يا على لا لك ولا لاصحابك. (4) في المصدر: وأخذ السيف من يده ليقتله اه‍

 

[231]

به فرأى الناس يقصدون نحوه، فخشي أن يعجلوا عليه ولم يسمعوا (1) منه، فوثب عن صدره وخلاه، وطرح السيف من يده، ومضى شبيب هاربا حتى دخل منزله ودخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره، فقال له: ما هذا لعلك قتلت أمير المؤمنين ؟ فأراد أن يقول لا، قال: نعم ! فمضى ابن عمه واشتمل على سيفه، ثم دخل عليه فضربه به حتى قتله، وأما ابن ملجم فإن رجلا من همدان لحقه فطرح عليه قطيفة كانت في يده، ثم صرعه وأخذ السيف من يده، وجاء به إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وأفلت الثالث وانسل (2) بين الناس. فلما دخل (3) ابن ملجم على أمير المؤمنين عليه السلام نظر إليه ثم قال: النفس بالنفس، فإن أنا مت فاقتلوه كما قتلني، وإن أنا عشت رأيت فيه رأيي، فقال ابن ملجم: والله لقد ابتعته بألف وسممته بألف، فإن خانني فأبعده الله، قال: و نادته ام كلثوم: يا عدوالله قتلت أمير المؤمنين ؟ قال: إنما قتلت أباك، قالت: يا عدو الله إني لارجو أن لا يكون عليه بأس، قال لها: فأراك إنما تبكين علي إذا ؟ لقد والله ضربته ضربة لو قسمت على أهل الارض (4) لاهلكتهم، فاخرج من بين يديه عليه السلام وإن الناس ينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع، وهم يقولون: يا عدو الله ما فعلت (5) ؟ أهلكت امة محمد صلى الله عليه واله وقلت خير الناس، وإنه لصامت لم ينطق، فذهب به إلى الحبس، وجاء الناس إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا له: يا أمير المؤمنين مرنا بأمرك في عدو الله، والله لقد أهلك الامة وأفسد الملة، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: إن عشت رأيت فيه رأيي، وإن أهلكت فاصنعوا به كما يصنع بقاتل النبي، اقتلوه ثم حرقوه بعد ذلك بالنار.

 

(1) في المصدر: ولا يسمعوا. (2) انسل من الزحام: انطلق في استخفاء. (3) في المصدر: ادخل. (4) في المصدر: بين اهل الارض. (5) في المصدر: ماذا فعلت.

 

[232]

قال فلما قضى أمير المؤمنين عليه السلام نحبه وفرغ أهله من دفنه جلس الحسن عليه السلام وأمر أن يؤتى بابن ملجم، فجئ به، فلما وقف بين يديه قال له: يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين وأعظمت الفساد في الدين، ثم أمر فضربت عنقه، واستوهبت ام الهيثم بنت الاسود النخعية جثته منه لتتولى إحراقها، فوهبها لها فأحرقتها بالنار. وفي أمر قطام وقتل أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (1). فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة * كمهر قطام من فصيح وأعجمي (2) ثلاثة آلاف وعبد وقينة * وضرب علي بالحسام المسمم ولا مهر أغلى من علي وإن غلا * ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم وأما الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العقد على قتل معاوية وعمرو بن العاص فإن أحدهما ضرب معاوية وهو راكع، فوقعت ضربته في إليته ونجا منها واخذ وقتل من وقته، وأما الآخر فإنه وافى عمروا في تلك الليلة وقد وجد علة فاستخلف رجلا يصلي بالناس يقال له خارجة بن أبي حبيبة العامري، فضربه بسيفه وهو يظن أنه عمرو، فاخذ واتي به عمرو فقتله، ومات خارجة في اليوم الثاني (3). كشف: من مناقب الخوارزمي مرفوعا إلى إسماعيل بن راشد مثله (4). بيان: قال الجزري: لامك هبل أي ثكل، ومنه حديث علي عليه السلام " هبلتهم الهبول " أي ثكلتهم الثكول، وهي بفتح الهاء من النساء التي لا يبقى لها ولد، انتهى (5). والاد بالكسر: العجب والامر الفظيع والداهية والمنكر. أقول: قال ابن أبي الحديد: قال أبو الفرج: قال أبو مخنف: قال أبو زهير العبسي: فأما صاحب معاوية فإنه قصده، فلما وقعت عينه عليه ضربه، فوقعت

 

(1) في المصدر: يقول الشاعر. (2) في المصدر: من غنى ومعدم. (3) الارشاد للمفيد: 8 - 11. (4) كشف الغمة: 128 و 129. (5) النهاية 4: 227.

 

[233]

ضربته على إليته، فجاء الطبيب إليه فنظر إلى الضربة، فقال: إن السيف مسموم فاختر إما أن أحمي لك حديدة فأجعلها في الضربة، وإما أن أسقيك دواء فتبرأ و ينقطع نسلك، فقال: أما النار فلا اطيقها ! وأما النسل ففي يزيد وعبد الله ما يقر عيني ! وحسبي بهما، فسقاه الدواء فعوفي (1) ولم يولد له بعد ذلك، وقال البرك ابن عبد الله: إن لك عندي بشارة، قال: وماهي ؟ فأخبره خبر صاحبه وقال: إن عليا قتل في هذه الليلة، فاحتبسني عندك، فإن قتل فأنت ولي ما تراه في أمري وإن لم يقتل أعطيتك العهود والمواثيق أن أمضي (2) فأقتله ثم أعود إليك فأضع يدي في يدك حتى تحكم في بما ترى، فحبسه عنده، فلما أتى الخبر أن عليا قتل في تلك الليلة خلى سبيله. هذه رواية إسماعيل بن راشد، وقال غيره. بل قتله من وقته. وأما صاحب عمرو بن العاص فانه وافاه في تلك الليلة، وقد وجد علة، فاستخلف رجلا يصلي بالناس يقال له خارجة بن أبي حنيفة (3)، فخرج للصلاة، فشد عمرو بن بكر فضربه بالسيف فأثبته، فاخذ الرجل فاتي به عمرو بن العاص فقتله، ودخل من غد إلى خارجة وهو يجود بنفسه فقال: أما والله يا أبا عبد الله ما أراد غيرك، قال عمرو: ولكن الله أراد خارجة (4) ! وقال: قال أبو الفرج: حدثني محمد بن الحسين بإسناد ذكره أن الاشعث بن قيس لعنه الله دخل على علي عليه السلام فكلمه، فأغلظ علي له، فعرض الاشعث أنه سيفتك به، فقال له علي عليه السلام: أبالموت تخوفني أو تهددني ؟ فوالله ما ابالي وقعت على الموت أو وقع الموت علي.

 

(1) في المصدر بعد ذلك: وعالج جرحه حتى التأم اه‍. (2) في المصدر: أن امضى إليه اه‍. (3) في المصدر: خارجة بن حذافة احد بنى عامر بن لؤى. (4) شرح النهج 2: 65.

 

[234]

قال: وقال أبو الفرج الاصفهاني: روى أبو مخنف عن أبي الطفيل أن صعصعة بن صوحان استأذن على علي عليه السلام وقد أتاه عائدا لما ضربه ابن ملجم، فلم يكن عليه إذن فقال صعصعة للآذن: قل له: يرحمك الله يا أمير المؤمنين حيا وميتا، فلقد كان الله في صدرك عظيما، ولقد كنت بذات الله عليما، فأبلغه الآذن إليه (1) فقال: قل له: وأنت يرحمك الله فلقد كنت خفيف المؤنة كثير المعونة، قال أبو الفرج: ثم جمع له أطباء الكوفة، فلم يكن منهم أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هاني السلولي وكان مطببا صاحب الكرسي يعالج الجراحات، وكان من الاربعين غلاما الذين كان ابن الوليد أصابهم في عين التمر فسباهم، فلما نظر أثير إلى جرح أمير المؤمنين عليه السلام دعا برية شاة حارة، فاستخرج منها عرقا ثم نفخه (2) ثم استخرجه وإذا عليه بياض الدماغ فقال: يا أمير المؤمنين اعهد عهدك فإن عدو الله قد وصلت ضربته إلى ام رأسك (3). 42 - شا: ابن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن رجاله قال: قيل: للحسين بن بن علي عليهما السلام: أين دفنتم أمير المؤمنين عليه السلام ؟ فقال: خرجنا به ليلا على مسجد الاشعث حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب الغريين فدفناه هناك (4). 43 - يج: روي أن عليا عليه السلام دخل الحمام، فسمع صوت الحسن والحسين عليهما السلام فخرج إليهما فقال: ما لكما ؟ فقالا: اتبعك هذا الفاجر ابن ملجم فظننا أنه يغتالك، فقال لهما: دعاه لا بأس (5). 44 - قب: أبو بكر الشيرازي في كتابه عن الحسن البصري قال: أوصى علي عليه السلام عند موته للحسن والحسين عليهما السلام وقال لهما: إن أنامت فانكما ستجدان عند رأسي حنوطا من الجنة وثلاثة أكفان من استبرق الجنة، فغسلوني و

 

(1) في المصدر: فأبلغه الاذن مقالته. (2) في المصدر: وأدخله في الجرح ثم نفخه. (3) شرح النهج: 67 و 68. (4) الارشاد للمفيد: 12. (5) لم نجده في المصدر المطبوع.

 

[235]

حنطوني بالحنوط وكفنوني، قال الحسن عليه السلام: فوجدنا عند رأسه طبقا من الذهب عليه خمس شمامات (1) من كافور الجنة وسدرا من سدر الجنة، فلما فرغوا من غسله وتكفينه أتى البعير فحملوه على البعير بوصية منه. وكان قال: فسيأتي البعير إلى قبري فيقيم (2) عنده، فأتى البعير حتى وقف على شفير القبر، فوالله ما علم أحد من حفره، فالحد فيه بعد ما صلى عليه، وأظلت الناس غمامة بيضاء وطيور بيض، فلما دفن ذهبت الغمامة والطيور. وعن منصور بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن جده زيد بن علي، عن أبيه، عن جده الحسين بن علي عليهم السلام في خبر طويل يذكر فيه: اوصيكما وصية فلا تظهرا على أمري أحدا، فأمرهما أن يستخرجا من الزاوية اليمنى لوحا وأن يكفناه فيما يجدان، فإذا غسلاه وضعاه على ذلك اللوح، وإذا وجدا السرير يشال (3) مقدمه يشيلان مؤخره، وأن يصلي الحسن مرة والحسين مرة صلاة إمام، ففعلا كما رسم فوجدا اللوح وعليه مكتوب: " بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما ذخره نوح النبي صلى الله عليه لعلي بن أبي طالب عليه السلام " وأصابا الكفن في دهليز الدار موضوعا فيه حنوط قد أضاء نوره النهار. وروي أنه قال: الحسين عليه السلام وقت الغسل: أما ترى إلى خفة أمير المؤمنين ؟ فقال الحسن عليه السلام: يا أبا عبد الله إن معنا قوما يعينوننا. فلما قضينا صلاة العشاء الآخرة إذا قد شيل مقدم السرير، ولم يزل (4) نتبعه إلى أن وردنا إلى الغري، فأتينا إلى قبر على ما وصف (5) أمير المؤمنين عليه السلام و نحن نسمع خفق أجنحة كثيرة وضجة وجلبة، فوضعنا السرير وصلينا على أمير -

 

(1) الشمام: كل ما يشم من الروائح الطيبة. (2) في المصدر: فيقف. (3) شال الشئ: ارتفع. (4) في المصدر: ولم نزل. (5) في (ك): على ما وصفنا.

 

[236]

المؤمنين عليه السلام كما وصف لنا، ونزلنا قبره فأضجعناه في لحده، ونضدنا عليه اللبن. وفي الخبر عن الصادق عليه السلام: فأخذا اللبنة من عند الرأس بعد ما أشرجا عليه اللبن، فإذا ليس في القبر شئ، فإذا هاتف يهتف: أمير المؤمنين عليه السلام كان عبدا صالحا، فألحقه الله بنبيه، وكذلك يفعل بالاوصياء بعد الانبياء، حتى لو أن نبيا مات بالمشرق ومات وصيه بالمغرب لالحق النبي بالوصي (1) وفي خبر عن ام كلثوم بنت علي عليه السلام: فانشق القبر عن ضريح، فإذا هو بساجة مكتوب عليها بالسريانية: " بسم الله الرحمن الرحيم هذا قبر حفره نوح لعلي بن أبي طالب وصي محمد صلى الله عليه واله قبل الطوفان بسبع مائة سنة " فانشق القبر فلا ندري. (2) وسأل ابن مسكان الصادق عليه السلام عن القائم المائل في طريق الغري، فقال: نعم إنهم لما جاؤا بسرير أمير المؤمنين عليه السلام انحنى أسفا وحزنا على أمير - المؤمنين عليه السلام. وقال الغزالي: ذهب الناس إلى أن عليا عليه السلام دفن على النجف وأنهم حملوه على الناقة، فسارت حتى انتهت إلى موضع قبره، فبركت فجهدوا أن تنهض فلم تنهض فدفنوه فيه (3). 45 - قب: تفسير وكيع والسدي والسفيان وأبي صالح أن عبد الله بن عمر قرأ قوله تعالى: " أولم يروا أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها " (4) يوم قتل أمير المؤمنين عليه السلام وقال: لقد كنت يا أمير المؤمنين الطرف الاكبر في العلم، اليوم نقص علم الاسلام ومضى ركن الايمان. الزعفراني، عن المزني، عن الشافعي، عن مالك، عن سمي، عن أبي -

 

(1) في المصدر: لا لحق الوصي بالنبي. (2) كذا في النسخ والمصدر. (3) مناقب آل ابى طالب 1: 482 و 483. (4) سورة الرعد: 41.

 

[237]

صالح قال: لما قتل علي بن أبي طالب عليه السلام قال ابن عباس: هذا اليوم (1) نقص الفقه والعلم من أرض المدينة، ثم قال: إن نقصان الارض نقصان علمائها وخيار أهلها، إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال، ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا، فيسألوا فيفتوا بغير علم، فيضلوا وأضلوا. سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: " رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا " وقد كان قبر علي بن أبي طالب عليه السلام مع نوح في السفينة، فلما خرج من السفينة ترك قبره خارج الكوفة، فسأل نوح ربه المغفرة لعلي وفاطمة عليهما السلام قوله: " وللمؤمنين والمؤمنات " ثم قال: " ولا تزد الظالمين " يعني الظلمة لاهل بيت محمد صلى الله عليه واله " إلا تبارا (2) ". وروي أنه نزل فيه: " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (3) ". أبو بكر بن مردويه في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وأبو بكر الشيرازي في نزول القرآن أنه قال سعيد بن المسيب: كان علي يقرأ " إذا انبعث أشقاها (4) " قال: فوالذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذا - وأشار بيده إلى لحيته ورأسه - وروى الثعلبي والواحدي بإسنادهما عن عمار وعن عثمان بن صهيب وعن الضحاك، وروى ابن مردويه بإسناده عن جابر بن سمرة وعن صهيب وعن عمار وعن ابن عدي وعن الضحاك والخطيب في التاريخ عن جابر بن سمرة، وروى الطبري والموصلي عن عمار، وروى أحمد بن حنبل عن الضحاك أنه قال النبي صلى الله عليه واله: يا علي أشقى الاولين عاقر الناقة وأشقى الآخرين قاتلك - وفي رواية: من يخضب هذه من هذا - وكان عبد الرحمن بن ملجم عداده من مراد قال ابن عباس: كان من ولد قدار عاقر ناقة صالح، وقصتهما

 

(1) في المصدر: هذا يوم. (2) سورة نوح: 28. (3) سورة الشعراء: 227. (4) سورة الشمس: 12.

 

[238]

واحدة، لان قدار عشق امرأة يقال لها رباب، كما عشق ابن ملجم لقطام. سمع ابن ملجم وهو يقول: لاضربن عليا بسيفي هذا، فذهبوا به إليه، فقال: ما اسمك ؟ قال: عبد الرحمن بن ملجم، قال: نشدتك بالله عن شئ تخبرني، قال: نعم، قال: هل مر عليك شيخ يتوكؤ على عصاه وأنت في الباب فمشقك (1) بعصاه ثم قال: بؤسا لك أشقى من عاقر ناقة ثمود ؟ قال: نعم، قال: هل كان الصبيان يسمونك ابن راعية الكلاب وأنت تلعب معهم ؟ قال: نعم، قال: هل أخبرتك امك أنها حملت بك وهى طامث، قال: نعم، قال: فبايع فبايع، ثم قال: خلوا سبيله. الحسن البصري أنه عليه السلام سهر في تلك الليلة ولم يخرج لصلاة الليل على عادته فقالت ام كلثوم: ما هذا السهر ؟ قال: إني مقتول لو قد أصبحت، فقالت: مر جعدة فليصل بالناس، قال: نعم مروا جعدة ليصل، ثم مر وقال: لا مفر من الاجل، و خرج قائلا: خلوا سبيل الجاهد المجاهد * في الله ذي الكتب وذي المجاهد (2) في الله لا يعبد غير الواحد * ويوقظ الناس إلى المساجد وروي أنه عليه السلام سهر في تلك الليلة فأكثر الخروج والنظر إلى السماء وهو يقول: والله ما كذبت، وإنها الليلة التي وعدت بها، ثم يعاود مضجعه، فلما طلع الفجر أتاه ابن النباح (3) ونادى: الصلاة، فقام فاستقبله الاوز فصحن في وجهه، فقال: دعوهن فإنهن صوائح تتبعها نوائح، وتعلقت حديدة على الباب في مئزره فشد إزاره وهو يقول: اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك ولا تجزع من الموت إذا حل بواديك

 

(1) أي ضربك. (2) في المصدر: وذى المشاهد. (3) في المصدر: ابن التياح.

 

[239]

فقد أعرف أقواما وإن كانوا صعاليك مساريع إلى الخير وللشر مناديك (1) أبو مخنف الازدي وابن راشد والرفاعي والثقفي جميعا أنه اجتمع نفر من الخوارج بمكة فقالوا: إنا شرينا أنفسنا لله - وساق الحديث نحوا مما مر إلى قوله - واستعان ابن ملجم بشبيب بن بجرة، وأعانه رجل من وكلاء عمرو بن العاص بخط فيه مائة ألف درهم، فجعله مهرها، فأطعمت لهما اللوز ينج والجوز يبق، وسقتهما الخمر العكبري، فنام شبيب وتمتع ابن ملجم معها، ثم قامت فأيقظتهما، وعصبت صدورهم (2) بحرير، وتقلدوا أسيافهم، وكمنوا له مقابل السدة. وقال محمد بن عبد الله الازدي: أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ينادي: الصلاة الصلاة فإذا هو مضروب، وسمعت قائلا يقول: الحكم لله يا علي لا لك ولا لاصحابك، و سمعت عليا عليه السلام يقول: فزت ورب الكعبة، ثم قال عليه السلام: لا يفوتنكم الرجل ثم ساق القصة إلى قوله -: وإن هلكت فاصنعوا به ما يصنع بقاتل النبي، فسئل عن معناه فقال: اقتلوه ثم حرقوه بالنار. فقال ابن ملجم: لقد ابتعته بألف وسممته بألف، فإن خانني فأبعده الله، ولقد ضربته لو قسمت بين أهل الارض لاهلكتهم. وفي محاسن الجوابات عن الدينوري أنه قال: سألت الله أن يقتل به شر خلقه فقال علي عليه السلام: قد أجاب الله دعوتك، يا حسن إذا مت فاقتله بسيفه، وروي أنه عليه السلام قال: أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره، فإن أصح فأنا ولي دمي، إن شئت أعفو وإن شئت استقدت (3) وإن هلكت فاقتلوه، ثم أوصى فقال: يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون: قتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي، ونهى عن المثلة. وروى أبو عثمان المازني أنه قال عليه السلام:

 

(1) في المصدر و (خ): متاريك. (2) في المصدر: صدورهما. (3) في المصدر: استنفذت.

 

[240]

تلكم قريش تمناني لتقتلني * فلا وربك ما فازوا وما ظفروا فإن بقيت فرهن ذمتي لهم * بذات ودقين لا يعفو لها أثر وإن هلكت فإني سوف اوترهم * ذل الممات فقد خانوا وقد غدروا وأمر الحسن عليه السلام أن يصلي الغداة بالناس، وروي أنه دفع في ظهره جعدة فصلى بالناس الغداة. الاصبغ في خبر أن عليا عليه السلام قال: لقد ضربت في الليلة التي قبض فيها يوشع بن نون، ولاقبض في الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم. الحسن بن علي عليه السلام في خبر: ولقد صعد بروحه في الليلة التي صعد فيها بروح يحيى بن زكريا (1). توضيح: قال الجزري في قوله عليه السلام: " بذات ودقين " أي حرب شديد، وهو من الودق، والوداق: الحرص على طلب الفحل، لان الحرب توصف باللقاح، و قيل: من الودق: المطر، يقال للحرب الشديدة ذات ودقين تشبيها بسحاب ذات مطرتين شديدتين (2). [أقول: في الديوان أنه عليه السلام قال حين خرج إلى المسجد: خلوا سبيل المؤمن المجاهد * في الله لا يعبد غير الواحد ويوقظ الناس إلى المساجد (3) وفيه أنه عليه السلام قال بعد قوله: " إذا حل بواديكا ": فإن الدرع والبيضة * يوم الروع يكفيكا كما أضحكك الدهر * كذاك الدهر يبكيكا إلى قوله: مساريع إلى النجدة * للغي متاريكا (4)]

 

(1) مناقب آل ابى طالب 2: 78 - 82. (2) النهاية 4: 202. (3) الديوان: 48. (4) الديوان: 90.

 

[241]

الحسن بن علي عليهما السلام: أين من كان لعلم المصطفى في الناس بابا أين من كان إذا ما قحط الناس سحابا أين من كان إذا نودي للحرب (1) أجابا أين من كان دعاه مستجابا ومجابا وله عليه السلام: خل العيون وما أردن * من البكاء على علي لا تقبلن من الخلي * فليس قلبك بالخلي لله أنت إذا الرحال * تضعضعت وسط الندي فرجت غمته ولم * تركن إلى فشل وعي وله عليه السلام: خذل الله خاذليه ولا أغمد عن قاتليه سيف الفناء زيد بن علي: قال الحسين عليه السلام: لما قتل أمير المؤمنين عليه السلام سمعت جنية ترثيه بهذه الابيات: لقد هد ركني أبو شبر * فما ذاقت العين طيب الوسن (2) ولا ذاقت العين طيب الكرى (3) * وألقيت دهري رهين الحزن وأقلقني طول تذكاره * حرارة ثكل الرقوب الشثن أنس بن مالك: وسمعت (4) صوت هاتف من الجن: يا من يؤم إلى المدينة قاصدا * أد الرسالة غير مامتوان قتلت شرار بني امية سيدا * خير البرية ماجدا ذا شان

 

(1) كذا في (ك). وفى غيره من النسخ وكذا المصدر: في الحرب. (2) الوسن: فتور ؟ ؟ يتقدم النوم. (3) الكرى: النعاس. (4) في المصدر: وسمع.

 

[242]

رب المفضل في السماء وأرضها * سيف النبي وهادم الاوثان بكت المشاعر والمساجد بعد ما * بكت الانام له بكل مكان وفي شرف النبوة أنه سمع منهم: لقد مات خير الناس بعد محمد * وأكرمهم فضلا وأوفاهم عهدا وأضربهم بالسيف في مهج العدى * وأصدقهم قيلا وأنجزهم وعدا صعصعة بن صوحان: إلى من لي بانسك يا أخيا * ومن لي أن أبثك ما لديا طوتك خطوب دهر قد توالى * لذاك خطوبه نشرا وطيا فلو نشرت قواك لي المنايا * شكوت إليك ما صنعت إليا بكيتك يا علي لدر عيني * فلم يغن البكاء عليك شيئا كفى حزنا بدفنك ثم إني * نفضت تراب قبرك من يديا وكانت في حياتك لي عظات * وأنت اليوم أوعظ منك حيا فيا أسفى عليك وطول شوقي * إلى لو أن ذلك رد شيئا (1) وله: هل خبر القبر سائليه * أم قر عينا بزائريه أم هل تراه أحاط علما * بالجسد المستكن فيه لو علم القبر من يواري * تاه على كل من يليه يا موت ماذا أردت مني * حققت ما كنت أتقيه يا موت لو تقبل افتداء * لكنت بالروح أفتديه دهر رماني بفقد إلفي * أذم دهري وأشتكيه أبو الأسود الدئلي: ألا يا عين ويحك فاسعدينا * ألا أبكي أمير المؤمنينا رزئنا خير من ركب المطايا * وحثحثها ومن ركب السفينا

 

(1) هكذا في النسخ والمصدر. والظاهر: اليك اه‍.

 

[243]

ومن لبس النعال ومن حذاها * ومن قرأ المثاني والمئينا (1) إذا استقبلت وجه أبي حسين * رأيت البدر راق الناظرينا يقيم الحد لا يرتاب فيه * ويقضي بالفرائض مستبينا ألا أبلغ معاوية بن حرب * فلا قرت عيون الشامتينا أفي الشهر الحرام فجعتمونا * بخير الناس طرا أجمعينا ومن بعد النبي فخير نفس * أبو حسن وخير الصالحينا كأن الناس إذ فقدوا عليا * نعام جال في بلد سنينا وكنا قبل مهلكه بخير * ترى فينا وصي المسلمينا فلا والله لا أنسى عليا * وحسن صلاته في الراكعينا لقد علمت قريش حيث كانت (2) * بأنك خيرهم حسبا ودينا فلا تشمت معاوية بن حرب * فإن بقية الخلفاء فينا لبعض الصحابة: دعوتك يا علي فلم تجبني * وردت دعوتي بأسا عليا بموتك ماتت اللذات عني * وكانت حية إذ كان (3) حيا فيا أسفا عليك وطول شوقي * إليك لو أن ذلك رد ليا (4) بيان: قوله عليه السلام: " لا تقبلن من الخلي " أي لا تقبل ترك البكاء من الخلي الذي ينصحك في ذلك، فإنك لست مثله. والندي على فعيل: القوم المجتمعون والخطاب في هذا البيت لامير المؤمنين عليه السلام. وقال الجوهري: الرقوب: المرأة التي لا يعيش لها ولد (5). ويقال: شثنت كفه أي غلظت، ولعله تصحيف الشنن من شن الماء أي فرقه، كناية عن كثرة البكاء، قوله: " رب المفضل " لعله بمعنى

 

(1) في المصدر: والمبينا. (2) في المصدر: حين كانت. (3) إذ كنت ظ (ب). (4) مناقب آل ابى طالب 2: 82 و 83. وقوله " ردليا " أي رد إلى. (5) الصحاح: 138.

 

[244]

المربوب، والظاهر أن فيه تصحيفا. وحثحث: حرك. والسفين: جمع السفينة. 46 - كشف: قال محمد بن طلحة: قد صح النقل أنه ضربه عبد الرحمن بن ملجم ليلة الجمعة، لكن قيل: لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، وقيل: لتسع عشرة ليلة، وقد نقله جماعة، وقيل: ليلة الحادي والعشرين من رمضان، وقيل: ليلة الثالث والعشرين منه، ومات ليلة الاحد ثالث ليلة ضرب من سنة أربعين للهجرة فيكون عمره خمسا وستين سنة، وقيل: بل كان ثلاثا وستين، وقيل: بل ثمان وخمسين، وقيل: بل كان سبعا وخمسين سنة، وأصح هذه الاقوال هو القول الاول فإنه عضده (1) ما نقل عن معروف قال: سمعت من أبي جعفر محمد بن علي الرضا سلام الله عليهما يقول: قتل علي (2) وله خمس وستون سنة، فهذه مدة عمره، فلما مات عليه السلام غسله الحسن والحسين عليهما السلام ومحمد يصب الماء، ثم كفن وحنط وحمل ودفن في جوف الليل بالغري، وقيل: بين منزله والجامع الاعظم والله أعلم، قال: وإذا كانت مدة عمره عليه السلام خمسا وستين سنة على ما ظهر فاعلم منحك الله ألطاف تأييده أنه عليه السلام كان بمكة مع رسول الله صلى الله عليه واله من أول عمره خمسا وعشرين سنة فمنها بعد البعث والنبوة ثلاث عشرة سنة، وقبلها اثنا عشر سنة ثم هاجر وأقام مع النبي صلى الله عليه واله بالمدينة إلى أن توفي عشر سنين، ثم بقي بعد رسول الله إلى أن قتل ثلاثين سنة، فذلك خمس وستون سنة (3). ومن مناقب الخوارزمي قال: لما ضرب علي عليه السلام تحامل وصلى بالناس الغداة، وقال: علي بالرجل، فادخل عليه، فقال: أي عدو الله ألم احسن إليك ؟ قال: بلى، قال: فما حملك على هذا ؟ قال: شحذته أربعين صباحا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه، قال علي عليه السلام: فلا أراك إلا مقتولا به، وما أراك إلا من شر

 

(1) في المصدر: يعضده. (2) في المصدر: قتل على بن ابى طالب. (3) كشف الغمة: 131.

 

[245]

خلق الله عزوجل. قال: ودعا علي حسنا وحسينا فقال: اوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تبكيا على شئ زوي عنكما، قولا (1) بالحق، وارحما اليتيم، وأعينا الضائع، واصنعا للاخرى، وكونا للظالم خصما وللمظلوم ناصرا، اعملا بما في الكتاب (2) ولا تأخذكما في الله لومة لائم. ثم نظر إلى محمد بن الحنفية فقال: هل حفظت ما أوصيت به أخويك ؟ قال: نعم، قال: فإني اوصيك بمثله، واوصيك بتوقير أخويك لعظيم (3) حقهما عليك فلا توثق أمرا دونهما، ثم قال: اوصيكما به فإنه شقيقكما وابن أبيكما، وقد علمتما أن أباكما كان يحبه، وقال للحسن: اوصيك يا بني بتقوى الله وإقام الصلاة لوقتها، وإيتاء الزكاة عند محلها، فإنه لاصلاة إلا بطهور، ولا يقبل (4) الصلاة ممن منع الزكاة، واوصيك بعفو الذنب وكظم الغيظ وصلة الرحم، والحلم عن الجاهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الامر (5) والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش، فلما حضرته الوفاة أوصى وكانت وصيته: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب عليه السلام (6). أقول: وساق الحديث إلى آخر ما سيأتي في رواية الكليني ثم قال: ولم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض عليه السلام في شهر رمضان سنة أربعين، و غسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، وكفن في ثلاثة أثواب، ليس فيها

 

(1) في المصدر: وقولا. (2) في المصدر: في كتاب الله. (3) في المصدر: لعظم. (4) في المصدر: ولا تقبل. (5) في المصدر: الامور خ ل. (6) كشف الغمة: 129.

 

[246]

قميص، وكبر عليه الحسن تسع تكبيرات، وكان عليه السلام نهى عن المثلة (1) فقال: يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين (2) تقولون: قتل أمير المؤمنين ألا لا يقتل (3) بي إلا قاتلي، انظر يا حسن إن أنامت من ضربتي هذه فاضربه ضربة، ولا تمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور. فلما قبض عليه السلام بعث الحسن عليه السلام إلى ابن ملجم فقتله، ولفه الناس في البواري وأحرقوه، وكان أنفذ إلى الحسن عليه السلام يقول: إني والله ما أعطيت الله عهدا إلا وفيت به، إني عاهدت الله أن أقتل عليا ومعاوية أو أموت دونهما، فإن شئت خليت بيني وبينه ولك الله علي أن أقتله، وإن قتلته وبقيت لآتينك حتى أضع يدي في يدك، فقال: لا والله حتى تعاين النار، ثم قدمه فقتله (4). 47 - كا: علي بن محمد، عن سهل، عن محمد بن عبد الحميد، عن الحسن بن الجهم قال: قلت للرضا عليه السلام: إن أمير المؤمنين عليه السلام قد عرف قاتله والليلة التي يقتل فيها والموضع الذي يقتل فيه وقوله لما سمع صياح الاوز في الدار: " صوائح تتبعها نوائح " وقول ام كلثوم: " لو صليت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلي بالناس " فأبى عليها وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح، وقد عرف عليه السلام أن ابن ملجم قاتله بالسيف كان هذا مما لم يجز تعرضه ؟ ! فقال: ذلك كان ولكنه خير تلك (5) الليلة لتمضي مقادير الله عزوجل (6). بيان: في بعض النسخ " خير " بالخاء المعجمة أي خير بين البقاء واللقاء

 

(1) في المصدر: نهى الحسن عن المثلة. (2) في المصدر: تخوضون في دماء المسلمين خوضا اه‍. (3) في المصدر: لا يقتلن. (4) كشف الغمة: 130. (5) في المصدر: في تلك. (6) اصول الكافي (الجزء الاول من الطبعة الحديثة): 259.

 

[247]

فاختار اللقاء، وفي بعضها بالحاء المهملة أي انسي ذلك الوقت، وفي بعضها بالحاء المهملة والنون (1) أي كان موقتا معلوما متيقنا عنده، فكان لا ينفعه الفرار، وفي بعض الاحتمالات اللام لام العاقبة في قوله: لتمضي. 48 - كا: العدة، عن البرقي، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة عن عمرو بن شمر، عن عبد الله بن الوليد الجعفي، عن رجل، عن أبيه قال لما اصيب أمير المؤمنين عليه السلام نعى الحسن إلى الحسين عليهما السلام وهو بالمدائن: فلما قرأ الكتاب قال: يا لها من مصيبة ما أعظمها ! مع أن رسول الله صلى الله عليه واله قال: من اصيب منكم بمصيبة فليذكر مصابه بي (2) فإنه لن يصاب بمصيبة أعظم منها، وصدق صلى الله عليه واله (3). 49 - كا: العدة، عن البرقي، عن السندي بن محمد، عن محمد بن الصلت، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: صلى أمير المؤمنين عليه السلام الفجر ثم لم يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قيد (4) رمح، وأقبل على الناس بوجهه فقال: والله لقد أدركت أقواما يبيتون لربهم سجدا وقياما، يخالفون بين جباههم وركبهم، كأن زفير النار في آذانهم، إذا ذكر الله عندهم مادوا كما يميد الشجر كأنما القوم [ما] باتوا غافلين، قال: ثم قام فما رئي ضاحكا حتى قبض عليه السلام (5). 50 - ما: جماعة، عن أبي المفضل، عن جعفر بن محمد العلوي، عن ابن نهيك عن ابن جبلة، عن حميد بن شعيب الهمداني، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما احتضر أمير المؤمنين عليه السلام جمع بنيه حسنا وحسينا وابن الحنفية والاصاغر من ولده فوضاهم، وكان في آخر وصيته: يا بني عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنوا إليكم، وإن فقدتم بكوا عليكم، يا بني إن القلوب جنود مجندة

 

(1) يعنى عوض الراء أي " حين " (ب). (2) في (ك): مصائبي. (3) فروع الكافي (الجزء الثالث من الطبعة الحديثة): 220 و 221. (4) في (ك): قدر. (5) اصول الكافي (الجزء الثاني من الطبعة الحديثة): 236.

 

[248]

تتلاحظ بالمودة وتتناجى بها، وكذلك هي في البغض، فإذا أحببتم الرجل من غير خير سبق منه إليكم فارجوه، وإذا أبغضتم الرجل من غير سوء سبق منه إليكم فاحذروه (1). 51 - كا: أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، ومحمد بن إسماعيل عن الفضل، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: بعث إلي أبو الحسن موسى عليه السلام بوصية أمير المؤمنين عليه السلام (2): بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله عليه وآله، ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك امرت وأنا من المسلمين. ثم إني اوصيك يا حسن وجميع أهل بيتي وولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربكم، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام وإن المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب. الله الله في الايتام، فلا تغيروا (3) أفواههم، ولا تضيعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: " من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله عزوجل له بذلك الجنة، كما أوجب الله لآكل مال اليتيم النار ".

 

(1) امالي ابن الشيخ: 27. (2) الوصية المذكورة في المتن هي الوصية الثانية له عليه السلام كما في المصدر، ولم يذكر الاولى لانه ذكرها في باب صدقاته ومواليه عليه السلام تحت الرقم 4 وكذا في باب سخائه عليه السلام ج 41 ص 39 و 40. (3) في المصدر: فلا تغبوا افواههم ولا يضيعوا. (*)

 

[249]

الله الله في القرآن، فلا يسبقكم إلى العمل به أحد غيركم. الله الله في جيرانكم، فإن النبي صلى الله عليه واله أوصى بهم، وما زال رسول الله صلى الله عليه واله يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم. الله الله في بيت ربكم، فلا يخلو منكم ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا و أدنى ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما سلف. الله الله في الصلاة فإنها خير العمل وإنها عمود دينكم. الله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب ربكم. الله الله في شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار. الله الله في الفقراء والمساكين فشاركوهم في معائشكم. الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، فإنما يجاهد رجلان: إمام هدى أو مطيع له مقتد بهداه. الله الله في ذرية نبيكم فلا يظلمن بحضرتكم وبين ظهرانيكم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم. الله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا ولم يؤوا محدثا، فإن رسول الله صلى الله عليه واله أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدث. الله الله في النساء وفيما ملكت أيمانكم، فإن آخر ما تكلم به نبيكم صلى الله عليه واله أن قال: " اوصيكم بالضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم ". الصلاة الصلاة الصلاة، لا تخافوا في الله لومة لائم، يكفيكم (1) الله من آذاكم و [من] بغى عليكم، قولوا للناس حسنا كما أمركم الله عزوجل، ولا تتركوا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله أمركم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليهم، وعليكم يا بني بالتواصل والتباذل والتبار، وإياكم والتقاطع و التدابر والتفرق، وتعاونوا (2) على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان

 

(1) في المصدر: يكفكم. (2) في المصدر: " تعانوا " في الموضعين.

 

[250]

واتقوا الله إن الله شديد العقاب، حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله (1). ثم لم يزل يقول: " لا إله إلا الله " حتى قبض صلوات الله عليه ورحمته في ثلاث ليال من العشر الاواخر ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة، وكان ضرب ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان (2). 52 - يه: روي عن سليم بن قيس الهلالي قال: شهدت وصية علي بن أبي طالب عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام وأشهد على وصيته الحسين عليه السلام ومحمدا وجميع ولده وجميع رؤساء أهل بيته وشيعته عليهم السلام، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح، ثم قال عليه السلام: يا بني أمرني رسول الله صلى الله عليه واله أن اوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي، كما أوصى إلي رسول الله صلى الله عليه واله ودفع إلي كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعه إلى أخيك الحسين عليه السلام، ثم أقبل (3) على ابنه الحسين عليه السلام فقال: وأمرك رسول الله صلى الله عليه واله أن تدفعه إلى ابنك علي بن الحسين، ثم أقبل على (4) علي بن الحسين عليه السلام فقال: وأمرك رسول الله صلى الله عليه واله أن تدفع وصيتك إلى ابنك محمد بن علي، فأقرأه من رسول الله صلى الله عليه واله ومني السلام، ثم أقبل على ابنه الحسن عليه السلام فقال: يا بني أنت ولي الامر بعدي وولي الدم، فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربة مكان ضربة، ولا تأثم، ثم قال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم ساق الحديث إلى آخر ما رواه الكليني (5).

 

(1) في المصدر: ورحمة الله وبركاته. (2) فروع الكافي (الجزء السابع من الطبعة الحديثة): 51 و 52. والسند مذكور في صفحة 49. (3) في المصدر: قال ثم اقبل. (4) في المصدر: قال ثم اقبل على ابنه اه‍. (5) من لا يحضره الفقيه: 523 و 524.

 

[251]

ايضاح: قال الفيروز آبادي: الحالقة: الخصلة التي من شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر (1). وقال ابن أبي الحديد بعد إيراد تلك الوصية في شرح نهج البلاغة: قوله: " فلا تغيروا أفواههم " يحتمل تفسيرين: أحدهما لا تجيعوهم فإن الجائع فمه تتغير نكهته (2)، والثاني لا تحوجوهم إلى تكرار الطلب والسؤال، فإن السائل ينضب ريقه وتنشف لهواته وتتغير ريح فمه، انتهى (3). قوله عليه السلام: " لم تناظروا " أي لم تمهلوا، بل ينزل عليكم العذاب من غير مهلة. وقال الجزري: في حديث المدينة: " من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا " الحدث: الامر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة، والمحدث يروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول، فمعنى الكسر: من نصر جانيا و آواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه، وبالفتح هو الامر المبتدع نفسه، ويكون معنى الايواء فيه الرضى به والصبر عليه، فإنه إذا رضي بالبدعة و أقر فاعلها عليها ولم ينكرها فقد آواها، انتهى (4). قوله عليه السلام: " وحفظ فيكم نبيكم " أي جعل الناس بحيث يرعون فيكم حرمته صلى الله عليه واله، أو حفظ سننه وأطواره صلى الله عليه واله فيكم، أو يحفظكم لانتسابكم إليه صلى الله عليه واله والاول أظهر. 53 - كا: علي بن محمد رفعه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لما غسل أمير المؤمنين عليه السلام نودوا من جانب البيت: إن أخذتم مقدم السرير كفيتم مؤخره، وإن أخذتم

 

(1) هذا المعنى غير مذكور في القاموس، وذكره في النهاية 1: 251. (2) في المصدر: يخلف فمه ويتغير نكهته. (3) شرح النهج 2: 69. (4) النهاية 1: 207. وفيه: واقر فاعلها ولم ينكر عليه فقد آواه.

 

[252]

مؤخره كفيتم مقدمه (1). 54 - نبه: محمد بن الحسن القضباني (2)، عن إبراهيم بن محمد بن مسلم الثقفي عن عبد الله بن بلح المنقري، عن شريك، عن جابر، عن أبي حمزة اليشكري، عن قدامة الاودي، عن إسماعيل بن عبد الله الصلعي - وكان (3) له صحبة - قال: لما كثر الاختلاف بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وقتل عثمان بن عفان تخوفت على نفسي الفتنة، فاعتزمت على اعتزال الناس، فتنحيت إلى ساحل البحر فأقمت فيه حينا لا أدري ما فيه الناس (4)، فخرجت من بيتي لبعض حوائجي وقد هدأ الليل ونام الناس، فإذا أنا برجل على ساحل البحر يناجي ربه ويتضرع إليه بصوت أشج (5) وقلب حزين، فآنست (6) إليه من حيث لا يراني، فسمعته يقول: يا حسن الصحبة يا خليفة النبيين يا أرحم الراحمين، البدئ البديع الذي ليس مثلك (7) شئ، والدائم غير الغافل، والحي الذي لا يموت، أنت كل يوم في شأن، أنت خليفة محمد صلى الله عليه واله و ناصر محمد ومفضل محمد، أسألك (8) أن تنصر وصي محمد وخليفة محمد والقائم بالقسط بعد محمد، اعطف عليه بنصر أو توفه برحمة.

 

(1) اصول الكافي (الجزء الاول من الطبعة الحديثة) 1: 457. (2) في المصدر و (ت): القصبانى. (3) في المصدر: وكانت. (4) في المصدر بعد ذلك: معتزلا لاهل الهجر والارجاف اه‍. (5) كذا في (ك). وفى غيره من النسخ " شج ". والصحيح كما في المصدر: شجى. أي حزين. (6) كذا في (ك): وفى غيره من النسخ " فأنصت ". وفى المصدر: فنضت إليه وأصغيت إليه. (7) في هامش (ك): كمثله خ ل. (8) في المصدر: أنت الذى أسألك اه‍.

 

[253]

قال: ثم رفع رأسه وجلس بقدر التشهد (1) ثم إنه سلم فيما أحسب تلقاء وجهه، ثم مضى فمشى على الماء، فناديته من خلفه: كلمني يرحمك الله، فلم يلتفت وقال: الهادي خلفك فاسأله عن أمر دينك، قال: قلت: من هو يرحمك الله ؟ قال: وصي محمد صلى الله عليه واله من بعده، فخرجت متوجها إلى الكوفة فأمسيت دونها، فبت قريبا من الحيرة، فلما جن لي (2) الليل إذ أنا برجل قد أقبل حتى استتر برابية (3)، ثم صف قدميه فأطال المناجاة، فكان فيما قال: اللهم إني سرت فيهم بما أمرني رسولك وصفيك فظلموني، وقتلت المنافقين كما أمرتني فجهلوني. وقد مللتهم وملوني و أبغضتهم وأبغضوني، ولم تبق خله أنتظرها إلا المرادي، اللهم فعجل له الشقاء (4) وتغمدني بالسعادة، اللهم قد وعدني نبيك أن تتوفاني إليك إذا سألتك، اللهم وقد رغبت إليك في ذلك، ثم مضى، فتبعته (5) فدخل منزله، فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام قال: فلم ألبث إذ نادى المنادي بالصلاة، فخرج وتبعته حتى دخل المسجد فعمه ابن ملجم لعنه الله بالسيف (6). 55 - نبه: لما احتضر أمير المؤمنين عليه السلام جمع بنيه حسنا وحسينا ومحمد بن الحنفية والاصاغر من ولده فوصاهم (7) وكان في آخر وصيته: يا بني عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنوا إليكم وإن فقدتم بكوا عليكم، يا بني إن القلوب جند (8) مجندة تتلاحظ بالمودة وتتناجى بها، وكذلك هي في البغض، فإذا أحسستم من

 

(1) في المصدر: وقعد مقدار التشهد. (2) كذا في (ك). وفي غيره من النسخ " جننى ". وفي المصدر: اجننى. (3) الرابية: ما ارتفع من الارض. (4) في المصدر: الشقاوة. (5) في المصدر: فقفوته. (6) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 2: 2 و 3. (7) في المصدر: فوصى لهم. (8) في المصدر، جنود.

 

[254]

أحد في قلبكم شيئا فاحذروه (1). 56 - د: قال الواقدي: آخر كلمة قالها أمير المؤمنين عليه السلام: يا بني إذا مت فالحقوا بي ابن ملجم لعنه الله اخاصمه عند رب العالمين، ثم قرأ: " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (2) " ولما توفي عليه السلام غسله ابناه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، وقيل: محمد بن الحنفية، وقيل: إنه لم يغسل لانه سيد الشهداء، قيل: كفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة وكان عنده من بقايا حنوط رسول الله صلى الله عليه واله، فحنطوه بها، وصلى عليه ولده الحسن عليه السلام، وكبر عليه خمسا، وقيل: ستا، وقيل، سبعا (3). 57 - نهج: من كلام له عليه السلام قبيل موته على سبيل الوصية: وصيتي لكم أن تشركوا بالله شيئا، ومحمد صلى الله عليه واله فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين، وخلاكم ذم، أنا بالامس صاحبكم واليوم عبرة لكم وغدا مفارقكم إن أبق فأنا ولي دمي وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعف فالعفو لي قربة وهو لكم حسنة، فاعفوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ؟ والله ما فجأني من الموت وارد كرهته ولا طالع أنكرته، وما كنت إلا كقارب ورد وطالب وجد، وما عند الله خير للابرار. وقد مضى بعض هذا الكلام فيما تقدم من الخطب، إلا أن فيه ههنا زيادة أوجبت تكراره. ومن وصية له عليه السلام بما يعمل في أمواله كتبها بعد منصرفه من صفين: هذا ما أمر به عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين في ماله ابتغاء وجه الله، ليولجني به الجنة ويعطيني الامنة منها، وإنه يقوم بذلك الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف وينفق منه في المعروف، فإن حدث بحسن حدث وحسين حي

 

(1) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 2: 75. وفيه، فإذا احببتم الرجل من غير خير سبق منه اليكم فارجوه، فإذا ابغضتم الرجل من غير سوء سبق منه اليكم فاحذروه. (2) سورة الزلزال: 7 و 8. (3) مخطوط.

 

[255]

قام بالامر بعده، وأصدر مصدره، وإن لابني فاطمة (1) من صدقة علي مثل الذي لبني علي، وإني إنما جعلت القيام بذلك إلى ابني فاطمة ابتغاء وجه الله وقربة إلى رسول الله صلى الله عليه واله وتكريما لحرمته وتشريفا لوصلته، ويشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على اصوله وينفق من ثمره حيث امر به وهدي له، وأن لا يبيع من أولاد نخيل هذه القرى ودية حتى تشكل أرضها غراسا، ومن كان من إمائي اللاتي أطوف عليهن لها ولد أو هي حامل فتمسك على ولدها وهي حظه، فإن مات ولدها وهي حية فهي عتيقة، قد أفرج عنها الرق وحررها (2) العتق. قوله عليه السلام في هذه الوصية: " وأن لا يبيع من نخلها ودية " الودية: الفسيلة وجمعها ودي. وقوله عليه السلام: " حتى تشكل أرضها غراسا " هو من أفصح الكلام، والمراد به أن الارض يكثر فيها غرائس النخل حتى يراها الناظر على غير تلك الصفة التي عرفها بها، فيشكل عليه أمرها ويحسبها غيرها (3). بيان: قال الجزري في حديث علي عليه السلام: " خلاكم ذم ما لم تشردوا " يقال افعل ذلك وخلاك ذم، أي اعذرت وسقط عنك الذم (4). قال ابن أبي الحديد: لقائل أن يقول: إذا أوصاهم بالتوحيد واتباع سنة النبي صلى الله عليه واله فقد دخل فيهما جميع ما يجب أن يفعل، ففي أي شئ يقول " وخلاكم ذم " ؟ والجواب أن كثيرا من الصحابة والتابعين كانوا قد كلفوا أنفسهم امورا شاقة جدا، فمنهم من كان يقوم الليل كله، ومنهم من كان يصوم الدهر كله، ومنهم تارك النكاح، ومنهم تارك المطاعم والملابس، وكانوا يتفاخرون بذلك ويتنافسون، فأراد عليه السلام أن المهم الاعظم القيام بالتوحيد والسنن المؤكدة المعلومة من دين محمد

 

(1) في المصدر: لبنى فاطمة. (2) في (ك): وحضرها. (3) نهج البلاغة (عبده ط مصر) 2: 21 - 23. (4) النهاية 1: 319.

 

[256]

صلى الله عليه وآله ولا عليكم بالاخلال بما عدا ذلك (1) وقال الخليل: القارب: طالب الماء ليلا. قوله عليه السلام: " بالمعروف " أي من غير إسراف وتقتير. قوله: " في المعروف " أي في وجوه البر، والضمير في قوله: " مصدره " إما راجع إلى الامر أو إلى الحسن عليه السلام. قوله عليه السلام: " أن يترك المال على اصوله " كناية عن عدم إخراجه ببيع أو هبة أو غيرهما من وجوه الاملاك. و الودية: النخلة الصغيرة. 78 - نهج: من وصيته للحسن والحسين عليهما السلام لما ضربه ابن ملجم لعنه الله و أخزاه: اوصيكما بتقوى الله وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا على شئ منها زوي عنكما، وقولا بالحق واعملا للآخرة (2) وكونا للظالم خصماو للمظلوم عونا. اوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم، فإني سمعت جدكما صلى الله عليه واله يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام، الله الله في الايتام فلا تغبوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم، والله الله في جيرانكم فإنه وصية نبيكم، ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم والله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غير كم، والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم والله الله في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا، والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله، وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع، لا تتركوا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم أشراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم. ثم قال: يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون: قتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن (3) بي إلا قاتلي، انظروا إذا أنامت من ضربته هذه

 

(1) شرح النهج 3: 647 و 648. وقد نقله ملخصا. (2) في المصدر: للاجر. (3) في المصدر: لا تقتلن.

 

[257]

فاضربوه ضربة بضربة، ولا يمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور (1). بيان: بغاه: طلبه. وزواه عنه: قبضه وصرفه. قوله عليه السلام: " الله الله " أي اتقوا الله واذكروا الله. قوله عليه السلام: " فلا تغبوا أفواههم " أي لا تجيعوهم بأن تطعموهم يوما وتتركوهم يوما. وروي " فلا تغيروا أفواههم " والمعنى واحد، فإن الجائع يتغير فمه. قوله عليه السلام: " فإنه وصية نبيكم " الحمل للمبالغة، أي أوصاكم فيهم. وألفاه: وجده. وقال الجزري: يقال: مثلت بالحيوان إذا قطعت أطرافه وشوهت به، و مثلت بالقتيل إذا جدعت أنفه واذنه ومذاكيره أو شيئا من أطرافه، فأما مثل - بالتشديد - للمبالغة (2). تذنيب: سئل الشيخ المفيد قدس الله روحه في المسائل العكبرية: الامام عندنا مجمع على أنه يعلم ما يكون، فما بال أمير المؤمنين عليه السلام خرج إلى المسجد وهو يعلم أنه مقتول وقد عرف قاتله والوقت والزمان ؟ وما بال الحسن بن علي عليهما السلام سار إلى الكوفة وقد علم أنهم يخذلونه ولا ينصرونه وأنه مقتول في سفرته تبك ؟ ولم لما حصروا وعرف أن الماء قد منع منه وأنه إن حفر أذرعا قريبة نبع الماء ولم يحفر وأعان على نفسه حتى تلف عطشا ؟ والحسن عليه السلام وادع معاوية و هادنه وهو يعلم أنه ينكث ولا يفي ويقتل شيعة أبيه عليه السلام، فأجاب الشيخ رحمه الله عنها بقوله: وأما الجواب عن قوله: " إن الامام يعلم ما يكون " فإجماعنا أن الامر على خلاف ما قال، وما أجمعت الشيعة على هذا القول، وإنما إجماعهم ثابت على أن الامام يعلم الحكم في كل ما يكون دون أن يكون عالما بأعيان ما يحدث ويكون على التفصيل والتمييز، وهذا يسقط الاصل الذي بنى عليه الاسولة بأجمعها، ولسنا

 

(1) نهج البلاغة 2: 78 - 80. (2) النهاية 4: 77.

 

[258]

نمنع أن يعلم الامام أعيان ما يحدث ويكون (1) بإعلام الله تعالى [له] ذلك، فأما القول بأنه يعلم كل ما يكون فلسنا نطلقه ولا نصوب قائله، لدعواه فيه من غير حجة ولا بيان، والقول: بأن أمير المؤمنين عليه السلام كان يعلم قاتله والوقت الذي كان يقتل فيه فقد جاء الخبر متظاهرا أنه كان يعلم في الجملة أنه مقتول، وجاء أيضا بأنه يعلم قاتله على التفصيل، فأما علمه بوقت قتله فلم يأت عليه أثر على التحصيل ولو جاء به أثر لم يلزم فيه ما يظنه المعترضون، إذ كان لا يمتنع أن يتعبده الله تعالى بالصبر على الشهادة والاستسلام للقتل، ليبلغه بذلك علو الدرجاب مالا يبلغه إلا به، ولعلمه بأنه يطيعه في ذلك طاعة لو كلفها سواه لم يردها، ولا يكون بذلك أمير - المؤمنين عليه السلام ملقيا بيده إلى التهلكة، ولا معينا على نفسه معونة تستقبح في العقول. وأما علم الحسين عليه السلام بأن أهل الكوفة خاذلوه، فلسنا نقطع على ذلك، إذ لا حجة عليه من عقل ولا سمع، ولو كان عالما بذلك لكان الجواب عنه ما قد مناه في الجواب عن علم أمير المؤمنين عليه السلام بوقت قتله ومعرفة قاتله كما ذكرناه. و أما دعواه علينا أنا نقول: إن الحسين عليه السلام كان عالما بموضع الماء قادرا عليه، فلسنا نقول ذلك، ولا جاء به خبر، على أن طلب الماء والاجتهاد فيه يقضي بخلاف ذلك ولو ثبت أنه كان عالما بموضع الماء لم يمتنع في العقول أن يكون متعبدا بترك السعي في طلب الماء من حيث كان ممنوعا منه حسب ما ذكرناه في أمير المؤمنين عليه السلام، غير أن ظاهر الحال بخلاف ذلك على ما قدمناه. والكلام في علم الحسن عليه السلام بعاقبة موادعته معاوية بخلاف ما تقدم، وقد جاء الخبر بعلمه بذلك، وكان شاهد الحال له يقضي به، غير أنه دفع به عن تعجيل قتله وتسليم أصحابه له إلى معاوية، وكان في ذلك لطف في بقائه إلى حال مضيه ولطف لبقاء كثير من شيعته وأهله وولده، ودفع فساد في الدين هو أعظم من الفساد الذي حصل عند هدنته، وكان عليه السلام أعلم بما صنع لما ذكرناه وبينا الوجوه فيه

 

(1) أي يكون علمه.

 

[259]

انتهى كلامه رفع الله مقامه. أقول: وسأل السيد مهنا بن سنان العلامة الحلي نور الله ضريحه عن مثل ذلك في أمير المؤمنين عليه السلام فأجاب بأنه يحتمل أن يكون عليه السلام اخبر بوقوع القتل في تلك الليلة، ولم يعلم في أي وقت من تلك الليلة أو أي مكان يقتل، وأن تكليفه عليه السلام مغاير لتكليفنا، فجاز أن يكون بذل مهجته الشريفة في ذات الله تعالى، كما يجب على المجاهد الثبات، وإن كان ثباته يفضي إلى القتل. تذييل: رأينا في بعض الكتب القديمة رواية في كيفية شهادته عليه السلام أوردنا منه شيئا مما يناسب كتابنا هذا على وجه الاختصار، قال: روى أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد البكري، عن لوط بن يحيى، عن أشياخه وأسلافه قالوا: لما توفي عثمان وبايع الناس أمير المؤمنين عليه السلام كان رجل يقال له حبيب بن المنتجب واليا على بعض أطراف اليمن من قبل عثمان، فأقره علي عليه السلام على عمله، وكتب إليه كتابا يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى حبيب ابن المنتجب، سلام عليك، أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، واصلي على محمد عبده ورسوله، وبعد فإني وليتك ما كنت عليه لمن كان من قبل، فأمسك (1) على عملك، وإني اوصيك بالعدل في رعيتك، والاحسان إلى أهل مملكتك، واعلم ان من ولي علي رقاب عشرة من المسلمين ولم يعدل بينهم حشره الله يوم القيامة و يداه مغلولتان إلى عنقه، لا يفكها إلا عدله في دار الدنيا، فإذا ورد عليك كتابي هذا فاقرأه على من قبلك من أهل اليمن، وخذ لي البيعة على من حضرك من المسلمين فإذا بايع القوم مثل بيعة الرضوان فامكث في عملك، وأنفذ إلي منهم عشرة يكونون من عقلائهم وفصحائهم وثقاتهم، ممن يكون أشدهم عونا من أهل الفهم والشجاعة

 

(1) في (خ) و (م): فامكث.

 

[260]

عارفين بالله، عالمين بأديانهم، وما لهم وما عليهم، وأجودهم رأيا، وعليك وعليهم السلام. وطوى الكتاب وختمه وأرسله مع أعرابي، فلما وصل إليه قبله ووضعه على عينيه ورأسه، فلما قرأه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد و آله ثم قال: أيها الناس اعلموا أن عثمان قد قضى نحبه، وقد بايع الناس من بعده العبد الصالح والامام الناصح أخا رسول الله صلى الله عليه واله وخليفته، وهو أحق بالخلافة وهو أخو رسول الله صلى الله عليه واله وابن عمه، وكاشف الكرب عن وجهه، وزوج ابنته و وصيه، وأبو سبطيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فما تقولون في بيعته و الدخول في طاعته ؟ قال: فضج الناس بالبكاء والنحيب، وقالوا: سمعا وطاعة وحبا وكرامة لله ولرسوله ولاخي رسوله، فأخذ له البيعة عليهم عامة، فلما بايعوا قال لهم: اريد منكم عشرة من رؤسائكم وشجعانكم انفذهم إليه كما أمرني به، فقالوا: سمعا وطاعة، فاختار منهم مائة ثم من المائة سبعين، ثم من السبعين ثلاثين، ثم من الثلاثين عشرة فيهم عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله، وخرجوا من ساعتهم، فلما أتوه عليه السلام سلموا عليه وهنؤوه بالخلافة، فرد عليهم السلام و رحب بهم، فتقدم ابن ملجم وقام بين يديه وقال: السلام عليك أيها الامام العادل والبدر التمام، والليث الهمام، والبطل الضرغام، والفارس القمقام، ومن فضله الله على سائر الانام، صلى الله عليك وعلى آلك الكرام، أشهد أنك أمير المؤمنين صدقا وحقا، وأنك وصي رسول الله صلى الله عليه واله والخليفة من بعده، ووارث علمه، لعن الله من جحد حقك ومقامك، أصبحت أميرها وعميدها، لقد اشتهر بين البرية عدلك، وهطلت شآبيب (1) فضلك وسحائب رحمتك ورأفتك عليهم، ولقد أنهضنا الامير إليك، فسررنا بالقدوم عليك، فبوركت بهذه الطلعة المرضية، وهنئت بالخلافة في الرعية. ففتح أمير المؤمنين عليه السلام عينيه في وجهه، ونظر إلى الوفد فقربهم وأدناهم

 

(1) هطل أي نزل متتابعا. والشآبيب جمع الشؤبوب: الدفعة من المطر واول ما يظهر من الحسن.

 

[261]

فلما جلسوا دفعوا إليه الكتاب، ففضه وقرأه وسر بما فيه، فأمر لكل واحد منهم بحلة يمانية ورداء عدنية وفرس عربية، وأمر أن يفتقدوا ويكرموا، فلما نهضوا قام ابن ملجم ووقف بين يديه وأنشد: أنت الميهمن والمهذب ذوالندى * وابن الضراغم في الطراز الاول الله خصك يا وصي محمد * وحباك فضلا في الكتاب المنزل وحباك بالزهراء بنت محمد * حورية بنت النبي المرسل ثم قال: يا أمير المؤمنين ارم بنا حيث شئت لترى منا ما يسرك، فوالله ما فينا إلا كل بطل أهيس، وحازم أكيس، وشجاع أشوس (1) ورثنا ذلك عن الآباء والاجداد، وكذلك نورثه صالح الاولاد، قال: فاستحسن أمير المؤمنين عليه السلام كلامه من بين الوفد فقال له: ما اسمك يا غلام ؟ قال: اسمي عبد الرحمن، قال: ابن من ؟ قال: ابن ملجم المرادي، قال له: أمرادي أنت ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال عليه السلام: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال: وجعل أمير المؤمنين عليه السلام يكرر النظر إليه ويضرب إحدى يديه على الاخرى ويسترجع، ثم قال له: ويحك أمرادي أنت ؟ قال: نعم، فعندها تمثل عليه السلام يقول: أنا أنصحك مني بالوداد * مكاشفة وأنت من الاعادي اريد حياته ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد قال الاصبغ بن نباته:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

  

 الرئيسية

 اتصل بنا

 خارطة الموقع

  

 

 

الصفحة الرئيسية |  صفحة الفهارس

 


 


 

Your Ad Here


 


 

 

 

 

 

بحار الأنوار

 

العلامة المجلسي ج 42


 

[1]

بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار تأليف العلم العلامة الحجة فخر الامة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي (قدس الله سره) الجزء الثاني والاربعون دار احياء التراث العربي بيروت - لبنان الطبعة الثالثة المصححة 1403 ه‍ - 1983 م


 

[1]

بسم الله الرحمن الرحيم 115. (باب) * (ما ظهر في المنامات من كراماته ومقاماته ودرجاته) * * (صلوات الله عليه، وفيه بعض النوادر) * (1) يج: روي عن أبي علي الحسن بن عبد العزيز الهاشمي قال: كانت الفتنة قائمة بين العباسيين والطالبيين بالكوفة، حتى قتل سبعة عشر رجلا عباسيا، وغضب الخليفة القادر، واستنهض الملك شرف الدولة أبا علي حتى يسير إلى الكوفة ويستأصل بها (1) من الطالبيين، ويفعل كذا وكذا بهم وبنسائهم وبناتهم، وكتب من بغداد هذا الخبر على طيور إليهم، وعرفوهم ما قال القادر، ففزعوا وتعلقوا ببني خفاجة، فرأت امرأة عباسية في منامها كأن فارسا على فرس أشهب وبيده رمح نزل من السماء، فسألت عنه فقيل لها: هذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يريد أن يقتل من عزم على قتل الطالبيين، فأخبرت الناس فشاع منامها في البلد، وسقط الطائر بكتاب من بغداد بأن الملك شرف الدولة بات عازما على المسير إلى الكوفة، فلما انتصف الليل مات فجأة، وتفرقت العساكر وفزع القادر (2). 2 - يج: روي أبو محمد الصالح قال: حدثنا أبو الحسن علي بن هارون المنجم أن الخليفة الراضي كان يجادلني كثيرا على خطأ علي فيما دبر في أمره مع معاوية قال: فأوضحت له الحجة أن هذا لا يجوز على علي، وأنه عليه السلام لم يعمل إلا الصواب فلم يقبل مني هذا القول، وخرج إلينا في بعض الايام ينهانا عن الخوض في مثل ذلك، وحدثنا أنه رأى في منامه كأنه خارج من داره يريد بعض متنزهاته، فرفع

 

(1) من بها. ظ (ب) (2) لم نجد هذه الرواية واللتين بعدها في الخرائج المطبوع.

 

[2]

إليه رجل قصير رأسه رأس كلب، فسأل عنه فقيل له: هذا الرجل كان يخطئ على علي بن أبي طالب عليه السلام قال: فعلمت أن ذلك كان عبرة لي ولامثالي، فتبت إلى الله. 3 - يج: روى الشيخ أبو جعفر بن بابويه، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد السجستي (1) قال: خرجت في طلب العلم فدخلت البصرة، فصرت إلى محمد بن عباد صاحب عبادان، فقلت: إني رجل غريب أتيتك من بلد بعيد لاقتبس من علمك شيئا، قال: من أنت ؟ قلت: من أهل سجستان، قال: من بلد الخوارج ؟ قلت لو كنت خارجيا ما طلبت علمك، قال أفلا اخبرك بحديث حسن إذا أتيت بلادك تحدث به الناس ؟ قلت: بلى، قال: كان لي جار من المتعبدين، فرأى في منامه كأنه قد مات وكفن ودفن، قال: مررت بحوض النبي صلى الله عليه واله وإذا هو جالس على شفير الحوض والحسن والحسين عليهما السلام يسقيان الامة الماء، فاستسقيتهما فأبيا أن يسقياني، فقلت: يارسول الله إني من امتك، قال: وإن قصدت عليا لا يسقيك فبكيت وقلت: أنا من شيعة علي، قال: لك جار يلعن عليا ولم تنهه، قلت، إني ضعيف ليس لي قوة وهو من حاشية السلطان، قال: فأخرج النبي سكينا وقال: امض واذبحه، فأخذت السكين وصرت إلى داره، فوجدت الباب مفتوحا، فدخلت فأصبته نائما فذبحته، وانصرفت إلى النبي صلى الله عليه واله وقلت: قد ذبحته وهذه السكين ملطخة بدمه، قال: هاتها، ثم قال للحسين عليه السلام: اسقه ماء، فلما أضاء الصبح سمعت صراخا، فسألت عنه فقيل: إن فلانا وجد على فراشه مذبوحا، فلما كان بعد ساعة قبض أمير البلد على جيرانه فدخلت عليه وقلت: أيها الامير اتق الله إن القوم برآء، وقصصت عليه الرؤيا فخلى عنهم.

 

(1) في (خ) و (م): السجزى.أقول: " السجز " بالكسر ثم السكون معرب " سگز " الفارسية علم لطائفة معروفة تسكن " سجستان " (مخفف: سجزستان) معرب " سگستان " (مخفف: سگزستان) وقد خفف عند الفارسيين في ألسنة العامة حتى صارت: " سيستان " فالسجزى نسبة إلى الطائفة والسجستى والسجستاني نسبة إلى المحل وكلها بكسر السين وسكون الجيم لا غير. (ب)

 

[3]

4 - أقول: وأخبرني بهذا الخبر شيخي ووالدي العلامة قدس الله روحه عن السيد حسين بن حيدر الحسيني الكركي - رحمه الله - قال: أخبرني الشيخ الجليل بهاء الملة والدين العاملي في إصفهان ثاني شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة وأخبرني أيضا في السابع والعشرين من شهر رجب سنة ألف وثلاث في النجف الاشرف تجاه الضريح المقدس قراءة وإجازة، قال: أخبرني والدي الشيخ حسين بن عبد الصمد في يوم الثلثاء ثاني شهر رجب سنة إحدى وتسعين وتسعمائة بدارنا في المشهد المقدس الرضوي صلوات الله على مشرفه، عن الشيخين الجليلين السيد حسن بن جعفر الكركي والشيخ زين الملة والدين قدس الله روحهما، عن الشيخ علي بن عبد العالي الميسي، عن الشيخ محمد بن المؤذن الجزيني، عن الشيخ ضياء الدين علي، عن والده الشهيد السعيد محمد بن مكي، عن السيد عبد المطلب بن محمد بن علي بن محمد الاعرج الحسيني، عن جده علي، عن شيخه عبد الحميد بن السيد فخار بن معد بن فخار الموسوي، عن يوسف بن هبة الله بن يحيى الواسطي، عن أبيه، عن أبي الحسن البصري، عن سعيد بن ناصر البستقي، عن القاضي أبي محمد السمندي عن علي بن محمد السمان السكري (1) قال: خرجت إلى أرض العراق في طلب الحديث فوصلت عبادان فدخلت على شيخها محمد بن عباد شيخ عبادان ورأس المطوعة، فقلت له: يا شيخ أنا رجل غريب أتيت من بلد بعيد ألتمس من علمك، فقال: من أين أتيت ؟ فقلت: من جهستان (2) فقال: من بلد الخوارج لعلك خارجي ؟ فقلت: لو كنت خارجيا لم أشتر علمك بدانق، فقال: ألا احدثك حديثا طريفا إذا مضيت إلى بلادك تحدثت به ؟ فقلت: بلى يا شيخ، فقال: كان لي جار من المتزهدين المتنسكين، فرأى في منامه كأنه مات ونشر وحوسب وجوز الصراط وأتى ؟ ؟ حوض النبي صلى الله عليه وآله والحسن والحسين عليهما السلام يسقيان، قال: فاستقيت الحسن فلم يسقني واستقيت الحسين فلم يسقني، فقربت من رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت: يا رسول الله أنا رجل من امتك وقد استقيت الحسن فلم يسقني واستقيت الحسين فلم يسقني، فصاح

 

(1) مصحف السكزى (ب) (2) مصحف سجستان. (ب)

 

[4]

الرسول صلى الله عليه واله بأعلى صوته لا تسقياه لا تسقياه، فقلت: يا رسول الله أنا رجل من امتك ما بدلت ولا غيرت، قال: بلى لك جار يلعن عليا ويستنقصه لم تنهه، فقلت: يا رسول الله هو رجل يغتر بالدنيا وأنا رجل فقير لا طاقة لي به، قال فأخرج الرسول صلى الله عليه وآله سكينا مسلولة وقال: اذهب فاذبحه بها، فأتيت باب الرجل فوجدته مفتوحا، فصعدت الدرجة (1) فوجدته ملقى على سريره، فذبحته وأتيت بالسكين ملطخة بالدم فأعطيتها رسول الله صلى الله عليه وآله فأخذها وقال: اسقياه، فتناولت الكأس فلا أدري أشربتها أم لا، و انتبهت فزعا مرعوبا، ففزعت (2) إلى الوضوء وصليت ما شاء الله، ووضعت رأسي و نمت وسمعت (3) الصياح في جواري، فسألت عن الحال فقيل: إن فلانا وجد على سريره مذبوحا، فما مكثت حتى أتى الامير والحرس فأخذوا الجيران، فقلت: أنا ذبحت الرجل ولا يسعني أن أكتم فمضيت إلى الامير فقلت: أنا ذبحت الرجل فقال: لست متهما على مثل هذا، فقصصت الرؤيا عليه وقلت: أيها الامير إن صححها الله فما ذنبي و (ما) ذنب هؤلاء ؟ فقال الامير. أحسن الله جزاك أنت برئ والقوم برآء، قال الشيخ علي بن محمد السمان فلم أسمع بالعراق أحسن من هذا الحديث. ما ذكر الفضل بن شاذان في كتابه الذي نقض به على ابن كرام قال: روى عثمان بن عفان عن محمد بن عباد البصري وذكر نحوه (4). 5 - أقول: ذكر العلامة الحلي قدس الله روحه في إجازته الكبيرة عن تاج

 

(1) الدرجة - بالفتحات -: السلم والمرقاة. (2) بتقديم المعجمة على المهملة أي لجأت إلى الوضوء. ويمكن أن يكون بالعكس أي قصدت. (3) في (خ) و (م): فسمعت. (4) لم نجده في الامالى المطبوع. ولا يخفى ان النسخ المطبوعة منه ناقصة. وتوجد نسخة مخطوطة كاملة في مكتبة شيخ الاسلام الزنجانى طاب ثراه كما أشار إليه في الذريعة 2: 313 و 314.أقول: وقد سمعت بعض الفضلاء أنه سافر وراى تلك النسخة وسبرها فلم يجد فيها شيئا زائدا على ما هو المطبوع وعلى أي حال قد نقل تلك القصة في ناسخ التواريخ عن الخرائج والجرائح راجع الجزء الخامس من المجلد الثالث في أحوال مولانا على بن ابي طالب عليه السلام من الطبعة الحديثة ص 45 (ب)

 

[5]

الدين الحسن بن الدربي، عن أبي الفائز بن سالم بن معارويه في سنة إحدى وتسعين وخمسمائة، عن أبي البقاء هبة الله بن نما، عن أبي البقاء هبة الله بن ناصر بن نصر، عن أبيه، عن الاسعد، عن الرئيس أبي البقاء أحمد بن علي المزرع، عمن حدثه عن بعض أهل الموصل قال: عزمت الحج فأتيت الامير حسام الدولة المقلد بن المسيب وهو أميرنا يومئذ، فودعته وعرضت الحاجة عليه، فاستخلى بي وأحضر لي مصحفا فحلفني به إلا بلغت رسالته وحلف به لو ظهر هذا الخبر لاقتلنك، فلما فرغ قال: إذا أتيت المدينة فقف عند قبر محمد صلى الله عليه وآله وقل: يا محمد قلت وصنعت وموهت على الناس (1) في حياتك لم أمرتهم بزيارتك بعد مماتك ؟ وكلام نحو هذا، فسقط في يدي (2) لم أتيته ولم أعلم أنه يرى رأي الكفار، فحججت وعدت حتى أتيت المدينة وزرت رسول الله صلى الله عليه وآله وهبته (3) أن أقول ما قال لي، وبقيت أياما حتى إذا كان ليلة مسيرنا فذكرت يميني بالمصحف فوقفت أمام القبر وقلت: يا رسول الله حاكي الكفر ليس بكافر، قال لي المقلد بن المسيب كذا وكذا، ثم استعظمت ذلك وفزعت عنه، فأتيت رحلي ورفاقتي ورميت بنفسي وتدبرت (4) وحرت كالمجهود، فلما أن تهور الليل رأيت في منامي رسول الله صلى الله عليه وآله وعليا وبيد علي سيف وبينهما رجل نائم عليه إزار رقيق أبيض بطراز أحمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا فلان اكشف عن وجهه، فكشفته فقال: تعرفه ؟ قلت: نعم، قال: من هو ؟ قلت: المقلد بن المسيب، قال: يا علي اذبحه، فأمر السيف على نحره وذبحه، ورفعه فمسحه بالازار الذي على صدره مسحتين، فأثر الدم فيه خطين، فانتبهت مرعوبا ولم أكن أخبرت أحدا، فتداخلني أمر عظيم حتى أخبرت رجلا من أصحابي، وكتبت شرح المنام وأرخت الليلة، ولم نعلم به ثالثا حتى انتهينا إلى الكوفة سمعنا الخبر أن الامير قد قتل وأصبح مذبوحا في فراشه، فسألنا لما وصلنا إلى الموصل عن خبره

 

(1) موه عليه الامر أو الخبر: زوره عليه وزخرفه ولبسه أو بلغه خلاف ما هو. (2) أي ندمت. (3) من هاب يهاب أي خفت. (4) وتدثرت ظ. (ب)

 

[6]

فلم يزد أحد غير أنه أصبح مذبوحا، فسألنا عن الليلة التي ذبح فيها فإذا هي الليلة التي أرخناها بالمدينة مع صاحبي، فكان موافقا، ثم قلنا: قد بقي شئ واحد وهو الازار والدم عليه، فسألنا عمن غسله فارشدنا إليه، فسألناه فأخرج لنا ما أخذ من ثيابه حين غسله والازار الابيض المطرز بالاحمر وفيه الخطان بالدم (1). بيان: تهور الليل: ذهب أو ولى أكثره. 6 - ما: جماعة، عن أبي المفضل، عن أحمد بن جعفر البجلي، عن محمد بن عمار الاسدي، عن يحيى بن ثعلبة، عن أبي نعيم محمد بن جعفر الحافظ، عن أحمد بن عبيد بن ناصح، عن هشام بن محمد بن السائب، عن يحيى بن ثعلبة، عن امه عائشة بنت عبد الرحمن بن السائب، عن أبيها قال: جمع زياد بن أبيه شيوخ أهل الكوفة و أشرافهم في مسجد الرحبة لسب أمير المؤمنين عليه السلام والبراءة منه وكنت فيهم، و كان الناس من ذلك في أمر عظيم، فغلبتني عيناي، فنمت فرأيت في النوم شيئا طويلا طويل العنق أهدل أهدب (2)، فقلت: من أنت ؟ فقال: أنا النقاد ذو الرقبة، قلت: وما النقاد ؟ قال: طاعون بعثت إلى صاحب هذا القصر لاجتثه (3) من جديد الارض كما عتا (4) وحاول ما ليس له بحق، قال: فانتبهت فزعا وأنا في جماعة من قومي فقلت: هل رأيتم ما رأيت في المنام ؟ فقال رجلان منهم: رأينا كيت وكيت بالصفة وقال الباقون: ما رأينا شيئا، فما كان بأسرع من أن خرج خارج من دار زياد فقال: يا هؤلاء انصرفوا فإن الامير عنكم مشغول، فسألناه عن خبره فخبرنا أنه طعن في ذلك الوقت، فما تفرقنا حتى سمعنا الواعية عليه، فأنشأت أقول في ذلك:

 

(1) راجع بحار الانوار المجلد الخامس والعشرين ص 26 وبين النسختين اختلافات كابى العامر بدل أبى الفائز وأبى الغنائم أحمد بدل أبى البقاء أحمد وغير ذلك. وقال في آخره: قال أبو البقاء ابن ناصر. ورأيت أنا بعد نسخي هذا الحديث أن ذلك كان في سنة تسعين وثلاثمائة. (2) الاهدل: المسترخى المشفر أو الشفة. الاهدب: الذى طال هدب عينيه وكثرت اشفارهما. (3) اجتثه: قلعه من أصله. وفى هامش (ك): لاجشه أي أدقه وأكسره. (4) عتا يعتو عتوا: استكبر وجاوز الحد.

 

[7]

قد جشم الناس أمرا ضاق ذرعهم (1) * بحمله حين ناداهم إلى الرحبة يدعو على ناصر الاسلام حين يرى * له على المشركين الطول والغلبة ماكان منتهيا عما أراد بنا * حتى تناوله النقاد ذو الرقبة فأسقط الشق منه ضربة عجبا * كما تناول ظلما صاحب الرحبة (2) 7 - قب: كان بالمدينة رجل ناصبي ثم نشيع بعد ذلك، فسئل عن السبب في ذلك فقال: رأيت في منامي عليا عليه السلام يقول لي: لو حضرت صفين مع من كنت تقاتل ؟ قال: فأطرقت افكر، فقال عليه السلام: يا خسيس هذه مسألة تحتاج إلى هذا الفكر العظيم ؟ اعطوا قفاه، فصفقت (3) حتى انتبهت وقد ورم قفاي، فرجعت عما كنت عليه (4). 8 - فض، يل: عن إبراهيم بن مهران قال: كان بالكوفة رجل يكنى بأبي جعفر وكان حسن المعاملة مع الله تعالى، ومن أتاه من العلويين يطلب منه شيئا أعطاه و يقول لغلامه: يا هذا اكتب " هذا ما أخذ علي بن أبي طالب عليه السلام " وبقي على ذلك زمانا، ثم قعد به الوقت وافتقر، فنظر يوما في حسابه فجعل كل ما هو عليه اسم حي من غرمائه بعث إليه يطالبه، ومن مات ضرب على اسمه: فبينا هو جالس على باب داره إذ مر به رجل فقال: ما فعل بمالك علي بن أبي طالب ؟ فاغتم لذلك غما شديدا ودخل منزله، فلما جنه الليل رأى النبي صلى الله عليه وآله وكان الحسن والحسين عليهما السلام يمشيان أمامه، فقال لهما النبي صلى الله عليه وآله: ما فعل أبوكما ؟ فأجابه علي عليه السلام من ورائه: ها أنا ذا يارسول الله، فقال له: لم لا تدفع إلى هذا الرجل حقه ؟ فقال علي عليه السلام: يا رسول الله هذا حقه قد جئت به، فقال له النبي صلى الله عليه وآله ادفعه إليه فأعطاه كيسا من صوف أبيض فقال: إن هذا حقك فخذه، فلا تمنع من جاءك من ولدي يطلب شيئا فإنه لا فقر عليك بعد هذا، قال الرجل: فانتبهت والكيس في

 

(1) جشم الامر: تكلفه على مشقه. (2) لم نجده في الامالى المطبوع. (3) في المصدر " فصفقت " على المجهول أي ضرب بقفاى. (4) مناقب آل أبى طالب 1: 479.

 

[8]

يدي، فناديت زوجتي وقلت لها: هاك، فناولتها الكيس فإذا فيه ألف دينار، فقالت لي: يا ذا الرجل اتق الله تعالى ولا يحملك الفقر على أخذ ما لا تستحقه، وإن كنت خدعت بعض التجار على ماله فاردده إليه ! فحدثتها بالحديث فقالت: إن كنت صادقا فأرني حساب علي بن أبي طالب عليه السلام فأحضر الدستور وفتحه فلم يجد فيه شيئا من الكتابة بقدرة الله تعالى (1). أقول: روي في كتاب صفوة الاخبار عن جابر بن عبد الله الانصاري مثله (2). 9 - فض: من المسموعات بواسط في سنة اثنين وخمسين وست مائة عن الحسن ابن أبي بكر أن ابن سلامة القزاز حيث ذهبت عينه اليمنى وكان عليه دين لشخص يعرف بابن حنظلة الفزاري فألح عليه بالمطالبة وهو معسر، فشكا حاله إلى الله سبحانه وتعالى، واستجار بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام فلما كان في بعض الليالي رأى في منامه عز الدين أبا المعالى ابن طبيبي رحمه الله ومعه رجل آخر، فدنا منه وسلم عليه وسأله عن الرجل، فقال له: هذا مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فدنا من الامام و قال له: يا مولاي هذه عيني اليمنى قد ذهبت، فقال له: يردها الله عليك، ومد يده الكريمة إليها وقال: " يحييها الذي أنشأها أول مرة " فرجعت بإذن الله تعالى، وقد شاهد ذلك كل من في واسط والرجل موجود بها (3). 10 - يل، فض: روى عبد الله بن مسعود بن عبدالدار، عن عيسى بن عبد الله مولى بني تميم، عن شيخ القاروني من قريش من بني هاشم قال: رأيت رجلا بالشام قد اسود وجهه وهو يغطيه، فسألته عن سبب ذلك قال: نعم قد جعلت علي لله أن لا يسألني أحد عن ذلك الاذى إلا أجبته وأخبرته، إني كنت شديد الوقيعة في علي ابن أبي طالب عليه السلام كثير السب له، فبينما أنا ذات ليلة من الليالي نائم إذ أتاني آت في منامي فقال: أنت صاحب الوقيعة في علي بن أبي طالب ؟ قلت: بلى، فضرب

 

(1) الروضة: 2. الفضائل: 99 و 100. (2) مخطوط ولم نظفر بنسخته. (3) الروضة: 8 و 9.

 

[9]

وجهي وقال: سود الله، فاسود كما ترى (1). 11 - من كتاب صفوة الاخبار روى الاعمش قال: رأيت جارية سوداء تسقي الماء وهي تقول: اشربوا حبا لعلي بن أبي طالب عليه السلام وكانت عمياء، قال: ثم أتيتها بمكة بصيرة تسقي الماء وهي تقول: اشربوا حبا لمن رد الله علي بصري به، فقلت: يا جارية رأيتك في المدينة ضريرة تقولين: اشربوا حبا لمولاي علي بن أبي طالب عليه السلام وأنت اليوم بصيرة فما شأنك ؟ قالت: بأبي أنت إني رأيت رجلا قال: يا جارية أنت مولاة لعلي بن أبي طالب عليه السلام ومحبته ؟ فقلت نعم، فقال: اللهم إن كانت صادقة فرد عليها بصرها، فوالله لقد رد الله علي بصري فقلت: من أنت ؟ قال: أنا الخضر وأنا من شيعة علي بن أبي طالب عليه السلام (2). 12 - من كتاب كشف اليقين للعلامة قدس الله روحه من كتاب الاربعين عن الاربعين قال: إن الشاعر الببغاء (3) وفد على بعض الملوك، وكان يفد عليه في كل سنة، فوجده في الصيد، فكتب وزير الملك يخبر بقدومه، فأمره بأن يسكنه في بعض دوره، وكان على تلك الدار غرفة كان الببغاء يبيت كل ليلة فيها، ولها مطلع إلى الدرب، وكان كل ليلة يخرج الحارث (4) بعد نصف الليل فيصيح بأعلى صوته: يا غافلين اذكروا الله، ثم يسب عليا، وكان الشاعر الببغاء ينزعج لصوته، فاتفق في بعض الليالي أن الشاعر رأى في منامه أن النبي صلى الله عليه وآله قد جاء هو وعلي عليه السلام إلى ذلك الدرب، ووجد الحارث فقال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: اصفقه (5) فله اليوم أربعون سنة يسبك، فضربه أمير المؤمنين عليه السلام بين كتفيه، فانتبه الشاعر منزعجا من المنام، ثم انتظر الصوت الذي كان من الحارث كل وقت فلم يسمعه، فتعجب من ذلك، ثم رأى صياحا ورجالا قد أقبلوا إلى دار الحارث، فسألهم الخبر فقالوا

 

(1) الروضة: 10. ولم نجده في الفضائل المطبوع. (2) مخطوط. (3) الببغاء - بفتح الموحدتين وتشديد ثانيهما، أو تخفيفه، وبالفتح فالسكون -: أبو الفرج عبد الواحد بن نصر بن محمد المخزومى من أهل نصيبين، كان اديبا شاعرا لقب به لحسن فصاحته، خدم سيف الدولة ابن حمدان، توفى سنة 398. (الكنى والالقاب 2: 57). (4) وفي (ت) الحارس في كل المواضع. (5) في المصدر: اصفعه.

 

[10]

له: إن الحارث حصل له بين كتفيه ضربة بقدر الكف، وهي تنشق وتمنعه القرار فلم يكن وقت الصباح إلا وقد مات، وشاهده بهذه الحال أربعون نفسا (1). وكان ببلد الموصل شخص يقال له أحمد بن حمدون (2) بن الحارث العدوي، كان شديد العناد كثير البغض لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام فأراد بعض أهل الموصل الحج، فجاء إليه يودعه، فقال له: إني قد عزمت (3) على الخروج إلى الحج فإن كان لك حاجة تعرفني حتى أقضيها لك، فقال: إن لي حاجة مهمة وهي سهلة عليك، فقال له: مرني بها حتى أفعلها، فقال: إذا قضيت الحج ووردت المدينة وزرت النبي صلى الله عليه وآله فخاطبه عني وقل: يا رسول الله ما أعجبك من علي بن أبي طالب حتى تزوجته (4) بابنتك ؟ عظم بطنه أو دقة ساقه أو صلعة رأسه ؟ وحلفه وعزم عليه أن يبلغه هذا الكلام، فلما ورد المدينة وقضى حوائجه أنسى تلك الوصية، فرأى أمير المؤمنين عليه السلام في منامه فقال له: ألا تبلغ وصية فلان إليك ؟ فانتبه ومشى لوقته إلى القبر المقدس وخاطب النبي صلى الله عليه وآله بما أمره (5) ذلك الرجل به ثم نام فرأى أمير - المؤمنين عليه السلام فأخذه ومشى هو وإياه إلى منزل ذلك الرجل، وفتح الابواب وأخذ مدية (6) فذبحه عليه السلام بها، ثم مسح المدية بملحفة كانت عليه، ثم أتى سقف باب الدار (7) فرفعه بيده ووضع المدية تحته وخرج، فانتبه الحاج منزعجا من ذلك، و كتب صورة المنام هو وأصحابه، وانتبه سلطان الموصل في تلك الليلة وأخذ الجيران والمشتبهين ورماهم في السجن، وتعجب أهل الموصل من قتله حيث لا يجدوا (8) نقبا ولا تسليقا على حائط ولا بابا مفتوحا ولا قفلا، وبقي السلطان متحيرا في أمره ما

 

(1) في المصدر: بهذا الحال اربعون نقيبا. (2) في المصدر: حمدويه. (3) في المصدر: ويقول له: اننى قد آذنت. (4) في المصدر: زوجته. (5) في المصدر: كما أمره. (6) المدية - مثلثة الميم -: الشفرة الكبيرة. (7) في المصدر: ثم جاء إلى باب سقف الدار. (8) ": لم يجدوا.

 

[11]

يدري ما يصنع في قضيته، فإن ورود واحد من الخارج متعذر مع هذه العلامات ولم يسرق من الدار شئ البتة، ولم تزل الجيران وغيرهم في السجن إلى ورود الحاج (1) من مكة، فلقي الجيران في السجن فسأل عن ذلك فقيل: إن في الليلة الفلانية وجدوا فلانا مذبوحا في داره ولم يعرف قاتله، ففكر (2) وقال لاصحابه: أخرجوا صورة المنام، فإذا هي ليلة القتل، ثم مشى هو والناس بأجمعهم إلى دار المقتول، فأمر بإخراج الملحفة وأخبرهم بالدم فيها، فوجدوها كما قال، ثم أمر برفع المردم (3) فرفع فوجد السكين تحته، فعرفوا صدق منامه، وافرج عن المحبوسين ورجع أهله إلى الايمان، وكان ذلك من ألطاف الله تعالى في حق بريته. وكان في الحلة شخص من أهل الدين والصلاح ملازم لتلاوة الكتاب العزيز، فرجمه الجن فكان تأتي الحجارة من الخزائن والروازن المسدودة، وألحوا عليه بالرجم وأضجروه، وشاهدت أنا الموضع التي (4) كان يأتي الرجم منها، ولم يقصر في طلب العزائم والتعاويذ ووضعها في منزله وقراءتها فيه، ولم ينقطع عنه الرجم مدة، فخطر بباله أنه دخل ووقف على باب البيت الذي كان يأتي الرجم منه، فخاطبهم وهو لا يراهم، فقال: والله لئن لم تنتهوا عني لاشكونكم إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فانقطع عنه الرجم في الحال ولم يعد إليه. ونقل ابن الجوزي وكان حنبلي المذهب في كتاب تذكرة الخواص: كان عبد الله بن المبارك يحج سنة ويغزو (5) سنة، وداوم عليه على ذلك خمسين سنة، فخرج في بعض سني الحج وأخذ معه خمسمائة دينار إلى موقف الجمال بالكوفة ليشتري

 

(1) في المصدر: إلى ان ورد الحاج. (2) في المصدر: فكبر. (3) ثوب مردم - بتشديد الدال -: خلق مرقع. (4) في المصدر، المواضع التى وفى (خ) و (م): الموضع الذى. (5) في المصدر: ويعمر.

 

[12]

جمالا للحج، فرأى امرأة علوية على بعض المزابل تنتف ريش بطة ميتة، قال: فتقدمت إليها فقلت: ولم تفعلين هذا ؟ فقالت: يا عبد الله لا تسأل عما لا يعنيك، قال: فوقع في خاطري من كلامها شئ، فألححت عليها فقالت: يا عبد الله قد ألجأتني إلى كشف سري إليك. أنا امرأة علوية ولي أربع بنات يتامى، مات أبوهن من قريب وهذا اليوم الرابع ما أكلنا شيئا، وقد حلت لنا الميتة، فأخذت هذه البطة اصلحها وأحملها إلى بناتي يأكلنها، قال: فقلت في نفسي: ويحك يا ابن المبارك أين أنت عن هذه ؟ فقلت: افتحي حجرك، ففتحت فصببت الدنانير في طرف إزارها وهي مطرقة لا تلتفت، قال: ومضيت إلى المنزل ونزع الله من قلبي شهوة الحج في ذلك العام ثم تجهزت إلى بلادي فأقمت حتى حج الناس وعادوا، فخرجت أتلقى جيراني وأصحابي، فجعل كل من أقول له: قبل الله حجك وشكر سعيك، يقول لي: وأنت قبل الله حجك وشكر سعيك، إنا قد اجتمعنا بك في مكان كذا وكذا، وأكثر الناس علي في القول، فبت متفكرا فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام وهو يقول لي: يا عبد الله لا تعجب فإنك أغثت ملهوفة من ولدي، فسألت الله أن يخلق على صورتك ملكا يحج عنك كل عام إلى يوم القيامة، فإن شئت أن تحج وإن شئت لا تحج. ونقل ابن الجوزي (1) في كتابه قال: قرأت في الملتقط - وهو كتاب لجده أبي - الفرج بن الجوزي - قال: كان ببلخ رجل من العلويين نازلا بها وله زوجة وبنات فتوفي، قالت المرأة: فخرجت بالبنات إلى سمرقند خوفا من شماتة الاعداء، و اتفق وصولي في شدة البرد، فأدخلت البنات مسجدا فمضيت لاحتال في القوت، فرأيت الناس مجتمعين على شيخ، فسألت عنه فقالوا: هذا شيخ البلد، فشرحت له حالي فقال: أقيمي عندي البينة أنك علوية، ولم يلتفت إلي، فيئست منه وعدت إلى المسجد، فرأيت في طريقي شيخا (2) جالسا على دكة وحوله جماعة، فقلت:

 

(1) يعنى سبط ابن الجوزى مؤلف تذكرة الخواص ومن هنا يعرف أنهم قد يطلقون " ابن الجوزى " على سبطه بتلك القرينة. (2) في المصدر: شخصا.

 

[13]

من هذا ؟ فقالوا: ضامن البلد وهو مجوسي، فقلت عسى أن يكون عنده فرج، فحدثته حديثي وما جرى لي مع الشيخ، (1) فصاح بخادم له فخرج، فقال: قل لسيدتك: تلبس ثيابها، فدخل فخرجت امرأة ومعها جوار، فقال لها: اذهبي مع هذه المرأة إلى المسجد الفلاني واحملي بناتها إلى الدار. فجاءت معي وحملت البنات، وقد أفرد لنا دارا في داره، وأدخلنا الحمام، وكسانا ثيابا فاخرة، وجائنا بألوان الاطعمة، وبتنا بأطيب ليلة، فلما كان نصف الليل رأى شيخ البلد المسلم في منامه كأن القيامة قد قامت واللواء على رأس محمد صلى الله عليه وآله وإذا قصر من الزمرد الاخضر فقال: لمن هذا ؟ فقيل (له): لرجل مسلم موحد، فتقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فأعرض عنه، فقال: يا رسول الله تعرض (2) عني وأنا رجل مسلم ؟ فقال له أقم البينة عندي أنك مسلم ! فتحير الرجل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: نسيت ما قلت للعلوية ؟ وهذا القصر للشيخ الذي هي في داره، فانتبه الرجل وهو يلطم ويبكي، وبعث غلمانه في البلد وخرج بنفسه يدور على العلوية، فاخبر أنها في دار المجوسي، فجاء إليه فقال: أين العلوية ؟ قال: عندي، قال: اريدها، قال: ما إلى (3) هذا سبيل: قال: هذه ألف دينار وسلمهن إلي، قال: لا والله ولا مائة ألف دينار، فلما ألح عليه قال له: المنام الذي رأيته أنت رأيته أنا أيضا، والقصر الذي رأيته لي خلق، (4) وأنت تدل علي بإسلامك، والله ما نمت ولا أحد في داري إلا وقد أسلمنا كلنا على يد العلوية، وعاد من بركاتها علينا، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وقال لي: القصر لك ولاهلك بما فعلت مع العلوية، وأنتم من أهل الجنة، خلقكم الله مؤمنين في العدم (5).

 

(1) في المصدر: وما جرى معى ومع الشيخ. (2) في المصدر: لم تعرض ؟. (3) في المصدر وفى غير (ك) من النسخ: مالى إلى هذا. (4) في المصدر: والقصر الذى رأيته انت رأيته لى خلق. (5) في المصدر: في القدم.

 

[14]

ونقل أيضا في كتابه عن أبي الدنيا أن رجلا رأى رسول الله صلى الله عليه وآله في منامه وهو يقول: امض إلى فلان المجوسي وقل له: قد اجيبت الدعوة، فامتنع الرجل من أداء الرسالة لئلا يظن المجوسي أنه يتعرض له، وكان الرجل في الدنيا واسعة، فرأى رسول الله صلى الله عليه وآله ثانيا وثالثا، فأصبح فأتى المجوسي وقال له في خلوة من الناس: أنا رسول رسول الله إليك وهو يقول لك: قد اجبت (1) الدعوة، فقال له: أتعرفني ؟ فقال: نعم، فقال: إني انكر دين الاسلام ونبوة محمد صلى الله عليه وآله فقال: أنا أعرف هذا وهو الذي أرسلني إليك مرة ومرة ومرة، فقال: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله ودعا أهله وأصحابه وقال لهم: كنت على ضلال وقد رجعت إلى الحق فأسلموا، فمن أسلم فما في يده له، ومن أبى فلينزع عما لي عنده فأسلم القوم وأهله، وكانت إبنته مزوجة من ابنه، ففرق بينهما، ثم قال لي: أتدري ما الدعوة ؟ (2) فقلت: لا والله وأنا اريد أن أسألك عنها الساعة، فقال: لما زوجت ابنتي صنعت طعاما ودعوت الناس فأجابوا، وكان إلى جانبنا قوم أشراف فقراء لا مال لهم، فأمرت غلماني أن يبسطوا لي حصيرا في وسط الدار، فسمعت صبية تقول لامها: يا اماه قد آذانا هذا المجوسي برائحة طعامه، فأرسلت إليهن بطعام كثير وكسوة ودنانير للجميع، فلما نظروا إلى ذلك قالت الصبية للباقيات: والله ما نأكل حتى ندعو له، فرفعن أيديهن و قلن: حشرك الله مع جدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وأمن بعضهن، فتلك الدعوة التي اجيبت. ونقل ابن الجوزي أيضا في كتابه عن جده أبي الفرج بإسناده إلى ابن الخضيب قال: كنت كاتبا للسيدة ام المتوكل، فبينا أنا في الديوان إذا بخادم صغير قد خرج من عندها ومعه كيس فيه ألف دينار، فقال: السيدة تقول لك: فرق هذا في أهل الاستحقاق فهو من أطيب مالي، واكتب أسماء الذين تفرقه فيهم حتى إذا جاءني

 

(1) في المصدر: قد اجيبت. (2) أي الدعوة التى بشر رسول الله صلى الله عليه وآله بانها قد اجيبت.

 

[15]

من هذا الوجه شئ صرفته إليهم، قال: فمضيت إلى منزلي وجمعت أصحابي وسألتهم عن المستحقين، فسموا لي أشخاصا ففرقت فيهم ثلاثمائة دينار وبقي الباقي بين يدي إلى نصف الليل، وإذا بطارق يطرق الباب، فسألته من هو ؟ فقال: فلان العلوي - وكان جاري - فأذنت له فدخل، فقلت له: ما شأنك ؟ فقال: إني جائع، فأعطيته من ذلك دينارا فدخلت إلى زوجتي فقالت: ما الذي عناك في هذه الساعة ؟ فقلت: طرقني في هذه الساعة طارق من ولد رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن عندي ما اطعمه فأعطيته دينارا فأخذه وشكر لي وانصرف، فخرجت زوجتي وهي تبكي وتقول: أما تستحيي يقصدك مثل هذا الرجل وتعطيه دينارا وقد عرفت استحقاقه ؟ أعطه الجميع فوقع كلامها في قلبي. وقمت خلفه فناولته الكيس، فأخذه وانصرف، فلما عدت إلى الدار ندمت وقلت: الساعة يصل الخبر إلى المتوكل وهو يمقت العلويين فيقتلني فقال لي زوجتي: لا تخف واتكل على الله وعلى جدهم، فبينا نحن كذلك إذ طرق الباب والمشاعل في أيدي الخدم، وهم يقولون: أجب السيدة، فقمت مرعوبا وكلما مشيت قليلا تواترت الرسل، فوقفت على ستر السيدة فسمعتها تقول: يا أحمد جزاك الله خيرا وجزى زوجتك، كنت الساعة نائمة فجائني رسول الله صلى الله عليه وآله وقال: " جزاك الله خيرا وجزى زوجة ابن الخضيب خيرا " فما معنى هذا ؟ فحدثتها الحديث وهي تبكي، فأخرجت دنانير وكسوة وقالت: هذا للعلوي وهذا لزوجتك وهذا لك، و كان ذلك يساوي مائة (1) ألف درهم، فأخذت المال وجعلت طريقي على بيت العلوي فطرقت الباب فقال من داخل المنزل: هات ما معك يا أحمد، وخرج وهو يبكي، فسألته عن بكائه فقال: لما دخلت منزلي قالت لي زوجتي: ما هذا الذي معك ؟ فعرفتها فقالت لي: قم بنا حتى نصلي وندعو للسيدة ولاحمد وزوجته، فصلينا ودعونا، ثم نمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله في المنام وهو يقول: قد شكرتم على ما فعلوا معك فالساعة يأتونك بشئ فاقبل منهم. انتهى ما أخرجته من كتاب كشف اليقين (2).

 

(1) في المصدر: مائتي. (2) كشف اليقين في فضائل امير المومنين: 164 - 172.

 

[16]

(13 - كنز الكراجكى: حدثني علي بن أحمد اللغوي بميا فارقين (1) في سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، قال دخلت على أبي الحسن علي السلماسي (2) في مرضته التي توفي فيها فسألته عن حاله، فقال: لحقتني غشية اغمي علي فيها، فرأيت مولاي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه قد أخذ بيدي وأنشأ يقول: فإن آل محمد في الارض غرق جهلها (3) * وسفينتهم حمل الذي طلب النجاة وأهلها فاقبض بكفك عروة لا تخش منها فصلها ومنه عن محمد بن عبيدالله الحسيني، عن أبيه، عن أحمد بن محبوب قال: سمعت أبا جعفر الطبري يقول: حدثنا هناد بن السري قال: رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه وآله في المنام فقال لي: ياهناد، قلت: لبيك يا أمير - المؤمنين، قال: أنشدني قول الكميت: ويوم الدوح دوح غدير خم * أبان لنا الولاية لو اطيعا ولكن الرجال تبايعوها * فلم أر مثلها أمرا شنيعا قال فأنشدته فقال لي: خذ إليك يا هناد، فقلت: هات يا سيدي، فقال عليه السلام: ولم أر مثل ذاك اليوم يوما * ولم أر مثله حقا اضيعا (4)]

 

(1) بفتح اوله وتشديد ثانيه أشهر مدينة بديار بكر. (2) في المصدر: على بن السلماسى. (3) في المصدر: طوفان آل محمد. ولم نفهم المراد. (4) كنز الكراجكى: 154. والراويتان توجدان في (ك) فقط.- 1 -

 

[17]

116. (باب) * (جوامع معجزاته صلوات الله عليه ونوادرها) * 1 - يج: روي عن رميلة أن عليا عليه السلام مر برجل يخبط: هو هو، فقال: يا شاب لو قرأت القرآن لكان خيرا لك، فقال: إني لا احسنه ولوددت أن احسن منه شيئا، فقال: ادن مني، فدنا منه فتكلم في اذنه بشئ خفي، فصور الله القرآن كله في قلبه فحفظ كله (1). 2 - يج: روي عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام قال: قرئت عند أمير المؤمنين عليه السلام " إذا زلزلت الارض زلزالها " إلى أن بلغ قوله: " وقال الانسان مالها يومئذ تحدث أخبارها (2) " قال: أنا الانسان وإياي تحدث أخبارها، فقال له ابن الكواء: يا أمير المؤمنين " وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم (3) " قال نحن الاعراف نعرف أنصارنا بسيماهم، ونحن أصحاب الاعراف نوقف بين الجنة والنار، ولا يدخل الجنة إلا من عرفنا وعرفناه، ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه، وكان علي عليه السلام يخاطبه بويحك، وكان يتشيع، فلما كان يوم النهروان قاتل عليا عليه السلام ابن الكواء. وجاءه عليه السلام رجل فقال: إني احبك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: كذبت فقال الرجل: سبحان الله كأنك تعلم ما في قلبي ! وجاءه آخر فقال: إني احبكم أهل البيت - وكان فيه لين - فأثنى عليه عنده، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: كذبتم لا

 

(1) لم نجد هذه الرواية واللتين بعدها في الخرائج المطبوع. (2) سورة الزلزال: 1 - 4. (3) " الاعراف: 46.

 

[18]

يحبنا مخنث ولا ديوث ولا ولد زناء ولا من حملته امه في حيضها، فذهب الرجل فلما كان يوم صفين قتل مع معاوية. 3 - يج: روي أنه صعب على المسلمين قلعة فيها كفار ويئسوا من فتحها فقعد في المنجنيق ورماه الناس إليها وفي يده ذو الفقار، فنزل عليهم وفتح القلعة. 4 - يج: روي عن محمد بن سنان قال: دخلت على الصادق عليه السلام فقال لي: من بالباب ؟ قلت: رجل من الصين، قال: فأدخله، فلما دخل قال له أبو عبد الله عليه السلام: هل تعرفونا بالصين ؟ قال: نعم يا سيدي، قال: وبما ذا تعرفوننا ؟ قال: يا ابن رسول الله إن عندنا شجرة تحمل كل سنة وردا يتلون كل يوم مرتين، فإذا كان أول النهار نجد مكتوبا عليه " لا إله إلا الله محمد رسول الله " وإذا كان آخر النهار فإنا نجد مكتوبا عليه " لا إله إلا الله علي خليفة رسول الله " (1). 5 - يج: روي أن أبا طالب قال لفاطمة بنت أسد - وكان علي عليه السلام صبيا: - رأيته يكسر الاصنام فخفت أن يعلم كبار قريش، فقالت: يا عجبا اخبرك بأعجب من هذا، إني اجتزت بالموضع الذي كانت أصنامهم فيه منصوبة وعلي في بطني، فوضع رجليه في جوفي شديدا لا يتركني أن أقرب من ذلك الموضع الذي فيه، وإنما كنت أطوف بالبيت لعبادة الله لا للاصنام (2). 6 - شا: (3) ومن آيات أمير المؤمنين صلوات الله عليه وبيناته التي انفرد بها ممن عداه ظهور مناقبه في الخاصة والعامة، وتسخير الجمهور لنقل فضائله وما خصه الله (4) من كرائمه، وتسليم العدو من ذلك بما فيه الحجة عليه، هذا مع كثرة المنحرفين عنه والاعداء له، وتوافر أسباب دواعيهم إلى كتمان فضله وجحد حقه، وكون الدنيا في يد خصومه وانحرافها عن أوليائه، وما اتفق لاضداده من

 

(1) الخرائج والجرائح: 87. (2) لم نجده في الخرائج المطبوع. (3) في (ك) و (ت): " يج " لكنه سهو من النساخ. (4) في المصدر: وما خصه الله به اه‍.

 

[19]

سلطان الدنيا، وحمل الجمهور على إطفاء نوره ودحض أمره، فخرق الله العادة بنشر فضائله وظهور مناقبه، وتسخير الكل للاعتراف بذلك والاقرار بصحته، واندحاض ما احتال به أعداؤه في كتمان مناقبه وجحد حقوقه، حتى تمت الحجة له وظهر البرهان بحقه، ولما كانت العادة جارية بخلاف ما ذكرناه فيمن اتفق له من أسباب خمول أمره ما اتفق لامير المؤمنين عليه السلام فانخرقت العادة فيه دل ذلك على بينونته من الكافة بباهر الآية على ما وصفناه، وقد شاع الخبر واستفاض عن الشعبي أنه كان يقول: لقد كنت أسمع خطباء بني امية يسبون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام على منابرهم وكأنما يشال بضبعه (1) إلى السماء، وكنت أسمعهم يمدحون أسلافهم على منابرهم وكأنهم يكشفون عن جيفة. وقال الوليد بن عبد الملك لبنيه يوما: يا بني عليكم بالدين فإني لم أر الدين بنى شيئا فهدمته الدنيا، ورأيت الدنيا قد بنت بنيانا فهدمه الدين، ما زالت (2) أصحابنا وأهلنا يسبون علي بن أبي طالب عليه السلام ويدفنون فضائله ويحملون الناس على شنآنه ولا يزيده ذلك من القلوب إلا قربا، ويجهدون (3) في تقريبهم من نفوس الخلق ولا يزيدهم ذلك إلا بعدا (4)، وفيما انتهى إليه الامر من دفن فضائل أمير المؤمنين والحيلولة بين العلماء ونشرها ما لا شبهة فيه على عاقل، حتى كان الرجل إذا أراد أن يروي عن أمير المؤمنين عليه السلام رواية لن يستطيع (5) أن يصفها بذكر اسمه ونسبه ويدعوه الضرورة إلى أن يقول: حدثني رجل من أصحاب رسول الله، ويقول (6): حدثني رجل من قريش، ومنهم من يقول: حدثني أبو زينب، وروى عكرمة عن

 

(1) شاله: رفعه. والضبع - بسكون الباء -: العضد. (2) في المصدر: مازلت اسمع اصحابنا. (3) في المصدر: ويجتهدون. (4) في المصدر: فلا يزيدهم ذلك من القلوب الا بعدا. (5) كذا في (ك). وفى غيره من النسخ " لم يستطع ". وفى المصدر: لم يستطع أن يضيفها إليه. (6) في المصدر: أو يقول.

 

[20]

عائشة في حديثها له بمرض رسول الله صلى الله عليه واله ووفاته فقالت في جملة ذلك: فخرج رسول الله صلى الله عليه واله متوكئا على رجلين من أهل بيته أحدهما الفضل بن العباس، فلما حكي عنها ذلك لعبدالله بن العباس قال له: اتعرف الرجل الآخر ؟ قال: لا لم تسمه لي قال: ذلك علي بن أبي طالب، وما كانت امنا تذكره بخير وهي تستطيع. وكانت الولاة الجورة تضرب بالسياط من ذكره بخير، بل تضرب الرقاب على ذلك، وتعرض للناس بالبراءة منه، والعادة جارية فيمن اتفق له ذلك أن لا يذكر على وجه بخير فضلا عن أن يذكر له فضائل أو يروى (1) له مناقب أو يثبت له حجة لحق (2) وإذا كان ظهور فضائله عليه السلام وانتشار مناقبه على ما قدمنا ذكره من شياع ذلك في الخاصة والعامة وتسخير العدو والولي لنقله ثبت خرق العادة فيه، و بان وجه البرهان فيه (3) بالآية الباهرة على ما قدمناه. ومن آيات الله تعالى فيه أنه لم يمن أحد في ولده وذريته بما مني عليه السلام (4) في ذريته، وذلك أنه لم يعرف خوف شمل جماعة من ولد نبي ولا إمام ولا ملك زمان ولابر ولا فاجر كالخوف الذي شمل ذرية أمير المؤمنين عليه السلام، ولا لحق أحدا من القتل والطرد عن الديار والاوطان والاخافة والارهاب ما لحق ذرية أمير المؤمنين عليه السلام وولده، ولم يجر على طائفة من الناس من صروف (5) النكال ما جرى عليهم من ذلك، فقتلوا بالفتك والغيلة والاحتيال، وبني على كثير منهم - وهم أحياء - البنيان، وعذبوا بالجوع والعطش حتى ذهبت أنفسهم على الهلاك، وأحوجهم ذلك إلى التمزق في ذلك (6) ومفارقة الديار والاهل والاوطان، وكتمان نسبهم

 

(1) في المصدر: أو تروى. (2) في المصدر: أو تثبت له حجة بحق. (3) في المصدر: في معناه. (4) في المصدر: بمثل مامنى. يقال: منى الله الخير لفلان: قدره له. منى لكذا: وفق له. (5) في المصدر: من ضروب. (6) في المصدر: وأحوجهم ذلك إلى التمزق في البلاد. والتمزق: التفرق.

 

[21]

عن أكثر الناس، وبلغ بهم الخوف إلى الاستخفاء عن أحبائهم فضلا عن الاعداء وبلغ هربهم من أعدائهم (1) إلى أقصى الشرق والغرب، والمواضع النائية عن العمارة وزهد في معرفتهم أكثر الناس، ورغبوا عن تقريبهم والاختلاط بهم مخافة على أنفسهم وذراريهم من جبابرة الزمان، وهذه كلها أسباب يقتضي (2) انقطاع نظامهم واجتثاث اصولهم وقلة عددهم، وهم مع ما وصفناه أكثر ذرية أحد من الانبياء والصالحين والاولياء، بل أكثر من ذراري أحد (3) من الناس قد طبقوا الارض (4) بكثرتهم البلاد، وغلبوا في الكثرة على ذراري أكثر العباد، هذا مع اختصاص مناكحهم في أنفسهم دون البعداء، وحصرها في ذوي أنسابهم دنية من الاقرباء، وفي ذلك خرق العادة على ما بيناه، وهو دليل الآية الباهرة في أمير المؤمنين عليه السلام كما وصفناه و بيناه، وهذا ما لا شبهة فيه والحمد لله (5). 7 - م: قال الصادق عليه السلام: إن رسول الله صلى الله عليه واله لما أظهر لليهود ولجماعة من المنافقين المعجزات فقابلوها بالكفر أخبر الله عزوجل عنهم بأنه جل ذكره ختم على قلوبهم وعلى سمعهم ختما يكون علامة لملائكته المقربين القراء لما في اللوح المحفوظ من أخبار هؤلاء المكذبين المذكورين فيه أحوالهم، حتى إذا نظروا إلى أحوالهم وقلوبهم وأسماعهم وأبصارهم وشاهدوا ما هناك من ختم الله عزوجل عليها ازدادوا بالله معرفة، وبعلمه بما يكون قبل أن يكون يقينا، حتى إذا شاهدوا هؤلاء المختوم عليهم وعلى جوارحهم يخبرون على ما قرؤوا من اللوح المحفوظ وشاهدوه في قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم ازدادوا بعلم الله عزوجل بالغائبات يقينا، قال: فقالوا: يا رسول الله فهل في عباد الله من يشاهد هذا الختم كما تشاهده الملائكة ؟ فقال رسول -

 

(1) في المصدر: من أوطانهم. (2) في المصدر: تقتضي. (3) في المصدر: من ذرارى كل احد. (4) ليست كلمة " الارض " في المصدر. (5) الارشاد: 147 و 148.

 

[22]

الله صلى الله عليه واله: بلى محمد رسول الله شاهده بإشهاد الله تعالى له، ويشاهده من امته أطوعهم لله عزوجل وأشدهم جدا في طاعة الله عزوجل وأفضلهم في دين الله عزوجل، فقالوا: بينه يا رسول الله، وكل منهم يتمنى أن يكون هو، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: دعوه يكن ممن شاء الله، فليس الجلالة في المراتب عند الله عزوجل بالتمني ولا بالتظني ولا بالاقتراح، ولكنه فضل من الله عزوجل على من يشاء يوفقه للاعمال الصالحة يكرمه بها، فيبلغه أفضل الدرجات وأفضل المراتب، إن الله تعالى سيكرم بذلك من يريكموه في غد، فجدوا في الاعمال الصالحة، فمن وفقه الله لما يوجب عظيم كرامته عليه فلله عليه في ذلك الفضل العظيم. قال عليه السلام: فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه واله وغص مجلسه بأهله وقد جد بالامس كل من خيارهم في خيار عمله وإحسانه إلى ربه قدمه يرجو أن يكون هو ذلك الخير الافضل، فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه واله من هذا عرفناه بصفته إن لم تنص لنا على اسمه، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: هذا الجامع للمكارم، الحاوي للفضائل، المشتمل على الجميل، قاض عن أخيه دينا مجحفا إلى غريم سغب (1) غاضب لله تعالى، قاتل لغضبه ذاك عدو الله، مستحي من مؤمن معرضا عنه بخجلة، مكايدا (2) في ذلك الشيطان الرجيم حتى أخزاه الله عنه ووقى بنفسه نفس عبد الله مؤمن حتى أنقذه من الهلكة ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: أيكم قضى البارحة ألف درهم وسبعمائة درهم ؟ فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: أنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يا علي فحدث إخوانك المؤمنين كيف كانت قصته اصدقك لتصديق الله إياك، فهذا الروح الامين أخبرني عن الله تعالى أنه قد هذبك عن القبيح كله، ونزهك عن المساوي بأجمعها وخصك بالفضائل من أشرفها (3) وأفضلها، لا يتهمك إلا من كفر به وأخطأ حظ نفسه.

 

(1) أجحف به: استأصله. وسغب سغبا: جاع. وفى المصدر وهامش (خ): متعنت خ ل. (2) في (خ): مكابدا. وكابده أي قاساه وتحمل المشاق في فعله. (3) في المصدر: من الفضائل بأشرفها.

 

[23]

فقال علي عليه السلام: مررت البارحة بفلان بن فلان المؤمن، فوجدت فلانا وأنا أتهمه بالنفاق، وقد لازمه وضيق عليه، فناداني المؤمن: يا أخا رسول الله وكشاف الكرب عن وجه رسول الله وقامع أعدائه عن حبيبه أغثني واكشف كربتي ونجني من غمي، سل غريمي هذا لعله يجيبك ويؤجلني فإني معسر، فقلت له: الله إنك لمعسر ؟ فقال: يا أخا رسول الله صلى الله عليه واله لان كنت أستحل الكذب فلا تأمنني على يميني أيضا، فإني معسر وفي قولي هذا صادق، واوقر الله واجله أن أحلف به صادقا أو كاذبا، فأقبلت على الرجل فقلت: إنى لاجل نفسي عن أن يكون لهذا علي يد، وأجلك أيضا عن أن يكون له عليك يد أو منة، وأسأل مالك الملك (1) الذي لا يؤنف من سؤاله ولا يستحيى من التعرض لثوابه، ثم قلت: اللهم بحق محمد وآله الطيبين لما قضيت عن عبدك هذا هذا الدين، فرأيت أبواب السماء تنادي أملاكها: يا أبا الحسن مر هذا العبد ؟ يضرب بيده إلى ما شاء مما بين يديه من حجر ومدر وحصاة وتراب يستحيل في يده ذهبا، ثم يقضي منه دينه ويجعل ما يبقى نفقته وبضاعته التي يسد بها فاقته ويمون (2) بها عياله، فقلت: يا عبد الله قد أذن الله بقضاء دينك وإيسارك بعد فقرك، اضرب بيدك إلى ما تشاء مما أمامك فتناوله، فإن الله يحوله في يدك ذهبا إبريزا، فتناول أحجارا ثم مدرا فانقلبت له ذهبا أحمر، ثم قلت له: افصل له منها قدر دينه فأعطه، ففعل، قلت: فالباقي لك رزق ساقه الله تعالى إليك فكان الدي قضاه من دينه ألفا وسبعمائة درهم، وكان الذي بقي أكثر من مائة ألف درهم، فهو من أيسر أهل المدينة. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: إن الله يعلم من الحساب ما لا يبلغه عقول الخلق إنه يضرب ألفا وسبعمائة في ألف وسبعمائة، ثم ما ارتفع من ذلك في مثله إلى أن يفعل ذلك ألف مرة، ثم آخر ما يرتفع من ذلك عدد ما يهبه الله لك في الجنة من القصور قصر من ذهب وقصر من فضة وقصر من لؤلؤ وقصر من زبرجد وقصر من

 

(1) ملك الملوك خ ل. (2) مانه: احتمل مؤنته وقام بكفايته.

 

[24]

جوهر وقصر من نور رب العزة، وأضعاف ذلك من العبيد والخدم والخيل والنجب تطير بين سماء الجنة وأرضها، فقال علي عليه السلام: حمدا لربي وشكرا، قال رسول الله صلى الله عليه واله: وهذا العدد فهو عدد من يدخلهم الجنة ويرضى عنهم لمحبتهم لك، و أضعاف هذا العدد من يدخلهم النار من الشياطين من الجن والانس ببغضهم لك و وقيعتهم فيك وتنقيصهم إياك. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: أيكم قتل البارحة رجلا غضبا لله ولرسوله ؟ فقال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: أنا، وسيأتيكم الخصوم الآن، فقال رسول الله صلى الله عليه واله حدث إخوانك المؤمنين القصة، فقال علي عليه السلام: كنت في منزلي إذ سمعت رجلين خارج دارى يتدارءان (1) فدخلا إلي، فإذا فلان اليهودي وفلان رجل معروف في الانصار، فقال اليهودي: يا أبا الحسن اعلم أنه قد بدت لي مع هذا حكومة فاحتكمنا إلى محمد صاحبكم فقضى لي عليه، فهو يقول: لست أرضى بقضائه فقد حاف (2) ومال وليكن بيني وبينك كعب بن الاشرف، فأبيت عليه، فقال: أفترضي بعلي ؟ فقلت: نعم، فها هو قد جاء بي إليك، فقلت لصاحبه: أكما يقول ؟ قال: نعم، ثم قلت: أعد علي الحديث، فأعاد كما قال اليهودي، ثم قال لي: يا علي فاقض بيننا بالحق، فقمت أدخل منزلي، فقال الرجل: إلى أين ؟ قلت: أدخل آتيك بما به أحكم بالحكم العدل، فدخلت واشتملت على سيفي وضربته على حبل عاتقه، فلو كان جبلا لقددته فوقع رأسه بين يديه. فلما فرغ علي عليه السلام من حديثه جاء أهل ذلك الرجل بالرجل المقتول و قالوا: هذا ابن عمك قتل صاحبنا فاقتص منه، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: لا قصاص فقالوا أودية، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: ولا دية لكم، هذا والله قتيل الله لا يؤدى، إن عليا قد شهد على صاحبكم بشهادة، والله يلعنه بشهادة علي، ولو شهد علي على الثقلين لقبل الله شهادته عليهم، إنه الصادق الامين، ارفعوا صاحبكم هذا وادفنوه مع اليهود

 

(1) تدارء القوم، تدافعوا في الخصومة. (2) حاف عليه: جار عليه وظلمه وفى المصدر: خاف.

 

[25]

فقد كان منهم، فرفع وإذا أوداجه تشخب دما وبدنه قد كسي شعرا، فقال علي عليه السلام: يا رسول الله ما أشبهه إلا بالخنزير في شعره ! فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يا علي أو ليس لو جئت بعدد كل شعرة منه مثل عدد رمال الدنيا حسنات لكان كثيرا ؟ قال: بلى يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه واله: يا أبا الحسن إن هذا القتل الذي قتلت به هذا الرجل قد أوجب الله لك به من الثواب كأنما أعتقت رقابا بعدد رمل عالج الدنيا، وبعدد كل شعرة على هذا المنافق، وإن أقل ما يعطي الله بعتق رقبة لمن يهب له بعدد كل شعرة من تلك الرقبة ألف حسنة، ويمحو عنه ألف سيئة، فإن لم يكن له فلابيه، فان لم يكن لابيه فلامه، فإن لم يكن لها فلاخيه، فإن لم يكن له فلذويه وجيرانه وقراباته. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: أيكم استحيا البارحة من أخ له في الله لما رأى به خلة ثم كايد (1) الشيطان في ذلك الاخ ولم يزل به حتى غلبه ؟ فقال علي عليه السلام: أنا يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: حدث به يا علي إخوانك المؤمنين ليتأسوا بحسن صنيعك فيما يمكنهم، وإن كان أحد منهم لم يلحق شأنك ولم يسبق عبادتك ولا يرمقك في سابقة لك إلى الفضائل إلا كما يرمق الشمس إلى الارض وأقصى المشرق من أقصى المغرب، فقال علي عليه السلام: مررت بمزبلة بني فلان فرأيت رجلا من الانصار مؤمنا قد أخذ من تلك المزبلة قشور البطيخ والقثاء والتين، فهو يأكلها من شدة الجوع، فلما رأيته استحييت من أن يراني فيخجل، وأعرضت عنه و مررت إلى منزلي وكنت أعددت لفطوري وسحوري قرصين من شعير، فجئت بهما إلى الرجل فناولته إياهما، وقلت: أصب من هذا كلما جعت فإن الله عزوجل يجعل البركة فيهما، فقال: يا أبا الحسن أنا اريد أن أمتحن هذه البركة لعلمي بصدقك في قيلك، إني أشتهي لحم فراخ وأشتهاه على أهل منزلي فقلت: اكسر منه لقما بعدد ما تريده من فراخ، فإن الله تعالى يقلبها فراخا بمسألتي إياه بجاه

 

(1) في (خ): كابد.

 

[26]

محمد وآله الطيبين الطاهرين، فأخطر الشيطان ببالي فقال: يا أبا الحسن تفعل هذا به ولعله منافق ؟ فرددت عليه وقلت: إن يكن مؤمنا فهو أهل لما أفعل معه وإن يكن منافقا فأنا للاحسان أهل، فليس كل معروف يلحق مستحقه، وقلت: أنا أدعو الله بمحمد وآله الطيبين ليوفقه للاخلاص والنزوع عن الكفر إن كان منافقا فإن تصدقي عليه بهذا أفضل من تصدقي عليه بالطعام الشريف الموجب للثروة و الغناء، وكابدت الشيطان ودعوت الله سرا من الرجل بالاخلاص بجاه محمد وآله الطيبين فارتعدت فرائص الرجل وسقط لوجهه، فأقمته وقلت ماذا شأنك ؟ قال كنت منافقا شاكا فيما يقوله محمد وفيما تقوله أنت، فكشف لي الله عن السماوات والارض (1) فأبصرت كل ما تواعدان من العقوبات، فذلك حين وقر الايمان في قلبي وأخلص به جناني، وزال عني الشك الذي كان يعتورني، فأخذ الرجل القرصين وقلت له: كل شئ تشتهيه فاكسر من القرص قليلا فإن الله يحوله ما تشتهيه وتتمناه وتريده فما زال ذلك يتقلب شحما ولحما وحلوا ورطبا وبطيخا وفواكه الشتاء وفواكه الصيف حتى أظهره الله تعالى من الرغيفين عجبا، وصار الرجل من عتقاء الله من النار ومن عبيده المصطفين الاخيار فذلك حين رأيت جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت قد قصد الشيطان كل واحد منهم بمثل جبل أبي قبيس، فوضع أحدهم عليه يبنيها (2) بعضهم على بعض فيهشم، وجعل إبليس يقول: يا رب وعدك وعدك ألم تنظرني إلى يوم يبعثون ؟ فإذا نداء بعض الملائكة: أنظرتك لئلا تموت ما أنظرتك لئلا تهشم و ترضض، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يا أبا الحسن كما عاندت (3) الشيطان فأعطيت في الله حين نهاك عنه وغلبته فإن الله يخزي عنك الشيطان وعن محبيك، ويعطيك في الآخرة بعدد كل حبة مما أعطيت صاحبك وفيما تتمناه الله منه درجة في الجنة أكبر من الدنيا من الارض إلى السماء، وبعدد كل حبة منها جبلا من فضة كذلك، و

 

(1) والحجب خ ل. (2) ويثنيها خ ل. ولم نفهم المراد. (3) في المصدر: كما كايدت.

 

[27]

جبلا من لؤلؤ وجبلا من ياقوت وجبلا من جوهر وجبلا من نور رب العزة (1) كذلك وجبلا من زمرد وجبلا من زبرجد كذلك، وجبلا من مسك وجبلا من عنبر كذلك، وإن عدد خدمك في الجنة أكثر من عدد قطر المطر والنبات وشعور الحيوانات، بك يتم الله الخيرات ويمحو عن محبيك السيئات، وبك يميز الله المؤمنين من الكافرين والمخلصين من المنافقين، وأولاد الرشد من أولاد الغي. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: وأيكم وقى بنفسه نفس رجل مؤمن البارحة ؟ فقال علي عليه السلام: أنا يا رسول الله وقيت بنفسي نفس ثابت بن قيس بن شماس الانصاري فقال رسول الله صلى الله عليه واله: حدث بالقصة إخوانك المؤمنين ولا تكشف عن اسم المنافقين المكايدين لنا، فقد كفا كما الله شرهم وأخرهم للتوبة لعلهم يتذكرون أو يخشون فقال علي عليه السلام: إني بينا أسير في بني فلان بظاهر المدينة وبين يدي بعيدا مني ثابت بن قيس: إذ بلغ بئرا عادية عميقة بعيدة القعر، وهناك رجال من المنافقين، فدفعوه ليرموه في البئر فتماسك ثابت، ثم عاد فدفعه، والرجل لا يشعر بي حتى وصلت إليه، وقد اندفع ثابت في البئر، فكرهت أن أشغل بطلب المنافقين خوفا على ثابت، فوقعت في البئر لعلي آخذه، فنظرت فإذا أنا سبقته إلى قعر البئر، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: وكيف لا تسبقة وأنت أرزن منه، ولو لم يكن من رزانتك إلا ما في جوفك من علم الاولين والآخرين الذي أودع الله رسوله وأودعك رسوله لكان من حقك أن تكون أرزن من كل شئ، فكيف كان حالك وحال ثابت ؟ قال: يا رسول الله صرت إلى قرار البئر واستقررت قائما وكان ذلك أسهل علي وأخف على رجلي من خطاي التي كنت أخطوها رويدا رويدا، ثم جاء ثابت فانحدر فوقع على يدي، وقد بسطتها له، فخشيت أن يضرني سقوطه علي أو يضره، فما كان إلا كباقة ريحان تناولتها بيدي، ثم نظرت فإذا ذاك المنافق ومعه آخران على شفير البئر وهو يقول: أردنا واحدا فصار اثنين ! فجاؤوا بصخرة فيها مائتا من (2) فأرسلوها علينا،

 

(1) العالمين خ ل. (2) في المصدر و (خ): فيها مقدار مائتي من.

 

[28]

فخشيت أن تصيب ثابتا فاحتضنته، وجعلت رأسه إلى صدري وانحنيت عليه، فوقعت الصخرة على مؤخر رأسي، فما كانت إلا كترويحة بمروحة (1) روحت بها في حمارة القيظ، ثم جاؤوا بصخرة اخرى فيها قدر ثلاثمائة من فأرسلوها علينا، فانحنيت على ثابت فأصابت مؤخر رأسي، فكانت كماء صببت على رأسي وبدني في يوم شديد الحر، ثم جاؤوا بصخرة ثالثة فيها قدر خمسمائة من يد يرونها على الارض لا يمكنهم أن يقلبوها، فأرسلوها علينا، فانحنيت على ثابت فأصابت مؤخر رأسي وظهري، فكانت كثوب ناعم صببته (2) على بدني ولبسته و تنعمت به، ثم سمعتهم يقولون: لو أن لابن أبي طالب وابن قيس مائة ألف روح ما نجت واحدة منها من بلاء هذه الصخور، ثم انصرفوا وقد دفع الله عنا شرهم، فأذن الله لشفير البئر فانحط ولقرار البئر فارتفع، فاستوى القرار والشفير بعد بالارض، فخطونا وخرجنا. فقال رسول الله صلى الله عليه واله: يا أبا الحسن إن الله عزو جل قد أوجب لك بذلك من الفضائل والثواب ما لا يعرفه غيره، ينادي مناد يوم القيامة: أين محبو علي بن أبي - طالب ؟ فيقوم قوم من الصالحين، فيقال لهم: خذوا بأيدي من شئتم من عرصات القيامة فأدخلوهم الجنة، فأقل رجل منهم ينجو بشفاعته من أهل تلك العرصات ألف ألف رجل، ثم ينادي مناد أين البقية من محبي علي بن أبي طالب ؟ فيقومون مقتصدون، فيقال لهم: تمنوا على الله عزوجل ما شئتم، فيتمنون فيفعل بكل واحد منهم ما تمنى، ثم يضعف له مائة ألف ضعف، ثم ينادي مناد: أين البقية من محبي علي بن أبي طالب ؟ فيقوم قوم ظالمون لانفسهم معتدون عليها، فيقال: أين المبغضون لعلي بن أبي طالب ؟ فيؤتى بهم جم غفير وعدد عظيم كثير، فيقال: ألا نجعل كل ألف من هؤلاء فداء لواحد من محبي علي بن أبي طالب عليه السلام ليدخلوا

 

(1) روح عليه بالمروحة: حرك يده بها يستجلب له الريح. والمروحة آلة تحرك بها الريح عند اشتداد الحر. (2) أي لبسته.

 

[29]

الجنة، فينجي الله عزوجل محبيك ويجعل أعداءهم فداءهم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله: هذا الافضل الاكرم، محبه محب الله ومحب رسوله ومبغضه مبغض الله ومبغض رسوله، هم خيار خلق الله من امة محمد صلى الله عليه واله. ثم قال رسول الله صلى الله عليه واله لعلي عليه السلام: انظر فنظر إلى عبد الله بن ابي وإلى سبعة نفر من اليهود، فقال: قد شاهدت ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: أنت يا علي أفضل شهداء الله في الارض بعد محمد رسول الله، قال: فذلك قوله: " ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة (1) " تبصرها الملائكة فيعرفونهم بها، ويبصرها رسول الله صلى الله عليه واله ويبصرها خير خلق الله بعده علي بن أبي طالب عليه السلام ثم قال: " ولهم عذاب عظيم (2) " في الآخرة بما كان من كفرهم بالله وكفرهم بمحمد رسول الله صلى الله عليه واله (3). بيان: قد مضى تمام الخبر في باب هداية الله وإضلاله وباب نوادر معجزات الرسول صلى الله عليه واله، والذهب الابريز بالكسر: الخالص، والباقة: الحزمة (4) من بقل والحمارة بتخفيف وتشديد الراء: شدة الحر. 8 - م: قال علي بن محمد عليهما السلام: لما رجع أمير المؤمنين من صفين - وسقى القوم من الماء التي تحت الصخرة التي قلبها - ليقعد (5) لحاجته فقال بعض منافقي عسكره سوف أنظر إلى سوأته وإلى ما يخرج منه، فإنه يدعي مرتبة النبي صلى الله عليه واله لاخبر أصحابي بكذبه، فقال علي عليه السلام لقنبر: يا قنبر اذهب إلى تلك الشجرة وإلى التي تقابلها - وقد كان بينهما أكثر من فرسخ - فنادهما أن وصي محمد يأمر كما أن تتلاصقا فقال قنبر: يا أمير المؤمنين أو يبلغهما صوتي ؟ قال علي عليه السلام: إن الذي يبلغ بصر عينك السماء وبينك و بينها مسيرة خمسمائة عام سيبلغهما صوتك، فذهب قنبر فنادى فسعت

 

(1 و 2) سورة البقرة: 7. (3) تفسير الامام: 36 - 41. (4) بتقديم المهملة على المعجمة أي ما شد. (5) في المصدر: ذهب ليقعد اه‍.

 

[30]

إحداهما إلى الاخرى سعي المتحابين طالت غيبة أحدهما عن الآخر واشتد شوقه وانضما، فقال قوم من منافقي العسكر: إن عليا يضاهي في سحره رسول الله ابن عمه ! ما ذاك رسول الله ولا هذا إمام، وإنما هما ساحران ! لكنا سندور من خلفه فننظر إلى عورته وما يخرج منه، فأوصل الله عزو جل ذلك إلى اذن علي من قبلهم فقال جهرا: يا قنبر إن المنافقين أرادوا مكايدة وصي رسول الله صلى الله عليه واله وظنوا أنه لا يمتنع منهم إلا بالشجرتين، فارجع إليهما - يعني الشجرتين - فقل لهما: إن وصي رسول الله صلى الله عليه واله يأمر كما أن تعودا إلى مكانكما، ففعل ما أمره به فانقلعتا وعدت (1) كل واحدة تفارق الاخرى كهزيمة الجبان من الشجاع البطل، ثم ذهب علي عليه السلام ورفع ثوبه ليقعد، وقد مضى من المنافقين جماعة لينظروا إليه، فلما رفع ثوبه أعمى الله تعالى أبصارهم فلم يبصروا شيئا، فولوا عنه وجوههم فأبصروا كما كانوا يبصرون، فنظروا إلى جهته فعموا، فما زالوا ينظرون إلى جهته ويعمون ويصرفون عنه وجوههم ويبصرون إلى أن فرغ علي عليه السلام وقام ورجع، وذلك ثمانون مرة من كل واحدة. ثم ذهبوا ينظرون ما خرج عنه فاعتقلوا في مواضعهم فلم يقدروا أن يروها، فإذا انصرفوا أمكنهم الانصراف، أصابهم ذلك مائة مرة حتى نودي فيهم بالرحيل، فرحلوا وما وصلوا إلى ما أرادوا من ذلك، ولم يزدهم ذلك إلا عتوا وطغيانا وتماريا في كفرهم وعنادهم. فقال بعضهم لبعض: انظروا إلى هذا العجب من هذه آياته و معجزاته ويعجز (2) عن معاوية وعمرو ويزيد ! فنظروا، فأوصل الله عزوجل ذلك من قبلهم إلى اذنه فقال علي عليه السلام: يا ملائكة (3) ايتوني بمعاوية وعمرو ويزيد، فنظروا في الهواء فإذا ملائكة كأنهم السودان قد علق كل واحد منهم بواحد، فأنزلوهم إلى حضرته فإذا أحدهم معاوية والآخر عمرو والآخر يزيد، فقال علي عليه السلام: تعالوا فانظروا

 

(1) في المصدر: وعادت. (2) في المصدر: يعجز. (3) في المصدر: يا ملائكة ربى.

 

[31]

إليهم، أما لو شئت لقتلتهم ولكني أنظرهم كما أنظر الله عزوجل إبليس إلى الوقت المعلوم، إن الذي ترونه بصاحبكم ليس لعجز ولا دل ؟ ؟، ولكنه محنة من الله عزوجل لينظر كيف تعملون، ولئن طعنتم على علي فلقد طعن الكافرون والمنافقون قبلكم على رسول رب العالمين، فقالوا: إن من طاف ملكوت السماوات والجنان في ليلة ورجع كيف يحتاج إلى أن يهرب ويدخل الغارو يأتي إلى المدينة من مكة في أحد عشر يوما ؟ وإنما هو من الله إذا شاء أراكم القدرة لتعرفوا صدق أنبياء الله، وإذا شاء امتحنكم بما تكرهون لينظر كيف تعملون، وليظهر حجته عليكم (1). 9 - م: قال علي بن الحسين صلوات الله عليه: كان جد بن قيس تالي عبد الله في النفاق، كما أن عليا عليه السلام كان تالي رسول الله صلى الله عليه واله في الكمال والجلال والجمال وتفرد جد مع عبد الله بن ابي بعد ما سم الرسول صلى الله عليه واله ولم يؤثر فيه، فقال له: إن محمدا صلى الله عليه واله ماهر في السحر وليس علي كمثله، فاتخذ أنت يا جد لعلي دعوة بعد أن تتقدم في تنبيش أصل حائط بستانك، ثم توقف رجالا خلف الحائط بخشب يعتمدون بها على الحائط ويدفعونه على علي ومن معه ليموتوا تحته، فجلس علي عليه السلام تحت الحائط فتلقاه بيساره وأوقفه، وكان الطعام بين أيديهم، فقال عليه السلام: كلوا بسم الله، وجعل يأكل معهم حتى أكلوا وفرغوا، وهو يمسك الحائط بشماله والحائط ثلاثون ذراعا طوله في خمسة عشر سمكة (2) في ذراعين غلظة، فجعل أصحاب علي عليه السلام يأكلون وهم يقولون: يا أخا رسول الله صلى الله عليه واله أفتحامي هذا وأنت تأكل ؟ فإنك تتعب في حبسك هذا الحائط عنا، فقال علي عليه السلام: إني لست أجد له من المس بيساري إلا أقل مما أجد من ثقل هذه اللقمة بيميني، وهرب جد بن قيس، وخشي أن يكون علي قد مات وصحبه، وإن محمدا يطلبه لينتقم منه، واختفى عند عبد الله بن ابي، فبلغهم أن عليا عليه السلام قد أمسك الحائط بيساره وهو يأكل بيمينه وأصحابه تحت الحائط لم يموتوا، فقال: أبو الشرور وأبو الدواهي اللذان أصل التدبير في ذلك: إن عليا قد مهر بسحر محمد فلا سبيل لنا عليه، فلما فرغ القوم أقام

 

(1) تفسير الامام: 64 - 66. (2) السمك - بسكون الميم -: القامة من كل شئ ثخن صاعد.

 

[32]

علي عليه السلام الحائط بيساره فأقامه وسواه وأرأب صدعه وألم شعبه (1) وخرج هو والقوم من تحته، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه واله قال: يا أبا الحسن ضاهيت اليوم أخي الخضر لما أقام الجدار، وما سهل الله ذلك له إلا بدعائه بنا أهل البيت (2). 10 - قب: صالح بن كيسان وابن رومان رفعاه إلى جابر الانصاري قال: جاء العباس إلي علي عليه السلام يطالبه بميراث النبي صلى الله عليه واله، فقال له ما كان لرسول الله صلى الله عليه واله شئ يورث إلا بغلته دلدل وسيفه ذو الفقار ودرعه وعمامته السحاب، وأنا أربأ بك (3) أن تطالب بما ليس لك، فقال: لا بد من ذلك وأنا أحق، عمه ووارثه دون الناس كلهم، فنهض أمير المؤمنين عليه السلام ومعه الناس حتى دخل المسجد، ثم أمر بإحضار الدرع والعمامة والسيف والبغلة فاحضر، فقال للعباس: يا عم إن أطقت النهوض بشئ منها فجميعه لك، فإن ميراث الانبياء لاوصيائهم دون العالم ولاولادهم فإن لم تطق النهوض فلا حق لك فيه، قال: نعم فألبسه أمير المؤمنين عليه السلام الدرع بيده وألقى عليه العمامة والسيف، ثم قال: انهض بالسيف والعمامة يا عم، فلم يطق النهوض، فأخذ السيف منه وقال له: انهض بالعمامة فإنها آية من نبينا صلى الله عليه واله فأراد النهوض فلم يقدر على ذلك، وبقي متحيرا، ثم قال له: يا عم وهذه البغلة بالباب لي خاصة ولولدي، فإن أطقت ركوبها فاركبها، فخرج ومعه عدوي، فقال له: يا عم رسول الله خدعك علي فيما كنت فيه فلا تخدع نفسك في البغلة، إذا وضعت رجلك في الركاب فاذكر الله وسم واقرأ " إن الله يمسك السماوات والارض أن تزولا " قال: فلما نظرت البغلة إليه مقبلا مع العباس نفرت وصاحت صياحا ما سمعناه منها قط، فوقع العباس مغشيا عليه، واجتمع الناس وأمر بإمساكها فلم يقدر عليها، ثم إن عليا عليه السلام دعا البغلة باسم ما سمعناه، فجاءت خاضعة ذليلة، فوضع رجله في الركاب ووثب عليها فاستوى عليها راكبا، فاستدعا أن يركب الحسن

 

(1) أرأب صدعه أي أصلح شقه. وألم شعبه أي جمع ما انفرج من الحائط وضمة. (2) تفسير الامام: 76 و 77. (3) يقال " انى اربا بك عن ذلك " أي لا ارضاه لك.

 

[33]

والحسين عليهما السلام فأمرهما بذلك، ثم لبس علي الدرع والعمامة والسيف وركبها و سار عليها إلى منزله وهو يقول: هذا من فضل ربي ليبلونئ أشكر أنا وهما أم تكفر أنت يا فلان (1). 11 - قب: من عجائبه عليه السلام طول ما لقي من الحروب لم ينهزم قط، ولم ينله فيها شين ولا جراح سوء، ولم يبارز أحدا إلا ظفر به، ولا نجا من ضربته أحد فصلح منها، ولم يفلت منه قرن، ولم يخرج في حروبه إلا وهو ماش يهرول طول الدهر بغير جند إلى العدو، وما قدمت راية قوتل تحتها علي إلا انقلبوا صاغرين. ويروى وثبته (2) أربعون ذراعا إلى عمرو ورجوعه إلى خلف عشرون ذراعا وذلك خارج عن العادة، وروي ضربته (3) على رجليه وقطعهما بضربة واحدة مع ما كان عليه من الثياب والسلاح، وروي أنه ضرب مرحب الكافر يوم خيبر على رأسه فقطع العمامة والخوذة والرأس والحلق وما عليه من الجوشن من قدام و خلف إلى أن قده بنصفين، ثم حمل على سبعين فارس فبددهم، وتحير الفريقان من فعله فانهزموا إلى الحصن. وأصل مشهد البوق عند رحبة الشام أنه عليه السلام أخبر أن الساعة خرج معاوية في خيله من دمشق، وضرب البوق وسمع ذلك من مسيرة ثمانية عشر يوما، وهو خرق العادة. ومنه الدكة المشهورة في الكوفة التي يقال: إنه رأى منها مكة وسلم عليها وذلك مثل قولكم: يا سارية الجبل (4). ومسجد المجذاف في الرقة، وهو أنه لما طلب الزواريق لحمل الشهداء قالوا: الزواريق ترعى، فقال عليه السلام: كلامكم غث وقمصانكم رث (5) لاشد الله

 

(1) مناقب آل ابى طالب 1: 465 و 466. (2 و 3) على صيغة المصدر. (4) في المصدر: يا سايرة الخيل. (5) الغث من الكلام: رديئه. وقمصان جمع القميص والرمث: البالى.

 

[34]

بكم صفا (1) ولا أشبعكم إلا على قتب، وعمل جائزة عظيمة بمنزلة المجذاف (2) و حمل الشهداء عليها، فخربت الرقة وعمرت الرافقة (3) ولا يزالون في ضنك العيش. وروت الغلاة أنه عليه السلام صعد إلى السماء على فرس وينظر إليه أصحابه وقال: لو أردت لحملت إليكم إبن أبي سفيان، وذلك نحو قوله: " ورفعناه مكانا عليا (4) ". وخرج عن أبي زهرة وقطع مسيرة ثلاثة أيام بليلة واحدة، وأصبح عند الكفار وفتح عليه فنزل " والعاديات ضبحا ". وروي أنه رمي إلى حصن ذات السلاسل في المنجنيق ونزل على حائط الحصن وكان الحصن قد شد على حيطانه سلاسل فيها غرائر (5) من نبن أو قطن، حتى لا يعمل فيها المنجنيق إذا رمي الحجر، فقالت الغلاة: فمر في الهواء والترس تحت قدميه، ونزل على الحائط وضرب السلاسل ضربة واحدة فقطعها، وسقطت الغرائر وفتح الحصن. وروت الغلاة أنه نزلت فيه " وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا (6) " وذلك إن صح مثل صعود الملائكة ونزولهم وإسراء النبي صلى الله عليه واله (7). تفسير أبي محمد العسكري عليه السلام أنه أرادت الفجرة ليلة العقبة قتل النبي صلى الله عليه واله ومن بقي في المدينة قتل علي عليه السلام فلما تبعه وقص عليه بغضاءهم فقال: أما ترضى

 

(1) في المصدر: صنعا. (2) القتب - بالكسر فالسكون - يقال: قتبه أي أطعمه الاقتاب وهى الامعاء المشوية. والجائزة: الخشبة المعترضة بين الحائطين فارسيته " تير ". والمجذاف - بالذال المعجمة و المهملة -: خشبة طويلة مبسوطة أحد الطرفين تسير بها القوارب والسفن الصغيرة. (3) الرقة - بالفتح - مدينة مشهورة على الفرات من جانبها الشرقي. والرافقة بلد متصل البناء بالرقة بينهما مقدار ثلاثمائة ذراع (المراصد 2: 595). (4) سورة مريم: 57. (5) جمع الغرارة - بالكسر -: الجوالق. (6) سورة الحشر: 2. (7) مناقب آل ابى طالب 1: 446.

 

[35]

أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ؟ الخبر، فحفروا له حفيرة طويلة وغطوها فلما انصرف وبلغها أنطق الله فرسه فقال: سر بإذن الله، فطفرت، ثم أمر بكشفه فرآه عجيبا (1). مسند أحمد وفضائله وسنن ابن ماجة: قال عبد الرحمن بن أبي ليلى: كان أمير المؤمنين عليه السلام يلبس في البرد الشديد الثوب الرقيق، وفي الحر الشديد القباء والثوب الثقيل، وكان لا يجد الحر والبرد، فكان النبي صلى الله عليه واله دعا له يوم خيبر فقال: كفاك الله الحر والبرد، وفي رواية: اللهم قه الحر والبرد، وفي رواية: اللهم اكفه الحر والبرد (2). سهل بن حنيف في حديثه أنه لما أخذ معاوية مورد الفرات أمر أمير المؤمنين عليه السلام لمالك الاشتر أن يقول لمن على جانب الفرات: يقول لكم علي: اعدلوا عن الماء، فلما قال ذلك عدلوا عنه، فورد قوم أمير المؤمنين الماء وأخذوا منه، فبلغ ذلك معاوية فأحضرهم وقال لهم في ذلك، فقال إن عمرو بن العاص جاء وقال: إن معاوية يأمركم أن تفرجوا عن الماء، فقال معاوية لعمرو: إنك لتأتي أمرا ثم تقول ما فعلته ؟ ! فلما كان من غد وكل معاوية حجل بن العتاب النخعي في خمسة آلاف، فأنفذ أمير المؤمنين عليه السلام مالكا فنادى مثل الاول، فمال حجل عن الشريعة فورد أصحاب علي عليه السلام وأخذوا منه، فبلغ ذلك معاوية فأحضر حجلا وقال له في ذلك، فقال: إن ابنك يزيد أتاني فقال: إنك أمرت بالتنحي عنه ! فقال ليزيد في ذلك فأنكر، فقال معاوية: فإذا كان غدا فلا تقبل من أحد ولو أتيتك حتى تأخذ خاتمي، فلما كان اليوم الثالث أمر أمير المؤمنين عليه السلام لمالك مثل ذلك، فرأى حجل معاوية وأخذ منه خاتمه وانصرف عن الماء: وبلغ معاوية فدعاه وقال له في ذلك، فأراه خاتمه، فضرب معاوية يده على يده فقال: نعم وإن هذا من دواهي علي.

 

(1) في المصدر: فرأى عجبا. (2) مناقب آل ابى طالب 1: 448.

 

[36]

وحدثني محمد الشوهاني بإسناده أنه قدم أبو الصمصام العبسي (1) إلى النبي عليه السلام وقال متى يجئ‌ئ المطر ؟ وأي شئ في بطن ناقتي هذه ؟ وأي شئ يكون غدا ؟ ومتى أموت ؟ فنزل " إن الله عنده علم الساعة (2) " الآيات، فأسلم الرجل ووعد النبي صلى الله عليه واله أن يأتي بأهله، فقال: اكتب يا أبا الحسن: " بسم الله الرحمن الرحيم أقر محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف وأشهد على نفسه في صحة عقله وبدنه وجواز أمره أن لابي الصمصام العبسي عليه وعنده وفي ذمته ثمانين ناقة حمر الظهور بيض العيون سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز " وخرج أبو الصمصام ثم جاء في قومه بني عبس كلهم مسلمين، وسأل عن النبي صلى الله عليه واله فقالوا: قبض، قال: فمن الخليفة من بعده ؟ فقالوا: أبو بكر، فدخل أبو الصمصام المسجد وقال: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه واله إن لي على رسول الله صلى الله عليه واله ثمانين ناقة حمر الظهور بيض العيون سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز، فقال: يا أخا العرب سألت ما فوق العقل، والله ما خلف رسول الله إلا بغلته الدلدل وحمارة اليعفور وسيفه ذا الفقار ودرعه الفاضل، أخذها كلها علي بن أبي طالب عليه السلام وخلف فينا فدك فأخذناها بحق، ونبينا صلى الله عليه واله لا يورث، فصاح سلمان " كردي ونكردي، و حق أزمير ببردي، ردوا العمل إلى أهله " ثم ضرب بيده إلى أبي الصمصام فأقامه إلى منزل علي بن أبي طالب عليه السلام فقرع الباب فنادى علي ادخل يا سلمان ادخل أنت وأبو الصمصام، فقال أبو الصمصام: هذه اعجوبة من هذا الذي سماني باسمي ولم يعرفني ؟ فعد سلمان فضائل علي عليه السلام فلما دخل وسلم عليه قال: يا أبا الحسن إن لي على رسول الله صلى الله عليه واله ثمانين ناقة ووصفها، فقال علي عليه السلام: أمعك حجة ؟ فدفع إليه الوثيقة، فقال علي عليه السلام: يا سلمان ناد في الناس ألا من أراد أن ينظر إلى دين رسول الله صلى الله عليه واله فليخرج غدا إلى خارج المدينة، فلما كان الغد خرج الناس و خرج علي عليه السلام وأسر إلى ابنه الحسن سرا وقال: امض يا أبا الصمصام مع ابني

 

(1) في المصدر: " ابو الضمضام " في المواضع. (2) سورة لقمان: 34.

 

[37]

الحسن إلى الكثيب من الرمل، فمضى عليه السلام ومعه أبو الصمصام، فصلى الحسن عليه السلام ركعتين عند الكثيب، وكلم الارض بكلمات لا ندري ما هي، وضرب الكثيب بقضيب رسول الله صلى الله عليه واله فانفجر الكثيب عن صخرة ململمة (1)، مكتوب عليها سطران من نور، السطر الاول " بسم الله الرحمن الرحيم " والثاني " لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه واله " فضرب الحسن عليه السلام الصخرة بالقضيب فانفجرت عن خطام ناقة، فقال الحسن عليه السلام: اقتد يا أبا الصمصام، فاقتاد أبو الصمصام ثمانين ناقة حمر الظهور بيض العيون سود الحدق، عليها من طرائف اليمن ونقط الحجاز، ورجع إلى علي بن أبي طالب فقال عليه السلام: استوفيت يا أبا الصمصام ؟ قال: نعم، قال: فسلم الوثيقة فسلمها إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فأخذها وخرقها، ثم قال: هكذا أخبرني أخي وإبن عمي رسول الله صلى الله عليه واله إن الله خلق هذه النوق من هذه الصخرة قبل أن يخلق ناقة صالح بألفي عام فقال المنافقون هذا من سحر علي قليل (2). بيان: قوله: " نقط الحجاز " أقول: الظاهر أنه تصحيف لقط باللام، قال الفيروز آبادي: اللقط محركة: ما يلتقط من السنابل، وقطع ذهب توجد في المعدن. 12 - قب: من معجزاته عليه السلام تسخيره الجماعة اضطرارا لنقل فضائله مع ما فيها من الحجة عليهم، حتى إن أنكره واحد رد عليه صاحبه وقال: هذا في التواريخ والصحاح والسنن والجوامع والسير والتفاسير مما أجمعوا على صحته، فإن لم يكن في واحد يكن في آخر، ومن جملة ذلك ما أجمعوا عليه، وروى مناقبه خلق كثير منهم حتى صار علما ضروريا، كما صنف ابن جرير الطبري كتاب الغدير، وابن الشاهين كتاب المناقب وكتاب فضائل فاطمة عليها السلام، ويعقوب بن شيبة تفضيل الحسن والحسين عليهما السلام ومسند أمير المؤمنين عليه السلام وأخباره وفضائله، والجاحظ كتاب العلوية وكتاب فضل بني هاشم على بني امية، وأبو نعيم الاصفهاني منقبة المطهرين في فضائل

 

(1) لملم الحجر: جعله مستديرا كالكرة. (2) مناقب آل ابى طالب 1: 470 و 471.

 

[38]

أمير المؤمنين عليه السلام وما نزل من القرآن في أمير المؤمنين عليه السلام وأبو المحاسن الروياني الجعفريات، والموفق المكي كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السلام وكتاب رد الشمس لامير المؤمنين عليه السلام، وأبو بكر محمد بن مؤمن الشيرازي كتاب نزول القرآن في شأن أمير المؤمنين عليه السلام، وأبو صالح عبد الملك المؤذن كتاب الاربعين في فضائل الزهراء عليها السلام، وأحمد بن حنبل مسند أهل البيت وفضائل الصحابة، وأبو عبد الله محمد بن أحمد النطنزي الخصائص العلوية على سائر البرية، وابن المغازلي كتاب المناقب، و أبو القاسم البستي كتاب الدرجات، والخطيب أبو تراب كتاب الحدائق مع الكتمان والميل. وذلك خرق العادة، شهد بفضائله معادوه وأقر بمناقبه جاحدوه. ومن جملة ذلك كثرة مناقبه مع ما كانوا يدفنونها ويتوعدون على روايتها، روى مسلم والبخاري وابن بطة والنطنزي عن عائشة في حديثها بمرض النبي صلى الله عليه واله فقالت في جملة ذلك: فخرج النبي صلى الله عليه واله بين رجلين من أهل بيته أحدهما الفضل و رجل آخر، يخط قدماه عاصبا رأسه. يعني عليا عليه السلام. وقال معاوية لابن عباس: إنا كتبنا في الآفاق ننهي عن ذكر مناقب علي عليه السلام فكف لسانك، قال: أفتنهانا عن قراءة القرآن ؟ قال: لا، قال: أفتنهانا عن تأويله قال: نعم، قال: أفنقرؤه ولا نسأل ؟ قال سل عن غير أهل بيتك ! قال: إنه منزل علينا أفتسأل غيرنا ؟ أتنهانا أن نعبد الله ؟ فإذا تهلك الامة، قال: اقرؤوا ولا ترووا ما أنزل الله فيكم " يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم (1) " ثم نادى معاوية: أن (2) برئت الذمة ممن روى حديثا من مناقب علي، حتى قال عبد الله بن شداد الليثي: وددت أني اترك أن احدث بفضائل علي بن أبي طالب عليه السلام يوما إلى الليل وأن عنقي ضربت فكان المحدث يحدث بحديث في الفقه أو يأتي بحديث المبارزة فيقول: قال رجل من قريش، وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول: حدثني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله، وكان الحسن البصري يقول: قال أبو زينب.

 

(1) سورة الصف: 8. (2) في المصدر: انى.

 

[39]

وسئل ابن جبير عن حامل اللواء فقال: كأنك رخي البال. ورأى رجل أعرابية في مسجد تقول: يا مشهورا في السماوات ويا مشهورا في الارضين (ويا مشهورا في الدنيا) ويا مشهورا في الآخرة جهدت الجبابرة والملوك على إطفاء نورك وإخماد ذكرك فأبى الله لذكرك إلا علوا ولنورك إلا ضياء ونماء ولو كره المشركون، فقيل: لمن تصفين ؟ قالت: ذاك أمير المؤمنين عليه السلام، فالتفت فلم ير أحدا. ومن ذلك ما طبقت الارض بالمشاهد لاولاده، وفشت المنامات من مناقبه، فيبرئ الزمنى ويفرج المبتلى وما سمع هذا لغيره عليه السلام (1). 13 - م: قال الامام عليه السلام: إن رجلا من محبي علي بن أبي طالب عليه السلام كتب إليه من الشام: يا أمير المؤمنين أنا بعيالي مثقل، وعليهم إن خرجت خائف وبأموالي التي اخلفها إن خرجت ظنين، وأخر اللحاق (2) بك والكون في جملتك و الخفوق في خدمتك، فجدلي يا أمير المؤمنين، فبعث إليه علي عليه السلام: أجمع أهلك و عيالك وحصل عندهم مالك، وصل على ذلك كله على محمد وآله الطاهرين، ثم قل: اللهم هذه كلها ودائعي عندك بأمر عبدك ووليك علي بن أبي طالب، ثم قم وانهض إلي، ففعل الرجل ذلك واخبر معاوية بهربه إلى علي بن أبي طالب عليه السلام، فأمر معاوية أن تسبى عياله ويسترقوا، وأن تنهب أمواله، فذهبوا فألقى الله عليهم شبه عيال معاوية وحاشيته وأخص حاشيته كيزيد بن معاوية يقولون: نحن أخذنا هذا المال وهو لنا، وأما عياله فقد استرققناهم وبعثناهم إلى السوق، فكفوا لما رأو ذلك، وعرف الله عياله أنه قد ألقى عليهم شبه عيال معاوية وعيال خاصة يزيد، فأشفقوا من أموالهم أن تسرقها اللصوص، فمسخ المال عقارب وحيات، كلما قصد اللصوص ليأخذوا منه لذعوا ولسعوا، فمات منهم قوم وضني آخرون، ودفع الله عن ماله بذلك إلى أن قال علي عليه السلام يوما للرجل: أتحب أن يأتيك عيالك ومالك ؟ قال: بلى، قال علي عليه السلام: ايت بهم، فإذاهم بحضرة الرجل لا يفقد من عياله وماله شيئا، فأخبروه

 

(1) مناقب آل ابى طالب 1: 484 و 485. (2) في المصدر: ضنين، وأحب اللحاق.

 

[40]

بما ألقى الله تعالى من شبه عيال معاوية وخاصته وحاشية يزيد عليهم. وبما مسخه من أمواله عقارب وحيات تلسع اللص الذي يريد أخذ شئ منه، وقال علي عليه السلام إن الله تعالى ربما أظهر آية لبعض المؤمنين ليزيد في بصيرته ولبعض الكافرين ليبالغ في الاعذار إليه (1). بيان: الخفوق: التحرك والاضطراب، وفي بعض النسخ بالفائين بمعنى الاحاطة، وضني كرضي: مرض مرضا مخامرا كلما ظن برؤه نكس. 14 - م: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما نص على علي عليه السلام بالفضيلة والامامة و سكن إلى ذلك قلوب المؤمنين وعاند فيه أصناف الجاحدين من المعاندين وشك في ذلك ضعفاء من الشاكين وغاض (2) في صدور المنافقين العداوة والبغضاء والحسد والشحناء حتى قال قائل من المنافقين: لقد أسرف محمد صلى الله عليه وآله في مدح نفسه ثم أسرف في مدح أخيه علي عليه السلام وما ذلك من عند رب العالمين ولكنه في ذلك من المقبولين (3) يريد أن يثبت لنفسه الرئاسة علينا ولعلي بعد موته قال الله تعالى: يا محمد قل لهم: وأي شئ أنكرتم من ذلك ؟ هو عظيم كريم حكيم، ارتضى عبادا من عباده واختصهم بكرامات (4) لما علم من حسن طاعتهم وانقيادهم لامره، ففوض إليهم امور عباده وجعل عليهم سياسة خلقه بالتدبير الحكيم الذي وفقهم له، أو لا ترون ملوك الارض إذا ارتضى أحدهم خدمة بعض عبيده ووثق بحسن إطاعته فيما يندبه له (5) من امور ممالكه جعل ما وراء بابه إليه، واعتمد في سياسة جيوشه ورعاياه عليه، كذلك محمد في التدبير الذي رفعه له ربه، وعلي من بعده الذي جعله وصيه وخليفته في أهله وقاضي دينه ومنجز عداته والمؤازر لاوليائه والمناصب لاعدائه، فلم يقنعوا بذلك ولم يسلموا وقالوا: ليس الذي يسنده إلى ابن أبي طالب بأمر صغير، إنما هو دماء الخلق ونساؤهم

 

(1) تفسير الامام: 170. (2) كذا في (ك). وفى غيره من النسخ وكذا المصدر: فاض. (3) في هامش المصدر: من المتقولين. (4) في (خ): بكراماته. (5) في المصدر: بحسن اصطناعه فيما يندب له.

 

[41]

وأولادهم وأموالهم وحقوقهم وأنسابهم ودنياهم وآخرتهم، فليأتنا بآية يليق بجلالة هذه الولاية، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: أما كفاكم نور علي المشرق في الظلمات الذي رأيتموه ليلة خروجه من عند رسول الله إلى منزله ؟ أما كفاكم أن عليا جاز و الحيطان بين يديه، ففتحت له وطرقت ثم عادت والتأمت ؟ أما كفاكم يوم غدير خم أن عليا لما أقامه رسول الله رأيتم أبواب السماء مفتحة والملائكة منها مطلعين تناديكم هذا ولي الله فاتبعوه وإلا حل بكم عذاب الله فاحذروه ؟ أما كفاكم رؤيتكم علي بن أبي طالب وهو يمشي والجبال يسير بين يديه لئلا يحتاج إلى الانحراف عنها فلما جاز رجعت الجبال إلى أماكنها ؟ ثم قال: اللهم زدهم آيات فإنها عليك سهلات يسيرات لتزيد حجتك عليهم تأكيدا، قال: فرجع القوم إلى بيوتهم فأرادوا دخولها فاعتقلتهم الارض ومنعتهم ونادتهم: حرام عليكم دخولها حتى تؤمنوا بولاية علي عليه السلام قالوا: آمنا ودخلوا، ثم ذهبوا ينزعون ثيابهم ليلبسوا غيرها فثقلت عليهم ولم يقلوها (1) ونادتهم: حرام عليكم سهولة نزعها (2) حتى تقروا بولاية علي عليه السلام فأقروا ونزعوها، ثم ذهبوا ليلبسوا ثياب الليل فثقلت عليهم ونادتهم: حرام عليكم لبسنا حتى تعترفوا بولاية علي عليه السلام فاعترفوا، فذهبوا يأكلون فثقلت عليهم اللقم وما لم يثقل منها استحجر في أفواههم، ونادتهم: حرام عليكم أكلنا حتى تعترفوا بولاية علي عليه السلام فاعترفوا، ثم ذهبوا يبولون ويتغوطون فتعذر عليهم ونادتهم بطونهم ومذاكيرهم: حرام عليكم السلامة منا حتى تعترفوا بولاية علي بن أبي - طالب عليه السلام فاعترفوا، ثم ضجر بعضهم وقال: " اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم (3) " قال الله تعالى: " وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم " فإن عذاب الاصطلام (4) العام إذا نزل نزل بعد خروج

 

(1) أي لم يرفعوها. (2) في المصدر: نزعنا. (3) سورة الانفال: 32. وما بعدها ذيلها. (4) اصطلمه: استأصله.

 

[42]

النبي صلى الله عليه واله من بين أظهرهم، ثم قال الله عزوجل: " وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون " يظهرون التوبة والانابة، فإن من حكمه في الدنيا أن يأمرك بقبول الظاهر وترك التفتيش عن الباطن، لان الدنيا دار إمهال وإنظار والآخرة دار الجزاء بلا بعد، قال: " وما كان الله معذبهم " وفيهم من يستغفر لان هؤلاء لو لا أن فيهم (1) من علم الله أنه سيؤمن أو أنه سيخرج من نسله ذرية طيبة يجود ربك على هؤلاء بالايمان وثوابه ولا يقتطعهم باخترام (2) آبائهم الكفار ولولا ذلك لاهلكهم، فذلك قول رسول الله: كذلك اقترح الناصبون آيات في علي عليه السلام حتى اقترحوا ما لا يجوز في حكمته، جهلا بأحكام الله واقتراحا للاباطيل على الله (3). 15 - يل: روي عن الصادق عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام بلغه عن عمر بن الخطاب أمر، فأرسل إليه سلمان رضي الله عنه وقال: قل له: قد بلغني عنك كيت وكيت، وكرهت أن أعتب عليك في وجهك، فينبغي أن لا يقال في إلا الحق، فقد غصبت حقي على القذى وصبرت حتى تبلغ الكتاب أجله، فنهض سلمان رضي الله عنه وبلغه ذلك وعاتبه، وذكر مناقب أمير المؤمنين عليه السلام وذكر فضائله وبراهينه فقال عمر: عندي الكثير من فضائل علي عليه السلام ولست بمنكر فضله إلا أنه يتنفس الصعداء ويظهر البغضاء، فقال له سلمان رضي الله عنه: حدثني بشئ مما رأيته منه فقال عمر: يا أبا عيد الله نعم خلوت به ذات يوم في شئ من أمر الجيش، فقطع حديثي وقام من عندي وقال: مكانك حتى أعود إليك، فقد عرضت لي حاجة، فما كان أسرع أن رجع علي ثانية وعلى ثيابه وعمامته غبار كثير، فقلت له: ما شأنك ؟ فقال: أقبل نفر من الملائكة وفيهم رسول الله صلى الله عليه وآله يريدون مدينة بالمشرق يريدون مدينة جيحون، فخرجت لاسلم عليه، وهذه الغبرة ركبتني من سرعة المشي، فقال عمر: فضحكت متعجبا حتى استلقيت على قفائي، وقلت له: النبي صلى الله عليه واله قد مات

 

(1) في المصدر: لو أن فيهم. (2) اخترمه: أهلكه واستأصله. (3) تفسير الامام: 265 و 266.

 

[43]

وبلي وتزعم أنك لقيته الساعة وسلمت عليه ؟ ! فهذا من العجائب ومما لا يكون فغضب علي عليه السلام ونظر إلي وقال: تكذبني يا ابن الخطاب ؟ فقلت: لا تغضب وعد إلى ما كنا فيه فإن هذا مما لا يكون أبدا، قال: فإن أنت رأيته حتى لا تنكر منه شيئا استغفرت الله مما قلت وأضمرت وأحدثت توبة مما أنت فيه وتركت حقا لي ؟ فقلت: نعم، فقال: قم، فقمت معه فخرجنا إلى طرف المدينة، وقال لي: غمض عينيك فغمضتهما، فقال: افتحهما ففعلت ذلك، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه واله معه نفر من الملائكة، فلما أطلت النظر قال لي: هل رأيته ؟ فقلت: نعم، قال: غمض عينيك فغمضتهما، ثم قال: افتحهما فإذا لا عين ولا أثر. فقلت له: هل رأيت من علي عليه السلام غير ذلك ؟ قال: نعم إنه استقبلني يوما وأخذ بيدي ومضى بي إلى الجبانة، وكنا نتحدث في الطريق، وكان بيده قوس فلما صرنا في الجبانة رمى بقوسه من يده فصار ثعبانا عظيما مثل ثعبان موسى عليه السلام وفتح فاه وأقبل ليبتلعني، فلما رأيت ذلك طار قلبي من الخوف وتنحيت وضحكت في وجه علي عليه السلام وقلت: الامان يا علي بن أبي طالب واذكر ما بيني وبينك من الجميل، فلما سمع هذا القول افتر (1) ضاحكا وقال: لطفت في الكلام ونحن أهل بيت نشكر القليل، فضرب بيده إلى الثعبان وأخذه بيده فإذا هو قوسه الذي كان بيده. ثم قال عمر: يا سلمان إني كتمت ذلك عن كل أحد وأخبرتك به يا أبا - عبد الله، فإنهم أهل بيت يتوارثون هذه الاعجوبة كابر عن كابر، ولقد كان إبراهيم يأتي بمثل ذلك وكان أبو طالب وعبد الله يأتيان بمثل ذلك في الجاهلية، وأنا لا انكر فضل علي عليه السلام وسابقته ونجدته وكثرة علمه، فارجع إليه واعتذر عني إليه وأثن عني عليه بالجميل (2). 16 - يل: روى عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام

 

(1) افتر الرجل: ضحك ضحكا حسنا. (2) الفضائل: 65 و 66.

 

[44]

جالسا في دكة القضاء إذ نهض إليه رجل يقال له صفوان الاكحل، وقال له: أنا رجل من شيعتك وعلي ذنوب فاريد أن تطهرني منها في الدنيا لاصل إلى الآخرة وما معي ذنب، فقال الامام عليه السلام: ما أعظم ذنوبك وما هي ؟ فقال: أنا ألوط الصبيان، فقال عليه السلام: أيما أحب إليك ضربة بذي الفقار أو اقلب عليك جدارا أو أرمي عليك نارا ؟ فإن ذلك جزاء من ارتكب تلك المعصية، فقال: يا مولاي احرقني بالنار لانجو من نار الآخرة، فقال عليه السلام: يا عمار اجمع ألف حزمة (1) قصب لنضرمه غداة غد بالنار، ثم قال للرجل: انهض وأوص بمالك وبما عليك، قال: فنهض الرجل و أوصى بما له وما عليه، وقسم أمواله على أولاده، وأعطى كل ذي حق حقه، ثم بات على حجرة أمير المؤمنين عليه السلام في بيت نوح شرقي جامع الكوفة، فلما صلى أمير المؤمنين عليه السلام قال: يا عمار ناد بالكوفة: اخرجوا وانظروا حكم أمير المؤمنين عليه السلام فقال جماعة منهم: كيف يحرق رجلا من شيعته ومحبيه وهو الساعة يريد يحرقه بالنار فبطلت إمامته ؟ ! فسمع بذلك أمير المؤمنين عليه السلام قال عمار: فأخذ الامام الرجل ورمى عليه ألف حزمة من القصب، فأعطاه مقدحة وكبريتا وقال: اقدح وأحرق نفسك، فإن كنت من شيعتي ومحبي وعارفي فإنك لا تحترق بالنار وإن كنت من المخالفين المكذبين فالنار تأكل لحمك وتكسر عظمك، فأوقد الرجل على نفسه واحترق القصب، وكان على الرجل ثياب بيض فلم تعلق بها النار ولم تقربها الدخان، فاستفتح الامام عليه السلام وقال: كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيدا، ثم قال: إن شيعتنا منا وأنا قسيم الجنة والنار، وأشهد لي بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله في مواطن كثيرة (2). 17 - فر: علي بن محمد بن مخلد الجعفي معنعنا عن الاعمش قال: خرجت حاجا إلى مكة، فلما انصرفت بعيدا رأيت عمياء على ظهر الطريق تقول: بحق (3) محمد

 

(1) بالمهملة ثم المعجمة ما حزم وشد من الحطب وغيره. (2) الفضائل: 77 و 78. (3) في المصدر: اللهم انى اسألك بحق اه‍.

 

[45]

وآله رد علي بصري، قال: فتعجبت من قولها وقلت لها: أي حق لمحمد وآله على الله ؟ إنما الحق له عليهم، فقالت: مه يا لكع والله ما ارتضى هو حتى حلف بحقهم، فلو لم يكن لهم عليه حقا ما حلف به، قال: قلت: وأي موضع حلف ؟ قالت قوله: " لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون " (1) والعمر في كلام العرب الحياة قال فقضيت حجتي ثم رجعت فإذا بها مبصرة في موضعها وهي تقول: أيها الناس أحبوا عليا فحبه ينجيكم من النار، قال: فسلمت عليها وقلت: ألست العمياء بالامس تقولين: بحق (2) محمد وآله رد علي بصري ؟ قالت: بلى، قلت: حدثيني بقصتك، قالت: والله ما جزتني حتى وقف علي رجل فقال لي: إن رأيت محمدا و آله تعرفينه قلت: لا ولكن بالدلالة (3) التي جاءتنا، قالت: فبينا هو يخاطبني إذ أتاني رجل آخر متوكئا على رجلين فقال: ما قيامك معها ؟ قال: إنها تسأل ربها بحق محمد وآله أن يرد عليها بصرها فادع الله لها، قال: فدعا ربه ومسح على عيني بيده فأبصرت، فقلت: من أنتم ؟ فقال: أنا محمد وهذا علي، قد رد الله عليك بصرك اقعدي في موضعك هذا حتى يرجع الناس وأعلميهم أن حب علي ينجيهم من النار (4). 18 - ج، م: قال علي بن الحسين عليهما السلام: كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه قاعدا ذات يوم فأقبل إليه رجل من اليونانيين المدعين للفلسفة والطب، فقال: يا با حسن (5) بلغني خبر صاحبك وأن به جنونا وجئت لاعالجه ! فلحقته قد مضى لسبيله وفاتني ما أردت من ذلك، وقد قيل لي: إنك ابن عمه وصهره وأرى (6) صفارا قد علاك وساقين دقيقتين ما أراهما ثقلانك (7) فأما الصفار فعندي دواؤه وأما

 

(1) سورة الحجر: 72. (2) في المصدر: اللهم انى اسألك بحق اه‍ (3) في المصدر: بالولاء. (4) تفسير فرات: 99 - 100. (5) في المصدرين: فقال له: يا ابا الحسن. (6) ": وارى بك اه‍. (7) ": تقلانك.

 

[46]

الساقان الدقيقان فلا حيلة (1) لتغليظهما، والوجه أن ترفق بنفسك في المشي تقلله ولا تكثره، وفيما تحمله على ظهرك وتحضنه (2) بصدرك أن تقللهما ولا تكثرهما فإن ساقيك دقيقان لا يؤمن عند حمل ثقيل انقصافهما (3) وأما الصفار فدواؤك (4) عندي وهو هذا، وأخرج دواء وقال: هذا لا يؤذيك ولا يخيسك (5) ولكنه يلزمك حمية من اللحم أربعين صباحا، ثم يزيل صفارك، فقال علي عليه السلام (6): قد ذكرت نفع هذا الدواء الصفاري فهل تعرف شيئا يزيد فيه ويضره ؟ فقال الرجل: بلى حبة من هذا، وأشار إلى دواء معه وقال: إن تناوله الانسان وبه صفار أماته من ساعته، وإن كان لا صفار به صار به صفار حتى يموت في يومه، فقال علي عليه السلام: فأرني هذا الضار فأعطاه فقال (7): كم قدر هذا ؟ فقال: قدر مثقالين سم ناقع، و قدر كل حبة منه يقتل رجلا، فتناوله علي عليه السلام فقمحه (8) وعرق عرقا خفيفا وجعل الرجل يرتعد ويقول في نفسه: الآن اؤخذ بابن أبي طالب ويقال: قتلته ولا يقبل مني قولي إنه لهو ألجأني على نفسي، فتبسم علي عليه السلام وقال: يا عبد الله أصح ما كنت بدنا الآن، لم يضرني ما زعمت أنه سم، فغمض عينيك فغمض، ثم قال: افتح عينيك، ففتح فنظر إلى وجه علي عليه السلام فإذا هو أبيض أحمر مشرب حمرة فارتعد الرجل مما رآه وتبسم علي عليه السلام وقال: أين الصفار الذي زعمت أنه بي ؟ فقال: والله لكأنك لست من رأيت قبل، كنت مصفارا فأنت الآن مورد، قال علي بن أبي طالب عليه السلام: فزال عني الصفار بسمك الذي زعمت أنه قاتلي، وأما ساقاي

 

(1) في المصدرين: فلا حيلة لى اه‍. (2) في المصدر: تحتضنه. (3) انقصف: انكسر. (4) في المصدرين: فدواؤه. (5) خاس اللحم: فسدت رائحته. (6) في المصدرين، فقال له على بن ابى طالب عليه السلام. (7) في المصدر: فأعطاه اياه، فقال له. (8) قمح السويق: استفه والشراب: اخذه في راحته فلطعه.

 

[47]

هاتان - ومد رجليه وكشف عن ساقيه - فإنك زعمت أني أحتاج أن أرفق (1) ببدني في حمل ما أحمل عليه لئلا ينقصف الساقان، وأنا أدلك أن طب الله عزوجل خلاف طبك، وضرب بيده إلى اسطوانة خشب غليظة (2) على رأسها سطح مجلسه الذي هو فيه، و (في) فوقه حجرتان إحداهما فوق الآخر، وحركها أو احتملها (3) فارتفع السطح والحيطان وفوقهما الغرفتان، فغشي على اليوناني، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: صبوا عليه ماء (4) فأفاق وهو يقول: والله ما رأيت كاليوم عجبا، فقال له علي عليه السلام: هذه قوة الساقين الدقيقين واحتمالهما في طبك هذا يا يوناني !. فقال اليوناني: أمثلك كان محمدا صلى الله عليه واله ؟ فقال علي عليه السلام: فهل علمي إلا من علمه وعقلي إلا من عقله وقوتي إلا من قوته ؟ لقد أتاه ثقفي كان أطب العرب فقال له: إن كان بك جنون داويتك ! فقال له محمد صلى الله عليه وآله: أتحب أن اريك آية تعلم بها غناي عن طبك وحاجتك إلى طبي ؟ قال: نعم، قال: أي آية تريد ؟ قال: تدعو ذلك العذق - وأشار إلى نخلة سحوق - فدعاها فانقلع أصلها من الارض وهي تخد في الارض خدا (5)، حتى وقفت بين يديه، فقال له: أكفاك ؟ قال: لا، قال: فتريد ماذا ؟ قال: تأمرها أن ترجع إلى حيث جاءت (6) وتستقر في مقرها الذي انقلعت منه، فأمرها فرجعت واستقرت في مقرها. فقال اليوناني لامير المؤمنين عليه السلام: هذا الذي تذكره عن محمد صلى الله عليه واله غائب عني، وأنا أقتصر منك على أقل من ذلك، أنا أتباعد عنك فادعني وأنا لا أختار الاجابة، فإن جئت بي إليك فهي آية، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هذا إنما يكون

 

(1) في المصدرين: احتاج إلى أن ارفق. (2) في المصدرين: عظيمة. (3) في المصدرين: واحتملها. (4) في المصدرين بعد ذلك: فصبوا عليه ماءا. (5) خد الارض: شقها وأثر فيها. (6) في المصدرين: حيث جاءت منه.

 

[48]

آية لك وحدك لانك تعلم من نفسك أنك لم ترد وأني أزلت اختيارك من غير أن باشرت مني شيئا أو ممن أمرته بأن يباشرك أو ممن قصد إلي ذلك، وإن (1) لم آمره إلا ما يكون من قدرة الله القاهر، وأنت يوناني (2) يمكنك أن تدعي ويمكن غيرك أن يقول: أني قد واطأتك على ذلك، فاقترح إن كنت مقترحا ما هو آية لجميع العالمين، قال له اليوناني: إذا جعلت الاقتراح إلي فأنا أقترح أن تفصل أجزاء تلك النخلة وتفرقها وتباعد ما بينها ثم تجمعها وتعيدها كما كانت، فقال علي عليه السلام: هذه آية وأنت رسولي إليها - يعني إلى النخلة - فقل لها: إن وصي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله يأمر أجزاءك أن تتفرق وتتباعد، فذهب فقال لها، فتفاصلت وتهافتت و تبترت (3) وتصاغرت أجزاؤها، حتى لم تر عين ولا أثر، حتى كأن لم يكن هناك نخلة قط، فارتعدت فرائص اليوناني وقال: يا وصي محمد قد أعطيتني اقتراحي الاول فأعطني الآخر، فأمرها أن تجتمع وتعود كما كانت، فقال: أنت رسولي إليها بعد (4) فقل لها: يا أجزاء النخلة إن وصي محمد رسول الله صلى الله عليه وآله يأمرك أن تجتمعي وكما كنت تعودي. فنادى اليوناني فقال ذلك فارتفعت في الهواء كهيئة الهباء المنثور، ثم جعلت تجتمع جزء جزء منها حتى تصور لها القضبان والاوراق والاصول والسعف والشماريخ والاعذاق (5) ثم تألفت وتجمعت واستطالت وعرضت واستقل (6) أصلها في مقرها، وتمكن عليها ساقها، وتركب على الساق قضبانها، وعلى القضبان أوراقها، وفي أمكنتها أعذاقها، وقد كانت في الابتداء شماريخها متجردة (7) لبعدها

 

(1) في تفسير الامام: وانى. (2) في المصدرين: يا يوناني. (3) أي تقطعت وفى الاحتجاج: وتنثرت. (4) في المصدرين: فعد. (5) السعف: جريد النخل. الشمروخ: العذق عليه بسر أو عنب. وعذق النخل كالعنقود من العنب. (6) في المصدرين: واستقر. (7) في الاحتجاج: متفردة. وفي التفسير: مجردة.- 2 -

 

[49]

من أوان الرطب والبسر والخلال (1) فقال اليوناني: واخرى احبها (2) أن تخرج شماريخها خلالها، وتقلبها من خضرة إلى صفرة وحمرة وترطيب وبلوغ أناه (3) ليؤكل وتطعمني ومن حضر منها، فقال عليه السلام (4): أنت رسولي إليها بذلك فمرها به فقال له اليوناني ما أمره أمير المؤمنين عليه السلام فأخلت وأبسرت واصفرت واحمرت وترطبت وثقلت أعذاقها برطبها، فقال اليوناني: واخرى احبها يقرب من يدي أعذاقها أو تطول يدي لتنالها، وأحب شئ إلي أن تنزل إلي أحدها وتطول يدي إلى الاخرى التي هي اختها، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: مد اليد التي تريد أن تنالها وقل: يا مقرب البعيد قرب يدي منها، واقبض الاخرى التي تريد أن يترك (5) إليك العذق منها وقل: يا مسهل العسير سهل لي تناول ما يبعد عني منها ففعل ذلك وقاله فطالت يمناه فوصلت إلى العذق، وانحطت الاعذاق الاخر فسقطت على الارض وقد طالت عراجينها (6) ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: إنك إن أكلت منها ثم لم تؤمن بمن أظهر لك عجائبها عجل الله عزوجل من العقوبة التي يبتليك بها ما يعتبر به عقلاء خلقه وجهالهم، فقال اليوناني: إني إن كفرت بعد ما رأيت فقد بالغت في العناد وتناهيت في التعرض للهلاك، أشهد أنك من خاصة الله صادق في جميع أقاويلك عن الله، فأمرني بما تشاء أطعك (7). أقول: تمام الخبر في أبواب احتجاجاته عليه السلام وقد مضى كثير من معجزاته ومناقبه صلوات الله عليه في أبواب معجزات الرسول صلى الله عليه وآله. (هامش) * (1) بضم الخاء: الرطب. (2) في المصدرين: احب. (3) الاناء: حلول الوقت. النضج. (4) في المصدرين: ومن حضرك منها فقال على عليه السلام. (5) في المصدرين: ان تنزل. (6) جمع العرجون: اصل العذق الذي يعوج ويبقى على النخل يابسا بعد ان تقطع عنه الشماريخ. (7) الاحتجاج: 122 - 124. تفسير الامام: 67 - 69.


 

[50]

19 - ختص محمد بن علي، عن أبيه، عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن أبان الاحمر قال: قال الصادق عليه السلام: يا أبان كيف تنكر (1) الناس قول أمير - المؤمنين عليه السلام لما قال: " لو شئت لرفعت رجلى هذه فضربت بها صدر ابن أبي سفيان بالشام فنكسته عن سريره " ولا ينكرون تناول آصف وصي سليمان عرش بلقيس و إتيانه سليمان به قبل أن يرتد إليه طرفه ؟ أليس نبينا صلى الله عليه وآله أفضل الانبياء ووصيه أفضل الاوصياء ؟ أفلا جعلوه كوصي سليمان ؟ حكم الله بيننا وبين من جحد حقنا وأنكر فضلنا (2) 117. (باب) * (ما ورد من غرائب معجزاته عليه السلام بالاسانيد الغريبة) * 1 - وجدت في بعض الكتب: حدثنا محمد بن زكريا العلائي، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار المعروف بابن المعافا، عن وكيع، عن زاذان، عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: كنا مع مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فقلت: يا أمير المؤمنين احب أن أرى من معجزاتك شيئا، قال صلوات الله عليه: أفعل إن شاء الله عزوجل ثم قام ودخل منزله وخرج إلي وتحته فرس أدهم، وعليه قباء أبيض وقلنسوة بيضاء، ثم نادى: يا قنبر أخرج إلي ذلك الفرس، فأخرج فرسا آخر أدهم، فقال صلوات الله عليه وآله: اركب يا با عبد الله، قال سلمان: فركبته فإذا له جناحان ملتصقان إلى جنبه، قال: فصاح به الامام صلوات الله عليه فتعلق في الهواء، وكنت أسمع حفيف أجنحة الملائكة وتسبيحها تحت العرش، ثم خطونا على ساحل بحر عجاج مغطمط الامواج، فنظر إليه الامام شزرا (3) فسكن البحر من غليانه، فقلت

 

(1) في المصدر: ينكر. (2) الاختصاص: 212 و 213. (3) شزر إليه: نظر إليه بجانب عينه مع اعراض أو غضب.

 

[51]

له: يا مولاي سكن البحر من غليانه من نظرك إليه، فقال صلوات الله عليه: يا سلمان خشي أن آمر فيه بأمر، ثم قبض على يدي وسار على وجه الماء والفرسان تتبعاننا لا يقودهما أحد، فوالله ما ابتلت أقدامنا ولا حوافر الخيل. قال سلمان: فعبرنا ذلك البحر ورفعنا (1) إلى جزيرة كثيرة الاشجار والاثمار والاطيار والانهار، وإذا شجرة عظيمة بلا صدع ولا زهر (2) فهزها صلوات الله عليه بقضيب كان في يده فانشقت، وخرج منها ناقة طولها ثمانون ذراعا وعرضها أربعون ذراعا وخلفها قلوص (3) فقال صلوات الله عليه: ادن منها واشرب من لبنها، قال سلمان: فدنوت منها وشربت حتى رويت، وكان لبنها أعذب من الشهد وألين من الزبد، وقد اكتفيت، قال صلوات الله عليه: هذا حسن يا سلمان ؟ فقلت: مولاي حسن، فقال صلوات الله عليه: تريد أن أراك ما هو أحسن منه ؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، قال سلمان: فنادى مولاي أمير المؤمنين صلوات الله عليه: اخرجي يا حسناء قال: فخرجت ناقة طولها عشرون ومائة ذراع وعرضها ستون ذراعا، ورأسها من الياقوت الاحمر، وصدرها من العنبر الاشهب، وقوائمها من الزبرجد الاخضر، وزمامها من الياقوت الاصفر، وجنبها الايمن من الذهب، وجنبها الايسر من الفضة، وعرضها من اللؤلؤ الرطب، فقال صلوات الله عليه: يا سلمان اشرب من لبنها، قال سلمان: فالتقمت الضرع فإذا هي تحلب عسلا صافيا مخلصا (4) فقلت يا سيدي: هذه لمن ؟ قال صلوات الله عليه: هذه لك ولسائر الشيعة من أوليائي ثم قال صلوات الله عليه وسلامه لها: ارجعي إلى الصخرة، ورجعت من الوقت، و ساربي في تلك الجزيرة حتى ورد بي إلى شجرة عظيمة عليها طعام يفوح منه رائحة المسك، فإذا بطائر في صورة النسر العظيم، قال سلمان رضي الله عنه: فوثب ذلك

 

(1) كذا في (ك). وفى غيره من النسخ: ودفعنا. (2) الصدع: الشق في شئ صلب. الزهر: نور النبات. (3) القلوص من الابل: أول ما يركب من اناثها. (4) في (خ): محضا خ ل.

 

[52]

الطائر فسلم عليه صلوات الله عليه ورجع إلى موضعه، فقلت: يا أمير المؤمنين ما هذه المائدة ؟ فقال صلوات الله عليه: هذه منصوبة في هذا المكان للشيعة من موالي إلى يوم القيامة، فقلت: ما هذا الطائر ؟ قال صلوات الله عليه: ملك موكل بها إلى يوم القيامة، فقلت: وحده يا سيدي ؟ فقال صلوات الله عليه: يجتاز به الخضر صلوات الله عليه في كل يوم مرة. ثم قبض صلوات الله عليه على يدي وسار إلى بحر ثان، فعبرنا وإذا جزيرة عظيمة فيها قصر لبنة من ذهب ولبنة من فضة بيضاء، وشرفها من عقيق أصفر، و على كل ركن من القصر سبعون صفا من الملائكة، فأتوا وسلموا، ثم أذن لهم فرجعوا، إلى مواضعهم، قال سلمان رحمه الله تعالى: ثم دخل أمير المؤمنين عليه السلام القصر فإذن أشجار وأثمار وأنهار وأطيار وألوان النبات: فجعل الامام صلوات الله عليه يمشي فيه حتى وصل إلى آخره، فوقف صلوات الله عليه على بركة كانت في البستان، ثم صعد على قصر (1) فإذن كرسي من الذهب الاحمر، فجلس عليه صلوات الله عليه، وأشرفنا على القصر فإذا بحر أسود يغطمط أمواجه كالجبال الراسيات، فنظر صلوات الله عليه شزرا فسكن من غليانه حتى كان كالمذنب، فقلت: يا سيدي سكن البحر من غليانه إلى نظره إليه (2) فقال عليه السلام: خشي أن آمر فيه بأمر، أتدري يا سلمان أي بحر هذا ؟ فقلت: لا يا سيدي، فقال: هذا الذي غرق فيه فرعون وملؤه المذنبة، حملها جناح جبرئيل عليه السلام ثم زجها في هذا البحر، فهو يهوي لا يبلغ قراره إلى يوم القيامة. فقلت: يا أمير المؤمنين هل سرنا فرسخين ؟ فقال صلوات الله عليه: يا سلمان لقد سرت خمسين ألف فرسخ ودرت حول الدنيا عشر مرات، فقلت: يا سيدي و كيف هذا ؟ قال عليه السلام: إذا كان ذوالقرنين طاف شرقها وغربها وبلغ إلى سد يأجوج

 

(1) كذا في (ك) وفى غيره من النسخ: إلى قصر. (2) كذا. والظاهر أن تكون العبارة هكذا: فسكن من غليانه من نظره إليه حتى كان كالمذنب، فقلت، يا سيدي سكن البحر من غليانه، فقال اه‍.

 

[53]

ومأجوج فأنى يتعذر علي وأنا أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين ؟ يا سلمان أما قرأت قول الله عزوجل حيث يقول: " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول (1) " ؟ فقلت: بلى يا أمير المؤمنين، فقال عليه السلام: أنا ذلك المرتضى من الرسول الذي أظهره الله عزوجل على غيبه، أنا العالم الرباني، أنا الذي هون الله علي الشدائد فطوى له البعيد. قال سلمان رضي الله عنه: فسمعت صائحا يصيح في السماء أسمع الصوت ولا أرى الشخص، وهو يقول: صدقت (2) أنت الصادق المصدق صلوات الله عليك، قال: ثم نهض صلوات الله عليه فركب الفرس وركبت معه وصاح بهما فطارا في الهواء ثم خطونا على باب الكوفة، هذا كله وقد مضى من الليل ثلاث ساعات، فقال صلوات الله عليه لي: يا سلمان الويل كل الويل لمن لا يعرفنا حق معرفتنا وأنكر ولايتنا، أيما أفضل محمد صلى الله عليه وآله أم سليمان عليه السلام ؟ قلت: بل محمد صلى الله عليه وآله ثم قال صلوات الله عليه: فهذا آصف بن برخيا قدر أن يحمل عرش بلقيس من فارس بطرفة عين و عنده علم الكتاب (3) ولا أفعل أنا ذلك وعندي مائة كتاب وأربعة وعشرون كتابا ؟ أنزل الله تعالى على شيث بن آدم عليهما السلام خمسين صحيفة، وعلى إدريس النبي عليه السلام ثلاثين صحيفة، وعلى نوح عليه السلام عشرين صحيفة، وعلى إبراهيم عليه السلام عشرين صحيفة والتوراة والانجيل والزبور والفرقان، فقلت: صدقت يا أمير المؤمنين هكذا يكون الامام، فقال عليه السلام: إن الشاك في امورنا وعلومنا كالممتري في معرفتنا، وحقوقنا قد فرض الله عزوجل في كتابه في غير موضع، وبين فيه ما وجب العمل به وهو غير مكشوف. بيان: الغطمطة: اضطراب موج البحر. ومنه أيضا: روي الاصبغ بن نباتة قال: كنت يوما مع مولانا أمير المؤمنين عليه السلام

 

(1) سورة الجن: 26 و 27. (2) في (خ) و (م): صدقت صدقت. (3) الصحيح كما في القرآن المجيد و (خ): علم من الكتاب.

 

[54]

إذ دخل عليه نفر من أصحابه منهم أبو موسى الاشعري وعبد الله بن مسعود و أنس بن مالك وأبو هريرة والمغيرة بن شعبة وحذيفة بن اليمان وغيرهم فقالوا: يا أمير المؤمنين أرنا شيئا من معجزاتك التي خصك الله بها، فقال عليه السلام: ما أنتم و ذلك وما سؤالكم عما لا ترضون به ؟ والله تعالى يقول: وعزتي وجلالي وارتفاع مكاني إني لا اعذب أحدا من خلقي إلا بحجة وبرهان وعلم وبيان، لان رحمتي سبقت غضبي، وكتبت الرحمة علي، فأنا الراحم الرحيم وأنا الودود العلي، وأنا المنان العظيم، وأنا العزيز الكريم، فإذا أرسلت رسولا أعطيته برهانا وأنزلت عليه كتابا. فمن آمن بي وبرسولي فأولئك هم المفلحون الفائزون، ومن كفر بي وبرسولي فاولئك هم الخاسرون الذين استحقوا عذابي، فقالوا: يا أمير المؤمنين نحن آمنا بالله وبرسوله وتوكلنا عليه، فقال علي عليه السلام: اللهم اشهد على ما يقولون وأنا العليم الخبير بما يفعلون. ثم قال عليه السلام: قوموا على اسم الله وبركاته، قال فقمنا معه حتى أتى بالجبانة ولم يكن في ذلك الموضع ماء، قال: فنظرنا فإذا روضة خضراء ذات ماء، وإذا في الروضة غدران (1) وفي الغدران حيتان، فقلنا: والله إنها لدلالة الامامة فأرنا غيرها يا أمير المؤمنين وإلا قد أدركنا بعض ما أردنا، فقال عليه السلام: " حسبي الله ونعم الوكيل " ثم أشار بيده العليا نحو الجبانة فإذا قصور كثيرة مكللة بالدر والياقوت والجواهر وأبوابها من الزبرجد الاخضر، وإذا في القصور حور وغلمان وأنهار وأشجار وطيور ونبات كثيرة، فبقينا متحيرين متعجبين، وإذا وصائف وجواري وولدان وغلمان كالؤلؤ المكنون، فقالوا: يا أمير المؤمنين لقد اشتد شوقنا إليك وإلى شيعتك و أوليائك فأومأ إليهم بالسكوت، ثم ركض الارض برجله فانفلقت الارض عن منبر من ياقوت أحمر فارتقى إليه، فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على نبيه صلى الله عليه وآله ثم قال: غمضوا أعينكم، فغمضنا أعيننا، فسمعنا حفيف أجنحة الملائكة بالتسبيح والتهليل

 

(1) بالضم جمع الغدير: النهر: قطعة من الماء يتركها السيل.

 

[55]

والتحميد والتعظيم والتقديس، ثم قاموا بين يديه قالوا: مرنا بأمرك يا أمير المؤمنين و خليفة رب العالمين صلوات الله عليك، فقال عليه السلام: يا ملائكة ربي ائتوني الساعة بإبليس الابالسة وفرعون الفراعنة، قال: فوالله ما كان بأسرع من طرفة عين حتى أحضروه عنده، فقال عليه السلام: ارفعوا أعينكم، قال: فرفعنا أعيننا ونحن لا نستطيع أن ننظر إليه من شعاع نور الملائكة فقلنا: يا أمير المؤمنين الله الله في أبصارنا فما ننظر شيئا البتة، وسمعنا صلصلة (1) السلاسل واصطكاك الاغلال، وهبت ريح عظيمة، فقالت الملائكة: يا خليفة الله زد الملعون لعنة وضاعف عليه العذاب، فقلنا: يا أمير المؤمنين الله الله في أبصارنا ومسامعنا، فوالله ما نقدر على احتمال هذا السر والقدر، قال: فلما جروه بين يديه قام وقال: واويلاه من ظلم آل محمد واويلاه من اجترائي عليهم، ثم قال: يا سيدي ارحمني فإني لا أحتمل هذا العذاب، فقال عليه السلام: لا رحمك الله ولا غفر لك أيها الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان، ثم التفت إلينا وقال عليه السلام: أنتم تعرفون هذا باسمه وجسمه ؟ قلنا: نعم يا أمير المؤمنين، فقال عليه السلام: سلوه حتى يخبركم من هو، فقالوا: من أنت ؟ فقال: أنا إبليس الابالسة وفرعون هذه الامة أنا الذي جحدت سيدي ومولاي أمير المؤمنين وخليفة رب العالمين، وأنكرت آياته ومعجزاته. ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: يا قوم غمضوا أعينكم، فغمضنا أعيننا فتكلم عليه السلام بكلام أخفى، فإذا نحن في الموضع الذي كنا فيه لا قصور ولا ماء ولا غدران ولا أشجار. قال الاصبغ بن نباتة رضي الله عنه: والذي أكرمني بما رأيت من تلك الدلائل والمعجزات ما تفرق القوم حتى ارتابوا وشكوا ! وقال بعضهم: سحر وكهانة و إفك ! فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن بني إسرائيل لم يعاقبوا ولم يمسخوا إلا بعد ما سألوا الآيات والدلالات، فقد حلت عقوبة الله بهم، والآن حلت لعنة الله فيكم وعقوبته عليكم، قال الاصبغ بن نباته رضي الله عنه: إني أيقنت أن العقوبة حلت بتكذيبهم الدلالات والمعجزات.

 

(1) الصلصلة: الصوت.

 

[56]

عن عمار (1) بن ياسر رضي الله عنه قال: كنت عند أمير المؤمنين جالسا بمسجد الكوفة ولم يكن سواي أحد فيه، وإذا هو يقول: صدقيه صدقيه، فالتفت يمينا وشمالا فلم أر أحدا، فبقيت متعجبا فقال لي: يا عمار كأني بك تقول: لمن يكلم علي ؟ فقلت: هو كذلك يا أمير المؤمنين، فقال: ارفع رأسك، فرفعت رأسي وإذا أنا بحمامتين يتجاوبان، فقال لي: يا عمار أتدري ما تقول إحداهما للاخرى ؟ فقلت: لا وعيشك يا أمير المؤمنين، قال: تقول الاثنى للذكر أنت استبدلت بي غيري و هجرتني وأخذت سواي، وهو يحلف لها ويقول: ما فعلت ذلك، وهي تقول: ما اصدقك، فقال لها: وحق هذا القاعد في هذا الجامع ما استبدلت بك سواك ولا أخذت غيرك، فهمت أن تكذبه فقلت لها: صدقيه صدقيه، قال عمار: يا أمير - المؤمنين ما علمت أحدا يعلم منطق الطير إلا سليمان بن داود عليهما السلام فقال له: يا عمار والله إن سليمان بن داود عليهما السلام سأل الله تعالى بنا أهل البيت حتى علم منطق الطير.

 

(1) في (خ): نقل من كتاب صفوة الاخبار عن الائمة الاطهار اه‍.

 

[57]

(أبواب) * (ما يتعلق به ومن ينتسب إليه) *. 118. (باب) * (أسلحته وملابسه ومراكبه ولوائه وساير ما يتعلق به صلوات الله) * * (عليه من أشباه ذلك) * 1 - قب: تفسير السدي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: " و أنزلنا الحديد " (1) قال: أنزل الله آدم من الجنة معه ذو الفقار، خلق من ورق آس (2) الجنة، ثم قال: " فيه بأس شديد " فكان به يحارب آدم أعداءه من الجن والشياطين، وكان عليه مكتوبا: لا يزال أنبيائي يحاربون به نبي بعد نبي وصديق بعد صديق حتى يرثه أمير المؤمنين عليه السلام فيحارب به عن النبي الامي " ومنافع للناس " لمحمد صلى الله عليه واله وعلي " إن الله قوي عزيز " منيع من النقمة بالكفار بعلي بن أبي طالب عليه السلام. وقد روى كافة أصحابنا أن المراد بهذه الآية ذو الفقار، انزل (3) من السماء، على النبي صلى الله عليه واله فأعطاه عليا، وسئل الرضا عليه السلام من أين هو ؟ فقال: هبط به جبرئيل من السماء، وكان حليه من فضة، وهو عندي. وقيل: أمر جبرئيل عليه السلام أن يتخذ من صنم حديد في اليمن فذهب علي وكسره، فاتخذ منه سيفان مخدم وذو الفقار، وطبعهما (4) عمير الصيقل. وقيل: صار إليه يوم بدر،

 

(1) سورة الحديد: 25. (2) الاس: شجر يعرف بالريحان. (3) في المصدر: انزل به. (4) طبع السيف: عمله وصاغه.

 

[58]

أخذه من العاص بن منبه السهمي وقد قتله. وقيل: كان من هدايا بلقيس إلى سليمان. وقيل: أخذه من منبه بن الحجاج السهمي في غزاة بني المصطلق بعد أن قتله. وقيل: كان سعف نخل نفث فيه النبي صلى الله عليه واله فصار سيفا. وقيل: صار إلى النبي صلى الله عليه واله يوم بدر فأعطاه عليا، ثم كان مع الحسن ثم مع الحسين إلى أن بلغ المهدي عليهم السلام. سئل الصادق عليه السلام: لم سمي ذو الفقار ؟ فقال: إنما سمي ذو الفقار لانه ما ضرب به أمير المؤمنين أحدا إلا افتقر في الدنيا من الحياة وفي الآخرة من الجنة. علان الكليني رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما سمي سيف أمير - المؤمنين عليه السلام ذو الفقار لانه كان في وسطه خطة في طوله مشبهة بفقار الظهر، وزعم الاصمعي أنه كان فيه ثماني عشرة فقارة. تاريخ أبي يعقوب: كان طوله سبعة أشبار وعرضه شبر، في وسطه كالفقار. أبو عبد الله عليه السلام: نظر رسول الله صلى الله عليه واله إلى جبرئيل بين السماء والارض على كرسي من ذهب وهو يقول: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. القاضي أبو بكر الجعابي بإسناده عن الصادق عليه السلام: نادى ملك من السماء يوم احد يقال له رضوان: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. ومثله في إرشاد المفيد وأمالي الطوسي عن عكرمة وأبي رافع، وقد رواه السمعاني في فضائل الصحابة وابن بطة في الابانة، إلا أنهما قالا: يوم بدر. درعه عليه السلام: رآه قيس بن سعد الهمداني في الحرب وعليه ثوبان، فقال: يا أمير المؤمنين في مثل هذا الموضع ؟ فقال: نعم يا قيس إنه ليس من عبد إلا وله من الله حافظ وواقية ملكان يحفظانه من أن يسقط من رأس جبل أو يقع في بئر، فإذا نزل القضاء خليا بينه وبين كل شئ. وكان مكتوبا على درعه عليه السلام: أي يومي من الموت أفر * يوم لا يقدر أم يوم قدر يوم لا يقدر لا أخشى الوغى * يوم قد قدر لا يغني الحذر وروي أن درعه عليه السلام كانت لا قب لها أي لا ظهر لها، فقيل في ذلك فقال:


 

[59]

إن وليت فلا وألت أي نجوت. وكان له مثل الدراهم سايل * على ظهره في الدرع كالسطر إذا سطر (1) مركوبه عليه السلام بغلة بيضاء يقال لها: دلدل، أعطاه رسول الله صلى الله عليه واله وإنما سميت دلدل لان النبي صلى الله عليه واله لما انهزم المسلمون يوم حنين قال: دلدل، فوضعت بطنها على الارض فأخذ النبي صلى الله عليه واله حفنة من تراب فرمى بها في وجوههم، ثم أعطاها عليا عليه السلام وذلك دون الفرس. وقيل له: لم لا تركب الخيل وطلابك كثير ؟ فقال: الخيل للطلب والهرب ولست أطلب مدبرا ولا أنصرف عن مقبل. وفي رواية: أكر على من فر ولا أفر ممن كر والبغلة تزجيني - أي تكفيني -. فصل في لوائه وخاتمه عليه السلام: محمد الكسائي في المبتدء: إن أول حرب كانت بين بني آدم ما كان بين شيث وقابيل، وذلك أن الله تعالى أهدى إليه حلة بيضاء و رفعت الملائكة له رأية بيضاء، فسلسلت الملائكة لقابيل وحملوه إلى عين الشمس و مات فيها، وصارت ذريته عبيد الشيث. وفي الخبر: أول من اتخذ الرايات إبراهيم الخليل عليه السلام. ابن أبي البختري وسائر أهل السير أنه كانت راية قريش ولواؤها جميعا بيدي قصي بن كلاب، ثم لم تزل الراية في يدي عبد المطلب، فلما بعث النبي صلى الله عليه واله أقرها في بني هاشم ودفعها إلى علي عليه السلام في أول غزاة حمل فيها، وهي ودان فلم تزل معه وكان اللواء يومئذ في عبد الدار، فأعطاه النبي صلى الله عليه واله مصعب بن عمير فاستشهد يوم احد، فأخذها النبي صلى الله عليه واله ودفعها إلى علي عليه السلام فجمع يومئذ له الراية واللواء وهما أبيضان، وذكره الطبري في تاريخه والقشيري في تفسيره. تنبيه المذكرين: زيد بن علي عن آبائه عليهم السلام: كسرت زند علي عليه السلام يوم احد وفي يده لواء رسول الله صلى الله عليه واله فسقط اللواء من يده، فتحاماه المسلمون أن يأخذوه فقال رسول الله صلى الله عليه واله: فضعوه في يده الشمال فإنه صاحب لوائي في الدنيا والآخرة.

 

(1) في المصدر: إذ سطر. ولم نفهم المراد من التشبيه.

 

[60]

وفي رواية غيره: فرفعه المقداد وأعطاه عليا عليه السلام، وقال صلى الله عليه واله: أنت صاحب رايتي في الدنيا والآخرة. المواعظ والزواجر عن العسكري أن مالك بن دينار سأل سعيد بن جبير: من كان صاحب لواء النبي صلى الله عليه واله ؟ قال: علي بن أبي طالب. عبد الله بن حنبل أنه لما سأل مالك بن دينار سعيد بن جبير عن ذلك قال: فنظر إلي فقال: كأنك رخي البال، فغضبت وشكوت إلى القراء فقالوا: إنك سألته وهو خائف من الحجاج وقد لاذ بالبيت، فاسأله الآن، فسألته فقال: كان حاملها علي كان حاملها علي، كذا سمعته من عبد الله بن عباس. تاريخ الطبري والبلاذري وصحيحي مسلم والبخاري أنه لما أراد النبي صلى الله عليه واله أن يخرج إلى بدر اختار كل قوم راية، فاختار حمزة حمراء، وبنو امية خضراء وعلي بن أبي طالب عليه السلام صفراء، وكانت راية النبي صلى الله عليه واله بيضاء، فأعطاها عليا يوم خيبر لما قال: لاعطين الراية غدا رجلا، الخبر. وكان النبي صلى الله عليه واله عقد لحمزة ولعبيدة بن الحارث ولسعد بن أبي وقاص ألوية بيضاء. وكان مكتوبا على علم أمير المؤمنين عليه السلام: الحرب إن باشرتها فلا يكن منك الفشل * واصبر على أهوالها لا موت إلا بالاجل وعلى رايته عليه السلام: هذا علي والهدى يقوده * من خير فتيان قريش عوده وحدثني ابن كادش في تكذيب العصابة العلوية في ادعائهم الامامة النبوية أن النبي صلى الله عليه واله رأى العباس في ثوبين أبيضين فقال: إنه لابيض الثوبين، وهذا جبرئيل يخبرني أن ولده يلبسون السواد. عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب صفين أنه نشر عمرو بن العاص في يوم صفين راية سوداء الخبر. وفي أخبار دمشق عن أبي الحسين محمد بن عبد الله الرازي قال ثوبان: قال


 

[61]

النبي صلى الله عليه واله: يكون لبني العباس رايتان مركزهما كفر وأعلاهما ضلالة، إن أدركتها يا ثوبان فلا تستظل بظلهما (1). ابي بن كعب: أول الرايات السود نصر وأوسطها غدر وآخرها كفر، فمن أعانهم كان كمن أعان فرعون على موسى. تاريخ بغداد قال أبو هريرة: قال النبي صلى الله عليه واله: إذا أقبلت الرايات السود من قبل المشرق فإن أولها فتنة وأوسطها هرج وآخرها ضلالة. أخبار دمشق عن النبي صلى الله عليه واله: أبو أمامة في خبر: أولها منشور وآخرها مثبور (2). تاريخ الطبري: إن إبراهيم الامام أنفذ إلى أبي مسلم لواء النصرة وظل السحاب، وكان أبيض طوله أربعة عشر ذراعا، مكتوب عليها بالحبر " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (3) " فأمر أبو مسلم غلامه أرقم أن يتحول بكل لون من الثياب، فلما لبس السواد قال: معه هيبة، فاختاره خلافا لبني امية وهيبة للناظر، وكانوا يقولون: هذا السواد حداد (4) آل محمد صلى الله عليه واله وشهداء كربلاء وزيد ويحيى. خاتمه عليه السلام: سلمان الفارسي عن النبي صلى الله عليه واله قال: يا علي تختم بالعقيق تكن من المقربين، قال: يا رسول الله وما المقربون ؟ قال: جبرائيل وميكائيل، قال: فبم أتختم يا رسول الله ؟ قال بالعقيق الاحمر. ابن عباس وصعصعة وعائشة أنه هبط جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه واله فقال: يا محمد ربي يقرؤك السلام ويقول لك: البس خاتمك بيمينك، واجعل فصه عقيقا، و قل لابن عمك: يلبس خاتمه بيمينه ويجعل فصه عقيقا، فقال علي: يا رسول الله وما العقيق ؟ قال: العقيق جبل في اليمن. والخبر مذكور في فضل الميثاق.

 

(1) في المصدر: بظلها. (2) أي ملعون ومطرود. (3) سورة الحج: 39. (4) الحداد - بالكسر -: ثياب المأتم السود.

 

[62]

زياد القندي عن موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال النبي صلى الله عليه واله: لما كلم الله موسى بن عمران على جبل طور سيناء اطلع على الارض اطلاعة فخلق من نور وجهه العقيق، وقال: أقسمت على نفسي أن لا اعذب كف لابسك إذا تولى عليا عليه السلام بالنار. ابن عباس والسدي: كان لامير المؤمنين عليه السلام أربعة خواتيم: ياقوت لنبله (1) فيروزج لنصره، حديد صيني لقوته، عقيق لحرزه. صحيح البخاري وشمائل الترمذي عن عبد الله بن جعفر، وجامع البيهقي عن جابر وعن أنس، وتختم. عبد الرحمن السلمي عن ابن المسيب عن زين العابدين عن أبيه عليهما السلام، وتختم محمد بن يحيى بن المحتسب عن هاشم بن عروة عن أبيه عن عائشة، وعن جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة، وعن نافع عن ابن عمر عن أنس وعن جابر، كلهم عن النبي صلى الله عليه واله أنه كان صلى الله عليه واله يتختم في يمينه. وزاد بعضهم في الرواية: وقبض والخاتم في يمينه. وقال أبو أمامة: كان النبي صلى الله عليه واله يجعل خاتمه في يمينه. عكرمة والضحاك عن ابن عباس أنه كان النبي صلى الله عليه واله: يتختم في اليد اليمنى. شمائل الترمذي وسنن السجستاني: وتختم المحتسب أنه كان علي عليه السلام يتختم في يمينه. جامع البيهقي كان ابن عباس وعبد الله بن جعفر يتختمان في يمينهما. الراغب في محاضراته: كان النبي صلى الله عليه واله وأصحابه يتختمون في أيمانهم، وأول من تختم في يساره معاوية. نتف أبي عبد الله السلامي أن النبي صلى الله عليه وآله كان يتختم في يمينه والخلفاء الاربعة بعده، فنقلها معاوية إلى اليسار، وأخذ الناس بذلك، فبقي كذلك أيام المروانية، فنقلها السفاح إلى اليمين، فبقي إلى أيام الرشيد

 

(1) النبل - بضم النون -: الذكاء والنجابة والفضل والشوكة.

 

[63]

فنقلها إلى اليسار، وأخذ الناس بذلك، واشتهر أن عمرو بن العاص عند التحكيم سلها من يده اليمنى وقال: خلعت الخلافة من علي كخلعي خاتمي هذا من يميني وجعلتها في معاوية كما جعلت هذا في يساري. نقوش الخواتيم عن الجاحظ أنه كان آدم وإدريس وإبراهيم وإسماعيل و إسحاق وإلياس ويعقوب وداود وسليمان ويوسف ودانيال ويوشع وذو القرنين ويونس ولوط وهود وشعيب وزكريا ويحيى وصالح وعزير وأيوب ولقمان وعيسى ومحمد عليهم السلام يتختمون في أيمانهم. الصعقب (1) بن زهير أنه سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن التختم في اليمين فقال عليه السلام: إنه لما أنزل الله على نبيه " قل تعالوا ندع أبنائنا (2) " الآية قال جبرئيل عليه السلام: يا رسول الله ما من نبي إلا وأنا بشيره ونذيره، فما افتخرت بأحد من الانبياء إلا بكم أهل البيت، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل أنت منا، فقال جبرئيل: أنا منكم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أنت منا يا جبرئيل، فقال: يارسول الله بين لي ليكون لي فرج لامتك، فأخذ النبي صلى الله عليه وآله خاتمه بشماله فقال: أنا رسول الله أولكم، وثانيكم علي، وثالثكم فاطمة، ورابعكم الحسن، وخامسكم الحسين، و سادسكم جبرئيل، وجعل خاتمه في إصبعه اليمنى فقال: أنت سادسنا يا جبرئيل، فقال جبرئيل: يا رسول الله ما من أحد تختم في يمينه (3) وأراد بذلك سنتك ورأيته يوم القيامة متحيرا إلا أخذت بيده وأوصلته إليك وإلى أمير المؤمنين علي بن أبي - طالب عليه السلام (4). 2 - يف: ابن المغازلي بإسناده إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن المنادي نادى

 

(1) في المصدر " الصقعب ". وفي هامشه: بتقديم القاف على العين المهملة - وزان جعفر - ابن زهير بن عبد الله بن زهير الازدي الكوفى. قال ابن حجر في التقريب: ثقة من السادسة (2) سورة آل عمران: 61. (3) في المصدر: بيمينه. (4) مناقب آل ابى طالب 2: 69 - 75.

 

[64]

يوم احد: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي. وروي أيضا أن المنادي كان قد نادى بذلك يوم البدر. وروى أيضا بإسناده إلى محمد بن علي الباقر عليهما السلام قال: نادى ملك من السماء يوم بدر ويقال له رضوان: لا سيف إلا ذو الفقار ولافتى إلا علي (1). 3 - قب: كان له عليه السلام بغلة يقال له الشهباء ودلدل، أهداها إليه النبي صلى الله عليه وآله (2) 4 - كا: حميد، عن عبيدالله الدهقان، عن الطاطري، عن محمد بن زياد، عن أبان، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: علي عليه السلام شد على بطنه يوم الجمل بعقال أبرق نزل به جبرئيل من السماء، وكان النبي صلى الله عليه وآله يشد به على بطنه إذا لبس الدرع (3). 5 - ن: هاني بن محمد بن محمود العبدي، عن أبيه رفعه، عن موسى بن جعفر عليهما السلام فيما ناظر به الرشيد في تفضيل العزة (4) قال عليه السلام: إن العلماء قد أجمعوا على أن جبرئيل قال يوم احد: يا محمد إن هذه لهي المواساة من علي، قال صلى الله عليه وآله: لانه مني وأنا منه، قال جبرئيل عليه السلام: وأنا منكما يا رسول الله، ثم قال: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، فكان كما مدح الله عزوجل به خليله عليه السلام إذ يقول " فتى يذكرهم يقال له إبراهيم " إنا معشر بني عمك نفتخر بقول جبرئيل عليه السلام إنه منا (5). 6 - لى، مع: ابن إدريس، عن أبيه، عن ابن أبي الخطاب وابن يزيد ومحمد ابن أبي الصهبان جميعا، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن الصادق، عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: إن أعرابيا أتى رسول الله فخرج إليه في رداء ممشق، فقال: يا محمد لقد خرجت إلي كأنك فتى، فقال صلى الله عليه واله: نعم يا أعرابي أنا الفتى، ابن الفتى أخو الفتى، فقال: يا محمد أما الفتى فنعم فكيف ابن الفتى وأخو الفتى ؟ فقال: أما

 

(1) الطرائف: 22. (2) مناقب آل ابى طالب 2: 77. (3) روضة الكافي: (4) العترة ظ 0 ؟ ؟ (ب) (5) عيون الاخبار: 49 والطبعة الحديثة ج 1: 85.

 

[65]

سمعت الله عزوجل يقول: " قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم (1) " فأنا ابن إبراهيم، وأما أخو الفتى فإن مناديا نادى من السماء (2) يوم احد: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي، فعلي أخي وأنا أخوه (3). قب: مرسلا مثله (4). 7 - ع، مع: ابن عصام، عن الكليني، عن علان رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: إنما سمي سيف أمير المؤمنين عليه السلام ذا الفقار لانه كان في وسطه خطة في طوله فشبه (5) بفقار الظهر، فسمي ذاالفقار لذلك، وكان سيفا نزل به جبرئيل عليه السلام من السماء، كانت حلقته فضة، وهو الذي نادى به مناد من السماء: لا سيف إلا ذواالفقار ولا فتى إلا علي (6). أقول: قد مضى بعض أخبار الباب في باب غزوة احد. 8 - ن، لى: ابن المتوكل، عن محمد العطار، عن اليقطيني، عن أحمد بن عبد الله قال: سألت الرضا عليه السلام عن ذي الفقار سيف رسول الله صلى الله عليه واله من أين هو ؟ فقال هبط به جبرئيل عليه السلام من السماء، وكان حليته من فضة وهو عندي (7). ير: عبد الله بن جعفر، عن محمد بن عيسى، عن أحمد بن عبد الله مثله (8). 9 - ع: الهمداني، عن علي، عن أبيه، عن البزنطي وابن أبي عمير معا، عن أبان بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما كان يوم احد انهزم أصحاب

 

(1) سورة الانبياء: 60. (2) في المعاني: في السماء. (3) امالي الصدوق: 120 و 121. معاني الاخبار: 119. (4) لم نظفر به في المناقب. (5) في المعاني: تشبه. (6) علل الشرائع: 64. معاني الاخبار: 63. (7) عيون الاخبار: 214. امالي الصدوق: 174. (8) بصائر الدرجات: 48.

 

[66]

رسول الله صلى الله عليه واله حتى لم يبق معه إلا علي بن أبي طالب عليه السلام وأبو دجانة (1) وكان علي عليه السلام كلما حملت طائفة على رسول الله صلى الله عليه واله استقبلهم وردهم حتى أكثر فيهم القتل والجراحات، حتى انكسر سيفه، فجاء إلى النبي صلى الله عليه واله فقال: يا رسول الله إن الرجل يقاتل بسلاحه وقد انكسر سيفي، فأعطاه عليه السلام سيفه ذاالفقار، فما زال يدفع به عن رسول الله صلى الله عليه واله حتى أثر وأنكر (2)، فنزل جبرئيل عليه السلام وقال: يا محمد إن هذه لهي المواساة من علي لك، فقال النبي صلى الله عليه واله: إنه مني وأنا منه، فقال جبرئيل عليه السلام: وأنا منكما، وسمعوا دويا من السماء: لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي (3). 10 - ع: الدقاق وابن عصام معا، عن الكليني، عن القاسم بن العلاء، عن إسماعيل الفزاري، عن محمد بن جمهور العمي، عن ابن أبي نجران، عمن ذكره، عن الثمالي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام فقلت: يا ابن رسول الله لم سمي سيف أمير - المؤمنين عليه السلام ذاالفقار ؟ فقال عليه السلام: لاأنه ما ضرب به أحد من خلق الله إلا أفقره في هذه الدنيا (4) من أهله وولده، وأفقره في الآخرة من الجنة (5). أقول: قد مر الاخبار في باب علامات الامام أنه عند الائمة عليهم السلام. 11 - ما: المفيد، عن علي بن محمد بن مالك، عن أحمد بن عبد الجبار، عن بشر بن بكر، عن محمد بن إسحاق، عن مشيخته قال: سمع يوم احد - وقد هاجت ريح عاصف - كلام هاتف يهتف وهو يقول:

 

(1) في المصدر: وابو دجانة سماك بن خرشة، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: يا بادجانة أما ترى قومك ؟ قال: بلى، قال: الحق بقومك، قال: ما على هذا بايعت الله ورسوله قال: أنت في حل، قال: والله لا تتحدث قريش بأنى خذلتك وفررت حتى أذوق ما تذوق، فجزاه النبي خيرا اه‍. (2) كذا في النسخ. وفى المصدر: وانكسر. (3) علل الشرايع: 14. (4) في المصدر: من هذه الدنيا. (5) علل الشرايع: 64.

 

[67]

لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي * وإذا ندبتم هالكا فابكوا الوفي أخا الوفي (1) 12 - ير: عباد بن سليمان، عن سعد بن سعد، عن يحيى، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: قال: آتى أبي بسلاح رسول الله صلى الله عليه واله وقد دخل عمومتي من ذلك فقال كلمة، فقال صفوان: وذكرنا سيف رسول الله فقال: أتاني إسحاق بن جعفر فعظم علي وسألني له بالحق والحرمة: السيف الذي أخذه هو سيف رسول الله صلى الله عليه واله ؟ قال: فقلت: لا كيف يكون هذا وقد قال أبو جعفر عليه السلام: مثل السلاح فينا مثل التابوت في بني إسرائيل حيث ما دار دار الامر، قال: فسألته عن ذي الفقار سيف رسول الله صلى الله عليه واله فقال: نزل به جبرئيل من السماء، وكانت حليته فضة، وهو عندي (2). بيان: " فقال كلمة " أي فقال عليه السلام بعد ذلك كلمة نسيتها أولا أرى المصلحة في ذكرها والحاصل أنه عليه السلام قال: إن أبي أعطاني سلاح رسول الله صلى الله عليه واله ودخل عمومتي من ذلك حسد علي، ثم ذكر عليه السلام أن إسحاق عمه أتاه وأقسم عليه بالحق والحرمة أن السيف الذي أخذه المأمون منه عليه السلام هل هو سيف رسول الله ؟ فأجاب عليه السلام بأنه لم يكن سيف رسول الله صلى الله عليه واله لان سيفه لا يكون إلا عند الامام. 13 - شف: محمد بن جرير الطبري قال في كتابه ما لفظه: أبو جعفر، عن داود بن عمر، عن روح بن عبد الله، عن أبي الاحوص عبد الله بن يسار، عن زرارة بن أعين، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: إن الله تبارك وتعالى أعطاني ذاالفقار، قال: يا محمد خذه وأعطه خير أهل الارض، فقلت: من ذلك يا رب ؟ فقال: خليفتي في الارض علي بن أبي طالب عليه السلام. وأن ذاالفقار كان ينطق مع علي عليه السلام ويحدثه حتى أنه هم يوما يكسره (3) فقال: مه يا أمير المؤمنين إني مأمور، وقد بقي في أجل المشرك تأخيرا. أقول: إنما يمكن أن يكون قد سقط بعد

 

(1) أمالى الشيخ: 88 و 89. (2) بصائر الدرجات: 51. (3) في المصدر: بكسره.

 

[68]

قوله " هم يوم يكسره ": وقد ضرب به مشركا فلم يقتله (1). 14 - ب: هارون، عن ابن صدقة، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام أن خاتم رسول الله كان من فضة، ونقشه: محمد رسول الله. وكان نقش خاتم علي عليه السلام، الله الملك. و كان نقش خاتم والدي رضي الله عنه: العزة لله (2). 15 - ب: أبوالبختري، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: كان نقش خاتم علي عليه السلام: الملك لله (3). 16 - لى، ن: أبي، عن سعد، عن البرقي، عن محمد بن علي الكوفي، عن الحسن بن أبي العقبة الصيرفي، عن الحسين بن خالد، عن الرضا عليه السلام قال: كان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه السلام: الملك لله، تمام الخبر (4). 17 - ع، ل: محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق، عن محمد بن أحمد بن سعيد، عن محمد بن مسلم بن زرارة، عن محمد بن يوسف، عن سفيان الثوري، عن إسماعيل السدي، عن عبد خير قال: كان لعلي عليه السلام أربعة خواتيم يتختم بها: ياقوت لنبله وفيروزج لنصرته (5) والحديد الصيني لقوته، وعقيق لحرزه، وكان نقش الياقوت: لا إله إلا الله الملك الحق المبين، ونقش الفيروزج: الله الملك الحق (6) ونقش الحديد الصيني: العزة لله جميعا، ونقش العقيق ثلاثة أسطر: ما شاء الله لا قوة إلا بالله أستغفر الله (7). 18 - ع: ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير قال: قلت لابي الحسن موسى عليه السلام: أخبرني عن تختم أمير المؤمنين عليه السلام بيمينه

 

(1) اليقين في امرة أمير المؤمنين: 48. (2) قرب الاسناد: 31. (3) قرب الاسناد: 72. (4) امالي الصدوق: 274. عيون الاخبار: 218. (5) في العلل: لبصره. (6) في العلل: الله الملك الحق المبين. (7) علل الشرائع: 63 و 64 الخصال 1: 93.

 

[69]

لاي شئ كان ؟ فقال: إنما كان يتختم بيمينه لانه إمام أصحاب اليمين بعد رسول الله صلى الله عليه واله وقد مدح الله عزوجل أصحاب اليمين وذم أصحاب الشمال، وقد كان رسول الله صلى الله عليه واله يتختم بيمينه، وهو علامة لشيعتنا، يعرفون به وبالمحافظة على أوقات الصلاة وإيتاء الزكاة ومواساة الاخوان والامر بالمعروف والنهي عن المنكر (1). قب: عن ابن أبي عمير مثله. 19 - ع: عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب القرشي، عن منصور بن عبد الله الاصفهاني، عن علي بن عبد الله، عن عباس بن العباس، عن سعيد الكندي، عن عبد الله بن حازم الخزاعي، عن إبراهيم بن موسى الجهني، عن سلمان الفارسي قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله لعلي: يا علي تختم باليمين تكن من المقربين، قال: يا رسول الله وما المقربون ؟ قال: جبرئيل وميكائيل، قال بما أتختم يا رسول الله ؟ قال: بالعقيق الاحمر، فإنه أفر لله عزوجل بالوحدانية، ولي بالنبوة، ولك يا علي بالوصية، ولولدك بالامامة، ولمحبيك بالجنة، ولشيعة ولدك بالفردوس (2). 20 - ثو: أبي، عن أحمد بن إدريس، عن الاشعري، عن يوسف بن السخت عن الحسن بن سهل، عن ابن مهزيار قال: دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام فرأيت في يده خاتما فصه فيروزج نقشه: الله الملك، فقال: هذا (3) حجر أهداه جبرئيل لرسول الله صلى الله عليه واله من الجنة، فوهبه رسول الله صلى الله عليه واله لعلي عليه السلام، الخبر (4). 21 - كا: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن الحسن (5) بن علي العقيلي، عن علي بن أبي علي اللهبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: عمم رسول الله صلى الله عليه واله عليا عليه السلام بيده، فسد لها من بين يديه وقصرها من خلفه قدر أربع أصابع، ثم قال: أدبر فأدبر، ثم قال: أقبل فأقبل، فقال (6): هكذا تيجان

 

(1 و 2) علل الشرايع: 64. (3) في المصدر: فأدمت النظر إليه فقال: مالك تنظر فيه ؟ هذا حجر اه‍. (4) ثواب الاعمال: 169 و 170. (5) في المصدر: الحسن. (6) في المصدر: ثم قال

 

[70]

الملائكة (1). 22 - كا: علي بن محمد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق الاحمر، عن الحسن ابن سهل، عن الحسن بن علي بن مهران قال: دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام وفي إصبعه خاتم فصه فيروزج نقشه " الله الملك " فأدمت النظر إليه فقال لي: ما لك تديم النظر إليه ؟ فقلت: بلغني أنه كان لعلي أمير المؤمنين عليه السلام خاتم فصه فيروزج نقشه " الله الملك " فقال: أتعرفه ؟ فقلت: لا، قال: هذا هو، تدري ما سببه ؟ قلت: لا، قال: هذا حجر أهداه جبرئيل إلى رسول الله صلى الله عليه واله فوهبه رسول الله صلى الله عليه واله لامير المؤمنين عليه السلام، أتدري ما اسمه ؟ قلت: فيروزج، قال: هذا بالفارسية، فما اسمه بالعربية ؟ قلت: لا أدري، قال: اسمه الظفر (2). 23 - كا: العدة، عن البرقي، عن محمد بن علي، عن العرزمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه يتختم في يمينه (3). 24 - كا: العدة، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان نقش خاتم أمير المؤمنين عليه السلام: الله الملك (4). 25 - كا: علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن ابن ظبيان و حفص بن غياث، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان في خاتم أمير المؤمنين عليه السلام: الله الملك (5). كا: العدة، عن سهل، عن محمد بن عيسى، عن الحسين بن خالد، عن الرضا عليه السلام مثله (6).

 

(1) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 461. (2) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 472. (3) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 470. (4) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة: 473. وفيه وفى (خ): الملك لله. (5) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 473. (6) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 474.

 

[71]

26 - كا: أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل عن أبي الصباح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان علي عليه السلام يحلي ولده ونساءه بالذهب والفضة (1). 119. (باب) * (صدقاته ومواليه عليه السلام) * 1 - كا: علي، عن أبيه أو قال: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن عبد الرحمن، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أوصى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: إن أبا نيزر ورباحا وجبيرا عتقوا على أن يعملوا في المال خمس سنين (2). 2 - كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر، عن يحيى الحلبي، عن أيوب بن عطية الحذاء قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قسم النبي صلى الله عليه واله الفئ، فأصاب علي عليه السلام أرضا (3) فاحتفر فيها عينا فخرج ماء ينبع في السماء كهيئة عنق البعير، فسماها ينبع، فجاء البشير يبشر فقال عليه السلام: بشر الوارث هي صدقة بتة بتلافي حجيج بيت الله وعابر (4) سبيل الله، لا تباع ولا توهب ولا تورث، فمن باعها أو وهبها فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا (5). 3 - كا: أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، ومحمد بن إسماعيل، عن الفضل، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: بعث إلي

 

(1) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 475. (2) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 179. (3) في المصدر: فاصاب عليا ارضا. (4) في المصدر: وعابري. (5) فروع الكافي (الجزء السابع من الطبعة الحديثة): 54 و 55. وقد اوردها بعينها في باب سخائه عليه السلام راجع ج 41 ص 39 و 40.

 

[72]

أبو الحسن عليه السلام بوصية أمير المؤمنين عليه السلام وهي: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به وقضى به في ماله عبد الله علي ابتغاء وجه الله، ليولجني به الجنة ويصرفني به عن النار ويصرف النار عني يوم تبيض وجوه وتسود وجوه، إن ما كان لي من ينبع (1) مال يعرف لي فيها وما حولها صدقة ورقيقها، غير أن رباحا وأبا نيزر وجبيرا عتقاء ليس لاحد فيهم سبيل، فهم موالي يعملون في المال خمس حجج وفيه نفقتهم ورزقهم وأرزاق أهاليهم، ومع ذلك ما كان لي بوادي القرى من مال بني فاطمة (2) ورقيقها صدقة، وما كان لي بديمة وأهلها صدقة، غير أن زريقا له مثل ما كتبت لاصحابه، وما كان لي بادينه وأهلها والعفرتين (3) كما قد علمتم صدقة في سبيل الله، وإن الذي كتبت من أموالي هذه صدقة واجبة بتلة حيا أنا أو ميتا، ينفق في كل نفقة يبتغي بها وجه الله في سبيل الله ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب والقريب والبعيد، فإنه يقوم على ذلك الحسن بن علي، يأكل منه بالمعروف وينفقه حيث يراه الله عزوجل في حل محلل لا حرج عليه فيه، فإن أراد أن يبيع نصيبا من المال فيقضي به الدين فليفعل إن شاء، لا حرج عليه فيه، وإن شاء جعله سرى الملك، وإن ولد علي ومواليهم وأموالهم إلى الحسن بن علي، وإن كانت دار الحسن بن علي غير دار الصدقة فبداله أن يبيعها فليبع إن شاء لا حرج عليه فيه، وإن باع فإنه يقسم ثمنها ثلاثة أثلاث فيجعل ثلثها (4) في سبيل الله، ويجعل ثلثا في بني هاشم وبني المطلب ويجعل الثلث في آل أبي طالب، وإنه يضعه فيهم حيث يراه الله، وإن حدث بحسن

 

(1) في المصدر: من مال ينبع. (2) في المصدر: بوادي القرى كله من مال لبنى فاطمة. (3) كذا في النسخ وفى المصدر: وما كان لى باذينة وأهلها صدقة، والفقيرين اه‍. قال في المراصد (3: 1039): الفقير الحفيرة للنخلة تغرس فيها، وهو ركى بعينه. وفقير - بالتصغير موضع قرب خيبر. (4) في المصدر: ثلثا. (*)

 

[73]

حدث وحسين حي فإنه إلى حسين بن علي، وإن حسينا يفعل فيه مثل الذي أمرت به حسنا، له مثل الذي كتبت للحسن وعليه مثل الذي على حسن، وإن [الذي] لبني ابني فاطمة (1) من صدقة علي مثل الذي لبني علي، وإني إنما جعلت الذي جعلت لابني فاطمة ابتغاء وجه الله عزوجل وتكريم حرمة رسول الله صلى الله عليه واله وتعظيمها وتشريفها (2) ورضاهما، وإن حدث بحسن وحسين حدث فإن الآخر منهما ينظر في بني علي، فإن وجد فيهم من يرضى بهديه (3) وإسلامه وأمانته فإنه يجعل إليه إن شاء، فإن لم ير فيهم بعض الذي يريده فإنه يجعله إلى رجل من آل أبي طالب يرضى به، فإن وجد آل أبي طالب قد ذهب كبراؤهم وذو وآرائهم فإنه يجعله إلى رجل يرضاه من بني هاشم، وإنه يشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على اصوله وينفق ثمره حيث أمرته به من سبيل الله ووجهه وذوي الرحم من بني هاشم وبني المطلب والقريب والبعيد، لا يباع منه شئ ولا يوهب ولا يورث وإن مال محمد بن علي على ناحيته وهو إلى ابني فاطمة، وإن رقيقي الذين في صحيفة صغيرة التي كتبت لي عتقاء. هذا ما قضى به علي بن أبي طالب في أمواله هذه الغد من يوم قدم مسكن ابتغاء وجه الله والدار الآخرة والله المستعان على كل حال، ولا يحل لامرئ مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يغير شيئا مما أوصيت به في مالي (4) ولا يخالف فيه أمري من قريب ولا بعيد. أما بعد فإن ولائدي اللاتي أطوف عليهن السبعة عشر منهن امهات أولاد معهن أولادهن، ومنهن حبالى ومنهن من لا ولد له، فقضائي فيهن إن حدث بي

 

(1) في المصدر: لبنى فاطمة. (2) في المصدر: وتعظيمهما وتشريفهما. (3) الهدى: الطريقة والسيرة. وفي المصدر و (م) و (خ): بهداه. (4) كذا في (ك) وفي غيره من النسخ وكذا المصدر: أن يقول في شئ قضيته من مالى ولا يخالف اه‍.

 

[74]

حدث أن من كانت (1) منهن ليس لها ولد وليست بحبلى فهي عتيق لوجه الله عز وجل، ليس لاحد عليهن سبيل، ومن كانت منهن لها ولد أو حبلى فتمسك على ولدها وهي من حظه، فإن مات ولدها وهي حية فهي عتيق، ليس لاحد عليها سبيل، هذا ما قضى به علي في ماله، الغد من يوم قدم مسكن، شهد أبو سمر بن أبرهة وصعصعة بن صوحان ويزيد بن قيس وهياج بن أبي هياج، وكتب علي بن أبي طالب عليه السلام بيده لعشر خلون من جمادى الاولى سنة سبع وثلاثين. وكانت الوصية الآخرى مع الاولى (2). 120. (باب) * (أحوال أولاده وأزواجه وامهات أولاده صلوات الله عليه) * * (وفيه بعض الرد على الكيسانية) * 1 - د: كان له عليه السلام سبعة وعشرون ذكرا وانثى: الحسن والحسين و زينب الكبرى وزينب الصغرى المكناة بام كلثوم من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله وأبو القاسم محمد امه خولة بنت جعفر بن الحنفية، وعمر ورقية كانا توأمين امهما الصهباء ويقال: ام حبيب التغلبية، والعباس وجعفر وعثمان وعبد الله الشهداء بكربلاء امهم ام البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة الكلابية، وله من أسماء بنت عميس الخثعمية يحيى وعون، وكان له من ليلى ابنة مسعود الدارمية محمد الاصغر المكنى أبا بكر وعبيدالله، وكان له خديجة وام هانئ وميمونة وفاطمة لام ولد وكان له من ام شعيب الدارمية - وقيل ام مسعود المخزومية - ام الحسن ورملة.

 

(1) في المصدر: انه من كان. (2) فروع الكافي (الجزء السابع من الطبعة الحديثة): 49 - 51: وقد أوردها المصنف بعينها في باب سخائه عليه السلام مع بيان في ذيلها: راجع ج 41 ص 40 - 42.

 

[75]

وأعقب لامير المؤمنين عليه السلام من البنين خمسة: الحسن والحسين عليهما السلام ومحمد والعباس وعمر رضي الله عنهم (1). 2 - من كتاب تذكرة الخواص لابن الجوزي: النسل من ولد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام لخمسة: الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية وعمر الاكبر والعباس وأما عمر الاكبر فعاش خمسا وثمانين سنة حتى حاز نصف ميراث أمير المؤمنين، و روى الحديث، وكان فاضلا، وتزوج أسماء بنت عقيل بن أبي طالب عليه السلام فأولدها محمد [ا] وام موسى وام حبيب، وأما العباس فأول من استشهد مع الحسين عليه السلام، قال الزبير بن بكار: كان للعباس ولد اسمه عبيدالله، كان من العلماء، فمن ولده عبيدالله بن علي بن إبراهيم بن الحسن بن عبيدالله بن عباس بن أمير المؤمنين عليه السلام وكان عالما فاضلا جوادا، طاف الدنيا وجمع كتبا تسمى الجعفرية، فيها فقه أهل البيت عليهم السلام، قدم بغداد فأقام بها وحدث، ثم سافر إلى مصر فتوفي بها سنة اثني عشر وثلاثمائة، ومن نسل العباس بن أمير المؤمنين العباس بن الحسن بن عبيدالله بن العباس، ذكره الخطيب في تاريخ بغداد، فقال: قدم إليها في أيام الرشيد و صحبه، وكان يكرمه، ثم صحب المأمون بعده، وكان فاضلا شاعرا فصيحا، وتزعم العلوية أنه أشعر ولد أبي طالب (2). 3 - ع: المفسر، عن علي بن محمد بن سنان، عن محمد بن يزيد المنقري، عن سفيان بن عيينة قال: قيل للزهري: من أزهد الناس في الدنيا ؟ قال: علي بن الحسين عليهما السلام حيث كان، وقد قيل له - فيما بينه وبين محمد بن الحنفية من المنازعة في صدقات علي بن أبي طالب عليه السلام -: لو ركبت إلى الوليد بن عبد الملك ركبة لكشف عنك من غرر (3) شره وميله عليك بمحمد، فإن بينه وبينه خلة، قال:

 

(1) كتاب العدد القوية لدفع المخاوف اليومية من مؤلفات الشيخ رضى الدين على بن سديد الدين يوسف بن على بن مطهر الحلى مخطوط لم نظفر بنسخته قال المصنف في الفصل الثاني من مقدمه الكتاب وقد اتفق لنا منه نصفه. (2) وجدناها ص 32 من طبعته الحجرية مع تقديم وتأخير واختلاف كثير والكتاب كما عرفت إنما هو للشيخ جمال الدين يوسف ابن أبى الفرج عبد الرحمن بن الجوزى. (3) الغرر: التعريض للهلاك.

 

[76]

وكان هو بمكة والوليد بها - فقال: ويحك أفي حرم الله أسأل غير الله عزوجل ؟ إني أنف إذ أسأل الدنيا خالقها (1) فكيف أسأل مخلوقا مثلي ؟ وقال الزهري: لا جرم إن الله عزوجل ألقى هيبته في قلب الوليد حتى حكم له على محمد بن الحنفية (2). 4 - جا، ما: المفيد، عن محمد بن عمران، عن علي بن عبد الرحيم السجستاني عن أبيه، عن الحسين بن إبراهيم، عن عبد الله بن عاصم، عن محمد بن بشر قال: لما سير ابن الزبير ابن عباس إلى الطائف كتب إليه محمد بن الحنفية: أما بعد فقد بلغني أن ابن الجاهلية سيرك إلى الطائف، فرفع الله - عزوجل اسمه - بذلك لك ذكرا وعظم (3) لك أجرا وحط به عنك وزرا، يا ابن عم إنما يبتلى الصالحون وإنما تهدى (4) الكرامة للابرار، ولو لم توجر إلا فيما تحب إذا قل أجرك، قال الله تعالى: " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم " (5) وهذا مالست أشك أنه خير لك عند بارئك، عزم الله لك على الصبر في البلوى (6) والشكر في النعماء إنه على كل شئ قدير. فلما وصل الكتاب إلى ابن عباس أجاب عنه وقال: أما بعد فقد أتاني كتابك تعزيني فيه على تسييري، وتسأل ربك جل اسمه أن يرفع لي به ذكرا، وهو تعالى قادر على تضعيف الاجر والعائدة بالفضل والزيادة من الاحسان، أما احب أن الذي ركب مني ابن الزبير كان ركبه مني أعداء خلق الله لي احتسابا وذلك في حسناتي ولما أرجو أن أنال به رضوان ربي، يا أخي ! الدنيا قد ولت وإن الآخرة قد أظلت، فاعمل صالحا جعلنا الله وإياك ممن يخافه بالغيب ويعمل لرضوانه في السر والعلانية إنه على كل شئ قدير (7).

 

(1) أي انى اكره السؤال من الله تعالى في النعم الفانية الدنياوية وهو خالقها اه‍. (2) علل الشرايع: 87 و 88. (3) في امالي الطوسى: وأعظم. (4) في امالي الطوسى: تهتدى. (5) سورة البقرة: 216. (6) في امالي المفيد: عظم الله لك الصبر على البلوى. (7) امالي المفيد: 205 و 206. امالي الطوسى: 74 و 75.

 

[77]

(5) ير: محمد بن الحسين، عن نضر بن شعيب، عن خالد بن ماد، عن الثمالي عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: أتى محمد بن الحنفية الحسين بن علي عليهما السلام فقال: أعطني ميراثي من أبي، فقال له الحسين عليه السلام: ما ترك أبوك إلا سبع مائة درهم فضلت من عطاياه، قال: فإن الناس يزعمون فيأتون فيسألوني فلا أجد بدا من أن اجيبهم، قال: فأعطني من علم أبي، فقال: (1) فدعا الحسين عليه السلام قال: فذهب فجاء بصحيفة تكون أقل من شبر أو أكبر من أربع أصابع، قال: فملات شجرة ونحوه علما (2). 6 - خص: سعد بن عبد الله، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن أبي عبيدة وزرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما قتل الحسين بن علي عليهما السلام أرسل محمد بن الحنفية إلى علي بن الحسين عليهما السلام فخلا به ثم قال: يا ابن أخي قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه واله كانت الوصية منه والامامة من بعده إلى علي بن أبي طالب ثم إلى الحسن بن علي ثم إلى الحسين عليهم السلام وقد قتل أبوك ولم يوص، وأنا عمك وصنو أبيك، وولادتي من علي عليه السلام في سني وقد متى و أنا أحق بها منك في حداثتك، لا تنازعني في الوصية والامامة ولا تجانبني، فقال له علي بن الحسين عليهما السلام: يا عم اتق الله ولا تدع ما ليس لك بحق، إني أعظك أن تكون من الجاهلين، إن أبي عليه السلام يا عم أوصى إلي في ذلك قبل أن يتوجه إلى العراق، وعهد إلي في ذلك قبل أن يستشهد بساعة، وهذا سلاح رسول الله صلى الله عليه واله عندي، فلا تتعرض لهذا، فإني أخاف عليك نقص العمر وتشتت الحال، إن الله تبارك وتعالى لما صنع الحسن مع معاوية (3) أبى أن يجعل الوصية والامامة إلا في عقب الحسين عليه السلام فإن رأيت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الاسود حتى نتحاكم إليه ونسأله عن ذلك، قال أبو جعفر عليه السلام: وكان الكلام بينهما بمكة،

 

(1) في المصدر: قال. (2) بصائر الدرجات: 42 و 43. (3) في المصدر بعد ذلك: ما صنع.

 

[78]

فانطلقا حتى أتيا الحجر، فقال علي بن الحسين عليهما السلام لمحمد بن علي: آته يا عم وابتهل إلى الله تعالى أن ينطق لك الحجر، ثم سله عما ادعيت، فابتهل في الدعاء وسأل الله ثم دعا الحجر فلم يجبه، فقال علي بن الحسين عليهما السلام: أما إنك يا عم لو كنت وصيا وإماما لاجابك، فقال له محمد: فادع أنت يا ابن أخي فاسأله، فدعا الله علي بن الحسين عليهما السلام بما أراده ثم قال: أسألك بالذي جعل فيك ميثاق الانبياء والاوصياء وميثاق الناس أجمعين لما أخبرتنا: من الامام والوصي بعد الحسين عليه السلام ؟ فتحرك الحجر حتى كاد أن يزول عن موضعه، ثم أنطقه الله بلسان عربي مبين فقال: اللهم إن الوصية والامامة بعد الحسين بن علي عليهما السلام إلى علي بن الحسين بن علي، ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله فانصرف محمد بن علي، ابن الحنفية وهو يقول: (1) علي بن الحسين (2). 7 - أقول: ذكر الصدوق في كتاب إكمال الدين في بيان خطاء الكيسانية أن السيد بن محمد الحميري رضي الله عنه اعتقد ذلك وقال فيه: ألا إن الائمة من قريش * ولاة الامر أربعة سواء علي والثلاثة من بنيه * هم أسباطنا والاوصياء فسبط سبط إيمان وبر * وسبط قد حوته كربلاء وسبط لا يذوق الموت حتى * يقود الجيش يقدمه اللواء يغيب فلا يرى عنا زمانا * برضوى عنده عسل وماء وقال فيه السيد أيضا: أيا شعب رضوى ما لمن بك لا يرى * فحتى متى تخفى وأنت قريب ؟ فلو غاب عنا عمر نوح لايقنت * منا النفوس بأنه سيؤوب وقال فيه السيد أيضا: ألا حي المقيم بشعب رضوى * وأهد له بمنزله سلاما

 

(1) أي يقول: الامام على بن الحسين. وفي المصدر: وهو يتولى. (2) مختصر البصائر: 14 و 15.

 

[79]

وقل: يا ابن الوصي فدتك نفسي * أطلت بذلك الجبل المقاما أضر بمعشر والوك منا (1) * وسموك الخليفة والاماما فما ذاق ابن خولة طعم موت * ولا وارت له أرض عظاما فلم يزل السيد ضالا في أمر الغيبة يعتقدها في محمد بن علي ابن الحنفية حتى لقي الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام، ورأى منه علامات الامامة، وشاهد منه دلالات الوصية، فسأله عن الغيبة وذكر له أنها حق وأنها (2) تقع بالثاني عشر من الائمة عليهم السلام وأخبره بموت محمد بن علي، ابن الحنفية، وأن أباه شاهد دفنه، فرجع السيد عن مقالته واستغفر من اعتقاده، ورجع إلى الحق عند اتضاحه، ودان بالامامة (3). 8 - حدثنا ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن حمدان بن سليمان: عن محمد بن إسماعيل بن روح (4) عن حيان السراج قال: سمعت السيد بن محمد الحميري يقول: كنت أقول بالغلو وأعتقد غيبة محمد بن علي ابن الحنفية رضي الله عنه، قد ضللت في ذلك زمانا، فمن الله علي بالصادق جعفر بن محمد عليهما السلام وأنقذني به من النار، وهداني إلى سواء الصراط، فسألته بعد ما صح عندي بالدلائل التي شاهدتها منه أنه حجة الله علي وعلى جميع أهل زمانه وأنه الامام الذي فرض الله طاعته وأوجب الاقتداء به فقلت له: يا ابن رسول الله قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السلام في الغيبة وصحة كونها فأخبرني بمن يقع (5) ؟ فقال: عليه السلام: ستقع (6) بالسادس من ولدي، وهو الثاني عشر من الائمة الهداة بعد رسول الله صلى الله عليه واله أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و آخرهم القائم بالحق بقية الله في الارض وصاحب الزمان، والله لو بقي في غيبته ما بقي نوح في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يظهر فيملا الارض قسطا وعدلا كما

 

(1) في المصدر: فمر بمعشر. (2) في المصدر: فذكر له انها حق ولكنها. (3) اكمال الدين: 20. (4) في المصدر: بزيع. (5) في المصدر: تقع. (6) في المصدر: ان الغيبة ستقع.

 

[80]

ملئت ظلما وجورا (1)، قال السيد: فلما سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام تبت إلى الله تعالى ذكره على يديه (2). 9 - أقول: أورد قصيدة عن السيد في ذلك، وقد أوردناها في باب أحوال مداحي الصادق عليه السلام ثم قال: وكان حيان السراج الراوي لهذا الحديث من الكيسانية، ومتى صح موت محمد بن علي ابن الحنفية بطل أن تكون الغيبة التي رويت في الاخبار واقعة به، فمما روي في وفاة محمد بن الحنفية رضي الله عنه ما حدثنا به محمد بن عصام، عن الكليني، عن القاسم بن العلاء، عن إسماعيل بن علي القزويني عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن جعفر بن مختار قال: دخل حيان السراج على الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام فقال له: يا حيان ما يقول أصحابك في محمد ابن الحنفية ؟ قال: يقولون: حي (3) يرزق، فقال الصادق عليه السلام: حدثني أبي عليه السلام أنه كان فيمن عاداه في مرضه وفيمن غمضه وأدخله حفرته وزوج نساؤه وقسم ميراثه، فقال: يا با عبد الله إنما مثل محمد في هذه الامة كمثل عيسى بن مريم شبه أمره للناس، فقال الصادق عليه السلام: شبه أمره على أوليائه أو على أعدائه ؟ قال: بل على أعدائه قال: أتزعم أن أبا جعفر محمد بن علي الباقر عدو عمه محمد بن الحنفية ؟ فقال: لا ثم قال الصادق عليه السلام: يا حيان إنكم صدفتم عن آيات الله، وقد قال الله تبارك و تعالى: " سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون (4) ". 10 - كش: الحسين بن الحسن بن بندار، عن سعد، عن ابن عيسى ومحمد بن عبد الجبار، عن ابن معروف، عن عبد الله بن الصلت، عن حماد بن عيسى، قال: وحدثني علي بن إسماعيل ويعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن الحسين بن المختار القلانسي، عن عبد الله بن مسكان قال: دخل حيان السراج، وذكر نحوه

 

(1) في المصدر: و (م) و (خ): جورا وظلما. (2) اكمال الدين: 20 و 21. (3) في المصدر: انه حى. (4) اكمال الدين: 21 و 22. والاية في سورة الانعام: 157.

 

[81]

وزاد في آخره: قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: فتبت إلى الله من كلام حيان ثلاثين يوما (1). 11 - ك: وقال الصادق عليه السلام: ما مات محمد بن الحنفية حتى أقرت لعلي ابن الحسين عليهما السلام، وكانت وفاة محمد بن الحنفية سنة أربع وثمانين من الهجرة (2). 12 ير: أيوب بن نوح، عن صفوان، عن مروان بن إسماعيل، عن حمزة ابن حمران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكرنا خروج الحسين وتخلف ابن الحنفية عنه، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا حمزة إني سأحدثك في هذا الحديث ولا تسأل عنه بعد مجلسنا هذا، إن الحسين لما فصل (3) متوجها دعا بقرطاس وكتب: بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلي بني هاشم أما بعد فإنه من لحق بي منكم استشهد معي ومن تخلف لم يبلغ الفتح، والسلام (4). قب: حمزة بن حمران مثله (5). بيان: قوله عليه السلام: " لم يبلغ الفتح " أي لم يبلغ ما يتمناه من فتوح الدنيا والتمتع بها، وظاهر هذا الجواب ذمه، ويحتمل أن يكون المعنى أنه عليه السلام خيرهم في ذلك، فلا إثم على من تخلف، وسيأتي بعض الكلام في ذلك في أحوال الحسين عليه السلام وسنعيد بعض أحواله عند ذكر أحوال المختار. 13 - غط: أما الذي يدل على فساد قول الكيسانية القائلين بإمامة محمد بن الحنفية فأشياء: منها أنه لو كان إماما مقطوعا على عصمته لوجب أن يكون منصوصا عليه نصا صريحا، لان العصمة لا تعلم إلا بالنص، وهم لا يدعون نصا صريحا، و إنما يتعلقون بامور ضعيفة دخلت عليهم فيها شبهة، لا يدل (6) على النص، نحو

 

(1) معرفة اخبار الرجال: 203. (2) اكمال الدين: 22. (3) في هامش (ك): رحل خ ل. (4) بصائر الدرجات: 141. (5) مناقب آل أبى طالب 2: 199. (6) في المصدر: لا تدل.

 

[82]

إعطاء أمير المؤمنين إياه الراية يوم البصرة، وقوله: " أنت ابني حقا " مع كون الحسن والحسين عليهما السلام ابنيه، وليس في ذلك دلالة على إمامته على وجه، وإنما يدل على فضله ومنزلته، على أن الشيعة تروي أنه جرى بينه وبين علي بن الحسين عليهما السلام كلام في استحقاق الامامة، فتحاكما إلى الحجر فشهد الحجر لعلي بن الحسين عليهما السلام بالامامة، فكان ذلك معجزا له، فسلم له الامر وقال بإمامته، والخبر بذلك مشهور عند الامامية لانهم رووا أن محمد بن الحنفية نازع علي بن الحسين عليهما السلام في الامامة، وادعى أن الامر افضي إليه بعد أخيه الحسين، فناظره علي بن الحسين عليهما السلام واحتج عليه بآي من القرآن كقوله: " واولوا الارحام بعضهم أولى ببعض (1) " وأن هذه الآية جرت في علي بن الحسين عليهما السلام وولده، ثم قال له: احاجك إلى الحجر الاسود، فقال له: كيف تحاجني إلى حجر لا يسمع ولا يجيب فأعلمه أنه يحكم بينهما، فمضيا حتى انتهيا إلى الحجر، فقال علي بن الحسين لمحمد بن الحنفية: تقدم وكلمه، فتقدم إليه فوقف حياله وتكلم ثم أمسك، ثم تقدم علي بن الحسين عليهما السلام فوضع يده عليه ثم قال: اللهم إني أسألك باسمك المكتوب في سرادق العظمة - ثم دعا بعد ذلك وقال -: لما أنطقت ذلك الحجر (2). ثم قال: أسألك بالذي جعل فيك مواثيق العباد والشهادة لمن وافاك لما أخبرت لمن الامامة والوصية ؟ فزعزع الحجر ثم كاد (3) أن يزول، ثم أنطقه الله فقال: يا محمد سلم الامامة لعلي بن الحسين عليهما السلام، فرجع محمد عن منازعته وسلمها إلى علي بن الحسين عليهما السلام. ومنها تواتر الشيعة الامامية بالنص عليه من أبيه وجده، وهي موجودة في كتبهم في الاخبار لا نطول بذكره الكتاب. ومنها الاخبار الواردة عن النبي صلى الله عليه واله من جهة الخاصة والعامة على ما سنذكره

 

(1) سورة الانفال: 75. سورة الاحزاب: 6. (2) في المصدر وفي غير (ك) من النسخ: هذا الحجر. (3) في المصدر: فتزعزع الحجر حتى كاد.

 

[83]

فيما بعد بالنص على إمامة الاثني عشر، وكل من قال بإمامتهم قطع على وفاة محمد ابن الحنفية، وسياقة الامامة إلى صاحب الزمان عليه السلام. ومنها انقراض هذه الفرقة، فإنه لم يبق في الدنيا في وقتنا ولا قبله بزمان طويل قائل يقول به، ولو كان ذلك حقا لما جاز انقراضه. فإن قيل: كيف يعلم انقراضهم وهلا جاز أن يكون في بعض البلاد البعيدة و جزائر البحر وأطراف الارض أقوام يقولون بهذا القول كما يجوز أن يكون في أطراف الارض من يقول بمذهب الحسن في أن مرتكب الكبيرة منافق، فلا يمكن ادعاء انقراض هذه الفرقة، وإنما كان يمكن العلم (1) لو كان المسلمون فيهم قلة و العلماء محصورين، فأما [الآن] وقد انتشر الاسلام وكثر العلماء، فمن أين يعلم ذلك ؟ قلنا: هذا يؤدي إلى أن لا يمكن العلم بإجماع الامة على قول ولا مذهب، بأن يقال: لعل في أطراف الارض من يخالف ذلك، ويلزم أن يجوز أن يكون في أطراف الارض من يقول أن البرد لا ينقض الصوم، وأنه يجوز للصائم أن يأكل إلى طلوع الشمس، لان الاول كان مذهب أبي طلحة الانصاري والثاني مذهب الحذيفة والاعمش، وكذلك مسائل كثيرة من الفقه كان الخلف فيها واقعا بين الصحابة و التابعين، ثم زال الخلف فيما بعد، واجتمع أهل الاعصار على خلافه، فينبغي أن يشك في ذلك ولا نثق بالاجماع على مسألة سبق الخلاف فيها، وهذا طعن من يقول أن الاجماع لا يمكن معرفته ولا التوصل إليه، والكلام في ذلك لا يختص هذه المسألة فلا وجه لايراده ههنا، ثم إنا نعلم أن الانصار طلبت الامرة ودفعهم المهاجرون عنها، ثم رجعت الانصار إلى قول المهاجرين على قول المخالف، فلو أن قائلا قال: يجوز عقد الامامة لمن كان من الانصار لان الخلاف سبق فيه ولعل في أطراف الارض من يقول به فما كان يكون جوابهم فيه ؟ فأي شئ قالوه فهو جوابنا بعينه، فلا نطول بذكره. فإن قيل: إذا كان الاجماع عندكم إنما يكون حجة لكون المعصوم فيه فمن

 

(1) في المصدر: يمكن العلم بذلك.

 

[84]

أين تعلمون دخول قوله في جملة أقوال الامة ؟ وهلا جاز أن يكون قوله منفردا عنهم فلا تتيقنون (1) بالاجماع ؟ قلنا: المعصوم إذا كان من جملة علماء الامة فلا بد أن يكون قوله موجودا في جملة أقوال العلماء، لانه لا يجوز أن يكون [قوله] منفردا مظهرا للكفر، فإن ذلك لا يجوز عليه، فإذا لا بد أن يكون قوله في جملة الاقوال وإن شككنا في أنه الامام فإذا اعتبرنا أقوال الامة ووجدنا بعض العلماء يخالف فيه فإن كنا نعرفه ونعرف مولده ومنشأه لم نعتد بقوله، لعلمنا أنه ليس بإمام، وإن شككنا في نسبه لم يكن المسألة إجماعيا، فعلى هذا أقوال العلماء من الامة اعتبرناها فلم نجد فيهم قائلا بهذا المذهب الذي هو مذهب الكيسانية أو الواقفية، وإن وجدنا فرضا واحدا أو اثنين فإنا نعلم منشأه ومولده، فلا يعتد بقوله، واعتبرنا أقوال الباقين الذين نقطع على كون المعصوم فيهم، فسقطت هذه الشبهة على هذا التحرير وبان وهنها (2). 14 - يج: عن دعبل الخزاعي قال: حدثنا الرضا عن أبيه عن جده عليهم السلام قال: كنت عند [أبي] الباقر عليه السلام إذ دخل عليه جماعة من الشيعة وفيهم جابر بن يزيد، فقالوا: هل رضي أبوك علي (3) بإمامة الاول والثاني ؟ قال: اللهم لا، قالوا: فلم نكح من سبيهم خولة الحنفية إذا لم يرض بإمامتهم ؟ فقال الباقر عليه السلام امض يا جابر بن يزيد إلى منزل جابر بن عبد الله الانصاري فقل له: إن محمد بن علي يدعوك، قال جابر بن يزيد، فأتيت منزله وطرقت عليه الباب، فناداني جابر ابن عبد الله الانصاري من داخل الدار: اصبر يا جابر بن يزيد، فقلت في نفسي: أين (4) علم جابر الانصاري أني جابر بن يزيد ولا يعرف الدلائل إلا الائمة من آل محمد عليهم السلام ؟ والله لاسألنه إذا خرج إلي، فلما خرج قلت له: من أين علمت أني

 

(1) في المصدر و (م) و (خ): فلا تثقون. (2) الغيبة للشيخ الطوسى: 17 - 20. (3) في المصدر: على بن ابى طالب. (4) في المصدر: قال جابر بن يزيد قلت في نفسي من أين اه‍.

 

[85]

جابر (1) وأنا على الباب وأنت داخل الدار ؟ قال: خبرني (2) مولاي الباقر عليه السلام البارحة أنك تسأله (3) عن الحنفية في هذا اليوم، وأنا أبعثه إليك يا جابر بكرة غدو أدعوك، فقلت: صدقت، قال: سربنا، فسرنا جميعا حتى أتينا المسجد، فلما بصر مولاي الباقر عليه السلام بنا ونظر إلينا قال للجماعة: قوموا إلى الشيخ فاسألوه حتى ينبئكم بما سمع ورأى، فقالوا: يا جابر هل راض إمامك علي بن أبي طالب عليه السلام بإمامة من تقدم ؟ قال: اللهم لا، قالوا: فلم نكح من سبيهم (4) إذ لم يرض بإمامتهم ؟ قال جابر: آه آه لقد ظننت أني أموت ولا اسأل عن هذا، إذ سألتموني (5) فاسمعوا وعوا، حضرت السبي وقد ادخلت الحنفية فيمن ادخل، فلما نظرت إلى جميع الناس عدلت إلى تربة رسول الله صلى الله عليه واله فرنت وزفرت زفرة وأعلنت بالبكاء والنحيب ثم نادت: السلام عليك يا رسول الله صلى الله عليه واله وعلى أهل بيتك من بعدك هؤلاء امتك سبينا (6) سبي النوب (7) والديلم، والله ماكان لنا إليهم من ذنب إلا الميل إلى أهل بيتك، فجعلت (8) الحسنة سيئة والسيئة حسنة فسبينا، ثم انعطفت (9) إلى الناس وقالت: لم سبيتمونا وقد أقررنا ؟ بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه واله قالوا (10): منعتمونا الزكاة، قالت: هب الرجال منعوكم فما بال النسوان ؟ فسكت المتكلم كأنما القم حجرا، ثم ذهب إليها طلحة وخالد يرميان في التزويج إليها

 

(1) في المصدر: جابر بن يزيد. (2) في المصدر: أخبرني. (3) في المصدر: تسأل. (4) في المصدر: فلم نكح من سبيهم خولة الحنفية اه‍. (5) في المصدر: فالان إذ سألتموني. (6) في المصدر: سبتنا. (7) النوب - بالضم -: جيل من السودان. (8) في المصدر: فحولت. (9) في المصدر: التفتت. (10) في المصدر: قال أبو بكر. (*)

 

[86]

ثوبين (1) فقالت: لست بعريانة فتكسوني (2)، قيل: إنهما يريدان أن يتزايدا عليك فأيهما زاد على صاحبه أخذك من السبي، قالت: هيهات والله لا يكون ذلك أبدا، ولا يملكني ولا يكون لي ببعل إلا من يخبرني بالكلام الذي قلته ساعة خرجت من بطن امي فسكت الناس ينظر (3) بعضهم إلى بعض، وورد عليهم من ذلك الكلام ما أبهر عقولهم وأخرس ألسنتهم، وبقي القوم في دهشة من أمرها، فقال أبو بكر: ما لكم ينظر بعضكم إلى بعض ؟ قال الزبير: لقولها الذي سمعت، قال أبو بكر: ما هذا الامر (4) الذي أحصر أفهامكم إنها جارية من سادات قومها ولم يكن (5) لها عادة بما لقيت ورأت، فلا شك أنها داخلها الفزع وتقول ما لا تحصيل له، فقالت: رميت بكلامك غير مرمي، والله ما داخلني فزع ولا جزع، ووالله ما قلت إلا حقا ولا نطقت إلا فصلا، ولا بد أن يكون كذلك وحق صاحب هذا البنية ما كذبت، ثم سكتت وأخذ طلحة وخالد ثوبيهما وهي قد جلست ناحية من القوم، فدخل علي بن أبي طالب عليه السلام فذكروا له حالها، فقال عليه السلام: هي صادقة فيما قالت، وكان حالتها (6) وقصتها كيت وكيت في حال ولادتها، وقال: إن كل ما تكلمت به في حال خروجها من بطن امها هو كذا وكذا، وكل ذلك مكتوب على لوح معها، فرمت باللوح إليهم لما سمعت كلامه عليه السلام، فقرؤوها (7) على ما حكى علي بن أبي طالب عليه السلام لا يزيد حرفا ولا ينقص، فقال أبو بكر: خذها يا أبا الحسن بارك الله لك فيها. فوثب سلمان فقال: والله ما لاحد ههنا منة على أمير المؤمنين، بل لله المنة ولرسوله ولامير المؤمنين، والله ما أخذها إلا بمعجزه الباهرة وعلمه القاهر وفضله

 

(1) في المصدر: ورميا عليها ثوبيهما. (2) في المصدر: فتكسوننى. (3) في المصدر: ونظر. (4) في المصدر: الكلام. (5) في المصدر: ولم تكن. (6) في المصدر: من حالتها. (7) في المصدر: فقرؤوا ذلك.

 

[87]

الذي يعجز عنه كل ذي فضل (1)، ثم قال المقداد: ما بال أقوام قد أوضح الله لهم الطريق للهداية فتركوه وأخذوا طريق العمى ؟ وما من قوم إلا وتبين لهم فيه دلائل أمير المؤمنين، وقال أبو ذر: واعجبا لمن يعاند الحق وما من وقت إلا وينظر إلى بيانه، أيها الناس قد تبين لكم (2) فضل أهل الفضل، ثم قال: يا فلان أتمن على أهل الحق بحقهم (3) وهم بما يديك أحق وأولى ؟ وقال عمار: اناشدكم بالله أما سلمنا على أمير المؤمنين هذا علي بن أبي طالب عليه السلام في حياة رسول الله صلى الله عليه واله بإمرة المؤمنين ؟ فزجره عمر عن الكلام، فقام أبو بكر، فبعث علي عليه السلام خولة إلى بيت أسماء بنت عميس، قال لها: خذي هذه المرأة وأكرمي مثواها، فلم تزل خولة عند أسماء بنت عميس إلى أن قدم أخوها فتزوجها علي بن أبي طالب عليه السلام، فكان الدليل على علم أمير المؤمنين عليه السلام وفساد ما يورده القوم من سبيهم (4) وإنه عليه السلام تزوجها نكاحا، فقالت الجماعة: يا جابر أنقذك الله من حر النار كما أنقذتنا من حرارة الشك (5). 15 - يج: روي عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: جمع أمير المؤمنين عليه السلام بنيه وهم اثنا عشر ذكرا فقال لهم: إن الله أحب أن يجعل في سنة من يعقوب، إذ جمع بنيه وهم اثنا عشر ذكرا فقال لهم: إني اوصي إلى يوسف فاسمعوا له وأطيعوا، وأنا اوصي إلى الحسن والحسين فاسمعوا لهما وأطيعوا، فقال له عبد الله ابنه: دون محمد بن علي ؟ - يعني محمد بن الحنفية - فقال له: أجرأة علي في حياتي ؟ كأني بك قد وجدت مذبوحا في فسطاطك لا يدرى من قتلك، فلما كان في زمان المختار أتاه فقال: لست هناك، فغضب فذهب إلى مصعب بن الزبير وهو بالبصرة، فقال: ولني قتال أهل الكوفة، فكان على مقدمة مصعب، فالتقوا بحروراء، فلما

 

(1) في المصدر: فضل كل ذى فضل. (2) في المصدر: ان الله قد بين لكم. (3) في المصدر: بحقوقهم. (4) كذا في النسخ. وفى المصدر: من شبههم. (5) الخرائج والجرائح: 90 - 92.

 

[88]

حجز الليل بينهم أصبحوا وقد وجدوه مذبوحا في فسطاطه لا يدرى من قتله (1). بيان: أتاه أي أتى عبد الله المختار ليبايع المختار له بالامامة، فقال المختار له: لست هناك أي لا تستحق ؟ ؟ الامامة. 16 - يج: الصفار، عن أبي بصير، عن جذعان بن نصر، عن محمد بن مسعدة عن محمد بن حمويه بن إسماعيل، عن أبي عبد الله الربيبي (2)، عن عمر بن اذينة قال: قيل لابي عبد الله عليه السلام: إن الناس يحتجون علينا ويقولون: إن أمير المؤمنين عليه السلام زوج فلانا ابنته ام كلثوم، وكان متكئا فجلس وقال: أيقولون ذلك ؟ إن قوما يزعمون ذلك لا يهتدون إلى سواء السبيل، سبحان الله ما كان يقدر أمير المؤمنين عليه السلام أن يحول بينه وبينها فينقذها ؟ ! كذبوا ولم يكن ما قالوا، إن فلانا خطب إلى علي عليه السلام بنته ام كلثوم فأبى علي عليه السلام، فقال للعباس: والله لئن لم تزوجني لانتزعن منك السقاية وزمزم، فأتى العباس عليا فكلمه، فأبى عليه، فألح العباس، فلما رأى أمير المؤمنين عليه السلام مشقة كلام الرجل على العباس وأنه سيفعل بالسقاية ما قال أرسل أمير المؤمنين عليه السلام إلى جنية من أهل نجران يهودية يقال لها سحيفة (3) بنت جريرية، فأمرها فتمثلت في مثال ام كلثوم وحجبت الابصار عن ام كلثوم وبعث بها إلى الرجل، فلم تزل عنده حتى أنه استراب (4) بها يوما فقال: ما في الارض أهل بيت أسحر من بني هاشم، ثم أراد أن يظهر ذلك للناس فقتل وحوت الميراث وانصرفت إلى نجران، وأظهر أمير المؤمنين عليه السلام ام كلثوم (5). 17 - سر: عن أبان بن تغلب، عن صفوان، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي عبد الله عليه السلام أن أباه حدثه أن علي بن الحسين عليهما السلام أتى محمد بن علي الاكبر قال:

 

(1) لم نجده في المصدر المطبوع. (2) في (خ): الزبيبى. (3) في (خ) و (م): سحيقة. (4) أي وقع في الريبة. (5) لم نجده في المصدر المطبوع.

 

[89]

إن هذا الكذاب أراه يكذب على الله وعلى رسوله وعلينا أهل البيت، وذكر أنه يأتيه جبرئيل وميكائيل عليهما السلام، فقال له محمد بن علي: يا ابن أخي أتاك بهذا من يصدق ؟ قال: نعم، قال: اذهب فارو عني لا أقول هذا وإني أبرأ ممن قال به (1) فلما انصرف من عنده دخل عليه عبد الله بن محمد وامرأته وسريته، فقالوا له: إنما أتاك علي بن الحسين بهذا أنه حسدك لما يبعث به إليك، فأرسل إليه محمد بن علي لا ترو علي شيئا فإنك إن رويت عني (2) شيئا قلت: لم أقله (3). بيان: المراد بالكذاب المختار قوله: " وذكر أنه " أي ذكر المختار للناس أن محمد بن الحنفية يأتيه جبرئيل وميكائيل، فلما خرج عليه السلام دخل على ابن الحنفية ابنه وامرأته وسريته ليصرفوه عن رد المختار وتكذيبه، لئلا ينقطع عنهم ما يأتيهم من قبله من الاموال، فلم يقبل منهم، وبعث إلى المختار لا ترو عني الاكاذيب بعد ذلك فإنك إن رويت عني قلت للناس: أني لم أقله وإنه كاذب، هذا تأويل للكلام يناسب حال محمد بن الحنفية، وإلا فظاهر الكلام أنه قبل منه ذلك وبعث إلى علي بن الحسين عليهما السلام أن لا تقل ما أمرتك بروايته عني من تكذيب المختار و براءتي منه، وإلا فأنا اكذبك في ذلك عند الناس. 18 - شا: أولاد أمير المؤمنين عليه السلام سبعة وعشرون ولدا ذكرا وانثى: الحسن والحسين وزينب الكبرى وزينب الصغرى المكناة بام كلثوم، امهم فاطمة البتول سيدة نساء العالمين بنت سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد النبي صلى الله عليه واله، ومحمد المكنى بأبي القاسم امه خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية: وعمر ورقية كانا توأمين (و) امهما ام حبيب بنت ربيعة، والعباس وجعفر وعثمان وعبد الله (4) الشهداء مع أخيهم الحسين عليهم السلام بطف كربلاء امهم ام البنين بنت حزام بن خالد بن دارم، ومحمد

 

(1) في المصدر: ممن قاله. (2) في المصدر: على. (3) مستطرفات السرائر ما أورده ابان بن تغلب عن الصادقين عليهما السلام. (4) في المصدر: وعبيدالله.

 

[90]

الاصغر المكنى بأبي بكر وعبد الله (1) الشهيدان مع أخيهما الحسين بن علي عليهما السلام بالطف امهما ليلى بنت مسعود الدارمية، ويحيى امه أسماء بنت عميس الخثعمية رضي الله عنها، وام الحسن ورملة امهما ام سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي، ونفيسة وزينب الصغرى ورقية الصغرى وام هانئ وام الكرام وجمانة المكناة ام جعفر وأمامة وام سلمة وميمونة وخديجة وفاطمة رحمة الله عليهن لامهات شتى، وفي الشيعة من يذكر أن فاطمة صلوات الله عليها أسقطت بعد النبي صلى الله عليه واله ذكرا كان سماه رسول الله صلى الله عليه واله وهو حمل محسنا، فعلى قول هذه الطائفة أولاد أمير المؤمنين عليه السلام ثمانية وعشرون ولدا، والله أعلم (2). أقول: قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: أما الحسن والحسين و ام كلثوم الكبرى وزينب الكبرى (3) فامهم فاطمة بنت سيدنا رسول الله صلى الله عليه واله وأما محمد فامه خولة بنت أياس بن جعفر من بني حنيفة (4) وأما أبو بكر وعبد الله فامهما ليلى بنت مسعود النهشلية من تميم، وأما عمر ورقية فامهما سبية (5) من بني تغلب يقال لها: الصهباء، سبيت في خلافة أبي بكر وإمارة خالد بن الوليد بعين التمر، وأما يحيى وعون فامهما أسماء بنت عميس الخثعمية، وأما جعفر و العباس وعبد الله وعبد الرحمن فامهم ام البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد من بني كلاب، وأما رملة وام الحسن فامهما ام سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفي، وأما ام كلثوم الصغرى وزينب الصغرى وجمانة وميمونة وخديجة وفاطمة وام الكرام ونفيسة وام سلمة وام أبيها وأمامة بنت علي عليه السلام فهن

 

(1) في (ت): وعبيدالله. (2) الارشاد للمفيد: 167 و 168. (3) في المصدر: وزينب الكبرى وام كلثوم الكبرى. (4) في المصدر: من بنى حنفية. (5) في المصدر: مسبية.

 

[91]

لامهات أولاد شتى (1). 19 - شا: هارون بن موسى، عن عبد الملك بن عبد العزيز قال: لما ولي عبد الملك بن مروان الخلافة رد إلى علي بن الحسين عليهما السلام صدقات رسول الله و صدقات أمير المؤمنين عليهما السلام وكانتا مضمومتين، فخرج عمر بن علي إلى عبد الملك يتظلم إليه من ابن أخيه (2) فقال عبد الملك: أقول كما قال ابن أبي الحقيق: إنا إذا مالت دواعي الهوى * وأنصت السامع للقائل واصطرع القوم بألبابهم (3) * نقضي بحكم عادل فاصل لا نجعل الباطل حقا ولا * نلط دون الحق بالباطل (4) نخاف أن تسفه أحلامنا (5) * فنخمل الدهر مع الخامل (6) 20 - قب: قال الشيخ المفيد في الارشاد: أولاده خمسة وعشرون، وربما يزيدون على ذلك إلى خمسة وثلاثين، ذكره النسابة العمري في الشافي وصاحب الانوار، البنون خمسة عشر والبنات ثمانية عشر، فولد من فاطمة عليها السلام الحسن و الحسين والمحسن سقط وزينب الكبرى وام كلثوم الكبرى تزوجها عمر، وذكر أبو محمد النوبختي في كتاب الامامة أن ام كلثوم كانت صغيرة ومات عمر قبل أن يدخل بها، وإنه خلف على ام كلثوم بعد عمر عون بن جعفر ثم محمد بن جعفر ثم عبد الله بن جعفر، ومن خولة بنت جعفر بن قيس الحنفية محمدا، ومن ام البنين ابنة حزام بن خالد الكلابية عبد الله وجعفر الاكبر والعباس وعثمان، ومن ام حبيب بنت ربيعة التغلبية عمر ورقية توأمان في بطن، ومن أسماء بنت عميس الخثعمية

 

(1) شرح النهج 2: 718. (2) في المصدر: يتظلم إليه من نفسه. (3) في المصدرين: واصطرع الناس. (4) لط الرجل حقه وعن حقه: جحده اياه. (5) في المصدر: نسفه. (6) الارشاد للمفيد: 242. وفي (م) و (خ): فيخمل.

 

[92]

يحيى ومحمد الاصغر، وقيل: بل ولدت له عونا، ومحمد الاصغر من ام ولد، ومن ام سعيد بنت عروة بن مسعود الثقفية نفيسة وزينب الصغرى ورقية الصغرى، و من ام شعيب المخزومية ام الحسن ورملة، ومن الهملاء بنت مسروق النهشلية أبو بكر وعبد الله، ومن أمامة بنت أبي العاص بن الربيع وامها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه واله محمد الاوسط، ومن محياة بنت امرء القيس الكلبية جارية هلكت وهي صغيرة، وكانت له خديجة وام هانئ وتميمة وميمونة وفاطمة لامهات أولاد [شتى] وتوفي قبله يحيى وام كلثوم الصغرى وزينب الصغرى وام الكرام وجمانة - و كنيتها ام جعفر - وأمامة وام سلمة ورملة الصغرى. وزوج ثماني بنات: زينب الكبرى من عبد الله بن جعفر، وميمونة من عقيل بن عبد الله بن عقيل، وام كلثوم الصغرى من كثير بن عباس بن عبد المطلب ورملة من أبي الهياج عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، ورملة من الصلت بن عبد الله بن نوفل بن الحارث، وفاطمة من محمد بن عقيل. وفي الاحكام الشرعية عن الخزاز القمي أنه نظر النبي صلى الله عليه واله إلى أولاد علي وجعفر فقال: بناتنا لبنيناو بنونا لبناتنا. وأعقب له من خمسة: الحسن والحسين ومحمد بن الحنفية والعباس الاكبر وعمر، وكان النبي صلى الله عليه واله لم يتمتع بحرة ولا أمة في حياة خديجة، وكذلك كان علي مع فاطمة عليهم السلام. وفي قوت القلوب أنه تزوج بعد وفاتها بتسع ليال، وأنه تزوج بعشرة نسوة وتوفي عن أربعة: أمامة وامها زينب بنت النبي صلى الله عليه واله، وأسماء بنت عميس، وليلى التميمية، وام البنين الكلابية، ولم يتزوجن بعده، وخطب المغيرة بن نوفل أمامة ثم أبو الهياج بن أبي سفيان بن الحارث فروت عن علي عليه السلام أنه لا يجوز لازواج النبي صلى الله عليه واله والوصي أن يتزوجن بغيره بعده، فلم يتزوج امرأة ولا ام ولد بهذه الرواية. وتوفي عن ثماني عشرة ام ولد، فقال عليه السلام: جميع امهات أولادي الآن محسوبات على أولادهن بما أبتعتهن به من أثمانهن، فقال: ومن


 

[93]

كان من إمائه غير ذوات أولاد فهن حرائر من ثلثه (1). ويروى أن عمر بن علي خاصم علي بن الحسين عليهما السلام إلى عبد الملك في صدقات النبي وأمير المؤمنين عليهما السلام، فقال: يا أمير المؤمنين أنا ابن المصدق وهذا ابن ابن، فأنا أولى بها منه، فتمثل عبد الملك بقول أبي الحقيق: لا تجعل الباطل حقا ولا * تلط دون الحق بالباطل قم يا علي بن الحسين فقد وليتكها، فقاما فلما خرجا تناوله عمر وآذاه، فسكت عليه السلام عنه ولم يرد عليه شيئا، فلما كان بعد ذلك دخل محمد بن عمر على علي بن الحسين عليهما السلام فسلم عليه وأكب عليه يقبله، فقال علي عليه السلام: يا ابن عم لا تمنعني قطيعة أبيك أن أصل رحمك. فقد زوجتك ابنتي خديجة ابنة علي (2). 21 - عم: أما زينب الكبرى بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله فتزوجها عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وولد له منها علي وجعفر وعون الاكبر وام كلثوم أولاد عبد الله بن جعفر، وقد روت زينب عن امها فاطمة عليها السلام أخبارا، وأما ام كلثوم فهي التي تزوجها عمر بن الخطاب، وقال أصحابنا: أنه عليه السلام إنما زوجها منه بعد مدافعة كثيرة وامتناع شديد واعتلال عليه بشئ بعد شئ، حتى ألجأته الضرورة إلى أن رد أمرها إلى العباس بن عبد المطلب، فزوجها إياه، وأما رقية بنت علي فكانت عند مسلم بن عقيل، فولدت له عبد الله قتل بالطف، وعليا ومحمدا ابني مسلم، وأما زينب الصغرى فكانت عند محمد بن عقيل، فولدت له عبد الله وفيه العقب من ولد عقيل، وأما ام هانئ فكانت عند عبد الله الاكبر ابن عقيل بن أبي طالب فولدت له محمد قتل بالطف وعبد الرحمن، وأما ميمونة بنت علي فكانت عند عبد الله الاكبر ابن عقيل فولدت له عقيلا، وأما نفيسة فكانت عند عبد الله الاكبر ابن عقيل فولدت له ام عقيل، وأما زينب الصغرى فكانت عند عبد الرحمن بن عقيل فولدت

 

(1) مناقب آل ابى طالب 2: 76 و 77. (2) مناقب آل ابى طالب 2: 267 و 268.

 

[94]

له سعدا (1) وعقيلا، وأما فاطمة بنت علي عليه السلام فكانت عند أبي سعيد بن عقيل فولدت له حميدة، وأما أمامة بنت علي فكانت عند الصلت بن عبد الله بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب فولدت له نفيسة (2) وتوفيت عنده (3). 22 - يف: (4) ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما خطب عمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال له: إنها صبية، قال: فأتى العباس فقال: مالي ؟ أبي بأس ؟ فقال له: وما ذاك ؟ قال: خطبت إلى ابن أخيك فردني، أما والله لاعورن (5) زمزم ولا أدع لكم مكرمة إلا هدمتها، ولاقيمن عليه شاهدين أنه سرق ولاقطعن يمينه ! فأتاه العباس فأخبره وسأله أن يجعل الامر إليه، فجعله إليه (6). كا: علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير مثله (7). 23 - كش: وجدت بخط جبرئيل بن أحمد: حدثني محمد بن عبد الله بن مهران عن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الخياط، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كان أبو خالد الكابلي يخدم محمد بن الحنفية دهرا، وما كان يشك في أنه إمام، حتى أتاه ذات يوم فقال له: جعلت فداك إن لي حرمة ومودة وانقطاعا، فأسألك بحرمة رسول الله صلى الله عليه واله و أمير المؤمنين عليه السلام إلا أخبرتني: أنت الامام الذي فرض الله طاعته على خلقه ؟ قال: فقال: يا باخالد حلفتني بالعظيم، الامام علي بن الحسين عليهما السلام علي وعليك و

 

(1) في المصدر: سعيدا. (2) في المصدر: نقية. (3) اعلام الورى: 204. (4) في (م) و (خ): ين. (5) أعار عين الماء أو الركية: دفنها وكبسها بالتراب. (6) لم نجده في الطرائف المطبوع. وسياق الرواية لا يناسبه. (7) فروع الكافي (الجزء الخامس من الطبعة الحديثة): 346.

 

[95]

على كل مسلم، فأقبل أبو خالد لما أن سمع ما قاله محمد بن الحنفية، وجاء إلى علي بن الحسين عليهما السلام، فلما استأذن عليه فاخبر أن أبا خالد بالباب أذن له، فلما دخل عليه دنا منه قال: مرحبا بك يا كنكر: ما كنت لنا بزائر ما بدا لك فينا ؟ فخر أبو خالد ساجدا شكرا (1) لله تعالى مما سمع من علي بن الحسين عليهما السلام، فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى عرفت إمامي، فقال له علي بن الحسين عليهما السلام: و كيف عرفت إمامك يا باخالد ؟ قال: إنك دعوتني باسمي الذي سمتني امي التي ولدتني، وقد كنت في عمياء من أمري، ولقد خدمت محمد بن الحنفية عمرا (2) من عمري ولا أشك إلا وأنه إمام، حتى إذا كان قريبا سألته بحرمة الله وبحرمة رسوله وبحرمة أمير المؤمنين فأرشدني إليك وقال: هو الامام علي وعليك وعلى جميع خلق الله كلهم، ثم أذنت لي فجئت فدنوت منك، وسميتني باسمي الذي سمتني امي فعلمت أنك الامام الذي فرض الله طاعته علي وعلى كل مسلم (3). 24 - يج: عن أبي خالد مثله إلا أنه قال في آخره: ولدتني امي فسمتني وردان، فدخل عليها والدي فقال: سميه كنكر، والله ما سماني به أحد من الناس إلى يومي هذا غيرك، فأشهد أنك إمام من في الارض ومن في السماء (4). 25 - كش: حمدويه، عن الحسن بن موسى، عن محمد بن أصبغ، عن مروان بن مسلم، عن بريد العجلي قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال لي: لو كنت سبقت قليلا لادركت حيان السراج، قال: وأشار إلى موضع في البيت أبو عبد الله عليه السلام فقال: وكان ههنا جالسا، فذكر محمد بن الحنفية وذكر حياته وجعل يطريه ويقرظه، فقلت له: يا حيان أليس تزعم ويزعمون وتروي ويروون: لم يكن في بني إسرائيل شئ إلا وهو في هذه الامة مثله ؟ قال: بلى، قال: فقلت: فهل رأينا

 

(1) في المصدر: شاكرا. (2) في المصدر: دهرا. (3) معرفة اخبار الرجال: 79 و 80. ورواه في المناقب 2: 249. (4) لم نجده في الخرائج المطبوع.

 

[96]

ورأيتم وسمعنا وسمعتم بعالم مات على أعين الناس فنكح نساؤه وقست أمواله و هو حي لا يموت ؟ ! فقام ولم يرد علي شيئا (1). بيان: أطراه: أحسن الثناء عليه. والتقريظ: مدح الانسان وهو حي بحق أو باطل. 26 - كش: حمدويه، عن الحسن بن موسى قال: روى أصحابنا عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: أتاني ابن عم لي يسألني أن آذن لحيان السراج، فأذنت له، فقال لي: يا با عبد الله إني اريد أن أسألك عن شئ أنا به عالم إلا أني احب أن أسألك عنه، أخبرني عن عمك محمد بن علي مات ؟ قال: فقلت: أخبرني أبي أنه كان في ضيعة له فاتي فقيل له: أدرك عمك، قال: فأتيت (2) وقد كانت أصابته غشية، فأفاق فقال لي: ارجع إلى ضيعتك، قال: فأبيت، فقال: لترجعن قال: فانصرفت فما بلغت الضيعة حتى أتوني فقالوا: أدركه، فأتيته فوجدته قد اعتقل لسانه، فأتوا بطشت وجعل يكتب وصيته، فما برحت حتى غمضته وكفنته وغسلته وصليت عليه ودفنته، فإن كان هذا موتا فقد والله مات، قال: فقال لي: رحمك الله شبه على أبيك ! قال: فقلت: يا سبحان الله أنت تصدف على قلبك ! قال: فقال لي: وما الصدف على القلب ؟ قال: قلت: الكذب (3). بيان: صدف عنه: أعرض و " على " بمعنى " عن " أو ضمن معنى الافتراء و نحوه، أي تعرض عن الحق مفتريا على قلبك، حيث تدعي ما لا يصدقه قلبك. 27 - كشف: قيل لمحمد بن الحنفية رحمه الله: أبوك يسمح بك في الحرب ويشح بالحسن والحسين عليهما السلام، فقال: هما عيناه وأنا يده، والانسان يقي عينيه بيده، وقال مرة اخرى وقد قيل له ذلك: أنا ولده وهما ولدا رسول الله صلى الله عليه واله (4).

 

(1) معرفة اخبار الرجال: 202. (2) في المصدر: فأتيته. (3) معرفة اخبار الرجال: 202 و 203. (4) كشف الغمة: 183.- 6 -

 

[97]

28 - كا: علي، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام (قال:) إن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبي بكر، فأمرها رسول الله صلى الله عليه واله حين أرادت الاحرام من ذي الحليفة أن تحتشي بالكرسف والخرق وتهل بالحج، الخبر (1). 29 - يف: أحمد بن حنبل في مسنده بإسناده إلى المستظل (2) قال: إن عمر بن الخطاب خطب إلى علي عليه السلام ام كلثوم فاعتل بصغرها، فقال له: لم أكن اريد الباه ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: كل حسب ونسب منقطع يوم القيامة ما خلا حسبي ونسبي، وكل قوم فإن عصبتهم لابيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا أبوهم وعصبتهم (3). [كنز الكراجكي: عن القاضي السلمي أسد بن إبراهيم، عن عمر بن علي العتكي، عن محمد بن إسحاق، عن الكديمي، عن بشر بن مهران، عن شريك بن شبيب، عن عروة، عن المستطيل بن حصين مثله، إلا أن فيه: فاعتل بصغرها وقال: إني أعددتها لابن أخي جعفر، ومكان " كل قوم " " كل بني انثى " (4)]. 30 - كا: علي، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن البطائني، عن أبي بصير، عن عمران بن ميثم أو صالح بن ميثم، عن أبيه قال: أنت امرأة مجح أمير المؤمنين عليه السلام فقالت: يا أمير المؤمنين إني زنيت فطهرني، وساق الحديث الطويل إلى أن قال: فأخرجها أمير المؤمنين عليه السلام إلى الظهر بالكوفة فأمر أن يحفر لها حفيرة ثم

 

(1) فروع الكافي (الجزء الرابع من الطبعة الحديثة): 449. (2) كذا والظاهر: المستطيل. (3) الطرائف: 19. (4) كنز الكراجكى: 166 و 167.

 

[98]

دفنها فيه (1) ثم ركب بغلته ونادى بأعلى صوته (2): يا أيها الناس إن الله تعالى عهد إلى نبيه صلى الله عليه واله عهد أعهده محمد صلى الله عليه واله إلي، بأن (3) لا يقيم الحد من لله عليه حد فمن كان لله عليه حد مثل ما له عليها (4) فلا يقيم عليها الحد قال: فانصرف الناس يومئذ كلهم ما خلا أمير المؤمنين والحسن والحسين صلوات الله عليهم، فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحد يومئذ وما معهم غيرهم، قال: وانصرف فيمن انصرف يومئذ محمد بن أمير المؤمنين (5). 31 - [كتاب الغارات لابراهيم بن محمد الثقفي عن مغيرة الضبي قال: لما نكح علي عليه السلام ليلى بنت مسعود النهشلي قالت: ما زلت احب أن يكون بيني و بينه سبب منذ رأيته، فأقام مقاما من رسول الله صلى الله عليه واله فذكر أنه ولدت له عبيدالله بن علي، فبايع مصعبا يوم المختار]. أقول: قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: دفع أمير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل رايته إلى محمد ابنه، وقد استوت الصفوف، وقال له: احمل، فتوقف قليلا فقال: يا أمير المؤمنين (6) أما ترى السماء كأنها شآببب (7) المطر، فدفع في صدره وقال: أدركك عرق من امك، ثم أخذ الراية بيده فهزها ثم قال:

 

(1) في المصدر: فيها. (2) في المصدر: ثم ركب بغلته واثبت رجليه في غرز الركاب ثم وضع اصبعيه السبابتين في اذنيه ثم نادى بأعلى صوته اه‍. (3) في المصدر: بأنه. (4) في المصدر: مثل ما عليها. (5) فروع الكافي (الجزء السابع من الطبعة الحديثة): 185 - 187. وقد مر في باب قضاياه عليه السلام تحت رقم 65 راجع ج 40 ص 290 - 292. (6) في المصدر: فقال له: أحمل يا أمير المؤمنين اه‍ ؟. (7) جمع الشؤبوب: الدفعة من المطر.

 

[99]

اطعن بها طعن أبيك تحمد * لا خير في الحرب إذا لم توقد بالمشرفي والقنا المسدد. ثم حمل وحمل الناس خلفه، فطحن عسكر البصرة. قيل لمحمد: لم يغرر بك أبوك في الحرب ولا يغرر بالحسن والحسين ؟ فقال: إنهما عيناه وأنا يمينه، فهو يدفع عن عينيه بيمينه. كان علي عليه السلام يقذف بمحمد في مهالك الحرب ويكف حسنا وحسينا عنها. ومن كلامه في يوم صفين: أملكوا عني هذين الفتيين، أخاف أن ينقطع بهما نسل رسول الله صلى الله عليه واله. ام محمد خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة (1) بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل، واختلف في أمرها، فقال قوم: إنها سبية من سبايا الردة قوتل أهلها على يد خالد بن الوليد في أيام أبي بكر لما منع كثير من العرب الزكاة، وارتدت بنو حنيفة وادعت نبوة مسيلمة، وإن أبا بكر دفعها إلى علي عليه السلام من سهمه في المغنم، وقال قوم منهم أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني: هي سبية في أيام رسول الله صلى الله عليه واله قالوا: بعث رسول الله صلى الله عليه واله عليا عليه السلام إلى اليمن، فأصاب خولة في بني زبية (2) وقد ارتدوا مع عمرو بن معدي كرب، وكانت زبية سبتها من بني حنيفة في غارة لهم عليهم، فصارت في سهم علي عليه السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه واله: إن ولدت منك غلاما فسمه باسمي وكنه بكنيتي، فولدت له بعد موت فاطمة عليها السلام محمدا فكناه أبا القاسم، وقال قوم وهم المحققون وقولهم الاظهر: إن بني أسد أغارت على بني حنيفة في خلافة أبي بكر فسبوا خولة بنت جعفر، وقدموا بها المدينة فباعوها من علي عليه السلام، وبلغ قومها خبرها، فقدموا المدينة على علي فعرفوها، وأخبروه بموضعها منهم، فأعتقها و مهرها وتزوجها، فولدت له محمدا فكناه أبا القاسم، وهذا القول هو اختيار أحمد

 

(1) في (ك): سلمة. (2) في المصدر: في بنى زبيد وكذا فيما يأتي.

 

[100]

بن يحيى البلاذري في كتابه المعروف بتاريخ الاشراف. لما تعامس (1) محمد يوم الجمل عن الحملة وحمل علي عليه السلام بالراية فضعضع (2) أركان عسكر الجمل دفع إليه الراية وقال: امح الاولى بالاخرى، وهذه الانصار معك، وضم إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع من الانصار كثير منهم أهل بدر، حمل حملات كثيرة أزال بها القوم عن مواقفهم، وأبلى بلاء حسنا، فقال خزيمة بن ثابت لعلي عليه السلام: أما إنه لو كان غير محمد اليوم لافتضح، ولئن كنت خفت عليه الجبن وهو بينك وبين حمزة وجعفر لما خفنا عليه، وإن كنت أردت أن تعلمه الطعان فطال ما علمته الرجال. وقالت الانصار: يا أمير المؤمنين لو لا ما جعل الله تعالى لحسن ولحسين (3) لما قدمنا على محمد أحدا من العرب، فقال عليه السلام: أين النجم من الشمس والقمر ؟ أما إنه قد أغنى وأبلى وله فضل، ولا ينقص فضل صاحبه (4) عليه، وحسب صاحبكم ما انتهت به نعمة الله تعالى إليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين إنا والله ما نجعله كالحسن والحسين ولا نظلمهما ولا نظلمه لفضلهما عليه حقه، فقال علي عليه السلام: أين يقع ابني من ابني رسول الله صلى الله عليه واله (5) ؟ فقال خزيمة بن ثابت فيه: محمد ما في عودك اليوم وصمة * ولا كنت في الحرب الضروس معردا (6) أبوك الذي لم يركب الخيل مثله * علي وسماك النبي محمدا فلو كان حقا من أبيك خليفة * لكنت ولكن ذاك ما لا يرى بدا وأنت بحمد الله أطول غالب * لسانا وأنداها بما ملكت يدا وأقربها من كل خير تريده * قريش وأوفاها بما قال موعدا

 

(1) أي تغافل. وفى المصدر " تقاعس " أي تأخر. (2) ضعضعه: هدمه حتى الارض. (3) في المصدر: للحسن والحسين. (4) في المصدر: صاحبيه. (5) في المصدر: من ابني بنت رسول الله. (6) الحرب الضروس: الشديدة المهلكة. عرد: هرب وفر.

 

[101]

وأطعنهم صدر الكمي برمحه * وأكساهم للهام عضبا مهندا (1) سوى أخويك السيدين كلاهما * إماما الورى والداعيان إلى الهدى أبى الله أن يعطي عدوك مقعدا * من الارض أو في اللوح مرقى ومصعدا (2) وقال في موضع آخر: روى عمرو بن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: خطب عبد الله بن الزبير فنال من علي عليه السلام فبلغ ذلك محمد بن الحنفية، فجاء إليه وهو يخطب، فوضع له كرسي، فقطع عليه خطبته وقال: يا معشر العرب شاهت الوجوه أينتقص علي وأنتم حضور ؟ إن عليا كان يد الله على أعدائه، وصاعقة من أمر الله (3) أرسله على الكافرين به والجاحدين لحقه، فقتلهم بكفرهم، فشنؤه وأبغضوه و ضمروا (4) له السيف والحسد وابن عمه عليه السلام حي بعد لم يمت، فلما نقله الله إلى جواره وأحب له ما عنده أظهرت له رجال أحقادها، وشفت أضغانها، فمنهم من ابتزه حقه، ومنهم من أسمر به (5) ليقتله، ومنهم من شتمه وقذفه بالاباطيل، فإن يكن لذريته وناصري دعوته دولة ينشر عظامهم ويحفر على أجسادهم والابدان (6) يومئذ بالية بعد أن يقتل الاحياء منهم ويذل رقابهم، ويكون الله عز اسمه قد عذبهم بأيدينا، وأخزاهم ونصرنا عليهم، وشفى صدورنا منهم، إنه والله ما يشتم عليا إلا كافر يسر شتم رسول الله صلى الله عليه واله ويخاف أن يبوح به، فيلقى شتم علي عنه (7) أما إنه قد يخطب المنية (8) منكم من امتد عمره وسمع قول رسول الله صلى الله عليه واله فيه: " لا

 

(1) الكمى - بالفتح فالكسر -: الشجاع أو لابس السلاح. العضب: السيف القاطع. والمهند السيف المطبوع من حديد الهند. (2) شرح النهج 1: 118 - 120. (ك ل م). وفيه: أو في اللوح. (3) في المصدر: من امره. (4) في المصدر: وأضمروا. (5) ابتز منه الشئ: استلبه قهرا. سمر: لم ينم وتحدث ليلا. (6) في المصدر: والابدان منهم اه‍. (7) في المصدر: فيكنى بشتم على عنه. (8) في المصدر: قد تخطت المنية. (*)

 

[102]

يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق " " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ". فعاد ابن الزبير إلى خطبته وقال: عذرت بني الفواطم يتكلمون فما بال ابن ام حنفية ؟ فقال محمد: يا ابن ام فتيلة (1) ومالي لا أتكلم وهل فاتني من الفواطم إلا واحدة ؟ ولم يفتني فخرها، لانها ام أخوي، أنا ابن فاطمة بنت عمران بن عائذ بن مخزوم جدة رسول الله صلى الله عليه واله وأنا ابن فاطمة بنت أسد بن هاشم كافلة رسول الله والقائمة مقام امه، أما والله لولا خديجة بنت خويلد ما تركت في أسد (2) بن عبد العزى عظما إلا هشمته، ثم قام فانصرف (3). وقال ابن أبي الحديد في موضع آخر: قال أبو العباس المبرد: قد جاءت الرواية أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام لما ولد لعبدالله بن العباس مولود ففقده (4) وقت صلاة الظهر فقال: ما بال ابن العباس لم يحضر ؟ قالوا: ولد له ولد ذكر يا أمير المؤمنين، قال: فامضوا بنا إليه، فأتاه فقال له: شكرت الواهب وبورك لك في الموهوب، ما سميته ؟ فقال: يا أمير المؤمنين أو يجوز لي أن اسميه حتى تسميه ؟ فقال: أخرجه إلي، وأخرجه فأخذه فحنكه ودعا له، ثم رده إليه وقال: خذ إليك أبا الاملاك قد سميته عليا وكنيته أبا الحسن، قال: فلما قدم معاوية خليفة قال لعبدالله بن العباس: لا أجمع لك بين الاسم والكنية، قد كنيته أبا محمد فجرت عليه. قلت: سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن محمد بن أبي زيد فقلت له: من أي طريق عرف بنو أمية أن الامر سينتقل عنهم وإنه سيليه بنو هاشم وأول من يلي منهم يكون اسمه عبد الله ؟ ولم منعوهم عن مناكحة بني الحارث بن كعب لعلمهم

 

(1) في المصدر: يا ابن ام رومان. (2) في المصدر: في بنى اسد. (3) شرح النهج 1: 466 و 477. (4) في المصدر: فقده.

 

[103]

أن أول من يلي الامر من بني هاشم يكون (1) امه حارثية ؟ وبأي طريق عرف بنو هاشم أن الامر سيصير إليهم ويملكه عبيد أولادهم حتى عرفوا [أولادهم] صاحب الامر منهم كما قد جاء في هذا الخبر ؟ فقال: أصل هذا كله محمد بن الحنفية، ثم ابنه عبد الله المكنى أبا هاشم، قلت له: أفكان محمد بن الحنفية مخصوصا من أمير المؤمنين بعلم يستأثر به على أخويه حسن وحسين عليهما السلام ؟ قال: لا ولكنهما كتما وأذاع. ثم قال: قد صحت الرواية عندنا عن أسلافنا وعن غيرهم من أرباب الحديث أن عليا عليه السلام لما قبض أنى محمد ابنه أخويه حسنا وحسينا فقال لهما: أعطياني ميراثي من أبي، فقالا له: قد علمت أن أباك لم يترك صفراء ولا بيضاء، فقال: قد علمت ذلك وليس ميراث المال أطلب، إنما أطلب ميراث العلم، أبو جعفر: (2) فروى أبان بن عثمان عمن روى له ذلك عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: فدفعا إليه صحيفة لو أطلعاه على أكثر منها لهلك، فيها ذكر دولة بني العباس. قال أبو جعفر: وقد روى أبو الحسن علي بن محمد النوفلي قال: حدثني عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس قال: لما أردنا الهرب من مروان بن محمد لما قبض على إبراهيم الامام جعلنا نسخة الصحيفة التي دفعها أبو هاشم بن محمد بن الحنفية إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس - وهي التي كان آباؤنا يسمونها صحيفة الدولة - في صندوق من نحاس صغير، ثم دفناه تحت زيتونات بالشراة (3) لم يكن بالشراة من الزيتون غيرهن، فلما افضي السلطان إلينا وملكنا الامر أرسلنا إلى ذلك الموضع، فبحث وحفر فلم يوجد شئ، فأمرنا بحفر جريب من الارض في ذلك الموضع، حتى بلغ الحفر الماء ولم نجد شيئا.

 

(1) في المصدر: تكون. (2) كذا في النسخ. والصحيح كما في المصدر: قال ابو جعفر. (3) الشراة صقع بالشام بين دمشق ومدينة الرسول صلى الله عليه وآله، من بعض نواحيه القرية المعروفة بالحميمة التى كان يسكنها ولد على بن عبد الله بن عباس في ايام بنى مروان.

 

[104]

قال أبو جعفر: وقد كان محمد بن الحنفية صرح بالامر لعبدالله بن العباس وعرفه تفصيله، ولم يكن أمير المؤمنين عليه السلام قد ؟ ؟ فصل لعبدالله بن العباس الامر وإنما أخبره به مجملا، كقوله في هذا الخبر " خذ إليك أبا الاملاك " ونحو ذلك مما كان يعرض له به، ولكن الذي كشف القناع وأبرز المستور هو محمد بن الحنفية وكذلك أيضا ما وصل إلى بني امية من علم هذا الامر فإنه وصل من جهة محمد بن الحنفية، وأطلعهم على السر الذي علمه، ولكن لم يكشف لهم كشفه لبني العباس كان أكمل (1). قال أبو جعفر: فأما أبو هاشم فإنه قد كان أفضى بالامر إلى محمد بن علي بن عبد الله بن العباس وأطلعه عليه وأوضحه له، فلما حضرته الوفاه عقيب انصرافه من عند الوليد بن عبد الملك مر بالشراة وهو مريض ومحمد بن علي بها، فدفع إليه كتبه وجعله وصيه، وأمر الشيعة بالاختلاف إليه، قال أبو جعفر: وحضر وفاة أبي هاشم ثلاثة نفر من بني هاشم: محمد بن علي هذا، ومعاوية بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب، فلما مات خرج محمد بن علي ومعاوية بن عبد الله بن جعفر من عنده وكل واحد منهما يدعي وصايته، فأما عبد الله بن الحارث فلم يقل شيئا. قال أبو جعفر: وصدق محمد بن علي، إليه أوصى أبو هاشم، وإليه دفع كتاب الدولة، وكذب معاوية بن عبد الله بن جعفر، لكنه قرأ الكتاب فوجد لهم فيه ذكرا يسيرا فادعى الوصية بذلك، فمات وخرج ابنه عبد الله بن معاوية يدعي وصاية أبيه إليه، ويدعي لابيه وصاية أبي هاشم، ويظهر الانكار على بني امية، وكان له في ذلك شيعة يقولون بإمامته سرا حتى قتل، انتهى (2).

 

(1) كذا في النسخ. وفى العبارة سقط. والصحيح كما في المصدر: فان كشفه الامر لبنى العباس كان اكمل. (2) شرح النهج 2: 308 - 310.

 

[105]

أقول: روى في جامع الاصول من صحيح الترمذي عن محمد بن الحنفية عن أبيه عليهما السلام قال: قلت: يا رسول الله أرأيت إن ولد لي بعدك ولد اسميه باسمك واكنيه بكنيتك ؟ قال: نعم. وقال ابن أبي الحديد: أسماء بنت عميس هي اخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه واله (1) وكانت من المهاجرات إلى أرض الحبشة، وهي إذ ذاك تحت جعفر بن أبي طالب، فولدت له هناك محمد بن جعفر وعبد الله وعونا، ثم هاجرت معه إلى المدينة، فلما قتل جعفر تزوجها أبو بكر، فولدت له محمد بن أبي بكر، ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب عليه السلام فولدت له يحيى بن علي، لا خلاف في ذلك. وقال ابن عبد البر في الاستيعاب: ذكر ابن الكلبي أن عون بن علي امه أسماء بنت عميس، ولم يقل ذلك أحد غيره، وقد روي أن أسماء كانت تحت حمزة بن عبد المطلب، فولدت له بنتا تسمى أمة الله، وقيل: أمامة (2). أقول: روي في بعض مؤلفات أصحابنا عن ابن عباس قال: لما كنا في حرب صفين دعا علي عليه السلام ابنه محمد بن الحنفية وقال له: يا بني شد على عسكر معاوية فحمل على الميمنة حتى كشفهم، ثم رجع إلى أبيه مجروحا فقال: يا أبتاه العطش العطش، فسقاه جرعة من الماء ثم صب الباقي بين درعه وجلده، فوالله لقد رأيت علق الدم يخرج من حلق درعه، فأمهله ساعة ثم قال له: يا بني شد على الميسرة، فحمل على ميسرة عسكر معاوية فكشفهم، ثم رجع وبه جراحات وهو يقول: الماء الماء يا أباه، فسقاه جرعة من الماء وصب باقيه بين درعه وجلده، ثم قال: يا بني شد على القلب، فحمل عليهم وقتل منهم فرسانا، ثم رجع إلى أبيه وهو يبكي، وقد أثقلته الجراح، فقام إليه أبوه وقبل ما بين عينيه (3) وقال له: فداك أبوك فقد (هامش) * (1) في المصدر بعد ذلك: واخت لبابة ام الفضل وعبد الله زوج العباس بن عبد المطلب. (2) شرح النهج 4: 74. (3) في (م) و (خ): مما بين عينيه.


 

[106]

سررتني والله يا بني بجهادك هذا بين يدي، فما يبكيك أفرحا أم جزعا ؟ فقال: يا أبت كيف لا أبكي وقد عرضتني للموت ثلاث مرات فسلمني الله، وها أنا مجروح كما ترى، وكلما رجعت إليك لتمهلني عن الحرب ساعة ما أمهلتني، وهذان أخواي الحسن والحسين ما تأمرهما بشئ من الحرب، فقام إليه أمير المؤمنين وقبل وجهه وقال له: يا بني أنت ابني وهذان ابنا رسول الله صلى الله عليه واله أفلا أصونهما عن القتل ؟ فقال: بلى يا أبتاه جعلني الله فداك وفداهما من كل سوء. 32 - ب: محمد بن الحسن، عن علي بن الاسباط، عن الحسن بن شجرة، عن عنبسة العابد قال: إن فاطمة بنت علي مد لها في العمر حتى رآها أبو عبد الله عليه السلام (1). 33 - يد: ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن أبي الخطاب، عن ابن بشير، عن الحسين بن أبي حمزة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال أبي عليه السلام: إن محمد بن الحنفية (2) كان رجلا رابط الجأش (3) - وأشار بيده - وكان يطوف بالبيت فاستقبله الحجاج، فقال: قد هممت أن أضرب الذي فيه عيناك، قال له محمد: كلا إن الله تبارك اسمه في خلقه في كل يوم ثلاثمائة لحظة أو لمحة، فلعل إحداهن تكفك عني (4). 34 - كا: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم وحماد، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام في تزويج ام كلثوم: فقال: إن ذلك فرج غصبناه (5). بيان: هذه الاخبار لا ينافي ما مر من قصة الجنية، لانها قصة مخفية

 

(1) قرب الاسناد: 76. (2) في المصدر: ان محمد بن على ابن الحنفية. (3) الجأش: القلب والصدر. يقال " رابط الجأش " أي شجاع. (4) التوحيد: 117. (5) فروع الكافي (الجزء الخامس من الطبعة الحديثة): 346.

 

[107]

أطلعوا عليها خواصهم، ولم يكن يتم به الاحتجاج على المخالفين، بل ربما كانوا يحترزون عن إظهار أمثال تلك الامور لاكثر الشيعة أيضا، لئلا تقبله عقولهم ولئلا يغلو فيهم، فالمعنى: غصبناه ظاهرا وبزعم الناس إن صحت تلك القصة. وقال الشيخ المفيد قدس الله روحه في جواب المسائل السروية: إن الخبر الوارد بتزويج أمير المؤمنين عليه السلام ابنته من عمر لم يثبت، وطريقته من الزبير بن بكار ولم يكن موثوقا به في النقل، وكان متهما فيما يذكره من بغضه لامير المؤمنين عليه السلام وغير مأمون، والحديث نفسه مختلف، فتارة يروى أن أمير المؤمنين تولى العقد له على ابنته، وتارة يروى عن العباس أنه تولى ذلك عنه، وتارة يروى أنه لم يقع العقد إلا بعد وعيد عن عمر وتهديد لبني هاشم، وتارة يروى أنه كان عن اختيار و إيثار، ثم بعض الرواة يذكر أن عمر أولدها ولدا سماه زيدا، وبعضهم يقول: إن لزيد بن عمر عقبا، ومنهم من يقول: إنه قتل ولا عقب له، ومنهم من يقول: إنه وامه قتلا، ومنهم من يقول: إن امه بقيت بعده، ومنهم من يقول: إن عمر أمهر ام كلثوم أربعين ألف درهم، ومنهم من يقول: مهرها أربعة آلاف درهم، ومنهم من يقول: كان مهرها خمسمائة درهم، وهذا الاختلاف مما يبطل الحديث. ثم إنه لو صح لكان له وجهان لا ينافيان مذهب الشيعة في ضلال المتقدمين على أمير المؤمنين عليه السلام أحدهما أن النكاح إنما هو على ظاهر الاسلام الذي هو الشهادتان والصلاة إلى الكعبة والاقرار بجملة الشريعة، وإن كان الافضل مناكحة من يعتقد الايمان، ويكره مناكحة من ضم إلى ظاهر الاسلام ضلالا يخرجه عن الايمان، إلا أن الضرورة متى قادت إلى مناكحة الضال مع إظهاره كلمة الاسلام زالت الكراهة من ذلك، وأمير المؤمنين عليه السلام كان مضطرا إلى مناكحة الرجل، لانه تهدده وتواعده، فلم يأمنه على نفسه وشيعته، فأجابه إلى ذلك ضرورة، كما أن الضرورة يشرع إظهار كلمة الكفر، وليس ذلك بأعجب من قول لوط: " هؤلاء بناتي هن أطهر لكم (1) " فدعاهم إلى العقد عليهم لبناته وهم كفار ضلال قد أذن الله

 

(1) سورة هود: 78.

 

[108]

تعالى في هلاكهم، وقد زوج رسول الله صلى الله عليه واله ابنتيه قبل البعثة كافرين كانا يعبدان الاصنام، أحدهما عتبة بن أبي لهب والآخر أبو العاص بن الربيع، فلما بعث صلى الله عليه واله فرق بينهما وبين ابنتيه (1). وقال السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب الشافي: فأما الحنفية فلم يكن سبية على الحقيقة ولم يستبحها عليه السلام بالسبي لانها بالاسلام قد صارت حرة مالكة أمرها، فأخرجها من يد من استرقها ثم عقد عليها النكاح (2) وفي أصحابنا من يذهب إلى أن الظالمين متى غلبوا على الدار وقهروا ولم يتمكن المؤمن من الخروج من أحكامهم جاز له أن يطأ سبيهم، ويجري أحكامهم مع الغلبة والقهر مجرى أحكام المحقين فيما يرجع إلى المحكوم عليه وإن كان فيما يرجع إلى الحاكم معاقبا آثما وأما تزويجه بنته فلم يكن ذلك عن اختيار، ثم ذكر رحمه الله الاخبار السابقة الدالة على الاضطرار، ثم قال: على أنه لو لم يجر ما ذكرناه لم يمتنع أن يجوزه عليه السلام لانه كان على ظاهر الاسلام والتمسك بشرائعه وإظهار الاسلام، وهذا حكم يرجع إلى الشرع فيه، وليس مما يخاطره (3) العقول، وقد كان يجوز في العقول أن يبيحنا الله تعالى مناكحة المرتدين على اختلاف ردتهم، وكان يجوز أيضا أن يبيحنا أن ننكح اليهود والنصارى، كما أباحنا عند أكثر المسلمين أن ننكح فيهم، وهذا إذا كان في العقول سائغا فالمرجع في تحليله وتحريمه إلى الشريعة، وفعل أمير المؤمنين عليه السلام حجة عندنا في الشرع، فلنا أن نجعل ما فعله أصلا في جواز مناكحة من ذكروه وليس لهم أن يلزموا على ذلك مناكحة اليهود والنصارى وعباد الاوثان، لانهم إن سألوا عن جوازه في العقل فهو جائز (4) وإن سألوا عنه في الشرع فالاجماع يحظره (هامش) * (1) رسائل الشيخ المفيد: 61 - 63. (2) في المصدر بعد ذلك: فمن اين انه استباحها بالسبي دون عقد النكاح. (3) في المصدر: يحظره. (4) في المصدر: فهو جار.


 

[109]

ويمنع منه، انتهى كلامه رفع الله مقامه (1). أقول: بعد إنكار عمر النص الجلي وظهور نصبه وعداوته لاهل البيت عليهم السلام يشكل القول بجواز مناكحته من غير ضرورة ولا تقية، إلا أن يقال بجواز مناكحة كل مرتد عن الاسلام، ولم يقل به أحد من أصحابنا، ولعل الفاضلين إنما ذكرا ذلك استظهارا على الخصم، وكذا إنكار المفيد رحمه الله أصل الواقعة إنما هو لبيان أنه لم يثبت ذلك من طرقهم، وإلا فبعد ورود ما مر من الاخبار إنكار ذلك عجيب. وقد روي الكليني، عن حميد بن زياد، عن ابن سماعة، عن محمد بن زياد، عن عبد الله بن سنان، ومعاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن عليا لما توفي عمر أتى ام كلثوم فانطلق بها إلى بيته. وروى نحو ذلك عن محمد بن يحيى وغيره عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن هشام ابن سالم، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام (2). والاصل في الجواب هو أن ذلك وقع على سبيل التقية والاضطرار ولا استبعاد في ذلك، فإن كثيرا من المحرمات تنقلب عند الضرورة وتصير من الواجبات، على أنه ثبت بالاخبار الصحيحة أن أمير المؤمنين وسائر الائمة عليهم السلام كانوا قد أخبرهم النبي صلى الله عليه واله بما يجري عليهم من الظلم وبما يجب عليهم فعله عند ذلك، فقد أباح الله تعالى له خصوص ذلك بنص الرسول صلى الله عليه واله وهذا مما يسكن استبعاد الاوهام، والله يعلم حقائق أحكامه وحججه عليهم السلام. أقول: قد أثبتنا في غزوة الخوارج بعض أحوال محمد بن الحنفية، وكذا في باب معجزات علي بن الحسين عليهما السلام منازعته له ظاهرا في الامامة، وفي أبواب أحوال الحسين عليه السلام وما جرى بعد شهادته. ثم اعلم أنه سأل السيد مهنا بن سنان عن العلامة الحلي قدس الله روحهما فيما كتب إليه من المسائل: ما يقول سيدنا في

 

(1) الشافي: 215 و 216. (2) راجع فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 115 و 116.

 

[110]

محمد بن الحنفية ؟ هل كان يقول بإمامة زين العابدين عليه السلام ؟ وكيف تخلف عن الحسين عليه السلام ؟ وكذلك عبد الله بن جعفر، فأجاب العلامة رحمه الله: قد ثبت في أصل الامامة أن أركان الايمان التوحيد والعدل والنبوة والامامة، والسيد محمد بن الحنفية و عبد الله بن جعفر وأمثالهم أجل قدرا وأعظم شأنا من اعتقادهم خلاف الحق، و خروجهم عن الايمان الذي يحصل به اكتساب الثواب الدائم والخلاص من العقاب وأما تخلفه عن نصرة الحسين عليه السلام فقد نقل أنه كان مريضا، ويحتمل في غيره عدم العلم بما وقع على مولانا الحسين عليه السلام من القتل وغيره، وبنوا على ما وصل من كتب الغدرة إليه وتوهموا نصرتهم له. 121. (باب) * (أحوال اخوانه وعشائره صلوات الله عليه) * 1 - ل: الحسن بن محمد بن يحيى العلوي، عن جده، عن إبراهيم بن محمد بن يوسف عن علي بن الحسن، عن إبراهيم بن رستم، عن أبي حمزة السكوني، عن جابر الجعفي، عن عبد الرحمن بن ثابت (1) قال: كان النبي صلى الله عليه واله يقول لعقيل: إني لاحبك يا عقيل حبين: حبا لك وحبا لحب أبي طالب لك (2). 2 - د: ذكر ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب أن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كان أصغر ولد أبي طالب عليه السلام كان أصغر من جعفر بعشر سنين، وجعفر أصغر من عقيل بعشر سنين، وعقيل أصغر من طالب بعشر سنين (3).

 

(1) في المصدر و (م) و (خ): سابط. (2) الخصال 1: 38. (3) مخطوط. وتوجد في الاستيعاب 3: 26 و 27.

 

[111]

3 - ما: أحمد بن محمد بن الصلت، عن ابن عقدة، عن أحمد بن القاسم الاكفاني عن عباد بن يعقوب، عن أبي معاذ زياد بن رستم بياع الادم، عن عبد الصمد، عن جعفر ابن محمد عليهما السلام قال: قلت: يا أبا عبد الله حدثنا حديث عقيل، قال: نعم، جاء عقيل إليكم بالكوفة وكان علي عليه السلام جالسا في صحن المسجد وعليه قميص سنبلاني قال: فسأله، قال: أكتب لك إلى ينبع، قال: ليس غير هذا ؟ قال: لا، فبينما هو كذلك إذ أقبل الحسين عليه السلام (1) فقال: اشتر لعمك ثوبين، فاشترى له، قال: يا ابن أخي ما هذا ؟ قال: هذه كسوة أمير المؤمنين عليه السلام، ثم أقبل حتى انتهى إلى علي عليه السلام فجلس فجعل يضرب يده على الثوبين وجعل يقول: ما ألين هذا الثوب يا أبا يزيد ! قال: يا حسن أخد عمك قال: قال: ما أملك صفراء ولا بيضاء، قال: فمر له ببعض ثيابك، قال: فكساه بعض ثيابه، قال: ثم قال: يا محمد أخد عمك، قال: والله ما أملك درهما ولا دينارا، قال: اكسه بعض ثيابك. قال عقيل: يا أمير المؤمنين ائذن لي إلى معاوية ؟ قال: في حل محلل، فانطلق نحوه، وبلغ ذلك معاوية، فقال: اركبوا أفره دوابكم والبسوا من أحسن ثيابكم فإن عقيلا قد أقبل نحوكم، وأبرز معاوية سريره، فلما انتهى إليه عقيل قال: معاوية مرحبا بك يا أبا يزيد ما نزع بك ؟ قال: طلب الدنيا من مظانها، قال: وقفت وأصبت قد أمرنا لك بمائة ألف، فأعطاه المائة الالف: ثم قال: أخبرني عن العسكرين اللذين مررت بهما عسكري وعسكر علي، قال: في الجماعة اخبرك أو في الوحدة قال: لا بل في الجماعة، قال: مررت على عسكر علي عليه السلام فإذا ليل كليل النبي صلى الله عليه واله ونهار كنهار النبي صلى الله عليه واله إلا أن رسول الله صلى الله عليه واله ليس فيهم، ومررت على عسكرك فإذا أول من استقبلني أبو الأعور وطائفة من المنافقين والمنفرين برسول الله صلى الله عليه واله إلا أن أبا سفيان ليس فيهم ! فكف عنه حتى إذا ذهب الناس قال له: يا أبا يزيد أيش صنعت بي ؟ قال: ألم أقل لك: في الجماعة أو في الوحدة فأبيت علي ؟ قال: أما

 

(1) في المصدر: الحسن عليه السلام.

 

[112]

الآن فاشفني من عدوي، قال: ذلك عند الرحيل، فلما كان من الغد شد غرائره ورواحله وأقبل نحو معاوية وقد جمع معاوية حوله، فلما انتهى إليه قال: يا معاوية من ذا عن يمينك ؟ قال: عمرو بن العاص، فتضاحك، ثم قال: لقد علمت قريش أنه لم يكن أحصى لتيوسها (1) من أبيه، ثم قال: من هذا ؟ قال: هذا أبو موسى، فتضاحك، ثم قال: لقد علمت قريش بالمدينة أنه لم يكن بها امرأة أطيب ريحا من قب امه ! قال: (2) أخبرني عن نفسي يا أبا يزيد قال تعرف حمامة ؟ ثم سار فألقى في خلد (3) معاوية، قال: ام من امهاتي لست أعرفها، فدعا بنسابين من أهل الشام فقال: أخبراني أو لاضربن أعناقكما، لكما الامان، قالا: فإن حمامة جدة أبي - سفيان السابعة وكانت بغيا، وكان لها بيت توفي فيه، قال جعفر بن محمد عليهما السلام: و كان عقيل من أنسب الناس (4). بيان: يقال: أخديته أي أعطيته. والقب بالكسر: العظم الناتئ بين الاليتين. أقول: قال عبد الحميد بن أبي الحديد: رووا أن عقيلا رحمه الله قدم على أمير المؤمنين عليه السلام فوجده جالسا في صحن المسجد بالكوفة (5) فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، قال: وعليك السلام يا أبا يزيد، ثم التفت إلى الحسن ابنه (6) عليهما السلام فقال: قم فأنزل عمك، فقام فأنزله، ثم عاد إليه فقال: اذهب فاشتر لعمك قميصا جديدا ورداء جديدا وإزارا جديدا ونعلا جديدا، فذهب فاشترى له، فغدا عقيل على أمير المؤمنين عليه السلام في الثياب، فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فقال: و

 

(1) جمع التيس: الذكر من المعز. والضمير راجع إلى قريش. (2) في المصدر: ثم قال. (3) الخلد - بفتحتين -: البال والقلب. (4) امالي ابن الشيخ: 89 و 90. (5) في المصدر: في صحن مسجد الكوفة. (6) ": إلى ابنه الحسن.- 6 -

 

[113]

عليك السلام يا أبا يزيد (1) يخرج عطائي فأدفعه إليك، فلما ارتحل عن أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية (2) فنصب له كراسيه وأجلس جلساءه حوله، فلما ورد عليه أمر له بمائة ألف فقبضها، ثم غدا عليه يوما بعد ذلك وجلساء معاوية حوله، فقال: يا أبا يزيد أخبرني عن عسكري وعسكر أخيك فقد وردت عليهما، قال: اخبرك، مررت والله بعسكر أخي فإذا ليل كليل رسول الله صلى الله عليه واله ونهار كنهار رسول الله صلى الله عليه واله إلا أن رسول الله ليس في القوم، ما رأيت إلا مصليا ولا سمعت إلا قارئا، ومررت بعسكرك فاستقبلني قوم من المنافقين ممن نفر ناقة رسول الله صلى الله عليه واله (3) ليلة العقبة ثم قال: من هذا عن يمينك يا معاوية ؟ قال: هذا عمرو بن العاص، قال: هذا الذي اختصم فيه ستة نفر فغلب عليه جزار قريش، فمن الآخر ؟ قال: الضحاك بن قيس الفهري، قال: أما والله لقد كان أبوه جيد الاخذ لعسب التيوس (4)، فمن هذا الآخر ؟ قال: أبو موسى الاشعري، قال: هذا ابن السراقة ! فلما رأى معاوية أنه قد أغضب جلساءه علم أنه إن استخبره عن نفسه قال فيه سوءا، فأحب أن يسأله ليقول فيه ما يعلمه من السوء فيذهب بذلك غضب جلسائه، قال: يا أبا يزيد فما تقول في ؟ قال: دعني من هذا، قال: لتقولن، قال: أتعرف حمامة ؟ قال: ومن حمامة يا أبا يزيد ؟ قال: قد أخبرتك، ثم قال (5) فمضى، فأرسل معاوية إلى النسابة فدعاه، قال: من حمامة ؟ قال: ولي الامان ؟ قال: نعم، قال: حمامة جدتك ام أبي سفيان، كانت بغيا في الجاهلية صاحبة راية، قال معاوية لجلسائه: قد ساويتكم و

 

(1) في المصدر بعد ذلك: قال يا أمير المؤمنين ما اراك اصبت من الدنيا شيئا وانى لا ترضى نفسي من خلافتك بما رضيت به لنفسك، فقال: يا ابا يزيد اه‍. (2) في المصدر: أتى معاوية. (3) في المصدر: و (م) و (خ): ممن نفر برسول الله. (4) العسب: النسل. (5) كذا في النسخ، والصحيح كما في المصدر، قام.

 

[114]

زدت عليكم فلا تغضبوا (1) ! وقال في موضع آخر: من المفارقين لعلي عليه السلام أخوه عقيل بن أبي طالب قدم على أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة (2) يسترفده، فعرض عليه عطاءه فقال: إنما اريد من بيت المال، فقال: تقيم لي (3) يوم الجمعة، فلما صلى علي الجمعة قال له: ما تقول فيمن خان هؤلاء أجمعين ؟ قال: بئس الرجل، قال: فإنك أمرتني أن أخونهم واعطيك، فلما خرج من عنده شخص إلى معاوية، فأمر له يوم قدومه بمائة ألف درهم، وقال له: يا أبا يزيد أنا خير لك أم علي ؟ قال: وجدت عليا أنظر لنفسه منك ووجدتك أنظر لي منك لنفسك ! وقال معاوية لعقيل: إن فيكم يا بني هاشم لينا، قال: أجل إن فينا للينا من غير ضعف وعزا من غير عنف، وإن لينكم يا معاوية غدر وسلمكم كفر ! وقال معاوية: ولا كل هذا يا أبا يزيد، وقال الوليد ابن عقبة لعقيل في مجلس معاوية: غلبك أخوك يا با يزيد على الثروة، قال: نعم و سبقني وإياك إلى الجنة، قال: أما والله (4) لو أن أهل الارض اشتركوا في قتله لارهقوا صعودا، وإن أخاك لاشد هذه الامة عذابا، فقال: صه ! والله إنا لنرغب بعبد من عبيده عن صحبة أبيك عقبة بن أبي معيط ! وقال معاوية يوما وعنده عمرو بن العاص وقد أقبل عقيل: لاضحكنك من عقيل، فلما سلم قال معاوية: مرحبا برجل عمه أبو لهب، فقال عقيل: وأهلا بمن (5) عمته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد، لان امرأة أبي لهب ام جميل بنت حرب

 

(1) شرح النهج 1: 184 و 185. (2) في المصدر: بالكوفة. (3) في المصدر: إلى. (4) في المصدر بعد ذلك، ان شدقيه لمضمومان من دم عثمان، فقال: وما أنت وقريش والله ما انت فينا الا كنصيح التيس، فغضب الوليد وقال: والله اه‍. (5) في المصدر: برجل.

 

[115]

ابن امية، قال معاوية يا أبا يزيد: ما ظنك بعمك أبي لهب ؟ قال: إذا دخلت النار فخذ على يسارك تجده مفترشا عمتك حمالة الحطب، أفناكح في النار خير أم منكوح ؟ ! قال: كلاهما شر والله (1). وقال في موضع آخر: عقيل بن أبي طالب هو أخو أمير المؤمنين عليه السلام لابيه وامه، وكانوا بنو أبي طالب أربعة: طالب وهو أسن من عقيل بعشر سنين، وعقيل وهو أسن من جعفر بعشر سنين، وجعفر وهو أسن من علي بعشر سنين، وعلي عليه السلام وهو أصغرهم سنا وأعظمهم قدرا بل وأعظم الناس بعد ابن عمه قدرا، وكان أبو طالب يحب عقيلا أكثر من حبه سائر بنيه، فلذلك قال للنبي صلى الله عليه واله وللعباس حين أتياه ليقسما بنيه عام المحل (2) فيخففا عنه ثقلهم: دعوا لي عقيلا وخذوا من شئتم، فأخذ العباس جعفرا وأخذ محمد عليا، وكان عقيل يكنى أبا يزيد، قال له رسول الله صلى الله عليه واله: يا أبا يزيد إني احبك حبين: حبا لقرابتك مني وحبا لما كنت أعلم من حب عمي إياك. اخرج عقيل إلى بدر مكرها كما اخرج العباس فاسر وفدي وعاد إلى مكة، ثم أقبل مسلما مهاجرا قبل الحديبية، وشهد غزاة مؤتة مع أخيه جعفر، وتوفي في خلافة معاوية في سنة خمسين، وكان عمره ست و تسعون سنة، وله دار بالمدينة معروفة، وخرج إلى مكة (3) ثم إلى الشام ثم عاد إلى المدينة، ولم يشهد مع أخيه أمير المؤمنين عليه السلام شيئا من حروبه أيام خلافته وعرض نفسه وولده عليه فأعفاه ولم يكلفه حضور الحرب، وكان أنسب قريش و أعلمهم بأيامها، وكان مبغضا إليهم، لانه كان يعد مساويهم، وكانت له طنفسة (4) تطرح في مسجد رسول الله فيصلي عليها، ويجتمع إليه الناس في علم النسب وأيام العرب، وكان حينئذ قد ذهب بصره، وكان أسرع الناس جوابا وأشدهم عارضة

 

(1) شرح النهج 1: 481. (2) بالفتح فالسكون: انقطاع المطر ويبس الارض. (3) في المصدر: إلى العراق. (4) الطنفسة - مثلثة الطاء والفاء -: البساط. الحصير.

 

[116]

وكان يقال: إن في قريش أربعة يتحاكم إليهم في علم النسب وأيام قريش ويرجع إلى قولهم: عقيل بن أبي طالب، ومخرمة بن نوفل الزهري، وأبوالجهم بن حذيفة العدوي، وحويطب بن عبد العزى العامري، واختلف الناس فيه هل التحق بمعاوية وأمير المؤمنين عليه السلام حي ؟ فقال قوم (1) ورووا أن معاوية قال يوما وعقيل عنده: هذا أبو يزيد لولا علمه أني خير له من أخيه لما أقام عندنا وتركه، فقال عقيل: أخي خير لي في ديني وأنت خير لي في دنياي، وقد آثرت دنيا، وأسأل الله خاتمة خير. وقال قوم: إنه لم يفد إلى معاوية إلا بعد وفاة أمير المؤمنين عليه السلام و استدلوا على ذلك بالكتاب الذي كتبه إليه في آخر خلافته والجواب الذي أجابه عليه السلام به وقد ذكرناه فيما تقدم، وسيأتي ذكره أيضا في باب كتبه عليه السلام، وهذا القول هو الاظهر عندي. وروى المدائني قال: قال معاوية يوما لعقيل بن أبي طالب: هل من حاجة فأقضيها لك ؟ قال: نعم، جارية عرضت علي وأبى أصحابها أن يبيعوها إلا بأربعين ألفا، فأحب معاوية أن يمازحه، قال: وما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفا وأنت أعمى ؟ تجتزئ بجارية قيمتها خمسون درهما: قال: أرجو أن أطأها فتلد لي غلاما إذا أغضبته يضرب عنقك ! فضحك معاوية وقال: مازحناك يا بايزيد، وأمر فابتيعت له الجارية التي أولد منها مسلما رحمه الله، فلما أتت على مسلم ثماني عشرة سنة وقد مات عقيل أبوه قال لمعاوية: يا أمير المؤمنين إن لي أرضا بمكان كذا من المدينة، و إني أعطيت بها مائة ألف، وقد أحببت أن أبيعك إياها، فادفع إلي ثمنها، فأمر معاوية بقبض الارض ودفع الثمن إليه، فبلغ ذلك الحسين عليه السلام فكتب إلى معاوية: أما بعد فإنك اغتررت (2) غلاما من بني هاشم فابتعت منه أرضا لا يملكها، فاقبض من الغلام ما دفعته إليه واردد علينا أرضنا، فبعث معاوية إلى مسلم فأخبره ذلك وأقرأه

 

(1) أي اعتقد قوم ذلك. وفى المصدر: فقال قوم: نعم. (2) في المصدر: غررت.

 

[117]

كتاب الحسين عليه السلام وقال: اردد علينا مالنا وخذ أرضك فإنك بعت ما لا تملك، فقال مسلم: أما دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا، فاستلقى معاوية ضاحكا يضرب برجليه وقال: يا بني هذا والله كلام قاله لي أبوك حين ابتعت له امك، ثم كتب إلى الحسين عليه السلام: إني قد رددت عليكم الارض وسوغت مسلما ما أخذه، فقال الحسين عليه السلام: أبيتم يا آل أبي سفيان إلا كرما. وفقال معاوية لعقيل: يا أبا يزيد أين يكون عمك أبو لهب اليوم ؟ قال: إذا دخلت جهنم فاطلبه تجده مضاجعا عمتك ام جميل بنت حرب بن امية. وقالت له زوجته ابنة عتبة بن ربيعة: يا بني هاشم لا يحبكم قلبي أبدا، أين أبي ؟ أين عمي ؟ أين أخي ؟ كأن أعناقهم أباريق الفضة ترد أنفهم الماء قبل شفاههم، قال: إذا دخلت جهنم فخذي على شمالك تجدينهم. سأل معاوية عقيلا رحمه الله عن قصة الحديدة المحماة المذكورة، فبكى وقال: أنا احدثك يا معاوية عنه (1) ثم احدثك عما سألت، نزل بالحسين ابنه ضيف، فاستسلف (2) درهما اشترى به خبزا، واحتاج إلى الادام، فطلب من قنبر خادمهم أن يفتح له زقا من زقاق عسل جاءتهم من اليمن، فأخذ منه رطلا، فلما طلبها ليقسمها قال: يا قنبر أظن أنه حدث في هذا الزق حدث، قال: نعم يا أمير المؤمنين، و أخبره، فغضب وقال: علي بحسين، ورفع الدرة (3) فقال: بحق عمي جعفر - وكان إذا سئل بحق جعفر سكن - فقال له: ما حملك إذ أخذت منه قبل القسمة ؟ قال: إن لنا فيه حقا، فإذا أعطيناه رددناه، قال: فداك أبوك وإن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم، أما لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه واله يقبل ثنيتيك لاوجعتك ضربا، ثم دفع إلى قنبر درهما كان مصرورا في ردائه وقال: اشتر به خير عسل تقدر عليه، قال عقيل: والله لكأني أنظر

 

(1) أي عن أمير المؤمنين عليه السلام. (2) أي اقترض. (3) في المصدر: فرفع عليه الدرة.

 

[118]

إلى يدي علي وهي على فم الزق وقنبر يقلب العسل فيه ثم شده وجعل يبكي و يقول: اللهم اغفر للحسين فإنه لم يعلم. فقال معاوية ذكرت من لا ينكر فضله، رحم الله أبا حسن فلقد سبق من كان قبله وأعجز من يأتي بعده، هلم حديث الحديدة، قال: نعم، أقويت (1) وأصابتني مخمصة شديدة، فسألته فلم تند صفاته (2) فجمعت صبياني وجئته بهم والبؤس والضر ظاهران عليهم، فقال: ائتني عشية لادفع إليك شيئا، فجئته يقودني أحد ولدي فأمره بالتنحي ثم قال: ألا فدونك، فأهويت حريصا قد غلبني الجشع (3) أظنها صرة، فوضعت يدي على حديد تلتهب نارا، فلما قبضتها نبذتها وخرت كما يخور (4) الثور تحت جازره، فقال لي: ثكلتك امك هذا من حديدة أوقدت لها نار الدنيا فكيف بك وبي غدا أن سلكنا في سلاسل جهنم ؟ ثم قرأ " إذ الاغلال في أعناقهم و السلاسل يسحبون " (5) ثم قال: ليس لك عندي فوق حقك الذي فرضه الله لك إلا ما ترى، فانصرف إلى أهلك، فجعل معاوية يتعجب ويقول: هيهات عقمت النساء أن تلد بمثله (6). أقول: روي في بعض مؤلفات أصحابنا عن قتادة أن أروى بنت الحارث بن عبد المطلب دخلت على معاوية بن أبي سفيان وقد قدم المدينة وهي عجوز كبيرة فلما رآها معاوية قال: مرحبا بك يا خالة كيف كنت بعدي ؟ قالت: كيف أنت يا ابن اختي ؟ لقد كفرت النعمة وأسأت لابن عمك الصحبة، وتسميت بغير اسمك

 

(1) أي افتقرت. (2) الصفاة: الحجر الصلد الضخم. يقال " فلان لا تندى صفاته " أي انه بخيل. والجملة كناية عن امساكه عليه السلام عن بذل بيت المال لاخيه عقيل. (3) الجشع: اشد الحرص. (4) خار البقر: صاح. (5) سورة المؤمن: 71. (6) شرح النهج 3: 120 - 122. وفيه: هيهات هيهات عقمت النساء أن يلدن بمثله.

 

[119]

وأخذت غير حقك بلا بلاء كان منك ولا من آبائك في ديننا ولا سابقة كانت لكم، بل كفرتم بما جاء به محمد صلى الله عليه واله، فأتعس الله منكم الجدود، وأصعر منكم الخدود، و رد الحق إلى أهله، فكانت كلمتنا هي العليا ونبينا هو المنصور على من ناواه، فوثبت قريش علينا من بعده حسدا لنا وبغيا، فكنا بحمدالله ونعمته أهل بيت فيكم بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون، وكان سيدنا فيكم بعد نبينا بمنزلة هارون من موسى، وغايتنا الجنة وغايتكم النار، فقال لها عمرو بن العاص: كفي أيتها العجوز الضالة، واقصري من قولك مع ذهاب عقلك، إذ لا تجوز شهادتك وحدك ! فقالت: وأنت يا ابن الباغية تتكلم وامك أشهر بغي بمكة، وأقلهم اجرة ! و ادعاك خمسة من قريش، فسئلت امك عن ذلك فقالت: كل أتاها فانظروا أشبههم به فألحقوه به ! فغلب شبه العاص بن وائل جزار قريش الامهم مكرا وأمهنهم خيرا فما ألومك ببغضنا، قال مروان بن الحكم: كفي أيتها العجوز واقصدي لما جئت له، فقالت: وأنت يا ابن الزرقاء تتكلم والله وأنت ببشير مولى ابن كلدة أشبه منك بالحكم بن العاص ! وقد رأيت الحكم سبط الشعر مديد القامة، وما بينكما قرابة إلا كقرابة الفرس الضامر من الاتان المقرف ! فاسأل عما أخبرتك به امك فإنها ستخبرك بذلك، ثم التفتت إلى معاوية فقالت: والله ما جرأ هؤلاء غيرك، وإن امك القائلة في قتل حمزة: نحن جزيناكم بيوم بدر * والحرب بعد الحرب ذات السعر إلى آخر الابيات، فأجابتها ابنة عمي: خزيت في بدر وغير بدر * يا بنت وقاع عظيم الكفر إلى آخر الابيات، فالتفت معاوية إلى مروان وعمرو وقال: والله ما جرأها علي غيركما، ولا أسمعني هذا الكلام سواكما، ثم قال: يا خالة اقصدي لحاجتك ودعي أساطير النساء عنك، قالت: تعطيني ألفي دينار وألفي دينار، قال: ما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت: أزوج بها فقراء بني الحارث بن عبد المطلب، قال:


 

[120]

هي كذلك، فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت: أستعين بها على شدة الزمان وزيارة بيت الله الحرام، قال: قد أمرت بها لك، فما تصنعين بألفي دينار ؟ قالت: أشتري بها عينا خرارة في أرض حوارة تكون لفقراء بني الحارث بن عبد المطلب، قال: هي لك يا خالة، أما والله لو كان ابن عمك علي ما أمر بها لك، قالت: تذكر عليا فض الله فاك وأجهد بلاك، ثم علا نحيبها وبكاؤها وجعلت تقول: ألا يا عين ويحك فاسعدينا * ألا فابكي أمير المؤمنينا رزئنا خير من ركب المطايا * وجال بها ومن ركب السفينا ومن لبس النعال ومن حذاها * ومن قرأ المثاني والمئينا إذا استقبلت وجه أبي حسين * رأيت البدر راق الناظرينا ألا فابلغ معاوية بن حرب * فلا قرت عيون الشامتينا أفي الشهر الحرام فجعتمونا * بخير الخلق طرا أجمعينا مضى بعد النبي فدته نفسي * أبو حسن وخير الصالحينا كأن الناس إذ فقدوا عليا * نعام جال في بلد سنينا فلا والله لا أنسى عليا * وحسن صلاته في الراكعينا لقد علمت قريش حيث كانت * بأنك خيرها حسبا ودينا فلا يفرح معاوية بن حرب * فإن بقية الخلفاء فينا قال: فبكى معاوية ثم قال: يا خالة لقد كان كما قلت وأفضل. بيان: الخرير: صوت الماء أي عينا يكون لمائها صوت لكثرته. والحوارة لعلها من الحور بمعنى الرجوع، أي ترجع كل سنة إلى إعطاء الغلة، وفي أكثر النسخ بالخاء المعجمة، والخوار: الصوت والضعف والانكسار، ولا يستقيم إلا بتكلف. 4 - قب: إخوته عليه السلام طالب وعقيل وجعفر وعلي أصغرهم، وكل واحد منهم أكبر من أخيه بعشر سنين بهذا الترتيب، وأسلموا كلهم وأعقبوا إلا طالب،


 

[121]

فإنه أسلم ولم يعقب، اخته ام هانئ واسمها فاختة وجمانة، وخاله حنين بن أسد ابن هاشم، وخالته خالدة بنت أسد، وربيبه محمد بن أبي بكر، وابن اخته جعدة بن هبيرة (1). 5 - ل: الحسن بن محمد العلوي، عن جده، عن الحسين بن محمد، عن ابن أبي السري، عن هشام بن محمد السائب، عن أبيه، عن أبي الصالح، عن ابن عباس قال: كان بين طالب وعقيل عشر سنين، وبين عقيل وجعفر عشر سنين، وبين جعفر وعلي عليه السلام عشر سنين، وكان علي عليه السلام أصغرهم (2). أقول: قد مضى كثير من أحوال عقيل في باب جوامع مكارمه عليه السلام وأحوال جعفر عليه السلام وبعض عشائره في أبواب أحوال عشائر الرسول صلى الله عليه واله وأصحابه، وسيأتي أحوال عبد الله بن جعفر وعبد الله بن العباس في باب أحوال أصحابه عليه السلام وأبواب أحوال الحسين عليه السلام. 122. (باب) * (أحوال رشيد الهجرى وميثم التمار وقنبر رضى الله عنهم أجمعين) * 1 - ما: المفيد، عن الجعابي، عن ابن عقدة، عن محمد بن يوسف بن إبراهيم عن أبيه، عن وهيب بن حفص، عن أبي حسان العجلي قال: لقيت أمة الله بنت راشد الهجري فقلت لها: أخبريني بما سمعت من أبيك، قالت: سمعته يقول: قال لي حبيبي أمير المؤمنين عليه السلام: يا راشد كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني امية فقطع يديك ورجليك ولسانك ؟ فقلت: يا أمير المؤمنين أيكون آخر ذلك إلى الجنة ؟

 

(1) مناقب آل أبى طالب 2: 75. (2) الخصال 1: 85.

 

[122]

قال: نعم يا راشد وأنت معي في الدنيا والآخرة، قالت: فوالله ما ذهبت الايام حتى أرسل إليه الدعي عبيد الله بن زياد فدعاه إلى البراءة منه، فقال له ابن زياد: فبأي ميتة قال لك صاحبك تموت ؟ قال: خبرني خليلي صلوات الله عليه أنك تدعوني إلى البراءة منه فلا أتبرا، فتقدمني فتقطع يدي ورجلي ولساني، فقال: والله لاكذبن صاحبك، قدموه واقطعوا يده ورجله واتركوا لسانه، فقطعوه ثم حملوه إلى منزلنا، فقلت له: يا أبت جعلت فداك هل تجد لما أصابك ألما ؟ قال: لا والله يا بنية إلا كالزحام بين الناس، ثم دخل عليه جيرانه ومعارفه يتوجعون له فقال: آتوني (1) بصحيفة ودواة أذكر لكم ما يكون مما أعلمنيه مولاي أمير المؤمنين عليه السلام فأتوه بصحيفة ودواة، فجعل يذكر ويملي عليهم أخبار الملاحم والكائنات ويسندها إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فبلغ ذلك ابن زياد، فأرسل إليه الحجام حتى قطع لسانه فمات من ليلته تلك، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يسميه راشد المبتلى، وكان قد ألقى إليه علم البلايا والمنايا، فكان يلقى الرجل ويقول له: يا فلان بن فلان تموت ميتة كذا، وأنت يا فلان تقتل قتلة كذا، فيكون الامر كما قاله راشد رحمه الله (2). 2 - يد: أبي، عن سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير، عن العرزمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان لعلي عليه السلام غلام اسمه قنبر، وكان يحب عليا حبا شديدا، فإذا خرج علي عليه السلام خرج على أثره بالسيف، فرآه ذات ليلة فقال: يا قنبر مالك ؟ قال: جئت لامشي خلفك، فإن الناس كما تراهم يا أمير المؤمنين، فخفت عليك، قال: ويحك أمن أهل السماء تحرسني أم من أهل الارض ؟ قال: لا بل من أهل الارض، قال: إن أهل الارض لا يستطيعون بي شيئا إلا بإذن الله عز وجل من السماء فارجع فرجع (3). (هامش) * (1) في المصدر: ايتونى. (2) أمالى الشيخ: 103 و 104. (3) التوحيد: 350. (*)


 

[123]

3 - ختص: أحمد بن محمد بن يحيى، عن عبد الله بن جعفر، عن هارون، عن ابن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام: أن عليا عليه السلام قال: إذا رأيت [منهم] أمرا منكرا * أو قدت ناري ودعوت قنبرا (1). 4 - ير: عبد الله بن محمد، عن إبراهيم بن محمد، عن علي بن معلى، عن ابن أبي حمزة، عن سيف بن عميرة قال: سمعت العبد الصالح أبا الحسن عليه السلام ينعى إلى رجل نفسه، فقلت في نفسي: وإنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته ؟ فقال شبه الغضب: يا إسحاق قد كان رشيد الهجري يعلم علم المنايا والبلايا فالامام أولى بذلك (2). 5 - ير: الحسن بن علي بن معاوية (3)، عن إسحاق قال: كنت عند أبي - الحسن عليه السلام ودخل عليه رجل، فقال له أبو الحسن عليه السلام: يا فلان إنك أنت تموت إلى شهر، قال: فأضمرت في نفسي كأنه يعلم آجال شيعته، قال: فقال: يا إسحاق وما تنكرون من ذلك ؟ وقد كان رشيد الهجري مستضعفا وكان يعلم علم المنايا والبلايا فالامام أولى بذلك، ثم قال: يا إسحاق تموت إلى سنتين، ويتشتت أهلك وولدك وعيالك وأهل بيتك، ويفلسون إفلاسا شديدا (4). بيان: مستضعفا أي مظلوما، أي يعده الناس ضعيفا لا يعتنون بشأنه، أو كانوا يحسبونه ضعيف العقل. 6 - سن: عثمان بن عيسى، عن أبي الجارود، عن قنو (5) ابنة رشيد الهجري قالت: قلت لابي: ما أشد اجتهادك ! فقال: يا بنية سيجئ قوم بعدنا بصائرهم في دينهم أفضل من اجتهاد أوليهم (6).

 

(1) الاختصاص: 73. وفيه: أوقدت نارا. (2) بصائر الدرجات: 73. (3) كذا في النسخ. والصحيح كما في المصدر: الحسن بن على بن فضال، عن معاوية، عن إسحاق. (4) بصائر الدرجات: 73. (5) في المصدر: قنوة. (6) المحاسن: 251.

 

[124]

7 - شا: من معجزات أمير المؤمنين صلوات الله عليه أن ميثم التمار كان عبدا لا مرأة من بني أسد، فاشتراه أمير المؤمنين عليه السلام منها فأعتقه، فقال: ما اسمك ؟ فقال: سالم، فقال: أخبرني رسول الله صلى الله عليه واله أن اسمك الذي سماك به أبوك في العجم ميثم، قال: صدق الله ورسوله وصدق أمير المؤمنين (1) والله إنه لاسمي، قال: فارجع إلى اسمك الذي سماك به رسول الله صلى الله عليه واله ودع سالما، فرجع إلى ميثم و اكتنى بأبي سالم، فقال علي عليه السلام ذات يوم: إنك تؤخذ بعدي فتصلب وتطعن بحربة، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر منخراك وفمك دما فتخضب لحيتك، فانتظر ذلك الخضاب، فتصلب على باب دار عمرو بن حريث عاشر عشرة، أنت أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة، وامض حتى اريك النخلة التي تصلب على جذعها، فأراه إياها، وكان ميثم يأتيها فيصلي عندها ويقول: بوركت من نخلة لك خلقت ولي غذيت، ولم يزل معاهدها (2) حتى قطعت، وحتى عرف الموضع الذي يصلب عليها بالكوفة، قال: وكان يلقى عمرو بن حريث فيقول: إني مجاورك فأحسن جواري فيقول له عمرو: أتريد أن تشتري دار ابن مسعود أو دار ابن حكيم ؟ وهو لا يعلم ما يريد، وحج في السنة التي قتل فيها فدخل على ام سلمة رضي الله عنها، فقالت: من أنت ؟ قال: أنا ميثم، قالت: والله لربما سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يذكرك ويوصي بك عليا في جوف الليل، فسألها عن الحسين عليه السلام فقالت: هو في حائط له، قال: أخبريه أنني قد أحببت السلام عليه، ونحن ملتقون عند رب العالمين إن شاء الله، فدعت بطيب وطيبت لحيته، وقالت: أما إنها ستخضب بدم فقدم الكوفة فأخذه عبيد الله ابن زياد فادخل عليه، فقيل له: هذا كان من آثر الناس عند علي عليه السلام قال: ويحكم هذا الاعجمي ؟ قيل له: نعم، قال له عبيدالله أين ربك ؟ قال: بالمرصاد

 

(1) في المصدر: وصدقت يا أمير المؤمنين. (2) ": يتعاهدها.

 

[125]

لكل ظالم وأنت أحد الظلمة، قال: إنك على عجمتك لتبلغ الذي تريد: قال: أخبرني ما أخبرك صاحبك أني فاعل بك، قال: أخبرني أنك تصلبني عاشر عشرة أنا أقصرهم خشبة وأقربهم إلى المطهرة، قال: لنخالفنه، قال: كيف تخالفه فوالله ما أخبر (1) إلا عن النبي صلى الله عليه واله عن جبرئيل عن الله تعالى، فكيف تخالف هؤلاء ؟ ولقد عرفت الموضع الذي اصلب فيه وأين هو من الكوفة، وأنا أول خلق الله الجم في الاسلام. فحسبه وحبس معه المختار بن أبي عبيدة، قال له ميثم: إنك تفلت وتخرج ثائرا بدم الحسين عليه السلام فتقتل هذا الذي يقتلنا، فلما دعا عبيدالله بالمختار ليقتله طلع بريد بكتاب يزيد إلى عبيدالله يأمره بتخلية سبيله، فخلاه وأمر بميثم أن يصلب، فأخرج فقال له رجل لقيه: ما كان أغناك عن هذا ؟ فتبسم وقال وهو يومئ إلى النخلة لها خلقت ولي غذيت، فلما رفع على الخشبة اجتمع الناس حوله على باب عمرو بن حريث، قال عمرو: قد كان والله يقول: إني مجاورك، فلما صلب أمر جاريته بكنس تحت خشبته ورشه وتجميره، فجعل ميثم يحدث بفضائل بني هاشم، فقيل لابن زياد: قد فضحكم هذا العبد، فقال: الجموه وكان أول خلق الله الجم في الاسلام، وكان قتل ميثم رحمه الله قبل قدوم الحسين بن علي عليهما السلام العراق بعشرة أيام، فلما كان اليوم الثالث من صلبه طعن ميثم بالحربة فكبر، ثم انبعث في آخر النهار فمه وأنفه دما، وهذا من جملة الاخبار عن الغيوب المحفوظة عن أمير المؤمنين عليه السلام وذكره شائع والرواية به بين العلماء مستفيضة. ومن ذلك ما رواه ابن عياش، عن مجالد، عن الشعبي، عن زياد بن النصر الحارثي قال: كنت عند زياد إذ اتي برشيد الهجري قال له زياد: ما قال لك صاحبك - يعني عليا عليه السلام - إنا فاعلون بك ؟ قال: تقطعون يدي ورجلي وتصلبونني، فقال زياد: أم والله لاكذبن حديثه، خلوا سبيله، فلما أراد أن يخرج قال زياد: والله

 

(1) في المصدر، ما أخبرني.

 

[126]

ما نجد (1) شيئا شرا مما قال له صاحبه، اقطعوا يديه ورجليه واصلبوه، فقال رشيد: هيهات قد بقي لي عندكم شئ أخبرني به أمير المؤمنين عليه السلام، فقال زياد: اقطعوا لسانه، فقال رشيد: الآن والله جاء التصديق لامير المؤمنين عليه السلام. وهذا الخبر أيضا قد نقله المؤالف والمخالف عن ثقاتهم عمن سميناه، واشتهر أمره عند علماء الجميع وهو من جملة ما تقدم ذكره من المعجزات والاخبار عن الغيوب. ومن ذلك ما رواه عامة أصحاب السيرة من طرق مختلفة أن الحجاج بن يوسف الثقفي قال ذات يوم: احب أن اصيب رجلا من أصحاب أبي تراب فأتقرب إلى الله بدمه ! فقيل له: ما نعلم أحدا كان أطول صحبة لابي تراب من قنبر مولاه، فبعث في طلبه فاتي به، فقال له: أنت قنبر ؟ قال: نعم، قال: أبو همدان ؟ قال: نعم، قال مولى علي بن أبي طالب ؟ قال: الله مولاي وأمير المؤمنين علي ولي نعمتي، قال: ابرأ من دينه، قال: فإذا برئت من دينه تدلني على دين غيره أفضل منه ؟ قال: إني قاتلك فاختر أي قتلة أحب إليك، قال: قد صيرت ذلك إليك، قال: ولم ؟ قال: لانك لا تقتلني قتلة إلا قتلتك مثلها، وقد أخبرني أمير المؤمنين عليه السلام أن ميتتي يكون ذبحا ظلما بغير حق، قال: فأمر به فذبح (2). 8 - شى: عن محمد بن مروان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ما منع ميثم رحمه الله من التقية ؟ [فوالله] لقد علم أن هذه الآية نزلت في عمار وأصحابه " إلا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان (3) ". * [كا، علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن محمد بن مروان مثله (4)

 

(1) في المصدر: ما نجد له. (2) الارشاد للمفيد: 152 - 155. (3) تفسير العياشي: 2: 271. والاية في سورة النحل: 106.من هنا إلى الرواية الاتية من مختصات نسخة (ك). (4) اصول الكافي (الجزء الثاني من الطبعة الحديثة): 320.

 

[127]

بيان: لعل وجه الجمع بين أخبار التقية وعدمها في التبري الحمل على التخيير، فيكون هذا الكلام منه عليه السلام على وجه الاشفاق بأنه كان يمكنه حفظ النفس بالتقية فلم تركها، على وجه إلا الذم ؟ والاعتراض (1)، وفي أكثر نسخ الكتابين " ميثم " بالرفع، فالظاهر قراءة " منع " على بناء المجهول، فيحتمل ما ذكرنا أي لم يكن ممنوعا عن التقية شرعا فلم لم يتق ؟ ويحتمل أن يكون مدحا، أي وطن نفسه على القتل لحب أمير المؤمنين عليه السلام مع أنه لم يكن ممنوعا من التقية ويحتمل أن يكون المعنى: لم يمنع من التقية ولم يتركها ولكن لم تنفعه، أو المعنى أنه إنما تركها لعلمه بعدم الانتفاع بها وعدم تحقق شرط التقية فيه، ويمكن أن يقرأ " منع " على بناء المعلوم، أي ليس فعله مانعا للغير عن التقية، لانه اختار أحد الفردين المخير فيهما أو لاختصاصه به لعدم تحقق شرطها فيه، أو فعله ولم ينفعه وبالجملة يبعد عن مثل ميثم ورشيد وقنبر رضي الله عنهم بعد إخبار أمير المؤمنين عليه السلام إياهم بما يجري عليهم أمرهم بالتقية تركهم أمره عليه السلام، وعدم بيانه عليه السلام لهم ما يجب عليهم فعله في هذا الوقت أبعد والله يعلم]. 9 - كش: حمدويه وإبراهيم معا، عن أيوب بن نوح، عن صفوان، عن عاصم بن حميد، عن ثابت الثقفي قال: لما امر بميثم ليصلب قال رجل: يا ميثم لقد كنت عن هذا غنيا، قال فالتفت إليه ميثم ثم قال: والله ما نبتت هذه النخلة إلا لي، ولا اغتذيت إلا لها (2). 10 - محمد بن مسعود قال: حدثني علي بن محمد، عن أحمد بن محمد النهدي، عن العباس بن معروف، عن صفوان، عن يعقوب بن شعيب، عن صالح بن ميثم قال: أخبرني أبو خالد التمار قال: كنت مع ميثم التمار بالفرات يوم الجمعة، فهبت ريح وهو في سفينة من سفن الرمان، قال: فخرج فنظر إلى الريح فقال: شدوا برأس سفينتكم إن هذا ريح عاصف مات معاوية الساعة، قال: فلما كانت

 

(1) على وجه الذم والاعتراض، ظ. (2) معرفة أخبار الرجال: 53.

 

[128]

الجمعة المقبلة قدم بريد من الشام فلقيته فاستخبرته، فقلت له: يا عبد الله ما الخبر ؟ قال: الناس على أحسن حال، توفي أمير المؤمنين وبايع الناس يزيد ! قال: قلت: أي يوم توفي ؟ قال: يوم الجمعة (1). 11 - محمد بن مسعود، عن عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي، عن الوشاء، عن عبد الله بن خراش المنقري، عن علي بن إسماعيل، عن فضيل الرسان، عن حمزة بن ميثم قال: خرج أبي إلى العمرة فحدثني قال: استأذنت على أم سلمة رحمة الله عليها، فضربت بيني وبينها خدرا، فقالت لي: أنت ميثم ؟ فقلت: أنا ميثم، فقالت: كثيرا ما رأيت الحسين بن علي ابن فاطمة يذكرك، قلت: فأين هو ؟ قالت: خرج في غنم له آنفا، قلت: أنا والله اكثر ذكره فاقرأه (2) فإني مبادر، فقالت: يا جارية اخرجي فادهنيه، فخرجت فدهنت لحيتي ببان (3) فقلت أنا: أما والله لئن دهنتها (4) لتخضبن فيكم بالدماء فخرجنا فإذا ابن عباس رحمة الله عليهما جالس، فقلت: يا ابن عباس سلني ما شئت من تفسير القرآن فإني قرأت تنزيله على أمير المؤمنين عليه السلام وعلمني تأويله، فقال يا جارية الدواة والقرطاس، فأقبل يكتب، فقلت: يا ابن عباس كيف بك إذا رأيتني مصلوبا تاسع تسعة أقصرهم خشبة وأقربهم بالمطهرة ؟ فقال لي: وتكهن أيضا ؟ وخرق الكتاب، فقلت: مه احفظ (5) بما سمعت مني فإن يكن ما أقول لك حقا أمسكته وإن يك باطلا خرقته، قال: هو ذلك، فقدم أبي علينا، فما لبث يومين حتى أرسل عبيدالله بن زياد فصلبه تاسع تسعة أقصرهم خشبة وأقربهم إلى المطهرة، فرأيت الرجل الذي جاء إليه ليقتله وقد أشار إليه بالحربة وهو يقول: أما والله لقد كنت ما علمتك إلا قواما، ثم طعنه في خاصرته

 

(1) معرفة اخبار الرجال: 53. (2) كذا في النسخ. وفى المصدر: فاقرأنيه السلام. (3) البان: شجر معتدل القوام لين ورقه كورق الصفصاح يؤخذ من حبه دهن طيب. (4) في (م) و (خ): دهنتيها. (5) في المصدر: احتفظ.

 

[129]

فأجافه فاحتقن الدم (1) فمكث يومين، ثم إنه في اليوم الثالث بعد العصر قبل المغرب انبعث منخراه دما، فخضبت لحيته بالدماء. قال أبو نصر محمد بن مسعود: وحدثني أيضا بهذا الحديث علي بن الحسن بن فضال، عن أحمد بن محمد الاقرع، عن داود بن مهزيار، عن علي بن إسماعيل، عن فضيل، عن عمران بن ميثم - قال علي بن الحسن: هو حمزة بن ميثم خطاء - و قال علي: أخبرني به الوشاء بإسناده مثله سواء، غير أنه ذكر عمران بن ميثم (2). 12 - حمدويه وإبراهيم، قالا: حدثنا أيوب، عن حنان بن سدير، عن أبيه، عن جده قال: قال لي ميثم التمار ذات يوم: يابا حكيم إني اخبرك بحديث وهو حق، قال: فقلت: يا با صالح بأي شئ تحدثني ؟ قال: إني أخرج العام إلى مكة، فإذا قدمت القادسية راجعا أرسل إلي هذا الدعي ابن زياد رجلا في مائة فارس حتى يجئ بي إليه، فيقول لي: أنت من هذه السبابية الخبيثة المحترقة التي قد يبست عليها جلودها، وأيم الله لاقطعن يدك ورجلك، فأقول: لا رحمك الله، فوالله لعلي عليه السلام كان أعرف بك من حسن عليه السلام حين ضرب رأسك بالدرة فقال له الحسن: يا أبت لا تضربه فإنه يحبنا ويبغض عدونا، فقال له علي عليه السلام مجيبا له: اسكت يا بني فوالله لانا أعلم به منك، فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة أنه لولي لعدوك و عدو لوليك، قال: فيأمر بي عند ذلك فاصلب، فأكون أول هذه الامة الجم بالشريط في الاسلام، فإذا كان اليوم الثالث فقلت: غابت الشمس أولم تغب، ابتدر منخراي دما على صدري ولحيتي، قال: فرصدناه فلما كان اليوم الثالث فقلت: غابت الشمس أولم تغب ؟ ابتدر منخراه على صدره ولحيته دما، قال: فاجتمعنا سبعة من التمارين فاتعدنا بحمله، فجئنا إليه ليلا والحراس يحرسونه وقد أوقدوا النار، فحالت النار بيننا وبينهم، فاحتملناه بخشبة حتى انتهيا به إلى فيض من ماء

 

(1) اجافه بالطعنة: بلغ بها جوفه. احتقن الدم: اجتمع في الجوف من طعنة جائفة. (2) معرفة اخبار الرجال: 53 و 54.

 

[130]

في مراد فدفناه فيه، ورمينا الخشبة في مراد في الخراب، وأصبح فبعث الخيل فلم تجد شيئا. قال: وقال يوما: يابا حكيم ! ترى هذا المكان ليس يؤدى فيه طسق - والطسق أداء الاجر - ولئن طالت بك الحياه لتؤدين طسق هذا المكان إلى رجل في دار الوليد بن عقبة اسمه زرارة، قال سدير: فأديته على خزي إلى رجل في دار الوليد بن عقبة يقال له زرارة (1). 13 - جبرئيل بن أحمد، عن محمد بن عبد الله بن مهران، عن محمد بن علي الصيرفي، عن علي بن محمد، عن يوسف بن عمران الميثمي قال: سمعت ميثما (2) النهرواني يقول: دعاني أمير المؤمنين صلوات الله عليه وقال: كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني امية (3) عبيدالله بن زياد إلى البراءة مني ؟ فقلت يا أمير المؤمنين: أنا والله لا أبرأ منك، قال: إذن والله يقتلك ويصلبك، قلت: أصبر فذاك في الله قليل، فقال: يا ميثم إذا تكون معي في درجتي، قال وكان ميثم يمر بعريف قومه (4) ويقول: يا فلان كأني بك وقد دعاك دعي بني امية ابن دعيها فيطلبني منك أياما، فإذا قدمت عليك ذهبت بي إليه حتى يقتلني على باب دار عمرو بن حريث، فإذا كان يوم الرابع ابتدر منخراي دما عبيطا، وكان ميثم يمر بنخلة في سبخة فيضرب بيده عليها و يقول: يا نخلة ما غذيت إلا لي وما غذيت إلا لك، وكان يمر بعمرو بن حريث و يقول: يا عمرو إذا جاورتك فأحسن جواري، فكان عمرو يرى أنه يشتري دارا أو ضيعة لزيق (5) ضيعته، فكان يقول له عمرو: ليتك قد فعلت، ثم خرج ميثم النهرواني إلى مكة، فأرسل الطاغية عدو الله ابن زياد إلى عريف ميثم فطلبه منه، فأخبره

 

(1) معرفة اخبار الرجال: 54 و 55. (2) في المصدر: ميثم. (3) في المصدر بعد ذلك: ابن دعيها. (4) العريف من يعرف اصحابه. القيم بأمر القول والنقيب. (5) اللزيق: اللصيق

 

[131]

أنه بمكة، فقال له: لئن لم تأتني ؟ ؟ به لاقتلنك: فأجله أجلا، وخرج العريف إلى القادسية ينتظر ميثما، فلما قدم ميثم قال: أنت ميثم ؟ قال: نعم أنا ميثم، قال: تبرأ من أبي تراب (1) قال: لا أعرف أبا تراب، قال: تبرأ من علي بن أبي طالب فقال له: فإن أنا لم أفعل ؟ قال: إذا والله لاقتلك (2) قال: أما لقد كان يقول لي إنك ستقتلني وتصلبني على باب عمرو بن حريث، فإذا كان يوم الرابع ابتدر منخراي دما عبيطا، فأمر به فصلب على باب عمرو بن حريث، فقال للناس: سلوني - وهو مصلوب - قبل أن اقتل، فوالله لاخبرتكم بعلم ما يكون إلى أن تقوم الساعة وما يكون من الفتن، فلما سأله الناس حدثهم حديثا واحدا إذ أتاه رسول من قبل ابن زياد فألجمه بلجام من شريط، وهو أول من الجم بلجام وهو مصلوب (3). يج عن عمران عن أبيه ميثم مثله (4). بيان: الشريط: حبل يفتل من خوص. كش: وروي عن أبي الحسن الرضا عن أبيه عن آبائه صلوات الله عليهم قال: أتى ميثم التمار دار أمير المؤمنين عليه السلام فقيل له: إنه نائم، فنادى بأعلى صوته: انتبه أيها النائم، فوالله لتخضبن لحيتك من رأسك، فانتبه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أدخلوا ميثما، فقال (5): أيها النائم والله لتخضبن لحيتك من رأسك، فقال: صدقت وأنت والله ليقطعن يداك ورجلاك ولسانك، ولتقطعن النخلة التي في الكناسة فتشق أربع قطع فتصلب أنت على ربعها، وحجر بن عدي على ربعها، ومحمد بن أكتم على ربعها، وخالد بن مسعود على ربعها، قال ميثم: فشككت في نفسي وقلت: إن

 

(1) كأن في العبارة سقطا، والظاهران يكون هكذا: فجاء به العريف إلى ابن زياد، فقال ابن زياد: تبرأ من ابى تراب. (2) في المصدر: لاقتلنك. (3) معرفة اخبار الرجال: 55 و 56. (4) الخرائج والجرائح: 20. (5) في المصدر: فقال له.

 

[132]

عليا ليخبرنا بالغيب ! فقلت له: أو كائن ذاك يا أمير المؤمنين ؟ فقال: إي ورب الكعبة كذا عهده إلي النبي صلى الله عليه واله، قال: فقلت: لم (1) يفعل ذلك بي يا أمير المؤمنين فقال: ليأخذنك العتل الزنيم ابن الامة الفاجرة عبيدالله بن زياد، قال: وكان يخرج إلى الجبانة وأنا معه فيمر بالنخلة فيقول لي: يا ميثم إن لك ولها شأنا من الشأن، قال: فلما ولي عبيدالله بن زياد الكوفة ودخلها تعلق علمه بالنخلة التي بالكناسة فتخرق، فتطير من ذلك فأمر بقطعها، فاشتراها رجل من النجارين فشقها أربع قطع، قال ميثم: فقلت لصالح ابني: فخذ مسمارا من حديد فانقش عليه اسمي واسم أبي ودقه في بعض تلك الاجذاع. قال: فلما مضى بعد ذلك أيام أتوني قوم من أهل السوق فقالوا: يا ميثم انهض معنا إلى الامير نشتكي (2) إليه عامل السوق فنسأله أن يعزله عنا ويولي علينا غيره، قال: وكنت خطيب القوم، فنصت لي وأعجبه منطقي، فقال له عمرو بن حريث: أصلح الله الامير تعرف هذا المتكلم ؟ قال: ومن هو ؟ قال: ميثم التمار الكذاب مولى الكذاب علي بن أبي طالب، قال: فاستوى جالسا فقال لي: ما تقول ؟ فقلت كذب أصلح الله الامير، بل أنا الصادق مولى الصادق علي بن أبي طالب أمير المؤمنين حقا، فقال لي: لتبرأن من علي ولتذكرن مساويه وتتولى عثمان وتذكر محاسنه أو لاقطعن يديك ورجليك ولاصلبنك، فبكيت، فقال لي: بكيت من القول دون الفعل ؟ فقلت: والله ما بكيت من القول ولا من الفعل ولكني بكيت من شك كان دخلني يوم أخبرني سيدي ومولاي، فقال لي: وما قال لك ؟ قال: فقلت: أتيته الباب فقيل لي: إنه نائم، فناديت: انتبه أيها النائم فوالله لتخضبن لحيتك من رأسك، فقال: صدقت وأنت والله ليقطعن يداك ورجلاك ولسانك ولتصلبن، فقلت: ومن يفعل ذلك بي يا أمير المؤمنين ؟ فقال: يأخذك العتل الزنيم ابن الامة الفاجرة عبيدالله بن زياد قال: فامتلا غيظا ثم قال لي: والله لاقطعن يديك ورجليك ولادعن لسانك حتى

 

(1) ومن يفعل ظ. (2) في المصدر: نشكو.

 

[133]

اكذبك واكذب مولاك، فأمر به فقطعت يداه ورجلاه، ثم اخرج وأمر به أن يصلب، فنادى بأعلى صوته: أيها الناس من أراد أن يسمع الحديث المكنون عن علي ابن أبي طالب ؟ قال فاجتمع الناس، وأقبل يحدثهم بالعجائب، قال: وخرج عمرو ابن حريث وهو يريد منزله فقال: ما هذه الجماعة ؟ قال: ميثم التمار يحدث الناس عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: فانصرف مسرعا فقال: أصلح الله الامير بادر فابعث إلى هذا من يقطع لسانه، فإني لست آمن أن يتغير قلوب أهل الكوفة فيخرجوا عليك، قال: فالتفت إلى حرسي فوق رأسه فقال: اذهب فاقطع لسانه، قال: فأتاه الحرسي وقال له: يا ميثم ! قال: ما تشاء ؟ قال: أخرج لسانك فقد أمرني الامير بقطعه قال ميثم: ألا زعم ابن الامة الفاجرة أنه يكذبني ويكذب مولاي ؟ هاك لساني، قال: فقطع لسانه وتشخط ساعة في دمه ثم مات، وأمر به فصلب، قال صالح: فمضيت بعد ذلك أيام (1) فإذا هو قد صلب على الربع الذي كتبت ودققت فيه المسمار (2). 15 - ختص، كش: إبراهيم بن الحسين الحسيني العقيقي رفعه قال: سئل (3) قنبر: مولى من أنت ؟ فقال: مولاي (4) من ضرب بسيفين، وطعن برمحين، وصلى القبلتين، وبايع البيعتين، وهاجر الهجرتين، ولم يكفر بالله طرفة عين، أنا مولى صالح المؤمنين، ووارث النبيين، وخير الوصيين، وأكبر المسلمين، ويعسوب المؤمنين، ونور المجاهدين، ورئيس البكائين، وزين العابدين، وسراج الماضين، وضوء القائمين وأفضل القانتين، ولسان رسول رب العالمين وأول المؤمنين (5) من آل يس، المؤيد بجبرئيل الامين، والمنصور بميكائيل المتين، والمحمود عند أهل السماء أجمعين، سيد المسلمين

 

(1) كذا في النسخ. وفى المصدر: بأيام. (2) معرفة اخبار الرجال: 56 - 58. (3) في الاختصاص: وفي رواية العامة سئل اه‍. (4) كذا في (ك). وفي (م) و (خ): مولى. وفي المصدرين: انا مولى. (5) في الاختصاص: واول الوصيين.

 

[134]

والسابقين، وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين، والمحامي عن حرم المسلمين ومجاهد أعدائه الناصبين، ومطفئ نار (1) الموقدين، وأفخر من مشى من قريش أجمعين، وأول من أجاب (2) واستجاب لله، أمير المؤمنين، ووصي نبيه في العالمين وأمينه على المخلوقين، وخليفة من بعث إليهم أجمعين، سيد المسلمين والسابقين ومبيد المشركين، وسهم من مرامي الله على المنافقين، ولسان كلمة العابدين، ناصر دين الله، وولي الله، ولسان كلمة الله، وناصره في أرضه، وعيبة علمه، وكهف دينه، إمام أهل الابرار، (3) من رضي عنه العلي الجبار (4)، سمح سخي، حيي بهلول سنحنحي، زكي، مطهر أبطحي، جري همام صابر صوام مهدي مقدام قاطع الاصلاب، مفرق الاحزاب، عالي الرقاب، أربطهم عنانا وأثبتهم جنانا وأشدهم شكيمة، بازل، باسل، صنديد، هزبر، ضرغام، حازم، عزام، حصيف، خطيب محجاج، كريم الاصل، شريف الفصل، فاضل القبيلة، نقي العشيرة (5) زكي الركانة مؤدي الامانة من بني هاشم، وابن عم النبي صلى الله عليهما، الامام المهدي الرشاد، مجانب الفساد، الاشعث الحاتم، البطل الجماجم، والليث المزاحم، بدري مكي حنفي روحاني شعشعاني، من الجبال شواهقها، ومن ذي الهضاب (6) رؤوسها، ومن العرب سيدها، ومن الوغى ليثها، البطل الهمام، والليث المقدام، والبدر التمام، محك المؤمنين، ووارث المشعرين، وأبو السبطين الحسن والحسين والله أمير المؤمنين حقا حقا علي بن أبي طالب عليه من الله الصلوات الزكية والبركات السنية. (7)

 

(1) في الاختصاص: نيران. (2) في الاختصاص: واول من حارب واستجلب. (3) في المصدرين: امام الابرار. (4) في الاختصاص: مرضى عند العلى الجبار. (5) في الاختصاص: العترة. (6) الهضبة: الجبل المنبسط على وجه الارض وفي (كش): ذى الهضبات. (7) الاختصاص: 73 و 74. معرفة اخبار الرجال: 49 و 50.

 

[135]

توضيح: البهلول بالضم الضحاك والسيد الجامع لكل خير. ورجل سنحنح: لاينام الليل، والياء للمبالغة كالاحمري، والهمام (1): الملك العظيم الهمة والسيد الشجاع السخي قوله: " عالي الرقاب " أي يعلوها ويسلط عليها. وربط العنان كناية عن التقيد بقوانين الشريعة، أو حمل الناس عليها. والشكيمة: الطبع وفي اللجام: الحديدة المعترضة في فم الفرس. والبازل: الرجل الكامل في تجربته والباسل: الاسد والشجاع. والصنديد: السيد الشجاع والهزبر - بكسر الهاء و فتح الراء وسكون الباء -: الاسد والشديد الصلت. والضرغام بالكسر: الاسد. والحصيف: من استكمل عقله. والمحجاج بالكسر: الجدل الكامل في الحجاج. و الفصل: القضاء بين الحق والباطل، ويحتمل أن يكون المراد هنا المحل الذي انفصل منه من الوالدين والاجداد. والركانة: الوقار، وفي بعض النسخ بالزاي المعجمة، أي الحدس والفطانة. والاشعث: المغبر الرأس، وفي بعض النسخ " الاسغب " بالغين المعجمة والباء الموحدة، أي الجائع، والحاتم بالكسر القاضي و وبالفتح الجواد والجماجم: السادات والعظماء، ولعل الالف واللام في البطل زيد من النساخ قوله: " محك المؤمنين " أي بولايته ومتابعته يعرف المؤمنون ودرجاتهم وفي بعض النسخ " مجلي المؤمنين " من التجلية أي مصفيهم ومنورهم. 16 - كش: محمد بن مسعود، عن علي بن قيس القومشي: عن أحلم بن يسار (2)، عن أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام، أن قنبرا مولى أمير المؤمنين عليه السلام دخل على الحجاج بن يوسف فقال له: ما الذي كنت تلي من علي بن أبي طالب ؟ فقال: كنت أوضيه، فقال له: ما كان يقول إذا فرغ من وضوئه ؟ فقال: كان يتلو هذه الآية: " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما اوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله

 

(1) بالضم. (2) كذا في النسخ. وفي المصدر: احكم بن يسار وفى جامع الرواة: احكم بن بشار.

 

[136]

رب العالمين " (1) فقال الحجاج: أظنه كان يتأولها علينا ؟ قال: نعم، فقال: ما أنت صانع إذا ضربت علاوتك ؟ (2) قال: إذن أسعد وتشقى فأمر به. (3) شى: مرسلا عنه عليه السلام مثله (4). كش: محمد بن عبد الله، عن وهيب بن مهران، عن محمد بن علي الصيرفي، عن علي بن محمد بن عبد الله الحناط، عن وهب بن حفص الجريري، عن أبي حيان البجلي، عن قنوا بنت الرشيد الهجري قال: قلت لها: أخبرني ما سمعت من أبيك قالت: سمعت أبي يقول: أخبرني أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا رشيد كيف صبرك متى أرسل إليك دعي بني امية فقطع يديك ورجليك ولسانك ؟ قلت: يا أمير المؤمنين آخر ذلك إلى الجنة ؟ فقال: يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة قالت: فوالله ما ذهبت الايام حتى أرسل إليه عبيدالله بن زياد الدعي فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين عليه السلام فأبى أن يبرأ منه، فقال له الدعي فبأي ميتة قال لك تموت ؟ فقال له: أخبرني خليلي أنك تدعوني إلى البراءة منه فلا أبرأ فتقدمني فتقطع يدي ورجلي ولساني، فقال: والله لاكذبن قوله، قال: فقدموه فقطعوا يديه ورجليه وتركوا لسانه، فحملت أطراف يديه ورجليه، فقلت: يا أبة هل تجد ألما لما (5) أصابك ؟ فقال: لا يا بنتي (6) إلا كالزحام بين الناس، فلما احتملناه وأخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله فقال: آتوني (7) بصفيحة ودواة أكتب لكم ما يكون إلى يوم الساعة، فأرسل إليه الحجام يقطع لسانه، فمات رحمة الله عليه في ليلته، قال: وكان أمير

 

(1) سورة الانعام: 44 - 45. (2) العلاوة - بالكسر -: اعلى الرأس أو العنق. (3) معرفة اخبار الرجال: 50. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 359. (5) في المصدر: مما. (6) في المصدر و (م) و (خ): يا بنية. (7) في المصدر و (م) و (خ): ايتونى.

 

[137]

المؤمنين عليه السلام يسميه رشيد البلايا، وقد كان ألقى إليه علم البلايا والمنايا، فكان [في] حياته إذا لقي الرجل قال له: أنت تموت بميتة كذا وتقتل أنت يا فلان بقتلة كذا وكذا، فيكون كما يقول الرشيد، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أنت رشيد البلايا أو تقتل (1) بهذه القتلة فكان كما قال أمير المؤمنين عليه السلام (2). ختص، جعفر بن الحسين، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الصيرفي مثله. (3) يج: عن قنوا مثله. (4) 18 - كش: جبرئيل، عن محمد بن عبد الله بن مهران، عن أحمد بن النضر عن عبد الله بن يزيد الاسدي، عن فضيل بن الزبير قال: خرج أمير المؤمنين صلوات الله عليه يوما إلى بستان البرني ومعه أصحابه، فجلس تحت نخلة ثم أمر بنخلة فلقطت فانزل منها رطب، فوضع بين أيديهم، قالوا: فقال رشيد الهجري يا أمير المؤمنين ما أطيب هذا الرطب ! فقال: يا رشيد أما إنك تصلب على جذعها، قال رشيد: فكنت أختلف إليها طرفي النهار أسقيها ومضى أمير المؤمنين صلوات الله عليه، قال: فجئتها يوما وقد قطع سعفها، قلت: اقترب أجلي، ثم جئت يوما فجاء العريف فقال: أجب الامير، فأتيته فلما دخلت القصر إذا خشب ملقى، ثم جئت يوما آخر فإذا النصف الآخر قد جعل زرنوقا يستقى عليه الماء، فقلت: ما كذبني خليلي، فأتاني العريف فقال: أجب الامير، فأتيته فلما دخلت القصر إذا الخشب ملقى فإذا فيه الزرنوق فجئت حتى ضربت الزرنوق برجلي، ثم قلت: لك غذيت ولي نبت (5) ثم ادخلت على عبيد الله بن زياد فقال: هات من كذب صاحبك، قلت: والله ما أنا بكذاب ولا هو

 

(1) في المصدر و (م) و (خ): أي تقتل وفى (ت): تقتل. (2) معرفة اخبار الرجال 50 و 51. (3) الاختصاص: 77 و 78. (4) لم نجده في الحزائج المطبوع. (5) في المصدر و (م) و (خ): انبتت.

 

[138]

ولقد أخبرني أنك تقطع يدي ورجلي ولساني، قال: إذا والله نكذبه، اقطعوا يديه ورجليه وأخرجوه. فلما حمل إلى أهله أقبل يحدث الناس بالعظائم، وهو يقول: أيها الناس سلوني وإن للقوم عندي طلبة لم يقضوها، فدخل رجل على ابن زياد فقال له: ما صنعت قطعت يديه ورجليه وهو يحدث الناس بالعظائم ؟ قال: فأرسل إليه: ردوه - وقد انتهى إلى بابه - فردوه فأمر بقطع يديه ورجليه ولسانه وأمر بصلبه - (1) بيان: الزرنوقان - بالضم ويفتح -: منارتان تبنيان على جانبي رأس البئر. 19 - فض: قيل: كان مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يخرج من الجامع بالكوفة فيجلس عند ميثم التمار رضي الله عنه فيحادثه، فيقال: إنه قال له ذات يوم: ألا ابشرك يا ميثم ؟ فقال: بماذا يا أمير المؤمنين ؟ قال: بأنك تموت مصلوبا، فقال يا مولاي وأنا على فطرة الاسلام ؟ قال: نعم، ثم قال يا ميثم تريد اريك الموضع الذي تصلب فيه والنخلة التي تعلق عليها وعلى جذعتها ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فجاء به إلى رحبة الصيارف (2) وقال له: ههنا، ثم أراه نخلة قال له: على جذع هذه فما زال ميثم رضي الله عنه يتعاهد تلك النخلة حتى قطعت وشقت نصفين، فسقف بالنصف منها وبقي النصف الآخر، فما زال يتعاهد النصف ويصلي في ذلك الموضع ويقول لبعض جيران الموضع: يا فلان إني اريد أن اجاورك عن قريب فأحسن جواري، فيقول ذلك الرجل في نفسه: يريد ميثم أن يشتري دارا في جواري، ولا يعلم ما يريد بقوله، حتى قبض أمير المؤمنين عليه السلام وظفر معاوية و أصحابه، واخذ ميثم فيمن اخذ، وأمر معاوية بصلبه فصلب على ذلك الجذع في ذلك المكان، فلما رأى ذلك الرجل أن ميثما قد صلب في جواره قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم أخبر الناس بقصة ميثم وما قاله في حياته، وما زال ذلك الرجل يتعاهده

 

(1) معرفة اخبار الرجال: 51 و 52. (2) في المصدر: الصيارفة.

 

[139]

ويكنس تحت الجذع ويبخره ويصلي عنده ويكرر الرحمة عليه رضي الله عنه. (1) 20 - كشف: من دلائل الحميري، عن إسحاق بن عمار قال سمعت العبد الصالح ينعى إلى رجل نفسه فقلت في نفسي: وإنه ليعلم متى يموت الرجل من شيعته فالتفت إلي شبه المغضب فقال: يا إسحاق قد كان الرشيد الهجري - وكان من المستضعفين - يعلم علم المنايا والبلايا، والامام (2) أولى بذلك، يا إسحاق اصنع ما أنت صانع فعمرك قد فني وأنت تموت إلى سنتين، وإخوتك وأهل بيتك لا يلبثون من بعدك إلا يسيرا حتى تفترق كلمتهم ويخون بعضهم بعضا ويصيرون لاخوانهم ومن يعرفهم رحمة حتى يشمت بهم عدوهم، قال إسحاق: فإني أستغفر الله مما عرض في صدري، فلم يلبث إسحاق بعد هذا المجلس إلا سنتين حتى مات، ثم ما ذهبت الايام حتى قام بنو عمار بأموال الناس وأفلسوا أقبح إفلاس رآه الناس، فجاء ما قال أبو الحسن عليه السلام فيهم ما غادر قليلا ولا كثيرا (3). 21 - كا: علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن محمد بن مروان قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام، ما منع ميثم رحمه الله من التقية ؟ فوالله لقد علم أن هذه الآية نزلت في عمار وأصحابه " إلا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان (4) ". أقول قد مر كثير من أخبارهم في باب إخبار أمير المؤمنين عليه السلام بالكائنات. 22 - ختص: جعفر بن الحسين، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن عيسى عن عثمان بن عيسى، عن أبي الجارود قال: سمعت القنوا بنت الرشيد الهجري تقول: قال أبي: يا بنية أميتي الحديث بالكتمان، واجعلي القلب مسكن الامانة. وعن قنوا قالت: قلت لابي: ما أشد اجتهادك ! قال يا بنية: يأتي قوم بعدنا بصائرهم

 

(1) الروضة: 5. (2) في المصدر: فالامام. (3) كشف الغمة: 251. (4) اصول الكافي (الجزء الثاني من الطبعة الحديثة): 220. والاية في سورة النحل: 106.

 

[140]

في دينهم أفضل من اجتهادنا (1). 23 - ختص: جعفر، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن أبي الخطاب، عن ابن محبوب، عن عبد الكريم يرفعه إلى رشيد الهجري قال: لما طلب زياد أبو عبيد الله رشيد الهجري اختفى رشيد، فجاء ذات يوم إلى أبي أراكة وهو جالس على بابه في جماعة من أصحابه، فدخل منزل أبي أراكة ففزع لذلك أبو أراكة وخاف، فقام فدخل في أثره، فقال: ويحك قتلتني وأيتمت ولدي وأهلكتهم، قال: وما ذاك ؟ قال: أنت مطلوب، وجئت حتى دخلت داري، وقد رآك من كان عندي، فقال: ما رأني أحد منهم، قال: وتسخربي أيضا فأخذه وشده كتافا ثم أدخله بيتا وأغلق عليه بابه، ثم خرج إلى أصحابه فقال لهم: إنه خيل إلي أن رجلا شيخا قد دخل داري آنفا، قالوا ما رأينا أحدا، فكرر ذلك عليهم كل ذلك يقولون: ما رأينا أحدا فسكت عنهم، ثم إنه تخوف أن يكون قد رآه غيرهم، فذهب إلى مجلس زياد ليتجسس هل يذكرونه، فإن هم أحسوا بذلك أخبرهم أنه عنده ودفعه إليهم فسلم على زياد وقعد عنده، وكان الذي بينهما لطيف، قال: فبينا هو كذلك إذ أقبل الرشيد على بغلة أبي أراكة مقبلا نحو مجلس زياد، فلما نظر إليه أبو أراكة تغير وجههه وأسقط في يده وأيقن بالهلاك، فنزل رشيد عن البغلة وأقبل إلى زياد فسلم عليه، فقام إليه زياد فاعتنقه فقبله، ثم أخذ يسائله: كيف قدمت ؟ وكيف من خلفت ؟ وكيف كنت في مسيرك ؟ وأخذ لحيته ثم مكث هنيئة ثم قام فذهب، فقال أبو أراكة لزياد: أصلح الله الامير من هذا الشيخ ؟ قال: هذا أخ من إخواننا من أهل الشام قدم علينا زائرا، فانصرف أبو أراكة إلى منزله فإذا رشيد بالبيت كما تركه، فقال له أبو أراكة: أما إذا كان عندك من العلم كل ما أرى فاصنع ما بدالك، وادخل علينا كيف شئت (2).

 

(1) الاختصاص: 78. (2) الاختصاص: 78 و 79.

 

[141]

123. (باب) * (حال الحسن البصري) * 1 - ج: عن ابن عباس قال: مر أمير المؤمنين عليه السلام بالحسن البصري وهو يتوضأ، فقال: يا حسن أسبغ الوضوء، فقال: يا أمير المؤمنين لقد قتلت (1) بالامس اناسا يشهدون أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، يصلون الخمس ويبغون الوضوء، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: قد كان ما رأيت فما منعك أن تعين علينا عدونا ؟ فقال: والله لاصدقنك يا أمير المؤمنين، لقد خرجت في أول يوم فاغتسلت وتحنطت وصببت علي سلاحي، وأنا لا أشك في أن التخلف عن ام المؤمنين عائشة هو الكفر، فلما انتهيت إلى موضع من الخريبة (2) نادى مناد: يا حسن إلى أين ؟ ارجع فإن القاتل والمقتول في النار، فرجعت زعرا وجلست في بيتي فلما كان اليوم الثاني لم أشك أن التخلف عن ام المؤمنين عائشة هو الكفر، فتحنطت وصببت علي سلاحي وخرجت إلى القتال (3) حتى انتهيت إلى موضع من الخريبة فناداني مناد من خلفي: يا حسن إلى أين ؟ مرة بعد اخرى، فإن القاتل والمقتول في النار، قال علي عليه السلام: صدقت أفتدري من ذلك المنادي ؟ قال: لا، قال عليه السلام: ذاك أخوك إبليس وصدقك، إن القاتل منهم والمقتول في النار، فقال الحسن البصري: الآن عرفت يا أمير المؤمنين أن القوم هلكى (4). 2 - ج: عن أبي يحيى الواسطي قال: لما افتتح أمير المؤمنين عليه السلام البصرة

 

(1) في (ك): فنيت. (2) الخريبة مصغرا موضع بالبصرة عندها كانت وقعة الجمل. (3) في المصدر: اريد القتال. (4) الاحتجاج: 92. (*)

 

[142]

اجتمع الناس عليه وفيهم الحسن البصري ومعه الالواح، فكان كلما لفظ أمير المؤمنين عليه السلام بكلمة كتبها، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام بأعلى صوته: ما تصنع ؟ قال نكتب آثاركم لنحدث بها بعدكم، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما إن لكل قوم سامريا وهذا سامري هذه الامة إلا أنه لا يقول: " لا مساس " ولكنه يقول: لا قتال (1). 3 - ج: عن عبد الله بن سليمان قال: كنت عند أبي جعفر عليه السلام فقال له رجل من أهل البصرة يقال له عثمان الاعمى: إن الحسن البصري يزعم أن الذين يكتمون العلم تؤذي ريح بطونهم من يدخل النار، فقال أبو جعفر عليه السلام: فهلك إذا مؤمن آل فرعون والله مدحه بذلك، وما زال العلم مكتوما منذ بعث الله عزوجل رسوله نوحا، فليذهب الحسن يمينا وشمالا، فوالله ما يوجد العلم إلا ههنا (2). كا: الحسين بن محمد، عن المعلى، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن عبد الله مثله (3). 4 - لى: أبي، عن المؤدب، عن أحمد الاصبهاني، عن الثقفي، عن قتيبة بن سعيد، عن عمرو بن غزوان، عن أبي مسلم قال: خرجت مع الحسن البصري وأنس بن مالك حتى أتينا باب ام سلمة، فقعد أنس على الباب ودخلت مع الحسن البصري، فسمعت الحسن البصري وهو يقول: السلام عليك يا اماه ورحمة الله و بركاته، فقالت له: وعليك السلام من أنت يا بني ؟ فقال: أنا الحسن البصري، فقالت: فيما جئت يا حسن ؟ فقال لها: جئت لتحدثيني بحديث سمعتيه من رسول الله صلى الله عليه واله في علي بن أبي طالب عليه السلام فقالت ام سلمة: والله لاحدثنك بحديث سمعته اذناي (4) من رسول الله صلى الله عليه واله وإلا فصمتا، ورأته عيناي وإلا فعميتا، ووعاه قلبي و إلا فطبع الله عليه، وأخرس لساني إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول لعلي

 

(1) الاحتجاج: 92. (2) الاحتجاج، 180. (3) اصول الكافي (الجزء الاول من الطبعة الحديثة): 51. (4) في (ك): سمعته اذناك.

 

[143]

ابن أبي طالب عليه السلام يا علي: ما من عبد لقي الله يوم يلقاه جاحدا لولايتك إلا لقي الله بعبادة صنم أو وثن، قال: فسمعت الحسن البصري وهو يقول: ألله أكبر أشهد أن عليا مولاي ومولى المؤمنين، فلما خرج قال له أنس بن مالك: مالي أراك تكبر ؟ قال: سألت امنا ام سلمة أن تحدثيني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه واله في علي، فقالت لي كذاو كذا، فقلت: ألله أكبر أشهد أن عليا مولاي ومولى كل مؤمن، قال: فسمعت عند ذلك أنس بن مالك وهو يقول: أشهد على رسول الله صلى الله عليه واله أنه قال هذه المقالة ثلاث مرات أو أربع مرات (1). 5 - يج: روي أن عليا عليه السلام أتى الحسن البصري يتوضأ في ساقية، فقال: أسبغ طهورك يالفتى، قال لقد قتلت بالامس رجالا كانوا يسبغون الوضوء، قال: وإنك لحزين عليهم ؟ قال: نعم، قال: فأطال الله حزنك. قال أيوب السجستاني: فما رأينا الحسن قط إلا حزينا كأنه يرجع عن دفن حميم أو خربندج ضل حماره، فقلت له [في] ذلك فقال: عمل في دعوة الرجل الصالح، ولفتى بالنبطية الشيطان وكانت امه سمته بذلك ودعته في صغره، فلم يعرف ذلك أحد حتى دعاه به علي عليه السلام (2). 6 - كا: علي، عن أبيه، عن صالح بن السندي، عن جعفر بن بشير، عن خالد بن عمارة، عن سدير الصيرفي قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: حديث بلغني عن الحسن البصري فإن كان حقا فإنا لله وإنا إليه راجعون، قال: وما هو ؟ قلت: بلغني أن الحسن البصري كان يقول: لو غلا دماغه من حر الشمس ما استظل بحائط صيرفي، ولو تفرث (3) كبده عطشا لم يستسق من دار صيرفي ماءا، وهو عملي وتجارتي وفيه نبت لحمي ودمي، ومنه حجي وعمرتي، فجلس ثم قال: كذب الحسن خذ سواء وأعط سواء، فإذا حضرت الصلاة فدع ما بيدك وانهض إلى الصلاة، أما علمت أن أصحاب الكهف كانوا صيارفة (4).

 

(1) امالي الصدوق: 190. (2) لم نجده في الخرائج المطبوع. (3) أي تشقق وانتثر. (4) فروع الكافي (الجزء الخامس من الطبعة الحديثة): 113 و 114.

 

[144]

أقول: قال السيد المرتضى في كتاب الغرر والدرر: روى أبو بكر الهذلي أن رجلا قال للحسن: يا أبا سعيد إن الشيعة تزعم أنك تبغض عليا عليه السلام فأكب يبكي طويلا ثم رفع رأسه فقال: لقد فارقكم بالامس رجل كان سهما من مرامي الله (1) عزوجل على عدوه، رباني هذه الامة، ذو شرفها وفضلها، ذو قرابة من النبي صلى الله عليه واله (2) قريبة، لم يكن بالنؤومة عن أمر الله تعالى ولا بالغافل عن حق الله تعالى، ولا السروقة (3) من مال الله، أعطى القرآن عزائمه في ماله وعليه فأشرف منها على رياض مونقة وأعلام بينة، ذاك ابن أبي طالب عليه السلام يالكع. وكان الحسن إذا أراد أن يحدث في زمن بني امية عن علي عليه السلام قال: قال أبو زينب. وأتى علي بن الحسين عليهما السلام يوما الحسن البصري وهو يقص عند الحجر، فقال: أترضى يا حسن نفسك للموت ؟ قال: لا، قال: فعملك للحساب ؟ قال: لا قال: فثم دار للعمل غير هذه (4) قال: لا، قال: فلله في الارض (5) معاذ غير هذا البيت ؟ قال: لا، قال: فلم تشغل الناس عن الطواف (6). أقول: سيأتي احتجاج الحسن بن علي واحتجاج علي بن الحسين عليهم السلام عليه، وكذا احتجاج الباقر عليه السلام عليه، وقد مضى في باب ما جرى من فضائل أهل البيت عليهم السلام على لسان أعدائهم وباب جوامع مناقب أمير المؤمنين عليه السلام وفي باب كتمان العلم، بعض أحواله.

 

(1) في المصدر: من مرامي ربنا. (2) في المصدر: وذو قرابة من رسول الله (3) في المصدر: ولا بالسروقة. (4) في المصدر: غير هذه الدار. (5) في المصدر: في ارضه. (6) الغرر والدرر 1: 162. وفيه و (خ): عن التطواف.

 

[145]

124. (باب) * (أحوال سائر أصحابه عليه السلام وفيه أحوال) * * (عبد الله بن العباس) * 1 - ل: الحسن بن محمد بن يحيى العلوي، عن جده، عن داود، عن عيسى بن عبد الرحمن بن صالح، عن أبي مالك الجهني، عن عمر بن بشير قال: قلت لابي إسحاق: متى ذل الناس ؟ قال: حين قتل الحسين عليه السلام وادعى زياد وقتل حجر بن عدي (1). 2 - ن: ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن عيسى، عن البزنطي قال: قال الرضا عليه السلام: يا أحمد إن أمير المؤمنين أتى صعصعة بن صوحان يعوده في مرضه فافتخر على الناس بذلك، فلا تذهبن نفسك إلى الفخر، وتذلل لله عزوجل، وسيأتي الخبر بتمامه في باب معجزات الرضا عليه السلام (2). 3 - ما: المفيد، عن الجعابي، عن ابن عقدة، عن أحمد بن عبد الحميد، عن محمد بن عمرو بن عتبة، عن الحسن بن المبارك، عن العباس بن عامر، عن مالك الاحمسي، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباتة قال: كنت أركع عند باب أمير المؤمنين عليه السلام وأنا أدعو الله إذ خرج أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أصبغ ! قلت: لبيك، قال: أي شئ كنت تصنع ؟ قلت: ركعت وأنا أدعو (3) قال: أفلا اعلمك دعاء سمعته من رسول الله صلى الله عليه واله ؟ قلت: بلى، قال: قل: " الحمد لله على ما كان،

 

(1) الخصال 1: 85. (2) عيون الاخبار: 333. (3) في (ك): وأنا أدعو الله.

 

[146]

والحمد لله على كل حال " ثم ضرب بيده اليمنى على منكبي الايسر وقال: يا أصبغ لئن ثبتت قدمك وتمت ولايتك وانبسطت يدك فالله أرحم بك من نفسك (1). 4 - ما: المفيد عن عمر بن محمد الزيات، عن علي بن العباس، عن أحمد بن منصور، عن عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن عمار الدهني قال: سمعت أبا الطفيل يقول: جاء المسيب بن نجية إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام متلببا (2) بعبدالله بن سبا فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ما شأنك ؟ فقال: يكذب على الله وعلى رسوله، فقال: ما يقول ؟ قال: (3) فلم أسمع مقالة المسيب وسمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: هيهات هيهات الغضب، ولكن يأتيكم راكب الدغيلة يشد حقوها بوضينها، لم يقض تفثا من حج ولا عمرة فيقتلوه. يريد بذلك الحسين بن علي عليهما السلام (4). 5 - ما: ابن الصلت، عن ابن عقدة، عن عباد، عن عمه، عن أبيه، عن مطرف عن الشعبي، عن صعصعة بن صوحان قال: عادني أمير المؤمنين عليه السلام في مرض ثم قال: انظر فلا تجعلن عيادتي إياك فخرا على قومك، الخبر (5). ب: ابن عيسى وابن أبي الخطاب عن البزنطي عن الرضا عليه السلام مثله (6). 6 - لى: أبي، عن الكميداني، عن ابن عيسى، عن ابن أبي نجران، عن جعفر بن محمد الكوفي، عن عبيد السمين (7) عن ابن طريف، عن ابن نباتة قال: بينا أمير المؤمنين عليه السلام يخطب الناس وهو يقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله لا تسألوني عن شئ مضى ولا عن شئ يكون إلا نبأتكم به، فقام إليه سعد بن أبي

 

(1) امالي الشيخ: 108 و 109. (2) تلبب للقتال: تشمر وتحزم (3) أي قال ابو الطفيل. (4) امالي الشيخ: 144. وقد أوردها المصنف في باب معجزات كلامه عليه السلام عن المناقب مع توضيحه، راجع ج 41 ص 314. (5) امالي الشيخ: 221. (6) قرب الاسناد: 167. (7) في المصدر: عبيدالله السمين.

 

[147]

وقاص فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة، فقال له: أما والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول الله صلى الله عليه واله أنك ستسألني عنها، وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس، وإن في بيتك لسخلا يقتل الحسين ابني، وعمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه (1). 7 - شا، يج: روي أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال بذي قار وهو جالس لاخذ البيعة: يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل، لا يزيدون رجلا ولا ينقصون رجلا يبايعوني على الموت، قال ابن عباس: فجزعت لذلك وخفت أن ينقص القوم من لعدد أو يزيدوا عليه فيفسد الامر علينا، وإني احصي القوم فاستوفيت (2) عددهم تسع مائة رجل وتسعة وتسعين رجلا، ثم انقطع مجيئ القوم فقلت: إنا لله و إنا إليه راجعون، ماذا حمله على ما قال ؟ فبينما أنا مفكر في ذلك إذ رأيت شخصا قد أقبل حتى دنا، وهو رجل عليه قباء صوف ومعه سيف وترس وإداوة. فقرب من أمير المؤمنين عليه السلام فقال: امدد يديك لابايعك، قال علي عليه السلام: وعلى ما تبايعني ؟ قال: على السمع والطاعة والقتال بين يديك حتى أموت أو يفتح الله عليك، فقال: ما اسمك ؟ فقال: اويس، قال: أنت اويس القرني ؟ قال: نعم، قال: الله أكبر فإنه أخبرني حبيبي رسول الله صلى الله عليه واله أني أدرك رجلا من امته يقال له اويس القرني، يكون من حزب الله ورسوله، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر، قال ابن عباس: فسري عنا (3). 8 - يج: من معجزاته عليه السلام أنه لما بلغه ما صنع بشر بن أرطاة باليمن قال عليه السلام: اللهم إن بشرا باع دينه بالدنيا، فاسلبه عقله، فبقي بشر حتى اختلط، فاتخذ له سيف من خشب يلعب به حتى مات. ومنها قوله عليه السلام لجويرية بن مسهر: لتعتلن

 

(1) امالي الصدوق: 81. ودرج الصبى: مشى. (2) في الارشاد: فيفسد الامر علينا، ولم أزل مهموما دأبي احصاء القوم حتى ورد أوائلهم فجعلت احصيهم فاستوفيت اه‍. (3) الارشاد: 149 ولم نجده والروايات الثلاثة المنقولة بعده عن الخرائج في المطبوع منه.

 

[148]

إلى العتل الزنيم، وليقطعن يدك ورجلك، ثم ليصلبنك، ثم مضى دهر حتى ولي زياد في أيام معاوية، فقطع يده ورجله ثم صلبه. 9 - يج: روى طلحة بن عميرة قال: نشد علي عليه السلام الناس في قول النبي صلى الله عليه واله " من كنت مولاه فعلي مولاه " فشهد اثنا عشر رجلا من الانصار وأنس بن مالك حاضر لم يشهد، فقال علي عليه السلام: يا أنس ما منعك أن تشهد وقد سمعت ما سمعوا ؟ قال: كبرت ونسيت، فقال له عليه السلام، [اللهم] إن كان كاذبا فاضربه ببياض أو بوضح لا تواريه العمامة، قال أبو عميرة: فأشهد بالله لقد رأيته (1) بيضاء بين عينيه. 10 - يج: روي عن زيد بن أرقم قال: نشد علي عليه السلام الناس في المسجد فقال: أنشد رجلا سمع من النبي صلى الله عليه واله يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " فقام اثنا عشر بدريا ستة من الجانب الايمن وستة من الجانب الايسر فشهدوا بذلك، قال زيد وكنت فيمن سمع ذلك فكتمته، فذهب الله ببصري، وكان يتندم على ما فاته من الشهادة ويستغفر. 11 - شا: روى العلماء أن جويرية بن مسهر وقف على باب القصر فقال: أين أمير المؤمنين ؟ فقيل له: نائم، فنادى: أيها النائم استيقظ، فوالذي نفسي بيده لتضربن ضربة على رأسك تخضب منها لحيتك كما أخبرتنا بذلك من قبل، فسمعه أمير المؤمنين عليه السلام فنادى: أقبل يا جويرية حتى احدثك بحديثك، فأقبل فقال: أنت والذي نفسي بيده لتعتلن إلى العتل الزنيم، وليقطعن يدك ورجلك، ثم لتصلبن تحت جذع كافر، فمضى على ذلك الدهر حتى ولي زياد في أيام معاوية فقطع يده ورجله، ثم صلبه إلى جذع ابن معكبر، وكان جذعا طويلا، فكان تحته (2). 12 - شا: روى جرير عن المغيرة قال: لما ولي الحجاج طلب كميل بن زياد، فهرب منه، فحرم قومه عطاهم، فلما رأى كميل ذلك قال: أنا شيخ كبير و

 

(1) في (م و (خ): رأيتها. (2) الارشاد: 152. وفيه ابن مكعبر.

 

[149]

قد نفد عمري لا ينبغي أن أحرم قومي (1) عطاهم، فخرج فدفع بيده إلى الحجاج فلما رآه قال له: لقد كنت احب أن أجد عليك سبيلا، فقال له كميل: لا تصرف علي أنيابك ولا تهدم علي، فوالله ما بقي من عمري إلا مثل كواهل الغبار، فاقض ما أنت قاض، فإن الموعد الله، وبعد القتل الحساب، ولقد خبرني أمير المؤمنين عليه السلام أنك قاتلي، فقال (2) له الحجاج: الحجة عليك إذا، فقال له كميل: ذاك إذا كان القضاء إليك، قال: بلى قد كنت فيمن قتل عثمان بن عفان، اضربوا عنقه فضربت عنقه (3). بيان: الصريف: صوت ناب البعير. وتهدم عليه غضبا: توعده، وكواهل الغبار: أوائله، شبه عمره في سرعة انقضائه بالغبار وبقيته بأوائله، فإن مقدم الغبار يحدث بعد مؤخره ويسكن بعده، أو شبه بقية العمر في سرعة انقضائه بأول ما يحدث من الغبار، فإنه يسكن قبل ما يحدث آخرا، والاول أبلغ وأكمل. 13 - شى: عن عمرو بن أبي المقدام، عن أبيه، عن رجل من الانصار قال: خرجت أنا والاشعث الكندي وجرير البجلي حتى إذا كنا بظهر الكوفة بالفرس مر بنا ضب، فقال الاشعث وجرير: السلام عليك يا أمير المؤمنين - خلافا على علي بن أبي طالب عليه السلام - - فلما خرج الانصاري قال لعلي عليه السلام، فقال علي عليه السلام: دعهما فهو إمامهما يوم القيامة، أما تسمع إلى الله وهو يقول: " نوله ما تولى " (4). 14 - شى: عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاء رجل إلى أبي فقال: ابن عباس يزعم أنه يعلم كل آية نزلت في القرآن في أي يوم نزلت وفيمن نزلت، قال: فسله فيمن نزلت: " ومن كان في هذه أعمى فهو في

 

(1) أي اسبب حرمانهم. وفى (ك): قوما. (2) في المصدر: قال: فقال. (3) الارشاد: 154 و 155. (4) تفسير العياشي: ج 1 ص 275، والاية في سورة النساء: 114.

 

[150]

الآخرة أعمى وأضل سبيلا " (1) وفيمن نزلت: " ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم " (2) وفيمن نزلت: " يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا (3) " فأتاه الرجل، فغضب وقال: وددت أن الذي أمر بهذا واجهني فاسائله، ولكن سله: ما العرش ؟ ومتى خلق ؟ وكيف هو ؟ فانصرف الرجل إلى أبي فقال ما قال، فقال: وهل أجابك في الآيات ؟ قال: لا، قال لكني اجيبك فيها بنور وعلم غير المدعي ولا المنتحل، أما الاوليان فنزلتا فيه وفي أبيه وأما الاخرى فنزلت في أبي وفينا، ولم يكن الرباط الذي أمرنا به بعد، وسيكون من نسلنا المرابط ومن نسله المرابط (4). 15 - كش: جعفر بن معروف، عن ابن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام مثله، وزاد في آخره بعد الجواب عن سؤال العرش على ما سيأتي: أما إن في صلبه وديعة لقد ذرئت لنار جهنم، سيخرجون أقواما من دين الله أفواجا كما دخلوا فيه، وستصبغ الارض من دماء (5) الفراخ من فراخ آل محمد صلى الله عليه واله تنهض تلك الفراخ في غير وقت وتطلب غير ما تدرك، ويرابط الذين آمنوا ويصبرون لما يرون حتى يحكم الله و هو خير الحاكمين (6). 16 - كش: نصر بن الصباح، عن ابن عيسى، عن الاهوازي، عن إسماعيل بن بزيع، عن أبي الجارود قال: قلت للاصبغ بن نباتة: ما كان منزلة هذا الرجل فيكم ؟ قال: ما أدري ما تقول إلا أن سيوفنا كانت على عواتقنا، فمن أومأ إلينا

 

(1) سورة بنى اسرائيل: 72. (2) سورة هود: 34. (3) سورة آل عمران: 200. (4) تفسير العياشي: ج 2 ص 305. (5) في المصدر: بدماء. (6) معرفة اخبار الرجال: 36 و 37.

 

[151]

ضربناه بها، وكان يقول لنا: تشرطوا (1) فوالله ما اشتراطكم لذهب ولا فضة وما اشتراطكم إلا للموت، إن قوما من قبلكم من بني إسرائيل تشارطوا بينهم فما مات أحد منهم حتى كان نبي قومه أو نبي قريته أو نبي نفسه، وإنكم لبمنزلتهم غير أنكم لستم بأنبياء (2). بيان: قال الجزري: شرط السلطان: نخبة أصحابه الذين يقدمهم على غيرهم من جنده، وفي حديث ابن مسعود " وتشرط شرطة للموت لا يرجعون إلا غالبين " الشرطة: أول طائفة من الجيش تشهد الوقعة (3) وقال الفيروز آبادي: الشرطة بالضم: هم أول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت، وطائفة من أعوان الولاة، سموا بذلك لانهم أعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها (4). 17 - كش: محمد بن مسعود العياشي وأبو عمرو بن عبد العزيز، قالا: حدثنا محمد بن نصير، عن محمد بن عيسى، عن أبي الحسن الغزالي (5) عن غياث الهمداني، عن بشر بن عمرو الهمداني قال: مر بنا أمير المؤمنين عليه السلام فقال: البثوا في هذه الشرطة، فوالله لا تلي بعدهم إلا شرطة النار إلا من عمل بمثل أعمالهم (6). 18 - كش: روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال لعبدالله بن يحيى الحضرمي يوم الجمل: ابشر ابن يحيى فإنك وأبوك من شرطة الخميس حقا، لقد أخبرني رسول الله صلى الله عليه واله باسمك واسم أبيك في شرطة الخميس، والله سماكم شرطة الخميس على لسان نبيه صلى الله عليه واله، وذكر أن شرطة الخميس كانوا ستة آلاف رجل أو خمسة آلاف (7).

 

(1) في المصدر و (خ): تشرطوا تشرطوا. (2) معرفة اخبار الرجال: 3 و 4. (3) النهاية 2: 213. (4) القاموس 2: 368. (5) في المصدر: العرنى. (6 و 7) معرفة اخبار الرجال: 4. (*)

 

[152]

بيان: الخميس: الجيش، سمي به لانه مقسوم بخمسة أقسام: المقدمة و الساقة والميمنة والميسرة والقلب. 19 - كش: ذكر هشام عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان علي بن أبي طالب عليه السلام عندكم بالعراق يقاتل عدوه ومعه أصحابه، وما كان فيهم خمسون رجلا يعرفونه حق معرفته وحق معرفة إمامته (1). 20 - كش: حمدويه وإبراهيم معا، عن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى عن عاصم بن حميد، عن سلام بن سعيد، عن عبد الله بن عبدياليل [عن] رجل من أهل الطائف قال: أتينا ابن عباس رحمة الله عليهما نعوده في مرضه الذي مات فيه، قال: فأغمي عليه في البيت، فاخرج إلى صحن الدار، قال: فأفاق فقال: إن خليلي رسول الله صلى الله عليه واله قال: إنى سأهجر هجرتين، وإني سأخرج من هجرتي، فهاجرت هجرة مع رسول الله صلى الله عليه واله وهجرة مع علي عليه السلام، وإني سأعمى فعميت، وإني سأغرق فأصابني حكة (2) فطر حني أهلي في البحر فغفلوا عني فغرقت، ثم استخرجوني بعد، وأمرني أن أبرأ من خمسة: من الناكثين وهم أصحاب الجمل، ومن القاسطين وهم أصحاب الشام، ومن الخوارج وهم أهل النهروان، ومن القدرية وهم الذين ضاهوا النصارى في دينهم فقالوا: لا قدر، ومن المرجئة الذين ضاهوا اليهود في دينهم فقالوا: الله أعلم. قال: ثم قال: اللهم إني أحيا على ما حي عليه علي بن أبي طالب عليه السلام وأموت على ما مات عليه علي بن أبي طالب عليه السلام قال: ثم مات، فغسل وكفن ثم صلي على سريره، قال: فجاء طائران أبيضان فدخلا في كفنه، فرأى الناس أنما هو فقهه، فدفن (3). 21 - كش: علي بن زياد الصائع، عن عبد العزيز بن محمد، عن خلف المخزومي عن سفيان بن سعيد، عن الزهري قال: سمعت الحارث يقول: استعمل علي عليه السلام

 

(1) معرفة أخبار الرجال: 4 وفيه: حق معرفته امامته. (2) الحكة - بالكسر -: علة توجب الحكاك كالجرب. (3) معرفة اخبار الرجال: 38.

 

[153]

على البصرة عبد الله بن عباس، فحمل كل مال في بيت المال بالبصرة، ولحق بمكة وترك عليا، وكان مبلغه ألفي ألف درهم، فصعد علي عليه السلام المنبر حين بلغه ذلك فبكى فقال: هذا ابن عم رسول الله صلى الله عليه واله في عمله وقدره يفعل مثل هذا، فكيف يؤمن من كان دونه ؟ اللهم إني قد مللتهم فأرحني منهم، واقبضني إليك غير عاجز ولا ملول. قال الكشي: شيخ (1) من اليمامة يذكر عن معلى بن هلال عن الشعبي قال: لما احتمل عبد الله بن عباس بيت مال البصرة وذهب به إلى الحجاز كتب إليه علي بن أبي طالب عليه السلام: من عبد الله علي بن أبي طالب إلى عبد الله بن عباس، أما بعد فإني قد كنت أشركتك في أمانتي ولم يكن أحد من أهل بيتي في نفسي أوثق منك لمواساتي ومؤازرتي وأداء الامانة إلي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب والعدو عليه قد حرب وأمانة الناس قد عزت (2) وهذه الامور قد فشت قلبت لابن عمك ظهر المجن (3) وفارقته مع المفارقين وخذلته أسوأ خذلان الخاذلين، فكأنك لم تكن تريد الله بجهادك، وكأنك لم تكن على بينة من ربك، وكأنك إنما كنت تكيد امة محمد صلى الله عليه وآله على دنياهم، وتنوي غر ؟ ؟، فلما أمكنتك الشدة في خيانة امة محمد صلى الله عليه وآله أسرعت الوثبة، وعجلت العدوة فاختطفت ما قدرت عليه اختطاف الذئب الازل دامية المعزى الكسيرة (4) كأنك - لا أبا لك - إنما جررت إلى أهلك تراثك من أبيك وامك. سبحان الله أما تؤمن بالمعاد ؟ أو ما تخاف من سوء الحساب ؟ أو ما يكبر عليك أن تشتري الاماء وتنكح

 

(1) في المصدر: قال شيخ. (2) عن الشئ: قل فكاد لا يوجد. وفى النهج: قد خزيت. (3) المجن: الترس. وسيأتى توضيح الجملة فيما ينقله عن النهج. (4) الذئب الازل: السريع الخفيف الوركين وذلك اشد لعدوه واسرع لوثبته. والدامية: شجة تدمى والمعزى: المعز. أي اختطفت على بيت المال كاختطاف الذئب السريع على المعزى المجروحة والمكسورة الرجل بحيث لا تقدر على الدفاع والهرب.

 

[154]

النساء بأموال الارامل والمهاجرين الذين أفاء الله عليهم هذه البلاد ؟ اردد إلى القوم أموالهم، فوالله لئن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لاعذرن الله فيك، والله فوالله لو أن حسنا وحسينا فعلا مثل الذي فعلت لما كان لهما عندي في ذلك هوادة (1) ولا لواحد منهما عندي فيه رخصة، حتى آخذ الحق وازيح الجور عن مظلومها والسلام (2). قال: فكتب إليه عبد الله بن عباس: أما بعد فقد أتاني كتابك تعظم علي إصابة المال الذي أخذته من بيت مال البصرة، ولعمري إن لي في بيت مال الله أكثر مما أخذت والسلام. قال: فكتب إليه علي بن أبي طالب عليه السلام: أما بعد فالعجب كل العجب من تزيين نفسك أن لك في بيت مال الله أكثر من مال (3) رجل من المسلمين ! فقد أفلحت إن كان تمنيك الباطل وادعاؤك ما لا يكون ينجيك من الاثم، ويحل لك ما حرم الله عليك، عمرك الله إنك لانت العبد المهتدي إذن، فقد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا، وضربت بها عطنا، تشتري مولدات مكة والطائف، تختارهن على عينيك، وتعطي فيهن مال غيرك، وإني لاقسم بالله ربي وربك رب العزة ما يسرني أن ما أخذت من أموالهم لي حلال أدعه لعقبي ميراثا، فلا غرور (4) أشد باغتباطك تأكله (5) رويدا رويدا، فكأن قدن بلغت المدى (6) وعرضت على ربك المحل الذي يتمنى الرجعة المضيع للتوبة لذلك (7)، وما ذلك ولات حين مناص والسلام. قال: فكتب إليه عبد الله بن عباس: أما بعد فقد أكثرت علي ! فوالله لئن

 

(1) الهوادة: اللين والرفق. (2) في (ك): مظلومهما. (3) في المصدر: أكثر مما اخذت واكثر من مال اه‍. (4) في المصدر: فلا غرو. (5) في (ك): بأكله. (6) المدى: الغاية والمنتهى. (7) في المصدر: كذلك.

 

[155]

ألقى الله بجميع ما في الارض من ذهبها وعقيانها أحب إلي [من] أن ألقى الله بدم رجل مسلم (1). 22 - يل، فض: روي عن رسول الله صلى الله عليه واله أنه كان يقول: تفوح روائح الجنة من قبل قرن، واشوقاه إليك يا اويس القرني (2) ألا ومن لقيه فليقرأه مني السلام، فقيل يا رسول الله: ومن اويس القرني فقال صلى الله عليه واله: إن غاب عنكم لم تفتقدوه، وإن ظهر لكم لم تكترثوا به، يدخل الجنة في شفاعته مثل ربيعة ومضر، يؤمن بي ولايراني، ويقتل بين يدي خليفتي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في صفين. (3) 23 - يل، فض: بالاسناد يرفعه إلى سليم بن قيس أنه قال: لقيت سعد بن أبي وقاص فقلت: إني سمعت عليا عليه السلام يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: اتقوا فتنة الاخنس، اتقوا فتنة سعد، فإنه يدعو إلى خذلان الحق وأهله، فقال: سعد: اللهم إني أعوذ بك أن أبغض عليا أو يبغضي، أو اقاتل عليا أو يقاتلني، أو اعادي عليا أو يعاديني، إن عليا كان له خصال لم يكن لاحد من الناس مثلها، إنه صاحب براءة، حتى قال رسول الله صلى الله عليه واله: لا يبلغ عني إلا رجل مني، وقال له يوم تبوك: أنت وصيي أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة، ويوم أمر بسد الابواب إلى المسجد ولم يبق غير بابه فسأل عمر أن يجعل له روزنة صغيرة قدر عينيه، فأبى رسول الله قال: (4) فعند ذلك قال: سددت أبوابنا وتركت باب علي ؟ فقال: ما سددتها لكم أنا ولا فتحت بابه ولكن الله سدها وفتح بابه ويوم آخى رسول الله بين الصحابة كل رجل مع صاحبه وبقي هو فآخاه من نفسه وقال له: أنت أخي وأنا

 

(1) معرفة اخبار الرجال: 40 - 0 42 وأورد السيد الرضى رحمه الله الرسالة الاولى و قال في اوله " ومن كتاب له عليه السلام إلى بعض عماله ". وذكر عبد الحميد بن أبى الحديد في شرح النهج جوابه إلى أمير المؤمنين عليه السلام والرسالة الثانية وجوابها أيضا مع اختلافات لما في " كش "، وقال: قد اختلف الناس في المكتوب إليه هذا الكتاب فقال الاكثرون: انه عبد الله ابن عباس وقال آخرون وهم الاقلون: هو عبيدالله بن عباس. وسيأتى نقله بعيد هذا. (2) في (ك): يا اويس القرن. (3) الفضائل: 111 و 112. الروضة: 6. (4) ليست هذه الكلمة في الروضة.

 

[156]

أخوك في الدنيا والآخرة. ويوم خيبر حين انهزم أبو بكر وعمر فغضب رسول الله صلى الله عليه واله وقال: ما بال قوم يلقون المشركين ثم يفرون ؟ لاعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار، يفتح الله على يديه، فلما كان من الغد قال رسول الله صلى الله عليه واله: علي بعلي، فجاءه أرمد العين، فوضع كريمه (1) في حجره وتفل في عينيه، وعقد له راية ودعا له، فما انثنى حتى فتح خيبرا، وأتاه بصفية بنت حيي بن أخطب، فأعتقها رسول الله صلى الله عليه واله ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها، وأعظم من ذلك يوم غدير خم أخذ رسول الله صلى الله عليه واله بيده وقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب والحر العبد (2). 24 - ضه: قال النبي صلى الله عليه واله ذات يوم لاصحابه: ابشروا برجل من امتي يقال له: اويس القرني، فإنه يشفع بمثل ربيعة ومضر، ثم قال لعمر: يا عمر إن أدركته فاقرأه مني السلام، فبلغ عمر مكانه بالكوفة، فجعل يطلبه في الموسم لعله أن يحج حتى وقع إليه هو وأصحابه وهو من أحسنهم (3) هيئة وأرثهم حالا، فلما سأل عنه أنكروا ذلك وقالوا: يا أمير المؤمنين تسأل عن رجل لا يسأل عنه مثلك، قال: فلم، قالوا لانه عندنا مغمور في عقله ! وربما عبث به الصبيان، قال عمر: ذلك أحب إلي، ثم وقف عليه فقال: يا اويس إن رسول الله صلى الله عليه وآله أودعني إليك رسالة وهو يقرأ عليك السلام وقد أخبرني أنك تشفع بمثل ربيعة ومضر فخر اويس ساجدا ومكث طويلا ما ترقى له دمعة (4)، حتى ظنوا أنه مات، و نادوه: يا اويس هذا أمير المؤمنين، فرفع رأسه ثم قال: يا أمير المؤمنين أفاعل ذلك قال: نعم يا اويس، فأدخلني في شفاعتك، فأخذ الناس في طلبه والتمسح به، فقال يا أمير المؤمنين شهرتني وأهلكتني، وكان يقول: كثيرا ما لقيت من عمر، ثم قتل

 

(1) في (ك): كريميه. والظاهر: كريمته. والمراد رأسه. (2) الروضة: 23 و 24. ولم نجده في الفضائل المطبوع. (3) أخشنهم: ظ. (4) في المصدر: دعوة خ ل.

 

[157]

بصفين في الرجالة مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. (1) 25 - نبه: حكي أن مالك بن الاشتر (2) رضي الله عنه كان مجتازا بسوق وعليه قميص خام وعمامة منه، فرآه بعض السوقة فأزرى (3) بزيه فرماه ببابه (4) تهاونا به فمضى ولم يلتفت، فقيل له: ويلك تعرف لمن رميت ؟ (5) فقال: لا، فقيل له: هذا مالك صاحب أمير المؤمنين عليه السلام، فارتعد الرجل ومضى ليعتذر إليه، (6) وقد دخل مسجدا وهو قائم يصلي، فلما انفتل انكب الرجل على قدميه يقبلهما، فقال: ما هذا الامر ؟ فقال: أعتذر إليك مما صنعت، فقال: لا بأس عليك فوالله ما دخلت المسجد إلا لاستغفرن لك. (7) 26 - نبه: الاحنف (8): شكوت إلى عمي صعصعة وجعا في بطني، فنهرني ثم قال: يا ابن أخي إذا نزل بك شئ فلا تشكه إلى أحد، فإن (9) الناس رجلان: صديق تسوؤه وعدو تسره، والذي بك لا تشكه إلى مخلوق مثلك لا يقدر على دفع مثله عن نفسه، ولكن إلى من ابتلاك به، فهو قادر أن يفرج عنك، يا ابن أخي إحدى عيني هاتين ما أبصر بها سهلا ولا جبلا منذ أربعين سنة وما اطلع على ذلك امرأتي ولا أحد من أهلي !. (10)

 

(1) روضة الواعظين: 248. (2) في المصدر: مالكا الاشتر. (3) أي عابه وفى المصدر " ازدرى " أي تهاون. (4) كذا في النسخ، وفى المصدر " ببندقة " والبندق: كل ما يرمى به من رصاص كروي وسواه. (5) في المصدر: اتدرى بمن رميت. (6) في المصدر ومضى إليه ليعتذر منه. (7) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 1: 2. (8) في المصدر: عن الاحنف. (9) في المصدر: إلى احد مثلك، فانما اه‍. (10) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 1: 57. (*)

 

[158]

27 - كا: محمد بن أبي عبد الله ومحمد بن الحسن، عن سهل ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، جميعا عن الحسن بن العباس (1) عن أبي جعفر الثاني عليه السلام قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: بينا أبي جالس عليه السلام وعنده نفر إذا استضحك حتى اقرورقت عيناه دموعا، ثم قال: هل تدرون ما أضحكني ؟ قال: فقالوا: لا، قال: زعم ابن عباس أنه من الذين قالوا: " ربنا الله ثم استقاموا " فقلت له: هل رأيت الملائكة يا ابن عباس تخبرك بولايتها لك في الدنيا والآخرة مع الامن من الخوف والحزن ؟ قال: فقال: إن الله تبارك وتعالى يقول: " إنما المؤمنون إخوة " (2) وقد دخل في هذا جميع الامة، فاستضحكت ثم قلت: صدقت يا ابن عباس أنشدك الله هل في حكم الله جل ذكره اختلاف ؟ قال: فقال: لا، فقلت: ما ترى في رجل ضرب رجلا أصابعه بالسيف حتى سقطت، ثم ذهب وأتى رجل آخر فأطار كفه فأتى به إليك وأنت قاض كيف أنت صانع به ؟ قال: أقول لهذا القاطع: أعطه دية كفه وأقول: لهذا المقطوع: صالحه على ما شئت، وأبعث به إلى ذوي عدل، قلت: جاء الاختلاف في حكم الله عز ذكره ونقضت القول الاول أبى الله عز ذكره أن يحدث في خلقه شيئا من الحدود، فليس (3) تفسيره في الارض، اقطع قاطع الكف أصلا ثم أعطه دية الاصابع هكذا حكم الله ليلة

 

(1) الحسن بن العباس بن الحريش الرازي ضعيف جدا عنونه العلامة في القسم الثاني من الخلاصة والنجاشى في رجاله وقال: " ضعيف جدا، له كتاب انا انزلناه في ليلة القدر وهو كتاب ردى الحديث مضطرب الالفاظ " وفي جامع الرواة 1: 205 " قال ابن الغضائري: هو ابو محمد ضعيف روى عن ابى جعفر الثاني عليه السلام فضل انا انزلناه كتابا مصنفا فاسد الالفاظ تشهد مخائله على انه موضوع، وهذا الرجل لا يلتفت إليه ولا يكتب حديثه. " اقول: قد افرد الكليني رحمه الله لما نقله الرجل في شأن انا انزلناه بابا في كتابه الكافي راجع ج 1: 242 - 253 لكن امارات الوضع والخطاء تلوح من الاضطرابات الواقعة في طيات رواياته، ولاجل ذلك لم نتعمق في بيان هذه الرواية وان كان بعض جملاتها آبيا عن البيان والتوضيح لكثرة اضطرابها. (2) سورة الحجرات: 10. (3) في المصدر: وليس.

 

[159]

ينزل فيها أمره، إن جحدتها بعد ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه واله فأدخلك الله النار كما أعمى بصرك يوم جحدتها علي بن أبي طالب عليه السلام، قال: فلذلك عمي بصري، قال: وما علمك بذلك فوالله إن عمي بصري إلا من صفقة جناح الملك، قال: فاستضحكت ثم تركته يومه ذلك لسخافة عقله، ثم لقيته فقلت: يا ابن عباس ما تكلمت بصدق مثل أمس، قال لك علي بن أبي طالب عليه السلام: إن ليلة القدر في كل سنة، وإنه ينزل في تلك الليلة أمر تلك السنة، وإن لذلك الامر ولاة بعد رسول الله صلى الله عليه واله فقلت: من هم ؟. فقال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون، فقلت: لا أراها كانت إلا مع رسول الله فتبدا لك الملك الذي يحدثه ؟ فقال: كذبت يا عبد الله، رأت عيناي الذي حدثك به علي ولم تره عيناه ولكن وعا قلبه ووقر في سمعه ثم صفقك بجناحيه فعميت ! قال: فقال ابن عباس: ما اختلفنا في شئ فحكمه إلى الله، فقلت له: فهل حكم الله في حكم من حكمه بأمرين ؟ قال: لا، فقلت: هيهنا هلكت وأهلكت. (1) 28 - كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كبر رسول الله صلى الله عليه واله على حمزة سبعين تكبيرة، وكبر علي عليه السلام عندكم على سهل بن حنيف خمسا (2) وعشرين تكبيرة، قال: كبر خمسا خمسا، كلما أدركه الناس قالوا: يا أمير المؤمنين لم ندرك الصلاة على سهل فيضعه فيكبر عليه خمسا حتى انتهى إلى قبره خمس مرات (3). 29 - كا: علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد رفعه قال: جاء أمير المؤمنين عليه السلام إلى الاشعث بن قيس يعزيه بأخ له يقال له عبد الرحمن، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام إن جزعت فحق الرحم أتيت، وإن صبرت فحق الله أديت، على أنك إن صبرت جرى

 

(1) اصول الكافي (الجزء الاول من الطبعة الحديثة): 247 و 248. (2) في المصدر: خمسة. (3) فروع الكافي (الجزء الثالث من الطبعة الحديثة): 186

 

[160]

عليك القضاء وأنت ممدوح، (1) وإن جزعت جرى عليك القضاء وأنت مذموم، فقال له الاشعث: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال أمير المؤمنين عليه السلام. أتدري ما تأويلها ؟ فقال له الاشعث: أنت غاية العلم ومنتهاه، فقال: أما قولك: " إنا لله " فإقرار منك بالملك، وأما قولك: " وإنا إليه راجعون " فإقرار منك بالهلاك (2). 30 - كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن حديد، عن مرازم بن حكيم، عمن رفعه إليه قال: إن حارث (3) الاعور أتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين احب أن تكرمني بأن تأكل عندي، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: علي أن لا تتكلف لي شيئا، ودخل فأتاه الحارث بكسرة، فجعل أمير المؤمنين عليه السلام يأكل فقال له الحارث: إن معي دراهم - وأظهرها وإذا هي في كمه - فإن أذنت لي اشتريت لك (4) فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: هذه مما في بيتك (5). 31 - كا: أحمد بن محمد العاصمي، عن محمد بن أحمد النهدي، عن محمد بن علي عن شريف بن سابق، عن الفضل بن أبي قرة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتت الموالي أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا: نشكوا إليك هؤلاء العرب، إن رسول الله صلى الله عليه واله كان يعطينا معهم العطايا بالسوية، وزوج سلمان وبلال وصهيب (6) وأبوا علينا هؤلاء وقالوا: لا نفعل، فذهب إليهم أمير المؤمنين عليه السلام فكلمهم فيهم، فصاح الاعاريب: أبينا ذلك يا أبا الحسن أبينا ذلك فخرج وهو مغضب يجر رداءه وهو يقول: يا معشر الموالي إن هؤلاء قد صيروكم بمنزلة اليهود والنصارى، يتزوجون إليكم ولا يزوجونكم ولا يعطونكم مثل ما يأخذون، فاتجروا بارك الله لكم، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله

 

(1) في المصدر و (خ): محمود. (2) فروع الكافي (الجزء الثالث من الطبعة الحديثة) 261. (3) في المصدر: ان حارثا الاعور. (4) في المصدر: اشتريت لك شيئا غيرها. (5) فروع الكافي (الجزء السادس من الطبعة الحديثة): 276. (6) في المصدر: وزوج سلمان وبلالا وصهيبا.

 

[161]

يقول: الرزق عشرة أجزاء، تسعة أجزاء في التجارة وواحدة في غيرها (1). 32 - كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أتى قوم أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا: السلام عليك يا ربنا، فاستتابهم فلم يتوبوا، فحفر لهم حفيرة وأوقد فيها نارا، وحفر حفيرة إلى جانبها اخرى (2) وأفضى بينهما، فلما لم يتوبوا ألقاهم في الحفيرة وأوقد في الحفيرة الاخرى حتى ماتوا (3). 33 - ختص: أحمد وعبد الله ابنا محمد بن عيسى وابن أبي الخطاب، جميعا عن ابن محبوب، عن الثمالي، عن سويد بن غفلة قال: كنت أنا عند أمير المؤمنين عليه السلام إذ أتاه رجل فقال: يا أمير المؤمنين جئتك من وادي القرى وقد مات خالد بن عرفطة فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لم يمت (4) فأعاد عليه الرجل فقال له: لم يمت، وأعرض بوجهه عنه، فأعاد عليه الثالثة فقال: سبحان الله اخبرك أنه قد مات وتقول: لم يمت ! فقال علي عليه السلام: والذي نفسي بيده لا يموت حتى يقود جيش ضلالة يحمل رايته حبيب بن جماز، قال: فسمع حبيب (5) فأتى أمير المؤمنين عليه السلام فقال له: أنشدك الله في فإني لك شيعة، وقد ذكرتني بأمر لا والله لا أعرفه من نفسي ! فقال له علي عليه السلام: ومن أنت ؟ قال: أنا حبيب بن جماز، فقال له علي عليه السلام: إن كنت حبيب بن جماز فلا يحملها غيرك - أو فلتحملنها - فولى عنه حبيب، وأقبل أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إن كنت حبيبا لتحملنها. قال أبو حمزة: فوالله ما مات خالد بن عرفطة حتى بعث عمر بن سعد إلى الحسين عليه السلام وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته و حبيب بن جماز صاحب رايته (6).

 

(1) فروع الكافي (الجزء الخامس من الطبعة الحديثة): 318 و 319. (2) في المصدر: وحفر حفيرة اخرى إلى جانبها. (3) فروع الكافي (الجزء السابع من الطبعة الحديثة) 257. (4) في المصدر: انه لم يمت. (5) في المصدر: فسمع ذلك حبيب بن جماز. (6) الاختصاص: 280.

 

[162]

قال عبد الحميد بن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: روى أنس بن عياض المدني قال: حدثني جعفر بن محمد الصادق عن أبيه عن جده عليهم السلام أن عليا عليه السلام كان يوما يؤم الناس وهو يجهر بالقراءة، فجهر ابن الكواء من خلفه " ولقد اوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين " (1) فلما جهر ابن الكواء من خلفه بها سكت علي عليه السلام، فلما أنهاها ابن الكواء عاد علي عليه السلام ليتم قراءته، فلما شرع علي عليه السلام في القراءة أعاد ابن الكواء الجهر بتلك (2) فسكت علي عليه السلام فلم يزالا كذلك يسكت هذا ويقرء ذاك مرارا، حتى قرأ علي عليه السلام " فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون (3) " فسكت ابن الكواء وعاد علي عليه السلام إلى قراءته (4). وقال في موضع آخر: ام محمد بن أبي بكر أسماء بنت عميس كانت تحت جعفر ابن أبي طالب، وهاجرت معه إلى الحبشة فولدت له هناك عبد الله بن جعفر الجواد ثم قتل عنها يوم مؤتة، فخلف عليها أبو بكر فأولدها محمدا، ثم مات عنها، فخلف عليها علي بن أبي طالب عليه السلام وكان محمد ربيبه وخريجه وجاريا عنده مجرى أولاده، و رضيع الولاء والتشيع مذ زمن الصبا، فنشأ عليه، فلم يكن يعرف أبا غير علي عليه السلام ولا يعتقد لاحد فضيلة غيره، حتى قال عليه السلام: محمد ابني من صلب أبي بكر، وكان يكنى أبا القاسم في قول ابن قتيبة، وقال غيره: بل كان يكنى أبا عبد الرحمن، و كان من نساك قريش، وكان ممن أعان في يوم الدار (5) واختلف هل باشر قتل عثمان أولا ومن ولد محمد القاسم بن محمد بن أبي بكر فقيه أهل الحجاز (6) وفاضلها، ومن

 

(1) سورة الزمر: 65. (2) في المصدر: بتلك الاية. (3) سورة الروم: 60. (4) شرح النهج 1: 264. (5) في المصدر: اعان على عثمان في يوم الدار. (6) ": فقيه الحجاز.

 

[163]

ولد القاسم عبد الرحمن من فضلاء قريش، ويكنى أبا محمد، ومن ولد القاسم أيضا ام فروة، تزوجها الباقر أبو جعفر محمد بن علي صلوات الله عليهما (1). أقول: قد أوردت قصة شهادته وفضائله في كتاب الفتن. وقال ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب: ولد محمد بن أبي بكر في عام حجة الوداع، فسمته عائشة محمدا، وكنته بعد ذلك أبا القاسم لما ولد له ولد سماه القاسم ولم تكن الصحابة ترى بذلك بأسا، ثم كان في حجر علي عليه السلام وقتل بمصر، و كان علي عليه السلام يثني عليه ويقرظه ويفضله، وكان لمحمد رحمه الله عبادة واجتهاد وكان ممن حصر عثمان ودخل عليه، فقال له: لو رآك أبوك لم يسره هذا المقام منك، فخرج وتركه، فدخل عليه بعده من قتله، قال: ويقال: إنه أشار إلى من كان معه فقتلوه (2). وقال ابن أبي الحديد في وصف كميل: هو كميل بن زياد بن نهيك بن هيثم بن سعد بن مالك بن حرب، من صحابة علي عليه السلام وشيعته وخاصته، وقتله الحجاج على المذهب فيمن قتل من الشيعة، وكان كميل عامل علي عليه السلام على هيت (3) و كان ضعيفا يمر عليه سرايا معاوية ينهب أطراف العراق فلا يردها، ويحاول أن يجبر ما عنده من الضعف بأن يغير على أطراف أعمال معاوية مثل قرقيسياء (4) وما يجري مجراها من القرى التي على الفرات، فأنكر أمير المؤمنين عليه السلام ذلك من فعله وقال: إن من العجز الحاضر أن يهمل العامل ما وليه ويتكلف ما ليس من تكليفه (5). وقال: روى المدائني قال: بينا معاوية يوما جالسا وعنده عمرو بن العاص

 

(1) شرح النهج 2: 32. (2) الاستيعاب 3: 328 و 329. (3) هيت بلدة على الفرات فوق الانبار، ذات نخل كثير وخيرات واسعة على جهة البرية في غربي الفرات، وبها قبر عبد الله بن المبارك. (4) قرقيسياء بلد على الخابور عند مصبه، وهى على الفرات فوق رحبة مالك بن طوق. (5) شرح النهج 4: 227.

 

[164]

إذ قال الآذن: قد جاء عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، فقال عمرو: والله لاسوأنه اليوم، فقال معاوية: لا تفعل يا با عبد الله فإنك لا تنصف (1) منه، ولعلك أن تظهر لنا من مغبته (2) ما هو خفي عنا وما لا يجب (3) أن نعلمه منه، وغشيهم (4) عبد الله بن جعفر، فأدناه معاوية وقربه، فمال عمرو إلى بعض جلساء معاوية فنال من علي عليه السلام جهارا غير ساتر له، وثلبه ثلبا (5) قبيحا، فالتمع لون عبد الله بن جعفر واعتراه أفكل (6) حتى أرعدت خصائله، ثم نزل عن السرير كالفنيق، فقال له عمرو: مه يا باجعفر، فقال له عبد الله: مه لا ام لك، ثم قال: أظن الحلم ذل علي قومي * وقد يتجهل الرجل الحليم ثم حسر عن ذراعيه وقال: يا معاوية حتام نتجرع غيظك ؟ وإلى كم الصبر على مكروه قولك وسيئ أدبك وذميم أخلاقك ؟ هبلتك الهبول وأما يزجرك ذمام (7) المجالسة عن القدع لجليسك إذا لم يكن له حرمة من دينك ينهاك (8) عما لا يجوز لك، أما والله لو عطفتك أواصر الاحلام أو حاميت على سهمك من الاسلام ما أرعيت بني الاماء المتك والعبيد السك أعراض قومك، وما يجهل موضع الصفوة إلا أهل الجزة، وإنك لتعرف في رشاء قريش صفوة غرائرها، فلا يدعونك تصويب ما فرط من خطائك في سفك دماء المسلمين ومحاربة أمير المؤمنين عليه السلام إلى التمادي فيما قد وضح لك الصواب في خلافه، فاقصد لمنهج (9) الحق فقد طال عماك (10) عن

 

(1) في المصدر: لا تنتصف. (2) في المصدر: من منقبته. (3) في المصدر: ومالا نحب. (4) أي أتاهم. (5) ثلبه ثلبا: عابه ولامه. (6) الافكل: الرعدة. يقال " اخذه افكل " إذا ارتعد من خوف أو غضب. ويأتى توضيح بعض اللغات في البيان، ونحن نوضح ما لم يوضحه المصنف. (7) كذا في النسخ والمصدر: وفى (ك): زمام. (8) في المصدر: إذا لم تكن لك حرمة من دينك تنهاك. (9) في المصدر: المنهج الحق. (10) في المصدر: عمهك.

 

[165]

سبيل الرشد، وخبطك في بحور (1) ظلمة الغي، فإن أبيت أن لا تتابعا ؟ ؟ (2) في قبح اختيارك لنفسك فاعفنا عن سوء القالة فينا إذا ضمنا وإياك الندي، وشأنك وما تريد إذا خلوت، والله حسيبك، فوالله لو لا ما جعل الله لنا في يديك لما آتيناك. ثم قال: إنك إن كلفتني ما لم أطق ساءك ما سرك مني خلق (3). فقال معاوية: أبا جعفر (4) لغير الخطاء أقسمت عليك لتجلس، لعن الله من أخرج ضب صدرك من وجاره (5) محمول لك ما قلت، ولك عندنا ما أملت، فلو لم يكن مجدك ومنصبك لكان خلقك وخلقك شافعين لك إلينا، وأنت ابن ذي الجناحين وسيد بني هاشم. فقال عبد الله: كلا بل سيد بني هاشم حسن وحسين لا ينازعهما في ذلك أحد، فقال: أبا جعفر أقسمت عليك ما ذكرت حاجة لك إلا قضيتها كائنة ما كانت ولو ذهب (6) بجميع ما أملك، فقال: أما في هذا المجلس فلا، ثم انصرف فأتبعه معاوية بصرة وقال: والله لكأنه رسول الله مشيه وخلقه وخلقه، وإنه لمن مشكاته، ولوددت أنه أخي بنفيس ما أملك، ثم التفت إلى عمرو فقال: أبا عبد الله ما تراه منعه من الكلام معك ؟ قال: ما لا خفاء به عنك. قال: أظنك تقول: إنه هاب جوابك، لا والله ولكنه ازدراك واستحقرك ولم يرك للكلام أهلا، ما رأيت إقباله علي دونك ذاهبا نفسه عنك، فقال عمرو: فهل لك أن تسمع ما أعددته لجوابه ؟ قال معاوية: اذهب إليك أبا عبد الله فلا حين جواب سائر اليوم (7) ونهض معاوية و تفرق الناس. وروى المدائني أيضا قال: وفد عبد الله بن عباس على معاوية مرة، فقال معاوية لابنه يزيد ولزياد بن سمية وعتبة بن أبي سفيان ومروان بن الحكم وعمرو

 

(1) في المصدر: ديجور. (2) في المصدر: أن لا تتابعنا (3) في المصدر: من خلق. (4) في المصدر: يا أبا جعفر. (5) الضب: الحقد الخفى. الوجار: الحجر. (6) في المصدر: ولو ذهبت، (7) في المصدر: فلات حين جواب، فبما يرى اليوم.

 

[166]

ابن العاص والمغيرة بن شعبة وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن ام الحكم: إنه قد طال العهد لعبدالله بن عباس وما كان شجر بيننا وبينه وبين ابن عمه، ولقد كان نصبه للتحكيم فدفع عنه، فحركوه على الكلام لنبلغ حقيقة صفته، ونقف على كنه معرفته، ونعرف ما صرف عنا من شباحده، وزوى (1) عنا من دهاء رأيه، فربما وصف المرء بغير ما هو فيه، واعطي من النعت والاسم مالا يستحقه، ثم أرسل إلى عبد الله بن عباس، فلما دخل واستقر به المجلس ابتدأه ابن أبي سفيان فقال: يا ابن عباس ما منع عليا أن يوجه بك حكما ؟ فقال: أما والله لو فعل لقرن عمروا بصعبة من الابل يوجع كتفيه مراسها (2) ولاذهلت عقله وأجرضته بريقه، وقدحت في سويداء قلبه، فلم يبرم أمرا ولم ينقض رأيا (3) إلا كنت منه بمرأى و مسمع، فإن نكبه أدمت قواه (4) وإن أدمه قصمت عراه بعضب (5) مصقول لا يفل حده وأصالة رأي كمناخ الاجل لا ورز منه (6) أصدع به أديمه، وأفل (7) به شباحده وأستجد به عزائم المتقين (8) وازيح به شبه الشاكين (9). فقال عمرو بن العاص: هذا والله يا أمير المؤمنين نجوم أول الشر وافول آخر الخير، وفي حسمه قطع مادته، فبادره بالجملة (10) وانتهز منه الفرصة، واردع

 

(1) الشبا جمع الشباة: طرف الشئ وحده. وفى المصدر: وروى عنا. (2) المراس: الشدة والقوة، يقال " هو صعب المراس " أي ذو الشدة والقوة. (3) في المصدر: ولم ينفض ترابا. (4) سيأتي معناه عن المصنف. وفي المصدر: فان نكثه أرمت قواه وان أرمه فصمت عراه بغرب مقول لا يفل حده. (5) العضب: السيف القاطع. (6) كذا في النسخ. وفى المصدر: كمتاح الاجل لا وزر منه. (7) في (ك) و (ت): أقل. (8) كذا في النسخ. وفى المصدر: وأشحذ به عزائم المتقين. والصحيح المتيقنين. (9) في (ك) الناكثين خ ل. (10) في المصدر: بالحملة.

 

[167]

بالتنكيل به غيره، وشردبه من خلفه، فقال ابن عباس: يا ابن النابغة ضل والله عقلك، وسفه حلمك، ونطق الشيطان على لسانك، هلا توليت ذلك بنفسك يوم صفين حين دعيت إلى النزال وتكافح الابطال (1) وكثرت الجراح وتقصفت الرماح ؟ وبرزت إلى أمير المؤمنين مصاولا فانكفأ (2) نحوك بالسيف حاملا، فلما رأيت الكر آثر من الفر وقد أعددت حيلة السلامة قبل لقائه والانكفاء عنه بعد إجابة دعائه فمنحت (3) رجاء النجاة عورتك، وكشفت له خوف بأسه سوأتك، حذر أن (4) يصطلمك بسطوته، أو يلتهمك بحملته، ثم أشرت إلى معاوية (5) كالناصح له بمبارزته وحسنت له التعريض (6) لمكافحته، رجاء أن تكفي (7) مؤونته وتعدم صولته (8) فعلم غل صدرك وما ألحت عليه من النفاق أصلعك (9) وعرف مقر سهمك في غرضك فاكفف عضب لسانك (10) واقمع عوراء لفظك. فإنك لمن أسد خادر وبحر زاخر إن برزت (11) للاسد افترسك وإن عمت في البحر قمسك (12). فقال مروان بن الحكم: يا ابن عباس إنك لتصرف بنابك وتوري نارك، كأنك ترجو الغلبة وتؤمل العافية. ولولا حلم أمير المؤمنين عنكم لناولكم (13)

 

(1) كفح العدو، واجهه واستقبله. (2) أي مال (3) في المصدر: فمنحته. (4) في المصدر: حذرا ان يصطلمك. (5) كذا في (ك). وفى غيره من النسخ وكذا المصدر: على معاوية. (6) في المصدر: التعرض. (7) في المصدر: أن تكتفى. (8) في المصدر: صورته. (9) في المصدر: وما انحنت عليه من النفاق أضلعك. (10) في المصدر: غرب لسانك والغرب: الحدة. (11) في المصدر: تبرزت. (12) عام في الماء: سبح. والقمس بمعنى الغمس. (13) في المصدر: لتناولكم.

 

[168]

بأقصر أنامله فأوردكم منهلا بعيدا صدره، ولعمري لئن سطابكم ليأخذن بعض حقه منكم، ولئن عفا عن جرائركم فقديما ما نسب إلى ذلك، فقال ابن عباس: وإنك لتقول ذلك يا عدوالله وطريد رسول الله والمباح دمه والداخل بين عثمان ورعيته بما حملهم على قطع أوداجه وركوب أنتاجه (1) ؟ ! أما والله لو طلب معاوية ثاره لاخذك به، ولو نظر في أمر عثمان لوجدك أوله وآخره، وأما قولك لي: " إنك لتصرف بنابك وتوري نارك " فسل معاوية وعمروا يخبراك ليلة الهرير كيف ثباتنا للمثلات واستخفافنا بالمعضلات، وصدق جلادنا عند المصاولة، وصبرنا على اللاواء والمطاولة (2) ومصافحتنا بجباهنا السيوف المرهفة، ومباشرتنا بنحورنا حد الاسنة هل خمنا (3) عن كرائم تلك المواقف أم لم نبذل مهجنا للمتالف ؟ وليس لك إذ ذاك فيها مقام محمود ولا يوم مشهود ولا أثر معدود، وإنهما شهدا مالو شهدت لاقلقك، فاربع على ظلعك، ولا تعرض (4) لما ليس لك، فإنك كالمغرور في صفقة (5) لا يهبط برجل ولا يرقى بيد. فقال زياد: يا ابن عباس إني لاعلم ما منع حسنا وحسينا من الوفود معك على أمير المؤمنين إلا ما سولت لهما أنفسهما، وغرهما به من هو عند البأساء سلمهما (6) وأيم الله لو وليتهما لادأبا في الرحلة إلى أمير المؤمنين أنفسهما، ويقل (7) بمكانهما لبثهما، فقال ابن عباس: إذا والله يقصر دونهما باعك، ويضيق بهما ذراعك، ولو

 

(1) في المصدر: أثباجه. والثبج ما بين الكاهل إلى الظهر. (2) اللاواء: الشدة والمحنة. (3) خام يخيم عنه: جبن ونكص. وفى نسخ الكتاب " حمنا " بالمهملة ولكنه سهو. (4) في المصدر: ولا تتعرض. (5) في المصدر: كالمغروز في صفد. أي المشدود في قيد. (6) في المصدر: يسلمهما. (7) في المصدر: ولقل.

 

[169]

رمت ذلك لوجدت من دونهما فئة صدقا (1) صبرا على البلاء، لا يخيمون (2) عن اللقاء فلعركوك (3) بكلاكلهم، ووطؤوك بمناسمهم، وأوجروك مشق رماحهم وشفار سيوفهم ووخز أسنتهم حتى تشهد بسوء ما آتيت، وتتبين ضياع الحزم فيما جنيت فحذار حذار من سوء النية فتكافأ برد الامنية (4) وتكون سببا لفساد هذين الحيين بعد صلاحهما، وساعيا في اختلافهما بعد ايتلافهما، حيث لا يضرهما التباسك (5) ولا يغني عنهما إيناسك. فقال عبد الرحمن بن ام الحكم: لله در ابن ملجم، فقد بلغ الاجل (6) و أمن الوجل، وأحد الشفرة وألان المهرة وأدرك الثار ونفى العار، وفاز بالمنزلة العلياء ورقا الدرجة القصوى، فقال ابن عباس: أما والله لقد كرع (7) كأس حتفه بيده، وعجل الله إلى النار بروحه، ولو أبدى لامير المؤمنين صفحته لخالطه الفحل القطم والسيف الخذم، ولالعقه صابا (8) وسقاه سماما، وألحقه بالوليد وعتبة و حنظلة، فكلهم كان أشد منه شكيمة وأمضى عزيمة، ففرى بالسيف هامهم ورملهم بدمائهم، وفرى الذئاب أشلاءهم (9) وفرق بينهم وبين أحبائهم، اولئك حصب جهنم هم لها واردون، فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا ؟ ولا غرو إن ختل ولا وصمة إن قتل فإنا لكما قال دريد بن الصمة شعر:

 

(1) الصدق - بضم الصاد والدال أو سكونها -: جمع الصدوق. والصبر - بضم الصاد و الباء -: جمع الصبور. (2) أي لا يجبنون. وفى نسخ الكتاب " لا يحتمون " ولكنه سهو. (3) عركه: دلكه. (4) في المصدر: فانها ترد الامنية. (5) في المصدر: ابساسك. (6) في المصدر: الامل. (7) كرع في الماء أو الاناء: مد عنقه وتناول الماء بفيه من موضعه. (8) أبدى له صفحته أي كاشفه. القطم - بالفتح فالكسر: الغضبان. الخذم: القاطع بالسرعة. وفى النسخ " الجزم " وكلاهما سهو. والصاب: عصير شجر مر. (9) جمع الشلو: العضو.

 

[170]

فإنا للحم السيف غير مكره * ونلحمه طورا وليس بذي مكر (1) يغار علينا واترين فيشتفى * بنا إن اصبنا أو نغير على وتر فقال المغيرة بن شعبة: أما والله لقد أشرت على علي بالنصيحة، فآثر رأيه و مضى على غلوائه (2) فكانت العاقبة عليه لا له، وإني لاحسب أن خلقه يعتدون لمنهجه، وقال (3) ابن عباس: كان والله أمير المؤمنين أعلم بوجوه الرأي ومعاقد الحزم وتصريف الامور من أن يقبل مشورتك فيما نهى الله عنه وعنف ؟ ؟ عليه قال سبحانه: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله (4) " إلى آخر الآية، ولقد وقفك على ذكر متين (5) وآية متلوة قوله تعالى: " وما كنت متخذ المضلين عضدا (6) " وهل كان يسوغ له أن يحكم في دماء المسلمين وفي المؤمنين من ليس بمأمون عنده ولا موثوق به في نفسه ؟ هيهات هيهات هو أعلم بفرض الله وسنة رسوله أن يبطن خلاف ما يظهر إلا للتقية، ولات حين تقية مع وضوح الحق وثبوت الجنان وكثرة الانصار، يمضي كالسيف المصلت في أمر الله موثرا لطاعة ربه والتقوى على آراء أهل الدنيا. فقال يزيد بن معاوية: يا ابن عباس إنك لتنطق بلسان طلق تنبئ عن مكنون قلب حرق، فاطو ما أنت عليه كشحا، فقد محا ضوء حقنا ظلمة باطلكم ! فقال ابن عباس: مهلا يزيد ! فوالله ما صفت القلوب لكم منذ تكدرت عليكم (7) ولا دنت بالمحبة

 

(1) كذا في النسخ والمصدر. والصحيح كما في شرح ديوان الحماسة ص 825 كذا: فانا للحم السيف غير نكيرة ونلحمه حينا وليس بذكرى نكر ودريد بن الصمة شاعر شجاع فارس من ذوى الرأى في الجاهلية، وشهد يوم حنين مع هوازن وهو شيخ كبير وقتل يومئذ فيمن قتل من المشركين. (2) الغلواء - بضم الغين وسكون اللام أو فتحها - الغلو. (3) في المصدر: يقتدون بمنهجه. فقال اه‍. (4) سورة المجادلة: 22. (5) في المصدر: مبين. (6) سورة الكهف: 51. (7) في المصدر: منذ تكدرت بالعداوة عليكم. (*)

 

[171]

لكم مذ بات (1) بالبغضاء عنكم، ولا رضيت اليوم منكم ما سخطت الامس من أفعالكم وإن بذل الايام يستقضي ما صدعنا ويسترجع (2) ما ابتز منا كيلا بكيل و وزنا بوزن، وإن تكن الاخرى فكفى بالله وليا لنا ووكيلا على المعتدين علينا. فقال معاوية: إن في نفسي منكم لحرارات (3) بني هاشم، وإن الخليق أن (4) ادرك فيكم الثار وأنفي العار ! فإن دمائنا قبلكم وظلامتنا فيكم، فقال ابن عباس والله إن رمت ذلك يا معاوية لتثيرن عليك أسدا مخدرة وأفاعي مطرقة، لا يفثأها (5) كثرة السلاح ولا يقصها (6) نكاية الجراح، يضعون أسيافهم على عواتقهم، يضربون قدما قدما من ناواهم، يهون عليهم نباح الكلاب وعواء الذئاب، لا يفاقون بوتر ولا يسبقون إلى كر، ثم ذكر: (7) قد وطنوا على الموت أنفسهم، وسمت بهم إلى العلياء هممهم، كما قالت الازدية: قوم إذا شهدوا الهياج فلا * ضرب ينهنههم ولا زجر (8) وكأنهم آساد غينة غرست (9) * وبل متونها القطر فلتكونن منهم بحيث أعددت ليلة الهرير للهرب فرسك، وكان أكبر همك سلامة حشاشة نفسك ! ولو لا طغام من أهل الشام وقوك بأنفسهم وبذلوا دونك مهجهم حتى إذا ذاقوا وخز الشفار وأيقنوا بحلول الدمار (10) رفعوا المصاحف مستجيرين

 

(1) في المصدر: إليكم مذ نأت اه‍. (2) في المصدر: وان تدل الايام نستقض ما شذ عنا ونسترجع اه‍. (3) في المصدر: نحزازات. وهى الوجع في القلب من غيظ ونحوه. (4) في المصدر: وانى لخليق. (5) فثأ الغضب: سكن حدته. وفثأ الشئ عنه: كفه وحبسه. (6) في المصدر: ولا تعضها. (7) في المصدر: ولا يسبقون إلى كريم ذكر. (8) نهنهه عن الشئ: كفه عنه وزجره. (9) كذا في النسخ. وفي المصدر: غرثت. أي جاعت. والغينة: الاشجار الملتفة بلا ماء. (10) الدمار: الهلاك.

 

[172]

بها وعائذين بعصمتها لكنت شلوا مطروحا بالعراء، تسفى عليك رياحها، ويعتورك ذئابها (1) وما أقول هذا اريد صرفك عن عزيمتك ولا إزالتك عن معقود نيتك لكن الرحم التي تعطف عليك والاوامر التي توجب صرف النصيحة إليك، فقال معاوية: لله درك يا ابن عباس، ما يكشف (2) الايام منك إلا عن سيف صقيل ورأي أصيل، وبالله لو لم يلد هاشم غيرك لما نقص عددهم، ولو لم يكن لاهلك سواك لكان الله قد كثرهم: ثم نهض، فقام ابن عباس وانصرف (3). توضيح: قال الفيروز آبادي: الخصيلة: القطعة من اللحم، أو لحم الفخذين والعضدين والذراعين أو كل عصبة فيها لحم غليظ، والجمع خصيل وخصائل (4). والفنيق: الفحل المكرم لا يؤذى لكرامته على أهله ولا يركب. وقدعه كمنعه: كفه. وفرسه: كبحه. والفحل: ضرب أنفه بالرمح (5) والاواصر جمع الاوصر وهو المرتفع من الارض، ويحتمل أن يكون تصحيف الاقاصر جمع الاقصر، أي الاحلام القصيرة فكيف طوالها. والمتك بالضم جمع المتكاء، وهي المفضاة أو الطويلة ما بين أسكتي فرجها (6). والسك لعله من قولهم " سكه " إذا اصطلم اذنيه، وفي بعض النسخ " المسك " يقال: رجل مسكة كهمزة (7) أي بخيل، أو هو الذي لا يعلق بشئ فيتخلص منه، والجمع مسك بضم الميم وفتح السين، ولعل المراد بأهل الجزة الذين يجزون أصواف الحيوانات، وهم أداني الناس والرشاء الحبل. و الغرائر جمع الغرارة التي تكون للتبن.

 

(1) اعتور القوم الشئ: تعاطوه وتداولوه: وفى المصدر: الذباب. (2) في المصدر: ما تكشف. (3) شرح النهج 2: 169 - 173. (4) القاموس 3: 368. (5) في هامش (ك): وذلك إذا كان غير كريم. (6) الاسكتان - بفتح الكاف وكسرها - شفر الرحم أو جانباه مما يلى شفريه أو قذتاه. (7) بضم الاول وفتح الثاني.

 

[173]

ويقال: جرض بريقه أي ابتلعه على هم وحزن. ونكب الاناء: أماله و كبه. وأدم بينهما: أصلح وألف والتهمه: ابتلعه. وأسد خادر أي داخل الخدر وهو الستر. والكلاكل: الصدور، والجماعات، ومن الفرس: ما بين محزمه إلى ما مس الارض منه. والمناسم: أخفاف البعير. والمشق: سرعة في الطعن والضرب، والطول مع الرقة. والوخز: الطعن بالرمح. والمهرة بالضم واحد المهر كصرد وهي مفاصل متلاحكة في الصدر أو غراضيف الضلوع (1). واللحم: القطع. 34 - نهج: قال أمير المؤمنين عليه السلام في ذكر خباب بن الارت: يرحم الله خبابا فلقد أسلم راغبا وهاجر طائعا وعاش مجاهدا (2). وقال عليه السلام وقد جاءه نعي الاشتر: مالك وما مالك لو كان جبلا لكان فندا، لا يرتقيه الحافر ولا يرقى عليه الطائر. قوله عليه السلام: " الفند " هو المنفرد من الجبال (3). بيان: قال الجزري: الفند من الجبل أنفه الخارج منه (4). أقول: قال عبد الحميد بن أبي الحديد: الذي رويته عن الشيوخ ورأيته بخط عبد الله بن أحمد بن الخشاب أن الربيع بن زياد الحارثي أصابته نشابة في جبينه فكانت تتنقض عينيه (5) في كل عام، فأتاه علي عليه السلام عائدا فقال: كيف تجدك أبا عبد الرحمن ؟ قال: أجدني يا أمير المؤمنين لو كان لا يذهب ما بي إلا بذهاب بصري لتمنيت ذهابه، فقال: وما قيمة بصرك عندك ؟ قال: لو كانت لي الدنيا لفديته بها قال: لا جرم ليعطينك الله على قدر ذلك، إن الله تعالى يعطي على قدر الالم والمصيبة وعنده تضعيف كثير، قال الربيع: يا أمير المؤمنين ألا أشكو إليك عاصم بن زياد (هامش) * (1) متلاحكة أي متلاصقة متداخلة. والغرضوف والغضروف كل عظم رخص يؤكل. (2) نهج البلاغة (عبده ط مصر) 2: 154. وفيه: يرحم الله خباب بن الارت فلقد اسلم راغبا وهاجر طائعا وقنع بالكفاف ورضى عن الله وعاش مجاهدا. (3) نهج البلاغة (عبده ط مصر) 2: 249. (4) النهاية 3: 216. والفند بكسر الفاء وسكون النون. (5) كذا في النسخ، وفى المصدر وهامش (خ): عليه وتنقض الجرح: سال دمه.


 

[174]

أخي ؟ قال: ماله ؟ قال: لبس العباء وترك الملاء وغم أهله وحزن ولده، فقال عليه السلام: ادعوا لي عاصما، فلما أتاه عبس في وجهه وقال: ويحك يا عاصم أترى الله أباح لك اللذات وهو يكره ما أخذت منها ؟ لانت أهون على الله من ذلك، أو ما سمعته يقول: " مرج البحرين يلتقيان (1) " ثم قال: " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان (2) " وقال: " ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها (3) " أما والله ابتذال نعم الله بالفعال أحب إليه من ابتذالها بالمقال، وقد سمعتم الله يقول: " وأما بنعمة ربك فحدث (4) " وقوله: " من حرم زينة الله التي أخرج لعباده و الطيبات من الرزق (5) " إن الله خاطب المؤمنين بما خاطب به المرسلين فقال: " يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم (6) " وقال: " يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا (7) " وقال رسول الله صلى الله عليه واله لبعض نسائه: مالي أراك شعثاء مرهاء سلتاء ؟ (8). قال عاصم: فلم اقتصرت يا أمير المؤمنين على لبس الخشن وأكل الجشب ؟ (9) قال إن الله تعالى افترض على أئمة العدل أن يقدروا لانفسهم بالقوام كيلا يتبيغ (10) بالفقير فقره، فما قام علي عليه السلام حتى نزع عاصم العباء ولبس ملاءة (11).

 

(1 و 2) سورة الرحمن: 19 و 22. (3) سورة الفاطر: 12. (4) سورة الضحى: 11. (5) سورة الاعراف: 32. (6) سورة البقرة: 172. (7) سورة المؤمنون: 51. (8) الشعثاء: التى كان شعرها مغبرا متلبدا. والمرهاء: التى فسدت وابيضت بواطن اجفانها والسلتاء: التى قطع انفها. (9) الجشب: الطعام الغليظ. (10) تبيغ: هاج. (11) بضم الميم ثوب يلبس على الفخذين.

 

[175]

وكتب زياد بن أبيه إلى الربيع بن زياد وهو على قطعة من خراسان: إن أمير المؤمنين معاوية كتب إلي يأمرك أن تحرز الصفراء والبيضاء وتقسم الخرثي (1) وما أشبهه على أهل الحروب، فقال له الربيع: إني وجدت كتاب الله قبل كتاب أمير المؤمنين، ثم نادى في الناس: أن اغدوا على غنائمكم، فأخذ الخمس وقسم الباقي على المسلمين ثم دعا الله أن يميته، فما جمع حتى مات (2). وقال في أحوال شريح القاضي: هو شريح بن الحارث بن المنتجع الكندي وقيل: اسم أبيه معاوية، وقيل: هاني، وقيل: شراحيل، ويكنى أبا امية، استعمله عمر بن الخطاب على القضاء بالكوفة، فلم يزل قاضيا ستين سنة، لم يتعطل فيها إلا ثلاث سنين في فتنة ابن الزبير، امتنع (3) من القضاء، ثم استعفى الحجاج من العمل فأعفاه، فلزم منزله إلى أن مات، وعمر عمرا طويلا، قيل: إنه عاش مائة وثمان سنين، وقيل: مائة سنة، وتوفي سنة سبع وثمانين، وكان خفيف الروح مزاحا، فقدم إليه رجلان فأقر أحدهما بما ادعى به خصمه وهو لا يعلم، فقضى عليه، فقال لشريح: من شهد عندك بهذا ؟ قال: ابن اخت خالك ! وقيل: إنه جاءته امرأة تبكي وتتظلم على خصمها، فمارق لها حتى قال له إنسان كان بحضرته: ألا تنظر أيها القاضي إلى بكائها ؟ فقال: إن إخوة يوسف جاؤوا أباهم عشاء يبكون وأقر علي عليه السلام شريحا على القضاء مع مخالفته له في مسائل كثيرة من الفقه مذكورة في كتب الفقهاء، وسخط علي عليه السلام مرة عليه فطرده عن الكوفة ولم يعزله عن القضاء، وأمره بالمقام ببانقيا، وكانت قرية قريبة من الكوفة أكثر ساكنيها اليهود فأقام بها مدة حتى رضي عنه، وأعاده إلى الكوفة، وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب: أدرك شريح الجاهلية، ولا يعد من الصحابة بل من التابعين،

 

(1) بضم الخاء وسكون الراء: اردأ المتاع وسقطه. (2) شرح النهج 3: 19 و 20. جمع المسلم: شهد الجمعة. (3) في المصدر: امتنع فيها.

 

[176]

وكان شاعرا محسنا، وكان سناطا لا شعر في وجهه (1). 35 - نهج: من كتاب له إلى أميرين من امراء جيشه: وقد أمرت عليكما وعلى من في حيزكما مالك بن الحارث الاشتر، فاسمعاله وأطيعا واجعلاه درعا ومجنا، فإنه ممن لا يخاف وهنه ولا سقطته ولا بطؤه عما الاسراع إليه أحزم، ولا إسراعه إلى ما البطؤ عنه أمثل (2). قال ابن أبي الحديد في شرح هذا الكلام: هو مالك بن الحارث بن عبديغوث ابن سلمة بن ربيعة بن حذيمة (3) بن سعد بن مالك بن النخع بن عمرو بن غلة (4) بن خالد بن مالك بن داود، وكان حارسا (5) شجاعا رئيسا من أكابر الشيعة وعظمائها شديد التحقق بولاء أمير المؤمنين عليه السلام ونصره، وقال فيه بعد موته: يرحم (6) الله مالكا فلقد كان لي كما كنت لرسول الله صلى الله عليه واله، ولما قنت علي عليه السلام على خمسة ولعنهم وهم: معاوية وعمرو بن العاص وأبو الاعور السلمي وحبيب بن مسلمة و بسر بن أرطاة قنت معاوية على خمسة: وهم علي والحسن والحسين وعبد الله بن العباس والاشتر، ولعنهم. وقد روي أنه قال لما ولى علي عليه السلام بني العباس على الحجاز واليمن و العراق: " فلماذا قتلنا الشيخ بالامس ؟ " وإن عليا عليه السلام لما بلغته هذه الكلمة أحضره ولاطفه واعتذر إليه، وقال له: فهل وليت حسنا أو حسينا أو أحدا من ولد جعفر أخي أو عقيلا أو أحدا من ولده ؟ وإنما وليت ولد عمي العباس لاني سمعت العباس يطلب من رسول الله صلى الله عليه واله الامارة مرارا، فقال له رسول الله صلى الله عليه واله: " يا عم إن الامارة إن طلبتها وكلت إليها وإن طلبتك اعنت عليها " ورأيت بنيه في أيام

 

(1) شرح النهج 3: 445 و 446. (2) نهج البلاغة (عبده ط مصر) 2: 14 و 15. (3) في المصدر: ربيعة بن الحارث بن خزيمة. (4) في المصدر: علة. (5) في المصدر: ادد وكان فارسا. (6) في المصدر: رحم الله.

 

[177]

عمر وعثمان يجدون في أنفسهم أن ولي غيرهم من أبناء الطلقاء ولم يول أحد منهم فأحببت أن أصل رحمهم وازيل ما كان في أنفسهم، وبعد فإن علمت أحدا هو خير منهم فائتني به، فخرج الاشتر وقد زال ما في نفسه. وقد روى المحدثون حديثا يدل على فضيلة عظيمة للاشتر، وهي شهادة قاطعة من النبي صلى الله عليه واله بأنه مؤتمن (1)، روى هذا الحديث أبو عمر بن عبد البر في كتاب الاستيعاب في حرف الجيم في باب جندب، قال أبو عمر: لما حضرت أبا ذر الوفاة وهو بالربذة بكت زوجته ام ذر، قالت: فقال لي: (2) ما يبكيك ؟ فقالت: مالي لا أبكي وأنت تموت بفلاة من الارض، وليس عندي ثوب يسعك كفنا، ولا بد لي من القيام بجهازك، فقال: ابشري ولا تبكي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: " لا يموت بين امرأين مسلمين ولدان أو ثلاث فيصبران ويحتسبان فيريان النار أبدا " وقد مات لنا ثلاثة من الولد. وسمعت أيضا رسول الله صلى الله عليه واله يقول لنفر أنا فيهم: " ليموتن أحدكم بفلاة من الارض، يشهده عصابة من المؤمنين " وليس من اولئك النفر أحد إلا وقد مات في قرية وجماعة، فأنا لا أشك أني ذلك الرجل، والله ما كذبت ولا كذبت، فانظري الطريق، قالت ام ذر: فقلت: أنى وقد ذهب الحاج وتقطعت الطرق ؟ فقال: اذهبي فتبصري، قالت: فكنت أشتد إلى الكثيب فأصعد فأنظر ثم أرجع إليه فامرضه، فبينا أنا وهو على هذه الحالة إذا أنا برجال على ركابهم كأنهم الرخم (3) تخب بهم رواحلهم، فأسرعوا إلي حتى وقفوا علي وقالوا: يا أمة الله مالك ؟ فقلت: امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه ؟ قالوا: ومن هو ؟ قلت: أبو ذر، قالوا: صاحب رسول الله صلى الله عليه واله ؟ قلت: نعم، ففدوه بآبائهم وامهاتهم و أسرعوا إليه حتى دخلوا عليه، فقال لهم: ابشروا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول لنفر أنا فيهم: " ليموتن رجل منكم بفلاة من الارض تشهده عصابة من المؤمنين " و

 

(1) في المصدر: مؤمن. (2) في المصدر: فقال لها. (3) الرخم: طائر من الجوارح الكبيرة الجثة الوحشية الطباع. خب الفرس في عدوه: راوح بين يديه ورجليه أي قام على احداهما مرة وعلى الاخرى مرة.

 

[178]

ليس من اولئك النفر أحد إلا وقد هلك في قرية وجماعة، والله ما كذبتم ولا كذبتم (1) ولو كان عندي ثوب يسعني كفنا لي أو لامرأتي لم اكفن إلا في ثوب لي أولها، و إني أنشدكم الله أن لا يكفنني رجل منكم كان أميرا أو عريفا أو بريدا أو نقيبا، قالت: وليس في اولئك النفر أحد إلا وقد قارف بعض ما قال إلا فتى من الانصار قال له: أنا اكفنك يا عم في ردائي هذا وفي ثوبين معي في عيبتي من غزل امي، فقال أبو ذر: أنت تكفنني، فمات فكفنه الانصاري وغسله في النفر الذين (2) حضروه وقاموا عليه، ودفنوه في نفر كلهم يمان. قال أبو عمر بن عبد البر قبل أن يروي هذا الحديث في أول باب جندب: كان النفر الذين حضروا موت أبي ذر بالربذة مصادفة جماعة منهم حجر بن الابرد (3) هو حجر بن عدي الذي قتله معاوية، وهو من أعلام الشيعة وعظمائها وأما الاشتر فهو أشهر في الشيعة من أبي الهذيل في المعتزلة. وقرئ كتاب الاستيعاب على شيخنا عبد الوهاب بن سكينة المحدث وأنا حاضر، فلما انتهى القارئ إلى هذا الخبر قال استادي عمر بن عبد الله الدباس - وكان يحضر (4) معه سماع الحديث -: لتقل الشيعة بعد هذا ما شاءت، فما قال المرتضى والمفيد إلا بعض ما كان حجر والاشتر يعتقدانه في عثمان ومن تقدمه، فأشار الشيخ إليه بالسكوت فسكت. وقد ذكرنا آثار الاشتر ومقاماته بصفين فيما سبق، والاشتر هو الذي عانق عبد الله بن الزبير يوم الجمل فاصطرعا على ظهر فرسيهما حتى وقعا إلى الارض (5) فجعل عبد الله يصرخ من تحته: اقتلوني ومالكا، فلم يعلم من الذي يعنيه لشدة

 

(1) في المصدر: ما كذبت ولا كذبت. (2) ": وغسله النفر الذين اه‍ (3) في الاستيعاب: منهم حجر بن الادبر ومالك بن الحارث الاشتر قلت: حجر بن الادبر اه‍. (4) في المصدر: وكنت أحضر. (5) في المصدر: في الارض.

 

[179]

الاختلاط وثوران النقع (1) فلو قال: اقتلوني والاشتر لقتلا جميعا، فلما افترقا قال الاشتر: أعايش لولا أنني كنت طاويا (2) * ثلاثا لالفيت ابن اختك هالكا غداة ينادي والرماح تنوشه * كوقع الصياصي: اقتلوني ومالكا (3) فنجاه مني شبعه وشبابه * وأني شيخ لم أكن متماسكا ويقال: إن عائشة فقدت عبد الله فسألت عنه، فقيل لها: عهدنا به وهو معانق للاشتر، فقالت: واثكل أسماء. ومات الاشتر في سنة تسع وثلاثين متوجها إلى مصر واليا عليها لعلي عليه السلام، قيل: سقي سما، وقيل: إنه لم يصح ذلك وإنما مات حتف أنفه، فأما ثناء أمير المؤمنين عليه السلام في هذا الفصل فقد بلغ فيه مع اختصاره ما لا يبلغ بالكلام الطويل، ولعمري لقد كان الاشتر أهلا لذلك، كان شديد البأس جوادا رئيسا حليما فصيحا شاعرا، وكان يجمع بين اللين والعنف، فيسطو في موضع السطوة ويرفق في موضع الرفق (4). أقول: وقال ابن أبي الحديد في شرح وصايا أوصى أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحارث الهمداني: هو الحارث بن عبد الله بن كعب بن أسد بن مخلد بن حارث بن سبيع بن معاوية الهمداني، كان أحد الفقهاء (5) وصاحب علي عليه السلام، وإليه تنسب الشيعة الخطاب الذي خاطب به في قوله عليه السلام: يا حار همدان من يمت يرني * من مؤمن أو منافق قبلا (6) أقول: رأيت في بعض مؤلفات أصحابنا: روي أنه دخل أبو أمامة الباهلي على

 

(1) النقع: الغبار. (2) أي جائعا. (3) ناش الشئ بالشئ: تعلق به. والصياصى جمع الصيصية: الوتد يقلع به التمر. (4) شرح النهج 3: 625 - 627. (5) في المصدر بعد ذلك: له قول في الفتيا وكان اه‍. (6) شرح النهج 4: 309.

 

[180]

معاوية، فقربه وأدناه ثم دعا بالطعام، فجعل يطعم أبا أمامة بيده، ثم أوسع رأسه ولحيته طيبا بيده، وأمر له ببدرة من دنانير فدفعها إليه، ثم قال: يا أبا أمامة بالله أنا خير أم علي بن أبي طالب ؟ فقال أبو أمامة ! نعم ولا كذب ولو بغير الله سألتني لصدقت، علي والله خير منك وأكرم وأقدم إسلاما، وأقرب إلى رسول الله قرابة وأشد في المشركين نكاية، وأعظم عند الامة غناء، أتدري من علي يا معاوية ؟ ابن عم رسول الله صلى الله عليه واله وزوج ابنته سيدة نساء العالمين، وأبو الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة، وابن أخي حمزة سيد الشهداء، وأخو جعفر ذي الجناحين، فأين تقع أنت من هذا يا معاوية. أظننت أني سأخيرك على علي بألطافك وطعامك و عطائك فأدخل إليك مؤمنا وأخرج منك كافرا ؟ بئس ما سولت لك نفسك يا معاوية. ثم نهض وخرج من عنده، فأتبعه بالمال فقال: لا والله لا أقبل منك دينارا واحدا. 36 - قب: كتابه: عبيدالله بن أبي رافع وسعيد بن نمران (1) الهمداني و عبد الله بن جعفر وعبيدالله بن عبد الله بن مسعود. وكان بوابه سلمان سلمان ومؤذنه جويرية بن مسهر العبدي وابن النباح وهمدان الذي قتله الحجاج، وخدامه أبو نيرز من أبناء ملوك العجم، رغب في الاسلام وهو صغير، فأتى رسول الله صلى الله عليه واله فأسلم وكان معه، فلما توفي صلى الله عليه واله صار مع فاطمة وولديها عليهم السلام، وكان عبد الله ابن مسعود في سبي فزارة، فوهبه النبي صلى الله عليه واله لفاطمة عليها السلام، فكان بعد ذلك مع معاوية وكان له ألف نسمة منهم قنبر وميثم، قتلهما الحجاج، وسعد ونصر قتلا مع الحسين عليه السلام، وأحمر قتل في صفين، ومنهم غزوان وثبيت وميمون. وخادمته فضة وزبرا وسلافة (2). 37 - ختص: ابن قولويه، عن العياشي، عن أبيه، عن علي بن الحسين عن مروك بن عبيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن رجل، عن الاصبغ قال: قلت

 

(1) غزوان خ ل. (2) مناقب آل ابى طالب 2: 77.

 

[181]

له كيف سميتم شرطة الخميس يا أصبغ ؟ فقال: إنا ضمنا له الذبح وضمن لنا الفتح (1). 38 - ختص: جعفر بن الحسين المؤمن وأحمد بن هارون الفامي وجماعة من مشائخنا، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن علي بن إسماعيل بن عيسى، عن حماد ابن عيسى، عن الحسين بن المختار، عن الحارث بن المغيرة قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: أي شئ تقولون أنتم ؟ فقال: نقول: هلك الناس إلا ثلاثة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: فأين ابن ليلى وشتير ؟ فسألت حماد بن عيسى عنهما، قال: كانا موليين أسودين لعلي بن أبي طالب عليه السلام (2). 39 - ختص: جعفر بن الحسين، عن ابن الوليد، عن الصفار، عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن ذريح المحاربي، عن أبي عبد الله عليه السلام، وعن ابن جريح وغيره من ثقيف أن ابن عباس لما مات واخرج به خرج من تحت كفنه طير أبيض ينظرون إليه، يطير نحو السماء حتى غاب عنهم، وقال أبو عبد الله عليه السلام: كان أبي يحبه حبا شديدا، وكان أبي عليه السلام وهو غلام يلبسه امه ثيابه، فينطلق في غلمان بني عبد المطلب، قال: فأتاه فقال: من أنت ؟ - بعدما اصيب بصره - فقال: أنا محمد بن علي بن الحسين بن علي، فقال: حسبك من لم يعرفك فلا عرفك (3). 40 - نهج: ومن كتاب له إلى عبد الله بن العباس: أما بعد فإني كنت أشركتك في أمانتي، وجعلتك شعاري وبطانتي، ولم يكن في أهلي رجل أوثق منك في نفسي، لمواساتي ومؤازرتي وأداء الامانة إلي، فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب والعدو قد حرب وأمانة الناس قد خزيت وهذه الامة قد فتكت وشغرت قلبت لابن عمك ظهر المجن، ففارقته مع المفارقين، وخذلته مع الخاذلين، وخنته مع الخائنين، فلا ابن عمك آسيت (4) ولا الامانة أديت، وكأنك لم تكن الله تريد

 

(1) الاختصاص: 65. (2) في المصدر: 70 و 71. (3) في المصدر: 71. (4) آسى الرجل في ماله: جعله اسوته فيه.

 

[182]

بجهادك، وكأنك لم تكن على بينة من ربك، وكأنك كنت تكيد هذه الامة عن دنياهم، وتنوي ؟ ؟ غرتهم عن فيئهم، فلما أمكنتك الشدة في خيانة الامة أسرعت الكرة، وعاجلت الوثبة، واختطفت ما قدرت عليه من أموالهم المصونة لاراملهم وأيتامهم اختطاف الذئب الازل دامية المعزى الكسيرة، فحملته إلى الحجاز رحيب الصدر بحمله غير متأثم من أخذه كأنك - لا أبا لغيرك - حدرت على (1) أهلك تراثك من أبيك وامك، فسبحان الله أما تؤمن بالمعاد ؟ أو ما تخاف نقاش الحساب ؟ أيها المعدود كان عندنا من ذوي الالباب كيف تسيغ شرابا وطعاما وأنت تعلم أنك تأكل حراما وتشرب حراما ؟ وتبتاع الاماء وتنكح النساء من مال اليتامى والمساكين والمؤمنين والمجاهدين الذين أفاء الله عليهم هذه الاموال وأحرز بهم هذه البلاد ؟ فاتق الله واردد إلى هؤلاء القوم أموالهم، فإنك إن لم تفعل ثم أمكنني الله منك لاعذرن إلى الله فيك. ولاضربنك بسيفي الذي ما ضربت به أحدا إلا دخل النار، والله لو أن الحسن والحسين عليهما السلام فعلا مثل الذي فعلت ما كانت لهما عندي هوادة، ولا ظفرا مني بإرادة حتى آخذ الحق منهما وازيح الباطل من مظلمتها (2)، واقسم بالله رب العالمين ما يسرني أن ما أخذته من أموالهم حلال لي أتركه ميراثا لمن بعدي، فضح رويدا، فكأنك قد بلغت المدى ودفنت تحت الثرى، وعرضت عليك أعمالك بالمحل الذي ينادي الظالم فيه بالحسرة و يتمني المضيع الرجعة، ولات حين مناص، والسلام (3). توضيح: قوله عليه السلام: وكنت أشركتك في أمانتي، أي في الخلافة التي ائتمنني الله عليها، حيث جعلتك واليا. وبطانة الرجل: صاحب سره الذي يشاوره في أحواله. والمواساة: المشاركة والمساهمة. قوله: " قد كلب " بكسر اللام

 

(1) في المصدر: إلى. (2) في المصدر: عن مظلمتهما. (3) نهج البلاغة (عبده ط مصر) 2: 67 - 69. وقد مضى عن معرفة اخبار الرجال تحت الرقم 20.

 

[183]

أي اشتد، يقال: كلب الدهر على أهله إذا ألح عليهم واشتد قاله الجزري (1). وقال: قد حرب أي غضب (2). والفتك أن يأتي الرجل صاحبه وهو غار غافل حتى يشد عليه فيقتله. قوله عليه السلام: " وشغرت " أي خلت من الخير قال الجوهري: شغر البلد أي خلا من الناس (3). قوله عليه السلام: " قلبت لابن عمك " أي كنت معه فصرت عليه، وأصل ذلك أن الجيش إذا لقوا العدو كانت ظهور مجانهم إلى وجه العدو وبطونها إلى عسكرهم، فإذا فارقوا رئيسهم عكسوا، قوله عليه السلام: " فلما أمكنتك الشدة " من قولهم شد عليه في الحرب إذا حمل. وقال الجزري: الازل في الاصل: الصغير العجز وهو في صفات الذئب: الخفيف، وقيل: هو من قولهم زل زليلا إذا عدا، وخص الدامية لان من طبع الذئب محبة الدم حتى أنه يرى ذئبا داميا فيثب عليه ليأكله (4). وتأثم أي تحرج عنه وكف. قوله عليه السلام: " لا أبا لغيرك " استعمل ذلك في مقام " لا أبا لك " تكرمة له وشفقة عليه، وما قيل من أن " لا أبا لك " لما كان يستعمل كثيرا في معرض المدح أي لا كافي لك غير نفسك فيحتمل أن يكون ذما له بمدح غيره فلا يخفى بعده، ويقال: حدرت السفينة إذا أرسلتها إلى أسفل. وقال الجزري: فيه " من نوقش في الحساب عذب " أي من استقصي في محاسبته وحوقق، ومنه حديث علي عليه السلام: لنقاش الحساب (5) " وهو مصدر منه، و أصل المناقشة من نقش الشوكة إذا استخرجها من جسمه (6). قوله عليه السلام " أيها المعدود كان عندنا " أدخل عليه [السلام] لفظة " كان " تنبيها

 

(1) النهاية 3: 30 و 31. (2) النهاية 1: 212. (3) الصحاح: 700. (4) النهاية 2: 130. (5) اصل الحديث: يوم يجمع الله فيه الاولين والاخرين لنقاش الحساب. (6) النهاية 4: 170.

 

[184]

على أنه لم يبق كذلك، قيل: ولعله عدل عن أن يقول: " يا من كان عندنا من ذوي الالباب " إشعارا بأنه معدود في الحال أيضا عند الناس منهم. وأعذر: أبدى عذرا والهوادة: الرخصة والسكون والمحاباة. قوله: " بإرادة " أي بمراد. والازاحة: الازالة والابعاد. وقال الجزري: إن العرب كان يسيرون في ظعنهم، فإذا مروا ببقعة من الارض فيه كلا وعشب قال قائلهم: ألا ضحوا رويدا، أي ارفقوا بالابل حتى تتضحى أي تنال من هذا المرعى، ومنه كتاب علي عليه السلام إلى ابن عباس " ألاضح رويدا فقد بلغت المدى " أي اصبر قليلا (1). وقال البيضاوي في قوله تعالى: " ولات حين مناص " أي ليس الحين حين مناص و " لا " هي المشبهة بليس، زيدت عليه تاء التأنيث للتأكيد. كما زيدت على رب وثم، وخصت بلزوم الاحيان وحذف أحد المعمولين، وقيل: هي النافية للجنس، أي ولا حين مناص لهم، وقيل: للفعل، والنصب بإضماره، أي ولا أرى حين مناص، إلى آخر ما حقق في ذلك (2)، والمناص: المنجى. أقول: قال عبد الحميد بن بن أبي الحديد: اختلف الناس في المكتوب إليه هذا الكتاب، فقال الاكثرون: إنه عبد الله بن العباس كما تدل عليه عبارات الكتاب وقد روى أرباب هذا القول: أن عبد الله بن العباس كتب إلى علي عليه السلام جوابا عن هذا الكتاب، قالوا: وكان جوابه: أما بعد فقد أتاني كتابك تعظم علي ما أصبت من بيت مال البصرة، ولعمري إن حقي في بيت المال لاكثر مما أخذت والسلام. قالوا: فكتب إليه علي عليه السلام أما بعد فإن من العجب أن تزين لك نفسك أن لك في بيت مال المسلمين من الحق أكثر مما لرجل (3) من المسلمين ! فقد أفلحت لقد كان (4) تمنيك الباطل وادعاؤك مالا يكون ينجيك عن المآثم ويحل

 

(1) النهاية 3: 13 و 14. (2) تفسير البيضاوى 2: 137. (3) في المصدر: لرجل واحد اه‍. (4) في المصدر: إن كان.

 

[185]

لك المحرم، إنك لانت المهتدي السعيد إذا، وقد بلغني أنك اتخذت مكة وطنا وضربت بها عطنا، تشتري بها مولدات مكة والمدينة والطائف، تختارهن على عينك وتعطي فيهن مال غيرك، فارجع هداك الله إلى رشدك، وتب إلى الله ربك، واخرج إلى المسلمين من أموالهم، فعما قليل تفارق من ألفت وتترك ما جمعت، وتغيب في صدع من الارض غير موسد ولا ممهد، قد فارقت الاحباب وسكنت التراب وواجهت الحساب غنيا عما خلقت فقيرا إلى ما قدمت والسلام. قالوا: فكتب إليه عبد الله بن العباس: أما بعد فإنك قد أكثرت علي، و والله لئن ألقى الله قد احتويت على كنوز الارض كلها من ذهبها وعقيانها ولجينها أحب إلي من أن ألقاه بدم امرئ مسلم، والسلام (1). أقول: قد أثبتنا في باب علة قعوده وقيامه عليه السلام من كتاب الفتن كفر الاشعث بن قيس، وفي باب " سلوني " كفر ابن الكواء وغيره وفي باب احتجاجات الحسن عليه السلام على معاوية وأصحابه حال جماعة، وكذا في باب احتجاج الحسين عليه السلام على معاوية مدح حجر بن عدي وعمرو بن الحمق، وفي باب احتجاجات الباقر عليه السلام وأبواب أحوال الخوارج ذم نافع وغيره، وفي باب أحوال الصحابة وباب أحوال السلمان وباب فضائله مدح جماعة من أصحابه عليه السلام وذم جماعة، وفي باب عبادته عليه السلام مدح أبي الدرداء، وفي جواب أسؤلة اليهودي المشتمل على خصال الاوصياء حال جماعة، وفي باب إخباره بالمغيبات وباب علمه عليه السلام كفر عمرو بن حريث، وكذا في باب أنهم المتوسمون وفي باب حبهم عليهم السلام مدح الحارث الاعور، وكذا في باب ما ينفع حبهم فيه من المواطن وفي باب غصب الخلافة ذم ابن عباس، وأيضا في باب الاخبار بالمغيبات كفر الاشعث وكذا في باب جوامع مكارمه عليه السلام وفي باب أحوال أولاده عليهم السلام مكاتبة ابن الحنفية وابن عباس، وفي باب إخباره بالمغيبات أحوال كثير منهم، وقد أوردنا بابا آخر في كتاب الفتن يتضمن أحوال أصحابه صلوات الله عليه مفصلا.

 

(1) شرح النهج 4: 88.

 

[186]

125. * (باب النوادر) * 1 - ن، لى: ابن المتوكل، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: رأى أمير المؤمنين عليه السلام رجلا من شيعته بعد عهد طويل وقد أثر السن فيه، وكان يتجلد في مشيه، فقال عليه السلام: كبر سنك يا رجل، قال: في طاعتك يا أمير المؤمنين، فقال: عليه السلام: إنك لتتجلد، قال: على أعدائك يا أمير المؤمنين فقال عليه السلام: أجد فيك بقية، قال: هي لك يا أمير المؤمنين (1). 2 - لى: ابن موسى، عن الاسدي، عن الفزاري، عن عباد بن يعقوب، عن منصور بن أبي نويرة، عن أبي بكر بن عياش، عن قرن أبي سليمان الضبي قال: أرسل علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام إلى لبيد العطاردي بعض شرطه فمروا به على مسجد سماك، فقام إليه نعيم بن دجاجة الاسدي فحال بينهم وبينه، فأرسل أمير المؤمنين عليه السلام إلى نعيم فجيئ به، قال: فرفع أمير المؤمنين عليه السلام شيئا ليضربه، فقال نعيم: والله إن صحبتك لذل، وإن خلافك لكفر، فقال أمير المؤمنين عليه السلام وتعلم ذاك ؟ قال: نعم، قال: خلوه (2). 3 - ما: ابن الصلت، عن ابن عقدة، عن موسى بن القاسم، عن إسماعيل بن همام، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام أن عليا عليه السلام قال: يا رسول الله إنك تبعثني في الامر فأكون (3) فيها كالسكة المحماة أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ؟ قال: بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب (4).

 

(1) عيون الاخبار: 167 و 168. أمالى الصدوق: 107. (2) أمالى الصدوق: 219. (3) في المصدر: أفأكون. (4) أمالى الشيخ: 215.

 

[187]

4 - ما: جماعة، عن ابن المفضل، عن أحمد بن محمد بن عيسى بن العواد، عن محمد بن عبد الجبار السدوسي، عن علي بن الحسين بن عون بن أبي حرب بن أبي الاسود الدئلي، قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن أبي حرب بن أبي الاسود، عن أبيه أبي الاسود أن رجلا سأل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عن سؤال، فبادر فدخل منزله، ثم خرج فقال: أين السائل ؟ فقال الرجل: ها أنا (1) يا أمير المؤمنين، قال: ما مسألتك ؟ قال: كيت وكيت، فأجابه عن سؤاله، فقيل يا أمير المؤمنين كنا عهدناك إذا سئلت عن المسألة كنت فيها كالسكة المحماة جوابا، فما بالك أبطأت اليوم عن جواب هذا الرجل حتى دخلت الحجرة ثم خرجت فأجبته ؟ فقال: كنت حاقنا، ولا رأي لثلاثة: لا رأي لحاقن ولا حاذق، ثم أنشأ يقول: إذا المشكلات تصدين لي * كشفت حقائقها بالنظر وإن برقت في مخيل الصواب * عمياء لا يجتليها البصر تتبعته بعيون الامور * وضعت عليها صحيح النظر (2) لسانا كشفت به الارحبي * أو كالحسام البتار الذكر وقلبا إذا استنطقته الهموم * أربى عليها بواهي الدرر ولست بإمعة في الرجال * اسائل هذا وذاما الخبر ولكنني مذرب الاصغرين * أبين مع ما مضى ما غبر (3) بيان: قد مر شرحه في كتاب العلم (4). 5 - يج: روي أن أعرابيا أتى أمير المؤمنين عليه السلام وهو في المسجد، فقال: مظلوم، قال: ادن مني، فدنا حتى وضع يديه على ركبتيه، قال: ما ظلامتك ؟ فشكا ظلامته، فقال: يا أعرابي أنا أعظم ظلامة منك، ظلمني المدر والوبر، ولم

 

(1) في المصدر: ها أناذا. (2) في المصدر: تتبعتها بعيون الامور * وضعت عليها صحيح الفكر (3) امالي الشيخ: 327 و 328. (4) راجع الجزء الثاني من الطبعة الحديثة ص 60 - 62.

 

[188]

يبق بيت من العرب إلا وقد دخلت مظلمتي عليهم، وما زلت مظلوما حتى قعدت مقعدي هذا، إن كان عقيل بن أبي طالب يومه ليرمد فما يدعهم يذرونه (1) حتى يأتوني فاذر وما بعيني رمد، ثم كتب له بظلامته ورحل، فهاج الناس وقالوا: قد طعن على الرجلين، فدخل عليه الحسن عليه السلام فقال: قد علمت ما شرب قلوب الناس من حب هذين، فخرج فقال: الصلاة جامعة، فاجتمع الناس، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه فقال: أيها الناس إن الحرب خدعة، فإذا سمعتموني أقول: " قال رسول الله " فوالله لئن أخر من السماء أحب إلي من أن أكذب على رسول الله كذبة، وإذا حدثتكم أن الحرب خدعة، ثم ذكر غير ذلك، فقام رجل يساوي برأسه رمانة المنبر فقال: أنا براء من الاثنين والثلاثة، فالتفت إليه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: بقرت العلم في غير إبانه، لتبقرن كما بقرته، فلما قدم ابن سمية أخذه فشق بطنه وحشا فوقه حجارة وصلبه (2). 6 - كا: علي، عن أبيه، عن جعفر بن محمد الاشعري، عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله عليه السلام قال: دخل أمير المؤمنين عليه السلام المسجد فإذا هو برجل على باب المسجد كئيب حزين، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: مالك ؟ قال: يا أمير المؤمنين اصبت بأبي وأخي وأخشى أن أكون قد وجلت (2)، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: عليك بتقوى الله والصبر، تقدم عليه غدا، والصبر في الامور بمنزلة الرأس من الجسد فإذا فارق الرأس الجسد فسد الجسد، وإذا فارق الصبر الامور فسدت الامور (4). 7 - كا: الحسين بن محمد، عن المعلى، عن الوشاء، عن أبان بن عثمان، عن سلمة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اجتمع عيدان على عهد أمير المؤمنين عليه السلام فخطب الناس ثم قال: هذا يوم اجتمع فيه عيدان، فمن أحب أن يجمع معنا فليفعل، ومن

 

(1) أي يصبون في عينه الدواء. (2) لم نجده في المصدر المطبوع. (3) أي انى اخاف أن ينشق مرارتي لاجل المصيبة الواردة على. (4) اصول الكافي (الجزء الثاني من الطبعة الحديثة): 90.

 

[189]

لم يفعل فإن له رخصة (1). 8 - ختص: روي أن أمير المؤمنين عليه السلام كان قاعدا في المسجد وعنده جماعة من أصحابه، فقالوا له: حدثنا يا أمير المؤمنين، فقال لهم: ويحكم إن كلامي صعب مستصعب لا يعقله إلا العالمون، قالوا: لابد من أن تحدثنا، قال: قوموا بنا فدخل الدار فقال: أنا الذي علوت فقهرت، أنا الذي احيي واميت، أنا الاول والآخر والظاهر والباطن، فغضبوا وقالوا: كفر ! وقاموا، فقال علي عليه السلام للباب: يا باب استمسك عليهم، فاستمسك عليهم الباب، فقال: ألم أقل لكم: إن كلامي صعب مستصعب لا يعقله إلا العالمون ؟ تعالوا افسر لكم، أما قولي: أنا الذي علوت فقهرت فأنا الذي علوتكم بهذا السيف فقهرتكم حتى آمنتم بالله ورسوله، وأما قولي: أنا احيي واميت فأنا احيي السنة واميت البدعة، وأما قولي: أنا الاول فأنا أول من آمن بالله وأسلم وأما قولي: أنا الآخر فأنا آخر من سجى على النبي صلى الله عليه واله ثوبه ودفنه، وأما قولي: أنا الظاهر والباطن فأنا عندي علم الظاهر والباطن، قالوا: فرجت عنا فرج الله عنك. (2)

 

(1) فروع الكافي (الجزء الثالث من الطبعة الحديثة): 461 (2) الاختصاص: 163.

 

[190]

(أبواب) * (وفاته صلوات الله عليه) * 126. (باب) * (اخبار الرسول صلى الله عليه وآله بشهادته واخباره صلوات) * * (الله عليه بشهادة نفسه) * أقول: قد مضى في خطبته عليه السلام عند وصول خبر الانبار إليه: أما والله لوددت أن ربي قد أخرجني من بين أظهركم إلى رضوانه، وإن المنية لترصدني، فما يمنع أشقاها أن يخضبها ؟ - وترك يده على رأسه ولحيته - عهدا عهده إلي النبي الامي، وقد خاب من افترى، ونجا من اتقى وصدق بالحسنى. 1 - ن، لى: الطالقاني، عن أحمد الهمداني، عن علي بن الحسن بن الفضال عن أبيه، عن الرضا، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام في خطبة النبي صلى الله عليه واله في فضل شهر رمضان فقال عليه السلام: فقمت فقلت: يا رسول الله ما أفضل الاعمال في هذا الشهر ؟ فقال يا أبا الحسن أفضل الاعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزوجل، ثم بكى، فقلت: يارسول الله ما يبكيك ؟ فقال: يا علي أبكي لما يستحل منك في هذا الشهر، كأني بك وأنت تصلي لربك وقد انبعث أشقى الاولين والآخرين شقيق عاقر ناقة ثمود فضربك ضربة على قرنك فخضب منها لحيتك، قال أمير المؤمنين عليه السلام: فقلت: يا رسول الله وذلك في سلامة من ديني ؟ فقال: صلى الله عليه واله: في سلامة من دينك، ثم قال: صلى الله عليه واله: يا علي من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني، و من سبك فقد سبني، لانك مني كنفسي، روحك من روحي وطينتك من طينتي إن الله تبارك وتعالى خلقني وإياك واصطفاني وإياك، واختارني للنبوة واختارك


 

[191]

للامامة، فمن أنكر إمامتك فقد أنكر نبوتي، يا علي أنت وصيي وأبو ولدي، وزوج ابنتي وخليفتي على امتي في حياتي وبعد موتي، أمرك أمري ونهيك نهيي اقسم بالذي بعثني بالنبوة وجعلني خير البرية إنك لحجة الله على خلقه، وأمينه على سره، وخليفته على عباده (1). 2 - ن: أبي، عن سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن الحكم بن مسكين، عن صالح بن عقبة، عن أبي جعفر عليه السلام (2) قال: جاء رجل من اليهود إلى أمير المؤمنين عليه السلام فسأله عن أشياء إلى أن قال: كم يعيش وصي نبيكم بعده ؟ قال: ثلاثين سنة قال: ثم مه يموت أو يقتل ؟ قال: يقتل يضرب (3) على قرنه فتخضب لحيته، قال: صدقت والله إنه لبخط هارون وإملاء موسى عليه السلام، الخبر (4). 3 - ما: بإسناد أخي دعبل عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: خطب الناس أمير المؤمنين عليه السلام بالكوفة فقال: معاشر الناس إن الحق قد غلبه الباطل، وليغلبن الباطل عما قليل، أين أشقاكم - أو قال: شقيكم، شك أبي - هذا، فوالله ليضربن هذه فليخضبنها من هذه - وأشار بيده إلى هامته ولحيته - (5). 4 - ما: أبو عمر، عن ابن عقدة، عن أحمد بن يحيى، عن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي إسحاق (6) عن هبيرة بن مريم قال: سمعت علي بن أبي طالب عليه السلام يقول - ومسح لحيته -: ما يحبس أشقاها أن يخضبها عن أعلاها بدم ؟ (7) 5 - ل: في خبر اليهودي الذي سأل أمير المؤمنين عليه السلام عما فيه من خصال الاوصياء: قال عليه السلام: قد وفيت سبعا وسبعا يا أخا اليهود وبقيت الاخرى واوشك

 

(1) عيون الاخبار: 163 - 165. امالي الصدوق: 57 و 58. (2) في المصدر: عن جعفر بن محمد. (3) في المصدر: ويضرب. (4) عيون الاخبار: 31 و 32. (5) امالي الشيخ: 232. (6) في المصدر: ابن اسحاق. (7) امالي الشيخ: 167.

 

[192]

بها، فكأن قد، فبكى أصحاب علي عليه السلام وبكى رأس اليهود وقالوا: يا أمير المؤمنين أخبرنا بالاخرى، فقال: الاخرى أن تخضب هذه - وأومأ بيده إلى لحيته - من هذه - وأومأ بيده إلى هامته - قال: وارتفعت أصوات الناس في المسجد الجامع بالضجة والبكاء، حتى لم يبق بالكوفة دار إلا خرج أهلها فزعا، وأسلم رأس اليهود على يدي علي عليه السلام من ساعته، ولم يزل مقيما حتى قتل أمير المؤمنين عليه السلام واخذ ابن ملجم لعنه الله، فأقبل رأس اليهود حتى وقف على الحسن عليه السلام والناس حوله وابن ملجم لعنه الله بين يديه، فقال له: يا أبا محمد اقتله قتله الله، فإني رأيت في الكتب التي انزلت على موسى عليه السلام أن هذا أعظم عند الله عزوجل جرما من ابن آدم قاتل أخيه، ومن الغدار عاقر ناقة ثمود (1). 6 - شا: علي بن المنذر الطريقي، عن أبي الفضل العبدي، عن مطر (2) عن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال جمع أمير المؤمنين عليه السلام الناس للبيعة، فجاء عبد - الرحمن بن الملجم المرادي لعنه الله، فرده مرتين أو ثلاثا، ثم بايعه، فقال عند بيعته له: ما يحبس أشقاها فوالذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذه. ووضع يده على لحيته ورأسه - فلما أدبر ابن ملجم منصرفا عنه قال عليه السلام: متمثلا. اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك * ولا تجزع من الموت إذا حل بواديك كما أضحكك الدهر كذاك الدهر يبكيك (3) 7 - شا: ابن محبوب، عن الثمالي عن أبي إسحاق السبيعي، عن ابن نباتة قال: أتى ابن ملجم أمير المؤمنين عليه السلام فبايعه فيمن بايع، ثم أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين عليه السلام فتوثق منه وتوكد عليه أن لا يغدر ولا ينكث، ففعل، ثم أدبر عنه فدعاه الثانية فتوثق منه وتوكد عليه ألا يغدر ولا ينكث، ففعل، ثم أدبر عنه فدعاه أمير المؤمنين الثالثة فتوثق منه وتوكد عليه أن لا يغدر ولا ينكث، فقال ابن ملجم لعنه الله: والله

 

(1) الخصال 2: 24 و 25. (2) في المصدر: عن فطر. (3) الارشاد: 6.

 

[193]

يا أمير المؤمنين ما رأيتك فعلت هذا بأحد غيري، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: اريد حباءه ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد (1) امض يا ابن ملجم فوالله ما أرى أن تفي بما قلت (2). 8 - شا: روى أبو زيد الاحول عن الاجلح عن أشياخ كندة قال: سمعتهم أكثر من عشرين مرة يقولون: سمعنا عليا عليه السلام على المنبر يقول: ما يمنع أشقاها أن يخضبها من فوقها بدم ؟ ويضع يده على لحيته (3). 9 - شا: روى علي بن الحزور عن ابن نباتة قال: خطبنا أمير المؤمنين عليه السلام في الشهر الذي قتل فيه فقال: أتاكم شهر رمضان وهو سيد الشهور وأول السنة، و فيه تدور رحى السلطان (4)، ألا وإنكم حاجوا العام صفا واحدا، وآية ذلك أني لست فيكم، قال: فهو ينعى نفسه ونحن لا ندري (5). 10 - كشف: ومن مناقب الخوارزمي يرفعه إلى أبي سنان الدؤلي أنه عاد عليا في شكوى اشتكاها قال: فقلت له: تخوفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه، فقال: لكني والله ما تخوفت على نفسي، لاني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله الصادق المصدق يقول: إنك ستضرب ضربة ههنا - وأشار إلى صدغيه - فيسيل دمها حتى يخضب لحيتك، ويكون صاحبها أشقاها كما كان عاقر الناقة أشقى ثمود. وبإسناده عن جابر قال: إني لشاهد لعلي وقد أتاه المرادي يستحمله فحمله ثم قال " شعر ": عذيري من خليلي من مراد * اريد حباءه ويريد قتلي

 

(1) قال الزمخشري في اساس البلاغة ص 295 بعد نقل البيت ونسبته إلى عمرو بن معدى كرب: معناه هلم من يعذرك منه إن اوقعت به يعنى أنه اهل للايقاع به فان أوقعت به كنت معذورا. (2) الارشاد: 6. (3 و 5) الارشاد: 7. (4) في المصدر: الشيطان خ ل.

 

[194]

كذا أورده فخر خوارزم، والذي نعرفه " اريد حباءه ويريد قتلي * عذيري " البيت. ثم قال: هذا والله قاتلي، قالوا: يا أمير المؤمنين أفلا تقتله ؟ قال: لا، فمن يقتلني إذا ؟ ثم قال: " شعر ": اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك * * * ولا تجزع من الموت إذا حل بناديك (1) بيان: قال الجزري: في حديث علي عليه السلام أنه قال وهو ينظر إلى ابن ملجم: " عذيرك من خليلك من مراد " يقال: عذيرك من فلان بالنصب أي هات من يعذرك فيه، فعيل بمعنى فاعل (2). وقال: في حديث علي عليه السلام " اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك " الحيازيم جمع الحيزوم وهو الصدر، وقيل: وسطه، وهذا الكلام كناية عن التشمر للامر والاستعداد له (3) 11 - كنز: أبو طاهر المقلد بن غالب عن رجاله بإسناده المتصل إلى علي بن أبي طالب عليه السلام: وهو ساجد يبكي حتى علا نحيبه وارتفع صوته بالبكاء، فقلنا: يا أمير المؤمنين لقد أمرضنا بكاؤك وأمضنا وشجانا (4). وما رأيناك قد فعلت مثل هذا الفعل قط، فقال كنت ساجدا أدعو ربي بدعاء الخيرات في سجدتي، فغلبني عيني فرأيت رؤيا هالتني وفظعتني، رأيت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قائما وهو يقول: يا أبا الحسن طالت غيبتك، فقد اشتقت إلى رؤياك، وقد أنجز لي ربي ما وعدني فيك، فقلت: يا رسول الله وما الذي أنجز لك في ؟ قال أنجز لي فيك وفي زوجتك وابنيك وذريتك في الدرجات العلى في عليين، قلت بأبي أنت وامي يا رسول الله فشيعتنا، قال:

 

(1) كشف الغمة: 128 - 130. (2) النهاية 3: 76. (3) النهاية 1: 274. وفيه: التشمير. (4) أمضه الامر: أحرقه وشق عليه. شجا الرجل: أحرقه.

 

[195]

شيعتنا معنا، وقصورهم بحذاء قصورنا، ومنازلهم مقابل منازلنا، قلت: يا رسول الله صلى الله عليه واله فما لشيعتنا في الدنيا ؟ قال: الامن والعافية، قلت: فما لهم عند الموت ؟ قال: يحكم الرجل في نفسه ويؤمر ملك الموت بطاعته، قلت: فما لذلك حد يعرف ؟ قال: بلى إن أشد شيعتنا لنا حبا يكون خروج نفسه كشراب أحدكم في يوم الصيف الماء البارد الذي ينتقع (1) به القلوب، وإن سائرهم ليموت كما يغبط أحدكم على فراشه كأقر ما كانت عينه بموته (2). 12 - قب: روي أنه جرح عمرو بن عبدود رأس علي عليه السلام يوم الخندق فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه واله فشده ونفث فيه فبرأ، وقال: أين أكون إذا خضبت هذه من هذه ؟. (3) 13 - د: في كتاب تذكرة الخواص ليوسف الجوزي قال أحمد في الفضائل: قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: يا علي أتدري من أشقى الاولين والآخرين ؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: من يخضب هذه من هذه - يعني لحيته من هامته -. قال الزهري: كان أمير المؤمنين عليه السلام يستبطئ القاتل فيقول: متى يبعث أشقاها ؟ وقال: قدم وفد من الخوارج من أهل البصرة فيهم رجل يقال له الجعد بن نعجة، فقال له: يا علي اتق الله فإنك ميت، فقال له: بل أنا مقتول بضربة على هذا فتخضب هذه - يعني لحيته من رأسه - عهد معهود وقضاء مقضي وقد خاب من افترى. وعن فضالة بن أبي فضالة الانصاري - وكان أبو فضالة من أهل بدر قتل بصفين مع أمير المؤمنين عليه السلام - قال فضالة: خرجت مع أبي فضالة عائدا أمير المؤمنين عليه السلام من مرض أصابه بالكوفة، فقال له أبي: ما يقيمك هيهنا بين أعراب جهينة ؟ تحمل إلى المدينة. فإن أصابك أجلك وليك أصحابك وصلوا

 

(1) ينتفع خ ل. (2) مخطوط. وفى (ك): كما قرت عينه ما كانت عنه بموته. لكنه مصحف. (3) لم نظفر به في المصدر.

 

[196]

عليك، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه واله عهد إلي أن لا أموت حتى تخضب هذه من هذه أي لحيته من هامته. وذكر ابن سعد في الطبقات أن أمير المؤمنين عليه السلام لما جاء ابن ملجم وطلب منه البيعة طلب منه فرسا أشقر، فحمله عليه فركبه، فأنشد أمير المؤمنين: " اريد حباءه " البيت. وعن محمد بن عبيدة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما يحبس أشقاكم أن يجئ فيقتلني، اللهم إني قد سئمتهم وسئموني، فأرحهم مني وأرحني منهم، قالوا: يا أمير المؤمنين أخبرنا بالذي يخضب هذه من هذه نبيد عشيرته، فقال: إذا والله تقتلون بي غير قاتلي (1). 14 - ير: أبو محمد، عن عمران بن موسى، عن إبراهيم بن مهزيار، عن محمد بن عبد الوهاب، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن بعض أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام قال: دخل عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله على أمير المؤمنين عليه السلام في وفد مصر الذي أوفدهم محمد بن أبي بكر، ومعه كتاب الوفد قال: فلما مر باسم عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله قال: أنت عبد الرحمن ؟ لعن الله عبد الرحمن، قال: نعم يا أمير المؤمنين، أما والله يا أمير المؤمنين إني لاحبك، قال: كذبت والله ما تحبني - ثلاثا - قال: يا أمير المؤمنين أحلف ثلاثة أيمان أني احبك، وتحلف ثلاثة أيمان أني لا احبك ؟ قال: ويلك - أو ويحك - إن الله خلق الارواح قبل الاجساد (2) بألفي عام فأسكنها الهواء، فما تعارف منها هنالك ائتلف في الدنيا، وما تناكر منها هنا اختلف في الدنيا، وإن روحي لا تعرف روحك، قال: فلما ولى قال: إذا سركم أن تنظروا إلى قاتلي فانظروا إلى هذا، قال بعض القوم: أولا تقتله ؟ - أو قال نقتله - فقال: ما أعجب من هذا، تأمروني أن أقتل قاتلي لعنه الله. (3)

 

(1) تذكرة الخواص: 100 و 101. (2) في المصدر: قبل الابدان. (3) بصائر الدرجات: 24.

 

[197]

بيان: أقتل قاتلي أي من لم يقتلني وسيقتلني، والحاصل أن القصاص لا يجوز قبل الفعل، أو المعنى أنه إذا كان في علم الله أنه قاتلي فكيف أقدر على قتله ؟ وإن كان من أسباب عدم القدرة عدم مشروعية القصاص قبل الفعل وعدم صدور ما يخالف الشرع عنه عليه السلام ويرد عليه إشكالات ليس المقام موضع حلها. 15 - ير: أحمد بن الحسن، عن ابن أسباط يرفعه إلى أمير المؤمنين عليه السلام قال: دخل أمير المؤمنين عليه السلام الحمام فسمع صوت الحسن والحسين عليهما السلام قد علا، فقال لهما: مالكما فداكما أبي وامي ؟ فقالا: اتبعك هذا الفاجر فظننا أنه يريد أن يضرك، قال: دعاه والله ما اطلق إلا له (1). 16 - حة: رأيت في كتاب عن حسن بن الحسين بن طحال المقدادي قال: روى الخلف عن السلف عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه واله قال لعلي عليه السلام: يا علي إن الله عزوجل عرض مودتنا أهل البيت على السماوات والارض، فأول من أجاب منها السماء السابعة، فزينها بالعرش والكرسي، ثم السماء الرابعة فزينها بالبيت المعمور، ثم السماء الدنيا فزينها بالنجوم، ثم أرض الحجاز فشرفها بالبيت الحرام ثم أرض الشام فزينها (2) ببيت المقدس، ثم أرض طيبة فشرفها بقبري، ثم أرض كوفان فشرفها بقبرك يا علي، فقال له: يا رسول الله اقبر بكوفان العراق ؟ فقال: نعم يا علي، تقبر بظاهرها قتلا بين الغريين والذكوات البيض، يقتلك شقي هذه الامة عبد الرحمن بن ملجم، فوالذي بعثني بالحق نبيا ما عاقر ناقة صالح عند الله بأعظم عقابا منه، يا علي ينصرك من العراق مائة ألف سيف (3). 17 - يج: من معجزاته عليه السلام ما روي عن حنان بن سدير عن رجل من مزينة قال: كنت جالسا عند علي عليه السلام فأقبل إليه قوم من مراد ومعهم ابن ملجم، قالوا:

 

(1) بصائر الدرجات: 140. (2) فشرفها خ ل. (3) فرحة الغرى: 18 و 19. (*)

 

[198]

يا أمير المؤمنين طرأ علينا ولا والله ما جاءنا زائرا ولا منتجعا (1) وإنا لنخافه عليك فاشدد يدك به (2) فقال له علي عليه السلام: اجلس، فنظر في وجهه طويلا ثم قال: أرأيتك إن سألتك عن شئ وعندك منه علم هل أنت مخبري عنه ؟ قال: نعم، وحلفه عليه فقال: أكنت تراضع الغلمان وتقوم عليهم فكنت إذا جئت فرأوك من بعيد قالوا: قد جاءنا ابن راعية الكلاب ؟ قال: اللهم نعم، فقال له: مررت برجل وقد أيفعت فنظر إليك وأحد النظر فقال: أشقى من عاقر ناقة ثمود ؟ قال: نعم، قال: قد أخبرتك امك أنها حملت بك في بعض حيضها، فتعتع هنيئة ثم قال: نعم قد حدثتني بذلك، ولو كنت كاتما شيئا لكتمتك هذه المنزلة، فقال له علي عليه السلام: قم، فقام ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: إن قاتلك شبه اليهودي بل هو يهودي. ومنها ما تواترت به الروايات من نعيه نفسه قبل موته وأنه يخرج من الدنيا شهيدا من قوله: والله ليخضبنها من فوقها - يومئ إلى شيبته - ما يحبس أشقاها أن يخضبها بدم ؟ وقوله: أتاكم شهر رمضان وفيه تدور رحى السلطان، ألا وإنكم حاجو العام صفا واحدا، وآية ذلك أني لست فيكم، وكان يفطر في هذه الشهر ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن جعفر زوج زينب بنته لاجلها، لا يزيد على ثلاث لقم، فقيل له في ذلك فقال: يأتيني أمر الله وأنا خميص إنما هي ليلة أو ليلتان، فاصيب من الليل وقد توجه إلى المسجد في ليلة ضربه الشفي في آخرها، فصاح الاوز في وجهه وطردهن الناس، فقال: دعوهن فإنهن نوائح (3). بيان: تراضع الغلمان لعله من قولهم: فلان يرضع الناس أي يسألهم، وفي بعض النسخ " تواضع " بالواو من المواضعة بمعنى الموافقة في الامر. ويقال:

 

(1) انتجع فلانا: أتاه طالبا معروفه. (2) أي خذ البيعة منه. (3) لم نجد الروايتين في المصدر المطبوع.

 

[199]

تعتع في الكلام أي تردد من حصر أوعي، قوله: " وفيه تدور رحى السلطان " لعل المراد انقضاء الدوران كناية عن ذهاب ملكه عليه السلام، أو هو كناية عن تغير الدولة وانقلاب أحوال الزمان، ولا يبعد أن يكون في الاصل " الشيطان " مكان السلطان وخمص البطن خلا. وفي الديوان المنسوب إليه عليه السلام مخاطبا لابن ملجم لعنه الله: ألا أيها المغرور في القول والوعد * ومن حال عن رشد المسالك والقصد] (1). أقول: قد أثبتنا بعض الاخبار في كتاب الفتن في باب إخبار النبي صلى الله عليه واله بمظلوميتهم عليهم السلام. 127. (باب) * (كيفية شهادته عليه السلام ووصيته وغسله والصلاة عليه ودفنه) * 1 - قب: قبض صلوات الله عليه قتيلا في مسجد الكوفة وقت التنوير ليلة الجمعة، لتسع عشرة ليلة مضين من شهر رمضان، على يدي عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله، وقد عاونه وردان بن مجالد من تيم الرباب، وشبيب بن بجرة والاشعث بن قيس، وقطام بنت الاخضر، فضربه سيفا على رأسه مسموما، فبقي يومين إلى نحو الثلث من الليل، وله يومئذ خمس وستون سنة في قول الصادق عليه السلام وقالت العامة: ثلاث وستون سنة، عاش مع النبي صلى الله عليه واله بمكة ثلاث عشرة سنة و بالمدينة عشر سنين، وقد كان هاجر وهو ابن أربع وعشرين سنة، وضرب بالسيف بين يدي النبي صلى الله عليه واله وهو ابن ستة عشرة سنة، وقتل الابطال وهو ابن تسع عشرة سنة، وقلع باب خيبر وله ثمان وعشرون سنة، وكانت مدة إمامته ثلاثون سنة

 

(1) الديوان: 38. ولا يوجد هذه الفقرة في غير (ك) من النسخ.

 

[200]

منها أيام أبي بكر سنتان وأربعة أشهر، وأيام عمر تسع سنين وأشهر وأيام - وعن الفرياني: عشر سنين وثمانية أشهر - وأيام عثمان اثنتا عشرة سنة، ثم آتاه الله الحق خمس سنين وأشهرا، وكان عليه السلام أمر بأن يخفى قبره لما عرف من بني امية وعداوتهم فيه، إلى أن أظهره الصادق عليه السلام، ثم إن محمد بن زيد الحسني أمر بعمارة الحائر بكربلاء والبناء عليهما، وبعد ذلك زيد فيه، وبلغ عضد الدولة الغاية في تعظيمهما والاوقاف عليهما (1). 2 - د: في كتاب الذخيرة: جرح أمير المؤمنين عليه السلام لتسع عشرة ليلة مضت من شهر رمضان سنة أربعين، وتوفي في ليلة الثاني والعشرين منه. وفي كتاب عتيق: ليلة الاحد لسبع بقين من شهر رمضان سنة أربعين. في مواليد الائمة: ليلة الاحد لتسع بقين من شهر رمضان. في كتاب أسماء حجج الله: قبض في أحدى و عشرين ليلة من رمضان في عام الاربعين. وفي تاريخ المفيد: في ليلة إحدى وعشرين من رمضان سنة أربعين من الهجرة وفاة أمير المؤمنين عليه السلام وقيل: يوم الاثنين لتسع عشر من رمضان سنة إحدى وأربعين. دفن بالغري، وعمره ثلاث وستون سنة، كان مقامه مع رسول الله صلى الله عليه واله بعد البعثة ثلاث عشرة سنة بمكة قبل الهجرة، مشاركا له في محنه كلها، محتملا عنه أثقاله، وعشر سنين بعد الهجرة بالمدينة، يكافح (2) عنه المشركين ويجاهد دونه الكافرين، ويقيه بنفسه، فمضى صلى الله عليه واله ولامير المؤمنين ثلاث وثلاثون سنة، وكانت إمامته عليه السلام ثلاثون سنة، منها أربع وعشرون سنة ممنوع من التصرف للتقية والمداراة، ومنها خمس سنين وأشهر ممتحنا بجهاد المنافقين، وقيل: مدة ولايته أربع سنين وتسعة أشهر، وقيل: عمره أربع وستون سنة و أربعة شهور وعشرون يوما، وقيل: قتل عليه السلام في شهر رمضان لتسع مضين منه، و قيل: لتسع بقين منه ليلة الاحد سنة أربعين من الهجرة (3).

 

(1) مناقب آل ابى طالب 2: 78. (2) أي يدافع. (3) مخطوط.

 

[201]

3 - كا: قتل عليه السلام في شهر رمضان لتسع بقين منه ليلة الاحد سنة أربعين من الهجرة وهو ابن ثلاث وستين سنة، بقي بعد قبض النبي صلى الله عليه واله ثلاثين سنة (1). 4 - د: اختلف في الليلة التي استشهد فيها، أحدها آخر الليلة السابع عشرة من شهر رمضان صبيحة الجمعة بمسجد الكوفة قاله ابن عباس. الثاني ليلة إحدى وعشرين من رمضان، فبقي الجمعة ثم يوم السبت وتوفي ليلة الاحد، قاله مجاهد والثالث أنه قتل في الليلة السابعة والعشرين من شهر رمضان، قاله الحسن البصري وهي ليلة القدر، وفيها عرج بعيسى بن مريم عليه السلام، وفيها توفي يوشع بن نون وهذا أشهر (2). 5 - يب: الشيخ، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام قال: الغسل في سبعة عشر موطنا، وساق الحديث إلى أن قال: وليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان، وهي الليلة التي اصيب فيها [سيد] أوصياء الانبياء، وفيها رفع عيسى بن مريم وقبض موسى عليه السلام، الخبر (3). 6 - لى: أبي، عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي حمزة الثمالي، عن حبيب بن عمرو قال: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام في مرضه الذي قبض فيه، فحل عن جراحته، فقلت: يا أمير المؤمنين ما جرحك هذا بشئ وما بك من بأس، فقال لي: يا حبيب أنا والله مفارقكم الساعة، قال: فبكيت عند ذلك وبكت ام كلثوم وكانت قاعدة عنده، فقال لها: ما يبكيك يا بنية ؟ فقالت: ذكرت يا أبه أنك تفارقنا الساعة فبكيت، فقال لها: يا بنية لا تبكين فوالله لو ترين ما يرى أبوك ما بكيت

 

(1) اصول الكافي (الجزء الاول من الطبعة الحديثة): 452. (2) مخطوط. (3) التهذيب 1: 32.

 

[202]

قال حبيب: فقلت له: وما الذي ترى يا أمير المؤمنين ؟ فقال: يا حبيب أرى ملائكة السماء والنبيين بعضهم في أثر بعض وقوفا إلى أن يتلقوني، وهذا أخي محمد رسول الله صلى الله عليه واله جالس عندي يقول: أقدم فإن أمامك خير لك مما أنت فيه، قال: فما خرجت من عنده حتى توفي عليه السلام. فلما كان من الغد وأصبح الحسن عليه السلام قام خطيبا على المنبر فحمد الله و أثنى عليه ثم قال: أيها الناس في هذه الليلة نزل القرآن، وفي هذه الليلة رفع عيسى بن مريم، وفي هذه الليلة قتل يوشع بن نون، وفي هذه الليلة مات أبي أمير المؤمنين عليه السلام والله لا يسبق أبي أحد كان قبله من الاوصياء إلى الجنة، ولا من يكون بعده، وإن كان رسول الله صلى الله عليه واله ليبعثه في السرية فيقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره، وما ترك صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه كان يجمعها ليشتري بها خادما لاهله (1). 7 - جا، ما: المفيد، عن عمر بن محمد بن علي الصيرفي، عن محمد بن همام الاسكافي، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن أحمد بن سلامة الغنوي، عن محمد بن الحسن العامري، عن معمر (2) عن أبي بكر بن عياش، عن الفجبع العقيلي قال: حدثني الحسن بن علي بن أبي طالب عليهما السلام قال: لما حضرت والدي الوفاة أقبل يوصي فقال: هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أخو محمد رسول الله صلى الله عليه واله وابن عمه وصاحبه أول وصيتي أني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله وخيرته، اختاره بعلمه وارتضاه لخيرته، وأن الله باعث من في القبور، وسائل الناس عن أعمالهم، عالم بما في الصدور، ثم إني اوصيك يا حسن - وكفى بك وصيا - بما أوصاني به رسول الله صلى الله عليه واله فإذا كان ذلك يا بني الزم بيتك، وابك على خطيئتك، ولا تكن الدنيا أكبر همك، واوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها والزكاة في أهلها عند محلها، والصمت

 

(1) أمالى الصدوق: 192. (2) في المصدرين: حدثنا ابو معمر.

 

[203]

عند الشبهة، والاقتصاد، والعدل في الرضى والغضب، وحسن الجوار، وإكرام الضيف، ورحمة المجهود وأصحاب البلاء، وصلة الرحم، وحب المساكين ومجالستهم والتواضع فإنه من أفضل العبادة، وقصر الامل واذكر الموت، وازهد في الدنيا فإنك رهين موت وغرض بلاء وطريح (1) سقم، واوصيك بخشية الله في سر أمرك وعلانيتك، وأنهاك عن التسرع بالقول والفعل، وإذا عرض شئ من أمر الآخرة فابدأ به، وإذا عرض شئ من أمر الدنيا فتأنه حتى تصيب رشدك فيه، وإياك و مواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء، فإن قرين السوء يغر (2) جليسه، وكن لله يا بني عاملا، وعن الخنى زجورا، وبالمعروف آمرا، وعن المنكر ناهيا وواخ الاخوان في الله، وأحب الصالح لصلاحه، ودار الفاسق عن دينك وابغضه بقلبك، وزايله بأعمالك لئلا (3) تكون مثله، وإياك والجلوس في الطرقات، ودع الممارات ومجارات من لا عقل له ولا علم، واقتصد يا بني في معيشتك، واقتصد في عبادتك، وعليك فيها بالامر الدائم الذي تطيقه، والزم الصمت تسلم، وقدم لنفسك تغنم، وتعلم الخير تعلم، وكن لله ذاكرا على كل حال، وارحم من أهلك الصغير، ووقر منهم الكبير، ولا تأكلن طعاما حتى تصدق منه قبل أكله، وعليك بالصوم فإنه زكاة البدن وجنة لاهله. وجاهد نفسك، واحذر جليسك، واجتنب عدوك، وعليك بمجالس الذكر، وأكثر من الدعاء فإني لم آلك يا بني نصحا وهذا فراق بيني وبينك، واوصيك بأخيك محمد خيرا، فإنه شقيقك وابن أبيك وقد تعلم حبي له، وأما أخوك الحسين فهو ابن امك، ولا اريد (4) الوصاة بذلك والله الخليفة عليكم، وإياه أسأل أن يصلحكم، وأن يكف الطغاة البغاة عنكم،

 

(1) في " ما " و (خ): صريع. (2) في " ما " يغير. وفي " جا " يعير. (3) في " ما ": كيلا. (4) في " ما ": ولا ازيد.

 

[204]

والصبر الصبر حتى ينزل الله الامر، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (1). بيان: وارتضاه لخيرته أي لان يكون مختاره من بين الخلق. 8 - جا، ما: المفيد، عن محمد بن عمر الجعابي، عن ابن عقدة، عن موسى بن يوسف القطان، عن محمد بن سليمان المقري، عن عبد الصمد بن علي النوفلي عن أبي إسحاق السبيعي، عن الاصبغ بن نباتة قال: لما ضرب ابن ملجم لعنه الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام عدونا (2) نفر من أصحابنا أنا والحارث و سويد بن غفلة وجماعة معنا، فقعدنا على الباب، فسمعنا البكاء فبكينا، فخرج إلينا الحسن بن علي عليه السلام فقال: يقول لكم أمير المؤمنين عليه السلام: انصرفوا إلى منازلكم فانصرف القوم غيري، فاشتد البكاء من منزله فبكيت، وخرج الحسن عليه السلام وقال: ألم أقل لكم: انصرفوا ؟ فقلت: لا والله يا ابن رسول الله صلى الله عليه واله لا يتابعني (3) نفسي ولا يحملني رجلي أنصرف (4) حتى أرى أمير المؤمنين عليه السلام قال: فبكيت، ودخل فلم يلبث أن خرج فقال لي: ادخل، فدخلت على أمير المؤمنين عليه السلام فإذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف واصفر وجهه ما أدري وجهه أصفر أو العمامة فأكببت عليه فقبلته وبكيت، فقال لي: لا تبك يا أصبغ فإنها والله الجنة، فقلت له: جعلت فداك إني أعلم والله أنك تصير إلى الجنة، وإنما أبكي لفقداني إياك يا أمير المؤمنين جعلت فداك حدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه واله فإني أراك لا أسمع منك حديثا بعد يومي هذا أبدا، قال: نعم يا أصبغ دعاني رسول الله صلى الله عليه واله يوما فقال لي: يا علي انطلق حتى تأتي مسجدي ثم تصعد منبري، ثم تدعو الناس إليك فتحمد الله تعالى وتثني عليه وتصلي علي صلاة كثيرة، ثم تقول: أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم، وهو يقول لكم: إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين

 

(1) امالي المفيد: 129 و 130. امالي الشيخ: 4 و 5. وفيه: ولا حول ولا قوة اه‍. (2) في " ما ": غدونا عليه اه‍. (3) في المصدرين: لا يتابعني. (4) في المصدرين: أن أنصرف.

 

[205]

وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه، أو ادعى إلى غير مواليه أو ظلم أجيرا أجره، فأتيت مسجده صلى الله عليه واله وصعدت منبره، فلما رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوي، فحمدت الله وأثنيت عليه وصليت على رسول الله صلى الله عليه واله صلاة كثيرة ثم قلت: أيها الناس إني رسول الله إليكم، وهو يقول لكم: ألا إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي إلى (1) من انتمى إلى غير أبيه أو ادعى إلى غير مواليه أو ظلم أجيرا أجره، قال: فلم يتكلم أحد من القوم إلا عمر بن الخطاب، فإنه قال: قد أبلغت يا أبا الحسن ولكنك جئت بكلام غير مفسر، فقلت: ابلغ ذلك رسول الله، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه واله فأخبرته الخبر، فقال: ارجع إلى مسجدي حتى تصعد منبري، فاحمد الله وأثن عليه وصل علي ثم قل: أيها الناس ما كنا لنجيئكم بشئ إلا وعندنا تأويله وتفسيره، ألا وإني أنا أبوكم، ألا وإني أنا مولاكم، ألا وإني أنا أجيركم (2). توضيح: نزف فلان دمه - كعني -: سال حتى يفرط، فهو منزوف ونزيف قوله عليه السلام: ألا وإني أنا أبوكم يعني أمير المؤمنين صلوات الله عليه، وإنما وصفه بكونه أجيرا لان النبي والامام عليهما السلام لما وجب لهما بإزاء تبليغهما رسالات ربهما إطاعتهما ومودتهما فكأنهما أجيران، كما قال تعالى: " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى (3) " ويحتمل أن يكون المعنى: من يستحق الاجر من الله بسببكم. 9 - ما: بإسناد أخي دعبل، عن الرضا، عن آبائه، عن علي بن الحسين عليهم السلام قال: لما ضرب ابن ملجم لعنه الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كان معه آخر فوقعت ضربته على الحائط، وأما ابن ملجم فضربه فوقعت الضربة وهو ساجد على

 

(1) في المصدرين: على. (2) امالي المفيد: 208 و 209. أمالى الشيخ: 76 و 77. (3) سورة الشورى: 23.

 

[206]

رأسه على الضربة التي كانت، فخرج الحسن والحسين عليهما السلام وأخذا ابن ملجم وأوثقاه واحتمل أمير المؤمنين عليه السلام فادخل داره، فقعدت لبابة عند رأسه وجلست ام كلثوم عند رجليه، ففتح عينيه فنظر إليهما فقال: الرفيق الاعلى خير مستقرا وأحسن مقيلا، ضربة بضربة أو العفو إن كان ذلك، ثم عرق، ثم أفاق فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه واله يأمرني بالرواح إليه عشاء ثلاث مرات (1). بيان: لعل العرق كناية عن الفتور والضعف والغشي، فإنها تلزمه غالبا، وفي بعض النسخ بالغين المعجمة، فيكون المراد الاغماء أو النوم مجازا، وقد يقال: غرق في السكر إذا بلغ النهاية فيه. 10 - ب: أبوالبختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهم السلام أن علي بن أبي طالب عليه السلام خرج يوقظ الناس لصلاة الصبح، فضربه عبد الرحمن بن ملجم بالسيف على ام رأسه، فوقع على ركبتيه، وأخذه فالتزمه حتى أخذه الناس، وحمل علي حتى أفاق، ثم قال للحسن والحسين عليهما السلام: احبسوا هذا الاسير وأطعموه واسقوه وأحسنوا إساره فإن عشت فأنا أولى بما صنع في، إن شئت استقدت (2) وإن شئت صالحت، وإن مت فذلك إليكم، فإن بدالكم أن تقتلوه فلا تمثلوا به (3). 11 - كا: الحسين بن الحسن الحسني، رفعه، ومحمد بن الحسن، عن إبراهيم ابن إسحاق الاحمري رفعه قال: لما ضرب أمير المؤمنين عليه السلام حف به العواد و قيل له: يا أمير المؤمنين أوص، فقال اثنوا لي وسادة، ثم قال: الحمد لله حق قدره متبعين أمره، أحمده كما أحب، ولا إله إلا الله الواحد الاحد الصمد كما انتسب، أيها الناس كل امرئ لاق في فراره ما منه يفر، والاجل مساق النفس إليه و الهرب منه موافاته، كم أطردت الايام أبحثها عن مكنون هذا الامر فأبى الله عز ذكره إلا إخفاءه، هيهات علم مكنون، أما وصيتي فأن لا تشركوا بالله جل ثناؤه

 

(1) أمالى الشيخ، 232. (2) أي اخذت منه القود وهو القصاص. وفى المصدر: استنقذت. (3) قرب الاسناد: 67.

 

[207]

شيئا، ومحمد صلى الله عليه واله فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين وأوقدوا هذين المصباحين وخلاكم ذم ما لم تشردوا، حمل كل امرئ منكم مجهوده، وخفف عن الجهلة، رب رحيم وإمام عليم ودين قويم، أنا بالامس صاحبكم واليوم عبرة لكم وغدا مفارقكم إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك المراد، وإن تدحض القدم فإنا كنا في أفياء أغصان وذرى رياح وتحت ظل غمامة اضمحل في الجو متلفقها وعفا في الارض مخطها، وإنما كنت جارا جاوركم بدني أياما، وستعقبون مني جثة خلاء ساكنة بعد حركة، وكاظمة بعد نطق، ليعظكم هدوي وخفوت إطراقي وسكون أطرافي، فإنه أوعظ لكم من الناطق البليغ، ودعتكم وداع مرصد للتلاقي غدا ترون أيامي ويكشف الله عزوجل عن سرائري، وتعرفوني بعد خلو مكاني وقيام غيري مقامي، إن أبق فأنا ولي دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعف فالعفو لي قربة ولكم حسنة، فاعفوا واصفحوا، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ؟ فيا لها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة، أو يؤديه (1) أيامه إلى شقوة، جعلنا الله وإياكم ممن لا يقصر به عن طاعة الله رغبة، أو تحل به (2) بعد الموت نقمة، فإنما نحن له وبه. ثم أقبل على الحسن عليه السلام فقال: يا بني ضربة مكان ضربة ولا تأثم (3). بيان: قوله: " اثنوالي وسادة " يقال: ثنى الشئ كسمع (4): رد بعضه على بعض، وثنيها إما للجلوس عليها ليرتفع ويظهر للسامعين، أو للانكاء عليها لعدم قدرته على الجلوس. قوله عليه السلام: " قدره " أي حمدا يكون حسب قدره وكما هو أهله. وقوله: " متبعين " حال عن فاعل الحمد لانه في قوة نحمد الله. قوله: " كما انتسب " أي كما نسب نفسه في سورة التوحيد. قوله عليه السلام: " كل امرئ لاق في

 

(1) في المصدر: تؤديه. (2) في (ك): عليه. (3) اصول الكافي (الجزء الاول من الطبعة الحديثة): 299 و 300. (4) هذا وهم، والصواب " كرمى " فان العين في ثنى مفتوح وفى مضارعه مكسور بخلاف سمع. (*)

 

[208]

فراره " أي من الامور المقدرة الحتمية كالموت، قال الله تعالى: " قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم (1) " وإنما قال عليه السلام: " في فراره " لان كل أحد يفر دائما من الموت وإن كان تبعدا. والمساق مصدر ميمي، وليست في نهج البلاغة كلمة " إليه " فيحتمل أن يكون المراد بالاجل منتهى العمر والمساق ما يساق إليه، وأن يكون المراد به المدة فالمساق زمان السوق. وقوله عليه السلام: " والهرب منه موافاته " من حمل اللازم على الملزوم، فإن الانسان مادام يهرب من موته بحركات وتصرفات يفني عمره فيها، فكأن الهرب منه موافاته، والمعنى أنه إذا قدر زوال عمر أو دولة فكل ما يدبره الانسان لرفع ما يهرب منه يصير سببا لحصوله، إذ تأثير الادوية والاسباب بإذنه تعالى، مع أنه عند حلول الاجل يصير أحذق الاطباء أجهلم، ويغفل عما ينفع المريض، وهكذا في سائر الامور. وقال الفيروز آبادي: الطرد: الابعاد وضم الابل من نواحيها، وطردتهم أتيتهم وجزتهم، وأطرده: أمر بطرده أو بإخراجه عن البلد، واطرد الامر: تبع بعضه بعضا وجرى، انتهى (2)، ويحتمل أن يكون الاطراد بمعنى الطرد والجمع أو الامر به مجازا، ويمكن أن يقرأ " اطردت " على صيغة الغائب بتشديد الطاء فالايام فاعله، قال أكثر شراح النهج: كأنه عليه السلام جعل الايام أشخاصا يأمر بإخراجهم وإبعادهم عنه، أي ما زلت أبحث عن كيفية قتلي وأي وقت يكون بعينه، وفي أي أرض يكون يوما يوما، فإذا لم أجده في يوم طردته واستقبلت يوما آخر، وهكذا حتى وقع المقدر، قالوا: وهذا الكلام يدل على أنه عليه السلام لم يكن يعرف حال قتله مفصلة من جميع الوجوه، وأن رسول الله صلى الله عليه واله أعلمه بذلك مجملا، و " مكنون هذا الامر " أي المستور من خصوصيات هذا الامر، أو المستور هو هذا الامر فالمشار إليه شئ متعلق بوفاته. و " هيهات " أي بعد الاطلاع عليه فإنه علم مكنون مخزون، ومن خواص المخزون ستره والمنع من أن يناله أحد

 

(1) سورة الجمعة: 8. (2) القاموس 1: 310.

 

[209]

والاظهر عندي أن المراد أني جمعت مرارا حوادث الايام وغرائبها التي وقعت علي في ذهني، وبحثت عن السر الخفي في خفاء الحق وظهور الباطل وغلبة أهله، وقيل: أي السر في قتله عليه السلام فظهر لي، فأبى الله إلا إخفاءه عنكم، لضعف عقولكم عن فهمه، إذ هي من غوامض مسائل القضاء والقدر. قوله: " ومحمدا " عطف على " أن لا تشركوا " ويمكن أن يقدر فيه فعل، أي اذكركم محمدا أو هو نصب على الاغراء، وفي بعض النسخ بالرفع وفي النهج " وأما وصيتي فالله لا تشركوا به شيئا ومحمدا صلى الله عليه واله فلا تضيعوا سنته " والعمودان التوحيد والنبوة، وإقامتهما كناية عن إحقاق حقوقهما، وقيل: المراد بهما الحسنان، وقيل: هما المراد بالمصباحين، ويقال: خلاك ذم أي اعذرت وسقط عنك الذم. قوله عليه السلام: " ما لم تشردوا " أي تتفرقوا في الدين. قوله: " حمل " على التفعيل مجهولا أو معلوما، و " خفف " أيضا إما على بناء المعلوم أو المجهول، فيقدر مبتدء لقوله: " رب رحيم " أي ربكم، أو خبر أي لكم، وعلى الاول (1) في إسناد الحمل والتخفيف إلى الدين والامام تجوز، والمراد إمام كل زمان، و ثبوت الوطأة كناية عن البرء من المرض. والذرى اسم لما ذرته الرياح، شبه ما فيه الانسان في الدنيا من الامتعة بما ذرته الرياح في عدم الثبات وقلة الانتفاع بها، وقيل: المراد محال ذروها، كما أن في النهج " ومهب رياح ". قوله: " متلفقها " بكسر الفاء أي ما انضم واجتمع من متفرقات الغمام. و مخطها ما يحدث في الارض من الخط الفاصل بين الظل والنور، وفي بعض النسخ بالحاء المهملة أي محط ظلها فاعله (2)، والحاصل أني إن مت فلا عجب، فإني كنت في امور فانية شبيهة بتلك الامور، أو لا ابالي فإني كنت في الدنيا غير

 

(1) أي على كون خفف معلوما. (2) كذا.

 

[210]

متعلق بها كمن كان في تلك الامور، وكنت دائما مترصدا للانتقال، وقيل: استعار الاغصان للعناصر الاربعة، والافياء لتركبها المعرض للزوال، والرياح للارواح، وذراها للابدان الفائزة هي عليها بالجود الالهي، والغمامة للاسباب القوية من الحركات السماوية والتأثيرات الفلكية والارزاق المفاضة على الانسان في هذا العالم، وكنى باضمحلال متلفقها عن تفرق تلك الاسباب وزوالها، وبعفاء مخطها في الارض عن فناء آثارها في الابدان. " جاوركم بدني " إنما خص المجاورة بالبدن لانها من خواص الاجسام، أو لان روحه عليه السلام كانت معلقة بالملاء الاعلى وهو بعد في هذه الدنيا، كما قال عليه السلام في وصف إخوانه " كانوا في الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالملاء الاعلى " و " ستعقبون " على بناء المفعول من الاعقاب، وهو إعطاء شئ. وجثة الانسان بالضم شخصه وجسده، خلاء أي خالية من الروح والخواص. وفي القاموس: كظم غيظه: رده وحبسه، والباب: أغلقه، وكظم كعني كظوما: سكت، وقوم كظم كركع: ساكتون (1). وفي النهج " وصامتة بعد نطوق ". ليعظكم بكسر اللام والنصب كما هو المضبوط في النهج، ويحتمل الجزم لكونه أمرا، وفتح اللام والرفع أيضا، و الهدوء بالهمزة وقد يخفف ويشدد: السكون وخفت الصوت خفوتا: سكن، و لهذا قيل للميت " خفت " إذا انقطع كلامه وسكت. وإطراقي إما بكسر الهمزة كما هو المضبوط في النهج من أطرق إطراقا أي أرخى عينيه إلى الارض، كناية عن عدم تحريك الاجفان، أو بفتحها جمع طرق - بالكسر - بمعنى القوة، أو جمع طرق بالفتح وهو الضرب بالمطرقة، والاطراق بالتحريك (2) هي الاعضاء كالبدن و الرجلين. ووداع بالفتح اسم من قولهم: ودعته توديعا، وإما بالكسر فهو الاسم من قولك: أودعته موادعة أي صالحته. وتقول: رصدته إذا قعدت له على طريقة

 

(1) القاموس 4: 172. (2) كذا.

 

[211]

تترقبه، وأرصدت له العقوبة أي أعدتها له، ومرصد في بعض نسخ النهج بالفتح، فالفاعل هو الله تعالى أو نفسه عليه السلام كأنه أعد نفسه بالتوطين للتلاقي، وفي بعضها بالكسر، فالمفعول نفسه أو ما ينبغي إعداده وتهيئته، ويوم التلاقي يوم القيامة، ويحتمل شموله للرجعة أيضا. وقوله: " غدا " ظرف الافعال الآتية، ويحتمل تلك الفقرات وجوها من التأويل: الاول أن يكون المعنى: بعد أن افارقكم يتولى بنو امية وغيرهم أمركم ترون وتعرفون فضل أيام خلافتي، وأني كنت على الحق، ويكشف الله لكم عن سرائري، أي أني ما أردت في حروبي وسائر ما أمرتكم به إلا الله تعالى، أو ينكشف بعض حسناتي المروية إليكم وكنت أسترها عنكم وعن غيركم، وتعرفون عدلي و قدري بعد قيام غيري مقامي بالخلافة. الثاني أن يكون المراد بقوله: " غدا " أيام الرجعة والقيامة، فإن فيهما تظهر شوكته ورفعته ونفاذ حكمه في عالم الملك والملكوت، فهو عليه السلام في الرجعة ولي الانتقام من المنافقين والكفار، وممكن المتقين والاخيار في الاصقاع و الاقطار، وفي القيامة إلى الحساب وقسيم الجنة والنار، فالمراد بخلو مكانه خلو قبره عن جسده بحسب ما يظنه الناس في الرجعة، ونزوله عن منبر الوسيلة وقيامه على شفير جهنم، يقول للنار: خذي هذا واتركي هذا في القيامة. ثم اعلم أن في أكثر نسخ الكافي " وقيامي غير مقامي " وهو أنسب بهذا المعنى وعلى الاول يحتاج إلى تكلف كأن يكون المراد قيامه عند الله تعالى في السماوات وتحت العرش وفي الجنان في الغرفات وفي دار السلام، كما دلت عليه الروايات، وفي نسخ النهج وبعض نسخ الكافي " وقيام غيري مقامي " فهو بالاول أنسب، وعلى الاخير لا يستقيم إلا بتكلف كأن يكون المراد بالغير القائم عليه السلام فإنه إمام زمان في الرجعة، وقيام الرسول صلى الله عليه واله مقامه للمخاصمة في القيامة، كذا خطر بالبال، و إن ذكرا مجملا منه بعض المعاصرين في مؤلفاتهم.


 

[212]

الثالث ما خطر بالبال أيضا وهو الجمع بين المعنيين، بأن يكون " ترون أيامي ويكشف الله عن سرائري " في الرجعة والقيامة، لاتصاله بقوله: " وداع مرصد للتلاقي " وقوله: " وتعرفوني " إلى آخره إشارة إلى المعنى الاول غير متعلقة بالفقرتين الاوليين، وهو أسد وأفيد وأظهر، لا سيما على النسخة الاخيرة إن أبق الشر (1) في لا تنافي العلم بعدم وقوع المقدم، وفي تنزيل العالم منزلة الشاك نوع من المصلحة، وفي بعض النسخ " العفو لي قربة " ويحتمل أن يكون استحلالا من القوم على سبيل التواضع، كما هو الشائع عند الموادعة. وفي أكثر النسخ " وإن أعف فالعفو لي قربة " أي إن أعف عن قاتلي، فقوله عليه السلام: " ولكم حسنة " أي فيما يجوز العفو فيه لا في تلك الواقعة، أو عفوي عن قاتلي لكم حسنة لصبر كم على ما يشق عليكم في ذلك - " فيالها حسرة " النداء للتعجب، والمنادى محذوف وضمير " لها " مبهم، وحسرة تمييز للضمير المبهم، نحو ربه رجلا أن يكون أي لان يكون، أو هو خبر مبتدء محذوف والشقوة بالكسر: سوء العاقبة قوله: " ممن لا يقصر به " الباء للتعدية. ورغبة فاعل لم تقصر، وضمير " به " راجع إلى الموصول أي لا يجعله رغبة من رغبات النفس قاصرا عن طاعة الله، وضمير له وبه راجعان إلى الله أو إلى الموت. قوله عليه السلام: " ولا تأثم " أي في الزيادة، فالمراد بالاثم ترك الاولى مجازا، ويمكن أن يقرأ على باب التفعل أي لا تزد فتكون عند الناس منسوبا إلى الاثم (2) 12 - غط: أحمد بن عبدون، عن علي بن محمد بن الزبير، عن علي بن الحسن ابن فضال، عن محمد بن عبيدالله بن زرارة، عمن رواه، عن عمرو بن شمر، عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: هذه وصية أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحسن عليه السلام وهي

 

(1) كذا. (2) البيان المذكور موافق لنسخة (ك) ويزيد على سائر النسخ ويختلف اياها بكثير، أثبتناه كما وجدناه.

 

[213]

نسخة كتاب سليم بن قيس الهلالي دفعها إلى أبان وقرأها عليه، قال أبان: وقرأتها على علي بن الحسين عليهما السلام فقال: صدق سليم رحمه الله، قال سليم: فشهدت وصية أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام وأشهد على وصيته الحسين و محمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، وقال: يا بني أمرني رسول الله صلى الله عليه واله أن اوصى إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي، ثم أقبل عليه فقال: يا بني أنت ولي الامر وولي الدم، فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربة مكان ضربة ولا تأثم، ثم ذكر الوصية إلى آخرها، فلما فرغ من وصيته قال: حفظكم الله وحفظ فيكم نبيكم، أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله، ثم لم يزل يقول: " لا إله إلا الله " حتى قبض ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة، وكان ضرب ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان (1). 13 - غط: أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى قال: بعث إلي أبو الحسن موسى بن جعفر عليه السلام بهذه الوصية مع الاخرى. وفي رواية اخرى أنه قبض ليلة إحدى وعشرين وضرب ليلة تسع عشرة، وهي الاظهر (2). 14 - حة: محمد بن أحمد بن داود القمي، عن محمد بن علي بن الفضل، عن علي بن الحسين بن يعقوب، عن جعفر بن أحمد بن يوسف، عن علي بن بدرج (3) الجاحظ عن عمرو بن اليسع قال: جاءني سعد الاسكاف فقال: يا بني تحمل الحديث ؟ قلت: نعم: فقال: حدثني أبو عبد الله عليه السلام قال: لما اصيب أمير المؤمنين عليه السلام قال للحسن والحسين عليهما السلام: غسلاني وكفناني وحنطاني واحملاني على سريري، واحملا مؤخره تكفيان مقدمه - وفي رواية الكليني (4) عن علي بن محمد رفعه قال: قال

 

(1 و 2) الغيبة للشيخ الطوسي: 127. والجملة الاخيرة من قوله " وفى رواية اخرى " قد ذكرت في المصدر عقيب الرواية الاولى. (3) في المصدر: عن على بن بذرج الحافظ. (4) كذا في (ك). وفى غيره من النسخ " الكلبى ". وفى المصدر: المهلبى.

 

[214]

أبو عبد الله عليه السلام: لما غسل أمير المؤمنين عليه السلام نودوا من جانب البيت: إن أخذتم مقدم السرير كفيتم مؤخره، وإن أخذتم مؤخره كفيتم مقدمه - رجعنا إلى تمام الحديث: فإنكما تنتهيان إلى قبر محفور ولحد ملحود ولبن محفوظ (1) فالحداني وأشرجا (2) علي اللبن، وارفعا لبنة مما عند رأسي فانظرا ما تسمعان، فأخذ اللبنة من عند الرأس بعد ما أشرجا عليه اللبن فإذا ليس بالقبر (3) شئ، وإذا هاتف يهتف: أمير المؤمنين (4) عليه السلام كان عبدا صالحا، فألحقه الله عزوجل بنبيه صلى الله عليه واله، وكذلك يفعل بالاوصياء بعد الانبياء، حتى لو أن نبيا مات في الشرق ومات وصيه في الغرب ألحق الله الوصي بالنبي (5). 15 - حة: ذكر الفقيه محمد بن معد الموسوي قال: رأيت في بعض الكتب الحديثية القديمة ما صورته: حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد العزيز بن عامر الدهان (6) قال: حدثنا علي بن عبد الله الانباري، قال: حدثني محمد بن أحمد بن عيسى ابن أخي الحسن بن يحيى، قال: حدثني محمد بن الحسن الجعفري قال: وجدت في كتاب أبي وحدثتني امي عن امها أن جعفر بن محمد حدثها أن أمير المؤمنين عليه السلام أمر ابنه الحسن عليه السلام أن يحفر له أربع (7) قبور في أربع مواضع: في المسجد وفي الرحبة وفي الغري وفي دار جعدة بن هبيرة، وإنما أراد بهذا أن لا يعلم أحد من أعدائه موضع قبره (8).

 

(1) في المصدر: موضوع. (2) شرج الحجارة واللبن، نضدها وضم بعضها على بعض. (3) في المصدر: في القبر. (4) في المصدر: ان امير المؤمنين. (5) فرحة الغرى 21 و 22. (6) في المصدر: الدهقان. (7) في المصدر: " اربعة " في الموضعين. (8) فرحة الغرى: 22 و 23.

 

[215]

16 - حة: ذكر جعفر بن مبشر في كتابه في نسخة عتيقة عندي ما صورته: قال: قال المدائني: عن أبي زكريا، عن أبي بكر الهمداني، عن الحسين بن علوان عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباتة وعبد الله بن محمد، عن علي بن اليماني، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر محمد بن علي، والقاسم بن محمد المقري، عن عبد الله بن زيد، عن المعافا بن عبد السلام، عن أبي عبد الله الجدلي قال: (1) استنفر علي بن أبي طالب عليه السلام الناس في قتال معاوية في الصيف، وذكر الحديث مطولا وقال في آخره أبو عبد الله الجدلي: وقد حضره عليه السلام وهو يوصي الحسن فقال: يا بني إني ميت من ليلتي هذه، فإذا أنا مت فاغسلني (2) وكفنني وحنطني بحنوط جدك، وضعني على سريري، ولا يقربن أحد منكم مقدم السرير فإنكم تكفونه، فإذا حمل المقدم فاحملوا المؤخر، وليتبع المؤخر المقدم حيث ذهب (3) فإذا وضع المقدم فضعوا المؤخر، ثم تقدم أي بني فصل علي، فكبر (4) سبعا فإنها لن تحل لاحد من بعدي إلا لرجل من ولدي يخرج في آخر الزمان يقيم اعوجاج الحق، فإذا صليت فخط حول سريري، ثم احفر لي قبرا في موضعه إلى منتهى كذاو كذا، ثم شق لحدا فإنك تقع على ساجة منقورة ادخرها (5) لي أبي نوح، وضعني في الساجة، ثم ضع علي سبع لبن (6) كبار، ثم ارقب هنيئة، ثم انظر فإنك لن تراني في لحدي (7).

 

(1) في المصدر: قالوا. (2) في المصدر: فغسلني. (3) في المصدر: فإذا المقدم ذهب فاذهبوا حيث ذهب. (4) في المصدر: وكبر. (5) في (ك): أذخرها. (6) في المصدر: لبنات. (7) فرحة الغرى: 23 و 24.

 

[216]

17 - حة: الصدوق، عن الحسن بن محمد بن سعيد، عن فرات بن إبراهيم، عن علي بن حامد، عن إسماعيل بن علي بن قدامة، عن أحمد بن علي بن ناصح عن جعفر بن محمد الارمني، عن موسى بن سنان الجرجاني، عن أحمد بن علي المقري عن ام كلثوم بنت علي عليه السلام قالت: آخر عهد أبي إلى أخوي عليهما السلام أن قال: يا بني إذا (1) أنامت فغسلاني ثم نشفاني بالبردة التي نشفتم بها رسول الله صلى الله عليه واله وفاطمة عليها السلام ثم حنطاني وسجياني على سريري، ثم انظرا (2) حتى إذا ارتفع لكما مقدم السرير فاحملا مؤخره، قال: فخرجت اشيع جنازة أبي، حتى إذا كنا بظهر الغري ركن (3) المقدم فوضعنا المؤخر، ثم برز الحسن عليه السلام بالبردة التي نشف بها رسول الله صلى الله عليه واله وفاطمة وأمير المؤمنين عليه السلام (4) ثم أخذ المعول فضرب ضربة فانشق القبر عن ضريح، فإذا هو بساجة (5) مكتوب عليها سطران بالسريانية: " بسم الله الرحمن الرحيم هذا قبر قبره (6) نوح النبي لعلي وصي محمد قبل الطوفان بسبع مائة عام " قالت ام كلثوم: فانشق القبر، فلا أدري أنبش (7) سيدي في الارض أم اسري به إلى السماء إذ سمعت ناطقا لنا بالتعزية: أحسن الله لكم العزاء في سيدكم وحجة الله على خلقه (8). بيان: ثم برز الحسن عليه السلام بالبردة أي مرتديا بها. 18 - حة: محمد بن أحمد بن داود، عن سلامة، عن محمد بن جعفر المؤدب، عن

 

(1) في المصدر: إن. (2) في المصدر: ثم انتظرا. (3) ركن إليه: مال وسكن. وفى المصدر: ركز. (4) في المصدر: فنشف بها امير المؤمنين عليه السلام. (5) الساجة: االلوح، والخشبة من شجر الساج التى لا تكاد تبليها الارض. (6) في المصدر: ادخره. (7) في المصدر: غار. (8) فرحة الغرى: 24 و 25.

 

[217]

محمد بن أحمد بن يحيى، عن يعقوب بن زيد، عن علي بن أسباط، عن أحمد بن حباب قال: نظر أمير المؤمنين عليه السلام إلى ظهر الكوفة فقال: ما أحسن منظرك (1) وأطيب [ريحك] قعرك اللهم اجعل قبري بها (2). 19 - حة: عمي علي بن طاوس، عن محمد بن عبد الله بن زهرة، عن محمد بن الحسن العلوي، عن القطب الراوندي، عن ذي الفقار بن معبد، عن المفيد محمد بن النعمان، قال: رواه (3) عباد بن يعقوب الرواجني، قال: حدثنا حسان بن علي القسري (4)، قال: حدثنا مولى لعلي بن أبي طالب عليه السلام قال: لما حضرت أمير - المؤمنين عليه السلام الوفاة قال للحسن والحسين عليهما السلام: إذا أنامت فاحملاني على سرير ثم أخرجاني واحملا مؤخر السرير فإنكما تكفيان مقدمه، ثم ايتابي الغريين فإنكما ستريان صخرة بيضاء، فاحتفرا فيها فإنكما ستجدان فيها ساجة، فادفناني فيها، قال: فلما مات أخرجناه وجعلنا نحمل مؤخر السرير ونكفى مقدمه، و جعلنا نسمع دويا وحفيفا حتى أتينا الغريين، فإذا صخرة بيضاء تلمع نورا، فاحتفرنا فإذا ساجة مكتوب عليها: ما ادخر (5) نوح عليه السلام لعلي بن أبي طالب عليه السلام فدفناه فيها وانصرفنا ونحن مسرورون بإكرام الله تعالى لامير المؤمنين عليه السلام، فلحقنا قوم من الشيعة لم يشهدوا الصلاة عليه، فأخبرناهم بما جرى وبإكرام الله تعالى أمير المؤمنين عليه السلام، فقالوا: نحب أن نعاين من أمره ما عاينتم، فقلنا لهم: إن الموضع قد عفي أثره بوصية منه عليه السلام فمضوا وعادوا إلينا فقالوا: إنهم احتفروا فلم يروا شيئا (6).

 

(1) في المصدر: ما أحسن ظهرك. (2) فرحة الغرى: 22. (3) كذا في (ك). وفي غيره من النسخ وكذا المصدر: قال ما رواه اه‍. (4) في الارشاد: حيان بن على العنزي. (5) في المصدر و (خ): هذا ما ادخر. (6) فرحة الغرى: 26 و 27.

 

[218]

شا: عباد بن يعقوب الرواجني مثله (1). 20 - حة: خاتم العلماء نصير الدين، عن والده، عن السيد فضل الله الحسني الراوندي، عن ذي الفقار بن معبد، عن الطوسي - ومن خطه نقلت - عن المفيد عن محمد بن أحمد بن داود (2) عن محمد بن بكار، عن الحسن بن محمد الفزاري، عن الحسن ابن علي النحاس، عن جعفر الرماني، عن يحيى الحماني، عن محمد بن عبيد الطيالسي، عن مختار التمار، عن أبي مطر قال: لما ضرب ابن ملجم الفاسق لعنه الله أمير المؤمنين عليه السلام قال له الحسن عليه السلام: أقتله ؟ قال: لا ولكن احبسه فإذا مت فاقتلوه فإذا مت فادفنوني في هذا الظهر في قبر أخوي هود وصالح (3). 21 - حة: بهذا الاسناد عن محمد بن أحمد بن داود، عن محمد بن بكران، عن علي بن يعقوب، عن علي بن الحسن، عن أخيه، عن أحمد بن محمد، عن عمر الجرجاني عن الحسن بن علي بن أبي طالب قال (4): سألت الحسن بن علي عليهما السلام أين دفنتم أمير المؤمنين عليه السلام ؟ قال: على شفير الجرف، ومررنا به ليلا على مسجد الاشعث وقال: ادفنوني في قبر أخي هود (5). 22 - حة: والدي، عن محمد بن نما، عن محمد بن إدريس، عن عربي بن مسافر عن إلياس بن هشام، عن أبي علي، عن الطوسي، عن المفيد، عن محمد بن أحمد بن داود، عن ابن الوليد، عن سعد، عن البرقي، عن البطائني، عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قبر أمير المؤمنين عليه السلام فإن الناس قد اختلفوا فيه، قال: إن أمير المؤمنين دفن مع أبيه نوح في قبره، قلت: جعلت فداك من تولى دفنه ؟

 

(1) الارشاد للمفيد: 11 و 12. (2) في المصدر: عن احمد بن محمد بن داود. (3) فرحة الغرى: 27 و 28. (4) أي قال الجرجاني. وفى المصدر و (م) و (خ): عن الحسن بن على بن ابى طالب عن جده ابى طالب قال اه‍. وفيه تصحيف واضح. (5) فرحة الغرى: 28.

 

[219]

فقال: رسول الله صلى الله عليه واله مع الكرام الكاتبين بالروح والريحان (1). 23 - حة: بهذا الاسناد عن سعد، عن أحمد بن الحسين بن سعيد، عن أبيه عن ابن أبي نجران، عن علي بن أبي حمزة، عن عبد الرحيم القصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قبر أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أمير المؤمنين مدفون في قبر نوح، قال: قلت: ومن نوح ؟ قال: نوح النبي عليه السلام، قلت: كيف صار هكذا ؟ فقال: إن أمير المؤمنين صديق هيأ الله له مضجعه في مضجع صديق، يا عبد الرحيم إن رسول الله صلى الله عليه واله أخبرنا بموته وبموضع دفن فيه، فأنزل الله عزوجل (2) حنوطا من عنده مع حنوط أخيه رسول الله صلى الله عليه واله، وأخبره أن الملائكة تنشر له قبره (3) فلما قبض عليه السلام كان فيما أوصى به ابنيه الحسن والحسين عليهما السلام إذ قال لهما: إذا مت فغسلاني وحنطاني واحملاني بالليلة (4) سرا، واحملا يا ابني مؤخر السرير و اتبعا مقدمه (5) فإذا وضع فضعا، وادفناني في القبر الذي يوضع السرير عليه وادفناني مع من يعينكما على دفني في الليل، وسويا (6). 24 - حة: بهذا الاسناد عن أحمد بن ميثم، عن محمد بن علي، عن محمد بن هشام عن محمد بن سليمان، عن داود بن النعمان، عن عبد الرحيم القصير قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قبر أمير المؤمنين فإن الناس قد اختلفوا فيه: فقال: إن أمير المؤمنين عليه السلام دفن مع أبيه نوح عليه السلام (7). 25 - حة: نجيب الدين يحيى بن سعيد، عن محمد بن عبد الله بن زهرة، عن

 

(1) فرحة الغرى: 37 و 38. (2) في المصدر: وبالموضع الذى دفن فيه، وانزل الله عزوجل له اه‍. (3) في المصدر: تنزله قبره. وفى هامش (خ) و (ت): تنبش له قبره. (4) في المصدر: بالليل. (5) في المصدر: واتبعاه. (6) فرحة الغرى: 38. وفيه: وسوياه. (7) فرحة الغرى: 38 و 39.

 

[220]

محمد بن الحسن الحسيني، عن القطب الراوندي، عن ذي الفقار بن معبد، عن المفيد (1) عن محمد بن أحمد بن زكريا، عن أبيه، عن ابن فضال، عن عمرو بن إبراهيم. عن خلف بن حماد، عن عبد الله بن حنان (2)، عن الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان في وصية أمير المؤمنين صلوات الله عليه: أن أخرجوني إلى الظهر، فإذا تصوبت ؟ ؟ أقدامكم فاستقبلتكم ريح فادفنوني، وهو أول طور سيناء، ففعلوا ذلك. (3) توضيح: تصوبت أي نزلت ورسبت في الارض، وفي بعض النسخ " تضببت " بالضاد المعجمة أي لصقت. 26 - حة: أبو القاسم جعفر بن سعيد، عن الحسن بن الدربي، عن شاذان بن جبرئيل، عن جعفر الدوريستي، عن جده، عن المفيد قال: وروى محمد بن عمار، عن أبيه. عن جابر بن يزيد قال: سمعت (4) أبا جعفر عليه السلام أين دفن أمير المؤمنين قال: دفن بناحية الغريين، ودفن قبل طلوع الفجر، ودخل قبره الحسن والحسين ومحمد بنو علي عليهم السلام وعبد الله بن جعفر رضي الله عنه. (5) شا: محمد بن عمارة مثله. (6) 27 - حة: وقفت في كتاب ما صورته: قال إسحاق بن عبد الله بن أبي مروان: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام: كم كانت سن علي بن أبي طالب عليه السلام يوم قتل ؟ قال: ثلاثا وستين سنة، قلت: ما كانت صفته ؟ قال: كان رجلا آدم شديدا الادمة (7)

 

(1) في المصدر و (خ) بعد ذلك: عن محمد بن احمد، عن محمد بن احمد بن زكريا اه‍. (2) في المصدر: حسان:. (3) فرحة الغرى: 39. (4) كذا في النسخ. وفى المصدر: سألت وكذا في الارشاد. (5) فرحة الغرى: 39 و 40. (6) الارشاد للمفيد: 12. (7) الادم: الاسمر. والادمة: السمرة.

 

[221]

ثقيل العينين عظيمهما، ذا بطن أصلع، فقلت: طويلا أو قصيرا ؟ قال: هو إلى القصر أقرب، قلت ما كانت كنيته ؟ قال: أبو الحسن، قلت: أين دفن ؟ قال: بالكوفة ليلا وقد عمي قبره. (1) 28 - حة: والدي، عن محمد بن أبي غالب. عن محمد بن معد الموسوي، و أخبرني عمي علي بن طاوس، عن محمد بن معد، عن أحمد بن أبي المظفر، وأخبرني عبد الصمد بن أحمد، عن أبي الفرج بن الجوزي، وعبد الكريم بن علي السدي (2) وأخبرني عبد الحميد بن فخار، عن أحمد بن علي الغزنوي، كلهم عن عبد الله بن أحمد بن أحمد بن الخشاب (3)، عن محمد بن عبد الملك بن خيرون (4)، عن الحسن بن الحسين بن العباس، عن أحمد بن نصر بن عبد الله بن فتح، عن حرب بن محمد المؤدب عن الحسن بن جمهور العمي، عن أبيه، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، وأخبرنا أحمد بن نصر، عن صدقة بن موسى، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم، عن حبيب السجستاني، عن أبي جعفر عليه السلام قالا: مضى أمير المؤمنين عليه السلام - وهو ابن خمس وستين سنة - سنة أربعين من الهجرة، ونزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه واله ولامير المؤمنين عليه السلام اثنا عشرة سنة، فكان عمره بمكة مع رسول الله صلى الله عليه واله اثنتا عشرة سنة، وأقام [بها] مع رسول الله صلى الله عليه واله ثلاث عشرة سنة، ثم هاجر إلى المدينة فأقام بها مع رسول الله صلى الله عليه واله عشر سنين ثم أقام بعد ما توفي رسول الله صلى الله عليه واله ثلاثين سنة، وكان عمره خمسا وستين سنة، قبض في ليلة الجمعة وقبره بالغري، وهو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن

 

(1) فرحة الغرى: 40. (2) في المصدر و (خ): السندي. (3) في المصدر و (م): عن عبد الله بن احمد بن الخشاب. (4) في المصدر و (م) و (خ): حيزون.

 

[222]

عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة، الغرض من الحديث (1). 29 - حة: عمي، عن الحسن بن الدربي، عن محمد بن علي بن شهر آشوب عن جده، عن الطوسي، عن المفيد، عن جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن عبد الله ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سمعه يقول: لما قبض أمير - المؤمنين عليه السلام أخرجه الحسن والحسين عليهما السلام ورجلان آخران حتى إذا خرجوا من الكوفة تركوها عن أيمانهم، ثم أخذوا في الجبانة حتى مروا به إلى الغري ودفنوه وسووا قبره وانصرفوا (2). 30 - حة: عبد الرحمن بن أحمد الحربي، عن عبد العزيز بن الاخضر، عن أبي الفضل بن ناصر، عن محمد بن علي بن ميمون، عن محمد بن علي بن الحسين القسري، عن محمد بن جعفر التميمي، عن محمد بن علي بن شاذان، عن حسن بن محمد بن عبد الواحد، عن محمد بن أبي السري، عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي قال: قال أبو بكر بن عياش: سألت أبا حصين، وعاصم بن بهدلة والاعمش وغيرهم فقلت: أخبركم أحد أنه [من] صلى على علي وشهد دفنه ؟ فقالوا لي: قد سألنا أباك محمد بن سائب الكلبي فقال: اخرج به ليلا، خرج به الحسن والحسين عليهما السلام وابن الحنفية وعبد الله بن جعفر في عدة من أهل بيته، ودفن ليلا في ذلك الظهر ظهر الكوفة، قال: قلت لابيك: لم فعل به ذلك، قال: مخافة الخوارج وغيرهم (3). 31 - د: عن أبي مخنف قال: جاء رجل من مراد إلى أمير المؤمنين عليه السلام يصلي في المسجد، فقال: احترس فإن اناسا من مراد يريدون قتلك، فقال: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه ما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، وإن الاجل

 

(1) فرحة الغرى: 41 - 43. (2) في المصدر: 74. (3) في المصدر: 106 و 107.

 

[223]

جنة حصينة. وقال الشعبي: أنشد أمير المؤمنين عليه السلام قبل أن يستشهد بأيام: تلكم قريش تمناني لتقتلني * فلا وربك ما فازوا ولا ظفروا فإن بقيت فرهن ذمتي لهم * وإن عدمت فلا يبقى لها أثر وسوف يورثهم فقدي على وجل * ذل الحياة بما خانوا وما غدروا (1) 32 - يج: روي عن أبي حمزة، عن أبي إسحاق السبيعي، عن عمرو بن الحمق قال: دخلت على علي عليه السلام حين ضرب ضربة بالكوفة فقلت: ليس عليك: بأس إنما هو خدش قال لعمري إني لمفارقكم، ثم قال: إلى السبعين بلاء - قالها ثلاثا - قلت: فهل بعد البلاء رخاء ؟ فلم يجبني وأغمي عليه، فبكت ام كلثوم، فلما أفاق قال: لا تؤذيني يا ام كلثوم، فإنك لو ترين ما أرى [لم تبك] إن الملائكة من السماوات السبع بعضهم خلف بعض والنبيون يقولون: انطلق يا علي فما أمامك خير لك مما أنت فيه، فقلت: يا أمير المؤمنين إنك قلت: إلى السبعين بلاء، فهل بعد السبعين رخاء ؟ قال: نعم وإن بعد البلاء رخاء " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب " قال أبو حمزة: قلت لابي جعفر عليه السلام: إن عليا قال: إلى السبعين بلاء، وكان يقول: بعد السبعين رخاء وقد مضت السبعون ولم نر رخاء، فقال أبو جعفر عليه السلام: يا ثابت إن الله كان قد وقت هذا الامر في السبعين، فلما قتل الحسين عليه السلام غضب الله على أهل الارض، فأخره الله إلى الاربعين ومائة سنة، فحدثناكم فأذعتم الحديث و كشفتم القناع قناع السر، فأخره الله ولم يجعل له بعد ذلك وقتا عند الله " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب " قال أبو حمزة: قد قلت لابي عبد الله عليه السلام ذلك فقال: قد كان ذلك (2). 33 - يج: من معجزاته صلوات الله عليه أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه واله (3)

 

(1) مخطوط. (2) الخرائج والجرائح: 18. (3) في المصدر: رأيت رسول الله في منامي.

 

[224]

وهو يمسح الغبار عن وجهي وهو يقول: يا علي لا عليك لا عليك قد قضيت ما عليك فما مكث إلا ثلاثا حتى ضرب (1)، وقال للحسن والحسين عليهما السلام: إذا مت فاحملاني إلى الغري من نجف الكوفة، واحملا آخر سريري، فالملائكة يحملون أوله، و أمرهما أن يدفناه هناك، ويعفيا قبره، لما يعلمه من دولة بني امية بعده، وقال: ستريان صخرة بيضاء تلمع نورا، فاحتفرا فوجدا ساجة مكتوبا عليها: مما ادخرها نوح لعلي بن أبي طالب عليه السلام، فدفناه فيه وعفيا أثره، ولم يزل قبره مخفيا حتى دل عليه جعفر بن محمد عليهما السلام في أيام الدولة العباسية، وقد خرج هارون الرشيد يوما يصيد، وأرسل الصقور والكلاب على الظباء بجانب الغريين فجادلتها (2) ساعة ثم لجأت الظباء إلى الاكمة فرجع الكلاب والصقور عنها فسقطت في ناحية، ثم هبطت الظباء من الاكمة فهبطت الصقور والكلاب ترجع إليها، فتراجعت الظباء إلى الاكمة فانصرفت عنها الصقور والكلاب، ففعلن ذلك ثلاثا، فتعجب هارون وسأل شيخا من بني أسد: ما هذه الاكمة: فقال: لي الامان ؟ قال: نعم، قال: فيها قبر الامام علي بن أبي طالب عليه السلام، فتوضأ هارون وصلى ودعا، ثم أظهر الصادق عليه السلام موضع قبره بتلك الاكمة (3). 34 - شا: روى الفضل بن دكين، عن حيان بن العباس، عن عثمان بن مغيرة قال: لما دخل شهر رمضان كان أمير المؤمنين عليه السلام يتعشى ليلة عند الحسن وليلة عند الحسين وليلة عند عبد الله بن العباس، وكان لا يزيد على ثلاث لقم، فقيل له ليلة من تلك الليالي في ذلك، فقال: يأتيني أمر الله وأنا خميص، إنما هي ليلة أو ليلتان، فاصيب عليه السلام آخر الليل (4).

 

(1) في المصدر بعد ذلك: ثم قال: رأيت رسول الله ايضا في منامي فشكوت إليه: ما لقيت من بنى امية من الاود واللدد وبكيت: فقال: لا تبك: فالتفت فإذا رجلان مصفدان وإذا جلاميد ترضح بها رؤسهما اه‍. وسيأتي عن الارشاد تحت الرقم 36. (2) في المصدر: فجاولتها. (3) الخرائج والجرائح: 21. (4) الارشاد للمفيد: 7.

 

[225]

35 - شا: روى إسماعيل بن زياد قال: حدثتني ام موسى خادمة علي عليه السلام وهي حاضنة فاطمة ابنته عليها السلام قالت: سمعت عليا عليه السلام يقول لابنته ام كلثوم: يا بنية إني أراني قل ما أصحبكم، قالت: وكيف ذلك يا أبتاه ؟ قال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه واله في منامي وهو يمسح الغبار عن وجهي ويقول: يا علي لا عليك قضيت (1) ما عليك، قال: فما مكثنا (2) إلا ثلاثا حتى ضرب تلك الضربة، فصاحت ام كلثوم، فقال: يا بنية لا تفعلي فإني أرى رسول الله صلى الله عليه واله يشير إلي بكفه ويقول: يا علي هلم إلينا فإن ما عندنا هو خير لك (3). كشف: من مناقب الخوارزمي مثله (4). 36 - شا: روى عمار الدهني عن أبي صالح الحنفي قال: سمعت عليا عليه السلام يقول: رأيت النبي صلى الله عليه واله في منامي فشكوت إليه ما لقيت من امته (5) من الاود و اللدد (6) وبكيت، فقال: لا تبك يا علي والتفت فالتفت (7) وإذا رجلان مصفدان وإذا جلاميد ترضح (8) بها رؤوسهما، قال أبو صالح: فغدوت إليه من الغد كما كنت أغدو إليه كل يوم، حتى إذا كنت في الجزارين لقيت الناس يقولون: قتل أمير المؤمنين (9).

 

(1) في المصدر: قد قضيت (2) في المصدر: فما مكث. وفي غير (ك) من النسخ: فما مكثا. والفاعل في قوله " قال " اسماعيل بن زياد. (3) الارشاد للمفيد: 7. (4) كشف الغمة: 130. (5) في المصدر: عن امته. (6) الاود: الكد والتعب. اللدد: الخصومة الشديدة. (7) فالتفت والتفت. (8) المصفد: المقيد بالحديد. الجلاميد جمع الجلمود: الصخر. ورضح رأسه بالحجر - بالمعجمة والمهملة كما في النسخ أو بالمعجمتين كما في المصدر -: رضه. (9) الارشاد للمفيد: 7 و 8. وفيه: قتل أمير المؤمنين قتل أمير المؤمنين. (*)

 

[226]

37 - نهج: قال عليه السلام في سحرة (1) اليوم الذي ضرب فيه: ملكتني عيني و أنا جالس فسنح لي (2) رسول الله صلى الله عليه واله فقلت: يا رسول الله ماذا لقيت من امتك من الاود واللدد، فقال: ادع عليهم، فقلت: أبدلني الله بهم خيرا منهم وأبدلهم بي شرا مني. قال الرضي رضي الله عنه: يعني بالاود الاعوجاج، وباللدد الخصام، وهذا من أفصح الكلام (3). 38 - شا: روى عبد الله بن موسى، عن الحسن بن دينار، عن الحسن البصري قال: سهر أمير المؤمنين عليه السلام في الليلة التي قتل في صبيحتها ولم يخرج إلى المسجد لصلاة الليل على عادته، فقالت له ابنته ام كلثوم رحمة الله عليها: ما هذا الذي قد أسهرك ؟ فقال: إني مقتول لو قد أصبحت، فأتاه ابن النباح فأذنه بالصلاة، فمشى غير بعيد ثم رجع، فقالت له ام كلثوم: مر جعدة فليصل بالناس، قال: نعم مروا جعدة فليصل، ثم قال: لا مفر من الاجل، فخرج إلى المسجد وإذا هو بالرجل قد سهر ليلته كلها يرصده، فلما برد السحر نام، فحركه أمير المؤمنين عليه السلام برجله فقال له: الصلاة ! فقام إليه فضربه. وفي حديث آخر: إن أمير المؤمنين عليه السلام قد سهر تلك الليلة، فأكثر الخروج والنظر إلى السماء وهو يقول: والله ما كذبت ولا كذبت، وإنها الليلة التي وعدت فيها، ثم عادوا (4) مضجعه، فلما طلع الفجر شد إزاره وخرج وهو يقول: اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك ولا تجزع من الموت إذا حل بواديك فلما خرج إلى صحن داره استقبلته الاوز فصحن في وجهه، فجعلوا يطردونهن

 

(1) السحرة بالضم: السحر الاعلى من آخر الليل. (2) أي مربى كما تسنح الظباء والطير. (3) نهج البلاغة (عبده ط مصر) 1: 128. (4) في المصدر: وعدت بها ثم يعاود.

 

[227]

فقال: دعوهن فإنهن نوائح، ثم خرج فاصيب (1). 39 - شا: كانت إمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد النبي صلى الله عليه واله ثلاثين سنة، منها أربعة وعشرون سنة وأشهر (2) ممنوعا من التصرف في أحكامها مستعملا للتقية و المداراة، ومنها خمس سنين وستة أشهر ممتحنا بجهاد المنافقين من الناكثين والقاسطين والمارقين ومضطهدا بفتن الضالين، كما كان رسول الله صلى الله عليه واله ثلاثة عشر سنة من نبوته ممنوعا من أحكامها خائفا ومحبوسا وهاربا ومطرودا، لا يتمكن من جهاد الكافرين ولا يستطيع دفعا عن المؤمنين، ثم هاجروا وأقام بعد الهجرة عشر سنين مجاهدا للمشركين ممتحنا بالمنافقين إلى أن قبضه الله إليه وأسكنه جنات النعيم، وكان وفاة أمير المؤمنين عليه السلام قبل الفجر ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلا بالسيف، قتله ابن ملجم المرادي لعنه الله في مسجد الكوفة، وقد خرج عليه السلام يوقظ الناس لصلاة الصبح ليلة تسع عشر من شهر رمضان، وقد كان ارتصده من أول الليل لذلك، فلما مر به في المسجد وهو مستخف بأمره مماكر بإظهار النوم في جملة النيام قام إليه (3) فضربه على ام رأسه بالسيف، وكان مسموما، فمكث يوم تسع عشر وليلة عشرين ويومها وليلة إحدى وعشرين إلى نحو الثلث الاول من الليل، ثم قضى نحبه عليه السلام شهيدا، ولقي ربه تعالى مظلوما، وقد كان يعلم ذلك قبل أوانه، ويخبر به الناس قبل زمانه، وتولى غسله وتكفينه ودفنه ابناه الحسن والحسين عليهما السلام بأمره، وحملاه إلى الغري من نجف الكوفة فدفناه هناك، وعفيا موضع قبره بوصية كانت منه إليهما في ذلك، لما كان يعلمه عليه السلام من دولة بني امية من بعده، واعتقادهم في عداوته، وما ينتهون إليه من سوء النيات فيه من قبح الفعال (4) والمقال بما تمكنوا من ذلك، فلم يزل قبره عليه السلام مخفيا حتى

 

(1) الارشاد للمفيد: 8. (2) في المصدر: وستة أشهر. (3) في المصدر: ثار إليه. (4) في المصدر: بسوء النيات فيه من قبيح الفعال.

 

[228]

دل عليه الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام في الدولة العباسية، وزاره عند وروده إلى أبي جعفر وهو بالحيرة، فعرفته الشيعة واستأنفوا إذ ذاك زيارته، صلى الله عليه وعلى ذريته الطاهرين، وكانت سنه يوم وفاته ثلاثا وستين سنة (1). 40 - كا: العدة، عن سهل، عن ابن يزيد أو غيره، عن سليمان كاتب علي ابن يقطين، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الاشعث بن قيس شرك في دم أمير المؤمنين عليه السلام، وابنته جعدة سمت الحسن عليه السلام، ومحمد ابنه شرك في دم الحسين عليه السلام (2). 41 - شا: من الاخبار الواردة بسبب قتله عليه السلام وكيف جرى الامر في ذلك ما رواه جماعة من أهل السير منهم أبو مخنف وإسماعيل بن راشد أبو هاشم (3) الرفاعي وأبو عمرو الثقفي وغيرهم أن نفرا من الخوارج اجتمعوا بمكة، فتذاكروا الامراء فعابوهم وعابوا أعمالهم (4)، وذكروا أهل النهروان وترحموا عليهم، فقال بعضهم لبعض: لو أنا شرينا أنفسنا لله فأتينا أئمة الضلال فطلبنا غرتهم وأرحنا منهم العباد والبلاد وثأرنا (5) بإخواننا الشهداء بالنهروان، فتعاهدوا عند انقضاء الحج على ذلك، فقال عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله: أنا أكفيكم عليا، وقال البرك بن عبيدالله التميمي: أنا أكفيكم معاوية، وقال عمرو بن بكر التميمي، أنا أكفيكم عمرو بن العاص، وتعاقدوا (6) على ذلك وتوافقوا (7) على الوفاء، واتعدوا شهر رمضان في ليلة تسع عشرة منه، ثم تفرقوا (8) فأقبل ابن ملجم لعنه الله - وكان

 

(1) الارشاد للمفيد: 5 و 6. (2) لم نظفر به في المصدر. (3) في المصدر: وأبو هاشم. (4) في المصدر: وعابوا عليهم اعمالهم (5) ثأر بالقتيل: طلب دمه. وفى المصدر: وارحنا منهم العباد والبلاد لله وثأرنا. (6) تعاهدوا خ ل. (7) في المصدر: وتواثقوا. (8) في المصدر: ثم تفرقوا على ذلك.

 

[229]

عداده في كندة - حتى قدم الكوفة، فلقي بها أصحابه فكتمهم أمره مخافة أن ينتشر منه شئ، فهو في ذلك إذ زار رجلا من أصحابه ذات يوم من تيم الرباب، فصادف عنده قطامة بنت الاخضر التيمية، وكان أمير المؤمنين عليه السلام قتل أباها وأخاها بالنهروان، وكانت من أجمل نساء أهل زمانها، فلما رآها ابن ملجم شغف بها و اشتد إعجابه بها، وسأل في نكاحها وخطبها، فقالت له: ما الذي تسمي لي من الصداق ؟ فقال لها: احتكمي ما بدالك، فقالت له: أنا محتكمة عليك ثلاثة آلاف درهم ووصيفا وخادما وقتل علي بن أبي طالب، فقال لها: لك جميع ما سألت، فأما قتل علي بن أبي طالب عليه السلام فأنى لي بذلك ؟ فقالت: تلتمس غرته، فإن أنت قتلته شفيت نفسي وهنأك العيش معي، وإن أنت قتلت فما عند الله خير لك من الدنيا، فقال: أما والله ما أقدمني هذا المصر - وقد كنت هاربا منه لا آمن مع أهله (1) - إلا ما سألتني من قتل علي بن أبي طالب، فلك ما سألت، قالت: فأنا طالبة لك بعض من يساعدك على ذلك ويقويك، ثم بعثت إلى وردان بن مجالد من تيم الرباب فخبرته الخبر، وسألته معونة ابن ملجم لعنه الله، فتحمل ذلك لها، و خرج ابن ملجم فأتى رجلا من أشجع يقال له شبيب بن بجرة، فقال (2): يا شبيب هل لك في شرف الدنيا والآخرة ؟ قال: وما ذاك ؟ قال: تساعدني على قتل علي بن أبي طالب، وكان شبيب على رأي الخوارج، فقال له: يا ابن ملجم هبلتك الهبول لقد جئت شيئا إدا، وكيف تقدر على ذلك ؟ فقال له ابن ملجم: نمكن له في المسجد الاعظم فإذا خرج لصلاة الفجر فتكنا به، فإن نحن قتلناه شفينا أنفسنا وأدركنا ثأرنا، فلم يزل به حتى أجابه، فأقبل معه حتى دخلا المسجد الاعظم على قطامة وهي معتكفة في المسجد الاعظم قد ضربت عليها قبة، فقالا لها: قد اجتمع رأينا على قتل هذا الرجل، فقالت لهما: إذا أردتما ذلك فائتياني في هذا

 

(1) في (ك): مع اهلي. (2) في المصدر: فقال له.

 

[230]

الموضع، فانصرفا من عندها، فلبثا أياما ثم أتياها ومعهما الآخر ليلة الاربعاء لتسعة عشرة [ليلة] خلت من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم، وتقلدوا أسيافهم، ومضوا وجلسوا مقابل السدة التي كان يخرج منها أمير المؤمنين عليه السلام إلى الصلاة، وقد كانوا قبل ذلك ألقوا إلى الاشعث ابن قيس ما في نفوسهم من العزيمة على قتل أمير المؤمنين عليه السلام، وواطأهم على ذلك وحضر الاشعث بن قيس في تلك الليلة لمعونتهم على ما اجتمعوا عليه، وكان حجر ابن عدي في تلك الليلة بائتا في المسجد، فسمع الاشعث يقول: يا ابن ملجم (1) النجاء النجاء لحاجتك فقد فضحك الصبح (2) فأحس حجر بما أراد الاشعث، فقال له: قتلته يا أعور ! وخرج مبادرا ليمضي إلى أمير المؤمنين عليه السلام ليخبره الخبرو يحذره من القوم، وخالفه أمير المؤمنين عليه السلام من الطريق فدخل المسجد. فسبقه ابن ملجم فضربه بالسيف. وأقبل حجر والناس يقولون: قتل أمير المؤمنين عليه السلام. وذكر عبد الله بن محمد الازدي قال: إني لاصلي في تلك الليلة في المسجد الاعظم مع رجال من أهل المصر كانوا يصلون في ذلك الشهر من أوله إلى آخره إذ نظرت إلى رجال يصلون قريبا من السدة، وخرج علي بن أبي طالب عليه السلام لصلاة الفجر، فأقبل ينادي: الصلاة الصلاة، فما أدري أنادى أم رأيت بريق السيوف، و سمعت قائلا يقول: لله الحكم لا لك يا علي ولا لاصحابك (3)، وسمعت عليا يقول: لا يفوتنكم الرجل، فإذا عليه السلام مضروب، وقد ضربه شبيب بن بجرة فأخطأه ووقعت ضربته في الطاق، وهرب القوم نحو أبواب المسجد، وتبادر الناس لاخذهم، فأما شبيب بن بجرة فأخذه رجل فصرعه وجلس على صدره، وأخذ السيف ليقتله (4)

 

(1) في المصدر: يقول لابن ملجم. (2) في المصدر فقد فضح الصبح. أي طلع. (3) في المصدر: لله الحكم يا على لا لك ولا لاصحابك. (4) في المصدر: وأخذ السيف من يده ليقتله اه‍

 

[231]

به فرأى الناس يقصدون نحوه، فخشي أن يعجلوا عليه ولم يسمعوا (1) منه، فوثب عن صدره وخلاه، وطرح السيف من يده، ومضى شبيب هاربا حتى دخل منزله ودخل عليه ابن عم له فرآه يحل الحرير عن صدره، فقال له: ما هذا لعلك قتلت أمير المؤمنين ؟ فأراد أن يقول لا، قال: نعم ! فمضى ابن عمه واشتمل على سيفه، ثم دخل عليه فضربه به حتى قتله، وأما ابن ملجم فإن رجلا من همدان لحقه فطرح عليه قطيفة كانت في يده، ثم صرعه وأخذ السيف من يده، وجاء به إلى أمير المؤمنين عليه السلام، وأفلت الثالث وانسل (2) بين الناس. فلما دخل (3) ابن ملجم على أمير المؤمنين عليه السلام نظر إليه ثم قال: النفس بالنفس، فإن أنا مت فاقتلوه كما قتلني، وإن أنا عشت رأيت فيه رأيي، فقال ابن ملجم: والله لقد ابتعته بألف وسممته بألف، فإن خانني فأبعده الله، قال: و نادته ام كلثوم: يا عدوالله قتلت أمير المؤمنين ؟ قال: إنما قتلت أباك، قالت: يا عدو الله إني لارجو أن لا يكون عليه بأس، قال لها: فأراك إنما تبكين علي إذا ؟ لقد والله ضربته ضربة لو قسمت على أهل الارض (4) لاهلكتهم، فاخرج من بين يديه عليه السلام وإن الناس ينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع، وهم يقولون: يا عدو الله ما فعلت (5) ؟ أهلكت امة محمد صلى الله عليه واله وقلت خير الناس، وإنه لصامت لم ينطق، فذهب به إلى الحبس، وجاء الناس إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقالوا له: يا أمير المؤمنين مرنا بأمرك في عدو الله، والله لقد أهلك الامة وأفسد الملة، فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام: إن عشت رأيت فيه رأيي، وإن أهلكت فاصنعوا به كما يصنع بقاتل النبي، اقتلوه ثم حرقوه بعد ذلك بالنار.

 

(1) في المصدر: ولا يسمعوا. (2) انسل من الزحام: انطلق في استخفاء. (3) في المصدر: ادخل. (4) في المصدر: بين اهل الارض. (5) في المصدر: ماذا فعلت.

 

[232]

قال فلما قضى أمير المؤمنين عليه السلام نحبه وفرغ أهله من دفنه جلس الحسن عليه السلام وأمر أن يؤتى بابن ملجم، فجئ به، فلما وقف بين يديه قال له: يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين وأعظمت الفساد في الدين، ثم أمر فضربت عنقه، واستوهبت ام الهيثم بنت الاسود النخعية جثته منه لتتولى إحراقها، فوهبها لها فأحرقتها بالنار. وفي أمر قطام وقتل أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (1). فلم أر مهرا ساقه ذو سماحة * كمهر قطام من فصيح وأعجمي (2) ثلاثة آلاف وعبد وقينة * وضرب علي بالحسام المسمم ولا مهر أغلى من علي وإن غلا * ولا فتك إلا دون فتك ابن ملجم وأما الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم في العقد على قتل معاوية وعمرو بن العاص فإن أحدهما ضرب معاوية وهو راكع، فوقعت ضربته في إليته ونجا منها واخذ وقتل من وقته، وأما الآخر فإنه وافى عمروا في تلك الليلة وقد وجد علة فاستخلف رجلا يصلي بالناس يقال له خارجة بن أبي حبيبة العامري، فضربه بسيفه وهو يظن أنه عمرو، فاخذ واتي به عمرو فقتله، ومات خارجة في اليوم الثاني (3). كشف: من مناقب الخوارزمي مرفوعا إلى إسماعيل بن راشد مثله (4). بيان: قال الجزري: لامك هبل أي ثكل، ومنه حديث علي عليه السلام " هبلتهم الهبول " أي ثكلتهم الثكول، وهي بفتح الهاء من النساء التي لا يبقى لها ولد، انتهى (5). والاد بالكسر: العجب والامر الفظيع والداهية والمنكر. أقول: قال ابن أبي الحديد: قال أبو الفرج: قال أبو مخنف: قال أبو زهير العبسي: فأما صاحب معاوية فإنه قصده، فلما وقعت عينه عليه ضربه، فوقعت

 

(1) في المصدر: يقول الشاعر. (2) في المصدر: من غنى ومعدم. (3) الارشاد للمفيد: 8 - 11. (4) كشف الغمة: 128 و 129. (5) النهاية 4: 227.

 

[233]

ضربته على إليته، فجاء الطبيب إليه فنظر إلى الضربة، فقال: إن السيف مسموم فاختر إما أن أحمي لك حديدة فأجعلها في الضربة، وإما أن أسقيك دواء فتبرأ و ينقطع نسلك، فقال: أما النار فلا اطيقها ! وأما النسل ففي يزيد وعبد الله ما يقر عيني ! وحسبي بهما، فسقاه الدواء فعوفي (1) ولم يولد له بعد ذلك، وقال البرك ابن عبد الله: إن لك عندي بشارة، قال: وماهي ؟ فأخبره خبر صاحبه وقال: إن عليا قتل في هذه الليلة، فاحتبسني عندك، فإن قتل فأنت ولي ما تراه في أمري وإن لم يقتل أعطيتك العهود والمواثيق أن أمضي (2) فأقتله ثم أعود إليك فأضع يدي في يدك حتى تحكم في بما ترى، فحبسه عنده، فلما أتى الخبر أن عليا قتل في تلك الليلة خلى سبيله. هذه رواية إسماعيل بن راشد، وقال غيره. بل قتله من وقته. وأما صاحب عمرو بن العاص فانه وافاه في تلك الليلة، وقد وجد علة، فاستخلف رجلا يصلي بالناس يقال له خارجة بن أبي حنيفة (3)، فخرج للصلاة، فشد عمرو بن بكر فضربه بالسيف فأثبته، فاخذ الرجل فاتي به عمرو بن العاص فقتله، ودخل من غد إلى خارجة وهو يجود بنفسه فقال: أما والله يا أبا عبد الله ما أراد غيرك، قال عمرو: ولكن الله أراد خارجة (4) ! وقال: قال أبو الفرج: حدثني محمد بن الحسين بإسناد ذكره أن الاشعث بن قيس لعنه الله دخل على علي عليه السلام فكلمه، فأغلظ علي له، فعرض الاشعث أنه سيفتك به، فقال له علي عليه السلام: أبالموت تخوفني أو تهددني ؟ فوالله ما ابالي وقعت على الموت أو وقع الموت علي.

 

(1) في المصدر بعد ذلك: وعالج جرحه حتى التأم اه‍. (2) في المصدر: أن امضى إليه اه‍. (3) في المصدر: خارجة بن حذافة احد بنى عامر بن لؤى. (4) شرح النهج 2: 65.

 

[234]

قال: وقال أبو الفرج الاصفهاني: روى أبو مخنف عن أبي الطفيل أن صعصعة بن صوحان استأذن على علي عليه السلام وقد أتاه عائدا لما ضربه ابن ملجم، فلم يكن عليه إذن فقال صعصعة للآذن: قل له: يرحمك الله يا أمير المؤمنين حيا وميتا، فلقد كان الله في صدرك عظيما، ولقد كنت بذات الله عليما، فأبلغه الآذن إليه (1) فقال: قل له: وأنت يرحمك الله فلقد كنت خفيف المؤنة كثير المعونة، قال أبو الفرج: ثم جمع له أطباء الكوفة، فلم يكن منهم أعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هاني السلولي وكان مطببا صاحب الكرسي يعالج الجراحات، وكان من الاربعين غلاما الذين كان ابن الوليد أصابهم في عين التمر فسباهم، فلما نظر أثير إلى جرح أمير المؤمنين عليه السلام دعا برية شاة حارة، فاستخرج منها عرقا ثم نفخه (2) ثم استخرجه وإذا عليه بياض الدماغ فقال: يا أمير المؤمنين اعهد عهدك فإن عدو الله قد وصلت ضربته إلى ام رأسك (3). 42 - شا: ابن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن رجاله قال: قيل: للحسين بن بن علي عليهما السلام: أين دفنتم أمير المؤمنين عليه السلام ؟ فقال: خرجنا به ليلا على مسجد الاشعث حتى خرجنا به إلى الظهر بجنب الغريين فدفناه هناك (4). 43 - يج: روي أن عليا عليه السلام دخل الحمام، فسمع صوت الحسن والحسين عليهما السلام فخرج إليهما فقال: ما لكما ؟ فقالا: اتبعك هذا الفاجر ابن ملجم فظننا أنه يغتالك، فقال لهما: دعاه لا بأس (5). 44 - قب: أبو بكر الشيرازي في كتابه عن الحسن البصري قال: أوصى علي عليه السلام عند موته للحسن والحسين عليهما السلام وقال لهما: إن أنامت فانكما ستجدان عند رأسي حنوطا من الجنة وثلاثة أكفان من استبرق الجنة، فغسلوني و

 

(1) في المصدر: فأبلغه الاذن مقالته. (2) في المصدر: وأدخله في الجرح ثم نفخه. (3) شرح النهج: 67 و 68. (4) الارشاد للمفيد: 12. (5) لم نجده في المصدر المطبوع.

 

[235]

حنطوني بالحنوط وكفنوني، قال الحسن عليه السلام: فوجدنا عند رأسه طبقا من الذهب عليه خمس شمامات (1) من كافور الجنة وسدرا من سدر الجنة، فلما فرغوا من غسله وتكفينه أتى البعير فحملوه على البعير بوصية منه. وكان قال: فسيأتي البعير إلى قبري فيقيم (2) عنده، فأتى البعير حتى وقف على شفير القبر، فوالله ما علم أحد من حفره، فالحد فيه بعد ما صلى عليه، وأظلت الناس غمامة بيضاء وطيور بيض، فلما دفن ذهبت الغمامة والطيور. وعن منصور بن محمد بن عيسى، عن أبيه، عن جده زيد بن علي، عن أبيه، عن جده الحسين بن علي عليهم السلام في خبر طويل يذكر فيه: اوصيكما وصية فلا تظهرا على أمري أحدا، فأمرهما أن يستخرجا من الزاوية اليمنى لوحا وأن يكفناه فيما يجدان، فإذا غسلاه وضعاه على ذلك اللوح، وإذا وجدا السرير يشال (3) مقدمه يشيلان مؤخره، وأن يصلي الحسن مرة والحسين مرة صلاة إمام، ففعلا كما رسم فوجدا اللوح وعليه مكتوب: " بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما ذخره نوح النبي صلى الله عليه لعلي بن أبي طالب عليه السلام " وأصابا الكفن في دهليز الدار موضوعا فيه حنوط قد أضاء نوره النهار. وروي أنه قال: الحسين عليه السلام وقت الغسل: أما ترى إلى خفة أمير المؤمنين ؟ فقال الحسن عليه السلام: يا أبا عبد الله إن معنا قوما يعينوننا. فلما قضينا صلاة العشاء الآخرة إذا قد شيل مقدم السرير، ولم يزل (4) نتبعه إلى أن وردنا إلى الغري، فأتينا إلى قبر على ما وصف (5) أمير المؤمنين عليه السلام و نحن نسمع خفق أجنحة كثيرة وضجة وجلبة، فوضعنا السرير وصلينا على أمير -

 

(1) الشمام: كل ما يشم من الروائح الطيبة. (2) في المصدر: فيقف. (3) شال الشئ: ارتفع. (4) في المصدر: ولم نزل. (5) في (ك): على ما وصفنا.

 

[236]

المؤمنين عليه السلام كما وصف لنا، ونزلنا قبره فأضجعناه في لحده، ونضدنا عليه اللبن. وفي الخبر عن الصادق عليه السلام: فأخذا اللبنة من عند الرأس بعد ما أشرجا عليه اللبن، فإذا ليس في القبر شئ، فإذا هاتف يهتف: أمير المؤمنين عليه السلام كان عبدا صالحا، فألحقه الله بنبيه، وكذلك يفعل بالاوصياء بعد الانبياء، حتى لو أن نبيا مات بالمشرق ومات وصيه بالمغرب لالحق النبي بالوصي (1) وفي خبر عن ام كلثوم بنت علي عليه السلام: فانشق القبر عن ضريح، فإذا هو بساجة مكتوب عليها بالسريانية: " بسم الله الرحمن الرحيم هذا قبر حفره نوح لعلي بن أبي طالب وصي محمد صلى الله عليه واله قبل الطوفان بسبع مائة سنة " فانشق القبر فلا ندري. (2) وسأل ابن مسكان الصادق عليه السلام عن القائم المائل في طريق الغري، فقال: نعم إنهم لما جاؤا بسرير أمير المؤمنين عليه السلام انحنى أسفا وحزنا على أمير - المؤمنين عليه السلام. وقال الغزالي: ذهب الناس إلى أن عليا عليه السلام دفن على النجف وأنهم حملوه على الناقة، فسارت حتى انتهت إلى موضع قبره، فبركت فجهدوا أن تنهض فلم تنهض فدفنوه فيه (3). 45 - قب: تفسير وكيع والسدي والسفيان وأبي صالح أن عبد الله بن عمر قرأ قوله تعالى: " أولم يروا أنا نأتي الارض ننقصها من أطرافها " (4) يوم قتل أمير المؤمنين عليه السلام وقال: لقد كنت يا أمير المؤمنين الطرف الاكبر في العلم، اليوم نقص علم الاسلام ومضى ركن الايمان. الزعفراني، عن المزني، عن الشافعي، عن مالك، عن سمي، عن أبي -

 

(1) في المصدر: لا لحق الوصي بالنبي. (2) كذا في النسخ والمصدر. (3) مناقب آل ابى طالب 1: 482 و 483. (4) سورة الرعد: 41.

 

[237]

صالح قال: لما قتل علي بن أبي طالب عليه السلام قال ابن عباس: هذا اليوم (1) نقص الفقه والعلم من أرض المدينة، ثم قال: إن نقصان الارض نقصان علمائها وخيار أهلها، إن الله لا يقبض هذا العلم انتزاعا ينتزعه من صدور الرجال، ولكنه يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا، فيسألوا فيفتوا بغير علم، فيضلوا وأضلوا. سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: " رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا " وقد كان قبر علي بن أبي طالب عليه السلام مع نوح في السفينة، فلما خرج من السفينة ترك قبره خارج الكوفة، فسأل نوح ربه المغفرة لعلي وفاطمة عليهما السلام قوله: " وللمؤمنين والمؤمنات " ثم قال: " ولا تزد الظالمين " يعني الظلمة لاهل بيت محمد صلى الله عليه واله " إلا تبارا (2) ". وروي أنه نزل فيه: " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون (3) ". أبو بكر بن مردويه في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وأبو بكر الشيرازي في نزول القرآن أنه قال سعيد بن المسيب: كان علي يقرأ " إذا انبعث أشقاها (4) " قال: فوالذي نفسي بيده لتخضبن هذه من هذا - وأشار بيده إلى لحيته ورأسه - وروى الثعلبي والواحدي بإسنادهما عن عمار وعن عثمان بن صهيب وعن الضحاك، وروى ابن مردويه بإسناده عن جابر بن سمرة وعن صهيب وعن عمار وعن ابن عدي وعن الضحاك والخطيب في التاريخ عن جابر بن سمرة، وروى الطبري والموصلي عن عمار، وروى أحمد بن حنبل عن الضحاك أنه قال النبي صلى الله عليه واله: يا علي أشقى الاولين عاقر الناقة وأشقى الآخرين قاتلك - وفي رواية: من يخضب هذه من هذا - وكان عبد الرحمن بن ملجم عداده من مراد قال ابن عباس: كان من ولد قدار عاقر ناقة صالح، وقصتهما

 

(1) في المصدر: هذا يوم. (2) سورة نوح: 28. (3) سورة الشعراء: 227. (4) سورة الشمس: 12.

 

[238]

واحدة، لان قدار عشق امرأة يقال لها رباب، كما عشق ابن ملجم لقطام. سمع ابن ملجم وهو يقول: لاضربن عليا بسيفي هذا، فذهبوا به إليه، فقال: ما اسمك ؟ قال: عبد الرحمن بن ملجم، قال: نشدتك بالله عن شئ تخبرني، قال: نعم، قال: هل مر عليك شيخ يتوكؤ على عصاه وأنت في الباب فمشقك (1) بعصاه ثم قال: بؤسا لك أشقى من عاقر ناقة ثمود ؟ قال: نعم، قال: هل كان الصبيان يسمونك ابن راعية الكلاب وأنت تلعب معهم ؟ قال: نعم، قال: هل أخبرتك امك أنها حملت بك وهى طامث، قال: نعم، قال: فبايع فبايع، ثم قال: خلوا سبيله. الحسن البصري أنه عليه السلام سهر في تلك الليلة ولم يخرج لصلاة الليل على عادته فقالت ام كلثوم: ما هذا السهر ؟ قال: إني مقتول لو قد أصبحت، فقالت: مر جعدة فليصل بالناس، قال: نعم مروا جعدة ليصل، ثم مر وقال: لا مفر من الاجل، و خرج قائلا: خلوا سبيل الجاهد المجاهد * في الله ذي الكتب وذي المجاهد (2) في الله لا يعبد غير الواحد * ويوقظ الناس إلى المساجد وروي أنه عليه السلام سهر في تلك الليلة فأكثر الخروج والنظر إلى السماء وهو يقول: والله ما كذبت، وإنها الليلة التي وعدت بها، ثم يعاود مضجعه، فلما طلع الفجر أتاه ابن النباح (3) ونادى: الصلاة، فقام فاستقبله الاوز فصحن في وجهه، فقال: دعوهن فإنهن صوائح تتبعها نوائح، وتعلقت حديدة على الباب في مئزره فشد إزاره وهو يقول: اشدد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك ولا تجزع من الموت إذا حل بواديك

 

(1) أي ضربك. (2) في المصدر: وذى المشاهد. (3) في المصدر: ابن التياح.

 

[239]

فقد أعرف أقواما وإن كانوا صعاليك مساريع إلى الخير وللشر مناديك (1) أبو مخنف الازدي وابن راشد والرفاعي والثقفي جميعا أنه اجتمع نفر من الخوارج بمكة فقالوا: إنا شرينا أنفسنا لله - وساق الحديث نحوا مما مر إلى قوله - واستعان ابن ملجم بشبيب بن بجرة، وأعانه رجل من وكلاء عمرو بن العاص بخط فيه مائة ألف درهم، فجعله مهرها، فأطعمت لهما اللوز ينج والجوز يبق، وسقتهما الخمر العكبري، فنام شبيب وتمتع ابن ملجم معها، ثم قامت فأيقظتهما، وعصبت صدورهم (2) بحرير، وتقلدوا أسيافهم، وكمنوا له مقابل السدة. وقال محمد بن عبد الله الازدي: أقبل أمير المؤمنين عليه السلام ينادي: الصلاة الصلاة فإذا هو مضروب، وسمعت قائلا يقول: الحكم لله يا علي لا لك ولا لاصحابك، و سمعت عليا عليه السلام يقول: فزت ورب الكعبة، ثم قال عليه السلام: لا يفوتنكم الرجل ثم ساق القصة إلى قوله -: وإن هلكت فاصنعوا به ما يصنع بقاتل النبي، فسئل عن معناه فقال: اقتلوه ثم حرقوه بالنار. فقال ابن ملجم: لقد ابتعته بألف وسممته بألف، فإن خانني فأبعده الله، ولقد ضربته لو قسمت بين أهل الارض لاهلكتهم. وفي محاسن الجوابات عن الدينوري أنه قال: سألت الله أن يقتل به شر خلقه فقال علي عليه السلام: قد أجاب الله دعوتك، يا حسن إذا مت فاقتله بسيفه، وروي أنه عليه السلام قال: أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره، فإن أصح فأنا ولي دمي، إن شئت أعفو وإن شئت استقدت (3) وإن هلكت فاقتلوه، ثم أوصى فقال: يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون: قتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن بي إلا قاتلي، ونهى عن المثلة. وروى أبو عثمان المازني أنه قال عليه السلام:

 

(1) في المصدر و (خ): متاريك. (2) في المصدر: صدورهما. (3) في المصدر: استنفذت.

 

[240]

تلكم قريش تمناني لتقتلني * فلا وربك ما فازوا وما ظفروا فإن بقيت فرهن ذمتي لهم * بذات ودقين لا يعفو لها أثر وإن هلكت فإني سوف اوترهم * ذل الممات فقد خانوا وقد غدروا وأمر الحسن عليه السلام أن يصلي الغداة بالناس، وروي أنه دفع في ظهره جعدة فصلى بالناس الغداة. الاصبغ في خبر أن عليا عليه السلام قال: لقد ضربت في الليلة التي قبض فيها يوشع بن نون، ولاقبض في الليلة التي رفع فيها عيسى بن مريم. الحسن بن علي عليه السلام في خبر: ولقد صعد بروحه في الليلة التي صعد فيها بروح يحيى بن زكريا (1). توضيح: قال الجزري في قوله عليه السلام: " بذات ودقين " أي حرب شديد، وهو من الودق، والوداق: الحرص على طلب الفحل، لان الحرب توصف باللقاح، و قيل: من الودق: المطر، يقال للحرب الشديدة ذات ودقين تشبيها بسحاب ذات مطرتين شديدتين (2). [أقول: في الديوان أنه عليه السلام قال حين خرج إلى المسجد: خلوا سبيل المؤمن المجاهد * في الله لا يعبد غير الواحد ويوقظ الناس إلى المساجد (3) وفيه أنه عليه السلام قال بعد قوله: " إذا حل بواديكا ": فإن الدرع والبيضة * يوم الروع يكفيكا كما أضحكك الدهر * كذاك الدهر يبكيكا إلى قوله: مساريع إلى النجدة * للغي متاريكا (4)]

 

(1) مناقب آل ابى طالب 2: 78 - 82. (2) النهاية 4: 202. (3) الديوان: 48. (4) الديوان: 90.

 

[241]

الحسن بن علي عليهما السلام: أين من كان لعلم المصطفى في الناس بابا أين من كان إذا ما قحط الناس سحابا أين من كان إذا نودي للحرب (1) أجابا أين من كان دعاه مستجابا ومجابا وله عليه السلام: خل العيون وما أردن * من البكاء على علي لا تقبلن من الخلي * فليس قلبك بالخلي لله أنت إذا الرحال * تضعضعت وسط الندي فرجت غمته ولم * تركن إلى فشل وعي وله عليه السلام: خذل الله خاذليه ولا أغمد عن قاتليه سيف الفناء زيد بن علي: قال الحسين عليه السلام: لما قتل أمير المؤمنين عليه السلام سمعت جنية ترثيه بهذه الابيات: لقد هد ركني أبو شبر * فما ذاقت العين طيب الوسن (2) ولا ذاقت العين طيب الكرى (3) * وألقيت دهري رهين الحزن وأقلقني طول تذكاره * حرارة ثكل الرقوب الشثن أنس بن مالك: وسمعت (4) صوت هاتف من الجن: يا من يؤم إلى المدينة قاصدا * أد الرسالة غير مامتوان قتلت شرار بني امية سيدا * خير البرية ماجدا ذا شان

 

(1) كذا في (ك). وفى غيره من النسخ وكذا المصدر: في الحرب. (2) الوسن: فتور ؟ ؟ يتقدم النوم. (3) الكرى: النعاس. (4) في المصدر: وسمع.

 

[242]

رب المفضل في السماء وأرضها * سيف النبي وهادم الاوثان بكت المشاعر والمساجد بعد ما * بكت الانام له بكل مكان وفي شرف النبوة أنه سمع منهم: لقد مات خير الناس بعد محمد * وأكرمهم فضلا وأوفاهم عهدا وأضربهم بالسيف في مهج العدى * وأصدقهم قيلا وأنجزهم وعدا صعصعة بن صوحان: إلى من لي بانسك يا أخيا * ومن لي أن أبثك ما لديا طوتك خطوب دهر قد توالى * لذاك خطوبه نشرا وطيا فلو نشرت قواك لي المنايا * شكوت إليك ما صنعت إليا بكيتك يا علي لدر عيني * فلم يغن البكاء عليك شيئا كفى حزنا بدفنك ثم إني * نفضت تراب قبرك من يديا وكانت في حياتك لي عظات * وأنت اليوم أوعظ منك حيا فيا أسفى عليك وطول شوقي * إلى لو أن ذلك رد شيئا (1) وله: هل خبر القبر سائليه * أم قر عينا بزائريه أم هل تراه أحاط علما * بالجسد المستكن فيه لو علم القبر من يواري * تاه على كل من يليه يا موت ماذا أردت مني * حققت ما كنت أتقيه يا موت لو تقبل افتداء * لكنت بالروح أفتديه دهر رماني بفقد إلفي * أذم دهري وأشتكيه أبو الأسود الدئلي: ألا يا عين ويحك فاسعدينا * ألا أبكي أمير المؤمنينا رزئنا خير من ركب المطايا * وحثحثها ومن ركب السفينا

 

(1) هكذا في النسخ والمصدر. والظاهر: اليك اه‍.

 

[243]

ومن لبس النعال ومن حذاها * ومن قرأ المثاني والمئينا (1) إذا استقبلت وجه أبي حسين * رأيت البدر راق الناظرينا يقيم الحد لا يرتاب فيه * ويقضي بالفرائض مستبينا ألا أبلغ معاوية بن حرب * فلا قرت عيون الشامتينا أفي الشهر الحرام فجعتمونا * بخير الناس طرا أجمعينا ومن بعد النبي فخير نفس * أبو حسن وخير الصالحينا كأن الناس إذ فقدوا عليا * نعام جال في بلد سنينا وكنا قبل مهلكه بخير * ترى فينا وصي المسلمينا فلا والله لا أنسى عليا * وحسن صلاته في الراكعينا لقد علمت قريش حيث كانت (2) * بأنك خيرهم حسبا ودينا فلا تشمت معاوية بن حرب * فإن بقية الخلفاء فينا لبعض الصحابة: دعوتك يا علي فلم تجبني * وردت دعوتي بأسا عليا بموتك ماتت اللذات عني * وكانت حية إذ كان (3) حيا فيا أسفا عليك وطول شوقي * إليك لو أن ذلك رد ليا (4) بيان: قوله عليه السلام: " لا تقبلن من الخلي " أي لا تقبل ترك البكاء من الخلي الذي ينصحك في ذلك، فإنك لست مثله. والندي على فعيل: القوم المجتمعون والخطاب في هذا البيت لامير المؤمنين عليه السلام. وقال الجوهري: الرقوب: المرأة التي لا يعيش لها ولد (5). ويقال: شثنت كفه أي غلظت، ولعله تصحيف الشنن من شن الماء أي فرقه، كناية عن كثرة البكاء، قوله: " رب المفضل " لعله بمعنى

 

(1) في المصدر: والمبينا. (2) في المصدر: حين كانت. (3) إذ كنت ظ (ب). (4) مناقب آل ابى طالب 2: 82 و 83. وقوله " ردليا " أي رد إلى. (5) الصحاح: 138.

 

[244]

المربوب، والظاهر أن فيه تصحيفا. وحثحث: حرك. والسفين: جمع السفينة. 46 - كشف: قال محمد بن طلحة: قد صح النقل أنه ضربه عبد الرحمن بن ملجم ليلة الجمعة، لكن قيل: لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان، وقيل: لتسع عشرة ليلة، وقد نقله جماعة، وقيل: ليلة الحادي والعشرين من رمضان، وقيل: ليلة الثالث والعشرين منه، ومات ليلة الاحد ثالث ليلة ضرب من سنة أربعين للهجرة فيكون عمره خمسا وستين سنة، وقيل: بل كان ثلاثا وستين، وقيل: بل ثمان وخمسين، وقيل: بل كان سبعا وخمسين سنة، وأصح هذه الاقوال هو القول الاول فإنه عضده (1) ما نقل عن معروف قال: سمعت من أبي جعفر محمد بن علي الرضا سلام الله عليهما يقول: قتل علي (2) وله خمس وستون سنة، فهذه مدة عمره، فلما مات عليه السلام غسله الحسن والحسين عليهما السلام ومحمد يصب الماء، ثم كفن وحنط وحمل ودفن في جوف الليل بالغري، وقيل: بين منزله والجامع الاعظم والله أعلم، قال: وإذا كانت مدة عمره عليه السلام خمسا وستين سنة على ما ظهر فاعلم منحك الله ألطاف تأييده أنه عليه السلام كان بمكة مع رسول الله صلى الله عليه واله من أول عمره خمسا وعشرين سنة فمنها بعد البعث والنبوة ثلاث عشرة سنة، وقبلها اثنا عشر سنة ثم هاجر وأقام مع النبي صلى الله عليه واله بالمدينة إلى أن توفي عشر سنين، ثم بقي بعد رسول الله إلى أن قتل ثلاثين سنة، فذلك خمس وستون سنة (3). ومن مناقب الخوارزمي قال: لما ضرب علي عليه السلام تحامل وصلى بالناس الغداة، وقال: علي بالرجل، فادخل عليه، فقال: أي عدو الله ألم احسن إليك ؟ قال: بلى، قال: فما حملك على هذا ؟ قال: شحذته أربعين صباحا وسألت الله أن يقتل به شر خلقه، قال علي عليه السلام: فلا أراك إلا مقتولا به، وما أراك إلا من شر

 

(1) في المصدر: يعضده. (2) في المصدر: قتل على بن ابى طالب. (3) كشف الغمة: 131.

 

[245]

خلق الله عزوجل. قال: ودعا علي حسنا وحسينا فقال: اوصيكما بتقوى الله ولا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تبكيا على شئ زوي عنكما، قولا (1) بالحق، وارحما اليتيم، وأعينا الضائع، واصنعا للاخرى، وكونا للظالم خصما وللمظلوم ناصرا، اعملا بما في الكتاب (2) ولا تأخذكما في الله لومة لائم. ثم نظر إلى محمد بن الحنفية فقال: هل حفظت ما أوصيت به أخويك ؟ قال: نعم، قال: فإني اوصيك بمثله، واوصيك بتوقير أخويك لعظيم (3) حقهما عليك فلا توثق أمرا دونهما، ثم قال: اوصيكما به فإنه شقيقكما وابن أبيكما، وقد علمتما أن أباكما كان يحبه، وقال للحسن: اوصيك يا بني بتقوى الله وإقام الصلاة لوقتها، وإيتاء الزكاة عند محلها، فإنه لاصلاة إلا بطهور، ولا يقبل (4) الصلاة ممن منع الزكاة، واوصيك بعفو الذنب وكظم الغيظ وصلة الرحم، والحلم عن الجاهل، والتفقه في الدين، والتثبت في الامر (5) والتعاهد للقرآن، وحسن الجوار، والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجتناب الفواحش، فلما حضرته الوفاة أوصى وكانت وصيته: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب عليه السلام (6). أقول: وساق الحديث إلى آخر ما سيأتي في رواية الكليني ثم قال: ولم ينطق إلا بلا إله إلا الله حتى قبض عليه السلام في شهر رمضان سنة أربعين، و غسله الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، وكفن في ثلاثة أثواب، ليس فيها

 

(1) في المصدر: وقولا. (2) في المصدر: في كتاب الله. (3) في المصدر: لعظم. (4) في المصدر: ولا تقبل. (5) في المصدر: الامور خ ل. (6) كشف الغمة: 129.

 

[246]

قميص، وكبر عليه الحسن تسع تكبيرات، وكان عليه السلام نهى عن المثلة (1) فقال: يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين (2) تقولون: قتل أمير المؤمنين ألا لا يقتل (3) بي إلا قاتلي، انظر يا حسن إن أنامت من ضربتي هذه فاضربه ضربة، ولا تمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور. فلما قبض عليه السلام بعث الحسن عليه السلام إلى ابن ملجم فقتله، ولفه الناس في البواري وأحرقوه، وكان أنفذ إلى الحسن عليه السلام يقول: إني والله ما أعطيت الله عهدا إلا وفيت به، إني عاهدت الله أن أقتل عليا ومعاوية أو أموت دونهما، فإن شئت خليت بيني وبينه ولك الله علي أن أقتله، وإن قتلته وبقيت لآتينك حتى أضع يدي في يدك، فقال: لا والله حتى تعاين النار، ثم قدمه فقتله (4). 47 - كا: علي بن محمد، عن سهل، عن محمد بن عبد الحميد، عن الحسن بن الجهم قال: قلت للرضا عليه السلام: إن أمير المؤمنين عليه السلام قد عرف قاتله والليلة التي يقتل فيها والموضع الذي يقتل فيه وقوله لما سمع صياح الاوز في الدار: " صوائح تتبعها نوائح " وقول ام كلثوم: " لو صليت الليلة داخل الدار وأمرت غيرك يصلي بالناس " فأبى عليها وكثر دخوله وخروجه تلك الليلة بلا سلاح، وقد عرف عليه السلام أن ابن ملجم قاتله بالسيف كان هذا مما لم يجز تعرضه ؟ ! فقال: ذلك كان ولكنه خير تلك (5) الليلة لتمضي مقادير الله عزوجل (6). بيان: في بعض النسخ " خير " بالخاء المعجمة أي خير بين البقاء واللقاء

 

(1) في المصدر: نهى الحسن عن المثلة. (2) في المصدر: تخوضون في دماء المسلمين خوضا اه‍. (3) في المصدر: لا يقتلن. (4) كشف الغمة: 130. (5) في المصدر: في تلك. (6) اصول الكافي (الجزء الاول من الطبعة الحديثة): 259.

 

[247]

فاختار اللقاء، وفي بعضها بالحاء المهملة أي انسي ذلك الوقت، وفي بعضها بالحاء المهملة والنون (1) أي كان موقتا معلوما متيقنا عنده، فكان لا ينفعه الفرار، وفي بعض الاحتمالات اللام لام العاقبة في قوله: لتمضي. 48 - كا: العدة، عن البرقي، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة عن عمرو بن شمر، عن عبد الله بن الوليد الجعفي، عن رجل، عن أبيه قال لما اصيب أمير المؤمنين عليه السلام نعى الحسن إلى الحسين عليهما السلام وهو بالمدائن: فلما قرأ الكتاب قال: يا لها من مصيبة ما أعظمها ! مع أن رسول الله صلى الله عليه واله قال: من اصيب منكم بمصيبة فليذكر مصابه بي (2) فإنه لن يصاب بمصيبة أعظم منها، وصدق صلى الله عليه واله (3). 49 - كا: العدة، عن البرقي، عن السندي بن محمد، عن محمد بن الصلت، عن أبي حمزة، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: صلى أمير المؤمنين عليه السلام الفجر ثم لم يزل في موضعه حتى صارت الشمس على قيد (4) رمح، وأقبل على الناس بوجهه فقال: والله لقد أدركت أقواما يبيتون لربهم سجدا وقياما، يخالفون بين جباههم وركبهم، كأن زفير النار في آذانهم، إذا ذكر الله عندهم مادوا كما يميد الشجر كأنما القوم [ما] باتوا غافلين، قال: ثم قام فما رئي ضاحكا حتى قبض عليه السلام (5). 50 - ما: جماعة، عن أبي المفضل، عن جعفر بن محمد العلوي، عن ابن نهيك عن ابن جبلة، عن حميد بن شعيب الهمداني، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما احتضر أمير المؤمنين عليه السلام جمع بنيه حسنا وحسينا وابن الحنفية والاصاغر من ولده فوضاهم، وكان في آخر وصيته: يا بني عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنوا إليكم، وإن فقدتم بكوا عليكم، يا بني إن القلوب جنود مجندة

 

(1) يعنى عوض الراء أي " حين " (ب). (2) في (ك): مصائبي. (3) فروع الكافي (الجزء الثالث من الطبعة الحديثة): 220 و 221. (4) في (ك): قدر. (5) اصول الكافي (الجزء الثاني من الطبعة الحديثة): 236.

 

[248]

تتلاحظ بالمودة وتتناجى بها، وكذلك هي في البغض، فإذا أحببتم الرجل من غير خير سبق منه إليكم فارجوه، وإذا أبغضتم الرجل من غير سوء سبق منه إليكم فاحذروه (1). 51 - كا: أبو علي الاشعري، عن محمد بن عبد الجبار، ومحمد بن إسماعيل عن الفضل، عن صفوان، عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: بعث إلي أبو الحسن موسى عليه السلام بوصية أمير المؤمنين عليه السلام (2): بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب أوصى أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله عليه وآله، ثم إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك امرت وأنا من المسلمين. ثم إني اوصيك يا حسن وجميع أهل بيتي وولدي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ربكم، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام وإن المبيرة الحالقة للدين فساد ذات البين، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، انظروا ذوي أرحامكم فصلوهم يهون الله عليكم الحساب. الله الله في الايتام، فلا تغيروا (3) أفواههم، ولا تضيعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: " من عال يتيما حتى يستغني أوجب الله عزوجل له بذلك الجنة، كما أوجب الله لآكل مال اليتيم النار ".

 

(1) امالي ابن الشيخ: 27. (2) الوصية المذكورة في المتن هي الوصية الثانية له عليه السلام كما في المصدر، ولم يذكر الاولى لانه ذكرها في باب صدقاته ومواليه عليه السلام تحت الرقم 4 وكذا في باب سخائه عليه السلام ج 41 ص 39 و 40. (3) في المصدر: فلا تغبوا افواههم ولا يضيعوا. (*)

 

[249]

الله الله في القرآن، فلا يسبقكم إلى العمل به أحد غيركم. الله الله في جيرانكم، فإن النبي صلى الله عليه واله أوصى بهم، وما زال رسول الله صلى الله عليه واله يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم. الله الله في بيت ربكم، فلا يخلو منكم ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا و أدنى ما يرجع به من أمه أن يغفر له ما سلف. الله الله في الصلاة فإنها خير العمل وإنها عمود دينكم. الله الله في الزكاة فإنها تطفئ غضب ربكم. الله الله في شهر رمضان فإن صيامه جنة من النار. الله الله في الفقراء والمساكين فشاركوهم في معائشكم. الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، فإنما يجاهد رجلان: إمام هدى أو مطيع له مقتد بهداه. الله الله في ذرية نبيكم فلا يظلمن بحضرتكم وبين ظهرانيكم وأنتم تقدرون على الدفع عنهم. الله الله في أصحاب نبيكم الذين لم يحدثوا حدثا ولم يؤوا محدثا، فإن رسول الله صلى الله عليه واله أوصى بهم ولعن المحدث منهم ومن غيرهم والمؤوي للمحدث. الله الله في النساء وفيما ملكت أيمانكم، فإن آخر ما تكلم به نبيكم صلى الله عليه واله أن قال: " اوصيكم بالضعيفين: النساء وما ملكت أيمانكم ". الصلاة الصلاة الصلاة، لا تخافوا في الله لومة لائم، يكفيكم (1) الله من آذاكم و [من] بغى عليكم، قولوا للناس حسنا كما أمركم الله عزوجل، ولا تتركوا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولي الله أمركم شراركم، ثم تدعون فلا يستجاب لكم عليهم، وعليكم يا بني بالتواصل والتباذل والتبار، وإياكم والتقاطع و التدابر والتفرق، وتعاونوا (2) على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان

 

(1) في المصدر: يكفكم. (2) في المصدر: " تعانوا " في الموضعين.

 

[250]

واتقوا الله إن الله شديد العقاب، حفظكم الله من أهل بيت وحفظ فيكم نبيكم أستودعكم الله وأقرأ عليكم السلام ورحمة الله (1). ثم لم يزل يقول: " لا إله إلا الله " حتى قبض صلوات الله عليه ورحمته في ثلاث ليال من العشر الاواخر ليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان ليلة الجمعة سنة أربعين من الهجرة، وكان ضرب ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان (2). 52 - يه: روي عن سليم بن قيس الهلالي قال: شهدت وصية علي بن أبي طالب عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام وأشهد على وصيته الحسين عليه السلام ومحمدا وجميع ولده وجميع رؤساء أهل بيته وشيعته عليهم السلام، ثم دفع إليه الكتاب والسلاح، ثم قال عليه السلام: يا بني أمرني رسول الله صلى الله عليه واله أن اوصي إليك وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي، كما أوصى إلي رسول الله صلى الله عليه واله ودفع إلي كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعه إلى أخيك الحسين عليه السلام، ثم أقبل (3) على ابنه الحسين عليه السلام فقال: وأمرك رسول الله صلى الله عليه واله أن تدفعه إلى ابنك علي بن الحسين، ثم أقبل على (4) علي بن الحسين عليه السلام فقال: وأمرك رسول الله صلى الله عليه واله أن تدفع وصيتك إلى ابنك محمد بن علي، فأقرأه من رسول الله صلى الله عليه واله ومني السلام، ثم أقبل على ابنه الحسن عليه السلام فقال: يا بني أنت ولي الامر بعدي وولي الدم، فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربة مكان ضربة، ولا تأثم، ثم قال: اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما أوصى به علي بن أبي طالب عليه السلام، ثم ساق الحديث إلى آخر ما رواه الكليني (5).

 

(1) في المصدر: ورحمة الله وبركاته. (2) فروع الكافي (الجزء السابع من الطبعة الحديثة): 51 و 52. والسند مذكور في صفحة 49. (3) في المصدر: قال ثم اقبل. (4) في المصدر: قال ثم اقبل على ابنه اه‍. (5) من لا يحضره الفقيه: 523 و 524.

 

[251]

ايضاح: قال الفيروز آبادي: الحالقة: الخصلة التي من شأنها أن تحلق أي تهلك وتستأصل الدين كما يستأصل الموسى الشعر (1). وقال ابن أبي الحديد بعد إيراد تلك الوصية في شرح نهج البلاغة: قوله: " فلا تغيروا أفواههم " يحتمل تفسيرين: أحدهما لا تجيعوهم فإن الجائع فمه تتغير نكهته (2)، والثاني لا تحوجوهم إلى تكرار الطلب والسؤال، فإن السائل ينضب ريقه وتنشف لهواته وتتغير ريح فمه، انتهى (3). قوله عليه السلام: " لم تناظروا " أي لم تمهلوا، بل ينزل عليكم العذاب من غير مهلة. وقال الجزري: في حديث المدينة: " من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا " الحدث: الامر الحادث المنكر الذي ليس بمعتاد ولا معروف في السنة، والمحدث يروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول، فمعنى الكسر: من نصر جانيا و آواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه، وبالفتح هو الامر المبتدع نفسه، ويكون معنى الايواء فيه الرضى به والصبر عليه، فإنه إذا رضي بالبدعة و أقر فاعلها عليها ولم ينكرها فقد آواها، انتهى (4). قوله عليه السلام: " وحفظ فيكم نبيكم " أي جعل الناس بحيث يرعون فيكم حرمته صلى الله عليه واله، أو حفظ سننه وأطواره صلى الله عليه واله فيكم، أو يحفظكم لانتسابكم إليه صلى الله عليه واله والاول أظهر. 53 - كا: علي بن محمد رفعه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لما غسل أمير المؤمنين عليه السلام نودوا من جانب البيت: إن أخذتم مقدم السرير كفيتم مؤخره، وإن أخذتم

 

(1) هذا المعنى غير مذكور في القاموس، وذكره في النهاية 1: 251. (2) في المصدر: يخلف فمه ويتغير نكهته. (3) شرح النهج 2: 69. (4) النهاية 1: 207. وفيه: واقر فاعلها ولم ينكر عليه فقد آواه.

 

[252]

مؤخره كفيتم مقدمه (1). 54 - نبه: محمد بن الحسن القضباني (2)، عن إبراهيم بن محمد بن مسلم الثقفي عن عبد الله بن بلح المنقري، عن شريك، عن جابر، عن أبي حمزة اليشكري، عن قدامة الاودي، عن إسماعيل بن عبد الله الصلعي - وكان (3) له صحبة - قال: لما كثر الاختلاف بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وقتل عثمان بن عفان تخوفت على نفسي الفتنة، فاعتزمت على اعتزال الناس، فتنحيت إلى ساحل البحر فأقمت فيه حينا لا أدري ما فيه الناس (4)، فخرجت من بيتي لبعض حوائجي وقد هدأ الليل ونام الناس، فإذا أنا برجل على ساحل البحر يناجي ربه ويتضرع إليه بصوت أشج (5) وقلب حزين، فآنست (6) إليه من حيث لا يراني، فسمعته يقول: يا حسن الصحبة يا خليفة النبيين يا أرحم الراحمين، البدئ البديع الذي ليس مثلك (7) شئ، والدائم غير الغافل، والحي الذي لا يموت، أنت كل يوم في شأن، أنت خليفة محمد صلى الله عليه واله و ناصر محمد ومفضل محمد، أسألك (8) أن تنصر وصي محمد وخليفة محمد والقائم بالقسط بعد محمد، اعطف عليه بنصر أو توفه برحمة.

 

(1) اصول الكافي (الجزء الاول من الطبعة الحديثة) 1: 457. (2) في المصدر و (ت): القصبانى. (3) في المصدر: وكانت. (4) في المصدر بعد ذلك: معتزلا لاهل الهجر والارجاف اه‍. (5) كذا في (ك). وفى غيره من النسخ " شج ". والصحيح كما في المصدر: شجى. أي حزين. (6) كذا في (ك): وفى غيره من النسخ " فأنصت ". وفى المصدر: فنضت إليه وأصغيت إليه. (7) في هامش (ك): كمثله خ ل. (8) في المصدر: أنت الذى أسألك اه‍.

 

[253]

قال: ثم رفع رأسه وجلس بقدر التشهد (1) ثم إنه سلم فيما أحسب تلقاء وجهه، ثم مضى فمشى على الماء، فناديته من خلفه: كلمني يرحمك الله، فلم يلتفت وقال: الهادي خلفك فاسأله عن أمر دينك، قال: قلت: من هو يرحمك الله ؟ قال: وصي محمد صلى الله عليه واله من بعده، فخرجت متوجها إلى الكوفة فأمسيت دونها، فبت قريبا من الحيرة، فلما جن لي (2) الليل إذ أنا برجل قد أقبل حتى استتر برابية (3)، ثم صف قدميه فأطال المناجاة، فكان فيما قال: اللهم إني سرت فيهم بما أمرني رسولك وصفيك فظلموني، وقتلت المنافقين كما أمرتني فجهلوني. وقد مللتهم وملوني و أبغضتهم وأبغضوني، ولم تبق خله أنتظرها إلا المرادي، اللهم فعجل له الشقاء (4) وتغمدني بالسعادة، اللهم قد وعدني نبيك أن تتوفاني إليك إذا سألتك، اللهم وقد رغبت إليك في ذلك، ثم مضى، فتبعته (5) فدخل منزله، فإذا هو علي بن أبي طالب عليه السلام قال: فلم ألبث إذ نادى المنادي بالصلاة، فخرج وتبعته حتى دخل المسجد فعمه ابن ملجم لعنه الله بالسيف (6). 55 - نبه: لما احتضر أمير المؤمنين عليه السلام جمع بنيه حسنا وحسينا ومحمد بن الحنفية والاصاغر من ولده فوصاهم (7) وكان في آخر وصيته: يا بني عاشروا الناس عشرة إن غبتم حنوا إليكم وإن فقدتم بكوا عليكم، يا بني إن القلوب جند (8) مجندة تتلاحظ بالمودة وتتناجى بها، وكذلك هي في البغض، فإذا أحسستم من

 

(1) في المصدر: وقعد مقدار التشهد. (2) كذا في (ك). وفي غيره من النسخ " جننى ". وفي المصدر: اجننى. (3) الرابية: ما ارتفع من الارض. (4) في المصدر: الشقاوة. (5) في المصدر: فقفوته. (6) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 2: 2 و 3. (7) في المصدر: فوصى لهم. (8) في المصدر، جنود.

 

[254]

أحد في قلبكم شيئا فاحذروه (1). 56 - د: قال الواقدي: آخر كلمة قالها أمير المؤمنين عليه السلام: يا بني إذا مت فالحقوا بي ابن ملجم لعنه الله اخاصمه عند رب العالمين، ثم قرأ: " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (2) " ولما توفي عليه السلام غسله ابناه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر، وقيل: محمد بن الحنفية، وقيل: إنه لم يغسل لانه سيد الشهداء، قيل: كفن في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة وكان عنده من بقايا حنوط رسول الله صلى الله عليه واله، فحنطوه بها، وصلى عليه ولده الحسن عليه السلام، وكبر عليه خمسا، وقيل: ستا، وقيل، سبعا (3). 57 - نهج: من كلام له عليه السلام قبيل موته على سبيل الوصية: وصيتي لكم أن تشركوا بالله شيئا، ومحمد صلى الله عليه واله فلا تضيعوا سنته، أقيموا هذين العمودين، وخلاكم ذم، أنا بالامس صاحبكم واليوم عبرة لكم وغدا مفارقكم إن أبق فأنا ولي دمي وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعف فالعفو لي قربة وهو لكم حسنة، فاعفوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ؟ والله ما فجأني من الموت وارد كرهته ولا طالع أنكرته، وما كنت إلا كقارب ورد وطالب وجد، وما عند الله خير للابرار. وقد مضى بعض هذا الكلام فيما تقدم من الخطب، إلا أن فيه ههنا زيادة أوجبت تكراره. ومن وصية له عليه السلام بما يعمل في أمواله كتبها بعد منصرفه من صفين: هذا ما أمر به عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين في ماله ابتغاء وجه الله، ليولجني به الجنة ويعطيني الامنة منها، وإنه يقوم بذلك الحسن بن علي يأكل منه بالمعروف وينفق منه في المعروف، فإن حدث بحسن حدث وحسين حي

 

(1) تنبيه الخواطر ونزهة النواظر 2: 75. وفيه، فإذا احببتم الرجل من غير خير سبق منه اليكم فارجوه، فإذا ابغضتم الرجل من غير سوء سبق منه اليكم فاحذروه. (2) سورة الزلزال: 7 و 8. (3) مخطوط.

 

[255]

قام بالامر بعده، وأصدر مصدره، وإن لابني فاطمة (1) من صدقة علي مثل الذي لبني علي، وإني إنما جعلت القيام بذلك إلى ابني فاطمة ابتغاء وجه الله وقربة إلى رسول الله صلى الله عليه واله وتكريما لحرمته وتشريفا لوصلته، ويشترط على الذي يجعله إليه أن يترك المال على اصوله وينفق من ثمره حيث امر به وهدي له، وأن لا يبيع من أولاد نخيل هذه القرى ودية حتى تشكل أرضها غراسا، ومن كان من إمائي اللاتي أطوف عليهن لها ولد أو هي حامل فتمسك على ولدها وهي حظه، فإن مات ولدها وهي حية فهي عتيقة، قد أفرج عنها الرق وحررها (2) العتق. قوله عليه السلام في هذه الوصية: " وأن لا يبيع من نخلها ودية " الودية: الفسيلة وجمعها ودي. وقوله عليه السلام: " حتى تشكل أرضها غراسا " هو من أفصح الكلام، والمراد به أن الارض يكثر فيها غرائس النخل حتى يراها الناظر على غير تلك الصفة التي عرفها بها، فيشكل عليه أمرها ويحسبها غيرها (3). بيان: قال الجزري في حديث علي عليه السلام: " خلاكم ذم ما لم تشردوا " يقال افعل ذلك وخلاك ذم، أي اعذرت وسقط عنك الذم (4). قال ابن أبي الحديد: لقائل أن يقول: إذا أوصاهم بالتوحيد واتباع سنة النبي صلى الله عليه واله فقد دخل فيهما جميع ما يجب أن يفعل، ففي أي شئ يقول " وخلاكم ذم " ؟ والجواب أن كثيرا من الصحابة والتابعين كانوا قد كلفوا أنفسهم امورا شاقة جدا، فمنهم من كان يقوم الليل كله، ومنهم من كان يصوم الدهر كله، ومنهم تارك النكاح، ومنهم تارك المطاعم والملابس، وكانوا يتفاخرون بذلك ويتنافسون، فأراد عليه السلام أن المهم الاعظم القيام بالتوحيد والسنن المؤكدة المعلومة من دين محمد

 

(1) في المصدر: لبنى فاطمة. (2) في (ك): وحضرها. (3) نهج البلاغة (عبده ط مصر) 2: 21 - 23. (4) النهاية 1: 319.

 

[256]

صلى الله عليه وآله ولا عليكم بالاخلال بما عدا ذلك (1) وقال الخليل: القارب: طالب الماء ليلا. قوله عليه السلام: " بالمعروف " أي من غير إسراف وتقتير. قوله: " في المعروف " أي في وجوه البر، والضمير في قوله: " مصدره " إما راجع إلى الامر أو إلى الحسن عليه السلام. قوله عليه السلام: " أن يترك المال على اصوله " كناية عن عدم إخراجه ببيع أو هبة أو غيرهما من وجوه الاملاك. و الودية: النخلة الصغيرة. 78 - نهج: من وصيته للحسن والحسين عليهما السلام لما ضربه ابن ملجم لعنه الله و أخزاه: اوصيكما بتقوى الله وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما، ولا تأسفا على شئ منها زوي عنكما، وقولا بالحق واعملا للآخرة (2) وكونا للظالم خصماو للمظلوم عونا. اوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم وصلاح ذات بينكم، فإني سمعت جدكما صلى الله عليه واله يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام، الله الله في الايتام فلا تغبوا أفواههم ولا يضيعوا بحضرتكم، والله الله في جيرانكم فإنه وصية نبيكم، ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنه سيورثهم والله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غير كم، والله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم والله الله في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم، فإنه إن ترك لم تناظروا، والله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله، وعليكم بالتواصل والتباذل، وإياكم والتدابر والتقاطع، لا تتركوا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى عليكم أشراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم. ثم قال: يا بني عبد المطلب لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضا تقولون: قتل أمير المؤمنين، ألا لا يقتلن (3) بي إلا قاتلي، انظروا إذا أنامت من ضربته هذه

 

(1) شرح النهج 3: 647 و 648. وقد نقله ملخصا. (2) في المصدر: للاجر. (3) في المصدر: لا تقتلن.

 

[257]

فاضربوه ضربة بضربة، ولا يمثل بالرجل فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله يقول: إياكم والمثلة ولو بالكلب العقور (1). بيان: بغاه: طلبه. وزواه عنه: قبضه وصرفه. قوله عليه السلام: " الله الله " أي اتقوا الله واذكروا الله. قوله عليه السلام: " فلا تغبوا أفواههم " أي لا تجيعوهم بأن تطعموهم يوما وتتركوهم يوما. وروي " فلا تغيروا أفواههم " والمعنى واحد، فإن الجائع يتغير فمه. قوله عليه السلام: " فإنه وصية نبيكم " الحمل للمبالغة، أي أوصاكم فيهم. وألفاه: وجده. وقال الجزري: يقال: مثلت بالحيوان إذا قطعت أطرافه وشوهت به، و مثلت بالقتيل إذا جدعت أنفه واذنه ومذاكيره أو شيئا من أطرافه، فأما مثل - بالتشديد - للمبالغة (2). تذنيب: سئل الشيخ المفيد قدس الله روحه في المسائل العكبرية: الامام عندنا مجمع على أنه يعلم ما يكون، فما بال أمير المؤمنين عليه السلام خرج إلى المسجد وهو يعلم أنه مقتول وقد عرف قاتله والوقت والزمان ؟ وما بال الحسن بن علي عليهما السلام سار إلى الكوفة وقد علم أنهم يخذلونه ولا ينصرونه وأنه مقتول في سفرته تبك ؟ ولم لما حصروا وعرف أن الماء قد منع منه وأنه إن حفر أذرعا قريبة نبع الماء ولم يحفر وأعان على نفسه حتى تلف عطشا ؟ والحسن عليه السلام وادع معاوية و هادنه وهو يعلم أنه ينكث ولا يفي ويقتل شيعة أبيه عليه السلام، فأجاب الشيخ رحمه الله عنها بقوله: وأما الجواب عن قوله: " إن الامام يعلم ما يكون " فإجماعنا أن الامر على خلاف ما قال، وما أجمعت الشيعة على هذا القول، وإنما إجماعهم ثابت على أن الامام يعلم الحكم في كل ما يكون دون أن يكون عالما بأعيان ما يحدث ويكون على التفصيل والتمييز، وهذا يسقط الاصل الذي بنى عليه الاسولة بأجمعها، ولسنا

 

(1) نهج البلاغة 2: 78 - 80. (2) النهاية 4: 77.

 

[258]

نمنع أن يعلم الامام أعيان ما يحدث ويكون (1) بإعلام الله تعالى [له] ذلك، فأما القول بأنه يعلم كل ما يكون فلسنا نطلقه ولا نصوب قائله، لدعواه فيه من غير حجة ولا بيان، والقول: بأن أمير المؤمنين عليه السلام كان يعلم قاتله والوقت الذي كان يقتل فيه فقد جاء الخبر متظاهرا أنه كان يعلم في الجملة أنه مقتول، وجاء أيضا بأنه يعلم قاتله على التفصيل، فأما علمه بوقت قتله فلم يأت عليه أثر على التحصيل ولو جاء به أثر لم يلزم فيه ما يظنه المعترضون، إذ كان لا يمتنع أن يتعبده الله تعالى بالصبر على الشهادة والاستسلام للقتل، ليبلغه بذلك علو الدرجاب مالا يبلغه إلا به، ولعلمه بأنه يطيعه في ذلك طاعة لو كلفها سواه لم يردها، ولا يكون بذلك أمير - المؤمنين عليه السلام ملقيا بيده إلى التهلكة، ولا معينا على نفسه معونة تستقبح في العقول. وأما علم الحسين عليه السلام بأن أهل الكوفة خاذلوه، فلسنا نقطع على ذلك، إذ لا حجة عليه من عقل ولا سمع، ولو كان عالما بذلك لكان الجواب عنه ما قد مناه في الجواب عن علم أمير المؤمنين عليه السلام بوقت قتله ومعرفة قاتله كما ذكرناه. و أما دعواه علينا أنا نقول: إن الحسين عليه السلام كان عالما بموضع الماء قادرا عليه، فلسنا نقول ذلك، ولا جاء به خبر، على أن طلب الماء والاجتهاد فيه يقضي بخلاف ذلك ولو ثبت أنه كان عالما بموضع الماء لم يمتنع في العقول أن يكون متعبدا بترك السعي في طلب الماء من حيث كان ممنوعا منه حسب ما ذكرناه في أمير المؤمنين عليه السلام، غير أن ظاهر الحال بخلاف ذلك على ما قدمناه. والكلام في علم الحسن عليه السلام بعاقبة موادعته معاوية بخلاف ما تقدم، وقد جاء الخبر بعلمه بذلك، وكان شاهد الحال له يقضي به، غير أنه دفع به عن تعجيل قتله وتسليم أصحابه له إلى معاوية، وكان في ذلك لطف في بقائه إلى حال مضيه ولطف لبقاء كثير من شيعته وأهله وولده، ودفع فساد في الدين هو أعظم من الفساد الذي حصل عند هدنته، وكان عليه السلام أعلم بما صنع لما ذكرناه وبينا الوجوه فيه

 

(1) أي يكون علمه.

 

[259]

انتهى كلامه رفع الله مقامه. أقول: وسأل السيد مهنا بن سنان العلامة الحلي نور الله ضريحه عن مثل ذلك في أمير المؤمنين عليه السلام فأجاب بأنه يحتمل أن يكون عليه السلام اخبر بوقوع القتل في تلك الليلة، ولم يعلم في أي وقت من تلك الليلة أو أي مكان يقتل، وأن تكليفه عليه السلام مغاير لتكليفنا، فجاز أن يكون بذل مهجته الشريفة في ذات الله تعالى، كما يجب على المجاهد الثبات، وإن كان ثباته يفضي إلى القتل. تذييل: رأينا في بعض الكتب القديمة رواية في كيفية شهادته عليه السلام أوردنا منه شيئا مما يناسب كتابنا هذا على وجه الاختصار، قال: روى أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد البكري، عن لوط بن يحيى، عن أشياخه وأسلافه قالوا: لما توفي عثمان وبايع الناس أمير المؤمنين عليه السلام كان رجل يقال له حبيب بن المنتجب واليا على بعض أطراف اليمن من قبل عثمان، فأقره علي عليه السلام على عمله، وكتب إليه كتابا يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب إلى حبيب ابن المنتجب، سلام عليك، أما بعد فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو، واصلي على محمد عبده ورسوله، وبعد فإني وليتك ما كنت عليه لمن كان من قبل، فأمسك (1) على عملك، وإني اوصيك بالعدل في رعيتك، والاحسان إلى أهل مملكتك، واعلم ان من ولي علي رقاب عشرة من المسلمين ولم يعدل بينهم حشره الله يوم القيامة و يداه مغلولتان إلى عنقه، لا يفكها إلا عدله في دار الدنيا، فإذا ورد عليك كتابي هذا فاقرأه على من قبلك من أهل اليمن، وخذ لي البيعة على من حضرك من المسلمين فإذا بايع القوم مثل بيعة الرضوان فامكث في عملك، وأنفذ إلي منهم عشرة يكونون من عقلائهم وفصحائهم وثقاتهم، ممن يكون أشدهم عونا من أهل الفهم والشجاعة

 

(1) في (خ) و (م): فامكث.

 

[260]

عارفين بالله، عالمين بأديانهم، وما لهم وما عليهم، وأجودهم رأيا، وعليك وعليهم السلام. وطوى الكتاب وختمه وأرسله مع أعرابي، فلما وصل إليه قبله ووضعه على عينيه ورأسه، فلما قرأه صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على محمد و آله ثم قال: أيها الناس اعلموا أن عثمان قد قضى نحبه، وقد بايع الناس من بعده العبد الصالح والامام الناصح أخا رسول الله صلى الله عليه واله وخليفته، وهو أحق بالخلافة وهو أخو رسول الله صلى الله عليه واله وابن عمه، وكاشف الكرب عن وجهه، وزوج ابنته و وصيه، وأبو سبطيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فما تقولون في بيعته و الدخول في طاعته ؟ قال: فضج الناس بالبكاء والنحيب، وقالوا: سمعا وطاعة وحبا وكرامة لله ولرسوله ولاخي رسوله، فأخذ له البيعة عليهم عامة، فلما بايعوا قال لهم: اريد منكم عشرة من رؤسائكم وشجعانكم انفذهم إليه كما أمرني به، فقالوا: سمعا وطاعة، فاختار منهم مائة ثم من المائة سبعين، ثم من السبعين ثلاثين، ثم من الثلاثين عشرة فيهم عبد الرحمن بن ملجم المرادي لعنه الله، وخرجوا من ساعتهم، فلما أتوه عليه السلام سلموا عليه وهنؤوه بالخلافة، فرد عليهم السلام و رحب بهم، فتقدم ابن ملجم وقام بين يديه وقال: السلام عليك أيها الامام العادل والبدر التمام، والليث الهمام، والبطل الضرغام، والفارس القمقام، ومن فضله الله على سائر الانام، صلى الله عليك وعلى آلك الكرام، أشهد أنك أمير المؤمنين صدقا وحقا، وأنك وصي رسول الله صلى الله عليه واله والخليفة من بعده، ووارث علمه، لعن الله من جحد حقك ومقامك، أصبحت أميرها وعميدها، لقد اشتهر بين البرية عدلك، وهطلت شآبيب (1) فضلك وسحائب رحمتك ورأفتك عليهم، ولقد أنهضنا الامير إليك، فسررنا بالقدوم عليك، فبوركت بهذه الطلعة المرضية، وهنئت بالخلافة في الرعية. ففتح أمير المؤمنين عليه السلام عينيه في وجهه، ونظر إلى الوفد فقربهم وأدناهم

 

(1) هطل أي نزل متتابعا. والشآبيب جمع الشؤبوب: الدفعة من المطر واول ما يظهر من الحسن.

 

[261]

فلما جلسوا دفعوا إليه الكتاب، ففضه وقرأه وسر بما فيه، فأمر لكل واحد منهم بحلة يمانية ورداء عدنية وفرس عربية، وأمر أن يفتقدوا ويكرموا، فلما نهضوا قام ابن ملجم ووقف بين يديه وأنشد: أنت الميهمن والمهذب ذوالندى * وابن الضراغم في الطراز الاول الله خصك يا وصي محمد * وحباك فضلا في الكتاب المنزل وحباك بالزهراء بنت محمد * حورية بنت النبي المرسل ثم قال: يا أمير المؤمنين ارم بنا حيث شئت لترى منا ما يسرك، فوالله ما فينا إلا كل بطل أهيس، وحازم أكيس، وشجاع أشوس (1) ورثنا ذلك عن الآباء والاجداد، وكذلك نورثه صالح الاولاد، قال: فاستحسن أمير المؤمنين عليه السلام كلامه من بين الوفد فقال له: ما اسمك يا غلام ؟ قال: اسمي عبد الرحمن، قال: ابن من ؟ قال: ابن ملجم المرادي، قال له: أمرادي أنت ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال عليه السلام: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال: وجعل أمير المؤمنين عليه السلام يكرر النظر إليه ويضرب إحدى يديه على الاخرى ويسترجع، ثم قال له: ويحك أمرادي أنت ؟ قال: نعم، فعندها تمثل عليه السلام يقول: أنا أنصحك مني بالوداد * مكاشفة وأنت من الاعادي اريد حياته ويريد قتلي * عذيرك من خليلك من مراد قال الاصبغ بن نباته: