بحار الانوار الجزء
50
العلامة المجلسي
[1]
بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة
الاطهار تأليف العلم العلامة الحجة فخر الامة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي (قدس
الله سره) الجزء الخمسون دار احياء التراث العربي بيروت - لبنان الطبعة الثالثة
المصححة 1403 ه. 1983 م
[1]
بسم الله الرحمن الرحيم * (أبواب) * *
(تاريخ الامام التاسع والسيد القانع، حجة الله) * * (على جميع العباد، وشافع يوم
التناد أبى جعفر) * * (محمد بن على التقى الجواد صلوات الله عليه) * * (وعلى آبائه
الطاهرين وأولاده المعصومين) * * (ابد الابدين) * 1 * (باب) * * (مولده ووفاته
واسمائه، والقابه) * * (واحوال اولاده صلوات الله عليه) * 1 - كا: ولد عليه السلام
في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة وقبض عليه السلام سنة عشرين ومائتين في آخر
ذي القعدة وهو ابن خمس وعشرين سنة وشهرين وثمانية عشر يوما، ودفن ببغداد في مقابر
قريش عند قبر جده موسى عليه السلام وقد كان المعتصم أشخصه إلى بغداد في أول هذه
السنة التي توفي فيها عليه السلام. وامه ام ولد يقال لها سبيكة، نوبية، وقيل أيضا:
إن اسمها كان خيزران وروي أنها كانت من أهل بيت مارية ام إبراهيم ابن رسول الله صلى
الله عليه وآله (1).
(1) اصول الكافي ج 1 ص 492.
[2]
2 - ضه: ولد عليه السلام بالمدينة ليلة
الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، ويقال للنصف من شهر رمضان سنة خمس وتسعين
ومائة، وقبض ببغداد قتيلا مسموما في آخر ذي القعدة، وقيل وفاته يوم السبت لست خلون
من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين. 3 - ير: محمد بن عيسى، عن قارن، عن رجل كان رضيع
أبي جعفر عليه السلام قال: بينا أبو الحسن (1) جالس مع مؤدب له يكنى أبا زكريا وأبو
جعفر عندنا أنه ببغداد وأبو الحسن يقرأ من اللوح على مؤدبه، إذ بكى بكاء شديدا
فسأله المؤدب: ما بكاؤك ؟ فلم يجبه، وقال: ائذن لي بالد خول، فأذن له فارتفع الصياح
والبكاء من منزله. ثم خرج إلينا فسألناه عن البكاء ؟ فقال: إن أبي قد توفي الساعة،
فقلنا: بما علمت ؟ قال: قد دخلني من إجلال الله ما لم أكن أعرفه قبل ذلك فعلمت أنه
قد مضى، فتعرفنا ذلك الوقت من اليوم والشهر فإذا هو مضى في ذلك الوقت (2). 4 - يج:
روى عن أبي مسافر، عن أبي جعفر الثاني عليه السلام أنه قال في العشية التي توفي
فيها: إني ميت الليلة، ثم قال: نحن معشر إذا لم يرض الله لاحدنا الدنيا نقلنا إليه
(3) 5 - شا: كان مولده عليه السلام في شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة وقبض في
بغداد في ذي القعدة سنة عشرين ومائتين، وله خمس وعشرون سنة، وكانت مدة خلافته لابيه
وإمامته من بعده سبعة عشر سنة، وامه ام ولد يقال لها سبيكة، و كانت نوبية. وقبض
عليه السلام ببغداد وكان سبب وروده إليها إشخاص المعتصم له من المدينة، فورد بغداد
لليلتين من المحرم سنة عشرين ومائتين وتوفي بها في ذي القعدة من هذه
(1) يعنى أبا الحسن على بن محمد الهادى
عليهما السلام. (2) بصائر الدرجات ص 467 الطبعة الحديثة. (3) لم نظفر عليه في مختار
الخرائج.
[3]
السنة، وقيل إنه مضى مسموما ولم يثبت عندي
بذلك خبر فأشهد به، ودفن بمقابر قريش في ظهر جده أبي الحسن موسى بن جعفر عليه
السلام وكان له يوم قبض خمس وعشرون سنة وأشهر، وكان منعوتا بالمنتجب والمرتضى، وخلف
من الولد عليا ابنه الامام من بعده، وموسى، وفاطمة وأمامة ابنتيه، ولم يخلف ذكرا
غير من سميناه (1). 6 - شا: روى الحسين بن الحسن الحسينى، عن يعقوب بن ياسر قال:
كان المتوكل يقول: ويحكم قد أعياني أمر ابن الرضا، وجهدت أن يشرب معي و ينادمني
فامتنع، وجهدت أن أجد فرصة في هذا المعنى فلم أجدها، فقال له بعض من حضر: إن لم تجد
من ابن الرضا (2) ما تريده من هذا الحال، فهذا أخوه موسى (3)
(1) ارشاد المفيدص 297 و 307. (2) كان
يطلق " ابن الرضا " على ابى جعفر محمد الجواد خاصة، ثم اطلق من بعده على احفاد
الرضا عليه السلام عامة وهما الامام أبو الحسن الهادى، وموسى المبرقع حتى كان يطلق
على أبى محمد الحسن العسكري عليه السلام كما ستعرف ذلك في حديث أحمد ابن عبيدالله
بن الخاقان في باب وفاته عليه السلام تحت الرقم: 1. لكن الظاهر بل المقطوع أن
المراد بابن الرضا في هذا الحديث هو ابو الحسن الهادى عليه السلام، ولذلك رواه
المفيد في الارشاد ص 312 باب دلائل أبى الحسن على بن محمد الهادى عليه السلام ورواه
الكليني في الكافي ج 1 ص 502 باب مولده، وهكذا ابن شهر آشوب في المناقب ج 4 ص 409
في معجزاته والطبرسي في اعلام الورى. كما أن المصنف - قدس سره - أخرج الحديث من
الكافي باب معجزات أبى الحسن الهادى عليه السلام تحت الرقم 47، فذكر الحديث هنا
مقتحم. (3) لم يخلف أبو جعفر الجواد عليه السلام من الذكور الا أبا الحسن عليا
الهادى " ع " وموسى المبرقع، وهو لام ولد مات بقم وقبره بها واليه ينتهى نسب
الرضويين من السادات. وهو المراد في هذا الحديث كما يصرح بعد ذلك بأنه قد تلقاه أبو
الحسن الهادى أخوه عليه السلام بقنطرة وصيف. ولعل تلامذة المصنف - قدس سره - ألحقوا
هذا الحديث بالباب توهما منهم أن المراد بموسى أخى ابن الرضا هو أخو محمد الجواد
ابن على بن مو سى الرضا عليهما السلام كما زعمه بعض المؤرخين على ما مر في ج 49 ص
222.
[4]
قصاف عزاف، يأكل ويشرب ويعشق ويتجالع
فأحضره وأشهره فان الخبر يشيع عن " ابن الرضا " بذلك، ولا يفرق الناس بينه وبين
أخيه، ومن عرفه اتهم أخاه بمثل فعاله. فقال: اكتبوا بإشخاصه مكرما، فاشخص مكرما،
فتقدم المتوكل أن يتلقاه جميع بني هاشم والقواد وسائر الناس وعمل على أنه إذا رآه
أقطعه قطيعة وبنى له فيها، وحول إليه الخمارين والقيان، وتقدم لصلته وبره، وأفرد له
منزلا سريا أن يصلح أن يزوره هو فيه. فلما وافى موسى تلقاه أبو الحسن عليه السلام
في قنطرة وصيف، وهو موضع يتلقى فيه القادمون، فسلم عليه ووفاه حقه، ثم قال له: إن
هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك، فلا تقر له أنك شربت نبيذا واتق الله يا أخي
أن ترتكب محظورا، فقال له موسى: إنما دعاني لهذا فما حيلتي ؟ قال: ولا تضع من قدرك
ولا تعص ربك، ولا تفعل ما يشينك، فما غرضه إلا هتكك. فأبى عليه موسى، وقرر عليه أبو
الحسن عليه السلام القول والوعظ وهو مقيم على خلافه، فلما رأى أنه لا يجيب قال عليه
السلام له: أما إن المجلس الذي تريد الاجتماع معه عليه، لا تجتمع عليه أنت وهو
أبدا. قال: فأقام موسى ثلاث سنين يبكر كل يوم إلى باب المتوكل فيقال: قد تشاغل
اليوم، فيروح فيبكر فيقال له قد سكر، فيبكر فيقال له: قد شرب دواء فمازال على هذا
ثلاث سنين حتى قتل المتوكل، ولم يجتمع معه على شراب (1). بيان: " القصف " اللهو
واللعب، والمعازف الملاهي ومرأة جالعة أي قليلة الحياء تتكلم بالفحش، وكذلك الرجل
جلع وجالع، ومجالعة القوم مجاوبتهم بالفحش، وتنازعهم عند الشرب والقمار، وفي بعض
النسخ بالخاء المعجمة وهو أيضا كناية عن قلة الحياء.
(1) الارشاد ص 312.
[5]
7 - شى: عن زرقان صاحب ابن أبي دواد (1)
وصديقه بشدة قال: رجع ابن أبي دواد ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتم فقلت له في
ذلك، فقال وددت اليوم أني قدمت منذ عشرين سنة، قال قلت له: ولم ذاك ؟ قال: لما كان
من هذا الاسود أبي جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين، قال: قلت
له: وكيف كان ذلك ؟ قال: إن سارقا أقر على نفسه بالسرقة، وسأل الخليفة تطهيره
باقامة الحد عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن علي فسألنا عن
القطع في أي موضع يجب أن يقطع ؟ قال: فقلت: من الكرسوع (2). قال: وما الحجة في ذلك
؟ قال: قلت: لان اليد هي الاصابع والكف إلى الكرسوع، لقول الله في التيمم " فامسحوا
بوجوهكم وأيديكم " (3) واتفق معي ذلك قوم. وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق،
قال: وما الدليل على ذلك ؟ قالوا: لان الله لما قال: " وأيديكم إلى المرافق " في
الغسل دل ذلك على أن حد اليد هو المرفق.
(1) في نسخة الاصل وهكذا المصدر " ابن أبى
دواد " وهو سهو والصحيح ما في الصلب " ابن أبى دواد " كغراب، والرجل هو أحمد بن أبى
داود القاضى. كان قاضيا ببغداد في عهد المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل، وكان
بينه وبين محمد بين عبد الملك الزيات وزير المعتصم والواثق عداوة ففلج في سنة 233
وسخط عليه المتوكل وعلى ولده أبى الوليد محمد بن أحمد، وكان على القضاء فأخذ من أبى
الوليد محمد بن أحمد مائة وعشرين الف دينار وجوهرا بأربعين ألف دينار مصادرة، وسيرة
إلى بغداد من سامراء وكانت وفاته في سنة 240 الهجرية. وقال الفيروز آبادي: زرقان
كعثمان لقب أبى جعفر الزيات المحدث. ووالد عمرو شيخ للاصمعي. ولعل الاول هو الذى
كان صاحب ابن أبى دواد. (2) الكرسوع: كعصفور: طرف الزند الذى يلى الخنصر الناتئ عند
الرسغ. أو عظيم في طرف الوظيف مما يلي الرسغ من وظيف الشاء ونحوها من غير الادميين،
قاله الفيروز آبادي. (3) المائدة: 5.
[6]
قال: فالتفت إلى محمد بن علي عليه السلام
فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر ؟ فقال: قد تكلم القول فيه يا أمير المؤمنين،
قال: دعني مما تكلموا به ! أي شئ عندك ؟ قال اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين قال:
أقسمت عليك بالله لما أخبرت بما عندك فيه. فقال: أما إذ أقسمت علي بالله إني أقول
إنهم أخطأوا فيه السنة، فان القطع يجب أن يكون من مفصل اصول الاصابع، فيترك الكف،
قال: وما الحجة في ذلك ؟ قال: قول رسول الله: السجود على سبعة أعضاء: الوجه واليدين
والركبتين والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها
وقال الله تبارك وتعالى: " وأن المساجد لله " (1) يعني به هذه الاعضاء السبعة التي
يسجد عليها " فلا تدعوا مع الله أحدا " وما كان لله لم يقطع. قال: فأعجب المعتصم
ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الاصابع دون الكف. قال ابن أبي دواد: قامت قيامتي
وتمنيت أني لم أك حيا قال زرقان: قال ابن أبى دواد صرت إلى المعتصم بعد ثالثة فقلت:
إن نصيحة أمير المؤمنين علي واجبة وأنا اكلمه بما أعلم أني أدخل به النار، قال: وما
هو ؟ قلت: إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لامر واقع من امور
الدين، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، وقد حضر مجلسه أهل
بيته وقواده ووزراؤه وكتابه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثم يترك أقاويلهم
كلهم لقول رجل يقول شطر هذه الامة بامامته، ويدعون أنه أولى منه بمقامه ثم يحكم
بحكمه دون حكم الفقهاء ؟ ! قال: فتغير لونه وانتبه لما نبهته له، وقال: جزاك الله
عن نصيحتك خيرا قال فأمر اليوم الرابع فلانا من كتاب وزرائه بأن يدعوه إلى منزله
فدعاه فأبى أن يجيبه وقال: قد علمت أني لا أحضر مجالسكم، فقال: إني إنما أدعوك إلى
الطعام
(1) الجن: 18.
[7]
واحب أن تطأ ثياتي، وتدخل منزلي فأتبرك
بذلك، فقد أحب فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك فصار إليه فلما طعم منها أحس
السم فدعا بدابته فسأله رب المنزل أن يقيم قال: خروجي من دارك خير لك، فلم يزل يومه
ذلك وليله في خلفة (1) حتى قبض عليه السلام (2). 8 - قب: ولد عليه السلام بالمدينة
ليلة الجمعة للتاسع عشر من شهر رمضان، و يقال: للنصف منه، وقال ابن عياش (3): يوم
الجمعة لعشر خلون من رجب سنة خمس وتسعين ومائة وقبض ببغداد مسموما في آخر ذي
القعدة، وقيل يوم السبت لست خلون من ذي الحجة، سنة عشرين ومائتين ودفن في مقابر
قريش إلى جنب موسى بن جعفر عليهما السلام وعمره خمس وعشرون سنة، وقالوا وثلاثة أشهر
واثنان وعشرون يوما. وامه ام ولد تدعى درة وكانت مريسية (4) ثم سماها الرضا عليه
السلام خيزران وكانت من أهل بيت مارية القبطية، ويقال: إنها سبيكة، وكانت نوبية
ويقال: ريحانة وتكنى ام الحسن ومدة ولايته سبع عشر سنة، ويقال أقام مع أبيه سبع
سنين، وأربعة أشهر و يومين، وبعده ثمانية عشر سنة إلا عشرين يوما، فكان في سني
إمامته بقية ملك
(1) في نسخة الاصل " حلقه " وفى المصدر "
خلفه " والصحيح ما في الصلب، والخلفة - بالكسر -: الهيضة وهى انطلاق البطن والقياء
والقيام جميعا. (2) تفسير العياشي ج 1 ص 319 و 320. (3) هو احمد بن محمد بن عبد
الله بن الحسن بن عياش الجوهرى المعاصر للشيخ الصدوق، كان من اهل العلم والادب،
صاحب كتاب مقتضب الاثر في النص على الائمة الاثنى عشر عليهم السلام، وكتاب اخبار
ابى هاشم الجعفري وغير ذلك. (4) مريسة بتشديد الراء على وزن سكينة قرية بمصر وولاية
من ناحيه الصعيد ينسب إليها بشر بن غياب المريسى، وفى بعض النسخ " مرسية " ومرسية
بالضم مخففة كان اسم بلد اسلامي بالمغرب كثير المنارة والبساتين، كما في القاموس ج
2 ص 251.
[8]
المأمون ثم ملك المعتصم والواثق، وفي ملك
الواثق استشهد (1). قال ابن بابويه: سم المعتصم محمد بن علي عليهما السلام وأولاده
علي الامام وموسى وحكيمة وخديجة وام كلثوم، وقال أبو عبد الله الحارثي: خلف فاطمة
وأمامة فقط، وقد كان زوجه المأمون [ابنته] ولم يكن له منها ولد، وسبب وروده بغداد
إشخاص المعتصم له من المدينة، فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين
ومائتين وأقام بها حتى توفي في هذه السنة (2). 9 - قب: لما بويع المعتصم جعل يتفقد
أحواله فكتب إلى عبد الملك الزيات أن ينفذ إليه التقي وام الفضل، فأنفذ الزيات علي
بن يقطين إليه، فتجهز وخرج إلى بغداد، فأكرمه وعظمه، وأنفذ أشناس بالتحف إليه وإلى
ام الفضل ثم أنفذ إليه شراب حماض الاترج (3) تحت ختمه على يدي أشناس، فقال: إن أمير
المؤمنين ذاقه قبل أحمد بن أبي دواد (4) وسعيد بن الخضيب وجماعة من المعروفين
ويأمرك أن تشرب منها بماء الثلج، وصنع في الحال، وقال: اشربها بالليل، قال: إنها
تنفع باردا وقد ذاب الثلج، وأصر على ذلك، فشربها عالما بفعلهم (5) وكان عليه السلام
شديد الادمة فشك فيه المرتابون، وهو بمكة، فعرضوه على القافة (6) فلما نظروا إليه
خروا لوجوههم سجدا ثم قاموا فقالوا: يا ويحكم
(1) سيجيئ من المصنف رحمه الله تحت الرقم
11 بيان في ان شهادته في زمن الواثق مخالف للتواريخ المشهورة فراجع. (2) المناقب ج
4 ص 379. (3) الحماض كرمان: ما في جوف الاترج، ذكره الفيروز آبادي. (4) في النسخ:
احمد بن ابى داود، وقد مرانه سهو، والصحيح ما في الصلب. (5) المصدر ص 384. (6)
القافة: جمع قائف. وهو الذى يعرف النسب بفراسته ونظره إلى اعضاء المو لود وسيجى في
اعتباره وعدم ذلك بحث مستوفى.
[9]
أمثل هذا الكوكب الدري والنور الزاهر،
تعرضون على مثلنا ؟ وهذا والله الحسب الزكي والنسب المهذب الطاهر، ولدته النجوم
الزواهر والارحام الطواهر والله ما هو إلا من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وأمير
المؤمنين عليه السلام وهو في ذلك الوقت ابن خمس وعشرين شهرا. فنطق بلسان أرهف من
السيف، يقول: الحمد لله الذي خلقنا من نوره، و اصطفانا من بريته، وجعلنا امناء على
خلقه ووحيه أيها الناس أنا محمد بن علي الرضا ابن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن
محمد الباقر بن علي سيد العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب، ابن فاطمة الزهراء بنت محمد المصطفى عليهم السلام أجمعين، أفي مثلي يشك، وعلى
الله تبارك وتعالى وعلى جدي يفترى واعرض على القافة ؟ إني والله لاعلم ما في سرائر
هم وخواطرهم، وإني والله لاعلم الناس أجمعين بماهم إليه صائرون، أقول حقا واظهر
صدقا علما قدنبأه الله تبارك وتعالى قبل الخلق أجمعين، وبعد (1) بناء السماوات
والارضين. وأيم الله لولا تظاهر الباطل علينا، وغواية ذرية الكفر، وتوثب أهل الشرك
والشك والشقاق علينا، لقلت قولا يعجب منه الاولون والآخرون، ثم وضع يده على فيه، ثم
قال: يا محمد اصمت كما صمت آباؤك، واصبر اولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم
يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار، بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون.
ثم أتى إلى رجل بجانبه فقبض على يده، فما زال يمشي يتخطا رقاب الناس وهم يفرجون له،
قال: فرأيت مشيخة أجلائهم ينظرون إليه ويقولون: " الله أعلم حيث يجعل رسالته "،
فسألت عنهم فقيل هؤلاء قوم من بني هاشم من أولاد عبد المطلب. فبلغ الرضا عليه
السلام وهو في خراسان ما صنع ابنه فقال: الحمدلله ثم ذكرما
(1) في المصدر: وقبل بناء...
[10]
قذفت به مارية القبطية، ثم قال: الحمد لله
الذي جعل في ابني محمد اسوة برسول الله صلى الله عليه وآله وابنه إبراهيم عليهما
السلام (1) 9 - قب: روي أن امرأته ام الفضل بنت المأمون سمته في فرجه بمنديل فلما
أحس بذلك قال لها: أبلاك الله بداء لا دواء له، فوقعت الآكلة في فرجهاو كانت ترجع
إلى الاطباء ويشيرون بالدواء عليها، فلا ينفع ذلك حتى ماتت من علتها (2). 10 - قب:
حكيمة بنت أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قالت: لما حضرت ولادة الخيزران ام
أبي جعفر عليه السلام دعاني الرضا عليه السلام فقال: يا حكيمة احضري ولادتها وادخلي
وإياها والقابلة بيتا ووضع لنا مصباحا وأغلق الباب علينا فلما أخذها الطلق طفئ
المصباح وبين يديها طست، فاغتممت بطفئ المصباح، فبينما نحن كذلك إذ بدر أبو جعفر
عليه السلام في الطست وإذا على شئ رقيق كهيئه الثوب يسطع نور حتى أضاء البيت،
فأبصرناه، فأخذته فوضعته في حجري، نزعت عنه ذلك الغشاء فجاء الرضا عليه السلام وفتح
الباب وقد فرعنا من أمره، فأخذه ووضعه في المهد وقال لي: يا حكيمة الزمي مهده.
قالت: فلما كان في اليوم الثالث رفع بصره إلى السماء ثم نظر يمينه ويساره ثم قال:
أشهد أن لاإله إلا الله أن محمدا رسول الله فقمت ذعرة فزعة فأتيت أبا الحسن عليه
السلام فقلت له: لقد سمعت من هذا الصبي عجبا ؟ فقال: وماذاك ؟ فأخبرته الخبر فقال:
يا حكيمة ما ترون من عجائبه أكثر (3). ابن همداني الفقيه في تتمة تاريخ أبي شجاع
الوزير (4) أنه لما خرقوا
(1) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 387. (2)
المصدر ص 391. (3) المصدر ص 394. (4) في المصدر: ذيله على تجارب الامم. والرجل أبو
شجاع الروذراوى: محمد بن الحسين بن محمد بن عبد الله كان من وزراء العباسيين، وكان
عالما بالعربية وصنف كتبا منها ذيل تجارب الامم.
[11]
القبور بمقابر قريش، حاولوا حفر ضريح أبي
جعفر محمد بن علي عليها السلام وإخراج رمته وتحويلها إلى مقابر أحمد فحال تراب
الهدم ورماد الحريق بينهم وبين معرفة قبره (1) 11 - كشف: قال محمد بم طلحة: وأما
ولادته ففي ليلة الجمعة تاسع عشر رمضان سنة مائة وخمس وتسعين للهجرة، وقيل عاشر رجب
منها وأما نسبه أبا واما فأبوه أبو الحسن علي الرضا وامه ام ولد يقال لها سكينة
المريسية، وقيل الخيزران. وأما عمره فانه مات في ذي الحجة من سنة مائتين وعشرين
للهجرة في خلافة المعتصم، فيكون عمره خمسا وعشرين سنة، وقبره ببغداد في مقابر قريش
(2). وقال الحافظ عبد العزيز: امه ريحانة وقيل الخيزران، ولد سنة خمس وتسعين ومائة
ويقال ولد بالمدينة في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة وقبض ببغداد في آخر ذي
الحجة سنة عشرين ومائتين وهو يومئذ ابن خمس وعشرين سنة وامه ام ولد يقال لها
خيزران، وكانت من أهل مارية القبطية، وقبره ببغداد في مقابر قريش في ظهر جده موسى
عليهما السلام. قال محمد بن سعيد: سنة عشرين ومائتين فيها توفي محمد بن علي بن موسى
بن جعفر بن محمد عليهم السلام ببغداد وكان قدمها فتوفي بها يوم الثلاثاء لخمس خلون
من ذي الحجة. مولده سنة خمس وتسعين ومائة فيكون عمره خمسا وعشرين سنة، قتل في زمن
الواثق بالله قبره عند جده موسى بن جعفر عليه السلام وركب هارون بن إسحاق فصلى عليه
عند منزلة أول رحبة أسوار بن ميمون من ناحية قنطرة البردان، وحمل ودفن في مقابر
قريش، يلقب بالجواد. حدثنا أحمد بن علي ثابت قال: محمد بن علي بن موسى أبو جعفر ابن
(1) المصدر ص 397. (2) كشف الغمة ج 3 ص
186 و 187.
[12]
الرضا، قدم من المدينة إلى بغداد وافدا
إلى أبي إسحاق المعتصم ومعه امرأته ام الفضل بنت المأمون، وتوفي ببغداد، ودفن في
مقابر قريش عند جده موسى بن جعفر، ودخلت امرأته ام الفضل إلى قصر المعتصم فجعلت مع
الحرم (1). وقال ابن الخشاب (2) بالاسناد عن محمد بن سنان قال: مضى المرتضى أبو
جعفر الثاني محمد بن علي عليهما السلام وهو ابن خمس وعشرين سنة، وثلاثة أشهر واثني
عشر يوما في سنة مائتين وعشرين من الهجرة، وكان مولده سنة مائة وخمس وتسعين من
الهجرة وكان مقامه مع أبيه سبع سنين وثلاثة أشهر وقبض في يوم الثلاثاء لست ليال
خلون من ذي الحجة سنة مائتين وعشرين، وفي رواية اخرى أقام مع أبيه تسع سنين وأشهرا
ولد في رمضان ليلة الجمعة لتسع عشرة ليلة خلت منه سنة خمس وتسعين ومائة وقبض يوم
الثلاثاء لخمس خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين، امه ام ولد يقال لها سكينة
مريسية ويقال لها حريان، والله أعلم. لقبه المرتضى والقانع، قبره في بغداد بمقابر
قريش، يكنى بأبي جعفر عليه السلام (3). بيان: كون شهادته عليه السلام في أيام خلافة
الواثق مخالف للتواريخ المشهورة لانهم اتفقوا على أن الواثق بويع في شهر ربيع الاول
سنة سبع وعشرين ومائتين ولم يقل أحد ببقائه عليه السلام إلى ذلك الوقت، لكن ذكر هذا
القول المسعودي في مروج الذهب حيث قال أولا في سنة تسع عشرة ومائتين. قبض محمد بن
علي بن موسى عليه السلام لخمس خلون من ذي الحجة وصلى عليه الواثق وهو ابن خمس
وعشرين سنة، وقبض أبوه عليه السلام ومحمد ابن سبع سنين وثمانية
(1) كشف الغمة ج 3 ص 189 و 190. (2) هو
أبو محمد عبد الله بن أحمد البغدادي اللغوى الاديب الشاعر، صاحب تاريخ مواليد
ووفيات اهل بيت النبي " ص " كان من تلامذة الجواليقى وابن الشجرى توفى ببغداد سنة
567. (3) كشف الغمة ج 3 ص 215.
[13]
أشهر وقيل غير ذلك، وقيل: إن ام الفضل بنت
المأمون لما قدمت معه من المدينة سمته، وإنما ذكرنا من أمره ما وصفنا لان أهل
الامامة قد تنازعوا في سنه عند وفاة أبيه عليهما السلام ثم قال في ذكر وقايع أيام
الواثق: وقيل إن أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام توفي في خلافة الواثق بالله،
وقد بلغ من السن ما قدمناه في خلافة المعتصم انتهى. أقول: لعل صلاة الواثق في زمن
أبيه عليه صلى الله عليه صار سببا لهذا الاشتباه. 12 - عم: ولد عليه السلام في شهر
رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة لسبع عشرة ليلة مضت من الشهر وقيل للنصف منه ليلة
الجمعة، في رواية ابن عياش: ولد يوم الجمعة لعشر خلون من رجب، وقبض عليه السلام
ببغداد في آخر ذي القعدة سنة عشرين و مائتين وله يومئذ خمس وعشرون سنة، وكانت مدة
خلافته لابيه سبع عشرة سنة وكانت في أيام إمامته بقية ملك المأمون، وقبض في أول ملك
المعتصم وامه ام ولد يقال لها سبيكة، ويقال درة، ثم سماها الرضا عليه السلام
خيزران، وكانت نوبية ولقبه التقي، والمنتجب، والجواد، والمرتضى، ويقال له: أبو جعفر
الثاني، وأشخصه المعتصم إلى بغداد في أول سنة خمس وعشرين ومائتين فأقام بها حتى
توفي في آخر ذي القعدة من هذه السنة، وقيل: إنه مضى عليه السلام مسموما، وخلف من
الولد عليا ابنه الامام، وموسى، ومن البنات حكيمة، وخديجة، وام كلثوم، ويقال: إنه
خلف فاطمة، وأمامة ابنتيه ولم يخلف غيرهم. 13 - كشف: من دلائل الحميري عن محمد بن
سنان قال: قبض أبو جعفر محمد بن علي وهو ابن خمس وعشرين سنة، وثلاثة أشهرو اثني عشر
يوما في يوم الثلاثاء لالست خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين عاش بعد أبيه تسع
عشرة سنة إلا خمسة وعشرين يوما (1). كا: سعد والحميري معا عن إبراهيم بن مهزيار، عن
أخيه علي، عن
(1) كشف الغمه ج 3 ص 217.
[14]
الحسين بن سعيد، عن محمد بن سنان مثله
(1). 14 - مصبا: قال ابن عياش: خرج على يد الشيخ الكبير أبي القاسم رضي الله عنه "
اللهم إني إسألك بالمولودين في رجب: محمد بن علي الثاني، وابنه علي بن محمد المنتجب
" الدعاء، وذكر ابن عياش أنه كان يوم العاشر من رجب مولد أبي جعفر الثاني عليه
السلام. بيان: ذكر الكفعمي في حواشي البلد الامين، بعد ذكر كلام الشيخ: وبعض
أصحابنا كأنهم لم يقفوا على هذه الرواية، فأوردوا هنا سؤالا وأجابوا عنه وصفتها: إن
قلت: إن الجواد والهادي عليهما السلام لم يلدا في شهر رجب فكيف يقول الامام الحجة
عليه السلام " بالمولودين في رجب " ؟ قلت: إنه أراد التوسل بهما في هذا الشهر لا
كونهما ولدا فيه. قلت: وما ذكروه غير صحيح هنا أما إولا فلانه إنما يتأتى قولهم على
بطلان رواية ابن عياش وقد ذكرها الشيخ وأما ثانيا فلان تخصيص التوسل بهما في رجب
ترجيح من غير مرجح لولا الولادة، وأما ثالثا فلانه لو كان كما ذكره، لقال عليه
السلام: الامامين، ولم يقل المولودين انتهى ملخص كلامه رحمه الله. 15 - كا: علي بن
إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن أبي الفضل الشهباني عن هارون بن الفضل، قال: رأيت أبا
الحسن علي بن محمد في اليوم الذي توفي فيه أبو جعفر عليه السلام فقال: إنا لله وإنا
إليه راجعون مضى أبو جعفر، فقيل له: وكيف عرفت ؟ قال: لانه تداخلني ذلة لله لم أكن
أعرفها (2) 16 - الدروس: ولد عليه السلام بالمدينة في شهر رمضان سنة خمس وتسعين
ومائة
(1) الكافي ج 1 ص 497 وفى السند حذف
والصحيح: عن محمد بن سنان عن ابن مسكان عن ابى بصير، عن أبى عبد الله عليه السلام
بقرينة سائر الروايات وقد روى الكليني رحمه الله عنه في باب مواليد الائمة عليهم
السلام في كل باب حديثا واحدا بهذا السند فراجع. (2) اصول الكافي ج 1 ص 381. (*)
[15]
وقبض ببغداد في آخر ذي القعدة، وقيل يوم
الثلاثاء حادي عشر ذي القعدة، سنة عشرين ومائتين. 17 - تاريخ الغفاري: ولد عليه
السلام ليلة الجمعة الخامس عشر من شهر رمضان. 18 - قل: في دعاء كل يوم من شهر رمضان
" اللهم صل على محمد بن علي إمام المسلمين - إلى قوله - وضاعف العذاب على من شرك في
دمه " وهو المعتصم. 19 - عيون المعجزات: عبد الرحمن بن محمد، عن كليم بن عمران قال:
قلت للرضا عليه السلام: ادع الله أن يرزقك ولدا، فقال: إنما ارزق ولدا واحدا وهو
يرثني فلما ولد أبو جعفر عليه السلام قال الرضا عليه السلام لاصحابه: قد ولد لي
شبيه موسى بن عمران، فالق البحار، وشبيه عيسى بن مريم قدست ام ولدته، قد خلقت طاهرة
مطهرة، ثم قال الرضا عليه السلام: يقتل غصبا فيبكي له وعليه أهل السماء، ويغضب الله
تعالى على عدوه وظالمه، فلا يلبث إلا يسيرا حتى يعجل الله به إلى عذابه الاليم
وعقابه الشديد، وكان طول ليلته يناغيه في مهده. بيان: قال الجوهري: المرأة تناغي
الصبي أي تلكمه بما يعجبه ويسره (1). 20 - عمدة الطالب: امه عليه السلام ام ولد،
وأعقب منه علي الهادي وموسى المبرقع وكان موسى لام ولد مات بقم وقبره بها. 21 -
عيون المعجزات: عن الحسن بن محمد بن المعلى، عن الحسن بن علي الوشاقال: جاء المولى
أبو الحسن علي بن محمد عليه السلام مذعورا حتى جلس في حجر ام موسى عمة أبيه، فقالت
له: مالك ؟ فقال لها: مات أبي والله الساعة، فقالت: لا تقل هذا، فقال: هو والله كما
أقول لك، فكتب الوقت واليوم، فجاء بعد أيام خبر وفاته عليه السلام وكان كما قال. 22
- الفصول المهمة: صفته أبيض معتدل، نقش خاتمه " نعم القادر الله "
(1) الصحاح ص 2513.
[16]
23 - مع: سمي محمد بن علي الثاني التقي
لانه اتقى الله عزوجل فوقاه شر المأمون لما دخل عليه بالليل سكران، فضربه بسيفه حتى
ظن أنه قد قتله فوقاه الله شره (1). 24 - قب: اسمه محمد، وكنية أبو جعفر، والخاص
أبو علي، وألقابه: المختار ووالمرتضى، والمتوكل، والمتقي، والزكي والتقي، والمنتجب،
والمرتضى والقانع، والجواد، والعالم (2). 25 - كشف: قال محمد بن طلحة: كنية أبو
جعفر، وله لقبان: القانع والمرتضى وقال الحافظ عبد العزيز: ويلقب بالجواد (3). 26 -
عيون المعجزات: لما خرج أبو جعفر عليه السلام وزوجته ابنة المأمون حاجا وخرج أبو
الحسن علي ابنه عليه السلام وهو صغير فخلفه في المدينة، وسلم إليه المواريث
والسلاح، ونص عليه بمشهد ثقاته وأصحابه، وانصرف إلى العراق و معه زوجته ابنة
المأمون، وكان خرج المأمون إلى بلاد الروم، فمات بالبديرون (4) في رجب سنة ثمان
عشرة ومائتين، وذلك في ستة عشرة سنة (5) من إمامة أبي جعفر عليه السلام وبويع
المعتصم أبو إسحاق محمد بن هارون في شعبان من سنة ثمان عشرة ومائتين.
(1) معاني الاخبارص 65. (2) مناقب آل أبي
طالب ج 4 ص 379، وفيه: والعالم الربانى، ظاهر المعاني قليل التوانى، المعروف بأبى
جعفر الثاني، المنتجب المرتضى، المتوشح بالرضا، المستسلم للقضاء، له من الله أكثر
الرضا، ابن الرضا، توارث الشر ف كابرا عن كابر، وشهد له بذا الصوامع، استسقى عروقه
من منبع النبوة، ورضعت شجرته ثدى الرسالة، وتهدلت أغصانه ثمر الامامة. (3) كشف
الغمة ج 3 ص 186. (4) بالبدندون خ ل صح بخطه قدس سره في الهامش (5) في نسخة
الكمبانى: سنة ثمان عشرة.
[17]
ثم إن المعتصم جعل يعمل الحيله في قتل أبي
جعفر عليه السلام وأشار على ابنة المأمون زوجته بأن تسمه لانه وقف على انحرافها عن
أبي جعفر عليه السلام وشدة غيرتها عليه لتفضيله ام أبي الحسن ابنه عليها، ولانه لم
يرزق منها ولد، فأجابته إلى ذلك وجعلت سما في عنب رازقي ووضعته بين يديه، فلما أكل
منه ندمت وجعلت تبكي فقال: ما بكاؤك ؟ والله ليضر بنك الله بعقر لا ينجبر، وبلاء لا
ينستر، فما تت بعلة في أغمض المواضع من جوارحها، صارت ناصورا، فأنفقت ما لها وجميع
ما ملكته على تلك العلة، حتى احتاجت إلى الاسترفاد، وروي أن الناصور كان في فرجها.
وقبض عليه السلام في سنة عشرين ومائتين من الهجرة في يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي
الحجة، وله أربع وعشرون سنة وشهور لان مولده كان في سنة خمس وتسعين ومائة.
[18]
2 * (باب) * * (النصوص عليه صلوات الله
عليه) * 1 - ن: الوراق، عن الاسدي، عن الحسن بن عيسى الخراط، عن جعفر ابن محمد
النوفلي قال: أتيت الرضا عليه السلام وهو بقنطرة إبريق (1) فسلمت عليه، ثم جلست
وقلت: جعلت فداك إن اناسا يزعمون أن أباك حي فقال: كذبوا لعنهم الله لو كان حيا ما
قسم ميراثه، ولا نكح نساؤه، ولكنه والله ذاق الموت كما ذاقه علي بن أبي طالب عليه
السلام، قال: فقلت له: ما تأمرني ؟ قال: عليك بابني محمد من بعدي، وأما أنا فاني
ذاهب في وجه لا أرجع. الخبر (2). 2 - ن: البيهقي، عن الصولي، عن عون بن محمد، عن
محمد بن أبي عبادو كان يكتب للرضا عليه السلام ضمه إليه الفضل بن سهل، قال: ماكان
عليه السلام يذكر محمدا ابنه عليه السلام إلا بكنيته يقول كتب إلي أبو جعفر، وكنت
أكتب إلى أبي جعفر هو صبي بالمدينة، فيخاطبه بالتعظيم، وترد كتب أبي جعفر عليه
السلام في نهاية البلاعة والحسن، فسمعته يقول: أبو جعفر وصيي وخليفتي في أهلي من
بعدى (3). 3 - ير: علي بن إسماعيل، عن محمد بن عمرو الزيات عن ابن قياما قال: دخلت
على أبي الحسن الرضا عليه السلام وقد ولد له أبو جعفر عليه السلام فقال: إن الله قد
وهب لي من يرثني ويرث آل داود (4).
(1) في المصدر: اربق وهو بضم الباء بلدة
برامهرمز ذكره الفيروز آبادى. (2) عيون اخبار الرضا ج 2 ص 216. (3) عيون اخبار
الرضا ج 2 ص 240. (4) بصائر الدرجات ص 138.
[19]
4 - غط: الكليني عن الصفار، عن سهل، عن
محمد بن علي بن عبد الله، عن ابن سنان، قال: دخلت على أبي الحسن موسى عليه السلام
من قبل أن يقدم العراق بسنة وعلي ابنه جالس بين يديه، فنظر إلي وقال: يا محمد ستكون
في هذه السنة حركة فلا تجزع لذلك قال: قلت: وما يكون جعلني الله فداك فقد أقلقتني ؟
قال: أصير إلى هذه الطاغية (1) أما إنه لا يبدأني منه سوء، ومن الذي يكون بعده قال:
قلت: وما يكون جعلني الله فداك ؟ قال: يضل الله الظالمين، ويفعل الله ما يشاء (2)
قال: قلت: وما ذلك جعلني الله فداك ؟ قال: من ظلم ابني هذا حقه وجحده إمامته من
بعدي كان كمن ظلم علي بن أبي طالب عليه السلام إمامته وجحده حقه بعد رسول الله صلى
الله عليه وآله قال: قلت: والله لئن مد الله لي في العمر لا سلمن له حقه، ولاقرن
بامامته قال: صدقت يا محمد يمد الله في عمرك، وتسلم له حقة، وتقر له بامامته وإمامة
من يكون من بعده، قال: قلت: ومن ذاك ؟ قال: ابنه محمد، قال: قلت له: الرضا والتسليم
(3).
(1) هو المهدى العباسي، والتاء للمبالغة
في طغيانه وتجاوزه عن الحد. وقوله لا يبدأني منه سوء، أي لا يصلني ابتداء منه شر
وسوء، أي القتل أو الحبس، ولا من الذى بعده وهو موسى بن المهدى، وقد قتله بعده
هارون الرشيد بالسم، وهذا من دلائل امامته إذ اخبر بما يكون وقد وقع كما اخبر عليه
السلام " صالح " (2) سأل السائل عن مآل حاله مع الطواغيت فأشار عليه السلام إلى انه
القتل بقوله " يقتل الله الظالمين " أي يتركهم مع انفسهم الطاغية، حتى يقتلوا نفسا
معصومة، ولم يمنعهم جبرا، وهذا معنى اضلالهم، والى انه ينصب مقامه اماما آخر بقوله
" ويفعل الله ما يشاء ". ولما كان هذا الفعل مجملا بحسب الدلالة والخصوصية سأل
السائل عنه بقوله " ما ذاك " يعنى وما ذاك الفعل ؟ فأجاب عليه السلام بأنه نصب ابني
عليه للامامة والخلافة، ومن ظلم ابني هذا حقه، وجحده امامته، كان كمن ظلم على بن
أبى طالب حقه وجحده امامته، وذلك لان من انكر الامام الاخر، لم يؤمن بالامام الاول
" صالح ". (3) غيبة الشيخ ص 26 و 27.
[20]
كش: حمدويه، عن الحسن بن موسى، عن محمد بن
سنان مثله (1) 5 - غط: جعفر بن محمد بن مالك، عن ابن أبي الخطاب، عن البزنطي قال:
قال ابن النجاشي: من الامام بعد صاحبكم ؟ فدخلت على أبي الحسن الرضا عليه السلام
فأخبرته فقال: الامام بعدي ابني، ثم قال: هل يتجرى أحد أن يقول: ابني، وليس له ولد
؟ (2). قب: عن البزنطي مثله (3). عم: عن الكليني، عن عدة من أصحابه، عن محمد بن
علي، عن معاوية بن حكيم، عن البزنطي مثله (4). 6 - يج: روى أبو سلمان، عن ابن أسباط
قال: خرج علي أبو جعفر عليه السلام فجعلت أنظر إليه وإلى رأسه ورجليه لاصف قامته
بمصر، فلما جلس قال: يا على إن الله احتج في الامامة بمثل ما احتج في النبوة قال
الله تعالى: وآتيناه الحكم صبيا، ولما بلغ أشده وبلغ أربعين سنة " (5) فقد يجوز أن
يعطى الحكم صبيا ويجوز أن يعطى وهو ابن أربعين سنة. قال ابن أسباط وعباد بن
إسماعيل: إنا لعند الرضا عليه السلام بمنى إذ جبئ بأبي جعفر عليه السلام قلنا: هذا
المولود المبارك ؟ (6) قال: نعم، هذا المولود الذي لم يولد في الاسلام أعظم بركة
منه (7).
(1) رجال الكشى ص 429. (2) غيبة الشيخ ص
52. (3) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 336. (4) الكافي ج 1 ص 320 (5) الاية الاولى في
مريم: 12، وهى في شأن يحيى عليه السلام والثانية في الاحقاف 15. وهى عام في
الانبياء. (6) قيل: لان الشيعة كانوا في زمانه عليه السلام على رفاهية. (7) لم نظفر
عليه في مختار الخرائج المطبوع.
[21]
7 - عم، شا: ابن قولويه، عن الكيني، عن
علي، عن أبيه وعلي بن محمد القاشاني معا، عن زكريا بن يحيى بن النعمان البصري (1)
قال: سمعت علي بن جعفر ابن محمد يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال في
حديثه: لقد نصرالله أبا الحسن الرضا عليه السلام لما بغى إليه إخوته وعمومته، وذكر
حديثا حتى انتهى إلى قوله، فقمت وقبضت على يد أبي جعفر محمد بن علي الرضا عليه
السلام وقلت: أشهد أنك إمامي عند الله، فبكى الرضا عليه السلام ثم قال: يا عم ألم
تسمع أبي وهو يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: بأبي ابن خيرة الاماء
النوبية الطيبة يكون من ولده الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده وصاحب الغيبة فيقال:
مات أو هلك أو أي واد سلك ؟ فقلت: صدقت جعلت فداك (2). 8 - عم، شا: ابن قولويه، عن
الكيني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد عن صفوان بن يحيى قال: قلت للرضا عليه
السلام: قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر فكنت تقول يهب الله لي غلاما فقد
وهب الله لك، وأقر عيوننا فلا أرانا الله يومك فان كان كون فالى من ؟ فأشار بيده
إلى أبي جعفر عليه السلام وهو قائم بين يديه فقلت له: جعلت فداك وهو ابن ثلاث سنين
؟ قال: وما يضره من ذلك ؟ قد قام عيسى بالحجة، وهو ابن أقل من ثلاث سنين (3). 9 -
عم، شا: ابن قولويه، عن الكيني، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن معمر
بن خلاد قال: سمعت الرضا عليه السلام وذكر شيئا فقال: ما حاجتكم إلى ذلك ؟ هذا أبو
جعفر قد أجلسته مجلسي، وصيرته مكاني، وقال: إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا أكابرنا
القذة بالقذة (4).
(1) في نسخة الكافي " الصيرفى " وفى بعض
النسخ " المصرى " والرجل مجهول الحال (2) الارشاد ص 297 وتراه في الكافي ج 1 ص 323.
(3) راجع الكافي ج 1 ص 321، الارشاد ص 297 و 298. اقول: قد قام عيسى عليه السلام
بالحجة في مهده وقال " انى عبد الله آتانى الكتاب وجعلني نبيا " الاية، فالاشارة
بقوله " وابن اقل من ثلاث سنين " انما هوالى سن أبى جعفر الجواد، في ذاك الزمان
الذى قال هذا الكلام. (4) ارشاد المفيد ص 298، الكافي ج 1 ص 320.
[22]
بيان: " وذكر شئيا " أي من علامات الامام
وأشباهه وربما يقرء على المجهول من بناء التفعيل " والقذة " إما منصوبة بنيابة
المفعول المطلق لفعل محذوف، أي تتشابهان تشابه القذة، وقيل هي مفعول يتوارث بحذف
المضاف وإقامتها مقامه أو مرفوع على أنه مبتدأ والظرف خبره، أي القذة يقاس بالقذة،
ويعرف مقداره به قال الجزري: القذذ ريش السهم واحدتها قذة، ومنه الحديث " لتركبن
سنن من كان قبلكم حذو والقذة بالقدة " أي كما يقدر كل واحدة منها على قدر صاحبتها
[وتقطع] يضرب مثلا للشيئين يستويان ولا يتفاوتان. 10 - عم، شا: ابن قولويه، عن
الكيني، عن عدة من أصحابنا، عن أحمد ابن محمد، عن جعفر بن يحيى، عن مالك بن القاسم،
عن الحسين بن يسار قال: كتب ابن قياما الواسطي إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام
كتابة يقول فيه: كيف تكون إماما وليس لك ولد ؟ فأجابه أبو الحسن: وما علمك أنه لا
يكون لي ولد ؟ والله لا يمضي الايام والليالي حتي يرزقني ولدا ذكرا يفرق [به] بين
الحق والباطل (1). 11 - شا: ابن قولويه، عن الكيني عن بعض أصحابنا، عن محمد بن علي
عن معاوية بن حكيم، عن البزنطي قال: قال لي ابن النجاشي: من الامام بعد صاحبك ؟
فاحب أن تسأله حتى أعلم، فدخلت على الرضا عليه السلام فأخبرته، قال: فقال لي:
الامام ابني، ثم قال: هل يجترئ أحد أن يقول ابني وليس له ولد ؟ ولم يكن ولد أبو
جعفر عليه السلام فلم تمض الايام حتى ولد عليه السلام (2). 12 - شا: ابن قولويه، عن
الكيني، عن أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن أبيه، عن ابن قياما الواسطي، وكان
واقفيا قال دخلت على علي بن موسى عليه السلام فقلت له: أيكون إمامان ؟ قال: لا إلا
أن يكون أحدهما صامتا فقلت
(1) الارشاد ص 298، الكافي ج 1 ص 320. (2)
الكافي ج 1 ص 320، الارشاد ص 298.
[23]
له: هوذا أنت ليس لك صامت ! فقال: بلى،
والله ليجعلن الله لي من يثبت به الحق وأهله، ويمحق به الباطل وأهله، ولم يكن في
الوقت له ولد، فولد له أبو جعفر عليه السلام بعد سنة (1). 13 - عم، شا: ابن قولويه،
عن الكليني، عن أحمد بن مهران، عن محمد ابن علي، عن الحسن بن الجهم قال: كنت مع أبي
الحسن عليه السلام جالسا فدعا ابنه وهو صغير فأجلسه في حجري، وقال لي: جرده وانزع
قميصه، فنزعته فقال لي: انظر بين كتفيه قال: فنظرت فإذا في أحد كتفيه شبه الخاتم
داخل اللحم (2) ثم قال لي: أترى هذا ؟ مثله في هذا الموضع كان من أبي عليه السلام
(3). 14 - عم، شا: ابن قولويه، عن الكليني، عن أحمد بن مهران، عن محمد بن علي، عن
أبي يحيى الصنعاني قال: كنت عند أبي الحسن عليه السلام فجيئ بابنه أبي جعفر عليه
السلام وهو صغير فقال: هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم على شيعتنا بركة منه
(4). 15 - عم، شا: ابن قولويه، عن الكليني، عن الحسين بن محمد، عن الخيراني عن أبيه
قال: كنت واقفا عند أبي الحسن الرضا عليه السلام بخراسان، فقال قائل: يا سيدي إن
كان كون فالى من ؟ قال: إلى أبي جعفر ابني، وكان القائل
(1) الارشاد ص 298، الكافي ج 1 ص 321. (2)
هذا من علامات الامامة ولعل المراد بأحد كتفيه كتفه اليسرى كما صرحوا به في خاتم
النبوه حيث قالوا: انه عند ناغض كتفه اليسرى، والناغض من الانسان قيل هو اصل العنق
حيث ينغض رأسه، ونغض الكتف هو العظم الرقيق على طرفيها، وقيل: هو فرع الكتف سمى
ناغضا للحركة. وقيل هو مارق من الكتف سمى ذلك لنغوضه وحركته، ومنه قوله تعالى "
فسينغضون اليك رؤوسهم " إى يحركونها استهزاء " صالح ". (3) الكافي ج 1 ص 321،
الارشاد ص 298. (4) الارشاد ص 299، الكافي ج 1 ص 321.
[24]
استصغر سن أبي جعفر فقال أبو الحسن عليه
السلام: إن الله سبحانه بعث عيسى رسولا نبيا صاحب شريعة مبتدأة (1) في أصغر من السن
الذي فيه أبو جعفر عليه السلام (2). 16 - عم، شا: ابن قولويه، عن الكليني، عن علي
بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الوليد، عن يحيى بن حبيب الزيات قال: أخبرني
من كان عند أبي الحسن الرضا عليه السلام فلما نهض القوم قال لهم أبو الحسن الرضا
عليه السلام: القوا أبا جعفر فسلموا عليه وأحدثوا به عهدا. فلما نهض القوم التفت
إلي وقال: يرحم الله المفضل (3) إنه لكان ليقنع بدون ذلك (4). كش: حمدويه، عن محمد
بن عيسى، عن محمد بن عمربن سعيد الزيات، عن
(1) المراد رفع الاستبعاد، واثبات
الامكان، فان القائل الذى استصغر سن أبى جعفر عليه السلام، توهم أن صغر السن -
والحال أنه موجب للحجر عليه - ينافي الامامة وقيادة الامة، فذكره عليه السلام بنبوة
عيسى عليه السلام في شريعة مبتدأة، كما صرح به قوله تعالى " قالوا كيف نكلم من كان
في المهد صبيا ؟ قال: انى عبد الله آتانى الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما
كنت وأوصاتى بالصلاة والزكاة ما دمت حيا ". فإذا امكن وجاز أن يكون الصبى في المهد
صاحب شريعة مبتدأة فكيف لا يمكن ولا يجوز أن يكون أبو جعفر اماما تابعا لشريعة جده
رسول الله " ص " في أكبر من سنه فانه يقوم بأعباء الامامة وله سبع سنين. (2) الكافي
ج 1 ص 322، الارشاد ص 299. (3) أي بدون الامر بالتسليم واحداث العهد، بل كان يكفيه
في احداثه الارشارة أو كان يحدثه بدونها أيضا كما أن الناس يسلمون على ولد العزيز
الشريف ويحدثون به عهدا وملاقاة بدون أمر أبيه بذلك وهم لما لم يفعلوا ذلك الابعد
الامر تذكر عليه السلام حسن فعل المفضل وكمال اعتقاده، فترحم عليه. وفيه لوم لهم
لهذا الوجه وكمال مدح للمفضل، ولكن لم نعلم أن المفضل من هو ؟ لا حتماله رجالا
كثيرا. وتخصيصه بابن عمر تخصيص بلامخصص، والاشتهار لو سلم فانما هو عندنا لا عند
السلف. ويحتمل أن يكون سبب لومهم أنهم تركوا التسليم واحداث العهد بهد الامر، وليس
في هذا الحديث دلالة على أنهم فعلوا ذلك بعده " صالح ". (4) الارشاد ص 299، الكافي
ج 1 ص 322.
[25]
محمد بن حريز، عن بعض أصحابنا مثله (1).
بيان: " ليقنع بدون ذلك " أي بأقل مما قلت لكم في العلم بأنه إمام بعدي ونبههم بذلك
على أن غرضه النص عليه ولم يصرح به تقية واتقاء. 17 - عم: الكليني، عن محمد بن علي،
عن أبي الحكم وروى الصدوق، عن أبيه وجماعة، عن محمد العطار، عن الاشعري، عن عبد
الله بن محمد، عن الخشاب، عن ابن أسباط، عن الحسين مولى أبي عبد الله، عن أبي
الحكم، عن عبد الله بن إبراهيم (2) ابن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، عن
يزيد بن سليط قال: لقيت أبا إبراهيم ونحن نريد العمرة في بعض الطريق، فقلت: جعلت
فداك هل تثبت هذا الموضع الذي نحن فيه ؟ قال: نعم، فهل تثبته أنت ؟ قلت: نعم إني
أنا وأبي لقيناك ههنا مع أبي عبد الله عليه السلام ومعه إخوتك فقال له أبي: بأبي
أنت وامي أنتم كلكم أئمة مطهرون، الموت لا يعرى منه أحد، فاحدث إلي شيئا احدث به من
يخلفني من بعدي، فلا يضلوا، فقال: نعم، يا أبا عمارة هؤلاء ولدي وهذا سيدهم - وأشار
إليك - وقد علم الحكم والفهم، وله السخاء والمعرفة بما يحتاج إليه الناس، وما
اختلفوا فيه من أمر دينهم ودنياهم، وفيه حسن الخلق وحسن الجوار (3) وهو باب
(1) رجال الكشى ص 277 تحت الرقم 154 (2)
هكذا في النسخ كلها، وفى كتب الرجال: عبد الله بن ابراهيم بن محمد بن على ابن عبد
الله بن جعفر بن ابى طالب، ثقة صدوق. (3) في نسخة الكافي " وحسن الجواب " واما حسن
الخلق فهو اصل عظيم من اصول الرئاسة، واختلف العلماء في تعريفه فقيل هو بسط الوجه
وكف الاذى وبذل الندى، وقيل هو كيفية تمنع صاحبها من أن يظلم ويمنع ويجفو أحدا، وان
ظلم غفر، وان منع شكر، و ان ابتلى صبر، وقيل هو صدق التحمل وترك التجمل وحب الاخرة
وبغض الدنيا. وأما حسن الجواب، فهو من دلائل كمال العقل والعلم، لان لسان العاقل
العالم تابع لعقله وعلمه فيجيب إذا سئل بما يقتضيه العقل ويناسب المقام، ويقول ما
يناسب العلم بأحسن العبارة وافصح الكلام " صالح ".
[26]
من أبواب الله عزوجل وفيه آخر خير من هذا
كله. فقال له أبي: وماهي ؟ فقال: يخرج الله منه غوث هذه لامة وغياثها وعلمها ونورها
خير مولود وخير ناشئ يحقن الله به الدماء ويصلح به ات البين ويلم به الشعث به
الصدع، ويكسو به العاري، ويشبع به الجائع، ويؤمن به الخائف، وينزل الله به القطر،
ويرحم به العباد، خير كهل وخير ناشئ، قوله حكم وصمته علم، يبين للناس ما يختلفون
فيه، ويسود عشيرته من قبل أوان حلمه فقال له أبي: بأبي أنت وامي ما يكون له ولد
بعده ؟ فقال: نعم، ثم قطع الكلام. قال يزيد: فقلت له: بأبي أنت وامي فأخبرني أنت
بمثل ما أخبرنا به أبوك فقال لي: نعم إن أبي عليه السلام كان في زمان ليس هذا
الزمان مثله، فقلت له: من يرضى بهذا منك فعليه لعنة الله، قال: فضحك أبو إبراهيم
عليه السلام ثم قال: اخبرك يا أبا عمارة أني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان،
وأشركت معه بني في الظاهر، وأوصيته، في الباطن وأفردته وحده، ولو كان الامر إلي
لجعلته في القاسم لحبي إياه، ورقتي عليه ولكن ذاك إلى الله يجعله حيث يشاء، ولقد
جاء ني بخبره رسول الله صلى الله عليه وآله ثم ارانيه وأراني من يكون بعده، وكذلك
نحن لا نوصي إلى أحد منا حتى يخبره رسول الله صلى الله عليه وآله وجدي علي بن أبي
طالب عليه السلام. ورأيت مع رسول الله صلى الله عليه وآله خاتما وسيفا وعصا وكتابا
وعمامة فقلت: ماهذا يا رسول الله ؟ فقال لي: أما العمامة فسلطان الله، وأما السيف
فعز الله، وأما الكتاب فنور الله، وأما العصافقوة الله، وأما الخاتم فجامع هذه
الامور، ثم قال والامر قد خرج منك إلى غيرك، فقلت: يا رسول الله أرنيه أيهم هو ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما رأيت من الائمة أحدا أجزع على فراق هذا
الامر منك، ولو كانت بالمحبة لكان إسماعيل أحب إلى أبيك منك، ولكن ذاك إلى الله
عزوجل. ثم قال أبو إبراهيم عليه السلام: ورأيت ولدي جميعا الاحياء منهم والاموات
فقال لي أمير المؤمنين عليه السلام: هذا سيدهم، أشار إلى ابني علي فهو مني وأنا منه
والله مع المحسنين.
[27]
قال يزيد: ثم قال أبو إبراهيم عليه
السلام: يا يزيد إنها وديعة عندك، فلا تخبر بها إلا عاقلا أو عبدا تعرفه صادقا وإن
سئلت عن الشهادة فاشهد بها، وهو قول الله عزوجل لنا " إن الله يأمركم أن تؤدوا
الامانات إلى أهلها " (1) وقال لنا: " ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله " (2).
قال: وقال أبو إبراهيم عليه السلام: فأقبلت على رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت:
قد اجتمعوا إلي بأبي أنت وامي فأيهم هو ؟ فقال: هو الذي ينظر بنور الله، ويسمع
بتفهيمه وينطق بحكمته، ويصيب فلا يخطئ، ويعلم فلا يجهل، هو هذا وأخذ بيد علي ابني
ثم قال: ما أقل مقامك معه، فإذا رجعت من سفرتك فأوص وأصلح أمرك وافرغ مما أردت،
فانك منتقل عنه، ومجاور غيرهم، وإذا أردت فادع عليا فمره فليغسلك وليكفنك، وليتطهر
لك (3) ولا يصلح إلا ذلك وذلك سنة قد مضت (4) ثم قال أبو إبراهيم عليه السلام: إني
اؤخذ في هذه السنة، والامر إلى ابني علي سمي علي وعلي فأما علي الاول فعلي بن أبي
طالب عليه السلام، واما علي الآخر فعلي بن الحسين، اعطي فهم الاول وحكمته وبصره
ووده ودينه، ومحنة الاخر وصبره على ما يكره وليس له أن يتكلم إلا بعد موت هارون
بأربع سنين، ثم قال: يا يزيد فإذا مررت بهذا الموضع، ولقيته وستلقاه فبشره أنه
سيولد له غلام أمين مأمون مبارك، وسيعلمك أنك لقيتني فأخبره عند ذلك أن الجارية
التي يكون
(1) النساء: 58. (2) البقرة: 140. (3) في
الكافي " فانه طهر لك " (4) زاد في الكافي بعد ذلك: فاضطجع بين يديه، وصف اخوته
خلفه وعمومته، ومره فليكبر عليك تسعا، فانه قد استقامت وصيته، ووليك وأنت حى، ثم
اجمع له ولدك من بعدهم، فأشهد عليهم وأشهد الله عزوجل وكفى بالله شهيدا قال يزيد:
ثم قال لى: أبو ابراهيم الخ.
[28]
منها هذا الغلام جارية من أهل بيت مارية
القبطية جارية رسول الله صلى الله عليه وآله وإن قدرت أن تبلغها مني السلام فافعل
ذلك. قال يزيد: فلقيت بعد مضي أبي إبراهيم عليا عليهما السلام فبد أني فقال لي: يا
يزيد ما تقول في في العمرة ؟ فقلت فداك أبي وامي ذاك إليك، وما عندي نفقة، فقال:
سبحان الله ما كنا نكلفك ولا نكفيك، فخرجنا حتى إذا انتهينا إلى ذلك الموضع ابتدأني
فقال: يا يزيد إن هذا الموضع لكثيرا ما لقيت فيه خيرا لك (1) من عمرتك فقلت: نعم ثم
قصصت عليه الخبر. فقال عليه السلام لي: أما الجارية فلم تجيئ بعد، فإذا دخلت
أبلغتها منك السلام، فانطلقنا إلى مكة، واشتراها في تلك السنة، فلم تلبث إلا قليلا
حتى حملت فولدت ذلك الغلام، قال يزيد: وكان إخوة علي يرجون أن يرثوه فعادوني من غير
ذنب فقال لهم إسحاق بن جعفر: والله لقد رأيت وإنه ليقعد من أبي إبراهيم عليه السلام
المجلس الذي لا أجلس فيه أنا (2). كتاب الامامة والتبصرة: لعلي بن بابويه، عن محمد
بن يحيى، عن محمد ابن أحمد، عن عبد الله بن محمد الشامي مثله (3). توضيح: في
القاموس " أثبته " عرفه حق المعرفة، " لا يعرى " أي لا يخلو تشبيها للموت بلباس
لابد من ان يلبسه كل أحد " فأحدث إلي " على بناء الافعال أي ألق شيئا حديثا أو حدث
" من يخلفني " من باب نصر أي يبقى بعدي، وفيه رعاية الادب باظهار أني لا أتوقع
البقاء بعدك ولكن أسأل ذلك لاولادي وغيرهم ممن يكون بعدي. " يا أبا عمارة " في
الكافي " يا أبا عبد الله " وهو أصوب لان أبا عمارة كنية ولده
(1) في الكافي: لقيت فيه جيرتك وعمومتك.
(2) راجع الكافي ج 1 ص 215 و 216. (3) راجع عيون أخبار الرضاج 1 ص 23 - 26.
[29]
يزيد " وقد علم " على بناء المجهول من
التفعيل أو بناء المعلوم من المجرد " والحكم " بالضم القضاء أو الحكمة " وحسن
الجوار " أي المجاورة والمخالطة أو الامان " وهو باب " أي لابد لمن أراد دين الله
وطاعته والدخول في دار قربة ورضاه، من الاتيان إليه " وفيه آخر " أي أمر آخر، وفي
الكافي " اخرى " أي خصلة اخرى " من هذا " أي مما ذكرته. " والغوث " العون للمضطر،
والغياث أبلغ منه، وهو اسم من الاغاثة، والمراد بالامة الامامية أو الاعم " والعلم
بالتحريك سيد القوم والراية، وما يهتدى به في الطريق أو بالكسر على المبالغة. "
والنور " ما يصير سببا لظهور الاشياء عند الحس أو العقل وفي الكافي " ونورها وفضلها
وحكمتها ". خير مولود " أي في تلك الازمان أو من غير المعصومين عليهم السلام و "
الناشئ " الحدث الذي جاز حد الصغر أي هو خير في الحالتين " به الدماء " أي من
الشيعة أو الاعم، فان بمسالمته حقنت دماء كلهم، ولعل إصلاح ذات البين، عباره عن
إصلاح ما كان بين ولد علي عليه السلام وولد العباس جهرة " ويلم " بضم اللام أي يجمع
به " الشعث " بالتحريك أي المتفرق من امور الدين والدنيا " يشعب " أي يصلح " به
الصدع " أي الشق، وكسوة العاري وإشباع الجائع وإيمان الخائف مستمر إلى الآن في جوار
روضته المقدسة صلوات الله عليه. وفي النهاية " الكهل " من زاد على ثلاثين سنة إلى
أربعين وقيل: من ثلاث وثلاثين إلى تمام الخمسين انتهى ولعل تكرار خبر ناشئ تأكيدا
لغرابة الخيرية في هذا السن دون سن الكهولة، وعدم ذكر سن الشيب لعدم وصوله عليه
السلام إليه لانه كان له عند شهادته عليه السلام أقل من خمسين سنة. " قوله حكم " أي
حكمة أو قضاء بين الخلق، والاول أظهر " وصمته علم أي مسبب عن العلم لانه يصمت
للتقية والمصلحة لا للجهل بالكلام، وقيل سبب للعلم لانه يتفكر والاول أنسب " يسود "
كيقول أي يصير سيدهم ومولاهم وأشرفهم.
[30]
و " العشيرة " الاقارب القريبة " قبل أوان
حمله " بضم اللام أي احتلامه، والمراد هنا بلوغ السن الذي يكون للناس فيها ذلك لان
الامام لا يحتلم أو بالكسر وهو العقل وهو أيضا كناية عن البلوغ للناس وإلا فهم
كاملون عند الولادة أيضا. " ما يكون له ولد " المناسب في الجواب بلى، وقد يستعمل "
نعم " مكانه، و في العيون " فيكون له ولد بعده " وهو أصوب، وفي الكافي " وهل ولد،
فقال: نعم ومرت به سنون قال يزيد: فجاءنا من لم يستطع معه كلاما، قال يزيد فقلت إلى
آخره " وفيه إشكال إذ ولادة الرضا عليه السلام إما في سنة وفاة الصادق عليه السلام،
أو بعدها بخمس سنين كما عرفت، إلا أن يقال إن سليطا سأل أبا إبراهيم عليه السلام
بعد ذلك بسنين. " ليس هذا الزمان مثله " لشدة التقية، في الكافي " زمان ليس هذا
زمانه " أي زمان حسن، وليس هذا زمانه، استيناف أي زمان الاخبار وما هنا أظهر. " في
الظاهر " أي فيما يتعلق بظاهر الامر من الأموال ونفقة العيال، و نحوهما " في الباطن
" أي فيما يتعلق بالامامة من الوصية بالخلافة، وإيداع الكتب والاسلحة وغيرها أو في
الظاهر عند عامة الخلق، وفي الباطن عند الخواص، أو المراد بالظاهر بادي الفهم
وبالباطن ما يظهر للخواص بعد التأمل، فانه عليه السلام في الوصية (1) وإن أشرك بعض
الاولاد معه، لكن قرنه بشرائط يظهر فيها أن اختيار الكل إليه عليه السلام، أو
المراد بالظاهر الوصية الغوقانيه، وبالباطن التحتانية. " ولقد جاءني " المجيئ
والارائة إما في المنام كما يظهر من رواية العيون أو في اليقظة بأجسادهم المثالية
أو بأجسادهم الاصلية على قول بعضهم " وأراني من يكون معه " أي في زمانه من خلفاء
الجور أو من شيعته ومواليه أو الاعم، ولما كان في المنام وما يشبهه من العوالم ترى
الاشياء بصورها المناسبة لها أعطاه العمامة فانها بمنزلة تاج الملك والسلطنة. وقد
ورد أن العمائم تيجان العرب، وكذا السيف للعز والغلبة صورة لها
(1) في نسخة الكمبانى " فاعلانه عليه
السلام بالوصية " وهو سهو وتصحيف.
[31]
والكتاب نور الله وسبب لظهور الاشياء على
العقل، والمراد به جميع ما أنزل الله على الانبياء و " العصا " سبب للقوة وصورة
لها، إذ به يدفع شر العدى، يحتمل أن يكون كناية عن اجتماع الامة عليه من المؤالف
والمخالف، ولذا يكنى عن افتراق الكلمة بشق العصا، والخاتم جامع هذه الامور، لانه
علامة الملك و الخلافة الكبرى في الدين والدنيا. " قد خرج منك " أي قرب انتقال
الامامة منك إلى غيرك، أو خرج اختيار تعيين الامام من يدك، ولعل جزعه عليه السلام
لعلمه بمنازعة إخوته له، واختلاف شيعته فيه، وقيل: لانه كان يحب أن يجعله في
القاسم، ولعل حبه للقاسم كناية عن اجتماع أسباب الحب ظاهرا فيه ككون امه محبوبة له،
وغير ذلك، أو كان الحب واقعا بسبب الدواعي البشرية أو من قبل الله تعالى ليعلم
الناس أن الامامة ليست تابعة لمحبة الوالد أو يظهر ذلك لتلك المصلحة " فهو مني "
كلام أبي إبراهيم أو أمير المؤمنين عليهما السلام وهذه العبارة تستعمل لا ظهار غاية
المحبة والاتحاد والشركة في الكمالات " إنها وديعة " أي الشهادة أو الكلمات
المذكورة (1) " أو عبدا تعرفه صادقا " أي في دعواه التصديق بامامتي بأن يكون فعله
موافقا لقوله، والمراد بالعاقل من يكون ضابطا حصينا وإن لم يكن كامل الايمان، فان
المانع من إفشاء السر إما كمال العقل والنظر في العواقب أو الديانة والخوف من الله
تعالى، وكون الترديد من الراوي بعيد. وقوله " وإن سئلت " كأنه استثناء عن عدم
الاخبار أي لابد من الاخبار عند الضرورة، وإن لم يكن المستشهد عاقلا وصادقا، ويحتمل
أن يكون المراد أداء الشهادة عندهما لقوله تعالى: " إلى أهلها " " فاشهد بها " أي
بالامامة أو بالشهادة بناء على أن المراد بالشهادة شهادة الامام، " وهو قول الله "
أي أداء هذه الشهادة داخل في المأمور به في الاية " وقال لنا " أي لا جلنا وإثبات
إمامتنا " من الله " صفة شهادة.
(1) في نسخة الكمبانى: الكمالات المذكورة
" وهو تصحيف.
[32]
" فأيهم هو " لعل هذا السؤال لزيادة
الاطمئنان أو لان يخبر الناس بتعيينه صلى الله عليه وآله أيضا إياه. " بنور الله "
الباء للالة أي بالنور الخاص الذي جعله الله في عينه وفي قلبه وهو إشارة إلى ما
يظهر له بالالهام، وبتوسط روح القدس وقوله: " ويسمع بفهمه " إلى ما سمعه من آبائه
عليهم السلام " فلا يجهل " أي شيئا مما تحتاج الامة إليه " معلما " بتشديد اللام
المفتوحة إيماء إلى قوله تعالى " وكلا آتينا حكما وعلما " (1) " فإذا رجعت " أي إلى
المدينة " من سفرتك " أي التي تريدها أو أنت فيها هو السفر إلى مكة، وفي الكافي "
سفرك " " فإذا أردت " يعني الوصية أو على بناء المجهول أي أرادك الرشيد ليأخذك "
وليتطهر لك " أي ليغتسل قبل تطهيرك وفي الكافي فانه طهر لك وهو أظهر أي تغسيله لك
في حياتك طهر لك وقائم مقام غسلك من غير حاجة إلى تغسيل آخر بعد موتك ولا يصلح إلا
ذلك وفي الكافي: ولا يستقيم إلا ذلك أي لا يستقيم تطهيرك إلا بهذا النحو، وذلك لان
المعصوم لا يجوز أن يغسله إلا معصوم ولم يكن غير الرضا عليه السلام وهو غير شاهد إذ
حضره الموت، ويرد عليه أنه ينافي ما مر من أن الرضا عليه السلام حضر غسل والده
صلوات الله عليهما في بغداد، ويمكن الجواب بأن هذا كان لرفع شبهة من لم يطلع على
حضوره عليه السلام أو يقال يلزم الامران جميعا في الامام الذي يعلم أنه يموت في غير
بلد ولده. وفي الكافي بعد ذلك: " وذلك سنة قد مضت، فاضطجع بين يديه وصف إخوته خلفه
وعمومته، ومره فليكبر عليك تسعا فانه قد استقامت وصيته ووليك وأنت حي ثم أجمع له
ولدك من تعدهم فأشهد عليهم وأشهد الله عزوجل عليهم وكفى بالله وكيلا قال يزيد " إلى
آخره. وصف إخوته: أي أقمهم خلفه صفا ولعل التسع تكبيرات من خصائصهم عليهم السلام
كما يظهر من غيره من الاخبار أيضا، وقيل إنه عليه السلام أمره بأن يكبر أربعا
(1) الانبياء: 79.
[33]
ظاهرا للتقية وخمسا سرا ولا يخفى وهنه إذ
إظهار مثل هذه الصلاة في حال الحياة كيف يمكن إظهارها عند المخالفين. " ووليك "
معلوم باب رضي أي قام بامورك من التغسيل والتكفين والصلاة والواو للحال " من تعدهم
" بدل من ولدك، بدل كل، أي جميعهم أو بدل بعض أي من تعتني بشأنهم كأن غيرهم لا
تعدهم من الاولاد، وفي بعض النسخ بالباء الموحدة إما بالفتح أي من بعد جميع
العمومة، أو بالضم أي أحضرهم وإن كانوا بعداء عنك. " فاشهد عليهم " أي اجعل غيرهم
من الاقارب شاهدين عليهم بأنهم أقروا بامامة أخيهم " أني اؤخذ " على بناء المجهول "
سمي علي " أي مثله في الكمالات كما قبل في قوله تعالى " لم نجعل له من قبل سميا "
(1) أي نظيرا يستحق مثل اسمه " اعطي فهم الاول " أي أمير المؤمنين عليه السلام "
ووده " أي الحب الذي جعل الله في قلوب المؤمنين كما مر في تفسير قوله تعالى " إن
الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا " أنه نزل في أمير المؤمنين
عليه السلام (2) " ومحنته " أي امتحانه وابتلاءه بأذى المخالفين له، وخذلان أصحابه
له. " وليس له أن يتكلم " أي بالحجج ودعوى الامامة جهارا " وستلقاه " فيه إعجاز
وتصريح بما فهم من " إذا " الدالة على وقوع الشرط بحسب الوضع " فلقيت " أي في
المدينة " ولانكفيك " الواو عاطفة أو حالية " خير الك من عمرتك " وفي الكافي: جيرتك
وعمومتك " جيرتك " أي مجاوريك في الدار أو المعاشرة و " عمومتك " أراد بهم أبا عبد
الله وأبا الحسن عليهما السلام وأولادهما وسماهم عمومته لان يزيد كان من أولاد زيد
ابن علي ولذا وصفه في الكافي بالزيدي وولدا العم بحكم العم، أبلغتها منك وفي
(1) مريم: 7. (2) راجع ج 35 الباب 14 ص
360 - 353 من تاريخ أمير المؤمنين " ع "، والاية في سورة مريم: 96.
[34]
الكافي بلغتها منه، فيحتمل التكلم
والخطاب، ومعاداة الاخوة إما لزعمهم أن التبشير كان سببا لشرا الجارية، أو الزعمهم
أنه كان متوسطا في الشراء، وعدم الذنب على الاول لكونه مأمورا وعلى الثاني لكذب
زعمهم " فقال لهم إسحاق ": أي عم الرضا عليه السلام " وإنه " الواو للحال: والحاصل
أن موسى كان يكرمه، و يجلسه قريبا منه في مجلس لم أكن أجلس منه بذلك القرب مع أني
كنت أخاه و إنما قال ذلك إصلاحا بينه وبينهم، وحثا لهم على بره وإكرامه. 18 - كش:
حمدويه وإبراهيم عن محمد بن عيسى، عن مسافر قال: أمرني أبو الحسن عليه السلام
بخراسان فقال: الحق بأبي جعفر فانه صاحبك (1) 19 - كش: حمدويه بن نصير، عن الحسن بن
موسى، عن ابن أبي نجران عن الحسين بن يسار قال: استأذنت أنا والحسين بن قياما على
الرضا عليه السلام في صريا فأذن لنا، فقال: أفرغوا من حاجتكم فقال له الحسين: تخلو
الارض من أن يكون فيها إمام ؟ فقال: لاقال: فيكون فيها اثنان ؟ قال: لا إلا وأحدهما
صامت لا يتكلم قال: فقد علمت أنك لست بامام، قال: ومن أين علمت ؟ قال: إنه ليس لك
ولد وإنما هي في العقب قال: فقال له: فوالله لا تمضي الايام والليالي حتى يولد لي
ذكر من صلبي، يقوم مثل مقامي، يحق الحق ويمحق الباطل (2). 20 - نص: علي بن محمد
الدقان، عن محمد بن الحسن، عن عبد الله بن جعفر عن محمد بن أحمد بن أبي قتادة، عن
المحمودي، عن إسحاق بن إسماعيل بن نوبخت عن إبراهيم بن أبي محمود قال: كنت واقفا
عند رأس أبي الحسن علي بن موسى عليه السلام بطوس قال له بعض من كان عنده: إن حدث
حدث فالى من ؟ قال: إلى ابني محمد وكأن السائل استصغر سن أبي جعفر عليه السلام فقال
له أبو الحسن علي بن موسى عليه السلام إن الله بعث عيسى بن مريم عليه السلام نبيا
[ثابتا] باقامة شريعته في دون السن الذي
(1) رجال الكشى تحت الرقم 367 (2) رجال
الكشى تحت الرقم 427.
[35]
اقيم فيه أبو جعفر ثابتا على شريعته (1).
21 - نص: محمد بن علي، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن ابن أبي الخطاب وأحمد بن
محمد بن عيسى، عن ابن بزيع، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام أنه سئل أو قيل له
أتكون الامامة في عم أو خال ؟ فقال: لا فقال: في أخ ؟ قال: لا، قال: ففي من ؟ قال:
في ولدي وهو يومئذ لاولد له (2). 22 - نص: علي بن محمد، عن محمد بن الحسن، عن
الحميري، عن ابن عيسى عن البزنطي، عن عقبة بن جعفر قال: قلت لابي الحسن الرضا عليه
السلام: قد بلغت ما بلغت وليس لك ولد، فقال: يا عقبة إن صاحب هذا الامر لا يموت حتى
يرى خلفه من بعده (3). 23 - نص: بهذا الاسناد، عن عبد الله بن جعفر قال: دخلت على
الرضا عليه السلام أنا وصفوان بن يحيى وأبو جعفر عليه السلام قائم قد أتى له ثلاث
سنين، فقلنا له: جعلنا الله فداك إن - وأعوذ بالله - حدث حدث فمن يكون بعدك ؟ قال:
ابني هذا وأومأ إليه، قال: فقلنا له: وهو في هذا السن ؟ قال: نعم، وهو في هذا السن
إن الله تبارك وتعالى احتج بعيسى عليه السلام وهو ابن سنتين (4). 24 - كا: عدة من
أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن يحيى الصنعاني قال: دخلت على أبي
الحسن الرضا عليه السلام وهو بمكة وهو يقشر موزا ويطعم أبا جعفر عليه السلام فقلت
له: جعلت فداك هو المولود المبارك ؟ قال: نعم، يا يحيى هذا المولود الذي لم يولد في
الاسلام مثله مولود أعظم بركة على شيعتنا منه (5).
(1 - 4) كفاية الاثرص 324. (5) الكافي ج 6
ص 360 وفيه حديث آخر هكذا: عدة من اصحابنا، عن أحمد بن أبى عبد الله، عن أبيه، عن
محمد بن أبى عمير عن يحيى بن موسى الصنعانى قال: دخلت على أبى الحسن الرضا عليه
السلام بمنى وأبو جعفر الثاني عليه السلام على فخذه، وهو يقشر له موزا ويطعمه. ثم
انه قد مضى تحت الرقم 14 من الباب الذى نحن فيه عن الارشاد والكافي حديث وفيه "
أبويحيى الصنعانى ". (*)
[36]
25 - كا: الحسين بن محمد، عن المعلى، عن
محمد بن جمهور، عن معمر بن خلاد قال: سمعت إسماعيل بن إبراهيم يقول للرضا عليه
السلام: إن ابني في لسانه ثقل فأنا أبعث به إليك غدا تمسح على رأسه وتدعو له فإنه
مولاك، فقال: هو مولى أبي جعفر، فابعث به غدا إليه (1). 26 - كا: الحسين بن محمد،
عن محمد بن أحمد النهدي، عن محمد بن خلاد الصيقل، عن محمد بن الحسن بن عمار قال:
كنت عند علي بن جعفر بن محمد جالسا بالمدينة، وكنت أقمت عنده سنتين أكتب عنه ما سمع
من أخيه يعني أبا الحسن إذ دخل عليه أبو جعفر محمد بن علي الرضا المسجد مسجد رسول
الله صلى الله عليه وآله فوثب علي ابن جعفر بلا حذاء ولا رداء فقبل يده وعظمه، فقال
له أبو جعفر عليه السلام: يا عم اجلس رحمك الله ؟ فقال: يا سيدي كيف أجلس وأنت
قائم. فلما رجع علي بن جعفر إلى مجلسه، جعل أصحابه يوبخونه، ويقولون: أنت عم، أبيه
وأنت تفعل به هذا الفعل ؟ فقال: اسكتوا ! إذا كان الله عزوجل - وقبض على لحيته - لم
يؤهل هذه الشيبة وأهل هذا الفتى ووضعه حيث وضعه انكر فضله ؟ نعوذ بالله مما تقولون
بل أناله عبد (2)..
(1) الكافي ج 1 ص 321. (2) الكافي ج 1 ص
322.
[37]
3 * (باب) * * (معجزاته صلوات الله عليه)
* 1 - ير: علي بن إسماعيل، عن محمد بن عمر، عن علي بن أسباط قال: رأيت أبا جعفر
عليه السلام قد خرج علي فأحددت النظر إليه وإلى رأسه وإلى رجله لاصف قامته لاصحابنا
بمصر فخر ساجدا وقال: إن الله احتج في الامامة بمثل ما احتج في النبوة، قال الله
تعالى: " وآتيناه الحكم صبيا " (1)، وقال الله: " فلما بلغ أشده (2) " وبلغ أربعين
سنة " (3) فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبي، ويجوز أن يؤتى وهو ابن أربعين سنة (4).
قب: عن معلى بن محمد، عن ابن أسباط مثله (5). يج: عن ابن أسباط مثله. شا: ابن
قولويه، عن الكليني، عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن ابن أسباط مثله (6). 2
- ير: محمد بن عيسى، عن إبراهيم بن محمد قال: كان أبو جعفر محمد بن علي كتب إلي
كتابا وأمرني أن لا أفكه حتى يموت يحيى بن أبي عمران قال:
(1) مريم: 13. (2) يوسف: 22. (3) الاحقاف:
15. (4) بصائر الدرجات ص 238. (5) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 389. (6) الارشاد ص 340،
الكافي ج 1 ص 494.
[38]
فمكث الكتاب عندي سنين فلما كان اليوم
الذي مات فيه يحيى بن أبي عمران فككت الكتاب فإذا فيه: قم بما كان يقوم به أو نحو
هذا من الامر. قال: وحدثني يحيى وإسحاق ابنا سليمان بن داود أن إبراهيم أقرء هذا
الكتاب في المقبرة يوما مات يحيى وكان إبراهيم يقول كنت لا أخاف الموت ماكان يحيى
بن أبي عمران حيا (1) وأخبرني بذلك الحسن بن عبد الله بن سليمان (2). قب: عن
إبراهيم مثله (3). 3 - ير: محمد بن حسان، عن علي بن خالد وكان زيديا قال: كنت في
العسكر فبلغني أن هناك رجلا محبوسا اتي به من ناحية الشام مكبولا، وقالوا: إنه تنبأ
قال: علي فداريت القوادين (4) والحجبة، حتى وصلت إليه فإذا رجل له فهم. فقلت له: يا
هذا ما قصتك وما أمرك ؟ فقال لي: كنت رجلا بالشام أ عبد الله في الموضع الذي يقال
له: (5) موضع رأس الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام فبينا
(1) عنونه في نقد الرجل وقال: يحيى بن أبى
عمران تلميذ يونس بن عبد الرحمان روى عنه ابراهيم بن هاشم، قاله الصدوق في مشيخة
الفقيه. (2) بصائر الدرجات ص 263 الجزء 6 ب 1 ح 2 و 3. (3) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص
397. (4) البوابين خ ل. (5) يقال انه نصب فيه رأس الحسين عليه السلام، فبينا أناذات
ليلة في موضعي مقبل على المحراب: أذكر الله تعالى، إذ رأيت شخصا بين يدى، فنظرت
إليه فقال لي: قم فقمت فمشى بى قليلا فإذا أنا في مسجد الكوفة. فقال لي: أتعرف هذا
المسجد ؟ فقلت: نعم، هذا مسجد الكوفة، قال: فصلى وصليت معه، ثم انصرف وانصرفت معه،
فمشى قليلا فإذا نحن بمسجد الرسول صلى الله عليه وآله فسلم على الرسول وصليت معه ثم
خرج وخرجت معه، فمشى قليلا فإذا أنا بمكة فطاف بالبيت وطفت معه، ثم خرج ومشى قليلا
فإذا أنا في موضعي الذى أ عبد الله فيه بالشام وغاب الشخص عن عينى.
[39]
أنا في عبادتي إذ أتاني شخص فقال: قم بنا
قال: فقمت معه قال: فبينا أنا معه إذا أنا في مسجد الكوفة، فقال لي: تعرف هذا
المسجد ؟ قلت: نعم، هذا مسجد الكوفة قال: فصلى وصليت معه فبينا أنا معه إذا أنا في
مسجد المدينة قال: فصلى وصليت معه وصلى على رسول الله صلى الله عليه وآله ودعا له
فبينا أنا معه إذا أنا بمكة، فلم أزل معه حتى قضى مناسكه وقضيت مناسكي معه قال:
فبينا أنا معه إذا أنا بموضعي الذي كنت أ عبد الله فيه بالشام قال: ومضى الرجل.
قال: فلما كان عام قابل في أيام الموسم إذا أنا به وفعل بي مثل فعلته الاولى فلما
فرغنا من مناسكنا وردني إلى الشام وهم بمفار قتي قلت له: سألتك بحق الذي
- > فبقيت متعجبا حولا مما رأيت، فلما كان
في العام المقبل رأيت ذلك الشخص فاستبشرت به ودعانى فأجبته، ففعل كما فعل في العام
الماضي، فلما أراد مفارقتي بالشام قلت له: سألتك بالذى أقدرك على ما رأيت منك الا
أخبرتني من أنت ؟ قال: أنا محمد بن على بن موسى ابن جعفر بن محمد بن على بن الحسين
بن على بن أبى طالب. فحدثت من كان يصير إلى بخبره، فرقى ذلك إلى محمد بن عبد الملك
الزيات فبعث إلى من أخذني وكبلني في الحديد، وحملنى إلى العراق، وحبست كما ترى،
وادعى على المحال. فقلت له: أرفع القصة إلى محمد بن عبد الملك ؟ قال: افعل ! فكتبت
عنه قصة شرحت أمره فيها، ورفعتها إلى محمد بن عبد الملك: فوقع في ظهرها: قل للذى
اخرجك من الشام في ليلة إلى الكوفة، ومن الكوفة إلى المدينة ومن المدينة إلى مكة ;
وردك من مكة إلى الشام أن يخرجك من حبسك هذا. قال على بن خالد: فغمنى ذلك من أمره،
وانصرفت محزونا عليه، فلما كان من الغد، باكرت إلى الحبس لاعلم الحال، وآمره
بالصبرو العزاء، فوجدت الجند وأصحاب الحرس وخلقا عظيما من الناس يهرعون، فسألت عن
حالهم فقيل لى: المتنبي المحمول من الشام افتقد البارحة من الحبس، إلى آخر الخبر.
كذا في الارشاد والاعلام نقلا عن الكليني، مع أن روايته في الكافي موافق لما في
البصائر الا شاذا. منه عفى عنه. أقول: هذا نص ما ذكره - رضوان الله عليه - بخط يده
في هامش نسخة الاصل.
[40]
أقدرك على ما رأيت إلا أخبرتني من أنت ؟
قال: فأطرق طويلا ثم نظر إلي فقال: أنا محمد بن علي بن موسى. فتراقى الخبر حتى
انتهى الخبر إلى محمد بن عبد الملك الزيات، قال: فبعث إلى فأخذني وكبلني في الحديد،
وحملني إلى العراق وحبسني كما ترى. قال: قلت له: أرفع قصتك إلى محمد بن عبد الملك ؟
فقال: ومن لي يأتيه بالقصة قال: فأتيته بقرطاس ودواة فكتب قصته إلى محمد بن عبد
الملك فذكر في قصته ما كان قال: فوقع في القصة: قال للذي أخرجك في ليلة من الشام
الى الكوفة، و من الكوفة، إلى المدينة، ومن المدينة إلى المكان أن يخرجك من حبسك.
قال علي: فغمني أمره ورققت له، وأمرته بالعزاء، قال: ثم بكرت عليه يوما فإذا الجند،
وصاحب الحرس، وصاحب السجن، وخلق عظيم، يتفحصون حاله قال: فقلت: ماهذا ؟ قالوا:
المحمول من الشام الذي تنبأ افتقد البارحة لا ندري خسف به الارض، أو اختطفه الطير
في الهواء ؟ وكان علي بن خالد هذا زيديا فقال بالامامة بعد ذلك، وحسن اعتقاده (1).
عم، شا: ابن قولويه، عن الكليني (2) عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن حسان مثله (3).
بيان: " العسكر " اسم سر من رأى، والكبل القيد الضخم " فتراقى الخبر " أي تصاعد
وارتفع " محمد بن عبد الملك " كان وزير المعتصم وبعد وزيرا لابنه الواثق هارون ابن
المعتصم وكان أبوه يبيع دهن الزيت في بغداد " والحرس " بالتحريك جمع الحارس ويقال "
اختطفه " إذا استلبه بسرعة.
(1) بصائر الدرجات ص 402 ورواه في الخرائج
ص 208 وفى كشف الغمة ج 3 ص 210 أيضا فراجعه. (2) الكافي ج 1 ص 492 و 493. (3) ارشاد
المفيد ص 205.
[41]
4 - يج: عن أبي هاشم الجعفري قال: دخلت
على أبي جعفر الثاني ومعي ثلاث رقاع غير معنونة واشتبهت علي واغتممت لذلك فتناول
إحداهن وقال: هذه رقعة زياد بن شبث (1)، وتناول الثانية وقال: هذه رقعة محمد بن أبي
حمزة، و تناول الثالثة وقال: هذه رقعة فلان، فبهت (2) فنظر إلي وتبسم (3). شا: ابن
قولويه، عن الكليني (4) عن علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن أبي هاشم مثله (5). قب:
ابن عياش في كتاب أخبار أبي هاشم مثله (6). 5 - يج: روى الحميري أن أبا هاشم قال:
إن أبا جعفر أعطاني ثلاثمائة دينار في صرة وأمرني أن أحملها إلى بعض بني عمه، وقال:
أما إنه سيقول لك دلني على من أشتري بها منه متاعا فدله، قال: فأتيته بالدنانير،
فقال لي: يا أبا هاشم دلني علي حريف يشتري بها متاعا ففعلت (7). شا: بالاسناد
المتقدم، عن أبي هاشم مثله (8). قب: ابن عياش في كتاب أخبار أبي هاشم مثله (9). 6 -
يج: روي عن أبي هاشم، قال: كلفني جمالي أن اكلم أبا جعفر له ليدخله في بعض اموره
قال: فدخلت عليه لاكلمه فوجدته مع جماعة فلم يمكني
(1) ريان بن شبيب خ ل. (2) يقال: باه له
بيها: تنبه له. (3) مختا الخرائج ص 237. (4) الكافي ج 1 ص 495. (5) ارشاد المفيد ص
306. (6) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 390. (7) لم نجده في مختار الخرائج، راجع الكافي
ج 1 ص 495. (8) ارشاد المفيد ص 306. (9) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 390.
[42]
كلامه، فقال: يا أبا هاشم كل ! وقد وضع
الطعام بين يديه، ثم قال ابتداء منه من غير مسألة مني: يا غلام انظر الجمال الذي
آتانا أبو هاشم فضمه إليك (1). عم: عن الحميري، عن أبي هاشم مثله. شا: بالاسناد
المتقدم، عن أبي هاشم مثله (2). 7 - يج: روي عن أبي هاشم قال: دخلت عليه عليه
السلام ذات يوم بستانا فقلت له: جعلت فداك إني مولع بأكل الطين، فادع الله لي فسكت
ثم قال بعد أيام: يا أبا هاشم قد أذهب الله عنك أكل الطين، قلت: ما شئ أبغض إلي منه
(3). شا: بالاسناد المتقدم (4) عن أبي هاشم مثله (5). عم: عن أبي هاشم مثله. 8 -
يج: قال أبو هاشم جاء رجل إلى محمد بن علي بن موسى عليهم السلام فقال: يا ابن رسول
الله إن أبي مات وكان له مال ولست أقف على ماله، ولي عيال كثيرون وأنا من مواليكم
فأغثني فقال أبو جعفر عليه السلام: إذا صليت العشاء الآخرة فصل على محمد وآل محمد
فان أباك يأتيك في النوم، ويخبرك بأمر المال. ففعل الرجل ذلك فرأى أباه في النوم
فقال: يا بني مالي في موضع كذا فخذه واذهب إلى ابن رسول الله صلى الله عليه وآله
فأخبره أني دللتك على المال، فذهب الرجل فأخذ المال وأخبر الامام بأمر المال، وقال:
الحمدلله الذي أكرمك واصطفاك (6).
(1) لم نجده في مختار الخرائج، راجع
الكافي ج 1 ص 495. (2) ارشاد المفيدص 306. (3) لم نجده في مختار الخرائج المطبوع.
(4) يعنى ابن قولويه عن الكليني راجع الكافي ج 1 ص 495 (5) ارشاد المفيد ص 307 (6)
مختار الخرائج والجرائج ص 237.
[43]
8 - قب: ابن عياش في كتاب أخبار أبي هاشم
مثله (1) ثم قال: وفي رواية ابن أسباط وهو إذ ذاك خماسي: إلا أنه لم يذكر موت
والده. أقول: روى في إعلام الورى أخبار أبي هاشم هكذا: وفي كتاب أخبار أبي هاشم
الجعفري للشيخ أبي عبد الله أحمد بن محمد بن عياش الذي أخبرني بجميعه السيد محمد بن
الحسين الحسيني الجرجاني عن والده عن الشريف أبي الحسين طاهر بن محمد الجعفري، عن
أحمد بن محمد العطار (2) عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبي هاشم الجعفري. 9 -
يج: يوسف بن السخت، عن صالح بن عطية الاصحب قال: حججت فشكوت إلى أبي جعفر عليه
السلام الوحدة فقال: أما إنك لا تخرج من الحرم حتى تشتري جارية ترزق منها ابنا،
فقلت تسير إلى ؟ قال: نعم، وركب إلى النخاس وكتب إلى جارية (3) فقال اشترها،
فاشتريتها فولدت محمدا ابني. 10 - يج: أحمد بن هلال، عن امية بن علي القيسي. قال:
دخلت أنا وحماد بن عيسى علي أبي جعفر بالمدينة لنودعه فقال لنا: لا تخرجا أقيما إلى
غد قال: فلما خرجنا من عنده، قال حماد: أنا أخرج فقد خرج ثقلي، قلت: أما أنا فاقيم
قال: فخرج حماد فجرى الوادي تلك الليلة فغرق فيه وقبره بسيالة. كشف: من دلائل
الحميري عن امية مثله (4). 11 - يج: داود بن محمد النهدي، عن عمران بن محمد الاشعري
قال: دخلت على أبي جعفر الثاني عليه السلام وقضيت حوائجي وقلت له: إن ام الحسن
تقرئك السلام وتسألك ثوبا من ثيابك تجعله كفنا لها قال: قد استغنت عن ذلك، فخرجت
(1) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 391 وفيه:
الحسن بن على ان رجلا جاء إلى التقى عليه السلام وقال: ادركني يا ابن رسول الله
الخ. (2) في نسخة الكمبانى " أحمد بن محمد بن العياش ". (3) أي أشار الى جارية. (4)
كشف الغمة ج 3 ص 218.
[44]
ولست أدري ما معنى ذلك، فأتاني الخبر
بأنها قد ماتت قبل ذلك بثلاثة عشر يوما أو أربعة عشر يوما (1). كشف: من دلائل
الحميري، عن عمران مثله (2). 12 - يج: ابن عيسى، عن محمد بن سهل بن اليسع قال كنت
مجاورا بمكة فصرت إلى المدينة فدخلت على أبي جعفر الثاني عليه السلام وأردت أن
أسأله عن كسوة يكسونيها فلم يتفق أن أسأله حتى ودعته وأردت الخروج فقلت أكتب إليه
وأسأله قال: فكتبت إليه الكتاب فصرت إلى المسجد على أن اصلي ركعتين وأستخير الله
مائة مرة، فان وقع في قلبي أن أبعث والله (3) بالكتاب بعثت، وإلا خرقته، ففعلت فوقع
في قلبي أن لا أبعث فخرقت الكتاب، وخرجت من المدينة، فبينما أنا كذلك إذا رأيت
رسولا ومعه ثياب في منديل يتخلل القطار، ويسأل عن محمد بن سهل القمي حتى انتهى إلي
وفقال: مولاك بعث إليك بهذا وإذا ملاءتان، قال أحمد بن محمد فقضى الله أني غسلته
حين مات فكفنه فيهما (4). بيان: الملاءة بالضم الثوب اللين الرقيق. 13 - يج: سهل بن
زياد، عن ابن حديد (5) قال: خرجت مع جماعة حجاجا فقطع علينا الطريق، فلما دخلت
المدينة لقيت أبا جعفر عليه السلام في بعض الطريق فأتيته إلى المنزل فأخبرته بالذي
أصابنا فأمر لي بكسوة وأعطاني دنانير، وقال: فرقها على أصحابك، على قدر ما ذهب،
فقسمتها بينهم، فإذا هي على قدر ما ذهب منهم لا أقل ولا أكثر. 14 - يج: روى يحيى بن
أبي عمران قال: دخل من أهل الري جماعة من
(1) مختار الخرائج والجرائح ص 237. (2)
كشف الغمة ج 3 ص 217. (3) كأنه مصحف والصحيح: " أن أبعث إليه ". (4) مختار الخرائج
والجرائح ص 273. (5) في نسخة الكمبانى " أحمد بن حديد ".
[45]
أصحابنا على أبي جعفر عليه السلام وفيهم
رجل من الزيدية، قالوا فسألنا عن مسائل فقال أبو جعفر لغلامه: خذ بيد هذا الرجل
فاخرجه، فقال الزيدي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه
وآله وأنك حجة الله. 15 - يج: روى أبو سليمان عن صالح بن داود اليعقوبي قال: لما
توجه في استقبال المأمون إلى ناحية الشام أمر أبو جعفر عليه السلام أن يعقد ذنب
دابته وذلك في يوم صائف شديد الحر لا يوجد الماء، فقال بعض من كان معه: لا عهد له
بر كوب الدواب فان موضع (1) عقد ذنب البرذون غير هذا، قال: فما مررنا إلا يسيرا حتى
ضللنا الطريق بمكان كذا، ووقعنا في وحل كثير، ففسد ثيابنا وما معنا ولم يصبه شئ من
ذلك (2). 16 - يج: روي أن أبا جعفر عليه السلام قال لنا يوما ونحن في ذلك الوجه:
أما إنكم ستضلون الطريق بمكان كذا وتجدونها في مكان كذا بعدما يذهب من الليل كذا،
فقلنا: ما علم هذا ولا بصر له بطريق الشام فكان كما قال. 17 - يج: روي عن عمران بن
محمد قال: دفع إلي أخي درعة أحملها إلى أبي جعفر عليه السلام مع أشياء فقدمت بها
ونسيت الدرع، فلما أردت أن اودعه، قال لي: احمل الدرع. وسألتني والدتي أن أسأله
قميصا من ثيابه فسألته فقال لي: ليس بمحتاج إليه (3) فجائني الخبر أنها توفيت قبل
بعشرين يوما. 18 - يج: روي عن ابن اروبه (4) أنه قال: إن المعتصم دعا جماعة من
وزرائه فقال: اشهدوا لي على محمد بن علي بن موسى زورا واكتبوا أنه أراد أن يخرج ثم
(1) الظاهر " موقع " بدل " موضع ". (2)
مختار الخرائج ص 237. (3) في الكمبانى: ليس طالبه بمحتاج. وهو تصحيف. (4) ارومة، خ
ل - وفى المصدر " أبى ارومة " ولعله ابن اورمة وهو محمد بن اورمة الاتى ذكره.
[46]
دعاه فقال: إنك أردت أن تخرج علي فقال:
والله ما فعلت شيئا من ذلك، قال: إن فلانا وفلانا شهدوا عليك فاحضروا فقالوا: نعم
هذه الكتب أخذناها من بعض غلمانك، قال: وكان جالسا في بهو فرفع أبو جعفر عليه
السلام يده وقال: اللهم إن كانوا كذبوا علي فخذهم، قال: فنظرنا إلى ذلك البهو كيف
يرجف ويذهب ويجيئ و كلما قام واحد وقع المعتصم: يا ابن رسول الله إنى تائب مما قلت،
فادع ربك أن يسكنه فقال: اللهم سكنه إنك تعلم أنهم أعداؤك وأعدائي فسكن (1) بيان:
قال الجوهري البهو البيت المقدم أمام البيوت (2). 19 - يج: كتب جماعة من الاصحاب
رقاعا في حوائج وكتب رجل من الواقفة رقعة وجعلها بين الرقاع، فوقع الجواب بخطه في
الرقاع إلا رقعة الواقفي لم يجب فيها بشئ. 20 - يج: عن محمد بن ميمون أنه كان مع
الرضا عليه السلام بمكة قبل خروجه إلى خراسان قال قلت له: إني اريد أن أتقدم إلى
المدينة فاكتب معي كتابا إلى أبي جعفر عليه السلام فتبسم وكتب وصرت إلى المدينة،
وقد كان ذهب بصري فأخرج الخادم أبا جعفر عليه السلام إلينا فحمله في المهد فناولته
الكتاب فقال لموفق الخادم: فضه وانشره ففضه ونشره بين يديه، فنظر فيه، ثم قال لي:
يا محمد ما حال بصرك ؟ قلت: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله اعتلت عيناي فذهب
بصري كما ترى، قال: فمد يده فمسح بها على عيني فعاد إلي بصري كأصح ماكان، فقبلت يده
ورجله وانصر فت من عنده، و أنا بصير (3). 21 - يج: روي عن أبي بكر بن إسماعيل قال:
قلت لابي جعفر ابن الرضا عليه السلام: إن لي جارية تشتكي من ريح بها فقال: ائتني
بها فأتيت بها فقال: ما
(1) مختار الخرائج والجرائح ص 237. (2)
صحاح الجوهرى ص 2288. (3) المصدر نفسه ص 207.
[47]
تشتكين يا جارية ؟ قالت: ريحا في ركبتي
فمسح يده على ركبتها من وراء الثياب فخرجت الجارية من عنده ولم تشتك وجعا بعد ذلك.
22 - يج: روي عن علي بن جرير قال: كنت عند أبي جعفر ابن الرضا عليه السلام جالسا
وقد ذهبت شاة لمولاة له فأخذوا بعض الجيران يجرونهم إليه ويقولون: أنتم سرقتم
الشاة، فقال أبو جعفر عليه السلام: ويلكم خلوا عن جيراننا فلم يسرقوا شاتكم الشاة
في دار فلان، فاذهبوا فأخرجوها من داره، فخرجوا فوجدوها في داره، و أخذوا الرجل
وضربوه وخرقوا ثيابه، وهو يحلف أنه لم يسرق هذه الشاة - إلى أن صاروا إلى أبي جعفر
عليه السلام فقال: ويحكم ظلمتم الرجل فان الشاة دخلت داره وهو لا يعلم بها، فدعاه
فوهب له شيئا بدل ما خرق من ثيابه وضربه. 23 - يج: روي عن محمد بن عمير بن واقدا
الرازي قال: دخلت على أبي جعفر ابن الرضا عليهما السلام ومعي أخي به بهر شديد فشكى
إليه ذلك البهر، فقال عليه السلام: عافاك الله مما تشكو فخرجنا من عنده وقد عوفي
فما عاد إليه ذلك البهر إلى أن مات. قال محمد بن عمير: وكان يصيبني وجع في خاصرتي
في كل اسبوع فيشتد ذلك الوجع بي أياما وسألته أن يدعو لي بزواله عني فقال: وأنت
فعافاك الله فما عاد إلى هذه الغاية. بيان: البهر بالضم تتابع النفس. 24 - يج: روي
عن القاسم بن المحسن قال: كنت فيما بين مكة والمدينة فمربي أعرابي ضعيف الحال
فسألني شيئا فرحمته، فأخرجت له رغيفا فناولته إياه فلما مضى عني هبت ريح زوبعة،
فذهبت بعمامتي من رأسي فلم أرها كيف ذهبت ولا أين مرت، فلما دخلت المدينة صرت إلى
أبي جعفر ابن الرضا عليهما السلام فقال لي: يا أبا القاسم (1) ذهبت عمامتك في
الطريق ؟ قلت: نعم، فقال: يا غلام أخرج إليه عمامته فأخرج إلي عمامتي بعينها، قلت:
يا ابن رسول الله كيف صارت إليك ؟ قال:
(1) يا قاسم خ ل ضح، كذا في هامش الاصل.
(*)
[48]
تصدقت على أعرابي فشكره الله لك، فرد إليك
عمامتك، وإن الله لا يضيع أجر المحسنين. بيان: الزوبعة بفتح الزاء والباء ريح تثير
غبارا فير تفع في السماء كأنه عمود. 25 - يج: روي عن محمد بن اورمة (1) عن الحسين
المكاري قال: دخلت على أبي جعفر ببغداد وهو على ماكان من أمره، فقلت في نفسي: هذا
الرجل لا يرجع إلى موطنه أبدا، وما أعرف مطعمه ؟ (2) قال: فأطرق رأسه ثم رفعه وقد
اصفر لونه فقال: يا حسين خبز شعير، وملح جريش في حرم رسول الله أحب إلي مما تراني
فيها (3).
(1) قال ابن داود الحلى: محمد بن اورمة
بضم الهمزة وسكون الواو قبل الراء المضمومة أبو جعفر القمى لم يرو عنهم قال الشيخ
في رجاله انه ضعيف روى عنه الحسين بن الحسن بن أبان وهو ثقة، وقال في الفهرست في
رواياته تخليط. وقال النجاشي: غمز القميون عليه ورموه بالغلو حتى دس عليه من يفتك
به فوجده يصلى من أول الليل إلى آخره فتوقفوا عنه وحكى جماعة من شيوخ القميين عن
ابن الوليد انه قال: محمد بن اورمة طعن عليه بالغلو فكل ماكان في كتبه مما وجد في
كتب الحسين بن سعيد وغيره فقل به وما تفرد به فلا تعتمده. ونقل عن أحمد بن الحسين
بن عبيدالله الغضائري: اتهمه القميون بالغلو وحديثه نقى لا فساد فيه، ولم أر شيئا
ينسب إليه تضطرب فيه النفس الا أوراقا في تفسير الباطن وأظنها موضوعة عليه، ورأيت
كتابا خرج عن أبى الحسن عليه السلام إلى القميين في براعته مما قذف به. أقول: وفى
هذا الباب أخرج المصنف قدس سره رواية عن الخرائج عن ابن اورمة فيها مدح له كما
سيأتي تحت الرقم 26 فيه أنه دعا له أبو جعفر الجواد عليه السلام وقال: تقبل الله
منك ورضى عنك وجعلك معنا في الدنيا والاخرة. (2) أي ما أكثر طيب مطعمه وخيره وحسنه.
وفى بعض النسخ " وأنا أعرف مطعمه " أي انه لا يرجع إلى وطنه والحال أن مطعمه بالطيب
والدعة والسعة التى أعرفها وأراها. (3) مختار الخرائج والجرائح ص 208.
[49]
26 - يج: روي عن إسماعيل بن عباس الهاشمي
قال: جئت إلى أبي جعفر عليه السلام يوم عيد فشكوت إليه ضيق المعاش فرفع المصلى وأخذ
من التراب سبيكة من ذهب فأعطانيها، فخرجت بها إلى السوق فكانت ستة عشر مثقالا (1).
27 - يج: حدث أبو عبد الله محمد بن سعيد النيشابوري متوجها إلى الحج عن أبي الصلت
الهروي وكان خادما للرضا عليه السلام قال: أصبح الرضا عليه السلام يوما فقال لي:
ادخل هذه القبة التي فيها هارون فجئني بقبضة تراب من عند بابها وقبضة من يمنتها
وقبضة من يسرتها وقبضة من صدرها وليكن كل تراب منها على حدته. فصرت إليها فأتيته
بذلك وجعلته بين يديه على منديل، فضرب بيده إلى تربة الباب فقال: هذا من عند الباب
؟ فقلت: نعم، قال: غدا تحفر لي في هذا الموضع فتخرج صخرة لا حيلة فيها، ثم قذف به،
وأخذ تراب اليمنة، وقال: هذا من يمنتها ؟ قلت: نعم، قال: ثم تحفر لي في هذا الموضع
فتخرج نبكة (2) لا حيلة فيها، ثم قذف به وأخذ تراب اليسرة، وقال: ثم تحفر لي في هذا
الموضع، فتخرج نبكة مثل الاولى وقذف به. وأخذ تراب الصدر فقال: هذا تراب من الصدر
ثم تحفر لي في هذا الموضع فيستمر الحفر إلى أن يتم فإذا فرغت من الحفر فضع يدك على
أسفل القبر، وتكلم بهذه الكلمات فانه سينبع الماء حتى يمتلي القبر فتظهر فيه سميكات
صغار، فإذا رأيتها ففتت لها كسرة فإذا أكلتها خرجت حوتة كبيرة فابتلعت تلك السميكات
كلها ثم تغيب، فإذا غابت ضع يدك على الماء، وأعد تلك الكلمات فان الماء ينضب كله
وسل المأمون عني أن يحضر وقت الحفر فانه سيفعل ليشاهد هذا كله. ثم قال عليه السلام:
الساعة يجئ رسوله فاتبعني فان قمت من عنده مكشوف الرأس فكلمني بما تشاء وإن قمت من
عنده مغطى الرأس فلا تكلمني بشئ، قال: فوافاه رسول المأمون فلبس الرضا عليه السلام
ثيابه خرج وتبعته، فلما دخل على المأمون وثب
(1) المصدر ص 209. (2) النبكة - محركة
وهكذا بالفتح - أكمة محددة الرأس.
[50]
إليه فقبل بين عينيه وأجلسه معه على
مقعده، وبين يديه طبق صغير، فيه عنب، فأخذ عنقوداقد أكل منه نصفه ونصفه باق - وقد
شربه بالسم - وقال للرضا عليه السلام: حمل إلي هذا العنقود، وتنغصت به أن لا تأكل
منه، فأسألك أن تأكل منه، قال: اعفني من ذلك قال: لا والله فانك تسرني إذا أكلت
منه. قال: فاستعفاه ذلك ثلاث مرات، وهو يسأله بمحمد وعلي أن يأكل منه فأخذ منه ثلاث
حبات وغطى رأسه ونهض من عنده فتبعته ولم اكلمه بشئ حتى دخل منزله فأشار لي أن أغلق
الباب فغلقته وصار إلى مقعد له فنام عليه، وصرت أنا في وسط الدار فإذا غلام عليه
وفرة ظننته ابن الرضا عليه السلام ولم أكن قد رأيته قبل ذلك، فقلت: يا سيدي الباب
مغلق فمن أين دخلت ؟ قال لا تسأل عما لا تحتاج إليه وقصد إلى الرضا عليه السلام.
فلما بصربه الرضا عليه السلام وثب إليه وضمه لي صدره وجلسا جميعا على المقعد ومد
الرضا عليه السلام الرداء عليهما، فتناجيا جميعا بما لم أعلمه ثم امتد الرضا عليه
السلام على المقعد وغطاه محمد بالرداء وصار إلى وسط الدار وقال: يا أبا الصلت فقلت:
لبيك يا ابن رسول الله فقال: عظم الله أجرك في الرضا فقد مضى، فبكيت قال: لا تبك
هات المغتسل والماء لنأخذ في جهازه. فقلت: يا مولاي الماء حاضر، ولكن ليس في الدار
مغتسل إلا أن يحضر من خارج الدار قال: بل هو في الخزانة فدخلتها فوجدتها وفيها
مغتسل ولم أره قبل ذلك فأتيته به وبالماء، قال: تعال حتى نحمل الرضا عليه السلام
فحملناه على المغتسل ثم قال: اعزب عني فغسله وهو وحده ثم قال: هات أكفانه والحنوط
قلت: لم نعد له كفنا، قال: ذلك في الخزانة فدخلتها فرأيت في وسطها أكفانا وحنوطا لم
أره قبل ذلك، فأتيته به فكفنه وحنطه. ثم قال لي: هات التابوت من الخزانة فاستحييت
منه أن أقول: ما عندنا تابوت فدخلت الخزانة فوجدت بها تابوتا لم أره قبل ذلك فأتيته
به فجعله فيه فقال: تعال حتى نصلي عليه، وصلى به وغربت الشمس، وكان وقت صلاة
المغرب، فصلى.
[51]
بي المغرب والعشاء وجلسنا نتحدث فانفتح
السقف ورفع التابوت. فقلت: يا مولاي ليطالبني المأمون به فما تكون حيلتي ؟ فقال: لا
عليك سيعود إلى موضعه فما من نبي يموت في مغرب الارض ولا يموت وصي من أوصيائه في
مشرقها إلا جمع الله بينهما قبل أن يدفن، فلما مضى من الليل نصفه أو أكثر إذا
التابوت رجع من السقف حتى استقر مكانه. فلما صلينا الفجر قال: افتح باب الدار فان
هذا الطاغي يجيئك الساعة فعرفه أن الرضا عليه السلام قد فرغ من جهازه، قال: فمضيت
نحو الباب فالتفت فلم أره يدخل من باب ولم يخرج من باب فإذا المأمون قدوافئ فلما
رآني قال: ما فعل الرضا ؟ قلت: عظم الله أجرك، فنزل وخرق ثيابه، وسفى التراب على
رأسه وبكى طويلا ثم قال: خذوا في جهازه فقلت: قد فرغ منه، قال: ومن فعل به ذلك ؟
قلت: غلام وافاه لم أعرفه إلا أني ظننته ابن الرضا عليه السلام. قال فاحفروا له في
القبة قلت: فانه سألك أن تحضر موضع دفنه قال: نعم فأحضروا كرسيا وجلس عليه وأمر أن
يحفروا له عند الباب فخرجت الصخرة فأمر بالحفر في يمنة القبة، فخرجت النبكة ثم أمر
بذلك في يسرتها فبرزت النبكة الاخرى وأمر بالحفر في الصدر فاستمر الحفر. فلما فرغت
منه وضعت يدي إلى أسفل القبر وتكلمت بالكمات، فنبع الماء وظهرت السميكات، ففتت لها
كسرة فأكلت ثم ظهرت السمكة الكبيرة فابتلعتها كلها وغابت فوضعت يدي على الماء وأعدت
الكلمات فنضب الماء كله وانتزعت الكلمات من صدري من ساعتي فلم أذكر منها حرفا واحدا
فقال المأمون: يا أبا الصلت الرضا عليه السلام أمرك بهذا ؟ قلت: نعم قال: ما زال
الرضا عليه السلام يرينا العجائب في حياته ثم أراناها بعد وفاته. فقال لوزيره:
ماهذا ؟ قال: الهمت أنه ضرب لكم مثلا بأنكم تمتعون في الدنيا قليلا مثل هذه
السميكات ثم يخرج واحد منهم فيهلككم فلما دفن عليه السلام قال لي المأمون: علمني
الكلمات، قلت: قدوالله انتزعت من
[52]
قلبي فما أذكر منها كلمة واحدة حرفا
وبالله لقد صدقته فلم يصدقني وتوعدني القتل إن لم اعلمه إياها وأمرني إلي الحبس،
فكان في كل يوم يدعوني إلى القتل أو أعلمه ذلك، فأحلف له مرة بعد اخرى كذلك سنة
فضاق صدري فقمت ليلة جمعة فاغتسلت وأحييتها راكعا وساجدا وباكيا ومتضرعا إلى الله
في خلاصي فلما صليت الفجر إذا أبو جعفر ابن الرضا عليهما السلام قد دخل إلي وقال:
يا أبا الصلت قد ضاق صدرك ؟ قلت: إي والله يا مولاي قال: أما لو فعلت قبل هذا ما
فعلته الليلة لكان الله قد خلصك كما يخلصك الساعة. ثم قال: قم ! قلت: إلى أين
والحراس على باب السجن، والمشاعل بين أيديهم ؟ قال: قم فانهم لا يرونك ولا تلتقي
معهم بعد يومك، فأخذ بيدي وأخرجني من بينهم وهم قعود يتحدثون والمشاعل بينهم فلم
يرونا، فلما صرنا خارج السجن قال: أي البلاد تريد ؟ قلت: منزلي بهراة قال: أرخ
رداءك على وجهك وأخذ بيدي فظننت أنه حولني عن يمنته إلى يسرته، ثم قال لي: اكشف
فكشفته فلم أره فإذا أنا على باب منزلي فدخلته فلم ألتق مع المأمون ولا مع أحد من
أصحابه إلى هذه الغاية (1). 25 - يج: روي عن الحسن بن علي الوشاء قال: كنت بالمدينة
بالصريا في المشربة مع أبي جعفر عليه السلام فقام وقال: لا تبرح فقلت في نفسي: كنت
أردت أن أسأل أبا الحسن الرضا عليه السلام قميصا من ثيابه فلم أفعل فإذا عاد إلي
أبو جعفر عليه السلام فأسأله فأرسل إلي من قبل أن أسأله ومن قبل أن يعود إلي وأنا
في المشربة بقميص وقال الرسول: يقول لك: هذا من ثياب أبي الحسن التي كان يصلي فيها.
26 - يج: روي عن ابن اورمة قال: حملت امرأه معي شيئا من حلي وشيئا من دراهم وشيئا
من ثياب فتوهمت أن ذلك كله لها ولم أحتط عليها (2) أن ذلك
(1) لم نجده في مختار الخرائج، وقد رواه
الصدوق في عيون أخبار الرضا ج 2 ص 242 - 245، وأخرجه المصنف في تاريخ الامام ابى
الحسن الرضا عليه السلام باب شهادته وتغسيله تحت الرقم 10، راجع ج 49 ص 300 من
طبعتنا هذه. (2) في المصدر: ولم أسألها أن لغيرها في ذلك شيئا.
[53]
لغيرها فيه شئ فحملت إلى المدينة مع
بضاعات لاصحابنا فوجهت ذلك كله إليه وكتبت في الكتاب أني قد بعثت إليك من قبل فلانة
بكذا، ومن قبل فلان وفلان بكذا، فخرج في التوقيع: قد وصل ما بعثت من قبل فلان وفلان
ومن قبل المرءتين تقبل الله منك ورضي الله عنك وجعلك معنا في الدنيا والآخرة. فلما
سمعت ذكر المرءتين شككت في الكتاب أنه غير كتابه وأنه قد عمل على دونه لاني كنت في
نفسي على يقين أن الذي دفعت إلي المرأة كان كله لها وهي امرأة واحدة فلما رأيت
امرأتين اتهمت موصل كتابي فلما انصرفت إلى البلاد جاء تني المرأة فقالت: هل أوصلت
بضاعتي ؟ فقلت: نعم، قالت: وبضاعة فلانه ؟ قلت: هل كان فيها لغيرك شئ قالت: نعم،
كان لي فيها كذا ولا ختي فلانة كذا قلت: بلى أوصلت (1). 27 - يج: روى بكربن صالح،
عن محمد بن فضيل الصيرفي قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السلام كتابا وفي آخره: هل
عندك سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله ونسيت أن أبعث بالكتاب، فكتب إلي بحوائج
وفي آخر كتابه " عندي سلاح رسول الله صلى الله عليه وآله وهو فينا بمنزلة التابوت
في بني إسرائيل يدور معنا حيث درنا وهو مع كل إمام وكنت بمكة، فأضمرت في نفسي شيئا
لا يعلمه إلا الله، فلما صرت إلى المدينة ودخلت عليه نظر إلي فقال: استغفر الله لمأ
أضمرت ولا تعد، قال بكر: فقلت لمحمد: أي شئ هذا ؟ قال: لا اخبر به أحدا. قال: وخرج
باحدى رجلي العرق المدني وقد قال لي قبل أن خرج العرق في رجلي وقد عاهدته فكان آخر
ما قال: إنه ستصيبت وجعا فاصبر فأيما رجل من شيعتنا اشتكى فصبر واحتسب كتب الله له
أجر ألف شهيد، فلما صرت في بطن مر ضرب على رجلي وخرج بي العرق، فمازلت شاكيا أشهر
أو حججت في السنة الثانية فدخلت عليه فقلت: جعلني الله فداك عوذ رجلي، وأخبرته أن
هذه التي توجعني فقال: لا بأس على هذه أرني رجلك الاخرى الصحيحة، فبسطتها بين يديه
وعوذها
(1) مختار الخرائج والجرائح ص 209 وزاد
بعده: وزال ما كان عندي.
[54]
فلما قمت من عنده خرج في الرجل الصحيحة
فرجعت إلى نفسي فعلمت أنه عوذها قبل من الوجع فعافاني الله من بعد. 28 - شا: ابن
قولويه، عن الكليني (1) عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد عن محمد بن علي، عن
محمد بن حمزة، عن محمد بن علي الهاشمي قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام صبيحة
عرسه ببنت المأمون وكنت تناولت من أول الليل دواء فأول من دخل في صبيحته أنا وقد
أصابني العطش وكرهت أن أدعو بالماء فنظر أبو جعفر عليه السلام في وجهي وقال: أراك
عطشانا قلت: أجل قال: يا غلام اسقنا ماء فقلت في نفسي: الساعة يأتونه بماء مسموم،
واغتممت لذلك فأقبل الغلام ومعه الماء فتبسم في وجهي ثم قال: يا غلام ناولني الماء،
فتناول وشرب، ثم ناولني وشربت، وأطلت عنده وعطشت، فدعا بالماء ففعل كما فعل بالمرة
الاولى فشرب ثم ناولني وتبسم. قال محمد بن حمزة: قال لي محمد بن علي الهاشمي: والله
إني أظن أن أبا جعفر عليه السلام يعلم ما في النفوس كما تقول الرافضة (2). 29 - عم،
شا: ابن قولويه، عن الكليني (3) عن عدة من أصحابه، عن أحمد ابن محمد، عن الحجال
وعمر بن عثمان، عن رجل من أهل المدينة، عن المطر في قال: مضى أبو الحسن علي بن موسى
الرضا عليه السلام ولي عليه أربعة آلاف درهم، لم يكن يعرفها غيري وغيره، فأرسل إلي
أبو جعفر عليه السلام إذا كان غدا فائتني فأتيته من الغد فقال لي: مضى أبو الحسن
ولك عليه أربعة آلاف درهم، فقلت: نعم، فرفع المصلى الذي كان تحته، فإذا تحته دنانير
فدفعها إلي، وكان قيمتها في الوقت أربعة آلاف درهم (4).
(1) الكافي ج 1 ص 495 و 496. (2) ارشاد
المفيد ص 305 و 306. (3) الكافي ج 1 ص 497. (4) ارشاد المفيد ص 306. (*)
[55]
يج: عن المطر في مثله. (1) 30 - جا: أحمد
بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن معروف، عن ابن مهزيار، عن بكر بن صالح قال:
كتب صهر لي إلي أبي جعفر الثاني عليه السلام أن أبي ناصب خبيث الرأي وقد لقيت منه
شدة وجهدا، فر أيك جعلت فداك في الدعاء لي، وما ترى جعلت فداك أفترى أن اكاشفه أم
اداريه ؟ فكتب قد فهمت كتابك وما ذكرت من أمر أبيك، ولست أدع الدعاء لك إنشاء الله
والمداراة خير لك من المكاشفة، ومع العسر يسر، فاصبر إن العاقبة للمتقين ثبتك الله
على ولاية من توليت، نحن وأنتم في وديعة الله التي لا يضيع ودائعه قال بكر: فعطف
الله بقلب أبيه حتى صار لا يخالفه في شئ. 31 - قب: قال عسكر مولى أبي جعفر عليه
السلام: دخلت عليه فقلت في نفسي: يا سبحان الله ما أشد سمرة مولاي وأضوء جسده ؟
قال: فوالله ما استتممت الكلام في نفسي حتى تطاول وعرض جسده، وامتلا به الايوان إلى
سقفه، ومع جوانب حيطانه ثم رأيت لونه وقد أظلم حتى صار كالليل المظلم ثم ابيض حتى
صار كأبيض ما يكون من الثلج ثم احمر حتى صار كالعلق المحمر ثم اخضر حتى صار كأخضر
ما يكون من الاغصان الورقة الخضرة، ثم تناقص جسمه حتى صار في صورته الاولة وعاد
لونه الاول وسقطت لوجهي مما رأيت. فصاح بي: يا عسكر تشكون فننبئكم وتضعفون فتقويكم،
والله لاوصل إلى حقيقة معرفتنا إلا من من الله عليه بنا، وارتضاه لنا وليا. بنان بن
نافع قال: سألت علي بن موسى الرضا عليهما السلام فقلت: جعلت فداك من صاحب الامر
بعدك ؟ فقال لي: يا ابن نافع يدخل عليك من هذا الباب من ورث ما ورثته ممن هو قبلي،
وهو حجة الله تعالى من بعدي، فبينا أنا كذلك إذ دخل علينا محمد بن علي عليهما
السلام فلما بصربي قال لي: يا ابن نافع ألا احدثك
(1) لم نجده في مختار الخرائج المطبوع،
وأخرجه ابن شهرآشوب في المناقب ص 391.
[56]
بحديث ؟ إنا معاشر الائمة إذا حملته امه
يسمع الصوت في بطن امه أربعين يوما فإذا أتى له في بطن امه أربعة أشهر رفع الله
تعالى له أعلام الارض فقرب له ما بعد عنه، حتى لا يعزب عنه حلول قطرة غيث نافعة ولا
ضارة، وإن قولك لابي الحسن: من حجة الدهر والزمان من بعده ؟ فالذي حدثك أبو الحسن
ما سألت عنه هو الحجة عليك، فقلت: أنا أول العابدين. ثم دخل علينا أبو الحسن فقال
لي: يا ابن نافع سلم وأذعن له بالطاعة، فروحه روحي وروحي روح رسول الله صلى الله
عليه وآله (1). اجتاز المأمون بابن الرضا عليه السلام وهو بين صبيان فهربوا سواه
فقال: علي به فقال له: مالك لاهربت في جملة الصبيان ؟ قال: مالي ذنب فأفر منه، ولا
الطريق ضيق فاوسعه عليك، سر حيث شئت فقال: من تكون أنت ؟ قال: أنا محمد بن علي بن
موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فقال: ما
تعرف من العلوم ؟ قال: سلني عن أخبار السماوات، فودعه ومضى، وعلى يده باز أشهب يطلب
به الصيد. فلما بعد عنه نهض عن يده الباز فنظر يمينه وشماله لم يرصيدا والباز يثب
عن يده فأرسله فطار يطلب الافق حتى غاب ناظره ساعة، ثم عاد إليه وقد صادحية فوضع
الحية في بيت الطعم، وقال لاصحابه: قد دنا حتف ذلك الصبي في هذا اليوم على يدي. ثم
عاد وابن الرضا عليه السلام في جملة الصبيان فقال: ما عندك من أخبار السماوات ؟
فقال: نعم، يا أمير المؤمنين حدثني أبي، عن آبائه عن النبي، عن جبرئيل عن رب
العالمين أنه قال: بين السماء والهواء بحر عجاج، يتلاطم به الامواج، فيه حيات خضر
البطون، رقط الظهور، يصيدها الملوك بالبزاة الشهب، يمتحن به العلماء فقال: صدقت
وصدق أبوك وصدق جدك وصدق ربك فأركبه ثم زوجه
) 1) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 387 و 388.
[57]
ام الفضل (1). وفي كتاب " معرفة تركيب
الجسد " عن الحسين بن أحمد التيمى: روي عن أبي جعفر الثاني عليه السلام أنه استدعى
ق - اصدا في أيام المأمون فقال له: اقصدني في العرق الزاهر ! فقال له: ما أعرف هذا
العرق يا سيدي، ولا سمعت به فأراه إياه فلما فصده خرج منه ماء أصفر فجرى حتى امتلا
الطشت ثم قال له: أمسكه وأمر بتفريغ الطست، ثم قال: خل عنه، فخرج دون ذلك، فقال شده
الآن، فلما شد يده أمر له بمائة دينار، فأخذها وجاء إلى يوحنا بن بختيشوع فحكى له
ذلك فقال: والله ما سمعت بهذا العرق مذ نظرت في الطب، ولكن ههنا فلان الاسقف قد مضت
عليه السنون فامض بنا إليه فان كان عنده علمه وإلا لم نقدر على من يعلمه، فمضيا
ودخلا عليه وقصا القصص، فأطرق مليا ثم قال: يوشك أن يكون هذا الرجل نبيا أو من ذرية
نبي (2). أبو سلمة قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام وكان بي صمم شديد فخبر بذلك
لما أن دخلت عليه، فدعاني إليه فمسح يده عليه اذني ورأسي ثم قال: اسمع وعه ! فوالله
إني لاسمع الشئ الخفي عن أسماع الناس من بعد دعوته. وروي أن أبا جعفر عليه السلام
لما صار إلى شارع الكوفة نزل عند دار المسيب، و كان في صحنه نبقة (3) لم تحمل فدعا
بكوز فيه ماء فتوضأ في أسفل النبقة وقام فصلى بالناس المغرب والعشاء الآخرة، وسجد
سجدتي الشكر، ثم خرج. فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس وقد حملت حملا حسنا فتعجبوا
من ذلك وأكلوا منها فوجدوا نبقا حلوا لا عجم له، وودعوه ومضى إلى المدينة. قال
الشيخ المفيد: وقد أكلت من ثمرها وكان لا عجم له (4).
(1) المصدر ج 4 ص 388 و 389. (2) مناقب آل
ابى طالب ج 4 ص 389. (3) النبق - بالفتح والكسر وهكذا محركة وككتف - حمل شجر السدر،
اشبه شئ به العناب قبل ان تشتد حمرته. (4) مناقب آل ابى طالب ج 4 ص 390.
[58]
32 - نجم: باسنادنا الى محمد بن جرير
الطبري باسناده إلى إبراهيم بن سعيد قال: كنت جالسا عند محمد بن علي الجواد عليه
السلام إذ مر بنا فرس انثى فقال: هذه تلد الليلة فلوا (1) أبيض الناصية في وجهه غرة
فاستأذنته ثم انصرفت مع صاحبها، فلم أزل احدثه إلى الليل حتى أتت فلوا كما وصف
فأتيته قال: يا ابن سعيد شككت فيما قلت لك أمس ؟ إن التي في منزلك حبلى بابن أعور
فولدت والله محمدا وكان أعور. 33 - نجم: باسنادنا إلى الحميري في كتاب الدلائل
باسناده إلى صالح بن عطية قال: حججت فشكوت إلى أبي جعفر يعني الجواد عليه السلام
الوحدة، فقال: أما إنك لا تخرج من الحرم حتى تشتري جارية ترزق منها ابنا قلت: جعلت
فداك أفترى أن تشير علي ؟ فقال: نعم اعترض فإذا رضيت فأعلمني فقلت: جعلت فداك فقد
رضيت قال: اذهب فكن بالقرب حتى اوافيك فصرت إلى دكان النخاس فمر بنافنظر ثم مضى
فصرت إليه فقال: قد رأيتها إن أعجبك فاشترها على أنها قصيرة العمر قلت: جعلت فداك
فما أصنع بها ؟ قال: قد قلت لك. فلما كان من الغد صرت إلى صاحبها فقال: الجارية
محمومة وليس فيها غرض فعدت إليه من الغد فسألته عنها فقال: دفنتها اليوم فأتيته
فأخبرته الخبر فقال: اعترض فاعترضت فأعلمته فأمر ني أن أنظره فصرت إلى دكان النخاس
فركب فمر بنا فصرت إليه فقال: اشترها فقد رأيتها فاشتريتها فحولتها، وصبرت عليها،
حتى طهرت ووقعت عليها فحملت وولدت لي محمدا ابني. 34 - دلائل الطبري عن أبي المفضل،
عن بدر بن عمار الطبرستاني عن محمد بن علي الشلمغاني قال: حج إسحاق بن إسماعيل في
السنة التي خرجت الجماعة إلى أبي جعفر عليه السلام قال إسحاق: فأعددت له في رقعة
عشرة مسائل لاسأله عنها وكان لي حمل فقلت: إذا أجابني عن مسائلي سألته أن يدعو الله
لي أن يجعله ذكرا، فلما سألته الناس قمت والرقعة معي لاسأله عن مسائلي فلما نظر إلي
قال لي: يا أبا يعقوب
(1) الفلو - بالكسر وكعدو وسمو - الححش
والمهر، والانثى فلوة.
[59]
سمه أحمد، فولد لي ذكر فسميته أحمد فعاش
مدة ومات، وكان ممن خرج مع الجماعة. علي بن حسان الواسطي المعروف بالعمش قال: حملت
معي إليه من الآلة التي للصبيان بعضا من فضة، وقلت أتحف مولاي أبا جعفر عليه السلام
بها فلما تفرق الناس عنه عن جواب لجميعهم قام فمضى إلى صريا واتبعته فلقيت موفقا
فقلت: استأذن لي على أبي جعفر عليه السلام فدخلت وسلمت فرد علي السلام وفي وجهه
الكراهة ولم يأمرني بالجلوس فدنوت منه وفرغت ماكان في كمي بين يديه فنظر إلي نظر
مغضب ثم رمى يمينا وشمالا ثم قال: مالهذا خلقني الله ما أنا واللعب ؟ فاستعفيته
فعفى عني فخرجت. وعن عبد الله بن محمد قال: قال عمارة بن زيد: رأيت محمد بن علي
عليه السلام وبين يديه قصعة صيني فقال: يا عمارة أترى من هذا عجبا ؟ فقلت: نعم،
فوضع يده عليه فذاب حتى صار ماء اثم جمعه فجعله في قدح ثم ردها ومسحها بيده فإذا هي
قصعة كما كانت فقال: مثل هذا فليكن القدرة. وعن محمد بن هارون بن موسى، عن أبيه، عن
محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن زكريا بن آدم
قال: إني لعند الرضا إذ جئ بأبي جعفر عليه السلام وسنة أقل من أربع سنين، فضرب بيده
إلى الارض ورفع رأسه إلي السماء فأطال الفكر، فقال له الرضا عليه السلام: بنفسي فلم
طال فكرك ؟ فقال: فيما صنع بامي فاطمة، أما والله لا خرجنهما ثم لا حرقنهما ثم لا
ذرينهما ثم لانسفنهما في اليم نسفا، فاستدناه وقبل بين عينيه، ثم قال: بأبي أنت
وامي أنت لها يعني الامامة. 35 - قب: الحسين بن محمد الاشعري قال: حدثني شيخ من
أصحابنا يقال له عبد الله بن رزين قال: كنت مجاورا بالمدينة الرسول وكان أبو جعفر
عليه السلام يجئ في كل يوم مع الزوال إلى المسجد فينزل إلى الصخرة ويمر (1) إلى
رسول الله
(1) ويصير، خ ل.
[60]
صلى الله عليه وآله ويسلم عليه، ويرجع إلى
بيت فاطمة ويخلع نعله فيقوم فيصلي فوسوس إلي الشيطان فقال: إذا نزل فاذهب حتى تأخذ
من التراب الذي يطأ عليه فجلست في ذلك اليوم أنتظره لافعل هذا. فلما أن كان في وقت
الزوال أقبل عليه السلام على حمار له فلم ينزل في الموضع الذي كان ينزل فيه فجازه
حتى نزل على الصخرة التي كانت على باب المسجد ثم دخل فسلم على رسول الله صلى الله
عليه وآله ثم رجع إلى مكانه الذي كان يصلي فيه ففعل ذلك أياما فقلت إذا خلع نعليه
جئت فأخذت الحصا الذي يطأ عليه بقدميه. فلما كان من الغد جاء عند الزوال فنزل على
الصخرة ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وجاء الى الموضع الذي كان يصلي فيه
ولم يخلعهما ففعل ذلك أياما فقلت في نفسي: لم يتهيأ لي ههنا ولكن أذهب إلى الحمام
فإذا دخل الحمام آخذ من التراب الذي يطأ عليه. فلما دخل عليه السلام الحمام، دخل في
المسلخ بالحمار ونزل على الحصير فقلت للحمامي في ذلك فقال: والله ما فعل هذا قط إلا
في هذا اليوم فانتظرته فلما خرج دعا بالحمار فادخل المسلخ وركبه فوق الحصير وخرج،
فقلت: والله آذيته و لا أعود أروم ما رمت منه أبدا، فلما كان وقت الزوال نزل في
الموضع الذي كان ينزل فيه (1). 36 - كا: الحسين بن محمد الاشعري قال حدثني شيخ من
أصحابنا يقال له عبد الله بن رزين وساق الحديث إلى قوله ولكن أذهب إلى باب الحمام
فإذا دخل أخذت من التراب الذي يطأ عليه فسألت عن الحمام فقيل لي إنه يدخل حماما
بالبقيع لرجل من ولد طلحة، فتعرفت اليوم الذي يدخل فيه الحمام، صرت إلى باب الحمام
وجلست إلى الطلحي احدثه وأنا أنتظر مجيئه عليه السلام. فقال الطلحي: إن أردت دخول
الحمام فقم فادخل فانه لا يتهيؤ لك بعد ساعة قلت: ولم ؟ قال: لان ابن الرضا يريد
دخول الحمام، قال: قلت: ومن ابن الرضا ؟
(1) مناقب آل ابى طالب ج 4 ص 295 و 396.
[61]
قال: رجل من آل محمد صلى الله عليه وآله
له صلاح وورع، قلت له: ولا يجوز أن يدخل معه الحمام غيره ؟ قال: نخلي له الحمام إذا
جاء قال: فبينا أنا كذلك إذ أقبل عليه السلام ومعه غلمان له، وبين يديه غلام، ومعه
حصير حتى أدخله المسلخ، فبسطه ووافى وسلم ودخل الحجرة على حماره، ودخل المسلخ، ونزل
على الحصير. فقلت للطلحي: هذا الذي وصفته بما وصفت من الصلاح والورع ؟ فقال: يا هذا
والله ما فعل هذا قط إلا في هذا اليوم، فقلت في نفسي: هذا من عملي أنا جنيته ثم
قلت: أنتظره حتى يخرج فلعلي أنال ما أردت إذا خر ج، فلما خرج وتلبس دعا بالحمار
وأدخل المسلخ، وركب من فوق الحصير وخرج عليه السلام فقلت في نفسي: قد والله آذيته
ولا أعود أروم ما رمت منه أبدا وصح عزمي على ذلك، فلما كان وقت الزوال من ذلك اليوم
أقبل على حماره حتى نزل في الموضع الذى كان ينزل فيه في الصحن، فدخل فسلم على رسول
الله صلى الله عليه وآله وجاء إلى الموضع الذى كان يصلي فيه في بيت فاطمة عليها
السلام وخلع نعليه وقام يصلي (1). بيان: كأن المراد بالصحن الفضاء عند باب المسجد
قوله " فوسوس " إنما نسب ذلك إلى الشيطان لما علم بعد ذلك أنه عليه السلام لم يرض
به إما للتقية أو لانه ليس من المندوبات، أو لاظهار حاله والاول أظهر " ولا يجوز "
على المجرد أو التفعيل " هذا الذي وصفته " استفهام تعجبي وغرضه أن مجيئه راكبا إلى
الحصير من علامات التكبر وهو ينافي " أنا جنيته " أي جررته إليه والضمير راجع إلى
هذا في القاموس جنى الذنب عليه جره إليه (2). 37 - قب: (3) محمد بن الريان قال:
احتال المأمون على أبي جعفر عليه السلام بكل حيلة فلم يمكنه فيه شئ فلما [اعتل و]
أراد أن يبني عليه ابنته دفع إلي مائة وصيفة من أجمل ما يكن إلى كل واحدة منهن جاما
فيه جوهر يستقبلون أبا جعفر
(1) اصول الكافي ج 1 ص 493 و 494. (2)
القاموس ج 4 ص 313. (3) في المصدر: الكليني باسناده إلى محمد بن الريان.
[62]
عليه السلام إذا قعد في موضع الاختان فلم
يلتفت إليهن. وكان رجل يقال له مخارق صاحب صوت وعود وضرب، طويل اللحية. فدعاه
المأمون فقال: يا أمير المؤمنين إن كان في شئ من أمر الدنيا فأما أكفيك أمره فقعد
بين يدي أبي جعفر عليه السلام فشهق مخارق شهقة اجتمع إليه أهل الدار، وجعل يضرب
بعوده ويغني، فلما فعل ساعة وإذا أبو جعفر عليه السلام لا يلتفت إليه ولا يمينا ولا
شمالا ثم رفع رأسه إليه وقال: اتق الله يا ذا العثنون ! قال: فسقط المضراب من يده
والعود، فلم ينتفع بيده إلى أن مات (1). قال: فسأله المأمون عن حاله قال: لما صاح
بي أبو جعفر فزعت فزعة لا أفيق منها أبدا. كا: علي بن محمد، عن بعض أصحابنا، عن
محمد بن الريان مثله (2). بيان: كأن احتياله لا دخاله فيما فيه من اللهو والفسوق،
بنى على أهله بناء: زفها و " العثنون " اللحية أو ما فضل منها بعد العارضين أو ما
نبت على الذقن وتحته سفلا أو هو طولها " " والعثنون " أيضا شعيرات تحت حنك البعير.
38 - قب: أبو هاشم الجعفري قال: صليت مع أبي جعفر عليه السلام في مسجد المسيب وصلى
بنا في موضع القبلة سواء وذكر أن السدرة التي في المسجد كانت يابسة ليس عليها ورق
فدعا بماء وتهيأ تحت السدرة فعاشت السدرة وأورقت وحملت من عامها (3). وقال ابن
سنان: دخلت على أبي الحسن عليه السلام فقال: يا محمد حدث بآل فرج حدث ؟ فقلت: مات
عمر، فقال: الحمد لله على ذلك أحصيت له أربعا وعشرين مرة ثم قال: أو لا تدري ما قال
لعنه الله لمحمد بن علي أبي ؟ قال: قلت: لا، قال: خاطبه في شئ فقال: أظنك سكران،
فقال أبي: اللهم إن كنت تعلم أني أمسيت لك صائما
(1) مناقب آل ابى طالب ج 4 ص 396. ومابعده
زيادة الحقها المؤلف - رحمه الله - من الكافي. (2) اصول الكافي ج 1 ص 494. (3)
مناقب آل ابى طالب ج 4 ص 396. (*)
[63]
فأذقه طعم الحرب وذل الاسر، فوالله إن
ذهبت الايام حتى حرب ماله، وما كان له، ثم أخذ أسيرا فهو ذا مات الخبر (1). 39 -
قب، عم: روى محمد بن أحمد بن يحيى في كتاب نوادر الحكمة عن موسى ابن جعفر، عن امية
بن علي قال: كنت بالمدينة وكنت أختلف إلى أبي جعفر عليه السلام وأبو الحسن بخراسان
وكان أهل بيته وعمومة أبيه يأتونه ويسلمون عليه فدعا يوما الجارية فقال: قولي لهم:
يتهيأون للمأتم، فلما تفرقوا قالوا: لا سألناه مأتم من ؟ فلما كان من الغد فعل مثل
ذلك، فقالوا مأتم من ؟ قال: مأتم خير من على ظهرها فأتانا خبر أبي الحسن عليه
السلام بعد ذلك بأيام فإذا هو قد مات في ذلك اليوم (2). وفيه عن حمدان بن سليمان،
عن أبي سعيد الارمني، عن محمد بن عبد الله بن مهران قال: قال محمد بن الفرج: كتب
إلي أبو جعفر عليه السلام احملوا إلي الخمس فاني لست آخذه منكم سوى عامي هذا، فقبض
عليه السلام في تلك السنة (3). 40 - كشف: من دلائل الحميري، عن امية بن علي قال:
كنت مع أبي الحسن بمكة في السنة التي حج فيها ثم صار إلى خراسان ومعه أبو جعفر وأبو
الحسن يودع البيت، فلما قضى طوافه عدل إلى المقام فصلى عنده فصار أبو جعفر عليه
السلام على عنق موفق يطوف به، فصار أبو جعفر إلى الحجر فجلس فيه فأطال، فقال له
موفق: قم جعلت فداك ! فقال: ما اريد أن أبرح من مكاني هذا إلا أن يشاء الله واستبان
في وجهه الغم. فأتى موفق أبا الحسن عليه السلام فقال له: جعلت فداك ! قد جلس أبو
جعفر عليه السلام في الحجر وهو يأبى أن يقوم، فقام أبو الحسن عليه السلام فأتى أبا
جعفر عليه السلام فقال له: قم يا حبيبي ! فقال: ما اريد أن أبرح من مكاني هذا،
فقال: بلى يا حبيبي، ثم قال: كيف أقوم وقد ودعت البيت وداعا لا ترجع إليه ؟ فقال:
قم يا حبيبي
(1) المصدر ج 4 ص 397. (2) المصدر ج 4 ص
389. (3) المصدر نفسه، والاسناد غير مذكور فيه.
[64]
فقام معه (1). وعن ابن بزيع العطار قال:
قال أبو جعفر عليه السلام الفرج بعد المأمون بثلاثين شهرا، قال: فنظرنا فمات عليه
السلام بعد ثلاثين شهرا. وعن معمر بن خلاد، عن أبي جعفر أو عن رجل، عن أبي جعفر
عليه السلام الشك من أبي علي قال: قال أبو جعفر: يا معمر اركب ! قلت: إلى أين ؟
قال: اركب كما يقال لك قال: فركبت فانتهيت إلى واد أو إلى وهدة الشك من أبي علي
فقال لي: قف ههنا، فوقفت فأتاني فقلت له: جعلت فداك أين كنت ؟ قال: دفنت أبي الساعة
وكان بخراسان. قال قاسم بن عبد الرحمان: وكان زيديا قال: خرجت إلى بغداد فبينما أنا
بها إذ رأيت الناس يتعادون ويتشرفون ويقفون، فقلت: ما هذا ؟ فقالوا: ابن الرضا ابن
الرضا، فقلت: والله لانظرن إليه فطلع على بغل أو بغلة، فقلت: لعن الله أصحاب
الامامة حيث يقولون إن الله افترض طاعة هذا، فعدل إلي وقال: يا قاسم ابن عبد
الرحمان " أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر " (2) فقلت في نفسي ساحرو
الله فعدل إلي فقال: " ءالقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر " (3) قال:
فانصرفت وقلت بالامامة، شهدت أنه حجة الله على خلقه واعتقدت (4). 41 - كش: أحمد بن
علي بن كلثوم السر خسي قال: رأيت رجلا من أصحابنا يعرف بأبي زينبة فسألني عن أحكم
بن بشار المروزي، وسألني عن قصته وعن الاثر الذي في حلقه، وقد كنت رأيت في بعض حلقه
شبه الخط كأنه أثر الذبح، فقلت له: قد سألته مرارا فلم يخبرني. قال: فقال: كنا سبعة
نفر في حجرة واحدة ببغداد في زمان أبي جعفر الثاني عليه السلام فغاب عنا أحكم من
عند العصر ولم يرجع في تلك الليلة فلما كان في جوف الليل
(1) كشف الغمة ج 3 ص 215. (2 و 3) القمر:
24 و 25. (4) كشف الغمة ج 3 ص 216.
[65]
جاءنا توقيع من أبي جعفر عليه السلام أن
صاحبكم الخراساني مذبوح مطروح في لبد (1) في مزبلة كذاوكذا، فاذهبوا وداووه بكذا
وكذا، فذهبنا فوجدناه مذبوحا مطروحا كما قال، فحملناه وداويناه بما أمرنا به فبرأ
من ذلك. قال أحمد بن علي: كان من قصته أنه تمتع ببغداد في دار قوم فعلموا به فأخذوه
وذبحوه، وأدرجوه في لبد وطرحوه في مزبلة (2). قب: أبو زينبة مثله (3). 42 - كش:
وجدت بخط جبرئيل ابن أحمد: حدثني محمد بن عبد الله بن مهران، عن عبد الله بن عامر،
عن شاذويه بن الحسن بن داود القمي قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام وبأهلي حبل،
فقلت له: جعلت فداك ادع الله أن يرزقني ولدا ذكرا فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال:
اذهب فان الله يرزقك غلاما ذكرا ثلاث مرات. قال: فقدمت مكة فصرت إلى المسجد فأتى
محمد بن الحسن بن صباح برسالة من جماعة من أصحابنا منهم صفوان بن يحيى، ومحمد بن
سنان وابن أبي عمير وغيرهم فأتيتهم فسألوني فخبرتهم بما قال، فقالوا لي: فهمت عنه
ذكرا وذكى (4) ؟ فقلت: ذكرا قد فهمت قال ابن سنان: أما أنت سترزق ولدا ذكرا أما إنه
يموت على المكان أو يكون ميتا. فقال أصحابنا لمحمد بن سنان: أسأت، قد علمنا الذي
علمت، فأتى غلام في المسجد، فقال: أدرك فقد مات أهلك فذهبت مسرعا ووجدتها على شرف
الموت
(1) اللبد - بالكسر - بساط من صوف أو
غيره. يجعل على ظهر الفرس تحت السرج ويعرف باللبادة. (2) رجال الكشى تحت الرقم 460.
(3) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 397. (4) في المصدر " ذكرا وزكى " بالزاى وفى بعض
النسخ الذى كان عند المصنف قدس سره " ذكرا وزكر " بالراء كما في هامش نسخة الاصل.
[66]
ثم لم تلبث أن ولدت غلاما ذكرا ميتا (1).
بيان: قوله ذكرا وذكى لعل المعنى أنه عليه السلام لما قال: غلاما لم يحتج إلى الوصف
بالذكورة، فقالوا: لعله كان ذكيا من التذكية بمعني الذبح كناية عن الموت. 43 - كش:
حمدويه، عن أبي سعيد الآدمي، عن محمد بن مر زبان، عن محمد ابن سنان، قال: شكوت إلى
الرضا عليه السلام وجع العين فأخذ قرطاسا فكتب إلى أبي جعفر عليه السلام وهو أقل من
يدي ودفع الكتاب إلى الخادم وأمرني أن أذهب معه وقال: اكتم فأتيناه وخادم قد حمله
قال: ففتح الخادم الكتاب، بين يدي أبي جعفر عليه السلام قال: فجعل أبو جعفر عليه
السلام ينظر في الكتاب ويرفع رأسه إلى السماء ويقول: ناج. ففعل ذلك مرارا فذهب كل
وجع في عيني وأبصرت بصرا لا يبصره أحد فقال: قلت لابي جعفر عليه السلام: جعلك الله
شيخا على هذه الامة كما جعل عيسى بن مريم شيخا على بني إسرائيل، قال: ثم قلت له: يا
شبيه صاحب فطرس قال: فانصرفت وقد أمرني الرضا عليه السلام أن أكتم فما زلت صحيح
النظر حتى أذعت ما كان من أبي جعفر عليه السلام في أمر عيني فعاودني الوجع. قال:
فقلت لمحمد بن سنان: ما عنيت بقولك " يا شبيه صاحب فطرس " ؟ قال: فقال: إن الله غضب
على ملك من الملائكة يدعى فطرس فدق جناحه ورمى به في جزيرة من جزائر البحر، فلما
ولد الحسين عليه السلام بعث الله إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليهنئه بولادة
الحسين، وكان جبرئيل صديقا لفطرس، فمر وهو في الجزيرة مطروح فخبره بولادة الحسين
عليه السلام وما أمر الله به، وقال: هل لك أن أحملك على جناح من أجنحتي وأمضي بك
إلى محمد صلى الله عليه وآله يشفع لك ؟ قال: فقال له فطرس: نعم فحمله على جناح من
أجنحته حتى أتى به محمدا صلى الله عليه واله فبلغه تهنئة ربه تعالى ثم حدثه بقصة
فطرس، فقال محمد صلى الله عليه وآله لفطرس: امسح جناحك
(1) رجال الكشى ص 486.
[67]
على مهد الحسين وتمسح به، ففعل ذلك فطرس،
فجبر الله جناحه ورده إلى منزله مع الملائكة (1). 44 - كش: وجدت بخط جبرئيل بن أحمد
حدثني محمد بن عبد الله بن مهران، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ومحمد بن سنان جميعا
قالا: كنا بمكة وأبو الحسن الرضا عليه السلام بها فقلنا له: جعلنا الله فداك نحن
خارجون وأنت مقيم فان رأيت أن تكتب لنا إلى أبي جعفر عليه السلام كتابا نلم به (2)
قال: فكتب إليه فقدمنا فقلنا للموفق: أخرجه إلينا قال: فأخرجه إلينا وهوفي صدر
موفق، فأقبل يقرؤه ويطويه، وينظر فيه ويتبسم، حتى أتى على آخره كذلك يطويه من أعلاه
وينشره من أسفله. قال محمد بن سنان: فلما فرغ من قراءته حرك رجله وقال: ناج ناج
فقال أحمد: ثم قال ابن سنان عند ذلك: فطرسية فطرسية (3). 45 - كش: محمد بن مسعود،
عن علي بن محمد، عن أحمد بن محمد بن عيسى قال: بعث إلي أبو جعفر عليه السلام غلامه
ومعه كتاب فأمرني أن أسير إليه فأتيته وهو بالمدينة نازل في دار بزيع، فدخلت وسلمت
عليه، فذكر في صفوان ومحمد ابن سنان وغيرهما مما قد سمعه غير واحد. فقلت في نفسي:
أستعطفه على زكريا بن آدم لعله أن يسلم مما في هؤلاء ثم رجعت إلى نفسي فقلت: من أنا
أن أتعرض في هذا وشبهه مولاي، هو أعلم بما يصنع فقال لي: يا أبا علي ليس على مثل
أبي يحيى يعجل، وكان من خدمته لابي عليه السلام ومنزلته عنده وعندي من بعده غير أني
احتجت إلى المال فلم يبعث فقلت: جعلت فداك هو باعث إليك بالمال وقال لي: إن وصلت
إليه فأعلمه أن
(1) رجال الكشى ص 487. (2) يقال: لم بفلان
وألم: أي أتاه ونزل به وزاره زيارة غير طويلة. وفى المصدر المطبوع " فنسلم به ".
(3) رجال الكشى ص 488.
[68]
الذي منعني من بعث المال اختلاف ميمون
ومسافر فقال: احمل كتابي إليه ومره أن يبعث إلي بالمال، فحملت كتابه إلى زكريا فوجه
إليه بالمال. قال: فقال لي أبو جعفر عليه السلام ابتداء منه: ذهبت الشبهة، ما لابي
ولد غيري قلت: صدقت جعلت فداك (1). ير: أحمد بن محمد، عن أبيه مثله (2). 46 - كا:
محمد بن يحيى، وأحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن، عن أحمد بن الحسين، عن محمد بن
الطيب، عن عبد الوهاب بن منصور، عن محمد بن أبي العلا قال: سمعت يحيى بن أكثم قاضي
سامراء (3) بعد ما جهدت به وناظرته وحاورته وراسلته وسألته عن علوم آل محمد صلى
الله عليه وآله فقال: فبينما أنا ذات يوم دخلت أطوف بقبر رسول الله صلى الله عليه
وآله فرأيت محمد بن علي الرضا يطوف به (4) فناظرته في مسائل عندي فأخرجها إلي فقلت
له: والله إني اريد أن أسألك مسألة واحدة وإني والله لاستحيي من ذلك، فقال لي: أنا
اخبرك قبل أن تسألني، تسألني عن
(1) رجال الكشى ص 497. (2) بصائر الدرجات
ص 237. (3) هومن مشاهير علماء المخالفين، وله مناظرات مع أبى جعفر عليه السلام كما
سيأتي في الباب الاتى تحت الرقم 3 و 6. قيل: ويظهر من هذا الخبر أنه كان مؤمنا بآل
محمد صلوات الله عليهم سرا. وقوله بعد ما جهدت به أي بالغت في امتحانه، وفى
القاموس: جهد بزيد: امتحنه. (4) ربما يستدل به على جواز الطواف بقبور النبي والائمة
عليهم السلام وفيه نظر إذا حمله على الطواف الكامل بعيد بل الظاهر أنه عليه السلام
كان يدور من موضع الزيارة إلى جانب الرجل ليدخل بيت فاطمة عليها السلام كما هو
الشايع الان، والمانع لا يمنع مثل هذا لكن ما ورد في بعض الاخبار: " ولا تطف بقبر "
ليس بصريح في هذا المعنى إذ يحتمل ان يكون المراد بالطوف الحدث، قال في النهاية:
الطوف الحدث من الطعام ومنه الحديث: نهى عن متحدثين على طوفهما. أي عند الغائط. منه
رحمه الله في المرآت.
[69]
الامام، فقلت: هو والله هذا، فقال: أنا
هو، فقلت: علامة، فكان في يده عصا فنطقت فقالت: إنه مولاي إمام هذا الزمان وهو
الحجة (1). قب: عن محمد بن أبي العلا مثله (2). 47 - يج: روى محمد بن إبراهيم
الجعفري، عن حكيمة بنت الرضا عليهما السلام قالت: لما توفي أخي محمد ابن الرضا
عليهما السلام صرت يوما إلى امرأته ام الفضل بسبب احتجت إليها فيه قالت: فبينما نحن
نتذاكر فضل محمد وكرمه وما أعطاه من العلم والحكمة، إذا قالت امرأته ام الفضل: يا
حكيمة اخبرك عن أبي جعفر ابن الرضا عليه السلام باعجوبة لم يسمع أحد بمثلها، قلت:
وماذاك ؟ قالت: إنه كان ربما أغارني: مرة بجارية ومرة بتزويج فكنت أشكوه إلى
المأمون فيقول: يا بنية احتملي فانه ابن رسول الله صلى الله عليه وآله. فبينما أنا
ذات ليلة جالسة إذ أتت امرأة فقلت: من أنت ؟ فكأنها قضيب بان أو غصن خيزران (3)
قالت: أنا زوجة لابي جعفر، قلت: من أبو جعفر ؟ قالت: محمد ابن الرضا عليهما السلام
وأنا امرأة من ولد عمار بن ياسر قالت: فدخل على من الغيرة ما لم أملك نفسي فنهضت من
ساعتي وصرت إلى المأمون وقد كان ثملا (4) من الشراب وقد مضى من الليل ساعات فأخبرته
بحالي وقلت له: يشتمني ويشتمك ويشتم العباس وولده قالت: وقلت ما لم يكن، فغاظه ذلك
مني جدا ولم يملك نفسه من السكر
(1) الكافي ج 1 ص 353. (2) مناقب آل ابى
طالب ج 4 ص 393. (3) البان: شجر سبط القوام لين، ورقه كورق الصفصاف، الواحدة بانة،
ويشبه به القد لطوله، ولطافة البدن ولينه لنعومته. وهكذا الخيزران - بضم الزاى -
شجر هندي وهو عروق ممتدة في الارض يضرب به المثل في اللين وفيه لغة اخرى: الخيزور
قال ابن الوردى: أنا كا لخيزور صعب كسره * وهو لين كيفما شئت انفتل (4) تملاء خ ل.
[70]
وقام مسرعا فضرب بيده إلى سيفه، وحلف أنه
يقطعه بهذا السيف ما بقي في يده وصار إليه. قالت: فندمت عند ذلك فقلت في نفسي: ما
صنعت هلكت وأهلكت، قالت: فعدوت خلفه لانظر ما يصنع، فدخل إليه، وهو نائم فوضع فيه
السيف فقطعه قطعة قطعة، ثم وضع سيفه على حلقه فذبحه، وأنا أنظر إليه وياسر الخادم،
وانصرف وهو يزبد (1) مثل الجمل قالت: فلما رأيت ذلك هربت على وجهي حتى رجعت إلى
منزل أبي فبت بليلة لم أنم فيها إلى أن أصبحت، قال: فلما أصبحت دخلت إليه وهو يصلي،
وقد أفاق من السكر، فقلت له: يا أمير المؤمنين هل تعلم ما صنعت الليلة ؟ قال: لا
والله فما الذي صنعت ويلك ؟ قلت: فانك صرت إلى ابن الرضا عليهما السلام وهو نائم
فقطعته إربا إربا، وذبحته بسيفك وخرجت من عنده، قال: ويلك ما تقولين ؟ قلت: أقول ما
فعلت، فصاح: يا ياسر ما تقول هذه الملعونة ويلك ؟ قال: صدقت في كل ما قالت: قال:
إنا لله وإنا إليه راجعون هلكنا وافتضحنا، ويلك يا ياسر بادر إليه وائتني بخبره.
فركض ثم عاد مسرعا فقال: يا أمير المؤمنين البشرى قال: وما وراك ؟ قال: دخلت فإذا
هو قاعد يستاك، وعليه قميص ودواج (2) فبقيت متحيرا في أمره ثم أردت أن أنظر إلى
بدنه هل فيه شئ من الاثر فقلت له: احب أن تهب لي هذا القميص الذي عليك لاتبرك فيه،
فنظر إلى وتبسم كأنه علم ما أردت بذلك فقال: أكسوك كسوة فاخرة فقلت: لست اريد غير
هذا القميص الذي عليك فخلعه وكشف بدنه كله فوالله ما رأيت أثرا. فخر المأمون ساجدا
ووهب لياسر ألف دينار وقال: الحمدلله الذي لم يبتلني بدمه. ثم قال: يا ياسر كلما
كان من مجئ هذه الملعونة إلي وبكائها بين يدي فأذكره وأما مصيري إليه فلست أذكره،
فقال ياسر: والله ما زلت تضربه بالسيف
(1) زبد شدقه وتزبد: خرج زبده وهو ما يعلو
الماء وغيره من الرغوة. (2) الدواج - بالضم - وهكذا الدواج - كزنار - اللحاف الذى
يلبس.
[71]
وأنا وهذه ننظر إليك وإليه حتى قطعته قطعة
قطعة، ثم وضعت سيفك على حلقه فذبحته وأنت تزبد كما تزبد البعير، فقال: الحمد لله ثم
قال لي: والله لئن عدت بعدها في شئ مما جرى لاقتلنك ثم قال لياسر: احمل إليه عشرة
آلاف دينار وقد إليه (1) الشهري الفلاني وسله الركوب إلي، وابعث إلى الهاشميين و
الاشراف والقواد معه لير كبوا معه إلى عندي، ويبدعوا بالدخول إليه، والتسليم عليه،
ففعل ياسر ذلك، وصار الجميع بين يديه، وأذن للجميع، فقال: يا ياسر هذا كان العهد
بيني وبينه قلت: يا ابن رسول الله ليس هذا وقت العتاب، فوحق محمد وعلي ماكان يعقل
من أمره شيئا فأذن للاشراف كلهم بالدخول إلا عبد الله وحمزة ابني الحسن لانهما كانا
وقعا فيه عند المأمون، وسعيا به مرة بعد اخرى، ثم قام فركب مع الجماعة و صار إلى
المأمون فتلقاه وقبل ما بين عينيه، وأقعده على المقعد في الصدر، وأمر أن يجلس الناس
ناحية، فجعل يعتذر إليه، فقال أبو جعفر عليه السلام: لك عندي نصيحة فاسمعها مني
قال: هاتها، قال: اشير عليك بترك الشراب المسكر، قال: فداك ابن عمك قد قبلت نصيحتك
(2). بيان: ثمل الرجل بالكسر ثملا إذا أخذ فيه الشراب فهو ثمل أي نشوان وقال
الفيروز آبادي: الشهرية بالكسر ضرب من البراذين. أقول قال علي بن عيسي (3) بعد
إيراد هذا الخبر: وهذه القصة عندي فيها نظر وأظنها موضوعة، فان أبا جعفر عليه
السلام إنما كان يتزوج ويتسرى (4) حيث كان بالمدينة، ولم يكن المأمون بالمدينة
فتشكو إليه ابنته (5).
(1) " قد " فعل امر من قاد يقود. (2)
مختار الخرائج والجرائح ص 207 و 208. (3) هو أبو الحسن بهاء الدين الاربلي صاحب كشف
الغمة. (4) تسرى الرجل تسريا: اخذ سرية، وهى الامة التى أنزلتها بيتا. (5) وسيجئ
الارشاد في الباب الاتى - 4 - تحت الرقم 5 أنها كتبت بذلك إلى أبيها من المدينة،
فتأمل.
[72]
فان قلت: إنه جاء حاجا قلت: إنه لم يكن
ليشرب في تلك الحال وأبو جعفر عليه السلام مات ببغداد وزوجته معه فاخته أين رأتها
بعد موته ؟ وكيف اجتمعتا و تلك بالمدينة وهذه ببغداد ؟ وتلك الامرأة التي هي من ولد
عمار بن ياسر رضي الله عنه، في المدينة تزوجها فكيف رأتها ام الفضل فقامت من فورها
وشكت إلى أبيها كل هذا يجب أن ينظر فيه، انتهى (1). اقول: كل ما ذكره من المقدمات
التي بنى عليها رد الخبر في محل المنع ولا يمكن رد الخبر المشهور المتكرر في جميع
الكتب بمحض هذا الاستبعاد، ثم اعلم أنه قد مضى بعض معجزاته في باب شهادة أبيه
عليهما السلام.
(1) كشف الغمة ج 3 ص 219 و 220.
[73]
4 * (باب) * * (تزويجه عليه السلام ام
الفضل، وما جرى في هذا) * (المجلس من الاحتجاج والمناظرة) 1 - قب: الخطيب في تاريخ
بغداد عن يحيى بن أكثم أن المأمون خطب فقال: الحمد لله الذي تصاغرت الامور لمشيته،
ولا إله إلا الله إقرارا بربوبيته وصلى الله على محمد عبده وخيرته أما بعد فان الله
جعل النكاح الذي رضيه لكمال سبب المناسبة، ألا وإني قد زوجت زينب ابنتي من محمد بن
علي بن موسى الرضا أمهرناها عنه أربعمائة درهم. ويقال: إنه عليه السلام كان ابن تسع
سنين وأشهر، ولم يزل المأمون متوافرا على إكرامه وإجلال قدره (1). 2 - مهج:
باسنادنا إلى أبي جعفر بن بابويه - ره - عن إبراهيم بن محمد بن الحارث النوفلي قال:
حدثني أبي وكان خادما لعلي بن موسى الرضا عليه السلام لما زوج المأمون أبا جعفر
محمد بن علي بن موسى الرضا عليه السلام ابنته، كتب إليه أن لكل زوجة صداقا من مال
زوجها، وقد جعل الله أموالنا في الاخرة مؤجلة مذخورة هناك كما جعل أموالكم معجلة في
الدنيا وكنزها ههنا وقد أمهرت ابنتك الوسائل إلى المسائل وهي مناجات دفعها إلي أبي
قال: دفعها إلي أبي جعفر عليه السلام قال: دفعها إلي محمد أبي قال: دفعها إلي علي
بن الحسين عليه السلام أبي، قال: دفعها إلي الحسين أبي قال دفعها إلي الحسن عليه
السلام أخي قال دفعها إلي أمير المؤمنين علي بن
(1) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 382.
[74]
أبيطالب عليه السلام قال: دفعها إلي رسول
الله قال: دفعها إلي جبرئيل عليه السلام قال: يا محمد رب العزة يقرئك السلام، ويقول
لك: هذه مفاتيح كنوز الدنيا والاخرة، فاجعلها وسائلك إلى مسائلك، تصل إلى بغيتك
فتنجح في طلبتك، فلا تؤثرها في حوائج الدنيا فتبخس بها الحظ من آخرتك، وهي عشر
وسائل [إلى عشرة مسائل] تطرق بها أبواب الرغبات (1) فتفتح، وتطلب بها الحاجات
فتنجح، وهذه نسختها ثم ذكر الادعية على ما سيأتي في موضعها إنشاء الله تعالى. 3 -
ج: عن الريان بن شبيب قال: لما أراد المأمون أن يزوج ابنته ام الفضل أبا جعفر محمد
بن علي عليه السلام بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم، واستنكروه منه، وخافوا أن ينتهي
الامر معه إلى ما انتهى مع الرضا عليه السلام فخاضوا في ذلك واجتمع منهم أهل بيته
الادنون منه، فقالوا: ننشدك الله يا أمير المؤمنين أن تقيم على هذا الامر الذي عزمت
عليه من تزويج ابن الرضا (2) فانا نخاف أن يخرج به عنا أمر قد ملكناه الله عزوجل
وينزع منا عزا قد ألبسناه الله وقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم قديما وحديثا.
وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك، من تبعيدهم والتصغير بهم، وقد كنا في وهلة من
عملك مع الرضا عليه السلام ما عملت فكفانا الله المهم من ذلك فالله الله أن تردنا
إلى غم قد انحسر عنا واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل إلى من تراه من اهل بيتك يصلح
لذلك دون غيره (3). فقال لهم المأمون: أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب
فيه، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم، وأما ماكان يفعله من قبلي بهم، فقد كان
قاطعا للرحم، وأعوذ بالله من ذلك، والله ماندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا
(1) في نسخة الكمبانى قد أثبت هنا رمز يج
وهو سهو نشأ من سوء القراءة في نسخة الاصل. (2) وقيل انه كان زوجه ابنته قبل وفاة
أبيه على بن موسى عليهم السلام كما في تذكرة سبط ابن الجوزى ص 202. (3) قد مر في ج
49 ص 311 من طبعتنا هذه ما ينفع في هذا المقام فراجعه.
[75]
عليه السلام ولقد سألته أن يقوم بالامر
وأنزعه من نفسي فأبى، وكان أمر الله قدرا مقدورا. وأما أبو جعفر محمد بن علي فقد
اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل، مع صغر سنه، والا عجوبة فيه
بذلك، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلمون أن الرأي ما رأيت فيه.
فقالوا له: إن هذا الفتى وإن راقك منه هديه فانه صبي لا معرفة له ولافقه فأمهله
ليتأدب ثم اصنع ما تراه بعد ذلك. فقال لهم: ويحكم إني أعرف بهذا الفتى منكم وإن أهل
هذا البيت علمهم من الله تعالى ومواده وإلهامه، لم تزل آباؤه أغنياء في علم الدين
والادب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فان شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين لكم
به ما وصفت لكم من حاله. قالوا: قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولانفسنا بامتحانه،
فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرنك عن شئ من فقه الشريعة، فان أصاب في الجواب
عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين فيه،
وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه فقال لهم المأمون: شأنكم وذلك متى أردتم.
فخرجوا من عنده واجتمع رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم، وهو يومئذ قاضي الزمان على أن
يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك، وعادوا إلى المأمون
وسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع فأجابهم إلى ذلك. فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا
عليه وحضر معهم يحيى بن أكثم وأمر المأمون أن يفرش لابي جعفر دست (1) ويجعل له فيه
مسورتان ففعل ذلك وخرج أبو جعفر وهو يومئذ ابن تسع سنين وأشهر فجلس بين المسورتين
وجلس يحيى بن أكثم بين يديه وقام الناس في مراتبهم والمأمون جالس في دست متصل بدست
أبي جعفر عليه الصلاة والسلام.
(1) الدست هنا صدر البيت وهو معرب، يقال
له بالفارسية اليوم " شاه نشين ".
[76]
فقال يحيى بن أكثم للمأمون: يأذن لي أمير
المؤمنين أن أسأل أبا جعفر عن مسألة ؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك فأقبل عليه
يحيى بن أكثم فقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة ؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: سل
إن شئت. قال يحيى: ما تقول جعلت فداك في محرم قتل صيدا ؟. فقال أبو جعفر عليه
السلام: قتله في حل أو حرم عالما كان المحرم أو جاهلا قتله عمدا أو خطأ، حرا كان
المحرم أو عبدا صغيرا كان أو كبيرا، مبتدئا بالقتل أو معيدا من ذوات الطير كان
الصيد أم من غيرها، من صغار الصيد أم من كبارها مصرا على ما فعل أو نادما، في الليل
كان قتله للصيد أم في النهار، محرما كان بالعمرة إذ قتله أو بالحج كان محرما ؟.
فتحير يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع ولجلج حتى عرف جماعة أهل المجلس
أمره (1) فقال المأمون: الحمدلله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ثم نظر إلى
أهل بيته فقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه ؟ ثم أقبل على أبي جعفر عليه
السلام فقال له: أتخطب يا أبا جعفر ؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين فقال له المأمون:
اخطب لنفسك جعلت فداك قدرضيتك لنفسي وأنا مزوجك ام الفضل ابنتي وإن رغم القوم لذلك.
فقال أبو جعفر عليه السلام: الحمدلله إقرارا بنعمته، ولا إله إلا الله إخلاصا
لوحدانيته وصلى الله على محمد سيد بريته، والاصفياء من عترته. أما بعد فقد كان من
فضل الله على الانام، أن أغناهم بالحلال عن الحرام، و قال سبحانه: وأنكحوا الايامى
منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع
عليم. ثم إن محمد بن علي بن موسى يخطب ام الفضل بنت عبد الله المأمون، وقد بذل لها
من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد عليها السلام وهو خمس مائة درهم جيادا فهل زوجته
يا أمير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور ؟.
(1) عجزه خ ل.
[77]
فقال المأمون: نعم قد زوجتك يا أبا جعفر
ام الفضل ابنتي على الصداق المذكور، فهل قبلت النكاح ؟ قال أبو جعفر عليه السلام:
قد قبلت ذلك ورضيت به. فأمر المأمون أن يقعد الناس على مراتبهم في الخاصة والعامة.
قال الريان: ولم نلبث أن سمعنا أصواتا تشبه أصوات الملاحين في محاوراتهم فإذا الخدم
يجرون سفينة مصنوعة من فضة مشدودة بالحبال من الابريسم، على عجلة مملوة من الغالية،
ثم أمر المأمون أن تخضب لحاء الخاصة من تلك الغالية ثم مدت إلى دار العامة فتطيبوا
منها ووضعت الموائد فأكل الناس وخرجت الجوائز إلى كل قوم على قدر هم. فلما تفرق
الناس وبقي من الخاصة من بقي، قال المأمون لابي جعفر عليه السلام: إن رأيت جعلت
فداك أن تذكر الفقه الذي (1) فصلته من وجوه من قتل المحرم لنعلمه ونستفيده. فقال
أبو جعفر عليه السلام: نعم إن المحرم إذا قتل صيدا في الحل وكان الصيد من ذوات
الطير، وكان من كبارها، فعليه شاة، فان أصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا، وإذا
قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن وإذا قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة
الفرخ، فإذا كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة، و إن كان نعامة فعليه بدنة وإن
كان ظبيا فعليه شاة وإن كان قتل شيئا من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا
بالغ الكعبة. وإذا أصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه، وكان إحرامه بالحج نحره
بمنى، وإن كان إحرامه بالعمرة نحره بمكة، وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء وفي
العمد عليه المأ ثم وهو موضوع عنه في الخطاء، والكفارة على الحر في نفسه، وعلى
السيد في عبده، والصغير لا كفارة عليه، وهي على الكبير واجبة والنادم يسقط ندمه عنه
عقاب الآخرة والمصر يجب عليه العقاب في الآخرة. فقال المأمون: أحسنت يا أبا جعفر
أحسن الله إليك فان رأيت أن تسأل يحيى
(1) فيما فصلته خ ل.
[78]
عن مسألة كما سألك فقال أبو جعفر عليه
السلام ليحيى: أسألك ؟ قال: ذلك إليك جعلت فداك فان عرفت جواب ما تسألني عنه وإلا
استفدته منك. فقال له أبو جعفر عليه السلام: أخبرني عن رجل نظر إلى امرأة في أول
النهار فكان نظره إليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار حلت له، فلما زالت الشمس
حرمت عليه، فلما كان وقت العصر حلت له، فلما غربت الشمس حرمت عليه، فلما دخل وقت
العشاء الآخرة حلت له، فلما كان وقت انتصاف الليل حرمت عليه فلما طلع الفجر حلت له،
ما حال هذه المرأة وبماذا حلت له وحرمت عليه ؟ فقال له يحيى بن أكثم: لا والله لا
أهتدي إلى جواب هذا السؤال ولا أعرف الوجه فيه، فان رأيت أن تفيدناه. فقال أبو جعفر
عليه السلام: هذه أمة لرجل من الناس، نظر إليها أجنبي في أول النهار فكان نظره
إليها حراما عليه، فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له فلما كان عند الظهر
أعتقها فحرمت عليه، فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له فلما كان وقت المغرب ظاهر
منها فحرمت عليه، فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له، فلما كان نصف
الليل طلقها واحدة، فحرمت عليه، فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له. قال: فأقبل
المأمون على من حضره من أهل بيته فقال لهم: هل فيكم من يجيب هذه المسألة بمثل هذا
الجواب أو يعرف القول فيما تقدم من السؤال ؟ قالوا: لا والله إن أمير المؤمنين أعلم
وما رأى فقال: ويحكم إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل، وإن صغر
السن فيهم لا يمنعهم من الكمال. أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله افتتح
دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وهو ابن عشر سنين، وقبل منه
الاسلام وحكم له به، ولم يدع أحدا في سنه غيره، وبايع الحسن والحسين عليهما السلام
وهما ابنا دون الست سنين، ولم يبايع صبيا غيرهما أولا تعلمون ما اختص الله به هؤلاء
القوم وإنهم ذرية بعضها من بعض يجري لاخرهم ما يجري لاولهم، فقالوا: صدقت يا أمير
المؤمنين ثم نهض القوم.
[79]
فلما كان من الغد أحضر الناس وحضر أبو
جعفر عليه السلام وسار القواد والحجاب والخاصة والعمال لتهنئة المأمون وأبي جعفر
عليه السلام فاخرجت ثلا ثة أطباق من الفضة، فيها بنادق مسك وزعفران، معجون في أجواف
تلك البنادق رقاع مكتوبة بأموال جزيلة، وعطايا سنية، وإقطاعات، فأمر المأمون بنثرها
على القوم من خاصته فكان كل من وقع يده بندقة أخرج الرقعة التي فيها والتمسه فأطلق
يده له، ووضعت البدر، فنثرما فيها على القواد وغيرهم، وانصرف الناس وهم أغنياء
بالجوائز والعطايا، وتقدم المأمون بالصدقة على كافة المساكين، ولم يزل مكرما لابي
جعفر عليه السلام معظما لقدره مدة حياته، يؤثره على ولده وجماعة أهل بيته (1). فس:
محمد بن الحسن عن محمد بن عون النصيبي قال: لما أراد المأمون وذكره نحوه. شا: روى
الحسن بن محمد بن سليمان، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الريان بن شبيب مثله (2).
بيان: الوهلة الفزغة، ووهل عنه غلط فيه، ونسيه وبرز تبريزا فاق أصحابه فضلا والهدي
السيرة والهيأة والطريقة والمسورة بكسر الميم متكأ من أدم. 4 - ف: قال لابي جعفر
عليه السلام أبو هاشم الجعفري في يوم تزوج ام الفضل ابنة المأمون: يا مولاي لقد
عظمت علينا بركة هذا اليوم، فقال: يا أبا هاشم عظمت بركات الله علينا فيه، قلت: نعم
يا مولاي فما أقول في اليوم، فقال: تقول فيه خيرا فانه يصيبك، قلت: يا مولاي أفعل
هذا ولا أخالفه، قال: إذا ترشد ولا ترى إلا خيرا (3). 5 - شا: روى الناس أن ام
الفضل كتبت إلى أبيها من المدينة تشكو أبا جعفر عليه السلام وتقول: إنه يتسرى علي
ويغيرني فكتب المأمون: يا بنية إنا
(1) الاحتجاج ص 227 - 229. (2) الارشاد ص
229 - 304. (3) تحف العقول ص 479 - ط الاسلامية.
[80]
لم نزوجك أبا جعفر عليه السلام لتحرم عليه
حلالا، ولا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها (1). 6 - ج: وروي أن المأمون بعدما زوج ابنته
ام الفضل أبا جعفر عليه السلام كان في مجلس وعنده أبو جعفر عليه السلام ويحيى بن
أكثم وجماعة كثيرة فقال له يحيى بن أكثم: ما تقول يا ابن رسول الله صلى الله عليه
وآله في الخبر الذي روي أنه نزل جبرئيل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه
وآله وقال يا محمد: إن الله عزوجل يقرئك السلام ويقول لك: سل أبا بكر هل هو عني راض
فاني عنه راض. فقال أبو جعفر: لست بمنكر فضل أبي بكر، ولكن يجب على صاحب هذا الخبر
أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وآله في حجة الوداع " قد
كثرت علي الكذابة، وستكثر، فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار، فإذا أتاكم
الحديث فاعرضوه على كتاب الله وسنتي، فما وافق كتاب الله وسنتي فخذوا به، وما خالف
كتاب الله وسنتي فلاتأ خذوا به " وليس يوافق هذا الخبر كتاب الله قال الله تعالى "
ولقد خلقنا الانسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " (2)
فالله عزوجل خفي عليه رضا أبي بكر من سخطه حتى سأل من مكنون سره ؟ هذا مستحيل في
العقول. ثم قال يحيى بن أكثم: وقد روي أن مثل أبي بكر وعمر في الارض كمثل جبرئيل
وميكائيل في السماء، فقال: وهذا أيضا يجب أن ينظر فيه لان جبرئيل وميكائيل ملكان
مقربان لم يعصيا الله قط ولم يفارقا طاعته لحظة واحدة، وهما قد أشركا بالله عزوجل
وإن أسلما بعد الشرك، وكان أكثر أيامهما في الشرك بالله فمحال أن يشبههما بهما. قال
يحيى: وقد روي أيضا أنهما سيدا كهول أهل الجنة، فما تقول فيه ؟ فقال عليه السلام:
وهذا الخبر محال أيضا لان أهل الجنة كلهم يكونون شبابا، ولا يكون
(1) الارشادص 304. (2) ق: 16.
[81]
فيهم كهل، وهذا الخبر وضعه بنو امية
لمضادة الخبر الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله في الحسن والحسين بأنهما سيدا
شباب أهل الجنة (1). فقال يحيى بن أكثم: وروي أن عمر بن الخطاب سراج أهل الجنة،
فقال عليه السلام: وهذا أيضا محال لان في الجنة ملائكة الله المقربين، وآدم ومحمد
وجميع الانبياء والمرسلين لا تضيئ بأنوارهم حتى تضيئ بنور عمر (2). فقال يحيى: وقد
روي أن السكينة تنطق على لسان عمر، فقال عليه السلام: لست بمنكر فضائل عمر، ولكن
أبا بكر أفضل من عمر فقال على رأس المنبر: إن لي
(1) قال الشيخ قدس سره في تلخيص الشافي:
وأما الخبر الذى يتضمن أنهما سيدا كهول أهل الجنة، فمن تأمل أصل هذا الخبر بعين
انصاف علم أنه موضوع في أيام بنى امية معارضة لما روى من قوله صلى الله عليه وآله
في الحسن والحسين: انهما سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما. وهذا الخبر الذى
ادعوه يروونه عن عبيدالله بن عمر، وحال عبيدالله في الانحراف عن أهل البيت معروفة،
وهو أيضا كالجار إلى نفسه. على أنه لا يخلو من أن يريد بقوله " سيدا كهول أهل الجنة
" انهما سيدا كهول من هو في الجنة، أو يراد أنهما سيدا من يدخل الجنة من كهول
الدنيا. فان كان الاول فذلك باطل لان رسول الله قد وقفنا - وأجمعت الامة - على أن
جميع أهل الجنة جرد مرد، وأنه لا يدخلها كهل، وان كان الثاني - فذلك دافع ومناقض
للحديث المجمع على روايته من قوله في الحسن والحسين عليهما السلام " أنهما سيدا
شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما ". لان هذا الخبر يقتضى أنهما سيدا كل من يدخل
الجنة إذ كان لا يدخلها الاشباب فأبوبكر وعمر وكل كهل في الدنيا داخلون في جملة من
يكونان عليهما السلام سيديه والخبر الذى رووه يقتضى أن أبا بكر وعمر سيداهما من حيث
كانا سيدى الكهول في الدنيا وهما عليهما السلام من جملة من كان كهلا في الدنيا. (2)
بل الظاهر من قوله تعالى " متكئين على الارائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا "
الدهر: 13 وقوله تعالى " هم وأزواجهم في ظلال على الارائك متكئون " يس: 57 أن الجنة
ليس فيها ظلام حتى يحتاج إلى السراج.
[82]
شيطانا يعتريني فإذا ملت فسد دوني (1).
فقال يحيى: قد روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لو لم ابعث لبعث عمر، فقال
عليه السلام: كتاب الله أصدق من هذا الحديث، يقول الله في كتابه " وإذ أخذنا من
النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح " (2) فقد أخذ الله ميثاق النبيين فكيف يمكن أن يبدل
ميثاقه، وكان الانبياء عليهم السلام لم يشركوا طرفة عين فكيف يبعث بالنبوة من أشرك
وكان أكثر أيامه مع الشرك بالله، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: نبئت وآدم بين
الروح والجسد. فقال يحيى بن أكثم: وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: ما
احتبس الوحي عني قط إلا ظننته قد نزل على آل الخطاب، فقال عليه السلام: وهذا محال
أيضا لانه لا يجوز أن يشك النبي صلى الله عليه وآله في نبوته، قال الله تعالى: "
الله يصطفي من الملائكة رسلا و
(1) قد قال ذلك وشبهه غير مرة، فمن ذلك
قوله " انى وليت عليكم ولست بخيركم فان رأيتموني على الحق فأعينوني، وان رأيتموني
على الباطل فسددوني " وقوله: " أما والله ما أنا بخيركم ولقد كنت لمقامي هذا كارها،
ولوددت أن فيكم من يكفيني، أفتظنون انى أعمل فيكم بسنة رسول الله ؟ اذن لا أقوام
بها، ان رسول الله كان يعصم بالوحى، وكان معه ملك، وان لى شيطانا يعترينى، فإذا
غضبت فاجتنبوني أن لا اؤثر في اشعاركم وابشاركم الا فراعوني فان استقمت فأعينوني،
وان زغت فقوموني. قال السيد حسين بحر العلوم في هامش تلخيص الشافي ج 2 ص 9: وبهذه
العبارات وشبهها تجد كتب القوم منها ملاى. راجع مسند احمد ج 1 ص 14 والرياض النضرة
ج 1 ص 170 وكنز العمال ج 3 ص 126 وطبقات ابن سعد ج 3 ص 139 والامامة والسياسة ج 1 ص
16 وتاريخ الطبري ج 3 ص 210 وسيرة ابن هشام ج 4 ص 340 (اقول وفى الطبعة الاخيرة
منها ج 2 ص 661) وعيون الاخبار ج 2 ص 234 والعقد الفريد ج 2 ص 158 وتاريخ الخلفاء
للسيوطي ص 47 والسيرة الحلبية ج 3 ص 388 وشرح ابن ابى الحديد ج 1 ص 134 وتهذيب
الكمال ج 1 ص 6 والمجتني لابن دريد ص 27 وغيرها كثير من كتب القوم. (2) الاحزاب: 7.
[83]
من الناس " (1) فكيف يمكن أن تنتقل النبوة
ممن اصطفاه الله تعالى إلى من أشرك به. قال يحيى بن أكثم: روي أن النبي صلى الله
عليه وآله قال: لو نزل العذاب لما نجا منه إلا عمر، فقال عليه السلام: وهذا محال
أيضا إن الله تعالى يقول: " وما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم، وما كان الله معذبهم
وهم يستغفرون " (2) فأخبر سبحانه أن لا يعذب أحدا مادام فيهم رسول الله صلى الله
عليه وآله وما داموا يستغفرون الله تعالى (3). 7 - البرسى في مشارق الانوار: عن أبي
جعفر الهاشمي قال: كنت عند أبي جعفر الثاني عليه السلام ببغداد فدخل عليه ياسر
الخادم يوما وقال: يا سيدنا إن سيدتنا ام جعفر تستأذنك أن تصير إليها، فقال للخادم:
ارجع فاني في الاثر ثم قام وركب البغلة وأقبل حتى قدم الباب، قال: فخرجت ام جعفر
اخت المأمون وسلمت عليه وسألته الدخول على ام الفضل بنت المأمون وقالت: يا سيدي احب
أن أراك مع ابنتي في موضع واحد فتقر عيني. قال: فدخل والستور تشال بين يديه، فما
لبث أن خرج راجعا وهو يقول: " فلما رأينه أكبرنه " (4) قال: ثم جلس فخرجت ام جعفر
تعثر في ذيولها، فقالت: يا سيدي أنعمت علي بنعمة فلم تتمها، فقال لها: " أتى أمر
الله فلا تستعجلوه " (5) إنه قد حدث ما لم يحسن إعادته، فارجعي إلى ام الفضل
فاستخبريها عنه. فرجعت ام جعفر فأعادت عليها ما قال، فقالت: يا عمة وما أعلمه بذاك
؟ ثم قالت: كيف لا أدعو على أبي وقد زوجني ساحرا ثم قالت والله يا عمة إنه لما طلع
علي جماله، حدث لي ما يحدث للنساء فضربت يدي إلى أثوابي وضممتها.
(1) الحج: 75. (2) الانفال: 33. (3)
الاحتجاج ص 229 و 230. (4) يوسف: 31. (5) النحل: 1.
[84]
قال: فبهتت ام جعفر من قولها ثم خرجت
مذعورة، وقالت: يا سيدي وما حدثت لها ؟ قال: هومن أسرار النساء فقالت: يا سيدي تعلم
الغيب ؟ قال: لا قالت: فنزل إليك الوحى ؟ قال: لا، قالت: فمن أين لك علم مالا يعلمه
إلا الله وهي ؟ فقال: وأنا أيضا أعلمه من علم الله، قال: فلما رجعت ام جعفر قلت: يا
سيدي وما كان إكبار النسوة ؟ قال هو ما حصل لام الفضل من الحيض (1).
(1) قال الفيروز آبادى: أكبر الصبى: تغوط،
والمرأة حاضت، والرجل امذى وأمنى، وقال بعضهم: ليس ذلك بالمعروف في اللغة والصحيح
انه وارد في اشعار العرب. أقول: هذه المعاني المذكورة من الكنايات فان كبر الصبى
بما هو صبى بأن يروح نفسه ويتغوط، وكبر المراة بانطلاق حيضها، وكبر الرجل باحتلامه
وهو الامناء والامذاء ثم بعد ما فشا اللفظ وكثر استعماله في هذه المعاني صار من
المجاز المشتهر.
[85]
5 * (باب) * * (فضائله، ومكارم اخلاقه،
وجوامع احواله عليه السلام) * * (واحوال خلفاء الجور في زمانه واصحابه) * * (وما
جرى بينه وبينهم) * 1 - ختص: علي بن إبراهيم، عن أبيه، قال: لما مات أبو الحسن
الرضا عليه السلام حججنا فدخلنا على أبي جعفر عليه السلام وقد حضر خلق من الشيعة من
كل بلد لينظروا إلى أبي جعفر عليه السلام فدخل عمه عبد الله بن موسى (1) وكان شيخا
كبيرا نبيلا عليه ثياب خشنة وبين عينيه سجادة، فجلس وخرج أبو جعفر عليه السلام من
الحجرة، وعليه قميص قصب، ورداء قصب، ونعل حذو (2) بيضاء. فقام عبد الله واستقبله
وقبل بين عينيه وقامت الشيعة وقعد أبو جعفر عليه السلام على كرسي ونظر الناس بعضهم
إلى بعض تحيرا لصغر سنه. فانتدب رجل من القوم فقال لعمه: أصلحك الله ما تقول في رجل
أتى بهيمة ؟ فقال: تقطع يمينه ويضرب الحد، فغضب أبو جعفر عليه السلام ثم نظر إليه
فقال: يا عم اتق الله اتق الله إنه لعظيم أن تقف يوم القيامة بين يدي الله عزوجل
فيقول لك: لم أفتيت الناس بما لاتعلم ؟ فقال له عمه: يا سيدي أليس قال هذا أبوك
صلوات الله عليه ؟
(1) كان من اصحاب الرضا والجواد عليهما
السلام، وهو صاحب الكتاب إلى ابن ابى داود حين كتب إليه في خلق القرآن، قال ابو نصر
البخاري: انه ولد موسى بن عبد الله ابن موسى بن جعفر، ما اعقب الامنه، فجميع اولاد
عبد الله بن موسى من موسى بن عبد الله (2) في المصدر: نعل جدد.
[86]
فقال أبو جعفر عليه السلام: إنما سئل أبي
عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها فقال: أبي تقطع يمينه للنبش ويضرب حد الزناء فان حرمة
الميتة كحرمة الحية، فقال: صدقت يا سيدي وأنا أستغفر الله (1). فتعجب الناس فقالوا:
يا سيدنا أتأذن لنا أن نسألك ؟ فقال: نعم، فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف (2) مسألة
فأجابهم فيها وله تسع سنين (3). 2 - كا: محمد بن يحيى ومحمد بن أحمد، عن السياري،
عن أحمد بن زكريا الصيدلاني، عن رجل من بني حنيفة من أهل بست وسجستان (4) قال:
رافقت أبا جعفر في السنة التي حج فيها في أول خلافة المعتصم، فقلت له وأنا معه على
المائدة وهناك جماعة من أولياء السلطان: إن والينا جعلت فداك رجل يتولاكم أهل البيت
ويحبكم وعلي في ديوانه خراج، فان رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليه بالاحسان إلي،
فقال لا أعرفه، فقلت: جعلت فداك إنه على ما قلت من محبيكم أهل البيت وكتابك ينفعني
عنده فأخذ القرطاس فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فان موصل كتابي هذا ذكر
عنك مذهبا جميلا وإن مالك من عملك ما أحسنت فيه، فأحسن إلى إخوانك واعلم أن الله
عزوجل سائلك عن مثاقيل الذر والخردل. قال: فلما وردت سجستان سبق الخبر إلى الحسين
بن عبد الله النيشابوري وهو الوالي فاستقبلني على فرسخين من المدينة فدفعت إليه
الكتاب فقبله ووضعه على عينيه، وقال لي: حاجتك ؟ فقلت: خراج علي في ديوانك قال:
فأمر بطرحه عني
(1) سيجئ تفصيل ذلك تحت الرقم 5 عن
المناقب. (2) سيأتي من المصنف رحمه الله بيان وتوجيه لذلك تحت الرقم 6. (3)
الاختصاص: ص 102. (4) بست - بالضم - بلد بسجستان، وسجستان معرب سكستان (سگزاستان) و
" سگز " قوم من الاعاجم كانوا يسگنون هذه البلاد وجبالها، والنسبة إليها سجزى على
الاصل " سگزى " لا غير واما الاعاجم فيقولون اليوم سيستان وسيستانى.
[87]
وقال: لا تؤد خراجا مادام لي عمل، ثم
سألني عن عيالي فأخبرته بمبلغهم، فأمر لي ولهم بما يقوتنا وفضلا، فما أديت في عمله
خراجا مادام حيا، ولا قطع عني صلته حتى مات (1). 3 - يج: روي عن محمد بن الوليد
الكرماني قال: أتيت أبا جعفر ابن الرضا عليهما السلام فوجدت بالباب الذي في الفناء
قوما كثيرا فعدلت إلى سافر فجلست إليه حتى زالت الشمس، فقمنا للصلاة فلما صلينا
الظهر وجدت حسا من ورائي فالتفت فإذا أبو جعفر عليه السلام فسرت إليه حتى قبلت كفه،
ثم جلس وسأل عن مقدمي ثم قال: سلم فقلت جعلت فداك قد سلمت فأعاد القول ثلاث مرات: "
سلم ! " فتداركتها وقلت: سلمت ورضيت يا ابن رسول الله فأجلى الله عما كان في قلبي
حتى لو جهدت ورمت لنفسي أن أعود إلى الشك ما وصلت إليه. فعدت من الغد باكرا فارتفعت
عن الباب الاول وصرت قبل الخيل وما وراي أحد أعلمه، وأنا أتوقع أن آخذ السبيل إلى
الارشاد إليه، فلم أجد أحدا أخذ حتى اشتد الحر والجوع جدا، ختى جعلت أشرب الماء
اطفئ به حرما أجد من الجوع والجوى، فبينما أنا كذلك إذ أقبل نحوي غلام قد حمل خوانا
عليه طعام وألوان، وغلام آخر عليه طست وإبريق، حتى وضع بين يدي وقالا أمرك أن تأكل
فأكلت. فلما فرغت أقبل فقمت إليه فأمرني بالجلوس وبالاكل، فأكلت، فنظر إلى الغلام
فقال: كل معه ينشط ! حتى إذا فرغت ورفع الخوان، وذهب الغلام ليرفع ما وقع من
الخوان، من فتات الطعام، فقال: مه ومه ما كان في الصحراء فدعه، ولو فخذ شاة، وما
كان في البيت فالقطه ثم قال: سل ! قلت: جعلني الله فداك ما تقول في المسك ؟.
(1) الكافي ج 5 ص 111 و 112.
[88]
فقال: إن أبي أمر أن يعمل له مسك في فارة
(1) فكتب إليه الفضل يخبره أن الناس يعيبون ذلك عليه فكتب يا فضل أما علمت أن يوسف
كان يلبس ديباجا مزرورا بالذهب (2) ويجلس على كراسي الذهب فلم ينتقص من حكمته شيئا
وكذلك سليمان ثم أمر أن يعمل له غالية بأربعة آلاف درهم (3). ثم قلت: ما لمواليكم
في موالاتكم ؟ فقال: إن أبا عبد الله عليه السلام كان عنده غلام يمسك بغلته إذا هو
دخل المسجد فبينما هو جالس ومعه بغلة إذ أقبلت رفقة من خراسان، فقال له رجل من
الرفقة: هل لك يا غلام أن تسأله أن يجعلني مكانك و أكون له مملوكا وأجعل لك مالي
كله ؟ فاني كثير المال من جميع الصنوف اذهب فاقبضه، وأنا اقيم معه مكانك فقال:
أسأله ذلك. فدخل على أبي عبد الله فقال: جعلت فداك تعرف خدمتي وطول صحبتي فان ساق
الله إلى خيرا تمنعنيه ؟ قال: اعطيك من عندي وأمنعك من غيري فحكى له قول الرجل
فقال: إن زهدت في خدمتنا ورغب الرجل فينا قبلناه وأرسلناك فلما ولى عنه دعاه، فقال
له: أنصحك لطول الصحبة، ولك الخيار، فإذا كان يوم القيامة كان رسول الله صلى الله
عليه وآله متعلقا بنور الله، وكان أمير المؤمنين عليه السلام متعلقا برسول الله،
وكان الائمة متعلقين بأمير المؤمنين وكان شيعتنا متعلقين بنا يدخلون مدخلنا، ويردون
موردنا. فقال الغلام: بل اقيم في خدمتك واؤثر الآخرة على الدنيا وخرج الغلام إلى
الرجل فقال له الرجل: خرجت إلى بغير الوجه الذي دخلت به، فحكى له قوله
(1) الفأرة: نافجة المسك، وفى بعض النسخ:
في قارورة، وفى نسخة الكافي " في بان " والبان: شجر سبط لقوام لين ورقه كورق
الصفصاف، ولحب ثمره دهن طيب. (2) المزرور: المشدود بالازرار، فالمراد أن أزراره
كانت من الذهب، وفى نسخة الكافي مزردة من الزرد بمعنى السرد والحياكة. (3) روى هذه
القطعة من الحديث الكليني رحمه الله في الكافي ج 6 ص 516 و 517 وسنده: عدة من
أصحابنا، عن سهل، عن أبى القاسم الكوفى عمن حدثه، عن محمد بن الوليد الكرماني.
[89]
وأدخله على أبي عبد الله عليه السلام فقبل
ولاءه وأمر للغلام بألف دينار ثم قام إليه فودعه وسأله أن يدعو له ففعل. فقلت: يا
سيدي لولا عيال بمكة وولدي سرني أن اطيل المقام بهذا الباب فأذن لي وقال لي: توافق
غما ثم وضعت بين يديه حقا كان له فأمرني أن أحملها فتأبيت وظننت أن ذلك موجدة، فضحك
إلي وقال: خذها إليك فانك توافق حاجة، فجئت وقد ذهبت نفقتنا شطرمنها فاحتجت إليه
ساعة قدمت مكة. 4 - عم (1) شا: لما توجه أبو جعفر عليه السلام من بغداد منصرفا من
عند المأمون ومعه ام الفضل قاصدا بها إلى المدينة صار إلى شارع باب الكوفة، ومعه
الناس يشيعونه، فانتهى إلى دار المسيب عند مغيب الشمس نزل ودخل المسجد وكان في صحنه
نبقة لم تحمل بعد، فدعا بكوز من الماء فتوضأ في أصل النبقة (2) فصلى بالناس صلاة
المغرب فقرأ في الاولى منها الحمد، وإذا جاء نصرالله، وقرأ في الثانية الحمد وقل هو
الله أحد، وقنت قبل ركوعه فيها، وصلى الثالثة وتشهد ثم جلس هنيئة يذكر الله جل اسمه
وقام من غير أن يعقب وصلى النوافل أربع ركعات وعقب بعدها، وسجد سجدتي الشكر ثم خرج.
فلما انتهى إلى النبقة رآها الناس وقد حملت حملا حسنا فتعجبوا من ذلك وأكلوا منها
فوجدوه نبقا حلوا لا عجم له، وودعوه ومضى عليه السلام من وقته إلى المدينة فلم يزل
بها إلى أن أشخصه المعتصم في أول سنة خمس وعشرين ومائتين إلى بغداد وأقام بها حتى
توفي عليه السلام في آخر ذي القعدة، من هذه السنة، فدفن في ظهر جده أبي الحسن موسى
عليهما السلام (3). 1 - قب: الجلاو الشفا في خبر أنه لما مضى الرضا عليه السلام جاء
محمد بن جمهور
(1) اعلام الورى ص 338. (2) قد مر تفسير
النبقة في ص 57 من هذا المجلد فراجع. (3) الارشاد ص 304.
[90]
العمي والحسن بن راشد وعلي بن مدرك وعلي
بن مهزيار وخلق كثير من سائر البلدان إلى المدينة، وسألوا عن الخلف بعد الرضا عليه
السلام فقالوا: بصريا - وهي قرية أسسها موسى بن جعفر عليه السلام على ثلاثة أميال
من المدينة - فجئنا ودخلنا القصر فإذا الناس فيه متكابسون (1) فجلسنا معهم إذ خرج
علينا عبد الله بن موسى شيخ فقال الناس: هذا صاحبنا ؟ ! فقال الفقهاء: قد روينا عن
أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنه لا تجتمع الامامة في أخوين بعد الحسن
والحسين عليهما السلام فليس هذا صاحبنا فجاء حتى جلس في صدر المجلس. فقال رجل: ما
تقول أعزك الله في رجل أتى حمارة فقال: تقطع يده ويضرب الحد وينفى من الارض سنة، ثم
قام إليه آخر فقال: ما تقول آجلك الله في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء ؟ قال:
بانت منه بصدر الجوزاء والنسر الطائر والنسر الواقع (2). فتحيرنا في جرأته على
الخطاء إذا خرج علينا أبو جعفر عليه السلام وهو ابن ثمان
(1) تكابس الرجل: إذا أدخل رأسه في حبيب
قميصه. وعلى الشئ: تقحم عليه. (2) صدر الجوزاء: ثلاثة كواكب. ويقال رأس الجوزاء كما
في حديث غيره و كذلك النسر الطائر، والنسر الواقع ثلاثة كواكب، ومعنى كلامه أن
الطلاق يقع ثلاثا لا أزيد. وأما الجوزاء فهى نجم على صورة رجل معه منطقة وسيف يداها
الواقعتان فوق المنطقة وهى ثلاثة كواكب: كوكبان مضيئان واليسرى أضوء ورجلاه
الواقعتان تحت المنطقة كوكبان مضيئان واليسرى أضوء وما بين يديه من جانب الفوق
ثلاثة كواكب صغار متصلة متلاصقه وهى رأس الجوزاء. وقال بعضهم: ترى أوائل الليل في
الشتاء - إذا استقبلت القبلة صورة من الكواكب جالبة للنظر جدا كمربع مستطيل ضلعه
الاطول نحو سبعة أو ثمانية أذرع من الشمال إلى الجنوب، وعرضه نحو ذراعين أو أكثر من
اليمين إلى اليسار وعلى زواياه الاربع أربعة كواكب مضيئة، وفى مركزه ثلاثة كواكب
متصلة موربة، وتسمى برأس الجوزاء، وقد يقال لهذه الصورة الجبار.
[91]
سنين، فقمنا إليه فسلم على الناس، وقام
عبد الله بن موسى من مجلسه فجلس بين يديه وجلس أبو جعفر عليه السلام في صدر المجلس،
ثم قال: سلوا رحمكم الله. فقام إليه الرجل الاول وقال: ما تقول أصلحك الله في رجل
أتى حمارة قال: يضرب دون الحد ويغرم ثمنها ويحرم ظهرها ونتاجها وتخرج إلى البرية.
حتى تأتي عليها منيتها سبع أكلها ذئب أكلها ثم قال بعد كلام: يا هذا ذاك الرجل ينبش
عن ميتة يسرق كفنها، ويفجر بها، ويوجب عليه القطع بالسرق والحد بالزناء والنفي إذا
كان عزبا، فلو كان محصنا لوجب عليه القتل والرجم. فقال الرجل الثاني: يا ابن رسول
الله صلى الله عليه وآله ما تقول في رجل طلق امرأته عدد نجوم السماء ؟ قال: تقرأ
القرآن ؟ قال، نعم، قال اقرء سورة الطلاق إلى قوله " وأقيموا الشهادة لله " (1) يا
هذا لا طلاق إلا بخمس: شهادة شاهدين عدلين، في طهر، من غير جماع، بارادة عزم، ثم
قال بعد كلام: يا هذا هل ترى في القرآن عدد نجوم السماء ؟ قال: لا، الخبر. وقد روى
عنه المصنفون نحو أبي بكر أحمد بن ثابت في تاريخه وأبي إسحاق الثعلبي في تفسيره
ومحمد بن مندة بن مهربذ في كتابه. (2) 6 - كشف: قال محمد بن طلحة: إن أبا جعفر محمد
بن علي عليهما السلام لما توفي والده علي الرضا عليه السلام وقدم الخليفة إلى بغداد
بعد وفاته بسنة اتفق أنه خرج إلى الصيد فاجتاز بطرف البلد في طريقه، والصبيان
يلعبون، ومحمد واقف معهم وكان عمره يومئذ إحدى عشرسنة فما حولها. فلما أقبل المأمون
انصرف الصبيان هاريبن، ووقف أبو جعفر محمد عليه السلام فلم يبرح مكانه فقرب منه
الخليفة فنظر إليه وكان الله عزو علا قد ألقى عليه مسحة من قبول، فوقف الخليفة وقال
له: يا غلام ما منعك من الانصراف مع الصبيان ؟ فقال له محمد مسرعا: يا أمير
المؤمنين لم يكن بالطريق ضيق لاوسعه عليك بذهابي، ولم يكن
(1) الطلاق: 2. (2) مناقب آل أبى طالب ج 4
ص 382 - 384.
[92]
لي جريمة فأخشاها، وظني بك حسن إنك لا تضر
من لاذنب له فوقفت. فأعجبه كلامه ووجهه، فقال له: ما اسمك ؟ قال محمد، قال: ابن من
أنت ؟ قال: يا أمير المؤمنين أنا ابن علي الرضا عليه السلام فترحم على أبيه وساق
جواده إلى وجهته و كان معه بزاة. فلما بعد عن العمارة أخذ بازيا فأرسله على دراجة
فغاب عن عينه غيبة طويلة ثم عاد من الجو وفي منقاره سمكة صغيرة وبها بقايا الحياة
فعجب الخليفة من ذلك غاية العجب فأخذها في يده وعاد إلى داره في الطريق الذي أقبل
منه، فلما وصل إلى ذلك المكان وجد الصبيان على حالهم فانصرفوا كما فعلوا أول مرة
وأبو جعفر لم ينصرف، ووقف كما وقف أولا (1). فلما دنامنه الخليفة قال: يا محمد قال:
لبيك يا أمير المؤمنين قال: ما في يدي ؟ فألهمه الله عزوجل أن قال يا أمير المؤمنين
إن الله تعالى خلق بمشيته في بحر قدرته سمكا صغارا تصيدها بزاة الملوك والخلفاء
فيختبرون بها سلالة أهل النبوة. فلما سمع المأمون كلامه عجب منه، وجعل يطيل نظره
إليه، وقال: أنت ابن الرضا حقا، وضاعف إحسانه إليه (2). قال علي بن عيسى: إني رأيت
في كتاب لم يحضرني الآن اسمه أن البزاة عادت في أرجلها حيات خضر وأنه سئل بعض
الائمة عليهم السلام فقال قبل أن يفصح عن السؤال: إن بين السماء والارض حيات خضراء
تصيدها بزاة شهب، يمتحن بها
(1) هذا بعيد غايته، فانه عليه السلام قام
بأمر الامامة وله ثمان سنين ولم يكن أن يلعب مع الصبيان، ولا أن يطلع على لعبهم
ولهوهم، مقيما على ذلك فان الامام لا يلهو ولا يلعب على أنه كان مقيما بمدينة جده
الرسول إلى أن أشخصه المأمون إلى بغداد كما مر وسيأتى لا أنه كامن ببغداد. (2) كشف
الغمة ج 4 ص 187 و 188.
[93]
أولاد الانبياء وما هذا معناه والله أعلم
(1). وقال الحميري في كتاب الدلائل: روي عن دعبل بن علي أنه دخل على الرضا عليه
السلام فأمر له بشئ فأخذه ولم يحمد الله فقال له: لم لم تحمد الله ؟ قال ثم دخلت
بعده على أبي جعفر عليه السلام فأمر لي بشئ فقلت: الحمدلله فقال: تأدبت. وعن علي بن
إبراهيم، عن أبيه قال: استأذن على أبي جعفر عليه السلام قوم من أهل النواحي فأذن
لهم فدخلوا فسألوه في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب وله عشر سنين (2). قب:
عن إبراهيم بن هاشم مثله (3). كا: علي مثله (4). بيان: قوله: عن ثلاثين ألف مسألة
أقول: يشكل هذا بأنه لو كان السؤال و الجواب عن كل مسألة بيتا واحدا أعني خمسين
حرفا لكان أكثر من ثلاث ختمات للقرآن فكيف يمكن ذلك في مجلس واحد، ولو قيل: جوابه
عليه السلام كان في الاكثر بلا ونعم، أو بالاعجاز في أسرع زمان، ففي السؤال لا يمكن
ذلك، ويمكن الجواب بوجوه: الاول أن الكلام محمول على المبالغة في كثرة الاسولة
والاجوبة، فان عد مثل ذلك مستبعد جدا. الثاني يمكن أن يكون في خواطر القوم أسولة
كثيرة متفقة فلما أجاب عليه السلام عن واحد فقد أجاب عن الجميع. الثالث أن يكون
إشارة إلى كثرة ما يستنبط من كلماته الموجزة المشتملة على الاحكام الكثيرة، وهذا
وجه قريب.
(1) المصدر ص 189. (2) المصدر ص 217. (3)
مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 384. (4) الكافي ج 1 ص 496.
[94]
الرابع أن يكون المراد بوحدة المجلس
الوحدة النوعية أو مكان واحد كمنى وإن كان في أيام متعددة. الخامس أن يكون مبنيا
على بسط الزمان الذي تقول به الصوفية لكنه ظاهرا من قبيل الخرافات. السادس أن يكون
إعجازه عليه السلام أثر في سرعة كلام القوم أيضا أو كان يجيبهم بما يعلم من ضمائرهم
قبل سؤالهم. السابع ما قيل: إن المراد السؤال بعرض المكتوبات والطومارات فوقع
الجواب بخرق العادة. 7 - كش: محمد بن مسعود، عن المحمودي (1) [قال: حدثني أبي ظ]
(2) أنه دخل على ابن أبي داود (3) وهو في مجلسه وحوله أصحابه، فقال لهم ابن أبي
دواد: يا هؤلاء ما تقولون في شئ قاله الخليفة البارحة، فقالوا: وما ذلك ؟ قال: قال
الخليفة: ما ترى الفلانية تصنع إن أخرجنا إليهم أبا جعفر سكران ينشي مضمخا بالخلوق
؟ قالوا: إذن تبطل حجتهم وتبطل مقالتهم، قلت: إن الفلانية يخالطوني كثيرا ويفضون
إلي بسر مقالتهم وليس يلزمهم هذا الذي يجري.
(1) المحمودى هو أبو على محمد بن أحمد بن
حماد المروزى من أصحاب أبى جعفر والهادي والعسكري عليهم السلام، توفى أبوه أبو
العباس أحمد بن حماد في زمن الهادى عليه السلام فكتب عليه السلام بعد وفاة أبيه "
قد مضى أبوك رضى الله عنه وعنك، وهو عندنا على حالة محمودة، ولن تبعد من تلك الحال
" فلقب بالمحمودى (2) الظاهر سقوط هذه الجملة التى جعلناها بين العلامتين، فان
الخبر مروى في الكشى تحت عنوانه لاحمد بن حماد المروزى راجع قاموس الرجال ج 1 ص
302. (3) في النسخ في كل المواضع " ابن أبى داود " والصحيح ما في الصلب كما مر
ترجمته في ص 5 من هذا المجلد فراجع، وكذا ضبطه صحيحا " ابن أبى دواد " في نسخة
الكشى المطبوعة جديدا بالنجف الاشرف.
[95]
قال: ومن أين قلت ؟ قلت: إنهم يقولون:
لابد في كل زمان وعلى كل حال لله في أرضه من حجة يقطع العذر بينه وبين خلقه، قلت:
فان كان في زمان الحجة من هو مثله أو فوقه في الشرف والنسب كان أدل الدلائل على
الحجة قصد السلطان له من بين أهله ونوعه قال: فعرض ابن أبي دواد هذا الكلام على
الخليفة فقال: ليس في هؤلاء اليوم حيلة لا تؤذوا أبا جعفر (1). بيان: الفلانية
الامامية والرافضة، وحاصل جواب المحمودي أن الامامية يقولون بأنه لابد في كل زمان
من حجة وكلما تعرض السلطان ليضيع قدر من هو بتلك المرتبة كان لهم أدل دليل على أنه
الحجة، حيث يتعرض السلطان له دون غيره. 8 - يب: أحمد بن محمد، عن أبي إسحاق
إبراهيم، عن أبي أحمد إسحاق بن إسماعيل، عن العباس بن أبي العباس، عن عبدوس بن
أبراهيم قال: رأيت أبا جعفر الثاني عليه السلام قد خرج من الحمام وهو من قرنه إلى
قدمه مثل الورد من أثر الحناء 9 - مهج: علي بن عبد الصمد، عن محمد بن أبي الحسن عم
والده، عن جعفر ابن محمد الدوريستي، عن والده، عن الصدوق محمد بن بابويه وأخبرني
جدي عن والده، عن جماعة من أصحابنا منهم السيد أبو البركات وعلي بن محمد المعاذي و
محمد بن علي العمري ومحمد بن إبراهيم بن عبد الله المدائني جميعا، عن الصدوق، عن
أبيه، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن جده، عن أبي نصر الهمداني قال: حدثتني حكيمة
بنت محمد بن علي بن موسى بن جعفر عمة أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام قالت:
لما مات محمد بن علي الر ضا عليهما السلام أتيت زوجته ام عيسى بنت المأمون فعزيتها
ووجدتها شديد الحزن والجزع عليه، تقتل نفسها بالبكاء والعويل، فخفت عليها أن تتصدع
مرارتها. فبينما نحن في حديثه وكرمه، ووصف خلقه، وما أعطاه الله تعالى من الشرف
(1) رجال الكشى ص 469.
[96]
والاخلاص ومنحه من العز والكرامة، إذ قالت
ام عيسى ألا اخبرك عنه بشئ عجيب وأمر جليل، فوق الوصف والمقدار ؟ قلت: وما ذاك ؟
قالت: كنت أغار عليه كثيرا وا راقبه أبدا وربما يسعني الكلام فأشكو ذلك إلى أبي
فيقول: يا بنية احتمليه فانه بضعة من رسول الله صلى الله عليه وآله. فبينما أنا
جالسة ذات يوم إذ دخلت على جارية فسلمت علي فقلت: من أنت ؟ فقالت: أنا جارية من ولد
عمار بن ياسر وأنا زوجة أبي جعفر محمد بن علي الرضا زوجك ! فدخلني من الغيرة مالا
أقدر على احتمال ذلك، وهممت أن أخرج وأسيح في البلاد، وكاد الشيطان يحملني على
الاساءة إليها فكظمت غيظي وأحسنت رفدها وكسوتها. فلما خرجت من عندي المرأة، نهضت
ودخلت على أبي، وأخبرته بالخبر وكان سكران لا يعقل فقال: يا غلام على بالسيف فاتي
به، فركب وقال: والله لاقتلنه فلما رأيت ذلك قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما
صنعت بنفسي وبزوجي وجعلت ألطم حر وجهي (1) فدخل عليه والدي ومازال يضربه بالسيف،
حتى قطعه ثم خرج من عنده، وخرجت هاربة من خلفه، فلم أرقد ليلتي. فلما ارتفع النهار
أتيت أبي فقلت: أتدري ما صنعت البارحة ؟ قال: وما صنعت ؟ قلت: قتلت ابن الرضا !
فبرق عينه وغشي عليه. ثم أفاق بعد حين، وقال: ويلك ما تقولين ؟ قلت: نعم والله يا
أبت دخلت عليه ولم تزل تضربه بالسيف حتى قتلته، فاضطرب من ذلك اضطر ابا شديدا وقال:
علي بياسر الخادم، فجاء ياسر، فنظر إليه المأمون وقال: ويلك ما هذا الذي تقول هذه
ابنتي ؟ قال: صدقت يا أمير المؤمنين فضرب بيده على صدره وخده، وقال: إنا لله وإنا
إليه راجعون هلكنا بالله وعطبنا، وافتضحنا إلى آخر الابد، ويلك يا ياسر فانظر ما
الخبر والقصة عنه ؟ وعجل علي بالخبر فان نفسي تكاد أن تخرج الساعة.
(1) حر الوجه - بضم الحاء - ما بدا من
الوجنة، يقال: لطم حروجهه وقال الشاعر: جلا الحزن عن حرالوجوه فأسفرت * وكانت عليها
هبوة لا تبلج.
[97]
فخرج ياسر وأنا ألطم حروجهي فما كان بأسرع
من أن رجع ياسر فقال: البشرى يا أمير المؤمنين قال: لك البشرى فما عندك ؟ قال ياسر:
دخلت عليه فإذا هو جالس وعليه قميص ودواج وهو يستاك فسلمت عليه وقلت: يا ابن رسول
الله احب أن تهب لي قميصك هذا اصلي فيه وأتبرك به، وإنما أردت أن أنظر إليه وإلى
جسده هل به أثر السيف، فوالله كأنه العاج الذي مسه صفرة، ما به أثر. فبكى المأمون
طويلا وقال: ما بقى مع هذا شي إن هذا لعبرة للاولين والآخرين وقال: يا ياسر أما
ركوبي إليه وأخذي السيف ودخولي عليه فاني ذاكر له، وخروجي عنه فلا أذكر شيئا غيره
ولا أذكر أيضا انصرافي إلى مجلسي، فكيف كان أمري وذهابي إليه لعنة الله على هذه
الابنة لعناوبيلا، تقدم إليها وقال لها يقول لك أبوك: والله لئن جئتني بعد هذا
اليوم وشكوت منه أو خرجت بغير إذنه لاتتقمن له منك ثم سر إلى ابن الرضا وأبلغه عني
السلام واحمل إليه عشرين ألف دينار وقدم إليه الشهري الذي ركبته البارحة، ثم أمر
بعد ذلك الهاشميين أن يدخلوا عليه بالسلام ويسلموا عليه. قال ياسر: فأمرت لهم بذلك
ودخلت أنا أيضا معهم وسلمت عليه وأبلغت التسليم ووضعت المال بين يديه، وعرضت الشهري
عليه فنظر إليه ساعة ثم تبسم فقال: يا ياسر هكذا كان العهد بينه وبين أبي وبيني
وبينه، حتى يهجم علي بالسيف ؟ ! أما علم أن لي ناصرا وحاجزا يحجز بيني وبينه ؟.
فقلت: يا سيدي يا ابن رسول الله دع عنك هذا العتاب، فوالله وحق جدك رسول الله صلى
الله عليه وآله ما كان يعقل شيئا من أمره، وما علم أين هو من أرض الله وقد نذر لله
نذرا صادقا، وحلف أن لا يسكر بعد ذلك أبدا فان ذلك من حبائل الشيطان، فإذا أنت يا
ابن رسول الله أتيته فلا تذكر له شيئا ولا تعاتبه على ماكان منه فقال عليه السلام:
هكذا كان عزمي ورأيي والله ثم دعا بثيابه ولبس ونهض، وقام معه الناس أجمعون حتى دخل
على المأمون. فلما رآه قام إليه وضمه إلى صدره، ورحب به ولم يأذن لاحد في الدخول
[98]
عليه، ولم يزل يحدثه ويسامره، فلما انقضى
ذلك قال له أبو جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام: يا أمير المؤمنين قال: لبيك
وسعديك، قال: لك عندي نصيحة فاقبلها قال المأمون: بالحمد والشكر [ثم] قال: فما ذاك
يا ابن رسول الله ؟ قال: احب أن لا تخرج بالليل فاني لا آمن عليك هذا الخلق المنكوس
وعندي عقد تحصن به نفسك وتحترز به عن الشرور والبلايا والمكاره، والآفات والعاهات،
كما أنقذني الله منك البارحة، ولو لقيت به جيوش الروم والترك، واجتمع عليك وعلى
غلبتك أهل الارض جميعا ما تهيأ لهم منك شئ باذن الله الجبار، وإن أحببت وبعثت به
إليك لتحترز به من جميع ما ذكرت لك، قال: نعم، فاكتب ذلك بخطك وابعثه إلى قال عليه
السلام: نعم. قال ياسر: فلما أصبح أبو جعفر عليه السلام بعث إلي فدعاني فلما سرت
إليه وجلست بين يديه دعا برق ظبي تهامة ثم كتب بخطه هذا العقد، ثم قال: يا ياسر
احمل هذا إلى أمير المؤمنين ! وقل حتى يصاغ له قصبة من فضة منقوش عليه ما أذكره بعد
فإذا أراد شده على عضده فليشده على عضد الايمن، وليتوضأ وضوءا حسنا سابغا وليصل
أربع ركعات يقرء في كل ركعة فاتحة الكتاب وسبع مرات آية الكرسي وسبع مرات شهد الله
وسبع مرات والشمس وضحيها وسبع مرات والليل إذا يغشى، وسبع مرات قل هو الله أحد.
فإذا فرغ منها فليشده على عضده الايمن، عند الشدائد والنوائب بحول الله وقوته وكل
شئ يخافه ويحذره، وينبغي أن لا يكون طلوع القمر في برج العقرب ولو أنه غزا أهل
الروم وملكهم لغلبهم باذن الله وبركة هذا الحرز إلى آخر ما أوردته في كتاب الدعاء
(1). 10 - عيون المعجزات: صفوان، عن أبي نصر الهمداني، عن حكيمة بنت أبي الحسن
القرشي وكانت من الصالحات قالت: لما قبض أبو جعفر عليه السلام أتيت ام الفضل بنت
المأمون أو قالت: ام عيسى بنت المأمون فعزيتها فوجدتها شديدة
(1) مهج الدعوات ص 44 - 48.
[99]
الحزن إلى آخر ما مر. 11 - قب: صفوان بن
يحيى قال: حدثني أبو نصر الهمداني وإسماعيل بن مهران وخيران الاسباطي عن حكيمة بنت
أبي الحسن القرشي، عن حكيمة بنت موسى بن عبد الله، عن حكيمة بنت محمد بن علي بن
موسى التقي عليهم السلام وساق الحديث نحوه إلى قوله: فقال ياسر: ما شعر والله فدع
عنه عتابك، فانه لن يسكر أبدا ثم ركب حتى أتى إلى والدي فرحب به والدي وضمه إلى
نفسه، وقال: إن كنت وجدت علي فاعف عني واصفح فقال: ما وجدت شيئا وما كان إلا خيرا
فقال المأمون: لاتقربن إليه بخراج الشرق والغرب، ولاهلكن أعداءه كفارة لما صدر مني
ثم أذن للناس ودعا بالمائدة (1). بيان: " حر الوجه " ما بدا من الوجنة " وبرق عينه
" أي تحير فلم يطرف " والدواج " كرمان، وغراب: اللحاف الذي يلبس. 12 - عيون
المعجزات: لما قبض الرضا عليه السلام كان سن أبي جعفر عليه السلام نحو سبع سنين،
فاختلفت الكلمة من الناس ببغداد وفي الامصار، واجتمع الريان بن الصلت، وصفوان بن
يحيى، ومحمد بن حكيم، وعبد الرحمان بن الحجاج ويونس ابن عبد الرحمان، وجماعة من
وجوه الشيعة وثقاتهم في دار عبد الرحمان بن الحجاج في بركة زلول يبكون ويتوجعون من
المصيبة، فقال لهم يونس بن عبد الرحمان: دعوا البكاء ! من لهذا الامر وإلى من نقصد
بالمسائل إلى أن يكبر هذا ؟ يعني أبا جعفر عليه السلام. فقام إليه الريان بن الصلت،
ووضع يده في حلقه، ولم يزل يلطمه، ويقول له: أنت تظهر الايمان لنا وتبطن الشك
والشرك، إن كان أمره من الله جل وعلا فلو أنه كان ابن يوم واحد لكان بمنزلة الشيخ
العالم وفوقة، وإن لم يكن من عند الله فلو عمر ألف سنة فهو واحد من الناس، هذا مما
ينبغي أن يفكر فيه. فأقبلت العصابة
(1) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 394 و 395.
[100]
عليه تعذله وتوبخه. وكان وقت الموسم
فاجتمع من فقهاء بغداد والامصار وعلمائهم ثمانون رجلا فخرجوا إلى الحج وقصدوا
المدينة ليشاهدوا أبا جعفر عليه السلام فلما وافوا أتوا دار جعفر الصادق عليه
السلام لانها كانت فارغة، ودخلوها وجلسوا على بساط كبير، وخرج إليهم عبد الله بن
موسى، فجلس في صدر المجلس وقام مناد وقال: هذا ابن رسول الله فمن أراد السؤال
فليسأله فسئل عن أشياء أجاب عنها بغير الواجب فورد على الشيعة ما حيرهم وغمهم،
واضطربت الفقهاء، وقاموا وهموا بالا نصراف، وقالوا في أنفسهم: لو كان أبو جعفر عليه
السلام يكمل لجواب المسائل لما كان من عبد الله ما كان، ومن الجواب بغير الواجب.
ففتح عليهم باب من صدر المجلس ودخل موفق وقال: هذا أبو جعفر ! فقاموا إليه بأجمعهم
واستقبلوه وسلموا عليه فدخل صلوات الله عليه وعليه قميصان وعمامة بذؤابتين وفي
رجليه نعلان وجلس وأمسك الناس كلهم، فقام صاحب المسألة فسأله عن مسائلة فأجاب عنها
بالحق ففرحوا ودعواله وأثنوا عليه وقالوا له: إن عمك عبد الله أفتى بكيت وكيت،
فقال: لا إله إلا الله يا عم إنه عظيم عند الله أن تقف غدا بين يديه فيقول لك: لم
تفتي عبادي بما لم تعلم، وفي الامة من هو أعلم منك. وروي عن عمر بن فرج الرخجي (1)
قال: قلت لابي جعفر: إن شيعتك تدعي أنك تعلم كل ماء في دجلة ووزنه ؟ وكنا على شاطئ
دجلة فقال عليه السلام لي: يقدر الله تعالى أن يفوض علم ذلك إلى بعوضة من خلقه أم
لا ؟ قلت: نعم، يقدر، فقال:
(1) قال أبو الفرج الاصبهاني في مقاتل
الطالبيين: ص 396 (ط - النجف الاخيرة): استعمل المتوكل على المدينة ومكة عمر بن
الفرج الرخجى، فمنع آل أبى طالب من التعرض لمسألة الناس، ومنع الناس من البر بهم،
وكان يبلغه أن أحدا أبر أحدا منهم بشئ وان قل الا أنهكه عقوبة واثقله غرما. حتى كان
القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلين فيه واحدة بعد واحدة، ثم يرقعنه ويجلسن
على مغازلهن عوارى حواسر، الخ.
[101]
أنا أكرم على الله تعالى من بعوضة ومن
أكثر خلقه. 13 - كا: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن جعفر بن محمد، عن إبراهيم
بن أبي البلاد قال: دخلت على أبي جعفر ابن الرضا عليهما السلام فقلت له: إني اريد
أن ألصق بطني ببطنك فقال: ههنا يا أبا إسماعيل فكشف عن بطنه وحسرت عن بطني، وألصقت
بطني ببطنه، ثم أجلسني ودعا بطبق فيه زينب فأكلت، ثم أخذ في الحديث فشكا إلى معدته
وعطشت فاستسقيت ماء، فقال: يا جارية اسقيه من نبيذي فجاءتني بنبيذ مريس (1) في قدح
من صفر، فشربته فوجدته أحلى من العسل. فقلت له: هذا الذي أفسد معدتك، قال: فقال:
هذا تمر من صدقة النبي صلى الله عليه وآله يؤخذ غدوة فيصب عليه الماء فتمرسه
الجارية وأشربه على أثر الطعام ولسائر نهاري، فإذا كان الليل أخرجته الجارية فسقته
أهل الدار، فقلت له: إن أهل الكوفة لا يرضون بهذا، فقال: وما نبيذهم ؟ قال قلت:
يؤخذ التمر فينقى ويلقى عليه القعوة، قال: وما القعوة ؟ قلت: الداذي قال: وما
الداذي ؟ قلت: حب يؤتى به من البصرة فيلقى في هذا النبيذ، حتى يغلى ويسكن، ثم يشرب
فقال: ذاك حرام (2). 14 - يب: روى علي بن مهزيار قال: كتبت إلى أبي جعفر وشكوت إليه
كثرة الزلازل في الاهواز وقلت: ترى لي التحول عنها ؟ فكتب عليه السلام لا تتحو لوا
عنها، وصوموا الاربعاء والخميس والجمعة واغتسلوا وطهروا ثيابكم وابرزوا يوم الجمعة
وادعوا الله فانه يدفع عنكم قال: ففعلنا فسكنت الزلازل. 15 - كا: أبو علي الاشعري،
عن الحسن بن علي الكوفي، عن علي بن مهزيار، عن موسى بن القاسم قال: قلت لابي جعفر
الثاني عليه السلام: قد أردت أن أطوف عنك وعن أبيك فقيل لي: إن الاوصياء لا يطاف
عنهم، فقال لي: بل طف ما أمكنك
(1) المريس - على وزن فعيل - التمر
الممروس، يقال: مرس التمر في الماء: نقعه ومرثه باليد. (2) الكافي ج 6 ص 416 و 417.
[102]
فان ذلك جائز. ثم قلت له بعد ذلك بثلاث
سنين: إني كنت استأذنتك في الطواف عنك، و عن أبيك فأذنت لي في ذلك، فطفت عنكما ما
شاء الله، ثم وقع في قلبي شئ فعملت به. قال: وما هو ؟ قلت: طفت يوما عن رسول الله
صلى الله عليه وآله فقال ثلاث مرات: صلى الله على رسول الله، ثم اليوم الثاني عن
أمير المؤمنين، ثم طفت اليوم الثالث عن الحسن، والرابع عن الحسين، والخامس عن علي
بن الحسين، والسادس عن أبي جعفر محمد بن علي، واليوم السابع، عن جعفر بن محمد،
واليوم الثامن عن أبيك موسى، واليوم التاسع عن أبيك علي، واليوم العاشر عنك يا
سيدي، وهؤلاء الذين أدين الله بولايتهم، فقال: إذن والله تدين الله بالدين الذين لا
يقبل من العباد غيره. قلت: وربما طفت عن امك فاطمة، وربما لم أطف، فقال: استكثر من
هذا فانه أفضل ما أنت عامله إنشاء الله (1). 16 - ن: أبي، وابن الوليد معا عن محمد
العطار، عن ابن عيسى، عن البزنطي قال: قرأت كتاب أبي الحسن الرضا إلى أبي جعفر عليه
السلام يا أبا جعفر بلغني أن الموالي إذا ركبت أخرجوك من الباب الصغير، وإنما ذلك
من بخل بهم لئلا ينال منك أحد خيرا فأسألك بحقي عليك لا يكن مدخلك ومخرجك إلا من
الباب الكبير، وإذا ركبت فليكن معك ذهب وفضة ثم لا يسألك أحد إلا أعطيته ومن سألك
من عمومتك أن تبره فلا تعطه أقل من خمسين دينارا والكثير إليك، ومن سألك من عماتك
فلا تعطها أقل من خمسة وعشرين دينارا والكثير إليك، إني اريد أن يرفعك الله فأنفق
ولا تخش من ذي العرش إقتارا (2). كا: العدة، عن البرقي ومحمد بن يحيى، عن ابن عيسى،
معا، عن البزنطي
(1) الكافي ج 4 ص 314. (2) عيون أخبار
الرضا ج 2 ص 8.
[103]
مثله (1). 17 - ف: روي أنه حمل لابي جعفر
الثاني عليه السلام حمل بز له قيمة كثيرة فسل في الطريق فكتب إليه الذي حمله يعرفه
الخبر، فوقع بخطه إن أنفسنا و أموالنا من مواهب الله الهنيئة، وعواريه المستودعة،
يمتع بما متع منها في سرور و غبطة، ويأخذ ما أخذ منها في أجر وحسبة، فمن غلب جزعه
على صبره حبط أجره نعوذ بالله من ذلك (2). بيان: السلة السرقة الخفية كالاسلال. 18
- شى: عن محمد بن عيسى بن زياد، قال: كنت في ديوان أبي عباد فرأيت كتابا ينسخ فسألت
عنه فقالوا: كتاب الرضا إلى ابنه عليهما السلام من خراسان، فسألتهم أن يدفعوه إلي
فإذا فيه: " بسم الله الرحمن الرحيم أبقاك الله طويلا وأعاذ من عدوك يا ولد، فداك
أبوك، قد فسرت لك (3) مالي وأنا حي سوي رجاء أن ينميك الله بالصلة لقرابتك ولموالي
موسى وجعفر رضي الله عنهما فأما سعيدة فانها امرأة قوية الحزم في النحل (4) وليس
ذلك كذلك قال الله " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة " (5)
وقال: " لينفق ذوسعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله " (6) وقد
أوسع الله عليك كثيرا يا بني فداك أبوك لا تستر دوني الامور لحبها فتخطئ حظك
والسلام (7).
(1) الكافي ج 4 ص 43. (2) تحف العقول ص
479. (3) كذا في الاصل ونسخة المصدر، وأظنه تصحيف " خيرت " والمعنى فوضت الخيار
اليك. (4) زاد في المصدر المطبوع: والصواب في رقة الفطر، ولم نظهر على معناه. (5)
البقرة: 245. (6) الطلاق: 7. (7) تفسير العياشي ج 1 ص 131 و 132.
[104]
19 - كش: نصربن الصباح، عن إسحاق بن محمد
البصري، عن الحسين بن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: كنت عند أبي جعفر عليه
السلام بالمدينة وعنده علي بن جعفر فدنا الطبيب ليقطع له العرق، فقام علي بن جعفر
فقال: يا سيدي يبدء بي لتكون حدة الحديد في قبلك قال: قلت يهنئك هذا عم أبيه فقطع
له العرق ثم أراد أبو جعفر عليه السلام النهوض فقام علي بن جعفر فسوى له نعليه، حتى
يلبسهما (1). 20 - الفصول المهمة: شاعره: حماد، بوابه، عمر بن الفرات، معاصره:
المأمون والمعتصم. 21 - ختص: ابن قولويه، عن الحسن بن بنان، عن محمد بن عيسى، عن
أبيه عن علي بن مهزيار، عن بعض القميين، عن محمد بن إسحاق والحسن بن محمد قالا:
خرجنا بعد وفاة زكريا بن آدم إلى الحج فتلقانا كتابه في بعض الطريق: ذكرت ما جرى من
قضاء الله في الرجل المتوفى رحمه الله يوم ولد ويوم قبض ويوم يبعث حيا فقد عاش أيام
حياته عارفا بالحق قائلا به صابرا محتسبا للحق قائما بما يحب الله ورسوله ومضى رحمة
الله عليه غير ناكث ولا مبدل، فجزاه الله أجر نيته وأعطاه جزاء سعيه، وذكرت الرجل
الموصى إليه فلم يعد (2) فيه رأينا وعندنا من المعرفة به أكثر مما وصفت. - يعني
الحسن بن محمد بن عمران (3). 22 - غط: من المحمودين عبد العزيز بن المهتدي القمي
الاشعري خرج فيه عن أبي جعفر عليه السلام: قبضت والحمد لله وقد عرفت الوجوه التى
صارت إليك منها غفر الله لك ولهم الذنوب، ورحمنا وإياكم. وخرج فيه: غفر الله لك
ذنبك، ورحمنا وإياك ورضي عنك برضائي (4).
(1) رجال الكشى ص 365. (2) في المصدر
المطبوع: فلم أجد فيه رأينا، وفى رجال الكشى: ولم تعرف فيه رأينا. وفى نسخة
الكمبانى: " فلم يعد فيه ما رأينا مما وعدناه من المعرفة ". وما في الصلب طبقا
لنسخة الاصل هو الصواب. (3) الاختصاص: ص 87 و 88 وتراه في رجال الكشى ص 496. (4)
كتاب الغيبة: للشيخ الطوسى ص 225.
[105]
ومنهم علي بن مهزيار الاهوازي وكان محمودا
أخبرني جماعة عن التلعكبري عن أحمد بن علي الرازي، عن الحسين بن علي، عن أبي الحسن
البلخي، عن أحمد ابن ما بندار الاسكافي، عن العلا المذاري (1) عن الحسن بن شمون
قال: قرأت هذه الرسالة على علي بن مهزيار، عن أبي جعفر الثاني بخطه: بسم الله
الرحمن الرحيم يا علي أحسن الله جزاك، وأسكنك جنته، ومنعك من الخزي في الدنيا
والآخرة، وحشرك الله معنا، يا علي قد بلوتك وخيرتك في النصيحة والطاعة والخدمة
والتوقير والقيام بما يجب عليك، فلو قلت: إني لم أر مثلك، لرجوت أن أكون صادقا،
فجزاك الله جنات الفردوس نزلا، فما خفي علي مقامك، ولا خدمتك، في الحر والبرد، في
الليل والنهار، فأسأل الله إذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها إنه
سميع الدعاء (2). 23 - كا (3) غط: علي بن إبراهيم، عن أبيه قال: كنت عند أبي جعفر
الثاني عليه السلام إذا دخل إليه صالح بن محمد بن سهل الهمداني وكان يتولى له فقال
له: جعلت فداك اجعلني من عشرة آلاف درهم في حل فاني أنفقتها، فقال له أبو جعفر عليه
السلام: أنت في حل. فلما خرج صالح من عنده قال أبو جعفر عليه السلام: أحدهم يثب على
مال (4) آل محمد صلى الله عليه وآله وفقرائهم ومساكينهم وأبناء سبيلهم فيأخذه ثم
يقول: اجعلني في حل. أتراه ظن بي أني أقول له لا أفعل، والله ليسألنهم الله يوم
القيامة عن ذلك سؤالا حثيثا (5).
(1) المذار - كسحاب - بلد بين واسط
والبصرة، كان بها يوم لمصعب بن الزبير على أحمر بن شميط البجلى. (2) كتاب الغيية ص
226. (3) الكافي ج 1 ص 548. (4) في الكافي: أموال حق آل محمد، وفى كتاب الغيبة "
على آل محمد " (5) كتاب الغيبة ص 227. (*)
[106]
24 - قب: كان بابه عثمان بن سعيد السمان،
ومن ثقاته أيوب بن نوح بن دراج الكوفي وجعفر بن محمد بن يونس الاحول، والحسين بن
مسلم بن الحسن، و المختار بن زياد العبدي البصري، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب
الكوفي. ومن أصحابه شاذان بن الخليل النيشابوري، ونوح بن شعيب البغدادي، و محمد بن
أحمد المحمودي، وأبو يحيى الجرجاني، وأبو القاسم إدريس القمي وعلي ابن محمد، وهارون
بن الحسن بن محبوب، وإسحاق بن إسماعيل النيشابوري، و أبو حامد أحمد بن إبراهيم
المراغي، وأبو علي بن بلال، وعبد الله بن محمد الحصيني ومحمد بن الحسن بن شمون
البصري (1). 25 - كش: وجدت في كتاب محمد بن الحسن بن بندار القمي بخطه، حدثني
الحسين بن محمد بن عامر، عن خيران الخادم القراطيسي (2) قال: حججت أيام أبي جعفر
محمد بن علي بن موسى وسألته عن بعض الخدم وكانت له منزلة من أبي جعفر عليه السلام
فسألته أن يوصلني إليه فلما سرنا إلى المدينة قال لي: تهيأ فاني اريد أن أمضي إلى
أبي جعفر عليه السلام فمضيت معه. فلما أن وافينا الباب، قال: ساكن في حانوت فاستأذن
ودخل، فلما أبطأ علي رسوله، خرجت إلى الباب فسألت عنه فأخبروني أنه قد خرج ومضى
فبقيت متحيرا فإذا أنا كذلك إذ خرج خادم من الدار فقال: أنت خيران ؟ فقلت: نعم قال
لي: ادخل ! فدخلت فإذا أبو جعفر عليه السلام قائم على دكان لم يكن فرش له ما يقعد
عليه فجاء غلام بمصلى فألقاه له، فجلس فلما نظرت إليه تهيبته ودهشت، فذهبت لاصعد
(1) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 380 وأما
محمد بن الحسن بن شمون فهو أبو جعفر البغدادي كان من الواقفة، ثم غلا، وكان ضعيفا
جدا فاسد المذهب، وأضيف إليه أحاديث في الوقف. عاش مائة وأربع عشر سنة، ومات سنة
ثمان وخمسين ومائتين، فعد من أصحاب الهادى والعسكري أيضا. (2) نسبة إلى القراطيس
جمع قرطاس، كانه كان بايع القراطيس.
[107]
الدكان من غير درجة فأشار إلى موضع الدرجة
فصعدت وسلمت فرد السلام ومد إلي يده فأخذتها وقبلتها ووضعتها على وجهي، وأقعدني
بيده فأمسكت يده مما دخلني من الدهش فتر كها في يدي فلما سكنت خليتها فساء لني.
وكان الريان بن شبيب قال لي: إن وصلت إلى أبي جعفر عليه السلام وقلت له: مولاك
الريان بن شبيب يقرء عليك السلام ويسألك الدعاء له ولولده [فذكرت له ذلك] (1)، فدعا
له ولم يدع لولده، فأعدت عليه فدعا له ولم يدع لولده فأعدت عليه ثالثا فدعا له ولم
يدع لولده، فود عته وقمت. فلما مضيت نحو الباب سمعت كلامه ولم أفهم قال: وخرج
الخادم في أثري فقلت له: ما قال سيدي لما قمت ؟ فقال لي: من هذا الذي يرى أن يهدي
نفسه هذا ولد في بلاد الشرك فلما اخرج منها صار إلى من هو شر منهم، فلما أراد الله
أن يهديه هداه (2). 26 - كش: محمد بن مسعود، عن سليمان بن حفص، عن أبي بصير (3)
حماد بن عبد الله القندي، عن إبراهيم بن مهزيار، عن علي بن مهزيار قال: كتب إلي
خيران: قدو جهت إليك ثمانية دراهم كانت اهديت إلي من طرسوس (4) دراهم منهم [مبهمة]
وكرهت أن أردها على صاحبها أو احدث فيها حدثا دون أمرك، فهل تأمرني في قبول مثلها
أم لا، لاعرفه إنشاء الله تعالى وأنتهي إلى أمرك. فكتب وقرأته: اقبل منهم إذا اهدي
إليك دراهم أو غيرها فان رسول الله صلى الله عليه وآله لم يرد هدية على يهودي ولا
نصراني (5).
(1) زيادة من المصدر. (2) رجال الكشى تحت
الرقم 505. (3) في المصدر " أبى نصر " بدل " أبى نصير ". (4) مدينة بثغور الشام بين
انطاكية وحلب وبلاد الروم، وبها قبر المأمون العباسي. (5) رجال الكشى تحت الرقم 505
ص 508.
[108]
27 - قال البرسي في مشارق الانوار: روي
أنه جئ بأبي جعفر عليه السلام إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله بعد موت أبيه،
وهو طفل، وجاء إلى المنبر ورقا منه درجة ثم نطق فقال: أنا محمد بن علي الرضا، أنا
الجواد، أنا العالم بأنساب الناس في الاصلاب، أنا أعلم بسرائر كم وظواهركم، وما
أنتم صائرون إليه، علم منحنا به من قبل خلق الخلق أجمعين، وبعد فناء السماوات
والارضين، ولولا تظاهر أهل الباطل، ودولة أهل الضلال، ووثوب أهل الشك، لقلت قولا
تعجب منه الاولون والآخرون ثم وضع يده الشريفة على فيه، وقال: يا محمد اصمت كما صمت
آباؤك من قبل. 28 - كش: حمدويه وإبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن خيران الخادم قال:
وجهت إلى سيدي ثمانية دراهم وذكر مثله سواء (1) وقال: جعلت فداك إنه ربما أتاني
الرجل لك قبله الحق أو قلت يعرف موضع الحق لك، فيسألني عما يعمل به، فيكون مذهبي
أخذ ما يتبرع في سر قال: اعمل في ذلك برأيك فان رأيك رأيي، ومن أطاعك أطاعني (2).
29 - كش: علي بن محمد، عن أحمد بن محمد، عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال: كتبت إلى
أبي جعفر عليه السلام أصف له صنع السميع بي، فكتب بخطه عجل الله نصرتك ممن ظلمك،
وكفاك مؤنته، وأبشر بنصر الله عاجلا إنشاء الله و بالاجر آجلا وأكثر من حمدالله
(3). 30 - كش: علي بن محمد، عن محمد بن أحمد، عن عمر بن علي بن عمر ابن يزيد، عن
ابراهيم بن محمد قال: وكتب إلي: قد وصل الحساب تقبل الله.
(1) هذا لفظ الكشى في رجاله. يريد الحديث
الذى تقدم تحت الرقم 27، فما وقع بينهما من حديث مشارق الانوار غفلة منه قدس سره.
(2) رجال الكشى 508. (3) رجال الكشى تحت الرقم 506.
[109]
منك ورضي عنهم، وجعلهم معنا في الدنيا
والاخرة، وقد بعثت إليك من الدنانير بكذا، ومن الكسوة بكذا، فبارك لك فيه، وفي جميع
نعم الله إليك. وقد كتبت إلى النضر أمرته أن ينتهي عنك، وعن التعرض لك ولخلافك
وأعلمته موضعك عندي، وكتبت إلى أيوب أمرته بذلك أيضا وكتبت إلى موالي بهمدان كتابا
أمرتهم بطاعتك، والمصير إلى أمرك، وأن لا وكيل سواك (1).
(1) المصدر تحت الرقم 506 و 509.
[111]
* (تاريخ) * الامام أبي الحسن الهادي *
(صلوات الله عليه) *
[113]
* (أبواب) * * (تاريخ الامام العاشر،
والنور الزاهر، والبدر الباهر) * * (ذى الشرف والكرم والمجد والايادي، أبى الحسن) *
* (الثالث على بن محمد النقى الهادى، صلوات الله) * * (عليه وعلى آبائه وأولاده ما
تعاقبت الايام ولليالي) * 1 * (باب) * * (أسمائه، والقابه، وكناه، وعللها، وولادته
عليه السلام) * 1 - مع (1) ع: سمعت مشايخنا رضي الله عنهم يقولون: إن المحلة التى
يسكنها الامامان علي بن محمد والحسن بن علي عليهما السلام بسر من رأى كانت تسمى
عسكر (2) فلذلك قيل لكل واحد منهما العسكري (3). 2 - قب: اسمه علي وكنيته أبو الحسن
لا غيرهما، ألقابه النجيب، المرتضى الهادي، النقي، العالم، الفقيه، الامين،
المؤتمن، الطيب، المتوكل، العسكري ويقال له أبو الحسن الثالث، الفقيه العسكري.
(1) معاني الاخبار ص 65. (2) قال الفيروز
آبادي: وعسكر اسم سر من رأى، واليه نسب العسكريان أبو الحسن على بن محمد بن على بن
موسى بن جعفر وولده الحسن وماتا بها. (3) علل الشرائع ج 1 ص 230.
[114]
وكان أطيب الناس مهجة، وأصدقهم لهجة،
أملحهم من قريب، وأكملهم من بعيد، إذا صمت عليه هيبة الوقار، وإذا تكلم سيماء
البهاء، وهو من بيت الرسالة والامامة، ومقر الوصية والخلافة شعبة من دوحة النبوة
منتضاه مرتضاه، وثمرة من شجرة الرسالة مجتناه مجتباه، ولد بصريا من المدينة النصف
من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين. ابن عياش يوم الثلثاء الخامس من رجب سنة أربع
عشرة وقبض بسر من رأى الثالث من رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، وقبل يوم الاثنين
ثلاث ليال بقين من جمادى الآخرة نصف النهار، وليس عنده إلا ابنه أبو محمد عليهما
السلام، وله يومئذ أربعون سنة، وقيل أحد وأربعون وسبعة أشهر. امه ام ولد يقال لها
سمانة المغربية ويقال إن امه المعروفة بالسيدة ام الفضل فأقام مع أبيه ست سنين
وخمسة أشهر، وبعده مدة إمامته ثلاثا وثلاثين سنة ويقال وتسعة أشهر، ومدة مقامه
بسرمن رأى عشرين سنة، وتوفي فيها وقبره في داره. وكان في سني إمامته بقية ملك
المعتصم، ثم الواثق، والمتوكل والمنتصر والمستعين، والمعتز، وفي آخر ملك المعتمد
استشهد مسموما وقال ابن بابويه: وسمه المعتمد (1). 3 - كشف: قال محمد بن طلحة: أما
مولده عليه السلام ففي رجب سنة مائتين وأربع عشرة للهجرة، وامه ام ولد اسمها سمانة
المغربية، وقيل غير ذلك وأما اسمه فعلي وأما ألقابه فالناصح، والمتوكل، المفتاح،
والنقي والمرتضى، وأشهرها المتوكل وكان يخفي ذلك ويأمر أصحابه أن يعرضوا عنه لانه
كان لقب الخليفة يومئذ (2).
(1) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 401. (2) كشف
الغمة ج 3 ص 230.
[115]
ومات في جمادى الآخرة لخمس ليال بقين منه
من سنة أربع وخمسين ومائتين في خلافة المعتز فيكون عمره أربعين سنة غير أيام. كان
مقامه مع أبيه ست سنين، وخمسة أشهر، وبقي بعد وفات أبيه ثلاثا وثلاثين سنة وشهورا،
وقبره بسرمن رأى (1). وقال الحافظ عبد العزيز: مولده سنة أربع عشرة ومائتين ومات
سنة أربع وخمسين ومائتين فكان عمره أربعين سنة، قبره بسر من رأى دفن بها في زمن
المنتصر يلقب بالهادي امه سمانة، ويقال: إنه ولد بالمدينة النصف من ذي الحجة سنة
اثنتي عشرة ومائتين، وقبض بسر من رأى في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين وله يومئذ
إحدى وأربعون سنة وستة أشهر، وقبره بسر من رأى في داره (2) وقال ابن الخشاب: ولد
أبو الحسن العسكري علي بن محمد في رجب سنة مائتين وأربع عشرة من الهجرة. وكان مقامه
مع أبيه محمد بن علي ست سنين وخمسة أشهر، ومضى في يوم الاثنين لخمس ليال بقين من
جمادى الاخرة سنة مائتين وأربع وخمسين من الهجرة، وأقام بعد أبيه ثلاثا وثلاثين سنة
وسبعة أشهر إلا أياما، قبره بسر من رأى امه سمانة ويقال لها: منفرشة المغربية، لقبه
الناصح، والمرتضى، والنقي، و المتوكل، يكنى بأبي الحسن (3). 4 - عم: ولد عليه
السلام بصريا من المدينة (4) للنصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين وفي رواية
ابن عياش يوم الثلاثاء الخامس من رجب، وامه
(1) كشف الغمة ج 3 ص 232. (2) المصدر ص
232. (3) المصدر ص 244. (4) قرية أسسها موسى بن جعفر عليه السلام على ثلاثة اميال
من المدينة، وقد كثر ذكرها في الحديث، راجع المناقب ج 4 ص 382.
[116]
ام ولد، يقال لها: سمانة، ولقبه النقي،
والقائم والفقيه، والامين، والطيب ويقال له: أبو الحسن الثالث (1). 5 - وقال الشيخ
في المصباح: روي أن يوم السابع والعشرين من ذي الحجة ولد أبو الحسن علي بن محمد
العسكري عليهما السلام، وقال في موضع آخر: قال ابن عياش خرج إلى أهلي على يد الشيخ
الكبير أبي القاسم هذا الدعاء " اللهم إني أسألك بالمولودين في رجب محمد بن علي
الثاني وابنه علي بن محمد المنتجب إلى آخر الدعاء ". ثم قال: وذكر ابن عياش أنه كان
مولد أبي الحسن الثالث يوم الثاني من رجب، وذكر أيضا أنه كان يوم الخامس، وقال:
وروى إبراهيم بن الهاشم القمي قال: ولد أبو الحسن العسكري عليه السلام يوم الثلاثاء
لثلاث عشر ليلة مضت من رجب سنة أربع عشرة ومائتين. 6 - كا: ولد صلى الله عليه للنصف
من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين وروي أنه عليه السلام ولد في رجب سنة أربع عشرة
ومائتين (2) وامه ام ولد يقال لها: سمانة (3). 7 - ضه: كان مولده عليه السلام يوم
الثلاثء للنصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشر ومائتين. 8 - الفصول المهمة: صفته أسمر
اللون، نقش خاتمه " الله ربي وهو عصمتي
(1) اعلام الورى ص 339. (2) زاد في
المصدر: ومضى لاربع بقين من جمادى الاخرة سنة أربع وخمسين ومائتين وروى أنه قبض
عليه السلام في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، وله أحد و أربعون سنة وستة أشهر -
وأربعون سنة على المولد الاخر الذى روى. وكان المتوكل أشخصه مع يحيى بن هرثمة بن
أعين من المدينة إلى سرمن رأى، فتوفى بها ودفن في داره. (3) الكافي ج 1 ص 497.
[117]
من خلقه " 9 - كف: ولد عليه السلام يوم
الجمعة ثاني رجب وقيل خامسه، سنة اثنتي عشرة ومائتين في أيام المأمون، امه سمانة،
نقش خاتمة " حفظ العهود من أخلاق المعبود " كانت له سرية لاغير، وكان له خمسة
أولاد، وتوفي يوم الا ثنين ثالث رجب سنة أربع وخمسين ومائتين سمه المعتز وبابه
عثمان بن سعيد.
[118]
2 * (باب) * * (النصوص على الخصوص عليه) *
* (صلوات الله عليه) * 1 - ك: ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن
الصقر ابن دلف قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليهما السلام يقول: إن الامام
بعدي ابني علي أمره أمري، وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والامامة بعده في ابنه الحسن
(1). 2 - عم (2) شا: ابن قولويه، عن الكليني (3)، عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن
إسماعيل بن مهران قال: لما خرج أبو جعفر عليه السلام من المدينة إلى بغداد في
الدفعة الاولة من خرجتيه، قلت له عند خروجه: جعلت فداك إني أخاف عليك في هذا الوجه،
فالى من الامر بعدك ؟ فكر بوجهه إلي ضاحكا وقال: ليس [الغيبة] حيث ظننت في هذه
السنة، فلما استدعى به إلى المعتصم صرت إليه فقلت له: جعلت فداك فأنت خارج فإلى من
هذا الامر من بعدك ؟ فبكى حتى اخضلت لحيته ثم التفت إلي فقال: عند هذه يخاف على،
الامر من بعدي إلى ابني علي (4).
(1) كمال الدين ج 2 ص 50 في حديث. (2)
اعلام الورى ص 339. (3) الكافي ج 1 ص 323. (4) الارشاد المفيد ص 308. (*)
[119]
3 - عم (1) شا: ابن قولويه: عن الكليني
(2) عن الحسين بن محمد، عن الخيراني، عن أبيه قال: كنت ألزم باب أبي جعفر عليه
السلام للخدمة التي وكلت بها وكان أحمد بن [محمد بن] عيسى الاشعري (3) يجيئ في
السحر من آخر كل ليلة ليتعرف خبر علة أبي جعفر عليه السلام وكان الرسول الذي يختلف
بين أبي جعفر وبين الخيراني (4) إذا حضر قام أحمد وخلابه. قال الخيراني: فخرج ذات
ليلة، وقام أحمد بن محمد بن عيسى عن المجلس وخلابي الرسول واستدار أحمد فوقف حيث
يسمع الكلام فقال الرسول: مولاك يقرئك السلام ويقول لك: إني ماض والامر صائر إلى
ابني علي وله عليكم بعدي ماكان لي عليكم بعد أبي، ثم مضى الرسول. ورجع أحمد إلى
موضعه، فقال لي: ما الذي قال لك ؟ قلت: خيرا، قال:
(1) اعلام الورى ص 340. (2) الكافي ج 1 ص
324 (3) أبو جعفر أحمد بن محمد بن عيسى بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الاحوص ابن
السائب بن مالك بن عامر الاشعري من بنى ذخران - بضم الذال - بن عوف بن الجماهر
بالضم - بن الاشعر [الاشعث] قال النجاشي: أول من سكن قم من آبائه سعد بن مالك بن
الاحوص، وكان السائب بن مالك وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله وأسلم وهاجر الى
الكوفة وأقام بها. كان شيخ القميين ورئيسهم الذى يلقى السلطان، وفقيههم غير مدافع،
لقى أبا الحسن الرضا وأبا جعفر الثاني وأبا الحسن الثالث عليهم السلام وله كتب وهو
الذى أخرج من قم أحمد بن أبى عبد الله البرقى وسهل بن زياد الادمى ومحمد بن على
الصيرفى للطعن في روايتهم. (4) كذا في نسخة الاصل طبقا لما أخرجه قدس سره من كتاب
الارشاد، لكنه تصحيف والصحيح كما في نسخة الكافي واعلام الورى " بين أبى جعفر وبين
أبى " فان الخيرانى يذكر القصة عن أبيه.
[120]
قد سمعت ما قال، وأعاد علي ما سمع فقلت:
قد حرم الله عليك ما فعلت (1) لان الله تعالى يقول " ولا تجسسوا " (2) فان سمعت
فاحفظ الشهادة، لعلنا نحتاج إليها يوما ما وإياك أن تظهرها إلى وقتها. قال: أصبحت
(3) وكتبت نسخة الرسالة في عشر رقاع، وختمتها ودفعتها إلى وجوه أصحابنا، وقلت: إن
حدث بي حدث الموت قبل أن اطالبكم بها فافتحوها واعملوا بما فيها. فلما مضى أبو جعفر
عليه السلام لم أخرج من منزلي حتى علمت أن رؤوس العصابة قد اجتمعوا عند محمد بن
الفرج (4) يتفاوضون في الامر، فكتب إلي محمد بن الفرج يعلمني باجتماعهم عنده يقول:
لولا مخافة الشهرة لصرت معهم إليك، فاحب أن تركب إلي ! فركبت وصرت إليه فوجدت القوم
مجتمعين عنده فتجارينا في الباب فوجدت أكثرهم قد شكوا. فقلت لمن عنده الرقاع وهو
حضور: أخرجوا تلك الرقاع فأخرجوها فقلت لهم: هذا ما امرت به، فقال بعضهم: قد كنا
نحب أن يكون معك في هذا الامر
(1) فيه ازراء على أحمد بن محمد بن عيسى
حيث ادعى أنه استرق السمع لنجواهما استراق السمع حرام وهكذا فيما سيأتي من انكاره
للنص طعن عظيم، ولكن الظاهر للمتأمل في الحديث أنه - بعد ضعف السند بل جهالته -
متهافت - المعنى من جهات شتى. منها أن الظاهر من كلام الاشعري واستفهامه " وما الذى
قال لك ؟ " النكير على ما قال، خصوصا من قوله بعد ذلك " قد سمعت ما قال " وليس فيما
قال الرسول: " مولاك يقرئك السلام ويقول لك " الخ سر الا النص من الامام الماضي على
ابنه أبى الحسن الهادى عليهما السلام. (2) الحجرات: 12. (3) في الكافي ونسخة اعلام
الورى: فلما أصبح أبى كتب، وهكذا فيما يأتي بنقل الخيرانى عن أبيه. (4) هو محمد بن
الفرج الرخجى ثقة من رجال أبى الحسن الرضا " ع " والجواد والهادي عليهم السلام له
كتاب مسائل، يظهرمن بعض الاخبار أنه كان وكيل أبى الحسن الهادى " ع " كما سيأتي عن
الخرائج في الباب الاتى تحت الرقم 24 و 25.
[121]
آخر لتيأ كد هذا القول (1) فقلت لهم: قد
أتاكم الله بما تحبون هذا أبو جعفر الاشعري يشهد لي بسماع هذه الرسالة فسألوه
القوم، فتوقف عن الشهادة فدعوته إلى المباهلة فخاف منها وقال: قد سمعت ذلك، وهي
مكرمة كنت احب أن يكون لرجل من العرب (2) فأما مع المباهلة فلا طريق إلى كتمان
الشهادة، فلم يبرح القوم حتى سلموا لابي الحسن عليه السلام (3). والاخبار في هذا
الباب كثيرة جدا إن عملنا على إثباتها طال الكتاب، وفي إجماع العصابة على إمامة أبي
الحسن وعدم من يدعيها سواه في وقته ممن يلتمس الامر فيه غنى عن إيراد الاخبار
بالنصوص على التفصيل (4). 4 - كا: (5) محمد بن جعفر الكوفي، عن محمد بن عيسى بن
عبيد، عن محمد بن الحسين الواسطي سمع أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر عليه السلام
[يحكي أنه أشهده على هذه الوصية المنسوخة: (6) شهد أحمد بن أبي خالد مولى أبي جعفر
عليه السلام]
(1) ظاهر حالهم أنهم لم يثقوا بقوله، بل
كان عندهم متهما حيث لم يقبلوا قوله حتى بعد ما ظهر ما في الرقاع، والرجل نفسه كان
يعلم ذلك من شأنهم حيث توسل بالرقاع قبلا إلى صدق كلامه. (2) ليس لهذا الكلام موقع،
حيث انه بظاهره يدل على أن الاشعري وهو رجل من العرب كان يحسد لابي الخيرانى وهو من
الاعاجم، أن يظهر النص " على أبى الحسن الهادى عليه السلام " على يديه، مع أنه كان
شريكه في استماع النص على أن النص لم يكن منحصرا في هذا الذى سمعه الرجل بل هناك
نصوص. (3) من أعجب العجائب أن القوم لم يثقوا بقول الرجل وحده حتى بعد ما ظهر من
الرقاع ما ظهر، ولما أن شهد الاشعري وهو الذى أنكر النص أولا وكذب الرجل في دعواه
قبلوا قوله وسلموا لابي الحسن " ع " أليس في كذب الاشعري وانكاره النص أولا ما يسقط
شهادته ؟. (4) ارشاد المفيد ص 308. (5) هذا الحديث من مختصات نسخة الصفوانى. (6)
الضمير المنصوب في " أنه " والمرفوع المستكن في " أشهده " راجع إلى أبى جعفر - >
[122]
أن أبا جعفر محمد بن علي بن موسى بن جعفر
بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب عليهم السلام أشهده أنه أوصى إلى علي
ابنه بنفسه وأخواته (1) وجعل أمر موسى إذا بلغ إليه، وجعل عبد الله بن المساور
قائما على تركته من الضياع والاموال والنفقات والرقيق وغير ذلك، إلى أن يبلغ علي بن
محمد، صير عبد الله بن المساور ذلك اليوم [إليه] يقوم بأمر نفسه وأخواته (2) ويصير
أمر موسى إليه يقوم لنفسه بعدهما على شرط أبيهما في صدقاته التي تصدق بها، وذلك يوم
الاحد لثلاث ليال خلون من ذي الحجة سنة عشرين ومائتين، وكتب أحمد بن أبي خالد
شهادته بخطه وشهد الحسن بن محمد بن عبد الله بن (3) الحسن بن علي بن الحسين بن علي
بن أبي طالب، وهو الجواني على مثل شهادة أحمد بن أحمد بن أبي خالد في صدر هذا
الكتاب وكتب شهادته بيده وشهد نصر الخادم وكتب شهادته بيده (4).
- > عليه السلام والضمير البارز، راجع إلى
أحمد بن ابى خالد والمراد بالوصية المنسوخة هي الوصية على النحو الذى يذكره احمد بن
ابى خالد " صالح ". (1) حاصله أنه أوصى إلى ابنه بامور نفسه وأخواته وتربيتهن وجعل
أمر موسى ابنه إلى موسى عند بلوغه وجعل عبد الله بن المساور قائماعلى التركة، إلى
ان يبلغ على ابنه فإذا بلغ صير ابن المساور القيام على التركة إليه فيقوم على
التركة " وأمر نفسه وأخواته الاأمر موسى فانه يقوم بأمره لنفسه بعد على وابن
المساور على ما شرط عليه السلام في صدقاته وموقوفاته " صالح ". (2) في بعض النسخ "
واخوانه " وهكذا فيما سبق، وهو سهو والصحيح مافى الصلب طبقا للمصدر، وذلك لان أبا
جعفر الجواد لم يخلف من الذكور الاعليا الهادى وموسى المبرقع وقد خلف ابنتين: فاطمة
وأمامة ومات أبو جعفر الجواد ولابي الحسن الهادى " ع " ثمان سنين لم يبلغ بعد على
مذهب الجمهور ولذلك جعل عبد الله بن المساور قيما على أمواله وضياعه. (3) الصحيح "
عبيدالله بن الحسين - وهو الحسين الاصغر - بن على بن الحسين كما في عمدة الطالب،
وفيه أن الجوانى نسبة محمد بن عبيدالله، لا ابنه الحسن. (4) الكافي ج 1 ص 325.
[123]
بيان: لعله عليه السلام للتقية من
المخالفين الجاهلين بقدر الامام عليه السلام ومنزلته وكماله في صغره وكبره اعتبر
بلوغه في كونه وصيا وفوض الامر ظاهرا قبل بلوغه إلى عبد الله، لئلا يكون لقضاتهم
مدخلا في ذلك فقوله عليه السلام " إذا بلغ " يعنى أبا الحسن عليه السلام، وقوله
عليه السلام " صير " أي بعد بلوغ الامام عليه السلام صيره عبد الله مستقلا في امور
نفسه ووكل امور أخواته إليه قوله و " يصير " بتشديد اليا أي عبد الله أو الامام
عليه السلام " أمر موسى إليه " أي إلى موسى " بعدهما " أي بعد فوت عبد الله والامام
عليه السلام ويحتمل التخفيف أيضا وقوله " على شرط أبيهما " متعلق بيقوم في
الموضعين. 5 - عيون المعجزات: روى الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبيه أن
أبا جعفر عليه السلام لما أراد الخروج من المدينة إلى العراق ومعاودتها أجلس أبا
الحسن في حجره بعد النص عليه وقال له: ما الذي تحب أن اهدي إليك من طرائف العراق ؟
فقال عليه السلام: سيفا كأنه شعلة نار، ثم التفت إلى موسى ابنه وقال له: ما تحب أنت
؟ فقال: فرسا، فقال عليه السلام: أشبهني أبو الحسن، أشبه هذا امه.
[124]
3 * (باب) * * (معجزاته، وبعض مكارم
أخلاقه، ومعالى) * * (اموره صلوات الله عليه) * 1 - عم: السيد أبو طالب محمد بن
الحسين الحسيني الجرجاني، عن والده الحسين بن الحسن، عن أبي الحسين طاهر بن محمد
الجعفري، عن أحمد بن محمد ابن عياش، عن عبد الله بن أحمد بن يعقوب، عن الحسين بن
أحمد المالكي، عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت بالمدينة حتى مربها بغا (1) أيام
الواثق في طلب الاعراب فقال أبو الحسن: اخرجوا بنا حتى ننظر إلى تعبية هذا التركي.
فخرجنا فوقفنا فمرت بنا تعبيته فمر بنا تركي فكلمه أبو الحسن عليه السلام بالتركية
فنزل عن فرسه فقبل حافر دابته قال: فحلفت التركي وقلت له: ما قال لك الرجل ؟ قال:
هذا نبي ؟ قلت: ليس هذا بنبي قال: دعاني باسم سميت به في صغري في بلاد الترك ما
علمه أحد إلا الساعة (2). قب: أبو هاشم مثله (3). 2 - ما: الفحام، عن المنصوري، عن
عم أبيه قال: دخلت يوما على المتوكل وهو يشرب فدعاني إلى الشرب فقلت: يا سيدي ما
شربته قط قال: أنت تشرب مع علي بن محمد قال: فقلت له: ليس تعرف من في يدك إنما يضرك
ولا يضره ولم أعد ذلك عليه (4).
(1) بغا من الاسماء التركية، كان اسم رجل
من قواد المتوكل. (2) اعلام الورى ص 343. (3) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 408. (4)
وتراه في مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 417.
[125]
قال: فلما كان يوما من الايام قال لي
الفتح بن خاقان: قد ذكر الرجل يعني المتوكل - خبر مال يجئ من قم، وقد أمرني أن
أرصده لاخبره له فقل لي من أي طريق يجئ حتى أجتنبه فجئت إلى الامام علي بن محمد
فصادفت عنده من أحتشمه فتبسم وقال لي: لا يكون إلا خيرا يا أبا موسى لم لم تعد
الرسالة الاولة ؟ فقلت: أجللتك يا سيدي فقال لي: المال يجئ الليلة وليس يصلون إليه
فبت عندي. فلما كان من الليل وقام إلى ورده قطع الركوع بالسلام وقال لي: قد جاء
الرجل ومعه المال وقد منعه الخادم الوصول إلي فاخرج خذ ما معه فخرجت فإذا معه
زنفيلجة (1) فيها المال فأخذته ودخلت به إليه فقال: قال له: هات الجبة التي قالت لك
القمية إنها ذخيرة جدتها، فخرجت إليه فأعطانيها فدخلت بها إليه فقال لي: قل له:
الجبة التي أبدلتها منها ردها إلينا فخرجت إليه فقلت له ذلك فقال: نعم كانت ابنتي
استحسنتها فأبدلتها بهذه الجبة وأنا أمضي فأجيئ بها فقال: اخرج فقل له: إن الله
تعالى يحفظ لنا وعلينا هاتها من كتفك فخرجت إلى الرجل فأخرجتها من كتفه فغشي عليه
فخرج إليه فقال له: قد كنت شاكا فتيقنت. قب: الفتح مثله (2). بيان: " ولم اعد ذلك
عليه " أي على أبي الحسن عليه السلام وهو المراد بالرسالة الاولة لان الملعون لما
ذكر ذلك ليبلغه عليه السلام سماه رسالة. 2 - ما: الفحام قال: حدثني المنصوري، عن عم
أبيه وحدثني عمي، عن كافور الخادم بهذا الحديث قال: كان في الموضع مجاور الامام من
أهل الصنايع صنوف من الناس، وكان الموضع كالقرية وكان يونس النقاش يغشى سيدنا
الامام عليه السلام ويخدمه.
(1) الزنفيلجة - بكسر الزاى وفتح اللام -
وهكذا الزنفليجة - كقسطبيلة - وعاء أدوات الراعى فارسي معرب زنبيله. (2) مناقب آل
أبى طالب ج 4 ص 413.
[126]
فجاءه يوما يرعد فقال: يا سيدي اوصيك
بأهلي خيرا، قال: وما الخبر ؟ قال: عزمت على الرحيل قال: ولم يا يونس ؟ وهو عليه
السلام متبسم قال: قال: موسى ابن بغاوجه إلي بفص ليس له قيمة أقبلت أن انقشه فكسرته
باثنين وموعده غدا وهو موسى بن بغا إما ألف سوط أو القتل، قال: امض إلى منزلك إلى
غد فما يكون إلا خيرا. فلما كان من الغد وافى بكرة يرعد فقال: قد جاء الرسول يلتمس
الفص قال: امض إليه فما ترى إلا خيرا قال: وما أقول له يا سيدي ؟ قال: فتبسم وقال:
امض إليه واسمع ما يخبرك به، فلن يكون إلا خيرا. قال: فمضى وعاد يضحك قال قال لي يا
سيدي: الجواري اختصمن فيمكنك أن تجعله فصين حتى نغنيك ؟ فقال سيدنا الامام عليه
السلام: اللهم لك الحمد إذ جعلتنا ممن يحمدك حقا فأيش (1) قلت له ؟ قال: قلت له:
أمهلني حتى أتأمل أمره كيف أعمله ؟ فقال: أصبت. 4 - ما: الفحام، عن عمه عمر بن
يحيى، عن كافور الخادم قال: قال لي الامام علي بن محمد عليهما السلام: اترك لي
السطل الفلاني في الموضع الفلاني لا تطهر منه للصلاة، أنفذني في حاجة وقال: إذا عدت
فافعل ذلك ليكون معدا إذا تأهبت للصلاة واستلقى عليه السلام لينام وانسيت ما قال لي
وكانت ليلة باردة فحسست به وقد قام إلى الصلاة وذكرت أنني لم أترك السطل، فبعدت عن
الموضع خوفا من لومه وتألمت له حيث يشقى بطلب الاناء فناداني نداء مغضب فقلت: إنا
لله أيش عذري أن أقول نسيت مثل هذا ولم أجد بدا من إجابته. فجئت مرعوبا فقال: يا
ويلك أما عرفت رسمي أنني لا أتطهر إلا بماء بارد فسخنت لي ماء فتر كته في السطل ؟
فقلت: والله يا سيدي ما تركت السطل ولا الماء، قال: الحمد لله والله لا تركنا رخصة
ولارددنا منحة الحمد الله الذي جعلنا من أهل طاعته، ووفقناه للعون على عبادته إن
النبي صلى الله عليه وآله يقول: إن الله يغضب على
(1) لغة عامية وكأنه مخفف " أي شئ ".
[127]
من لا يقبل رخصه (1) 5 - ما: الفحام عن
المنصوري، عن عم أبيه قال: قصدت الامام عليه السلام يوما فقلت: يا سيدي إن هذا
الرجل قد أطرحني وقطع رزقي ومللني وما أتهم في ذلك إلا علمه بملازمتي لك، وإذا
سألته شيئا منه يلزمه القبول منك فينبغي أن تتفضل علي بمسألته، فقال: تكفى إن شاء
الله. فلما كان في الليل طرقني رسل المتوكل رسول يتلو رسولا فجئت والفتح على الباب
قائم فقال: يا رجل ما تأوي في منزلك بالليل كدني هذا الرجل مما يطلبك، فدخلت وإذا
المتوكل جالس على فراشه فقال: يا أبا موسى نشغل عنك و تنسينا نفسك أي شئ لك عندي ؟
فقلت: الصلة الفلانية والرزق الفلاني وذكرت أشياء فأمر لي بها وبضعفها. فقلت للفتح:
وافى علي بن محمد إلى ههنا ؟ فقال: لا، فقلت: كتب رقعة ؟ فقال: لا فوليت منصرفا
فتبعني فقال لي: لست أشك أنك سألته دعاء لك فالتمس لي منه دعاء. فلما دخلت إليه
عليه السلام فقال لي: يا أبا موسى ! هذا وجه الرضا، فقلت: ببركتك يا سيدي، ولكن
قالوا لي: إنك ما مضيت إليه ولا سألته، فقال: إن الله تعالى علم منا أنا لا نلجأ في
المهمات إلا إليه ولا نتوكل في الملمات إلا عليه و عودنا إذا سألناه الاجابة، ونخاف
أن نعدل فيعدل بنا. قلت: إن الفتح قال لي كيت وكيت، قال: إنه يوالينا بظاهره،
ويجانبنا بباطنه، الدعاء لمن يدعو به: إذا أخلصت في طاعة الله، واعترفت برسول الله
صلى الله عليه وآله وبحقنا أهل البيت وسألت الله تبارك وتعالى شيئا لم يحرمك قلت:
يا سيدي فتعلمني دعاء أختص به من الادعية قال: هذا الدعاء كثيرا أدعو الله به وقد
سألت الله أن لا يخيب من دعا به في مشهدي بعدي وهو: " يا عدتي عند العدد ويا رجائي
والمعتمد ويا كهفي والسند، ويا واحد يا
(1) ورواه ابن شهر آشوب في المناقب ج 4 ص
414 مرسلا.
[128]
أحد، يا قل هو الله أحد، وأسألك اللهم بحق
من خلقته من خلقك، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحدا، أن تصلي عليهم وتفعل بي كيت وكيت
(1). بيان: " الدعاء لمن يدعو به " أي كل من يدعو به يستجاب له أو الدعاء تابع لحال
الداعي فإذا لم يكن في الدعاء شرائط الدعاء لم يستجب له فيكون قوله " إذا أخلصت "
مفسرا لذلك وهو أظهر. 6 - ما: الفحام، عن أحمد بن محمد بن بطة عن خير الكاتب قال:
حدثني سميلة الكاتب وكان قد عمل أخبار سرمن رأى قال: كان المتوكل يركب إلى الجامع
ومعه عدد ممن يصلح للخطابة، وكان فيهم رجل من ولد العباس بن محمد يلقب بهريسة وكان
المتوكل يحقره فتقدم إليه أن يخطب يوما فخطب فأحسن فتقدم المتوكل يصلي فسابقه من
قبل أن ينزل من المنبر فجاء فجذب منطقته من ورائه و قال: يا أمير المؤمنين من خطب
يصلي فقال المتوكل: أردنا أن نخجله فأخجلنا. وكان أحد الاشرار فقال يوما للمتوكل:
ما يعمل أحد بك أكثر مما تعمله بنفسك في علي بن محمد فلا يبقى في الدار إلا من
يخدمه ولا يتعبونه بشيل ستر، ولا فتح باب، ولا شئ، وهذا إذا علمه الناس قالوا: لو
لم يعلم استحقاقه للامر ما فعل به هذا، دعه إذا دخل يشيل الستر لنفسه ويمشي كما
يمشي غيره، فتمسه بعض الجفوة فتقدم أن لا يخدم ولايشال بين يديه ستر، وكان المتوكل
مارئي أحد ممن يهتم بالخبر مثله. قال: فكتب صاحب الخبر إليه: أن علي بن محمد دخل
الدار فلم يخدم ولم يشل أحد بين يديه سترا فهب هواء رفع الستر له، فدخل فقال:
اعرفوا خبر خروجه، فذكر صاحب الخبر هواء خالف ذلك الهواء شال الستر له حتى خرج
فقال: ليس نريد هواء يشيل الستر، شيلوا الستر بين يديه (2). قال: ودخل يوما على
المتوكل فقال: يا أبا الحسن من أشعر الناس ؟ و
(1) اخرجه ابن شهر آشوب في المناقب ج 4 ص
411 إلى قوله فيعدل بنا. (2) أخرجه ابن شهرآشوب ملخصا في المناقب ج 4 ص 406.
[129]
كان قد سأل قبله لابن الجهم فذكر شعراء
الجاهلية وشعراء الاسلام فلما سأل الامام عليه السلام قال: فلان بن فلان العلوي -
قال ابن الفحام: وأخوه الحماني قال: حيث يقول: لقد فاخرتنا من قريش عصابة * بمط
خدود وامتداد أصابع فلما تنازعنا القضاء قضى لنا * عليهم بما فاهوا نداء الصوامع
(1) قال: ومانداء الصوامع يا أبا الحسن ؟ قال: أشهد أن لا إله إلا الله، و أشهد أن
محمدا.... جدي أم جدكم ؟ فضحك المتوكل كثيرا ثم قال: هو جدك لاندفعك عنه. بيان: "
ما رئي أحد " على بناء المجهول أي كان المتوكل كثيرا ما يهتم باستعلام الاخبار،
وكان قد وكل لذلك رجلا يعلمه، يكتب إليه، ولعل مط الخدود وامتداد الاصابع كناية عن
التكبر والاستيلاء وبسط اليد. 7 - لى: ابن إدريس، عن أبيه، عن محمد بن أحمد العلوي،
عن أحمد بن القاسم، عن أبي هاشم الجعفري قال: أصابتني ضيقة شديدة فصرت إلى أبي
الحسن علي بن محمد عليه السلام فأذن لي فلما جلست قال: يا أبا هاشم أي نعم الله
عزوجل عليك تريد أن تؤدي شكرها ؟ قال أبو هاشم: فوجمت فلم أدر ما أقول له. فابتدا
عليه السلام فقال: رزقك الايمان فحرم بدنك على النار، ورزقك العافية فأعانتك على
الطاعة، ورزقك القنوع فصانك عن التبذل، يا أبا هاشم إنما ابتدأتك بهذا لاني ظننت
أنك تريد أن تشكو لي من فعل بك هذا، وقد أمرت لك بمائة دينار فخذها (2). 8 - ما:
الفحام عن المنصوري، عن عم أبيه قال: قال يوما الامام علي ابن محمد عليهما السلام
يا أبا موسى اخرجت إلى سرمن رأى كرها ولو اخرجت عنها
(1) عليهم بما يهوى نداء الصوامع خ ل. (2)
امالي الصدوق ص 412. (*)
[130]
اخرجت كرها قال: قلت: ولم يا سيدي ؟ قال:
لطيب هوائها، وعذوبة مائها، وقلة دائها (1). ثم قال: تخرب سر من رأى حتى يكون فيها
خان وبقال للمارة و علامة تدارك خرابها تدارك العمارة في مشهدي من بعدي. 9 - ير:
محمد بن عيسى، عن أبي علي بن راشد قال: قدمت علي أحمال فأتاني رسوله قبل أن أنظر في
الكتب أن اوجهه بها إليه: " سرح إلي بدفتر كذا " ولم يكن عندي في منزلي دفتر أصلا
قال: فقمت أطلب ما لا أعرف بالتصديق له فلم أقع على شئ فلما ولى الرسول قلت: مكانك
فحللت بعض الاحمال فتلقاني دفتر لم أكن علمت به إلا أني علمت أنه لم يطلب إلا حقا
فوجهت به إليه (2). 10 - ير: محمد بن الحسين، عن علي بن مهزيار، عن الطيب الهادي
عليه السلام قال: دخلت عليه فابتدأني فكلمني بالفارسية (3). 11 - ير: محمد بن عيسى
عن علي بن مهزيار قال: أرسلت إلى أبي الحسن عليه السلام غلامي وكان سقلابيا فرجع
الغلام إلي متعجبا فقلت: ما لك يا بني ؟ قال: كيف لا أتعجب ؟ ما زال يكلمني
بالسقلابية كأنه واحد منا ! فظننت أنه إنما دار بينهم (4). 12 - قب: علي بن مهزيار
إلى قوله كأنه واحد منا وإنما أراد بهذا الكتمان عن القوم (5). كشف: من كتاب
الدلائل عن علي بن مهزيار مثله (6).
(1) وأخرجه في المناقب ج 4 ص 417 وزاد
بعده شعرا في ذلك. دخلنا كارهين لها فلما * الفناها خرجنا مكرهينا (2) بصائر
الدرجات ص 249. (3) المصدر ص 333. (4) نفس المصدر ص 333. (5) مناقب آل أبى طالب ج 4
ص 408. (6) كشف الغمة ج 3 ص 252.
[131]
13 - ير: الحسن بن علي السرسوني، عن
إبراهيم بن مهزيار قال: كان أبو الحسن عليه السلام كتب إلى علي بن مهزيار، يأمره أن
يعمل له مقدار الساعات فحملناه إليه في سنة ثمان وعشرين فلما صرنا بسيالة كتب يعلمه
قدومه ويستأذنه في المصير إليه وعن الوقت الذي نسير إليه فيه، واستأذن لابراهيم
فورد الجواب بالاذن أنا نصير إليه بعد الظهر، فخرجنا جميعا إلى أن صرنا في يوم صائف
شديد الحر ومعنا مسرور غلام علي بن مهزيار. فلما أن دنوا من قصره إذا بلال قائم
ينتظرنا وكان بلال غلام أبي الحسن عليه السلام قال: ادخلوا فدخلنا حجرة وقد نالنا
من العطش أمر عظيم فما قعدنا حينا حتى خرج إلينا بعض الخدم ومعه قلال من ماء أبرد
ما يكون فشربنا ثم دعا بعلي بن مهزيار فلبث عنده إلى بعد العصر ثم دعاني فسملت عليه
واستأذنته أن يناولني يده فاقبلها، فمد يده فقبلتها ودعاني وقعدت ثم قمت فودعته.
فلما خرجت من باب البيت ناداني عليه السلام فقال: يا إبراهيم فقلت: لبيك يا سيدي
فقال: لا تبرح فلم نزل جالسا ومسرور غلامنا معنا، فأمرأن ينصب المقدار ثم خرج عليه
السلام فالقي له كرسي فجلس عليه والقي لعلي بن مهزيار كرسي عن يساره فجلس، وقمت أنا
بجنب المقدار فسقطت حصاة (1) فقال مسرور: " هشت " فقال عليه السلام: " هشت "
ثمانية، فقلنا: نعم يا سيدنا. فلبثنا عنده إلى المساء ثم خرجنا فقال لعلي: رد إلي
مسرورا بالغداة فوجهه إليه فلما أن دخل قال له بالفارسية " بار خدا چون ؟ " فقلت له
" نيك " يا سيدي فمر نصر فقال: " درببند درببند " فأغلق الباب ثم ألقى رداءه علي
يخفيني من نصر حتى سألني عما أراد فلقيه علي بن مهزيار فقال له: كل هذا خوفا من نصر
؟ فقال: يا أبا الحسن يكاد خوفي منه خوفي من عمرو بن قرح (2).
(1) أي حصاة من حصيات المقدار فقد كان
تلقى تلك الالة في كل ساعة حصاة فيعلم مقدار مضى الساعات باعتداد الحصيات. (2)
بصائر الدرجات ص 337.
[132]
14 - كا (1) ير: الحسين محمد، عن المعلى،
عن أحمد بن محمد بن عبد الله، عن علي بن محمد، عن إسحاق الجلاب (2) قال: اشتريت
لابي الحسن عليه السلام غنما كثيرة فدعاني فأدخلني من إصطبل داره (3) إلى موضع واسع
لا أعرفه، فجعلت افرق تلك الغنم فيمن أمرني به. فبعثت إلى أبي جعفر (4) وإلى
والدته، وغيرهما ممن أمرني ثم استأذنته في الانصراف إلى بغداد إلى والدي، وكان ذلك
يوم التروية، فكتب إلى: تقيم غدا عندنا ثم تنصرف قال: فأقمت فلما كان يوم عرفة أقمت
عنده وبت ليلة الاضحى في رواق له، فلما كان في السحر أتاني فقال لي: يا إسحاق قم،
فقمت ففتحت عيني فإذا أنا على بابي ببغداد فدخلت على والدي وأتاني أصحابي فقلت.
لهم: عرفت بالعسكر، وخرجت إلى العيد ببغداد (5). 15 - ير: الحسين بن محمد، عن
المعلى، عن أحمد بن محمد بن عبد الله، عن محمد ابن بحر (6)، عن صالح بن سعيد قال:
دخلت على أبي الحسن عليه السلام فقلت: جعلت فداك في كل الامور أرادوا إطفاء نورك
والتقصير بك، حتى أنزلوك هذا الخان
(1) الكافي ج 1 ص 498. (*) (2) الجلاب -
بالفتح والتشديد - من يشترى الغنم ونحوها في موضع، يسوقها إلى موضع آخر ليبيعها،
وفى القاموس: الغنم - محركة - الشاء لا واحد لها من لفظها الواحدة شاة وهواسم مؤنث
للجنس يقع على الذكور والاناث وعليهما جميعا، والجمع أغنام وغنوم واغانم منه رحمه
الله في المرآت. (3) الاصطبل كجرد حل: موقف الدواب، شامية قاله الفيروز آبادى. (4)
أبو جعفر ابنه الكبير، واسمه محمد، مات قبل أبيه عليهما السلام، وقيل ان المراد به
محمد بن على بن ابراهيم بن موسى بن جعفر. (5) بصائر الدرجات ص 406. وأخرجه ابن
شهرآشوب في مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 411 مرسلا. (6) في المصدر: محمد بن يحيى.
[133]
الاشنع خان الصعاليك، فقال: ههنا أنت يا
ابن سعيد ؟ ثم أومأ بيده فقال: انظر فنظرت فإذا بروضات آنقات، وروضات ناضرات، فيهن
خيرات عطرات، وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، وأطيار، وظباء، وأنهار تفور، فحار بصري
والتمع وحسرت عيني، فقال: حيث كنا فهذا لنا عتيد، ولسنا في خان الصعاليك (1). عم:
(2) الكليني، عن الحسين، مثله (3). ير: الحسين بن محمد، عن علي بن النعمان بن محمد،
عن أحمد بن محمد ابن عبد الله، عن محمد بن يحيى، عن صالح بن سعيد مثله (4). بيان: "
الصعلوك " الفقير أو اللص قوله " ههنا أنت " أي أنت في هذا المقام من معرفتنا "
خيرات " مخفف خيرات لان خير الذي بمعنى أخير لا يجمع " كأنهن اللؤلؤ المكنون " أي
المصون عما يضر به في الصفاء والنقاء " عتيد ": أي حاضر مهيأ. أقول: لما قصر علم
السائل وفهمه عن إدراك اللذات الروحانية ودرجاتهم المعنوية، وتوهم أن هذه الامور
مما يحط من منزلتهم، ولم يعلم أن تلك الاحوال مما يضاعف منازلهم ودرجاتهم الحقيقية،
ولذاتهم الروحانية، وأنهم اجتووا لذات الدنيا ونعيمها (5) وكان نظره مقصورا على
اللذات الدنية الفانية فلذا أراه عليه السلام ذلك لانه كان مبلغه من العلم وأما
كيفية رؤيته لها فهي محجوبة عنا والخوض فيها لا يهمنا لكن خطر لنا بقدر فهمنا وجوه:
الاول أنه تعالى أو جد في هذا الوقت لاظهار إعجازه عليه السلام هذه الاشياء.
(1) بصائر الدرجات ص 406. (2) اعلام الورى
ص 348. (3) الكافي ج 1 ص 498. (4) بصائر الدرجات ص 407. (5) يقال: اجتوى البلد
اجتواء: كره المقام به وان كان في نعمة.
[134]
في الهواء ليراه فيعلم أن عروض تلك
الاحوال لهم لتسليمهم ورضاهم بقضاء الله تعالى وإلا فهم قادرون على إحداث هذه
الغرائب، وأن إمامتهم الواقعية وقدرتهم العلية، ونفاذ حكمهم في العالم الادنى
والاعلى وخلافتهم الكبرى، لم تنقص بما يرى فيهم من الذلة والمغلوبية والمقهورية.
الثاني أن تلك الاشكال أو جدها الله سبحانه في حسه المشترك إيذانا بأن اللذات
الدنيوية عندهم بمثل تلك الخيالات الوهمية كما يرى النائم في طيفه ما يلتذ به
كالتذاذه في اليقظة، ولذا قال النبي صلى الله عليه وآله: الناس نيام فإذا ماتوا
انتبهوا. الثالث أنه عليه السلام أراه صور اللذات الروحانية التي معهم دائما بما
يوافق فهمه، فانه كان في منام طويل وغفلة عظيمة عن درجات العارفين ولذاتهم، كما يرى
النائم العلم بصورة الماء الصافي أو اللبن اليقق والمال بصورة الحية وأمثالها وهذا
قريب من السابق وهذا على مذاق الحكماء والمتألهين الرابع ما حققته في بعض المواضع
وملخصه أن النشآت مختلفة والحواس في إدراكها متفاوتة، كما أن النبي صلى الله عليه
وآله كان يرى جبرئيل عليه السلام وسائر الملائكة والصحابة لم يكونوا يرونهم، وأمير
المؤمنين كان يرى الارواح في وادي السلام وحبة (1) وغيره لا يرونهم فيمكن أن يكون
جميع هذه الامور في جميع الاوقات
(1) حبة بن جوين العرنى - منسوب إلى عرينة
بن عرين بن بدر بن قسر من خواص أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام وحديثه في وادى
السلام مروى في الكافي ج 4 ص 243 وهذا نصه: قال: خرجت مع أمير المؤمنين عليه السلام
إلى الظهر - يعنى ظهر الكوفة - فوقف بوادي السلام كانه مخاطب لاقوام، فقمت بقيامه
حتى أعييت ثم جلست حتى مللت، ثم قمت حتى نالنى مثل ما نالنى أولا، ثم جلست حتى
مللت. ثم قمت وجمعت ردائي فقلت: يا أمير المؤمنين ! انى قد أشفقت عليك من طول
القيام فراحة ساعة، ثم طرحت الرداء ليجلس عليه، فقال لى يا حبة ! ان هو الا محادثة
مؤمن أو مؤانسته. - >
[135]
حاضرة عندهم عليهم السلام، ويرونها
ويلتذون بهالكن لما كانت أجساما لطيفة روحانية ملكوتية لم يكن سائر الخلق يرونها
فقوى الله بصر السائل با عجازه عليه السلام حتى رآها. فعلى هذا لا يبعد أن يكون في
وادي السلام جنات، وأنهار، ورياض، وحياض تتمتع بها أرواح المؤمنين بأجسادهم
المثالية اللطيفة، ونحن لا نراها. وبهذا الوجه تنحل كثير من الشبه عن المعجزات،
وأخبار البرزخ والمعاد وهذا قريب من عالم المثال الذي أثبته الاشراقيون من الحكماء
والصوفية لكن بينهما فرق بين. هذه هي التي خطرت ببالي وأرجو من الله أن يسددني في
مقالي وفعالي. 16 - ير: محمد بن أحمد، عن بعض أصحابنا، عن معاوية بن حكيم، عن أبي
المفضل الشيباني (1) عن هارون بن الفضل قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام في اليوم.
- > قال: قلت: يا أمير المؤمنين وانهم
لكذلك ؟ قال: نعم ولو كشف لك لرأيتهم حلقا حلقا محتبين يتحادثون، فقلت: أجسام أم
أرواح ؟ فقال: أرواح، وما من مؤمن يموت في بقعة من بقاع الارض الاقيل لروحه: الحقى
بوادي السلام، وانها لبقعة من جنة عدن. (1) الشيباني نسبة إلى شيبان بن ثعلبة، بطن
من بكربن وائل، من العدنانية، وهم بنو شيبان بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن على بن
بكر بن وائل. والرجل أبو المفضل محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيدالله بن البهلول
بن همام بن المطلب بن همام بن بحر بن مطر بن مرة - الصغرى - بن همام بن مرة - وكان
سيدهم في الجاهلية - بن ذهل بن شيبان. قال النجاشي: سافر في طلب الحديث عمره، أصله
كوفى، وكان في أول أمره ثبتا ثم خلط ورأيت جل أصحابنا يغمزونه ويضعفونه، رأيت هذا
النسخ وسمعت منه كثيراثم توقفت عن الرواية عنه الا بواسطة بينى وبينه. وقال صاحب
الذريعة: ولما كانت ولادة النجاشي سنة 372، وكان عمره يوم وفاة أبى المفضل خمس عشرة
سنة، احتاط أن يروى عنه بلا واسطة بل كان يروى عنه بالواسطة كما صرح به فلا وجه
حينئذ لدعوى أن توقف النجاشي كان لغمز فيه. - >
[136]
الذي توفي فيه أبو جعفر عليه السلام فقال:
إنا لله وإنا إليه راجعون مضى أبو جعفر فقيل له: وكيف عرفت ذلك ؟ قال تداخلني ذلة
لله لم أكن أعرفها (1) ير: محمد بن عيسى، عن أبي الفضل، عن هارون بن الفضل مثله
(2). 17 - قب (3) يج: جعفر الفزاري، عن أبي هاشم الجعفري قال: دخلت على أبي الحسن
عليه السلام فكلمني بالهندية فلم احسن أن أرد عليه، وكان بين يديه ركوة ملآحصا
فتناول حصاة واحدة وضعها في فيه ومصها مليا ثم رمى بها الي فوضعتها في فمي فوالله
ما برحت من عنده حتى تكلمت بثلاثة وسبعين لسانا أو لها الهندية (4). عم: قال أبو
عبد الله بن عياش: حدثني علي بن حبشي بن قوني، عن جعفر مثله (5). 18 - يج: روي عن
أبي هاشم قال كنت عند أبي الحسن عليه السلام وهو مجدر فقلت للمتطبب: " آب گرفت " ثم
التفت إلي وتبسم وقال: تظن أن لا يحسن
- > وقال ابن الغضائري: وضاع كثير
المناكير، رأيت كتبه وفيه الاسانيد من دون المتون والمتون من دون الاسانيد، وأرى
ترك ما ينفرد به. وقال الخطيب البغدادي: نزل بغداد وحدث بها عن محمد بن جرير الطبري
ومحمد ابن العباس اليزيدى وامثالهم وعن خلق كثير من المصريين والشاميين... وكان يضع
الحديث للرافضة ويملى في مسجد الشرقية حدثنى القاضى أبو العلاء الواسطي قال: كان
أبو المفضل حسن الهيئة جميل الظاهر، نظيف اللبسة، كان مولده سنة 297 ووفاته سنة
387. (1) بصائر الدرجات ص 467. (2) المصدر ص 467 نفسها. (3) مناقب آل أبى طالب ج 4
ص 408. (4) مختار الخرائج والجرائح ص 237. (5) اعلام الورى ص 343.
[137]
الفارسية غيرك ؟ فقال له المتطبب: جعلت
فداك تحسنها ؟ فقال: أما فارسية هذا فنعم، قال لك: احتمل الجدري ماء. 19 - يج: روي
عن أبي هاشم قال: قال لي أبو الحسن عليه السلام وعلى رأسه غلام: كلم الغلام
بالفارسية وأعرب له فيها، فقلت للغلام، " نام توچيست " فسكت الغلام فقال له أبو
الحسن عليه السلام: يسألك ما اسمك (1) 20 - يج: روي عن محمد بن الحسن بن الاشتر
العلوي قال: كنت مع أبي بباب المتوكل، وأنا صبي في جمع الناس ما بين طالبي إلى
عباسي إلى جندي إلى غير ذلك، وكان إذا جاء أبو الحسن عليه السلام ترجل الناس كلهم
حتى يدخل. فقال بعضهم لبعض: لم نترجل لهذا الغلام ؟ وما بأشرفنا ولا بأكبرنا ولا
بأسننا ولا بأعلمنا ؟ فقالوا: والله لا ترجلنا له فقال لهم أبو هاشم: والله لترجلن
له صغارا وذلة إذا رأيتموه، فما هو إلا أن أقبل وبصروا به فترجل له الناس كلهم فقال
لهم أبو هاشم: أليس زعمتم أنكم لا تترجلون له ؟ فقالوا: والله ما ملكنا أنفسنا حتى
ترجلنا (2) عم: محمد بن الحسين الحسيني، عن أبيه عن طاهر بن محمد الجعفري، عن أحمد
بن محمد بن عياش في كتابه عن الحسن بن عبد القاهر الطاهري، عن محمد بن الحسن مثله
(3) 21 - يج: روي أن أبا هاشم الجعفري (4) كان منقطعا إلى أبي الحسن بعد أبيه
(1) لم نجده في مختار الخرائج، وقد أخرج
الاخير في البصائرص 338 فراجع. (2) لم نجده في مختار الخرائج، وأخرجه ابن شهر آشوب
في المناقب ج 4 ص 407 ملخصا. (3) اعلام الورى ص 343. (4) هو داود بن القاسم بن
اسحاق بن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب أبو هاشم الجعفري - كان عظيم المنزلة عند
الائمة عليهم السلام شريف القدر ثقة، من أصحاب الرضا والجواد والهادي والعسكري
وصاحب الامر عليهم السلام وله اخبار ومسائل، وله شعر جيد فيهم سكن بغداد وكان مقدما
عند السلطان، وله كتاب روى عنه أحمد بن أبى عبد الله.
[138]
أبي جعفر وجده الرضا عليهم السلام فشكى
إلى أبي الحسن عليه السلام ما يلقى من الشوق إليه إذا انحذر من عنده إلى بغداد ثم
قال: يا سيدي ادع الله لي فربما لم أستطع ركوب الماء فسرت إليك على الظهرو مالي
مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه فادع الله أن يقويني على زيارتك، فقال: قواك الله يا
أبا هاشم وقوى برذونك. قال الراوي: وكان أبو هاشم يصلي الفجر ببغداد ويسير على ذلك
البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك في عسكر سرمن رأى، يعود من يومه إلى بغداد إذا
شاء على ذلك البرذون، فكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت (1). عم: بالاسناد عن
ابن عياش، عن عبد الله بن عبد الرحمان الصالحي، عن أبي هاشم مثله (2). قب: عن عبد
الله الصالحي مثله (3). 22 - يج: روي عن يحيى بن زكريا الخزاعي، عن أبي هاشم
الجعفري قال: خرجت مع أبي الحسن عليه السلام إلى ظاهر سرمن رأى يتلقى بعض القادمين
فأبطأوا فطرح لابي الحسن عليه السلام غاشية السرج فجلس عليها، ونزلت عن دابتي وجلست
بين يديه وهو يحدثني، فشكوت إليه قصر يدي وضيق حالي فأهوى بيده إلى رمل كان عليه
جالسا فناولني منه كفا وقال: اتسع بهذا يا أبا هاشم واكتم ما رأيت فخبأته معي
ورجعنا فأبصرته فإذا هو يتقد كالنيران ذهبا أحمر (4). فدعوت صائغا إلى منزلي وقلت
له: اسبك لي هذه السبيكة فسبكها وقال لي: ما رأيت ذهبا أجود من هذا، وهو كهيئة
الرمل فمن أين لك هذا ؟ فما رأيت أعجب منه ؟ قلت: كان عندي قديما (5).
(1) مختار الخرائج والجرائح ص 237. (2)
اعلام الورى ص 344. (3) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 409. (4) وأخرجه في المناقب ملخصا
إلى هنا في ج 4 ص 409. (5) مختار الخرائج ص 238.
[139]
عم: قال ابن عياش: وحدثني علي بن محمد
المقعد، عن يحيى بن زكريا مثله وزاد في آخره: تدخره لنا عجا ئزنا على طول الايام
(1). 23 - يج: روي عن أبي يعقوب، قال: رأيت أبا الحسن مع أحمد بن الخصيب يتسايران،
وقد قصر عنها أبو الحسن عليه السلام فقال له ابن الخصيب: سر ! فقال أبو الحسن أنت
المقدم، فما لبثنا إلا أربعة أيام حتى وضع الوهق على ساق ابن الخصيب وقتل (2). وقد
ألح قبل هذا ابن الخصيب على أبي الحسن في الدار التي نزلها وطالبه بالا نتقال منها،
وتسليمها إليه. فقال أبو الحسن: لاقعدن لك من الله مقعدا لا تبقى لك معه باقية،
فأخذه الله في تلك الايام وقتل (3). عم (4) شا: أحمد بن محمد بن عيسى، عن أبي يعقوب
مثله (5).
(1) اعلام الورى ص 343. (2) أحمد بن
الخصيب كان من قواد المتوكل، ولما قتل المتوكل وقعد المنتصر مكانه استوزره ونفى عبد
الله بن يحيى بن خاقان، وكانت مدة خلافة المنتصر ستة أشهر ويومين، وقيل ستة أشهر
سواء فلما توفى دبر أحمد بن الخصيب حتى اتفق الاتراك والموالي على أن لا يتولى
الخلافة أحد من ولد المتوكل لئلا يطلب منهم دم أبيه فاجتمعوا على أحمد ابن محمد بن
المعتصم وهو المستعين فبايعوه في أواخر ربيع الاول من سنة ثمان وأربعين ومائتين.
وقال صاحب الكامل: في هذه السنة غضب الموالى على أحمد بن الخصيب في جمادى الاخرة
واستصفى ماله ومال ولده ونفى إلى قريطش. فالظاهر على ما ذكرنا أن هذا كان في زمان
المستعين قاله المؤلف قدس سره في مرآت العقول: ج 1 ص 418 والرواية في الكافي ج 1 ص
501. (3) مختار الخرائج ص 238. (4) اعلام الورى ص 342. (5) الارشاد ص 311.
[140]
بيان: " الوهق " بالتحريك وقد يسكن حبل
(1) وفي بعض النسخ الدهق بالدال وهو خشبتان يغمز بهما الساق فارسيته اشكنجه (2). 24
- قب: أبو يعقوب قال: رأيت محمد بن الفرج ينظر إليه أبو الحسن عليه السلام نظرا
شافيا فاعتل من الغد، فدخلت عليه فقال: أن أبا الحسن عليه السلام قد أنفذ إليه بثوب
فأرانيه مدرجا تحت ثيابه، قال: فكفن فيه والله (3). عم: أحمد بن محمد، عن أبي يعقوب
مثله (4). 25 - يج: روي عن محمد بن الفرج أنه قال: إن قال: إن أبا الحسن كتب إلي:
أجمع أمرك، وخذ حذرك، قال: فأنا في جمع أمري لست ما الذي أراد فيما كتب به إلي حتى
ورد علي رسول حملني من مصر مقيدا مصفدا بالحديد، وضرب على كل ما أملك. فمكثت في
السجن ثماني سنين ثم ورد علي كتاب من أبي الحسن عليه السلام وأنا في الحبس " لا
تنزل في ناحية الجانب الغربي " فقرأت الكتاب فقلت في نفسي: يكتب إلي أبو الحسن عليه
السلام بهذا وأنا في الحبس إن هذا العجيب ! فما مكثت إلا أياما يسيرة حتى افرج عني،
وحلت قيودي، وخلي سبيلي. ولما رجع إلى العراق لم يقف ببغداد لما أمره أبو الحسن
عليه السلام وخرج إلى سر من رأى. قال: فكتبت إليه بعد خروجي أسأله أن يسأل الله
ليرد علي ضياعي فكتب إلي سوف يرد عليك، وما يضرك أن لا ترد عليك. قال علي بن محمد
النوفلي: فلما شخص محمد بن الفرج إلى العسكر كتب له
(1) حبل في طرفيه انشوطة يطرح في عنق
الدابة والانسان حتى تؤخذ قيل هو معرب وهك بالفارسية. (2) هذا نص القاموس ج 3 ص
233. (3) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 414. (4) اعلام الورى ص 342.
[141]
برد ضياعه، فلم يصل الكتاب إليه حتى مات
(1). عم (2) شا: ابن قولويه، عن الكليني (3)، عن الحسين بن محمد، عن المعلى، عن
أحمد بن محمد بن عبد الله، عن علي بن محمد النوفلي، عن محمد بن الفرج مثله (4). ثم
قال: قال علي بن محمد النوفلي: كتب أحمد (5) بن الخصيب إلى محمد بن الفرج (6)
بالخروج إلى العسكر فكتب إلى أبي الحسن عليه السلام يشاوره فكتب إليه أبو الحسن
عليه السلام: اخرج فان فيه فرجك إنشاء الله. فخرج فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات (7).
26 - يج: حدث جماعة من أهل إصفهان منهم أبو العباس أحمد بن النضر وأبو جعفر محمد بن
علوية قالوا: كان باصفهان رجل يقال له: عبد الرحمان وكان شيعيا قيل له: ما السبب
الذي أو جب عليك القول بإمامة علي النقي دون غيره من أهل الزمان ؟ قال: شاهدت ما
أوجب علي وذلك أني كنت رجلا فقيرا وكان لي لسان وجرأة، فأخرجني أهل إصفهان سنة من
السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكل متظلمين.
(1) لم نجده في مختار الخرائج. (2) اعلام
الورى ص 342. (3) الكافي ج 1 ص 500. (4) الارشادص 311 (5) على بن الخصيب خ ل. (6)
الطاهر أنه محمد بن الفرج الرخجى كما وصفه في الارشاد، فهو أخو عمربن الفرج الذى مر
ذكره في ص 100 عن مقاتل الطالبيين، لكنه كان من أعاظم أصحابنا كما مر في ص 120 في
حديث الخيرانى، سكن بغداد الجانب الغربي، ثم خرج إلى سر من رأى وقبض بها. (7) رواه
الكليني في الكافي ج 1 ص 500 وفيه أحمد بن الخضيب، وابن شهر آشوب في المناقب ج 4 ص
409، راجع الارشاد ص 311.
[142]
فكنا بباب المتوكل يوما إذا خرج الامر
باحضار علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام فقلت لبعض من حضر: من هذا الرجل الذي قد
أمر باحضاره ؟ فقيل: هذا رجل علوي تقول الرافضة بامامته، ثم قال: ويقد رأن المتوكل
يحضره للقتل فقلت: لا أبرح من ههنا حتى أنظر إلى هذا الرجل أي رجل هو ؟ قال: فأقبل
راكبا على فرس، وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرتها صفين ينظرون إليه، فلما رأيته
وقع حبه في قلبي فجعلت أدعو في نفسي بأن يدفع الله عنه شر المتوكل، فأقبل يسير بين
الناس وهو ينظر إلى عرف دابته لا ينظر يمنة ولا يسرة، وأنا دائم الدعاء. فلما صار
إلي أقبل بوجهه إلي وقال: استجاب الله دعاءك، وطول عمرك، وكثر مالك وولدك قال: فار
تعدت ووقعت بين أصحابي فسألوني وهم يقولون: ما شأنك ؟ فقلت: خيرولم اخبر بذلك.
فانصرفنا بعد ذلك إلى إصفهان، ففتح الله علي وجوها من المال، حتى أنا اليوم أغلق
بابي على ما قيمته ألف ألف درهم، سوى مالي خارج داري، ورزقت عشرة من الاولاد، وقد
بلغت الآن من عمري نيفا وسبعين سنة وأنا أقول بامامة الرجل على الذي علم ما في
قلبي، واستجاب الله دعاءه في ولي (1). 27 - يج: روي يحيى بن هرثمة، قال: دعاني
المتوكل قال: اختر ثلاث مائة رجل ممن تريد واخرجوا إلى الكوفة، فخلفوا أثقالكم
فيها، واخرجوا إلى طريق البادية إلى المدينة، فأحضروا علي بن محمد بن الرضا إلى
عندي مكرما معظما مبجلا. قال: ففعلت وخرجنا وكان في أصحابي قائد من الشراة (2) وكان
لي تكاتب يتشيع وأنا على مذهب الحشوية وكان ذلك الشاري يناظر ذلك الكاتب وكنت
أستريح إلى مناظر تهما لقطع الطريق.
(1) مختار الخرائج والجرائح ص 209. (2) هم
الخوارج، الواحد شار، سموا بذلك لقولهم شرينا انفسنا في طاعة الله.
[143]
فلما صرنا إلى وسط الطريق قال الشاري
للكاتب: أليس من قول صاحبكم علي بن أبي طالب أنه ليس من الارض بقعة إلا وهي قبر أو
سيكون قبرا ؟ فانظر إلى هذه التربة (1) أين من يموت فيها حتى يملاها الله قبورا كما
يزعمون ؟. قال: فقلت للكاتب: هذا من قولكم ؟ قال: نعم: قلت: صدق أين يموت في هذه
التربة العظيمة حتى يمتلئ قبورا وتضاحكنا ساعة إذ انخذل الكاتب في أيدينا. قال:
وسرنا حتى دخلنا المدينة، فقصدت باب أبي الحسن علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام
فدخلت عليه فقرأ كتاب المتوكل فقال: انزلوا وليس من جهتي خلاف، قال: فلما صرت إليه
من الغد وكنا في تموز أشد ما يكون من الحر فإذا بين يديه، خياط وهو يقطع من ثياب
غلاظ خفاتين له (2) ولغلمانه، ثم قال للخياط: أجمع عليها جماعة من الخياطين، واعمد
على الفراغ منها يومك هذا وبكربها إلي في هذا الوقت ثم نظر إلي وقال: يا يحيى اقضوا
وطركم من المدينة في هذا اليوم واعمد على الرحيل غدا في هذا الوقت. قال: فخرجت من
عنده وأنا أتعجب من الخفاتين وأقول في نفسي: نحن في تموز وحر الحجاز وإنما بيننا
وبين العراق مسيرة عشرة أيام فما يصنع بهذه الثياب ؟ ثم قلت في نفسي: هذا رجل لم
يسافر، وهو يقدر أن كل سفر يحتاج فيه إلى مثل هذه الثياب والعجب من الرافضة حيث
يقولون بامامة هذا مع فهمه هذا. فعدت إليه في الغد في ذلك الوقت، فإذا الثياب قد
احضرت، فقال لغلمانه: ادخلوا وخذوالنا معكم لبابيد وبرانس ثم قال: ارحل يا يحيى
فقلت: في نفسي هذا أعجب من الاول أيخاف أن يلحقنا الشتاء في الطريق حتى أخذ معه
اللبابيد والبرانس ؟.
(1) في المصدر " البرية " بدل التربة، وهو
الظاهر. (2) الخفاتين جمع خفتان وهو الدرع من اللبد. (*)
[144]
فخرجت وأنا أستصغر فهمه، فعبرنا حتى إذا
وصلنا ذلك الموضع الذي وقعت المناظرة في القبور ارتفعت سحابة واسودت وأرعدت وأبرقت
حتى إذا صارت على رؤسنا أرسلت علينا بردا مثل الصخور (1) وقد شد على نفسه وعلى
غلمانه الخفاتين ولبسوا اللبابيد والبرانس، قال لغلمانه ادفعوا إلى يحيى لبادة وإلى
الكاتب برنسا وتجمعنا والبرد يأخذنا حتى قتل من أصحابي ثمانين رجلا وزالت ورجع الحر
كما كان فقال لي: يا يحيى أنزل من بقي من أصحابك ليدفن من قد مات من أصحابك فهكذا
يملا الله البرية قبورا قال: فرميت نفسي عن دابتي وعدوت إليه وقبلت ركابه ورجله
وقلت: أنا أشهد أن لاإله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، وأنكم خلفاء الله في
أرضه، وقد كنت كافرا وإنني الآن قد أسلمت على يديك يا مولاي قال يحيى: وتشيعت ولزمت
خدمته إلى أن مضى (2). 28 - يج: روى هبة الله بن أبي منصور الموصلي أنه كان بديار
ربيعة كاتب نصراني وكان من أهل كفر توثا (3) يسمى يوسف بن يعقوب وكان بينه وبين
والدي صداقة، قال: فوافى فنزل عند والدي فقال له: ما شأنك قدمت في هذا الوقت ؟ قال:
دعيت إلى حضرة المتوكل ولا أدري ما يراد مني إلا أني اشتريت نفسي من الله بمائة
دينار، وقد حملتها لعلي بن محمد بن الرضا عليهم السلام معي فقال له والدي: قد وفقت
في هذا. قال: وخرج إلى حضرة المتوكل وانصرفت إلينا بعد أيام قلائل فرحا مستبشرا
فقال له والدي: حدثني حديثك، قال: صرت إلى سر من رأى وما دخلتها قط فنزلت في دار
وقلت احب أن اوصل المائة إلى ابن الرضا عليه السلام قبل
(1) البرد - بالتحريك - حب الغمام فقد
يكون كبيرا مثل الصخور. (2) مختار الخرائج والجرائح ص 209. (3) كفر توثا - قرية
كبيرة من اعمال الجزيرة، بينها وبين دارا خمسة فراسخ، و كفر توثا ايضا من قرى
فلسطين.
[145]
مصيري إلى باب المتوكل وقبل أن يعرف أحد
قدومي قال: فعرفت أن المتوكل قد منعه من الركوب وأنه ملازم لداره فقلت: كيف أصنع ؟
رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا ؟ لا آمن أن يبدر بي فيكون ذلك زيادة فيما
احاذره. قال: ففكرت ساعة في ذلك فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج في البلد ولا
أمنعه من حيث يذهب لعلي أقف على معرفة داره من غير أن أسأل أحدا قال: فجعلت
الدنانير في كاغذة وجعلتها في كمي وركبت فكان الحمار يتخرق الشوارع والاسواق يمر
حيث يشاء إلى أن صرت إلى باب دار، فوقف الحمار فجهدت أن يزول فلم يزل، فقلت للغلام:
سل لمن هذه الدار، فقيل: هذه دار ابن الرضا ! فقلت: الله أكبر دلالة والله مقنعة.
قال: وإذا خادم أسود قد خرج فقال: أنت يوسف بن يعقوب ؟ قلت: نعم قال: انزل فنزلت
فأقعدني في الدهليز فدخل فقلت في نفسي: هذه دلالة اخرى من أين عرف هذا الغلام اسمي
وليس في هذا البلد من يعرفني ولادخلته قط. قال: فخرج الخادم فقال: مائة دينار التي
في كمك في الكاغذ هاتها ! فناولته إياها قلت: وهذه ثالثة ثم رجع إلي وقال: ادخل
فدخلت إليه وهو في مجلسه وحده فقال: يا يوسف ما آن لك ؟ فقلت: يا مولاي قدبان لي من
البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفى، فقال: هيهات إنك لا تسلم ولكن سيسلم ولدك فلان،
وهو من شيعتنا، يا يوسف إن أقواما يزعمون أن ولايتنا لا تنفع أمثالكم، كذبوا والله
إنها لتنفع أمثالك امض فيما وافيت له فانك سترى ما تحب قال: فمضيت إلى باب المتوكل
فقلت كل ما أردت فانصرفت. قال هبة الله: فلقيت ابنه بعد هذا - يعني بعد موت والده -
والله وهو مسلم حسن التشيع فأخبرني أن أباه مات على النصرانية، وأنه أسلم بعد موت
أبيه، وكان يقول: أنا بشارة مولاي عليه السلام (1). 29 - يج: روى أبو هاشم الجعفري
أنه ظهر برجل من أهل سر من رأى
(1) مختار الخرائج والجرائح ص 210.
[146]
برص فتنغص عليه عيشه، فجلس يوما إلى أبي
علي الفهري فشكا إليه حاله فقال له: لو تعرضت يوما لابي الحسن علي بن محمد بن الرضا
عليهم السلام فسألته أن يدعو لك لرجوت أن يزول عنك. فجلس له يوما في الطريق وقت
منصرفه من دار المتوكل فلما رآه قام ليدنو منه فيسأله ذلك فقال: تنح عافاك الله
وأشار إليه بيده تنح عافاك الله تنح عافاك الله ثلاث مرات فأبعد الرجل ولم يجسر أن
يدنو منه وانصرف، فلقي الفهري فعرفه الحال وما قال، فقال: قد دعا لك قبل أن تسأل
فامض فانك ستعافى فانصرف الرجل إلى بيته فبات تلك الليلة فلما أصبح لم ير على بدنه
شيئا من ذلك. 30 - يج: روى أبو القاسم بن أبي القاسم البغدادي، عن زرارة (1) حاجب
المتوكل أنه قال: وقع رجل مشعبذ من ناحية الهند إلى المتوكل يلعب بلعب الحق (2) لم
ير مثله، وكان المتوكل لعابا فأراد أن يخجل علي بن محمد بن الرضا فقال لذلك الرجل:
إن أنت أخجلته أعطيتك ألف دينار زكية (3). قال: تقدم بأن يخبز رقاق خفاف واجعلها
على المائدة وأقعدني إلى جنبه ففعل وأحضر علي بن محمد عليهما السلام وكانت له مسورة
(4) عن يساره كان عليها صورة أسد وجلس اللاعب إلى جانب المسورة فمد علي بن محمد
عليه السلام يده إلى رقاقة فطيرها ذلك الرجل ومد يده إلى اخرى فطيرها فتضاحك الناس.
(1) في المصدرء " زراقه ". (2) الحق
والحقة - بالضم - الوعاء من خشب، وكأن المشعبذين كانوا يلعبون بالحقة نحوا من
اللعب: يجعلون فيها شيئا بعيان الناس ثم يفتحونها وليس فيها شئ، أو كان آلات لعبهم
في حقة مخصوصة، فسموا بذلك، ولذلك يعرفون عند الاعاجم به " حقه باز " أي اللاعب
بالحقة. هذا ان كان لفظ الحق بالضم. كما في نسخة المصنف قدس سره، وان كان لفظ الحق
بالفتح فهو بمعنى ضد الباطل كانه يريد أنه كان يلعب ويكون لافعاله حقيقة لا تخييلا.
(3) في المصدر: ركنية. (4) المسورة والمسور - كمكنسة ومنبر - متكأ من جلد يتكئون
عليه.
[147]
فضرب علي بن محمد عليهما السلام يده على
تلك الصورة التي في المسورة، وقال: خذه فوثبت تلك الصورة من المسورة فابتلعت الرجل،
وعادت في المسورة كما كانت. فتحير الجميع ونهض علي بن محمد عليهما السلام فقال له
المتوكل: سألتك إلا جلست ورددته فقال: والله لا ترى بعدها أتسلط أعداء الله على
أولياء الله، وخرج من عنده فلم ير الرجل بعد [ذلك] (1). 31 - يج: روي أنه أتاه رجل
من أهل بيته يقال له معروف، وقال: أتيتك فلم تأذن لي، فقال: ما علمت بمكانك واخبرت
بعد انصرافك وذكر تني بما لا ينبغى فحلف ما فعلت، فقال أبو الحسن عليه السلام:
فعلمت أنه حلف كاذبا فدعوت الله عليه: اللهم إنه حلف كاذبا فانتقم منه، فمات الرجل
من الغد. 32 - يج: روى أبو القاسم البغدادي عن زرارة (2) قال: أراد المتوكل: أن
يمشي علي بن محمد بن الرضا عليهم السلام يوم السلام فقال له وزيره: إن في هذا شناعة
عليك وسوء قالة فلا تفعل، قال: لابد من هذا. قال: فان لم يكن بد من هذا فتقدم بأن
يمشي القواد والاشراف كلهم، حتى لا يظن الناس أنك قصدته بهذا دون غيره، ففعل ومشى
عليه السلام وكان الصيف وفوافى الدهليز وقد عرق. قال: فلقيته فأجلسته في الدهليز
ومسحت وجهه بمنديل وقلت: ابن عمك لم يقصدك بهذا دون غيرك، فلا تجد عليه في قلبك
فقال: إيها عنك " تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب " (3). قال زرارة:
وكان عندي معلم بتشيع وكنت كثيرا امازحه بالرافضي فانصرفت إلى منزلي وقت العشاء
وقلت: تعال يا رافضي حتى احدثك بشئ سمعته اليوم
(1) مختار الخرائج ص 210. (2) الظاهر أنه
مصحف زرافة كما مر. وهكذا فيما يأتي. (3) هود: 65.
[148]
من إمامكم، قال لي وما سمعت ؟ فأخبرته بما
قال، فقال: أقول لك فاقبل نصيحتي قلت: هاتها قال: إن كان علي بن محمد قال بما قلت
فاحترز واخزن كل ما تملكه فان المتوكل يموت أو يقتل بعد ثلاثة أيام، فغضبت عليه
وشتمته وطردته من بين يدي فخرج. فلما خلوت بنفسي، تفكرت وقلت: ما يضرني أن آخذ
بالحزم، فان كان من هذا شئ كنت قد أخذت بالحزم، وإن لم يكن لم يضرني ذلك قال: فركبت
إلى دار المتوكل فأخرجت كل ما كان لي فيها وفرفت كل ماكان في داري إلى عند أقوام
أثق بهم، ولم أترك في داري إلا حصيرا أقعد عليه. فلما كانت الليلة الرابعة قتل
المتوكل وسلمت أنا ومالي وتشيعت عند ذلك، فصرت إليه، ولزمت خدمته، وسألته أن يدعو
لي وتواليته حق الولاية. بيان: " إيها عنك " بكسر الهمزة أي اسكت وكف وإذا أردت
التبعيد قلت: " أيها " بفتح الهمزة بمعنى هيهات. 33 - يج: روي عن أبي القاسم بن
القاسم عن خادم علي بن محمد عليهما السلام قال: كان المتوكل يمنع الناس من الدخول
إلى علي بن محمد فخرجت يوما وهو في دار المتوكل فإذا جماعة من الشيعة جلوس خلف
الدار فقلت: ما شأنكم جلستم ههنا قالوا: ننتظر انصراف مولانا لننظر إليه ونسلم عليه
وننصرف قلت لهم: إذا رأيتموه تعرفونه ؟ قالوا: كلنا نعرفه. فلما وافى أقاموا إليه
فسلموا عليه، ونزل فدخل داره، وأراد اولئك الانصراف فقلت: يا فتيان اصبروا حتى
أسألكم أليس قد رأيتم مولاكم ؟ قالوا: نعم، قلت: فصفوه، فقال واحد: هو شيخ أبيض
الرأس أبيض مشرب بحمرة، وقال آخر: لا تكذب ما هو إلا أسمر أسود اللحية، وقال الآخر:
لا لعمري ما هو كذلك هو كهل مابين البياض والسمرة، فقلت: أليس زعمتم أنكم تعرفونه
انصرفوا في حفظ الله. 34 - يج: روى أبو هاشم الجعفري: أنه كان للمتوكل مجلس بشبابيك
كيما تدور الشمس في حيطانه، قد جعل فيها الطيور التي تصوت، فإذا كان يوم السلام
[149]
جلس في ذلك المجلس فلا يسمع ما يقال له
ولا يسمع ما يقول لاختلاف أصوات تلك الطيور، فإذا وافاه علي بن محمد بن الرضا عليهم
السلام سكتت الطيور فلا يسمع منها صوت واحد إلى أن يخرج، فإذا خرج من باب المجلس
عادت الطيور في أصواتها. قال: وكان عنده عدة من القوابج (1) في الحيطان [فكان يجلس
في مجلس له عال، ويرسل تلك القوابج تقتتل، وهو ينظر إليها ويضحك منها، فإذا وافى
علي بن محمد عليه السلام ذلك المجلس لصقت القوابج بالحيطان] (2) فلا تتحرك من
مواضعها حتى ينصرف فإذا انصرف عادت في القتال (3). 35 - يج: روي أن أبا هاشم
الجعفري قال: ظهرت في أيام المتوكل امرأة تدعي أنها زينب بنت فاطمة بنت رسول الله
صلى الله عليه وآله فقال المتوكل: أنت امرأة شابة وقد مضى من وقت رسول الله صلى
الله عليه وآله ما مضى من السنين، فقالت: إن رسول - الله صلى الله عليه وآله مسح
علي وسأل الله أن يرد علي شبابي في كل أربعين سنة، ولم أظهر للناس إلى هذه الغاية
فلحقتني الحاجة فصرت إليهم. فدعا المتوكل مشايخ آل أبي طالب وولد العباس وقريش
وعرفهم حالها فروى جماعة وفاة زينب في سنة كذا، فقال لها: ما تقولين في هذه الرواية
؟ فقالت: كذب وزور، فان أمري كان مستورا عن الناس فلم يعرف لي حياة ولاموت، فقال
لهم المتوكل: هل عندكم حجة على هذه المرأة غير هذه الرواية ؟ فقالوا: لا، فقال: هو
برئ من العباس إن لاأنزلها عما ادعت إلا بحجة. قالوا: فأحضر ابن الرضا عليه السلام
فلعل عنده شيئا من الحجة غير ما عندنا فبعث إليه فحضر فأخبره بخبر المرأة فقال:
كذبت فان زينب توفيت في سنة كذا في شهر كذا في يوم كذا قال: فان هؤلاء قدرووا مثل
هذه وقد حلفت أن لا أنزلها إلا
(1) القوابج جمع القبج معرب كبك، وهو
الحجل أو الكروان. (2) ما بين العلامتين ساقط من النسخ، أضفناه من المصدر. (3)
مختار الخرائج ص 210.
[150]
بحجة تلزمها. قال: ولا عليك فههنا حجة
تلزمها وتلزم غيرها، قال: وما هي ؟ قال: لحوم بني فاطمة محرمة على السباع فأنزلها
إلى السباع فان كانت من ولد فاطمة فلا تضرها فقال لها: ما تقولين ؟ قالت: إنه يريد
قتلي قال: فههنا جماعة من ولد الحسن والحسين عليهما السلام فأنزل من شئت منهم، قال:
فوالله لقد تغيرت وجوه الجميع فقال بعض المبغضين: هو يحيل على غيره لم لا يكون هو
؟. فمال المتوكل إلى ذلك رجاء أن يذهب من غير أن يكون له في أمره صنع فقال: يا أبا
الحسن لم لا تكون أنت ذلك ؟ قال: ذاك إليك قال: فافعل ! قال: أفعل فاتي بسلم وفتح
عن السباع وكانت ستة من الاسد فنزل أبو الحسن إليها فلما دخل وجلس صارت الاسود إليه
فرمت بأنفسها بين يديه، ومدت بأيديها، ووضعت رؤوسها بين يديه فجعل يمسح على رأس كل
واحد منها، ثم يشير إليه بيده إلى الاعتزال فتعتزل ناحية حتى اعتزلت كلها وأقامت
بازائه. فقال له الوزير: ما هذا صوابا فبادر باخراجه من هناك، قبل أن ينتشر خبره
فقال له: يا أبا الحسن ما أردنا بك سوءا وإنما أردنا أن نكون على يقين مما قلت فاحب
أن تصعد، فقام وصار إلى السلم وهي حوله تتمسح بثيابه. فلما وضع رجله على أول درجة
التفت إليها وأشار بيده أن ترجع، فرجعت وصعد فقال: كل من زعم أنه من ولد فاطمة
فليجلس في ذلك المجلس، فقال لها المتوكل: انزلي، قالت: الله الله ادعيت الباطل،
وأنا بنت فلان حملني الضر على ما قلت، قال المتوكل: القوها إلى السباع فاستوهبتها
والدته (1). 36 - شا، يج: روي عن محمد بن علي قال: أخبرني زيد بن علي بن الحسين بن
زيد قال: مرضت فدخل علي الطبيب ليلا ووصف لي دواء آخذه في السحر كذا وكذا يوما، فلم
يمكني تحصيله من الليل، وخرج الطبيب من الباب، فورد صاحب
(1) مختار الخرائج ص 210 و 211.
[151]
أبي الحسن عليه السلام في الحال ومعه صرة
فيها ذلك الدواء بعينه فقال لي: أبو الحسن يقرئك السلام ويقول خذ هذا الدواء كذا
يوما، فشربت فبرأت. قال محمد: قال زيد: أين الغلاة عن هذا الحديث. (1) ؟ قب: زيد
مثله (2). 37 - يج: (3) روي عن خيران الاسباطي قال: قدمت المدينة على أبي الحسن
عليه السلام فقال لي: ما فعل الواثق ؟ قلت: هو في عافية، قال: وما يفعل جعفر ؟ قلت
تركته أسوء الناس حالا في السجن قال: وما يفعل ابن الزيات ؟ قلت: الامر أمره وأنا
منذ عشرة أيام خرجت من هناك قال: مات الواثق، وقد قعد المتوكل جعفر، وقتل ابن
الزيات (4) قلت: متى ؟ قال: بعد خروجك بستة
(1) الارشاد ص 312. ورواه الكليني في
الكافي ج 1 ص 502. (2) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 408. (3) مختار الخرائج ص 211. (4)
الواثق هو هارون بن المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدى بن المنصور بن محمد بن على
بن عبد الله بن العباس: التاسع من الخلفاء العباسية. قال في الكامل: بويع في اليوم
الذى توفى فيه أبوه، وذلك يوم الخميس لثمان عشرة مضت من ربيع الاول سنة سبع وعشرين
ومائتين كان يكنى أبا جعفر، وامه أم ولد رومية تسمى قراطيس، وتوفى لست بقين من ذى
الحجة سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، فكانت خلافته خمس سنين وتسعة أشهر وخمسة ايام،
وكان عمره اثنتين وثلاثين سنة، وقيل كان ستا وثلاثين. وقال: قبض المتوكل على محمد
بن عبد الملك الزيات وحبسه لتسع خلون من صفر وكان سببه أن الواثق استوزر محمد بن
عبد الملك وفوض الامور كلها إليه، وكان الواثق قد غضب على أخيه جعفر المتوكل ووكل
عليه من يحفظه ويأتيه بالاخبار، فأتى المتوكل إلى محمد بن عبد الملك يسأله أن يكلم
الواثق ليرضى عنه فوقف بين يديه لا يكلمه ثم أشار عليه بالقعود فقعد. - >
[152]
أيا أو كان كذلك (1). 38 - يج: روي عن علي
بن جعفر قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: أينا أشد حبا لدينه ؟ قال: أشدكم حبا
لصاحبه في حديث طويل ثم قال: يا علي إن هذا
- > فلما فرغ من الكتب الذى بين يديه،
التفت إليه كالمتهدد، وقال: ما جاء بك ؟ قال: جئت تسأل أمير المؤمنين في الرضا عنى،
قال لمن حوله: انظروا يغضب أخاه ثم يسألنى أن استرضيه، اذهب فانك إذا صلحت رضى عنك.
فقام عنه حزينا فأتى احمد بن أبى دواد، فقام إليه أحمد واستقبله إلى باب البيت
وقبله، وقال: ما حاجتك جعلت فداك ؟ قال: جئت لتسترضى بأمير المؤمنين، قال. أفعل
ونعمة عين وكرامة فكلم أحمد الواثق فيه فوجده لم يرض عنه، ثم كلمه فيه ثانية فرضى
عنه، وكساه. ولما خرج المتوكل من عند ابن الزيات كتب إلى الواثق ان جعفرا اتانى في
زى المخنثين، له شعر فقام يسألنى أن أسأل أمير المؤمنين الرضا عنه، فكتب إليه
الواثق: ابعث إليه فأحضره ومرمن يجز شعره فيضرب به وجهه، وقال المتوكل: لما أتانى
رسوله لبست سوادا جديدا وأتيته رجاء أن يكون قد أتاه الرضا عنى، فاستدعا حجاما فأخذ
شعرى على السواد الجديد، ثم ضرب به وجهى. فلما ولى المتوكل الخلافة أجهل ذلك حتى
كان صفر، فأمر أيتاخ بأخذ ابن الزيات وتعذيبه، فاستحضره فركب يظن أن الخليفة يطلبه،
فلما حاذى دار أيتاخ عدل به إليه فخاف فأدخله حجرة ووكل عليه، وأرسل إلى منازله من
أصحابه من هجم عليهم وأخذ كل ما فيها، واستصفى أمواله وأملاكه في جميع البلاد، وكان
شديد الجزع كثير البكاء. ثم سوهر ينخس بمسلة لئلا ينام، ثم ترك فنام يوما وليلة. ثم
سوهر ثم جعل في تنور كان عمله هو، عذب به ابن أسباط المصرى، وأخذ ماله، وكان من خشب
فيه مسامير. من حديد أطرافها إلى داخل التنور، تمنع من يكون فيه من الحركة وكان
ضيقا بحيث ان الانسان كان يمد يديه إلى فوق رأسه، ليقدر على دخوله لضيقه، ولا يقدر
أن يجلس فيه، فبقى أياما ومات، وكان حبسه لتسع خلون من صفر وموته لاحدى عشرة ليلة
بقيت من ربيع الاول، وقيل أنه لما دفن نبشته الكلاب وأخذت لحمه. (1) رواه ابن شهر
آشوب في المناقب ج 4 ص 410، والكليني في الكافي ج 1 ص 498.
[153]
المتوكل يبنى بين المدينة بناء لايتم،
ويكون هلاكه قبل تمامه على يد فرعون من فراعنة الترك. 39 - يج: روي عن أحمد بن عيسى
الكاتب قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله فيما يرى النائم كأنه نائم في حجري،
وكأنه دفع إلي كفا من تمر عدده خمس و عشرون تمرة، قال: فما لبثت إلا وأنا بأبي
الحسن علي بن محمد عليه السلام ومعه قائد فأنزله في حجرتي وكان القائد يبعث ويأخذ
من العلف من عندي فسألني يوما: كم لك علينا ؟ قلت: لست آخذ منك شيئا فقال لي: أتحب
أن تدخل إلى هذا العلوي فتسلم عليه ؟ قلت: لست أكره ذلك. فدخلت فسلمت عليه، وقلت
له: إن في هذه القرية كذاوكذا من مواليك فان أمرتنا بحضور هم فعلنا، قال: لا تفعلوا
قلت: فان عندنا تمورا جيادا فتأذن لي أن أحمل لك بعضها فقال: إن حملت شيئا يصل إلي
ولكن احمله إلى القائد فانه سيبعث إلي منه فحملت إلى القائد أنواعا من التمر وأخذت
نوعا جيدا في كمي وسكرجة من زبد فحملته إليه، ثم جئت فقال القائد: أتحب أن تدخل على
صاحبك ؟ قلت: نعم فدخلت فإذا قدامه من ذلك التمر الذي بعثت به إلى القائد فأخرجت
التمر الذي كان معي والزبد فوضعته بين يديه، فأخذ كفا من تمر فدفعه إلي وقال: لو
زادك رسول الله صلى الله عليه وآله لزدناك، فعددته فإذا هي كما رأيت في النوم لم
يزد ولم ينقص. 40 - يج: روي عن أحمد بن هارون قال: كنت جالسا اعلم غلاما من غلمانه
في فازة داره، إذ دخل علينا أبو الحسن عليه السلام راكبا على فرس له، فقمنا إليه
فسبقنا فنزل قبل أن ندنو منه فأخذ عنان فرسه بيده فعلقه في طنب من أطناب الفازة ثم
دخل فجلس معنا فأقبل علي وقال: متى رأيك أن تنصرف إلى المدينة ؟ فقلت: الليلة قال:
فأكتب إذا كتابا معك توصله إلى فلان التاجر، قلت: نعم قال: يا غلام هات الدوات
والقر طاس، فخرج الغلام ليأتي بهما من دار اخرى. فلما غاب الغلام صهل الفرس وضرب
بذنبه فقال له بالفارسية ما هذا الغلق ؟
[154]
فصهل الثانية فضرب بيده، فقال له
بالفارسية: اقلع فامض إلى ناحية البستان وبل هناك ورث وارجع فقف هناك مكانك، فرفع
الفرس رأسه وأخرج العنان من موضعه ثم مضى إلى ناحية البستان حتى لا نراه في ظهر
الفازة فبال وراث وعاد إلى مكانه. فدخلني من ذلك ما الله به عليم، فوسوس الشيطان في
قلبي فقال: يا أحمد لا يعظم عليك ما رأيت إن ما أعطى الله محمدا وآل محمد أكثر مما
أعطى داود، و آل داود، قلت: صدق ابن رسول الله صلى الله عليه وآله فما قال لك ؟ وما
قلت له فقد فهمته فقال قال لي الفرس: قم فاركب إلى البيت حتى تفرغ عني قلت: ما هذا
الغلق ؟ قال: قد تعبت قلت: لي حاجة اريد أن أكتب كتابا إلى المدينة فإذا فرغت ركبتك
قال: إني اريد أن أروث وأبول وأكره أن أفعل ذلك بين يديك، فقلت: اذهب إلى ناحية
البستان فافعل ما أردت ثم عد إلى مكانك ففعل الذي رأيت. ثم أقبل الغلام بالدوات
والقرطاس، وقد غابت الشمس، فوضعها بين يديه فأخذ في الكتابة حتى أظلم الليل فيما
بيني وبينه، فلم أر الكتاب، وظننت أنه أصابه الذي أصابني فقلت للغلام: قم فهات شمعة
من الدار حتى يبصر مولاك كيف يكتب، فمضى، فقال للغلام: ليس إلى ذلك حاجة. ثم كتب
كتابا طويلا إلى أن غاب الشفق، ثم قطعه فقال للغلام: أصلح و أخذ الغلام الكتاب،
وخرج إلى الفازة ليصلحه ثم عاد إليه وناوله ليختمه فختمه من غير أن ينظر الخاتم
مقلوبا أو غير مقلوب، فناولني، فقمت لاذهب فعرض في قلبي قبل أن أخرج من الفازة اصلي
قبل أن آتي المدينة قال: يا أحمد صل المغرب و العشاء الآخرة في مسجد الرسول صلى
الله عليه وآله واطلب الرجل في الروضة فانك توافقه إنشاء الله. قال: فخرجت مبادرا
فأتيت المسجد وقد نودي العشاء الآخرة، فصليت المغرب، ثم صليت معهم العتمة وطلبت
الرجل حيث أمرني فوجدته فأعطيته الكتاب وأخذه وفضه ليقرأه، فلم يستبن قراءته في ذلك
الوقت، فدعا بسراج
[155]
فأخذته وقرأته عليه في السراج في المسجد،
فإذا خط مستو ليس حرف ملتصقا بحرف وإذا الخاتم مستوليس بمقلوب فقال لي الرجل: عد
إلي غدا حتى أكتب جواب الكتاب، فغدوت فكتب الجواب فجئت به إليه، فقال: أليس قد وجدت
الرجل حيث قلت لك ؟ فقلت: نعم، قال: أحسنت (1). 41 - يج: روي عن محمد بن الفرج قال:
قال لي علي بن محمد عليهما السلام إذا أردت أن تسأل مسالة فاكتبها، وضع الكتاب تحت
مصلاك، ودعه ساعة، ثم أخرجه وانظر قال: ففعلت فوجدت جواب ما سألت عنه موقعا فيه. 42
- اقول: روى السيد بن طاووس في كشف المحجة باسناده من كتاب الرسائل للكليني عمن
سماه قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أن الرجل يحب أن يفضي إلى إمامه ما يحب
أن يفضي إلى ربه، قال: فكتب: إن كان لك حاجة فحرك شفتيك فان الجواب يأتيك. 43 - يج:
روي عن أبي محمد الطبري قال: تمنيت أن يكون لي خاتم من عنده عليه السلام فجاءني نصر
الخادم بدر همين، فصغت خاتما فدخلت على قوم يشربون الخمر فتعلقوا بي حتى شربت قدحا
أو قدحين، فكان الخاتم ضيقا في أصبعي لا يمكنني إدارته للوضوء، فأصبحت وقد افتقدته،
فتبت إلى الله. 44 - يج: روي أن المتوكل أو الواثق أو غيرهما أمر العسكر (2) وهم
تسعون ألف فارس من الاتراك الساكنين بسر من رأى أن يملا كل واحد مخلاة فرسه من
الطين الاحمر، ويجعلوا بعضه على بعض في وسط تربة واسعة هناك، ففعلوا. فلما صار مثل
جبل عظيم واسمه تل المخالي (3) صعد فوقه، واستدعى أبا الحسن واستصعده، وقال:
استحضرتك لنظارة خيولي وقد كان أمرهم أن يلبسوا التجافيف ويحملوا الاسلحة وقد عرضوا
بأحسن زينة، وأتم عدة، وأعظم هيبة
(1) مختار الخرائج ص 211. (2) في المصدر
المطبوع: أن المتوكل قتل الوارثق وأمر العسكر الخ. (3) المخالى جمع المخلاة وهى ما
يجعل فيه العلف ويعلق في عنق الدابة لتعتلفه.
[156]
وكان غرضه أن يكسر قلب كل من يخرج عليه
وكان خوفه من أبي الحسن عليه السلام أن يأمر أحدا من أهل بيته أن يخرج على الخليفة.
فقال له أبو الحسن عليه السلام: وهل أعرض عليك عسكري ؟ قال: نعم، فدعا الله سبحانه
فإذا بين السماء والارض من المشرق والمغرب ملائكة مدججون فغشي على الخليفة، فلما
أفاق قال أبو الحسن عليه السلام: نحن لا نناقشكم في الدنيا نحن مشتغلون بأمر الآخرة
فلا عليك شئ مما تظن بيان: " التجافيف " جمع التجفاف بالكسر وهو آلة للحرب يلبسه
الفرس والانسان ليقيه في الحرب ومدججون بتشديد الجيم المفتوحة يقال فلان مدجج أي
شاك في السلاح. 45 - يج: روى أبو محمد البصري عن أبي العباس خال شبل كاتب إبراهيم
ابن محمد قال: كنا أجرينا ذكر أبي الحسن عليه السلام فقال لي: يا أبا محمد لم أكن
في شئ من هذا الامر وكنت أعيب على أخي، وعلى أهل هذا القول عيبا شديدا بالذم والشتم
إلى أن كنت في الوفد الذين أوفد المتوكل إلى المدينة في إحضار أبي الحسن عليه
السلام فخرجنا إلى المدينة. فلما خرج وصرنا في بعض الطريق وطوينا المنزل وكان منزلا
صائفا شديد الحر فسألناه أن ينزل فقال: لا، فخرجنا ولم نطعم ولم نشرب فلما اشتد
الحر و الجوع والعطش فبينما ونحن إذ ذلك في أرض ملساء لا نرى شيئا ولا ظل ولاماء
نستريح فجعلنا نشخص بأبصارنا نحوه قال: وما لكم أحسبكم جياعا وقد عطشتم فقلنا: إي
والله يا سيدنا قد عيينا قال: عرسوا ! وكلوا واشربوا. فتعجب من قوله ونحن في صحراء
ملساء لا نرى فيها شيئا نستريح إليه، ولا نرى ماءا ولا ظلا، فقال: مالكم عرسوا
فابتدرت إلى القطار لانيخ ثم التفت وإذا أنا بشجرتين عظيمتين تستظل تحتهما عالم من
الناس وإني لاعرف موضعهما أنه أرض براح قفراء، وإذا بعين تسيح على وجه الارض أعذب
ماء وأبرده. فنزلنا وأكلنا وشربنا واسترحنا، وإن فينا من سلك ذلك الطريق مرارا
[157]
فوقع في قلبي ذلك الوقت أعاجيب، وجعلت أحد
النظر إليه وأتأمله طويلا وإذا نظرت إليه تبسم وزوى وجهه عني. فقلت في نفسي: والله
لاعرفن هذا كيف هو ؟ فأتيت من وراء الشجرة فدفنت سيفي ووضعت عليه حجرين وتغوطت في
ذلك الموضع وتهيأت للصلاة، فقال أبو الحسن عليه السلام: استرحتم ؟ قلنا: نعم، قال:
فارتحلوا على اسم الله، فارتحلنا. فلما أن سرنا ساعة رجعت على الاثر فأتيت الموضع
فوجدت الاثر والسيف كما وضعت والعلامة وكأن الله لم يخلق ثم شجرة ولاماءا ولا ظلالا
ولا بللا فتعجبت من ذلك، ورفعت يدي إلى السماء فسألت الله الثبات على المحبة
والايمان به، والمعرفة منه، وأخذت الاثر فلحقت القوم فالتفت إلي أبو الحسن عليه
السلام وقال: يا أبا العباس فعلتها ؟ قلت: نعم يا سيدي، لقد كنت شاكا وأصبحت أنا
عند نفسي من أغني الناس في الدنيا والآخرة فقال: هو كذلك هم معدودون معلومون لا
يزيد رجل ولا ينقص (1). بيان: " هم معدودون " أي الشيعة وأنت كنت منهم. 46 - يج:
روي عن داود بن أبي القاسم قال: دخلت على أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام فقال
لي: كلم هذا الغلام بالفارسية فانه زعم أنه يحسنها فقلت للخادم " زانوي تو چيست "
فلم يجب، فقال له: يسألك ويقول: ركبتك ما هي ؟ (2). 47 - مصبا، قب، يج: روى إسحاق
بن عبد الله العلوي العريضي (3) قال: ركب أبي وعمومتي إلى أبي الحسن علي بن محمد
وقد اختلفوا في الاربعة أيام التي تصام في السنة، وهو مقيم بصريا قبل مصيره إلى سر
من رأى، فقال: جئتم تسألوني عن الايام التي تصام في السنة ؟ فقالوا: ما جئنا إلا
لهذا، فقال: اليوم
(1) مختار الخرائج ص 212. (2) لم نجده في
مختار الخرائج ورواه الصغار في البصائر ص 338. (3) العريضى - نسبة إلى عريض وهو
قرية على أربعة أميال من المدينة. (*)
[158]
السابع عشر من ربيع الاول، وهو اليوم الذي
ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، واليوم السابع والعشرون من رجب، وهو اليوم
الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، واليوم الخامس والعشرون من ذي القعدة،
وهو اليوم الذي دحيت فيه الارض، واليوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو [يوم] الغدير
(1). 48 - عم (2) شا: ابن قولويه عن الكليني (3)، عن الحسين بن محمد، عن المعلى، عن
الوشاء، عن خيران الاسباطي قال: قدمت على أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام
المدينة، فقال لي: ما خبر الواثق عندك ؟ قلت: جعلت فداك خلفته في عافية أنا من أقرب
الناس عهدا به عهدي به منذ عشرة أيام، فقال لي: إن أهل المدينة يقولون إنه مات فلما
قال إن الناس يقولون إنه مات علمت أنه يعني نفسه، ثم قال لي: ما فعل جعفر ؟ قلت:
تركته أسوء الناس حالا في السجن، قال: فقال لي: إنه صاحب الامر ثم قال: ما فعل ابن
الزيات ؟ قلت: الناس معه والامر أمره فقال: أما إنه شؤم عليه. قال: ثم إنه سكت
وقال: لا بد أن يجري مقادير الله وأحكامه، ياخيران مات الواثق وقد قعد المتوكل
جعفر، وقد قتل ابن الزيات، قلت: متى جعلت فداك ؟ قال: بعد خروجك بستة أيام (4). 49
- كا: الحسين بن الحسن الحسيني عن يعقوب بن ياسر قال: كان المتوكل يقول: ويحكم قد
أعياني أمر ابن الرضا وجهدت أن يشرب معي وينادمني فامتنع فامتنع، وجهدت أن آخذ فرصة
في هذا المعنى، فلم أجدها، فقالوا له: فان لم تجد من ابن الرضا ما تريده في هذه
الحالة فهذا أخوه موسى قصاف عزاف (5) يأكل
(1) راجع مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 417.
(2) اعلام الورى ص 341. (3) الكافي ج 1 ص 498. (4) الارشادص 309. (5) أي مقيم في
الاكل والشرب لعاب بالملاهى كالعود والطنبور، وقد كان رحمه الله كذلك كان يكنى بأبى
جعفر ويلقب بالمبرقع لانه كان أرخى على وجهه برقعا وهو أول من - >
[159]
ويشرب ويتعشق قال: ابعثوا إليه وجيئوا به
حتى نموه به على الناس، ونقول: ابن الرضا. فكتب إليه واشخص مكرما وتلقاه جميع بني
هاشم والقواد والناس على أنه إذا وافى أقطعه قطيعة، وبنى له فيها وحول الخمارين
والقيان إليه، ووصله وبره وجعل له منزلا سريا حتى يزوره هو فيه. فلما وافى موسى
تلقاه أبو الحسن في قنطرة وصيف، وهو موضع يتلقى فيه القادمون فسلم عليه ووفاه حقه
ثم قال له: إن هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك، فلا تقر له أنك شربت نبيذا قط
فقال له موسى: فإذا كان دعاني لهذا فما حيلتي ؟ قال: فلا تضع من قدرك ولا تفعل،
فانما أراد هتكك فأبى عليه فكرر عليه القول والوعظ وهو مقيم على خلافه، فلما رأى
أنه لا يجيب قال: أما إن هذا مجلس لا تجتمع أنت وهو عليه أبدا. فأقام موسى ثلاث
سنين يبكر كل يوم فيقال: قد تشاغل اليوم فرح (1) فيروح فيقال: قد سكر فبكر ! فيبكر
فيقال: قد شرب دواء (2) فمازال على هذا
- > جاء إلى قم من السادات الرضوية، خرج
من الكوفة في سنة 256 وجاء إلى قم واستقربها ولم ينتقل منها حتى مات بها ليلة
الاربعاء آخر ربيع الاخر في اليوم الثاني والعشرين سنة 296 ودفن بالدار المعروفة
بدار محمد بن الحسن بن أبى خالد الاشعري الملقب بشنبولة بعد أن صلى عليه أمير قم
العباس بن عمرو الغنوى، ومن بعده ماتت بريهة زوجته فدفنت بجنب قبر زوجها. وقد مر في
ص 3 و 4 من هذا المجلد ما ينفع في هذا المقام. (1) أمر من راح يروح: أي جاء بالعشى،
والمعنى أنه كان يجئ الصبح فيقال له انه مشغول فيجئ بالعصر مرة اخرى، وهكذا في كل
يوم مرتين. (2) قال الشيخ أبو نصر البخاري في سر السلسلة: (المطبوع بالنجف الاشرف ص
41) وكان موسى المبرقع يلبس السواد، واختص بخدمة المتوكل ومنادمته، مع تحامل
المتوكل على أمير المؤمنين على بن أبى طالب وأولاده عليهم السلام. - >
[160]
ثلاث سنين حتى قتل المتوكل ولم يجتمع معه
عليه (1). بيان: قوله " أعيانى " أي أعجزني وحيرني، والمراد بالشرب شرب الخمر
والنبيذ و " المنادمة " المجالسة على الشراب، وكأن المراد هنا الحضور في مجلس الشرب
وإن لم يشرب، وموسى هو المشهور بالمبرقع وقبره بقم معروف. قال في عمدة الطالب: وأما
موسى المبرقع ابن محمد الجواد وهو لام ولد مات بقم، وقبره بها ويقال لولده
الرضويون، وهم بقم إلا من شذ منهم إلى غيرها. قال الحسن بن علي القمي في ترجمة
تاريخ قم نقلا عن الرضائية للحسين ابن محمد بن نصر: أول من انتقل من الكوفة إلى قم
من السادات الرضوية كان أبا جعفر موسى بن محمد بن علي الرضا عليهم السلام في سنة ست
وخمسين ومائتين وكان يسدل على وجهه برقعا دائما فأرسلت إليه العرب أن اخرج من
مدينتنا وجوارنا، فرفع البرقع عن وجهه فلم يعرفوه فانتقل عنهم إلى كاشان فأكرمه
أحمد ابن عبد العزيز بن دلف العجلى فرحب به، وألبسه خلاعا فاخرة، وأفراسا جيادا
ووظفه في كل سنة ألف مثقال من الذهب وفرسا مسرجا. فدخل قم بعد خروج موسى منه أبو
الصديم الحسين بن علي بن آدم ورجل آخر من رؤساء العرب وأنباهم على إخراجه فأرسلوا
رؤساء العرب لطلب موسى وردوه إلى قم واعتذروا منه وأكرموه واشتروا من مالهم له دارا
ووهبوا له
- > وقال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين:
كان المتوكل شديد الوطأة على آل أبى طالب غليظا على جماعتهم، مهتما بامورهم، شديد
الغيظة والحقد عليهم، وسوء الظن والتهمة لهم واتفق له أن عبيدالله بن يحيى بن خاقان
وزيره يسيئ الرأى فيهم، فحسن له القبيح في معاملتهم، فبلغ فيهم ما لم يبلغه أحد من
خلفاء بنى العباس قبله، وكان من ذلك ان كرب قبر الحسين - عليه السلام - وعفى آثاره،
ووضع على سائر الطرق مسالح له لا يجدون احدا زاره الا اتوه به، فقتله أو انهكه
عقوبة. (1) الكافي ج 1 ص 502، وتراه في المناقب ج 4 ص 409 الارشاد ص 312 اعلام
الورى ص 345.
[161]
سهاما من قرى هنبرد واندريقان وكارچة
وأعطوه عشرين ألف درهم واشترى ضياعا كثيرة فأتته أخواته زينب، وام محمد، وميمونة
بنات الجواد عليه السلام ونزلن عنده فلما متن دفن عند فاطمة بنت موسى عليهما السلام
وأقام موسى بقم حتى مات ليلة الاربعاء لثمان ليال بقين من ربيع الآخر سنة ست وتسعين
ومائتين، ودفن في داره وهو المشهد المعروف اليوم. 50 - نجم: روينا باسنادنا إلى
محمد بن جرير الطبري باسناده قال: حدثني أبو الحسن محمد بن إسماعيل بن أحمد القهقلي
الكاتب بسر من رأى سنة ثمان و ثلاثين وثلاثمائة قال: حدثني أبي قال: كنت بسرمن رأى
أسير في درب الحصا فرأيت يزداد الطبيب النصراني تلميذ بختيشوع وهو منصرف من دار
موسى بن بغا فسايرني وأفضى الحديث إلى أن قال لي: أترى هذا الجدار ؟ تدري من صاحبه
؟ قلت: ومن صاحبه ؟ قال: هذا الفتى العلوي الحجازي - يعني علي بن محمد بن الرضا
عليهم السلام - وكنا نسير في فناء داره. قلت ليزداد: نعم فما شأنه ؟ قال: إن كان
مخلوق يعلم الغيب فهو، قلت: فكيف ذلك ؟ قال اخبرك عنه باعجوبة لن تسمع (1) بمثلها
أبدا ولاغيرك من الناس ولكن لي الله عليك كفيل وراع أن لا تحدث به أحدا فاني رجل
طبيب، ولي معيشة أرعاها عند السلطان، وبلغني أن الخليفة استقدمه من الحجاز فرقا منه
لئلا ينصرف إليه وجوه الناس فيخرج هذا الامر عنهم، يعني بني العباس، قلت: لك علي
ذلك فحدثني به، وليس عليك بأس إنما أنت رجل نصراني لا يتهمك أحد فيما تحدث به عن
هؤلاء القوم قال: نعم اعلمك. إني لقيته منذ أيام وهو على فرس أدم، وعليه ثياب سود،
وعمامة سوداء وهو أسود اللون، فلما بصرت به وقفت إعظاما له وقلت في نفسي - لا وحق
المسيح ما خرجت من فمي إلى أحد من الناس - قلت في نفسي ثياب سوداء ودابة سوداء
(1) في نسخة الكمبانى: لم أستمع، وهو
تصحيف.
[162]
ورجل أسود، [سواد في] سواد في سواد، فلما
بلغ إلي نظر إلي وأحد النظر وقال: قلبك أسود مما ترى عيناك من سواد في سواد في
سواد. قال أبي رحمه الله: فقلت له: أجل فلا تحدث به أحدا، فما صنعت وما قلت له ؟
قال أسقطت في يدي فلم احر جوابا، قلت له: فما ابيض قلبك لما شاهدت ؟ قال: الله
أعلم. قال أبي: فلما اعتل يزداد بعث إلي فحضرت عنده فقال: إن قلبي قد ابيض بعد سواد
فأنا أشهد أن لاإله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه
وآله وأن علي بن محمد حجة الله على خلقه، وناموسه الاعظم، ثم مات في مرضه ذلك،
وحضرت الصلاة عليه رحمه الله. 41 - قب: قال أبو عبد الله الزيادي: لما سم المتوكل،
نذر الله إن رزقه الله العافية أن يتصدق بمال كثير، فلما عوفي اختلف الفقهاء في
المال الكثير فقال له الحسن حاجبه: إن أتيتك يا أمير المؤمنين بالصواب فما لي عندك
؟ قال: عشرة آلاف درهم وإلا ضربتك مائة مقرعة قال: قد رضيت فأتى أبا الحسن عليه
السلام فسأله عن ذلك فقال: قال له: يتصدق بثمانين درهما (1) فأخبر المتوكل فسأله ما
العلة ؟ فأتاه
(1) قال سبط ابن الجوزى في تذكرة خواص
الامة ص 202: قال يحيى بن هرثمة: فاتفق مرض المتوكل بعد ذلك - يعنى بعد اشخاص
الامام أبى الحسن الهادى عليه السلام إلى سامراء - بمدة فنذر ان عوفي ليصدقن بدراهم
كثيرة. فعوفى، فسأل الفقهاء عن ذلك، فلم يجد عندهم فرجا فبعث إلى على عليه السلام
فسأله فقال: يتصدق بثلاثة وثمانين دينارا، فقال المتوكل من أين لك هذا ؟ فقال: من
قوله تعالى: " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة ويوم حنين " والمواطن الكثيرة هي هذه
الجملة. وذلك لان النبي " ص " غزى سبعا وعشرين غزاة وبعث خمسا وخمسين سرية، وآخر
غزواته يوم حنين فعجب المتوكل والفقهاء من هذا الجواب، وبعث إليه بمال كثير، فقال
على: هذا الواجب فتصدق أنت بما أحببت. اقول: والصحيح من الجواب، هو الثمانون، كما
في روايات الخاصة وذلك لان - >
[163]
فسأله قال: إن الله تعالى قال لنبيه صلى
الله عليه وآله: " لقد نصر كم الله في مواطن كثيرة " (1) فعددنا مواطن رسول الله
صلى الله عليه وآله فبلغت ثمانين موطنا، فرجع إليه فأخبر ففرح و أعطاه عشرة آلاف
درهم (2).
- > الملاك عدد المواطن التى نصرالله
المسلمين إلى يوم نزول هذه الاية، لاتمام غزوات الرسول وسراياه. (1) براءة: 25. (2)
مناقب آل ابى طالب ج 4 ص 402، وقد رواه الكليني في الكافي ج 7 ص 463 وهذا انصه: على
بن ابراهيم، عن ابيه، عن بعض اصحابه ذكره قال: لما سم المتوكل نذر ان عوفي ان يتصدق
بمال كثير، فلما عوفي سأل الفقهاء عن حد المال الكثير فاختلفوا عليه فقال بعضهم:
مائة الف، وقال بعضهم: عشرة آلاف، فقالوا فيه اقاويل مختلفة، فاشتبه عليه الامر
فقال رجل من ندمائه يقال له: صفعان الا تبعث إلى هذا الاسود فتسأل عنه. فقال له
المتوكل: من تعنى ويحك ؟ فقال له: ابن الرضا، فقال له: وهو يحسن من هذا شيئا ؟
فقال: ان اخرجك من هذا فلى عليك كذاوكذا، والا فاضر بنى مائة مقرعة فقال المتوكل:
قد رضيت، يا جعفر بن محمود ! صر إليه وسله عن حد المال الكثير. فصار جعفر بن محمود
إلى ابى الحسن على بن محمد عليه السلام فسأله عن حد المال الكثير فقال: الكثير
ثمانون، فقال له جعفر: يا سيدي: انه يسألنى عن العلة فيه، فقال له ابو الحسن عليه
السلام: ان الله عزوجل يقول: لقد نصركم الله في مواطن كثيرة، فعددنا تلك المواطن
فكانت ثمانين. أقول: وقد أفتى بذلك اصحابنا رضوان الله عليهم: قال الشهيد في محكى
الدروس: ولو نذر الصدقة من ماله بشئ كثير فثمانون درهما، لرواية ابى بكر الحضرمي عن
ابى الحسن عليه السلام، ولو قال: بمال كثير ففى قضية الهادى " ع " مع المتوكل
ثمانون، وردها ابن ادريس إلى ما يعامل به ان كان درهما أو دينارا، وقال الفاضل:
المال المطلق ثمانون درهما والمقيد بنوع ثمانون من ذلك. - >
[164]
وقال المتوكل لابن السكيت (1): سل ابن
الرضا مسألة عوصاء بحضرتي فسأله فقال: لم بعث الله موسى بالعصا وبعث عيسى عليه
السلام بابراء الاكمه والابرص وإحياء الموتى، وبعث محمدا بالقرآن والسيف ؟. فقال
أبو الحسن عليه السلام: بعث الله موسى عليه السلام بالعصا واليد البيضاء في زمان
الغالب على أهله السحر، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم، أثبت الحجة عليهم، وبعث
عيسى عليه السلام بابراء الاكمه والابرص وإحياء الموتى باذن الله في زمان الغالب
على أهله الطب فأتاهم من إبراء الاكمه والابرص وإحياء الموتى باذن الله فقهر هم
وبهزهم، وبعث محمدا بالقرآن والسيف في زمان الغالب على
- > أقول: لو اوصى أو نذر لله بالكثير
فأقل شى يجب في ماله: الثمانون لا انه ان زاد عليه فليس به، وانما قال " ع "
بالثمانين فان المرجع الوحيد الذى يرفع الاختلاف من العرف هو القرآن المجيد وقد
اطلق الكثير في مورد الثمانين: فنعلم ان الثمانين كثير قطعا بشهادة الله العزيز في
كتابه واما اقل من ذلك فهو مختلف فيه، وليس عليه شاهد. (1) أبو يوسف يعقوب بن اسحاق
الدورقى الاهوازي الامامي النحوي اللغوى الاديب كان ثقة جليلا من العظماء، وكان
حامل لواء الادب والشعر، وله تصانيف مفيدة منها تهذيب الالفاظ واصلاح المنطق. قال
ابن خلكان: قال بعض العلماء: ما عبر على جسر بغداد كتاب من اللغة مثل اصلاح المنطق،
وقال أبو العباس المبرد: ما رأيت للبغداديين كتابا أحسن من كتاب ابن السكيت في
المنطق. الزمه المتوكل تأديب ولده المعتز بالله، فقال له يوما: أيما أحب اليك ؟
ابناى هذان - يعنى المعتز والمؤيد - ام الحسن والحسين ؟ فقال ابن السكيت: والله ان
قنبرا خادم على بن أبى طالب خير منك ومن ابنيك، فقال المتوكل للاتراك: سلوا لسانه
من قفاه ! ففعلوا فمات. وقيل: بل أثنى على الحسن والحسين عليهما السلام ولم يذكر
ابنيه فأمر المتوكل الاتراك فداسوا بطنه، فحمل إلى داره فمات بعد غد ذلك.
[165]
أهله السيف والشعر فأتاهم من القرآن الزهر
والسيف القاهر مابهر به شعرهم وبهرسيفهم وأثبت الحجة به عليهم. فقال ابن السكيت:
فما الحجة الآن ؟ قال: العقل يعرف به الكاذب على الله فيكذب. فقال يحيى بن أكثم: ما
لابن السكيت ومناظرته ؟ وإنما هو صاحب نحو وشعر ولغة، ورفع قرطاسا فيه مسائل فأملا
علي بن محمد عليه السلام على ابن السكيت جوابها وأمره أن يكتب. سألت عن قول الله
تعالى " قال الذي عنده علم من الكتاب " (1) فهو آصف بن برخيا ولم يعجز سليمان عن
معرفة ما عرف آصف، ولكنه أحب أن يعرف امته من الجن والانس أنه الحجة من بعده، وذلك
من علم سليمان أودعه آصف بأمر الله ففهمه ذلك، لئلا يختلف في إمامته وولايته من
بعده، ولتاكيد الحجة على الخلق وأما سجود يعقوب لولده فان السجود لم يكن ليوسف
وإنما كان ذلك من يعقوب وولده طاعة لله تعالى وتحية ليوسف عليهما السلام كما أن
السجود من الملائكة لم يكن لآدم عليه السلام فسجود يعقوب وولده ويوسف معهم شكرا لله
تعالى باجتماع الشمل ألم تر أنه يقول في شكره في ذلك الوقت: " رب قد آتيتني من
الملك " (2) الآية. وأما قوله " فان كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤن
الكتاب " (3) فان المخاطب بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يكن في شك مما
أنزل الله إليه، ولكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث الله نبيا من الملائكة ولم لم يفرق
بينه وبين الناس في الاستغناء عن المأ كل والمشرب، والمشي في الاسواق، فأوحى الله
إلى نبيه صلى الله عليه وآله
(1) النمل: 40. (2) يوسف: 101. (3) يونس:
94.
[166]
فاسأل الذين يقرؤن الكتاب بمحضر من الجهلة
هل بعث الله نبيا قبلك إلا وهو يأكل الطعام، ويشرب الشراب، ولك بهم اسوة يا محمد.
وإنما قال: " فان كنت في شك " ولم يكن (1) للنصفة كما قال: " قل تعالوا ندع أبناءنا
وأبناءكم " (2) ولو قال: " تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم " لم يكونوا يجيبوا
إلى المباهلة، وقد علم الله أن نبيه مؤد عنه رسالته وما هو من الكاذبين وكذلك عرف
النبي صلى الله عليه وآله بأنه صادق فيما يقول ولكن أحب أن ينصف من نفسه. وأما
قوله: " ولو أن ما في الارض من شجرة أقلام " (3) الآية فهو كذلك لو أن أشجار الدنيا
أقلام والبحر مداد يمده سبعة أبحر حتى انفجرت الارض عيونا كما انفجرت في الطوفان،
ما نفدت كلمات الله وهي عين الكبريت، وعين اليمن، وعين وبرهوت، وعين طبرية، وحمة
ماسيدان، تدعى لسان، وحمة إفر يقية تدعى بسيلان، وعين باحوران ونحن الكلمات التي لا
تدرك فضائلنا ولا تستقصى. وأما الجنة ففيها من المآكل والمشارب والملاهي، وما
تشتهيه الانفس وتلد الاعين وأباح الله ذلك لآدم، والشجرة التي نهى الله آدم عنها
وزوجته أن لا يأكلا منها شجرة الحسد، عهد الله إليهما أن لا ينظر ا إلى من فضل الله
عليهما، وعلى خلائقه بعين الحسد " فنسي ولم نجد له عزما " (4). وأما قوله: " أو
يزوجهم ذكرانا وإناثا " (5) فان الله تعالى زوج الذكران المطيعين، ومعاذ الله أن
يكون الجليل العظيم عنى ما لبست على نفسك بطلب
(1) أي والحال أنه صلى الله عليه وآله لم
يكن في شك. (2) آل عمران: 61. (3) لقمان: 27. (4) طه: 115. (5) الشورى: 50.
[167]
الرخص، لارتكاب المحارم " ومن يفعل ذلك
يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا " (1) إن لم يتب. فأما
شهادة امرأة وحدها التي جازت فهي القابلة التي جازت شهادتها مع الرضا فان لم يكن
رضا فلا أقل من امرأتين تقوم المرأتان بدل الرجل للضرورة، لان الرجل لا يمكنه أن
يقوم مقامها، فان كان وحدها قبل قولها مع يمينها. وأما قول علي عليه السلام في
الخنثى فهو كما قال: يرث من المبال، وينظر إليه قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرءاتا
وتقوم الخنثى خلفهم عريانة، وينظرون إلى المرأة فيرون الشئ ويحكمون عليه. وأما
الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاة، فان عرفها ذبحها و أحرقها، وإن لم يعرفها
قسمها الامام نصفين وساهم بينهما، فان وقع السهم على أحد القسمين فقد انقسم النصف
الآخر ثم يفرق الذي وقع عليه السهم نصفين فيقرع بينهما فلا يزال كذلك حتى يبقى
اثنان فيقرع بينهما فأيهما وقع السهم عليها ذبحت واحرقت وقد نجى سائرها وسهم الامام
سهم الله لا يخيب. وأما صلاة الفجر والجهر فيها بالقراءة لان النبي صلى الله عليه
وآله كان يغلس بها فقراءتها من الليل. وأما قول أمير المؤمنين: بشر قاتل ابن صفيه
بالنار (2) لقول رسول الله صلى الله عليه وآله
(1) الفرقان: 69. (2) هو الزبير بن العوام
بن خويلد بن أسد بن عبد العزى الاسدي يكنى أبا عبد الله وكان امه صفية بنت عبد
المطلب عمة رسول الله " ص " فهوا بن عمة رسول الله وابن اخى خديجة بنت خويلد زوج
الرسول " ص " شهدا الجمل مقاتلا لعلى عليه السلام فناداه على ودعاه فانفرد به وقال
له: أتذكر إذا كنت أنا وأنت مع رسول الله " ص " فنظر إلى وضحك وضحكت، فقلت أنت: لا
يدع ابن أبى طالب زهوه، فقال: ليس بمزه، ولتقاتلنه وأنت له ظالم ؟ فذكر الزبير ذلك
فانصرف عن القتال فنزل بوادي السباع، وقام يصلى فأتاه ابن - >
[168]
وكان ممن خرج يوم النهروان، فلم يقتله
أمير المؤمنين عليه السلام بالبصرة لانه علم
- > جرموز فقتله، وجاء بسيفه ورأسه إلى
على عليه السلام فقال عليه السلام: ان هذا سيف طالما فرج الكرب عن رسول الله " ص "
ثم قال: بشر قاتل ابن صفية بالنار، وكان قتله يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الاولى
من سنة ست وثلاثين. وقيل: ان ابن جرموز استأذن على على عليه السلام فلم يأذن له
وقال للاذن: بشره بالنار فقال: أتيت عليا برأس الزبير * أرجو لديه به الزلفه فبشر
بالنار إذ جئته * فبئس البشارة والتحفه وسيان عندي: قتل الزبير * وضرطة عنز بذى
الجحفه وقيل: ان الزبير لما فارق الحرب وبلغ سفوان أتى انسان إلى الاحنف بن قيس
فقال: هذا الزبير قد لقى بسفوان، فقال الاحنف: ما شاء الله كان، قد جمع بين
المسلمين حتى ضرب بعضهم حواجب بعض بالسيوف ثم يلحق ببيته وأهله ؟ !. فسمعه ابن
جرموز وفضالة بن حابس ونفيع بن غواة من تميم فركبوا، فأتاه ابن جرموز من خلفه فطعنه
طعنة خفيفة، وحمل عليه الزبير وهو على فرس له يقال له: ذو الخمار حتى إذا ظن أنه
قاتله، نادى صاحبيه فحملوا عليه فقتلوه، بل الظاهر من بعض الاخبار ان ابن جرموز
قتله في النوم، وقد روى المسعودي في مروج الذهب أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل
وكانت تحت عبد الله بن أبى بكر فخلف عليها عمر ثم الزبير قالت في ذلك: غدر ابن
جرموز بفارس بهمة * يوم اللقاء وكان غير مسدد يا عمرو ! لو نبهته لوجدته * لا طائشا
رعش الجنان ولا اليد هبلنك امك ان قتلت لمسلما * حلت عليك عقوبة المتعمد ما ان رأيت
ولا سمعت بمثله * فيمن مضى ممن يروح ويغتدى أقول: انما قال عليه السلام: بشر قاتل
ابن صفية بالنار، لان القاتل وهو عمرو بن جرموز - مع أعوانه - قتله غدرا وغيلة
ومغافصة، بعد ما ترك الزبير القتال فهو من أهل - >
[169]
أنه يقتل في فتنة النهروان (1)
- > النار من جهتين: الاول لقول رسول الله
" ص ": الايمان قيد الفتك، فمن فتك مسلما وقتله غيلة كان بمنزلة من قتل مسلما
متعمدا لاسلامه، فهو من أهل النار، ولو كان المقتول ظالما مهدور الدم. والثانى لما
سيجيئ في كلام الهادى " ع " من أن ولى الامر، وهو أمير المؤمنين أقضى هذه الامة حكم
بأن من ألقى سلاحه فهو آمن، ومن دخل داره فهو آمن، وقد كان الزبير بعد تركه القتال
وانعزاله عن المعركة كالتائب من ذنبه وبمنزلة من ألقى سلاحه ودخل داره. فالذي قتله
انما قتله غدرا وبغيا وعدوانا فهو من أهل النار وانما لم يقتله أمير المؤمنين عليه
السلام به ولم يقد منه، لانه كان جاهلا بذلك كله، متأولا يعتقد أن قتله واجب وهو
مهدور الدم. لاجل أنه أجلب على امامه أمير المؤمنين وخرج عليه بالسيف، ولم يظهر
توبة ولم يستغفر عند وليه أمير المؤمنين. لكنه كان مقصرا في جهالته ذلك، حيث ان
عتزاله كان بمسمع ومرأى من أمير المؤمنين ولم يحكم فيه بشئ ولاهو استأمره عليه
السلام في قتله، مع وجوده بين ظهرانيهم والله أعلم. وأما الزبير فالظاهر من
الاحاديث أنه ندم عن فعله ندامة قطعية بحيث التزم العار فرارا من النار، لكنه لم
يظهر منه توبة ولا استغفار، ولو كان أراد التوبة والاستغفار، كان عليه أن يفئ أولا
إلى أمير المؤمنين " ع " ويستغفره مما فعله، ويجدد بيعته، فلم يفعل. وقد روى المفيد
قدس سره في جمله أنه لما رأى أمير المؤمنين رأس الزبير وسيفه قال للاحنف: ناولنى
السيف فناوله، فهزه وقال، سيف طالما قاتل بين يدى النبي " ص ولكن الحين ومصارع
السوء، ثم تفرس في وجه الزبير وقال: لقد كان لك بالنبي صحبة ومنه قرابة، ولكن دخل
الشيطان منخرك فأوردك هذا المورد. (1) قال ابن الجزرى في اسد الغابة: وكثير من
الناس يقولون: ان ابن جرموز قتل نفسه، لما قال له على " بشر قاتل ابن صفية بالنار "
وليس كذلك، وانما عاش بعد ذلك - >
[170]
وأما قولك إن عليا عليه السلام قاتل أهل
صفين مقبلين ومدبرين، وأجهز على جريحهم وأنه يوم الجمل الم يتبع موليا ولم يجهز على
جريحهم، وكل من ألقى سيفه وسلاحه آمنه، فان أهل الجمل قتل إمامهم ولم يكن لهم فئة
يرجعون إليها، وإنما رجع القوم إلى منازلهم غير محاربين، ولا محتالين، ولا متجسسين
ولا مبارزين، فقد رضوا بالكف عنهم، فكان الحكم فيه رفع السيف والكف عنهم إذ لم
يطلبوا عليه أعوانا. وأهل صفين يرجعون إلى فئة مستعدة وإمام منتصب، يجمع لهم السلاح
من الرماح، والدروع، والسيوف، ويستعد لهم، ويسني لهم العطاء ويهيئ لهم الاموال،
ويعقب مريضهم، يجبر كسيرهم، ويداوي جريحهم، ويحمل راجلهم ويكسو حاسرهم، ويردهم
فيرجعون إلى محاربتهم وقتالهم. فان الحكم في أهل البصرة الكف عنهم لما ألقوا أسلحتم
إذ لم تكن لهم فئة يرجعون إليها، والحكم في أهل صفين أن يتبع مدبرهم، ويجهز على
جريحهم فلا يساوى بين الفريقين في الحكم، ولولا أمير المؤمنين عليه السلام وحكمه في
أهل صفين والجمل، لما عرف الحكم في عصاة أهل التوحيد فمن أبى ذلك عرض على السيف.
وأما الرجل الذي أقر باللواط (1) فانه أقر بذلك متبرعا من نفسه، و
- > حتى ولى مصعب بن الزبير البصرة فاختفى
ابن جرموز فقال مصعب: ليخرج فهو آمن أيظن أنى أقيده بأبى عبد الله - يعنى أباه
الزبير - ليسا سواء. (1) روى الكليني في الكافي ج 7 ص 201 عن على بن ابراهيم، عن
أبيه، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب عن مالك بن عطية، عن أبى عبد الله عليه السلام
قال: بينما أمير المؤمنين " ع " في ملاء من أصحابه إذا أتاه رجل فقال: يا أمير
المؤمنين انى قد أوقبت على غلام فطهرني ! فقال له: يا هذا امض إلى منزلك لعل مرارا
هاج بك. فلما كان من غد عاد إليه فقال له: يا أمير المؤمنين انى أو قبت على غلام
فطهرني ! فقال له: يا هذا امض إلى منزلك لعل مرارا هاج بك حتى فعل ذلك ثلاثا بعد
مرته الاولى. - >
[171]
لم تقم عليه بينة ولا أخذه سلطان وإذا كان
للامام الذي من الله أن يعاقب في الله فله أن يعفو في الله، أما سمعت الله يقول
لسليمان " هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب " (1) فبدأ بالمن قبل المنع (2).
- > فلما كان في الرابعة قال: يا هذا ان
رسول الله صلى الله عليه وآله حكم في مثلك بثلاثة أحكام فاختر أيهن شئت، قال: وماهن
يا أمير المؤمنين ؟ قال: ضربة بالسيف في عنقك بالغة ما بلغت، أودهداه من جبل مشدود
اليدين والرجلين، أو احراق بالنار فقال: يا أمير المؤمنين أيهن أشد على ؟ قال:
الاحراق بالنار، قال: فانى قد اخترتها يا أمير المؤمنين قال: فخذ أهبتك فقال: نعم.
فقام فصلى ركعتين ثم جلس في تشهده فقال: اللهم انى قد أتيت من الذنب ما قد علمته
وانى تخوفت من ذلك فجئت إلى وصى رسولك وابن عم نبيك فسألته أن يطهرني فخيرني بين
ثلاثة أصناف من العذاب، اللهم فانى قد اخترت أشدها اللهم فانى أسألك أن تجعل ذلك
كفارة لذنوبي، وأن لا تحرقني بنارك في آخرتي. ثم قام وهو باك حتى جلس في الحفرة
التى حفرها له أمير المؤمنين " ع " وهو يرى النار يتأجج حوله. قال: فبكى أمير
المؤمنين عليه السلام وبكى أصحابه جميعا، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: قم يا
هذا فقد أبكيت ملائكة السماء وملائكة الارض، فان الله قد تاب عليك فقم ولا تعادون
شيئا مما قد فعلت. (1) ص: 39. (2) قال سبط ابن الجوزى في التذكرة ص 203: قال يحيى
بن هبيرة [هرثمة]: تذاكر الفقهاء بحضرة المتوكل: من حلق رأس آدم عليه السلام ؟ فلم
يعرفوا من حلقه فقال المتوكل: أرسلوا إلى على بن محمد بن على الرضا، فأحضروه فحضر
فقالوه، فقال حدثنى أبى، عن جدى، عن أبيه، عن جده، عن أبيه قال: ان الله امر جبرئيل
أن ينزل بياقوتة من يواقيت الجنة، فنزل بها فمسح بها رأس آدم، فتناثر الشعر منه،
فحيث بلغ نورها صار حرما، وقد روى هذا المعنى مرفوعا إلى رسول الله " ص ".
[172]
فلما قرأه ابن أكثم قال للمتوكل: ما نحب
أن تسأل هذا الرجل عن شئ بعد مسائلي، فانه لا يرد عليه شئ بعدها إلا دونها، وفي
ظهور علمه تقوية للرافضة (1). جعفر بن رزق الله قال: قدم إلى المتوكل رجل نصراني
فجر بامرأة مسلمة فأراد أن يقيم عليه الحد فأسلم فقال يحيى بن أكثم: الايمان يمحو
ما قبله، وقال بعضهم: يضرب ثلاثة حدود، فكتب المتوكل إلى علي بن محمد النقي يسأله
فلما قرأ الكتاب كتب: يضرب حتى يموت، فأنكر الفقهاء ذلك، فكتب إليه يسأله عن العلة
فقال: " بسم الله الرحمن الرحيم فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما
كنا به مشركين (2) " السورة قال: فأمر المتوكل فضرب حتى مات (3). أبو الحسن بن
سهلويه (4) البصري المعروف بالملاح قال: دلني أبو الحسن وكنت واقفيا فقال: إلى كم
هذه النومة ؟ أما آن لك أن تنتبه منها، فقدح في قلبي شيئا وغشي علي وتبعت الحق (5).
52 - قب: داود بن القاسم الجعفري قال: دخلت عليه بسر من رأى وأنا اريد الحج لاودعه،
فخرج معي، فلما انتهى إلى آخر الحاجز نزل، فنزلت معه، فخط بيده الارض خطة شبيهة
بالدائرة، ثم قال لي: يا عم خذ ما في هذه يكون في نفقتك، وتستعين به على حجك، فضربت
بيدي فإذا سبيكة ذهب فكان فيها مائتا مثقال.
(1) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 403 - 405.
(2) غافر: 84. (3) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 405 و 406. (4) في المصدر. سعيد بن سهل
البصري. (5) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 407.
[173]
دخل أبو عمرو عثمان بن سعيد وأحمد بن
إسحاق الاشعري وعلي بن جعفر الهمداني على أبي الحسن العسكري، فشكى إليه أحمد بن
إسحاق دينا عليه فقال يا [أبا] عمرو - وكان وكيله - ادفع إليه ثلاثين ألف دينار،
وإلى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار، وخذ أنت ثلاثين ألف دينار، فهذه معجزة لا يقدر
عليها إلا الملوك، وما سمعنا بمثل هذا العطاء (1). 53 - قب: وجه المتوكل عتاب بن
أبي عتاب إلى المدينة يحمل علي بن محمد عليهما السلام إلى سر من رأى، وكانت الشيعة
يتحدثون أنه يعلم الغيب وكان في نفس عتاب من هذا شئ فلما فصل من المدينة رآه وقد
لبس لبادة، والسماء صاحية، فما كان بأسرع من أن تغيمت وأمطرت فقال عتاب: هذا واحد.
ثم لما وافى شط القاطول، (2) رآه مقلق القلب، فقال له: مالك يا أبا أحمد ؟ فقال:
قلبي مقلق بحوائج التمستها من أمير المؤمنين، قال له: فان حوائجك قد قضيت، فما كان
بأسرع من أن جاءته البشارات بقضاء حوائجه، فقال: الناس يقولون: إنك تعلم الغيب وقد
تبينت من ذلك خلتين (3). المعتمد في الاصول قال علي بن مهزيار: وردت العسكر وأنا
شاك في الامامة فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلا أنه صائف،
والناس عليهم ثياب الصيف، وعلى أبي الحسن عليه السلام لبادة وعلى فرسه تجفاف لبود،
وقد عقد ذنب الفرسة والناس يتعجبون منه، ويقولون: ألا ترون إلى هذا المدني وما قد
فعل بنفسه ؟ فقلت في نفسي: لو كان هذا إماما ما فعل هذا. فلما خرج الناس إلى
الصحراء لم يلبثوا إلا أن ارتفعت سحابة عظيمة هطلت
(1) المصدر ج 4 ص 407. (2) في النسخ:
قاطون، وهو سهو والصحيح قاطول كما في الصلب، وهو موضع على دجلة، أو هو اسم لتمام
النهر المشقوق الفرعي من دجلة إلى النهروانات. (3) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 413.
[174]
فلم يبق أحد إلا ابتل حتى غرق بالمطر،
وعاد عليه السلام وهو سالم من جميعه فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الامام، ثم قلت:
اريد أن أسأله عن الجنب إذا عرق في الثوب، فقلت في نفسي إن كشف وجهه فهو الامام،
فلما قرب مني كشف وجهه ثم قال: إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام لا يجوز
الصلاة فيه، و إن كان جنابته من حلال فلا بأس فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة (1). 54
- قب: في كتاب البرهان عن الدهني أنه لما ورد به عليه السلام سرمن رأى كان المتوكل
برا به ووجه إليه يوما بسلة فيها تين، فأصاب الرسول المطر فدخل إلى المسجد ثم شرهت
نفسه إلى التين، ففتح السلة وأكل منها، فدخل وهو قائم يصلي فقال له بعض خدمه: ما
قصتك فعرفه القصة قال له: أو ما علمت أنه قد عرف خبرك وما أكلت من هذا التين فقامت
على الرسول القيامة، ومضى مبادرا إلى منزله حتى إذا سمع صوت البريد ارتاع هو ومن في
منزله بذلك، الخبر (2). الحسين بن علي: أنه أتى النقي عليه السلام رجل خائف وهو
يرتعد ويقول: إن ابني اخذ بمحبتكم والليلة يرمونه من موضع كذا ويدفنونه تحته، قال:
فما تريد ؟ قال: ما يريد الابوان، فقال: لا بأس عليه اذهب فان ابنك يأتيك غدا. فلما
أصبح أتاه، ابنه فقال: يا بني ما شأنك ؟ قال: لما حفروا القبرو شدو الي الايدي
أتاني عشرة أنفس مطهرة معطرة، وسألوا عن بكائي فذكرت لهم، فقالوا: لو جعل الطالب
مطلوبا تجرد نفسك وتخرج وتلزم تربة النبي عليه السلام ؟ قلت: نعم فأخذوا الحاجب
فرموه من شاهق الجبل ولم يسمع أحد جزعه ولا رأوا الرجال وأوردوني إليك وهم ينتظرون
خروجي إليهم، وودع أباه وذهب. فجاء أبوه إلى الامام وأخبره بحاله فكان الغوغاء تذهب
وتقول: وقع كذا وكذا والامام عليه السلام يتبسم ويقول: إنهم لا يعلمون ما نعلم (3).
(1) المصدر نفسه ص 414. (2) مناقب آل أبى
طالب ج 4 ص 415. (3) المناقب ج 4 ص 416.
[175]
بيان: " الغوغاء " السفلة من الناس،
والمتسرعين إلى الشر. 55 - كشف: قال محمد بن طلحة: خرج عليه السلام يوما من سرمن
رأى إلى قرية لمهم عرض له، فجاء رجل من الاعراب يطلبه فقيل له قد ذهب إلى الموضع
الفلاني فقصده فلما وصل إليه قال له ما حاجتك ؟ فقال: أنا رجل من أعراب الكوفة
المتمسكين بولاية جدك علي بن أبيطالب عليه السلام وقد ركبني دين فادح أثقلني حمله،
ولم أر من أقصده لقضائه سواك. فقال له أبو الحسن: طب نفسا وقر عينا ثم أنزله فلما
أصبح ذلك اليوم قال له أبو الحسن عليه السلام: اريد منك حاجة الله الله أن تخالفني
فيها، فقال الاعرابي لا اخالفك فكتب أبو الحسن عليه السلام ورقة بخطه معترفا فيها
أن عليه للاعرابي مالا عينه فيها يرجح على دينه، وقال: خذ هذا الخط فإذا وصلت إلى
سرمن رأى احضر إلي وعندي جماعة، فطالبني به وأغلظ القول علي في ترك إبقائك إياه
الله الله في مخالفتي فقال: أفعل، وأخذ الخط. فلما وصل أبو الحسن إلى سرمن رأى،
وحضر عنده جماعة كثيرون من أصحاب الخليفة وغيرهم، حضر ذلك الرجل وأخرج الخط وطالبه
وقال كما أوصاه فألان أبو الحسن عليه السلام له القول ورفقه، وجعل يعتذر، ووعده
بوفائه و طيبة نفسه، فنقل ذلك إلى الخليفة المتوكل فأمر أن يحمل إلى أبي الحسن عليه
السلام ثلاثون ألف درهم. فلما حملت إليه تركها إلى أن جاء الرجل فقال: خذ هذا المال
واقض منه دينك، وأنفق الباقي على عيالك وأهلك، واعذرنا، فقال له الاعرابي: يا ابن
رسول الله والله إن أملي كان يقصر عن ثلث هذا، ولكن الله اعلم حيث يجعل رسالته،
وأخذ المال وانصرف (1). ومن كتاب الدلائل للحميري عن الحسن بن علي الوشاء قال:
حدثتني ام محمد مولاة أبي الحسن الرضا بالحير وهي مع الحسن بن موسى قالت: جاء أبو
الحسن
(1) كشف الغمة ج 3 ص 230 و 231.
[176]
عليه السلام قدرعب حتى جلس في حجر ام
أبيها بنت موسى، فقالت له: مالك ؟ فقال لها: مات أبي والله الساعة، فقالت له: لا
تقل هذا، قال: هو والله كما أقول لك، فكتبنا ذلك اليوم فجاءت وفاة أبي جعفر عليه
السلام في ذلك اليوم. وكتب إليه محمد بن الحسين بن مصعب المدائني يسأله عن السجود
على الزجاج، قال: فلما نفذ الكتاب حدثت نفسي أنه مما أنبتت الارض، وأنهم قالوا لا
بأس بالسجود على ما أنبتت الارض قال: فجاء الجواب: لا تسجد عليه وإن حدثت نفسك أنه
مما تنبت الارض، فانه من الرمل والملح، والملح سبخ (1). وعن علي بن محمد النوفلي
قال: سمعته يقول: اسم الله الاعظم ثلاثة وسبعون حرفا وإنما كان عند آصف منه حرف
واحد، فتكلم به فانخرقت له الارض فيما بينه وبين سبا، فتناول عرش بلقيس حتى صيرة
إلى سليمان ثم بسطت له الارض في أقل من طرفة عين، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفا،
وحرف واحد عند الله عز وجل استأثر به في علم الغيب (2). وعن فاطمة ابنة الهيثم
قالت: كنت في دار أبي الحسن عليه السلام في الوقت الذي ولد فيه جعفر فرأيت أهل
الدار قد سروا به، فقلت: يا سيدي مالي أراك غير مسرور ؟ فقال: هوني عليك فسيضل به
خلق كثير (3). حدث محمد بن شرف قال: كنت مع أبي الحسن عليه السلام أمشي بالمدينة
فقال لي: ألست ابن شرف ؟ قلت: بلى، فأردت أن أسأله عن مسألة فابتدأني من غير أن
أسأله فقال: نحن على قارعة الطريق وليس هذا موضع مسألة. محمد بن الفضل البغدادي
قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أن لنا حانوتين.
(1) كشف الغمة ص 245. (2) وتراه في
المناقب ج 4 ص 406 (3) هو جعفر الكذاب الذى ادعى الامامة بعد أخيه الحسن بن على،
وأحرز ميراثه مع علمه ورؤيته بوجود القائم المهدى عليه السلام وكانت وفاته سنة 281.
[177]
خلفهما لنا والدنا رضي الله عنه، وأردنا
بيعهما وقد عسر ذلك علينا، فادع الله يا سيدنا أن ييسرالله لنا بيعهما باصلاح
الثمن، ويجعل لنافي ذلك الخيرة، فلم يجب عنهما بشئ، وانصرفنا إلى بغداد والحانوتان
قد احترقا. أيوب بن نوح قال كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أن لي حملا فادع الله
أن يرزقني ابنا فكتب إلي: إذا ولد فسمه محمدا، قال: فولد ابن فسميته محمدا (1).
قال: وكان ليحيى بن زكريا حمل فكتب إليه: أن لي حملا فادع الله أن يرزقني ابنا فكتب
إليه: رب ابنة خير من ابن، فولدت له ابنة. أيوب بن نوح قال: كتبت إلى أبي الحسن
عليه السلام: قد تعرض لي جعفر بن عبد الواحد القاضي وكان يؤذيني بالكوفة أشكو إليه
ما ينالني منه من الاذى، فكتب إلي: تكفى أمره إلى شهرين، فعزل عن الكوفة في شهرين
واسترحت منه (2). يج: عن أيوب مثل الخبرين (3). 56 - كشف: من كتاب الدلائل [عن
أيوب، قال] (4) قال فتح بن يزيد الجرجاني: ضمني وأبا الحسن عليه السلام الطريق منصر
في من مكة إلى خراسان، وهو صائر إلى العراق فسمعته وهو يقول: من اتقى الله يتقى،
ومن أطاع الله يطاع. قال: فتلطفت في الوصول إليه فسلمت عليه فرد علي السلام وأمرني
بالجلوس وأول ما ابتدأني به أن قال: يا فتح من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق،
ومن أسخط الخالق فأيقن أن يحل به الخالق سخط المخلوق، وإن الخالق لا يوصف إلا بما
وصف به نفسه، وأنى يوصف الخالق الذي يعجز الحواس أن تدركه، والاوهام أن تناله،
والخطرات أن تحده، والابصار عن الاحاطة به.
(1) كشف الغمه ج 3 ص 246. (2) المصدر نفسه
ص 247. (3) لم نجده في مختار الخرائج. (4) مابين العلامتين لا يوجد في المصدر.
[178]
جل عما يصفه الواصفون، وتعالى عما ينعته
الناعتون، نأى في قربه، و قرب في نأيه، فهو في نأيه قريب، وفي قربه بعيد، كيف الكيف
فلا يقال كيف و أين الاين فلا يقال أين، إذ هو منقطع الكيفية والاينية. هو الواحد
الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، فجل جلاله. بل كيف يوصف بكنهه محمد
صلى الله عليه وآله وقد قرنه الجليل باسمه، وشركه في عطائه وأوجب لمن أطاعه جزاء
طاعته، إذ يقول " وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله " (1) وقال: يحكي
قول من ترك طاعته، وهو يعذ به بين أطباق نيرانها وسرابيل قطرانها " يا ليتنا أطعنا
الله وأطعنا الرسولا " (2) أم كيف يوصف بكنهه من قرن الجليل طاعتهم بطاعة رسوله حيث
قال: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم " (3) وقال: " ولورده إلى
الرسول وإلى اولي الامر منهم " (4) وقال: " إن الله يأمر كم أن تؤدوا الامانات إلى
أهلها " (5) وقال: " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " (6). يا فتح كمالا يوصف
الجليل جل جلاله. والرسول، الخليل، وولد البتول فكذلك لا يوصف المؤمن المسلم
لامرنا، فنبينا أفضل الانبياء وخليلنا أفضل الاخلاء و [وصينا] أكرم الاوصياء،
واسمهما (7) أفضل الاسماء وكنيتهما أفضل الكنى وأحلاها، لو لم يجالسنا إلا كفو لم
يجالسنا أحد، ولو لم يزوجنا إلا كفولم يزوجنا أحد.
(1) براءة: 74. (2) الاحزاب: 66. (3)
النساء: 59. (4) النساء: 83. (5) النساء: 58. (6) النحل: 43. (7) في المصدر: واسمها
افضل الاسماء، وكنيتها الخ.
[179]
أشد الناس تواضعا، أعظمهم حلما وأنداهم
كفا وأمنعهم كنفا، ورث عنهما أوصياؤهما علمهما، فاردد إليهما الامر، وسلم إليهم،
أماتك الله مماتهم، وأحياك حياتهم. إذا شئت (1) رحمك الله. قال فتح: فخرجت فلما كان
الغد تلطفت في الوصول إليه فسلمت عليه فرد السلام فقلت: يا ابن رسول الله أتأذن في
مسألة اختلج في صدري أمرها ليلتي ؟ قال: سل ! وإن شرحتها فلي وإن أمسكتها فلي، فصحح
نظرك، وتثبت في مسألتك واصغ إلى جوابها سمعك، ولا تسأل مسألة تعنيت واعتن بما تعتني
به، فان العالم والمتعلم شريكان في الرشد، مأموران بالنصيحة، منهيان عن الغش. وأما
الذي اختلج في صدرك، فان شاء العالم أنبأك، إن الله لم يظهر على غيبه أحدا إلا من
ارتضى من رسول، فكل ما كان عند الرسول كان عند العالم وكل ما اطلع عليه الرسول فقد
اطلع أوصياءه عليه، كيلا تخلو أرضه من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته، وجواز
عدالته. يا فتح عسى الشيطان أراد اللبس عليك، فأوهمك في بعض ما أودعتك، وشكك في بعض
ما أنبأتك، حتى أراد إزالتك عن طريق الله، وصراطه المستقيم ؟ فقلت: " متى أيقنت
أنهم كذا فهم أرباب " معاذ الله إنهم مخلوقون مربوبون، مطيعون لله داخرون راغبون،
فإذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به. فقلت له: جعلت فداك ! فرجت
عني، وكشفت ما لبس الملعون علي بشرحك فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب قال: فسجد
أبو الحسن عليه السلام وهو يقول في سجوده: راغما لك يا خالقي داخرا خاضعا، قال: فلم
يزل كذلك حتى ذهب ليلي. ثم قال: يا فتح كدت أن تهلك وتهلك، وما ضر عيسى عليه السلام
إذا هلك من هلك (2) انصرف إذا شئت رحمك الله قال: فخرجت وأنا فرح بما كشف الله
(1) أي إذا شئت أن تخرج فاخرج. (2) إذا
هلك النصارى. خ ل.
[180]
عني من اللبس بأنهم هم، وحمدت الله على ما
قدرت عليه. فلما كان في المنزل الآخر، دخلت عليه وهو متكئ، وبين يديه حنطة مقلوة
يعبث بها، وقد كان أوقع الشيطان في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا ويشربوا إذ كان ذلك
آفة، والامام غير ذي آفة، فقال: اجلس يا فتح فان لنا بالرسل اسوة كانوا يأكلون
ويشربون، ويمشون في الاسواق، وكل جسم مغذو بهذا إلا الخالق الرازق، لانه جسم
الاجسام، وهو لم يجسم، ولم يجزء بتناه، ولم يتزايد ولم يتناقص، مبرء من ذاته ما ركب
في ذات من جسمه. الواحد الاحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد،
منشئ الاشياء، مجسم الاجسام، وهو السميع العليم، اللطيف الخبير، الرؤف الرحيم تبارك
وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا. لو كان كما يوصف لم يعرف الرب من المربوب ولا
الخالق من المخلوق ولا المنشئ من المنشأ، لكنه فرق بينه وبين من جسمه، وشيأ الاشياء
إذ كان لا يشبهه شئ يرى، ولا يشبه شيئا (1). محمد بن الريان بن الصلت قال: كتبت إلى
أبي الحسن عليه السلام أستأذنه في كيد عدو، ولم يمكن كيده، فنهاني عن ذلك وقال
كلاما معناه: تكفاه، فكفيته والله أحسن كفاية: ذل وافتقر ومات أسوء الناس حالا في
دنياه ودينه (2). علي بن محمد الحجال قال: كتبت إلى أبي الحسن: أنا في خدمتك
وأصابني علة في رجلي لا أقدر على النهوض والقيام بما يجب، فان رأيت أن تدعو الله أن
يكشف علتي ويعينني على القيام بما يجب علي وأداء الامانة في ذلك، ويجعلني من تقصيري
من غير تعمد مني، وتضييع مالا أتعمده من نسيان يصيبني في حل ويوسع علي وتدعو لي
بالثبات على دينه الذي ارتضاه لنبيه عليه السلام فوقع: كشف الله عنك وعن
(1) كشف الغمة ج 3 ص 247 - 251. (2) كشف
الغمة ج 3 ص 251.
[181]
أبيك، قال: وكان بأبي علة ولم أكتب فيها
فدعاله ابتداء (1). وعن داود الضرير قال: أردت الخروج إلى مكة، فودعت أبا الحسن
بالعشي وخرجت فامتنع الجمال تلك الليلة، وأصبحت فجئت اودع القبر فإذا رسوله يدعوني
فأتيته واستحييت وقلت: جعلت فداك إن الجمال تخلف أمس، فضحك وأمرني بأشياء وحوائج
كثيرة، فقال: كيف تقول ؟ فلم أحفظ مثلها قال لي (2) فمد الدواة وكتب بسم الله
الرحمن الرحيم أذكر إن شاء الله والامر بيدك كله. فتبسمت، فقال لي: مالك ؟ فقلت له:
خير، فقال: أخبرني فقلت له: ذكرت حديثا حدثني رجل من أصحابنا أن جدك الرضا عليه
السلام كان إذا أمر بحاجته كتب بسم الله الرحمن الرحيم اذكر إن شاء الله، فتبسم
فقال: يا داود لو قلت لك إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا (3). بيان: قوله
عليه السلام " كيف تقول " أي سأله عليه السلام عما أوصى إليه هل حفظه ؟ ولعله كان "
ولم أحفظ مثل ما قال لي " فصحف فكتب عليه السلام ذلك ليقرأه لئلا ينسى أو كتب ليحفظ
بمحض تلك الكتابة باعجازه عليه السلام وعلى ما في الكتاب يحتمل أن يكون المعنى أنه
لم يكن قال لي سابقا شيئا أقوله في مثل هذا المقام، ويحتمل أن يكون كيف تتولى كما
كان المأخوذ منه يحتمل ذلك، أي كيف تتولى تلك الاعمال وكيف تحفظها ؟ وأما التعرض
لذكر التقية فهو إما لكون عدم كتابة الحوائج والتعويل على حفظ داود للتقية، أو لامر
آخر لم يذكر في الخبر. 57 - عم: في كتاب الواحدة، عن الحسن بن جمهور العمي (4) قال:
حدثني
(1) المصدر نفسه ص 251. (2) في المصدر: "
مثلما قال لى ". (3) كشف الغمة ج 3 ص 252. (4) قال في معجم قبائل العرب: العم: بطن
اختلف في نسبهم، فقيل: انهم نزلوا بنى تميم بالبصرة في أيام عمر بن الخطاب،
فأسلموا، وغزوا مع المسلمين، وحسن - >
[182]
أبو الحسين سعيد بن سهل البصري وكان يلقب
بالملاح قال: وكان يقول بالوقف جعفر بن القاسم الهاشمي البصري وكنت معه بسرمن رأى
إذ رآه أبو الحسن عليه السلام في بعض الطرق، فقال له: إلى كم هذه النومة ؟ أما آن
لك أن تنتبه منها ؟ فقال لي جعفر: سمعت ما قال لي علي بن محمد ؟ قد والله قدح في
قلبي شيئا. فلما كان بعد أيام حدث لبعض أولاد الخليفة وليمة فدعانا فيها، ودعا أبا
الحسن معنا، فدخلنا فلما رأوه أنصتوا إجلالا له، وجعل شاب في المجلس لا يوقره، وجعل
يلغط (1) ويضحك، فأقبل عليه وقال له: يا هذا تضحك ملء فيك وتذهل عن ذكر الله وأنت
بعد ثلاثة من أهل القبور ؟ قال: فقلنا هذا دليل حتى ننظر ما يكون (2). قال: فأمسك
الفتى وكف عما هو عليه، وطعمنا وخرجنا، فلما كان بعد يوم اعتل الفتى ومات في اليوم
الثالث من أول النهار، ودفن في آخره. وحدثني سعيد أيضا قال: اجتمعنا أيضا في وليمة
لبعض أهل سرمن رأى و أبو الحسن عليه السلام معنا، فجعل رجل يعبث ويمزح، ولايرى له
جلالة فأقبل على جعفر فقال: أما إنه لا يأكل من هذا الطعام، وسوف يرد عليه من خبر
أهله ما ينغص عليه
- > بلاؤهم، فقال الناس: أنتم، وان لم
تكونوا من العرب واخواننا وأهلنا، أنتم الانصار والاخوان وبنو العم. فلقبوا بذلك،
وصاروا في جملة العرب. وقالوا: العم لقب مالك بن حنظلة، وقالوا: لقب مرة بن مالك،
وهم العميون في تميم، وقال أبو عبيدة: مرة بن وائل بن عمرو بن مالك بن حنظلة بن
فهم، من الازد وهم: بنو العم في تميم، ثم قالوا: مرة بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة
بن تميم. (1) في بعض النسخ " يلفظ " وهو تصحيف، واللغط: الصوت والجلبة، أو هو اصوات
مبهمة لاتفهم، والكلام الذى لا يبين. (2) اعلام الورى ص 346.
[183]
عيشه، قال: فقدمت المائدة قال جعفر: ليس
بعد هذا خبر، قد بطل قوله، فوالله لقد غسل الرجل يده وأهوى إلى الطعام فإذا غلامه
قد دخل من باب البيت يبكي وقال له: الحق امك فقد وقعت من فوق البيت، وهي بالموت،
قال جعفر: فقلت والله لا وقفت بعد هذا وقطعت عليه (1). قب: عن سعيد بن سهل مثل
الخبرين (2). 58 - كش: محمد بن مسعود قال: قال يوسف بن السخت كان علي بن جعفر وكيلا
لابي الحسن صلوات الله عليهما وكان رجلا من أهل همينيا (3) قرية من قرى سواد بغداد
فسعي به إلى المتوكل فحبسه فطال حبسه واحتال (4) من قبل عبد الرحمن بن خاقان بمال
ضمنه عنه ثلاثة ألف دينار، وكلمه عبيدالله (5) فعرض حاله على المتوكل فقال: يا
عبيدالله لو شككت فيك لقلت إنك رافضي هذا وكيل فلان وأنا على قتله. قال: فتأدى
الخبر إلى علي بن جعفر فكتب إلى أبي الحسن عليه السلام يا سيدي الله الله في، فقد
والله خفت أن أرتاب، فوقع في رقعته أما إذا بلغ بك الامر ما أرى فسأقصد الله فيك،
وكان هذا في ليلة الجمعة. فأصبح المتوكل محموما فازدادت عليه حتى صرخ عليه يوم
الاثنين فأمر بتخلية كل محبوس عرض عليه اسمه حتى ذكر هو علي بن جعفر وقال لعبيد
الله لم لم تعرض علي أمره ؟ فقال: لا أعود إلى ذكره أبدا قال: خل سبيله الساعة وسله
أن يجعلني في حل فخلي سبيله، وصار إلى مكة بأمر أبي الحسن عليه السلام مجاورا
(1) المصدر نفسه ص 347. (2) مناقب آل أبى
طالب ج 4 ص 414 و 415. (3) همينيا - بضم الهاء وفتح الميم وسكون الياء - قرية كبيرة
في ضفة دجلة فوق النعمانية. (4) أي قبل الحوالة. (5) يعنى عبيدالله بن يحيى بن
خاقان وزير المتوكل.
[184]
بها وبرأ المتوكل من علته (1). 59 - كش:
محمد بن مسعود، عن علي بن محمد القمي، عن محمد بن أحمد، عن أبي يعقوب يوسف بن
السخت، عن العباس، عن علي بن جعفر قال: عرضت أمري على المتوكل فأقبل على عبيدالله
بن يحيى بن خاقان فقال: لاتتعبن نفسك بعرض قصة هذا وأشباهه، فان عمك أخبرني أنه
رافضي وأنه وكيل علي بن محمد وحلف أن لا يخرج من الحبس إلا بعد موته. فكتبت إلى
مولانا أن نفسي قد ضاقت، وأني أخاف الزيغ فكتب إلى: أما إذا بلغ الامر منك ما أرى
فسأقصد الله فيك، فما عادت الجمعة حتى اخرجت من السجن (2). 60 - كا: محمد بن يحيى،
عن محمد بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن أبي علي بن راشد، عن صاحب العسكر قال: قلت
له: جعلت فداك نؤتى بالشئ فيقال هذا كان لابي جعفر عندنا فكيف نصنع ؟ فقال: ماكان
لابي جعفر عليه السلام بسبب الامامة فهو لي، وما كان غير ذلك فهو ميراث على كتاب
الله وسنة نبيه (3). 61 - كا: الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن
عبد الله قال: كان عبد الله بن هليل (4) يقول بعبدالله (5) فصار إلى العسكر، فرجع
عن ذلك، فسألته عن سبب رجوعه، فقال: إني عرضت لابي الحسن عليه السلام أن أسأله عن
ذلك فوافقني في طريق ضيق، فمال نحوى حتى إذا حاذاني أقبل نحوي بشئ من فيه فوقع على
صدري فأخذته فإذا هو رق فيه مكتوب: " ما كان هنالك
(1) رجال الكشى ص 505. (2) رجال الكشى ص
506. (3) الكافي ج 7 ص 59. (4) ضبطه بعضهم بضم الهاء وشد اللام، ولعله على وزن
التصغير. (5) يعنى بامامة عبد الله الا فطح.
[185]
ولا كذلك " (1). 62 - مشارق الانوار: عن
محمد بن داود القمي ومحمد الطلحي قالا: حملنا مالا من خمس ونذر وهدايا وجواهر
اجتمعت في قم وبلادها، وخرجنا نريد بها سيدنا أبا الحسن الهادي عليه السلام فجاءنا
رسوله في الطريق أن ارجعوا فليس هذا وقت الوصول فرجعنا إلى قم وأحرزنا ما كان
عندنا، فجاءنا أمره بعد أيام ان قد أنفذنا إليكم إبلا عيرا فاحملوا عليها ما عندكم،
وخلوا سبيلها. قال: فحملناها وأودعناها الله فلما كان من قابل، قدمنا عليه فقال:
انظروا إلى ما حملتم إلينا فنظرنا فإذا المنايح (2) كماهي. 63 - عيوم المعجزات، عن
أبي جعفر بن جرير الطبري، عن عبد الله بن محمد البلوي، عن هاشم بن زيد قال: رأيت
علي بن محمد صاحب العسكر وقد اتي بأكمه فأبرأه، ورأيته تهيئ من الطين كهيئة الطير
وينفخ فيه فيطير فقلت له: لا فرق بينك وبين عيسى عليه السلام فقال: أنا منه وهو
مني. حدثني أبو التحف المصري يرفع الحديث برجاله إلى محمد بن سنان الرامزي رفع الله
درجته قال: كان أبو الحسن علي بن محمد عليهما السلام حاجاولما كان في انصرافه إلى
المدينة، وجد رجلا خراسانيا واقفا على حمار له ميت يبكي ويقول: على ماذا أحمل رحلي،
فاجتاز عليه السلام به فقيل له: هذا الرجل الخراساني ممن يتولاكم أهل البيت فدنا من
الحمار الميت فقال: لم تكن بقرة بني إسرائيل بأكرم على الله تعالى مني وقد ضرب
ببعضها الميت فعاش ثم وكزه برجله اليمنى وقال: قم باذن الله فتحرك الحمار ثم قام
ووضع الخراساني رحله عليه، وأتى به المدينة، وكلما مر عليه السلام أشاروا عليه
بأصبعهم، وقالوا: هذا الذي أحيى حمار الخراساني. عن الحسن بن إسماعيل شيخ من أهل
النهرين قال: خرجت أنا ورجل من * (هامش *) (1) الكافي ج 1 ص 355. (2) المنابح: جمع
المنيحة، الهدايا والمطايا.
[186]
أهل قريتي إلى أبي الحسن بشئ كان معنا
وكان بعض أهل القرية قد حملنا رسالة ودفع إلينا ما أوصلناه، وقال: تقرؤنه مني
السلام وتسألونه عن بيض الطائر الفلاني من طيور الآجام، هل يجوز أكلها أم لا ؟.
فسلمنا ماكان معنا إلى جارية، وأتاه رسول السلطان فنهض ليركب وخرجنا من عنده ولم
نسأله عن شئ فلما صرنا في الشارع لحقنا عليه السلام وقال لرفيقي بالنبطية أقرئه مني
السلام وقل له: بيض الطائر الفلاني لا تأكله فانه من المسوخ. وروي أن رجلا من أهل
المداين كتب إليه يسأله عما بقي من ملك المتوكل فكتب عليه السلام: بسم الله الرحمن
الرحيم قال: " تزرعون سبع سنين دأبا فما حصدتم فذروه في سنبله إلا قليلا مما تأكلون
* ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد يأكلن من قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ثم يأتي من
بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون " فقتل في أول الخامس عشر. 64 - جش: جعفر
بن محمد المؤدب، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن يحيى الاودي قال: دخلت مسجد الجامع لا
صلي الظهر. فلما صليته رأيت حرب بن الحسن الطحان، وجماعة من أصحابنا جلوسا فملت
إليهم فسلمت عليهم وجلست، وكان فيهم الحسن بن سماعة (1) فذكروا أمر الحسن بن علي
عليهما السلام وما جرى عليه ثم من بعد زيد بن علي وما جرى عليه ومعنا رجل غريب لا
نعرفه فقال: يا قوم عندنا رجل علوي بسر من رأى من أهل المدينة ما هو إلا ساحر أو
كاهن فقال له ابن سماعة: بمن يعرف ؟ قال علي بن محمد بن الرضا. فقال له الجماعة:
فكيف تبينت ذلك منه ؟ قال: كنا جلوسا معه على باب داره وهو جارنا بسر من رأى نجلس
إليه في كل عشية نتحدث معه، إذ
(1) هو أبو محمد الحسن بن محمد بن سماعة
الكندى الصيرفي من شيوخ الواقفة كثير الحديث فقيه ثقة، كان يعاند في الوقف ويتعصب
قال النجاشي بعد ذكر الحديث فأنكر الحسن بن سماعة ذلك لعناده.
[187]
مربنا قائد من دار السلطان، ومعه خلع ومعه
جمع كثير من القواد والرجالة والشاكرية (1) وغيرهم. فلما رآه علي بن محمد وثب إليه
وسلم عليه وأكرمه فلما أن مضى قال لنا: هو فرح بما هو فيه وغدا يدفن قبل الصلاة.
فعجبنا من ذلك فقمنا من عنده فقلنا هذا علم الغيب فتعاهدنا ثلاثة إن لم يكن ما قال
أن نقتله ونستريح منه، فاني في منزلي وقد صليت الفجر إذ سمعت غلبة فقمت إلى الباب
فإذا خلق كثير من الجند وغيرهم، وهم يقولون مات فلان القائد البارحة سكر وعبر من
موضع إلى موضع فوقع واندقت عنقه فقلت: أشهد أن لاإله إلا الله وخرجت أحضره وإذا
الرجل كان كما قال أبو الحسن ميت فما برحت حتى دفنته ورجعت، فتعجبنا جميعا من هذه
الحال وذكر الحديث بطوله (2). 65 - ق: أبو الفتح غازي بن محمد الطرائفي، عن علي بن
عبد الله الميموني عن محمد بن علي بن معمر، عن علي بن يقطين بن موسى الاهوازي قال:
كنت رجلا أذهب مذاهب المعتزلة، وكان يبلغني من أمر أبي الحسن علي بن محمد ما أستهزئ
به ولا أقبله، فدعتني الحال إلى دخولي بسر من رأى للقاء السلطان فدخلتها، فلما كان
يوم وعد السلطان الناس أن يركبوا إلى الميدان. فلما كان من غد ركب الناس في غلائل
القصب، بأيديهم المراوح (3) وركب أبو الحسن عليه السلام في زي الشتاء وعليه لباد
وبرنس، وعلى سرجه تجفاف طويل وقد عقد ذنب دابته، والناس يهزؤن به وهو يقول: " ألا
إن موعدهم الصبح أليس
(1) الشاكرى - بفتح الكاف - معرب چاكر
بالفارسية ومعناه الاجير والمستخدم والجمع شاكرية. (2) رجال النجاشي ص 32 - الطبعة
الحروفية بالمطبعة المصطفوية. (3) المراوح جمع مروح: آلة يحرك بها المريح ليتبرد به
عند اشتداد الحر.
[188]
الصبح بقريب " (1). فلما توسطوا الصحراء
وجازوا بين الحائطين، ارتفعت سحابة وأرخت السماء عزاليها، وخاضت الدواب إلى ركبها
في الطين، ولو ثتهم أذنابها، فرجعوا في أقبح زي، ورجع أبو الحسن عليه السلام في
أحسن زي، ولم يصبه شئ مما أصابهم فقلت: إن كان الله عزوجل اطلعه على هذا السر فهو
حجة. ثم إنه لجأ إلى بعض السقايف، فلما قرب نحى البرنس، وجعله على قربوس سرجه ثلاث
مرات (2) ثم التفت إلي وقال: إن كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال، وإن كان من
حرام فالصلاة في الثوب حرام، فصد قته وقلت بفضله ولزمته. بيان: " الغلالة " بالكسر
شعار تحت الثوب " والقصب " محركة ثياب ناعمة من كتان و " التجفاف " بالكسر آلة
للحرب يلبسه الفرس والانسان ليقيه في الحرب والمراد هناما يلقى على السرج وقاية من
المطر، والظاهر أن المراد بالسر ما أضمر من حكم عرق الجنب كما مر في الاخبار
السابقة، ويحتمل أن يكون المراد به نزول المطر وسيأتي الخبر بتمامه في كتاب الدعاء
إن شاء الله.
(1) هود: 81. (2) كانه يريد بالبرنس
قلنسوته فقط، وكان قدنوى في ضميره أنه عليه السلام ان أخذ قلنسوة برنسه من رأسه،
وجعله على قربوس سرجه ثلاث مرات ! فهو الحجة، ثم انه يسأله عن عرق الجنب أيصلى فيه
أم لا ؟ وقد مر نظير ذلك فيما مضى ص 174.
[189]
4 * (باب) * * (ما جرى بينه وبين خلفاء
زمانه وبعض احوالهم) * * (وتاريخ وفاته صلوات الله عليه) * 1 - عم: ذكر الحسن بن
محمد جمهور العمي (1) في كتاب الواحدة قال: حدثني أخي الحسين بن محمد قال: كان لي
صديق مؤدب لولد بغا أو وصيف الشك مني فقال لي: قال لي الامير منصرفه من دار
الخليفة: حبس أمير المؤمنين هذا الذي يقولون ابن الرضا اليوم، ودفعه إلى علي بن
كركر، فسمعته يقول: أنا أكرم على الله من ناقة صالح " تمتعوا في دار كم ثلاثة أيام
ذلك وعد غير مكذوب " (2) وليس يفصح بالآية ولا بالكلام، أي شئ هذا ؟ قال: قلت أعزك
الله توعد انظر ما يكون بعد ثلاثة أيام. فلما كان من الغد أطلقه واعتذر إليه فلما
كان في اليوم الثالث وثب عليه ياغز، ويغلون، وتامش، وجماعة معهم فقتلوه وأقعدوا
المنتصر ولده خليفة (3).
(1) هو أبو محمد الحسن بن محمد بن جمهور
العمى بصرى ثقة في نفسه، ينسب إلى بنى العم من تميم، روى عن الضعفاء، ويعتمد على
المراسيل، ذكره أصحابنا بذلك وقالوا: كان أوثق من أبيه وأصلح. قال النجاشي: له كتاب
الواحدة أخبرنا أحمد بن عبد الواحد وغيره عن أبى طالب الانباري عن الحسن بالواحدة.
(2) هود: 65. (3) اعلام الورى ص 346.
[190]
قال: وحدثني سعيد بن سهل قال: رفع زيد بن
موسى إلى عمر بن الفرج مرارا يسأله أن يقدمه على ابن أخيه ويقول: إنه حدث، وأنا عم
أبيه فقال عمر ذلك لابي الحسن عليه السلام فقال: افعل واحدة أقعدني غدا قبله، ثم
انظر فلما كان من غد أحضر عمر أبا الحسن عليه السلام فجلس في صدر المجلس ثم أذن
لزيد بن موسى فدخل فجلس بين يدي أبي الحسن عليه السلام. فلما كان يوم الخميس أذن
لزيد بن موسى قبله فجلس في صدر المجلس ثم أذن لابي الحسن عليه السلام فدخل، فلما
رآه زيد قام من مجلسه وأقعده في مجلسه وجلس بين يديه (1). 2 - قب: أبو محمد الفحام
قال: سأل المتوكل ابن الجهم: من أشعر الناس ؟ فذكر شعراء الجاهلية والاسلام ثم إنه
سأل أبا الحسن عليه السلام فقال: الحماني (2) حيث يقول: لقد فاخرتنا من قريش عصابة
* بمط خدود وامتداد أصابع فلما تنازعنا المقال قضى لنا * عليهم بما يهوي نداء
الصوامع ترانا سكوتا والشهيد بفضلنا * عليهم جهير الصوت في كل جامع
(1) اعلام الورى ص 347. (2) الحمانى -
بكسر الحاء وشد الميم نسبة إلى حمان بن عبد العزى بطن من تميم من العدنانية - أبو
زكريا يحيى بن عبد الحميد بن عبد الرحمان بن ميمون الكوفى قدم بغداد وحدت بها عن
جماعة كثيرة منهم سفيان بن عيينة وأبو بكر بن عياش ووكيع ذكره الخطيب في تاريخ
بغداد، وأورد روايات عن يحيى بن معين أنه قال يحيى بن عبد الحميد الحمانى صدوق ثقة.
مات سنة 228 بسرمن رأى في شهر رمضان وكان أول من مات بسامراء من المحدثين الذين
اقدموا، له كتاب في المناقب يروى عنه أحمد بن ميثم، وقال النجاشي: له كتاب أخبرناه
جماعة عن محمد بن على بن الحسين، عن محمد بن موسى المتوكل، عن موسى ابن أبى موسى
الكوفى، عن محمد بن أيوب عنه به.
[191]
فان رسول الله أحمد جدنا * ونحن بنوه
كالنجوم الطوالع (1) قال: وما نداء الصوامع ؟ يا أبا الحسن ! قال: أشهد أن لاإله
إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله جدي أم جدك ؟ فضحك المتوكل،
ثم قال: هو جدك، لا ندفعك عنه (2). 3 - كش: أحمد بن علي بن كلثوم، عن إسحاق بن
محمد، عن محمد بن الحسن بن شمون وغيره قال: خرج أبو محمد عليه السلام في جنازة أبي
الحسن عليه السلام وقميصه مشقوق فكتب إليه أبو عون الابرش قرابة نجاح بن سلمة من
رأيت أو بلغك من الائمة شق ثوبه في مثل هذا ؟ فكتب إليه أبو محمد عليه السلام: يا
أحمق وما يدريك ما هذا قد شق موسى على هارون (3). 4 - كش: أحمد بن علي، عن إسحاق،
عن ابراهيم بن الخضيب الانباري قال: كتب أبو عون الابرش قرابة نجاح بن سلمة إلى أبي
محمد عليه السلام أن الناس قد استوهنوا (4) من شقك على أبي الحسن عليه السلام فقال:
يا أحمق ما أنت وذاك ؟ قد شق موسى على هارون عليه السلام إن من الناس من يولد
مؤمنا، ويحيى مؤمنا ويموت مؤمنا، ومنهم من يولد كافرا ويحيى كافرا، ويموت كافرا،
ومنهم من يولد مؤمنا ويحيى مؤمنا، ويموت كافرا، وإنك لا تموت حتى تكفر، ويتغير
عقلك. فما مات حتى حجبه ولده عن الناس، وحبسوه في منزله في ذهاب العقل والوسوسة،
والكثرة التخليط، ويرد على أهل الامامة وانكشف عما كان عليه (5).
(1) ظاهر الاشعار أن قائلها رجل من
العلويين، والحمانى ليس بعلوى فانه من تميم كما عرفت، فالصحيح ما مر في نسخة أمالى
الشيخ الطوسى - قدس سره - ص 129 من هذا المجلد، وفيه: " فلما سأل الامام عليه
السلام، قال: فلان بن فلان العلوى - قال: ابن الفحام - وأخوه الحمانى، حيث يقول "
الخ. (2) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 406. (3) رجال الكشى ص 479. (4) في المصدر
المطبوع: قد استوحشوا. (5) رجال الكشى ص 480.
[192]
5 - مصبا: روى إبراهيم بن هاشم القمي قال:
توفي أبو الحسن علي بن محمد صاحب العسكر عليه السلام يوم الاثنين لثلاث خلون من رجب
سنة أربع وخمسين ومائتين وقال ابن عياش: في اليوم الثالث من رجب سنة أربع وخمسين
ومائتين كانت وفات سيدنا أبي الحسن علي بن محمد صاحب العسكر عليه السلام وله يومئذ
إحدى وأربعون سنة. 6 - مهج: من نسخة عتيقة حدثني محمد بن محمد بن محسن، عن أبيه، عن
محمد بن إبراهيم بن صدقة، عن سلامة بن محمد الازدي عن أبي جعفر بن عبد الله العقيلي
عن محمد بن بريك الرهاوي، عن عبد الواحد الموصلي، عن جعفر بن عقيل بن عبد الله
العقيلي، عن أبي روح النسائي، عن أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام أنه دعا على
المتوكل فقال بعد أن حمدالله وأثنى عليه: اللهم إنى وفلانا عبدان من عبيدك، إلى آخر
الدعاء. ووجدت هذا الدعاء مذكورا بطريق آخر هذا لفظه ذكر باسناده عن زرافة حاجب
المتوكل (1) وكان شيعيا أنه قال: كان المتوكل لحظوة الفتح بن خاقان عنده وقربه منه
دون الناس جميعا ودون ولده وأهله، وأراد أن يبين موضعه عندهم فأمر جميع مملكته من
الاشراف من أهله وغيرهم، والوزراء والامراء والقواد وسائر العساكر ووجوه الناس، أن
يزينوا بأحسن التزيين ويظهروا في أفخر عددهم وذخائرهم، ويخرجوا مشاة بين يديه وأن
لاير كب أحد إلا هو والفتح بن خاقان خاصة بسر من رأى ومشى الناس بين أيديهما على
مراتبهم رجالة وكان يوما قائظا شديد الحر وأخرجوا في جملة الاشراف أبا الحسن علي بن
محمد عليه السلام وشق عليه ما لقيه من الحر والزحمة. قال زرافة: فأقبلت إليه وقلت
له: يا سيدي يعز والله علي ما تلقى من هذه الطغاة، وماقد تكلفته من المشقة وأخذت
بيده فتوكأ علي وقال: يا زرافة.
(1) مر نظير ذلك عن الخرائج في ص 147،
فراجع.
[193]
ما ناقة صالح عند الله بأكرم مني أو قال
بأعظم قدرا مني، ولم أزل اسائله وأستفيد منه واحادثه إلى أن نزل المتوكل من الركوب،
وأمر الناس بالا نصراف. فقدمت إليهم دوابهم فركبوا إلى منازلهم وقدمت بغلة له
فركبها وركبت معه إلى داره فنزل وودعته وانصرفت إلى داري ولولدي مؤدب يتشيع من أهل
العلم والفضل، وكانت لي عادة باحضاره عند الطعام فحضر عند ذلك، وتجارينا الحديث وما
جرى من ركوب المتوكل والفتح، ومشي الاشراف وذوي الاقدار بين أيديهما وذكرت له ما
شاهدته من أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام وما سمعته من قوله: " ما ناقة صالح
عند الله بأعظم قدرا مني ". وكان المؤدب يأكل معي فرفع يده، وقال: بالله إنك سمعت
هذا اللفظ منه ؟ فقلت له: والله إني سمعته يقوله فقال لي: اعلم أن المتوكل لا يبقى
في مملكته أكثر من ثلاثة أيام ويهلك فانظر في أمرك واحرزما تريد إحرازه وتأهب لامرك
كي لا يفجؤكم هلاك هذا الرجل فتهلك أموالكم بحادثة تحدث، أو سبب يجري فقلت له: من
أين لك ذلك ؟ فقال لي: أما قرأت القرآن في قصة الناقة وقوله تعالى " تمتعوا في
داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب " (1) ولا يجوز أن تبطل قول الامام. قال زرافة:
فوالله ما جاء اليوم الثالث حتى هجم المنتصر ومعه بغاء ووصيف والاتراك على المتوكل،
فقتلوه وقطعوه، والفتح بن خاقان جميعا قطعا حتى لم يعرف أحدهما من الآخر، وأزال
الله نعمته ومملكته فلقيت الامام أبا الحسن عليه السلام بعد ذلك وعرفته ما جرى مع
المؤدب، وما قاله، فقال: صدق إنه لما بلغ مني الجهد رجعت إلى كنوز نتوارثها من
آبائنا هي أعز من الحصون والسلاح والجنن وهو دعاء المظلوم على الظالم، فدعوت به
عليه فأهلكه الله فقلت: يا سيدي إن
(1) هود الاية: 65.
[194]
رأيت أن تعلمنيه فعلمنيه إلى آخر ما
أوردته في كتاب الدعاء (1). ق: باسناده عن زرافة مثله. 7 - ع، ل: ابن المتوكل، عن
علي بن إبراهيم، عن عبد الله بن أحمد الموصلي، عن الصقربن أبي دلف الكرخي قال: لما
حمل المتوكل سيدنا أبا الحسن العسكري عليه السلام جئت أسأل عن خبره، قال: فنظر إلى
الزرافي وكان حاجبا للمتوكل فأمرأن ادخل إليه فادخلت إليه، فقال: يا صقر ما شأنك ؟
فقلت: خير أيها الاستاذ، فقال: اقعد فأخذني ما تقدم وما تأخر، وقلت: أخطأت في
المجئ. قال: فوحى الناس عنه ثم قال لي: ما شأنك وفيم جئت ؟ قلت لخير ما فقال لعلك
تسأل عن خبر مولاك ؟ فقلت له: ومن مولاي ؟ مولاي أمير المؤمنين، فقال: اسكت ! مولاك
هو الحق فلا تحتشمني فاني على مذهبك، فقلت: الحمد لله. قال: أتحب أن تراه ؟ قلت:
نعم، قال: اجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده. قال: فجلست فلما خرج قال لغلام له:
خذ بيد الصقر وأدخله إلى الحجرة التي فيها العلوي المحبوس، وخل بينه وبينه، قال:
فأدخلني إلى الحجرة وأو مأ إلى بيت فدخلت فإذا هو جالس على صدر حصير وبحذاه قبر
محفور قال: فسلمت عليه فرد علي ثم أمرني بالجلوس ثم قال لي: يا صقر ما أتى بك ؟
قلت: سيدي جئت أتعرف خبرك ؟ قال: ثم نظرت إلى القبر فبكيت فنظر إلي فقال: يا صقر لا
عليك لن يصلوا إلينا بسوء الآن، فقلت: الحمد لله. ثم قلت: يا سيدي حديث يروى عن
النبي صلى الله عليه وآله لا أعرف معناه، قال: وما هو ؟ فقلت: قوله صلى الله عليه
وآله " لا تعادوا الايام فتعاديكم " ما معناه ؟ فقال: نعم الايام نحن ما قامت
السماوات والارض، فالسبت اسم رسول الله صلى الله عليه وآله والاحد كناية
(1) مهج الدعوات ص 330 - 332.
[195]
عن أمير المؤمنين عليه السلام، والاثنين
الحسن والحسين، والثلاثاء علي بن الحسين، ومحمد ابن علي وجعفر بن محمد، والاربعاء
موسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي وأنا، والخميس ابني الحسن بن علي،
والجمعة ابن ابني، وإليه تجمع عصابة الحق وهو الذي يملاها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما
وجورا. فهذا معنى الايام، فلا تعادوهم في الدنيا فيعادوكم في الآخرة ثم قال عليه
السلام ودع واخرج، فلا آمن عليك (1). ك: الهمداني عن علي بن إبراهيم مثله (2).
بيان: قوله: " فأخذني ما تقدم وما تأخر " أي صرت متفكرا فيما تقدم من الامور، وما
تأخر منها، فاهتممت لها جميعا والحاصل أني تفكرت فيما يترتب على مجيئي من المفاسد،
فندمت على المجئ. ويحتمل أن يكون " فأخذ بي " بالباء أي سأل عني سئوالات كثيرة عما
تقدم وعما تأخر فظننت أنه تفطن بسبب مجيئي فندمت " فوحى الناس " أي أشار إليهم أن
يبعدوا عنه، ويمكن أن يقرء الناس بالرفع أي أسرع الناس في الذهاب فان الوحي يكون
بمعنى الاشارة، وبمعني الاسراع، ويمكن أن يقرء على بناء التفعيل أي عجل الناس في
الانصراف عنه و " صاحب البريد " الرسول المستعجل إذ البريد يطلق على الرسول وعلى
بغلته. 8 - يج: روى أبو سليمان عن ابن أورمة قال: خرجت أيام المتوكل إلى سرمن رأى
فدخلت على سعيد الحاجب ودفع المتوكل أبا الحسن إليه ليقتله، فلما دخلت عليه قال:
أتحب أن تنظر إلى إلهك ؟ قلت: سبحان الله الذي لا تدركه الابصار، قال: هذا الذي
تزعمون أنه إمامكم ! قلت: ما أكره ذلك قال: قد امرت بقتله وأنا فاعله غدا، وعنده
صاحب البريد، فإذا خرج فادخل
(1) ورواه في معاني الاخبار ص 123. وهكذا
رواه الطبرسي في اعلام الورى ص 411. (2) كمال الدين ج 2 ص 54.
[196]
إليه ولم ألبث أن خرج، قال: ادخل. فدخلت
الدار التي كان فيها محبوسا فإذا بحياله قبر يحفر، فدخلت وسلمت وبكيت بكاءا شديدا
فقال: ما يبكيك ؟ قلت: لما أرى، قال: لا تبك لذلك، لايتم لهم ذلك، فسكن ماكان بي
فقال: إنه لا يلبث أكثر من يومين، حتى يسفك الله دمه ودم صاحبه الذي رأيته، قال:
فوالله ما مضى غير يومين حتى قتل. فقلت لابي الحسن عليه السلام: حديث رسول الله صلى
الله عليه واله " لا تعادوا الايام فتعاديكم قال: نعم إن لحديث رسول الله صلى الله
عليه وآله تأويلا. أما السبت فرسول الله صلى الله عليه وآله والاحد أمير المؤمنين
عليه السلام، والاثنين الحسن والحسين عليهما السلام والثلاثاء علي بن الحسين ومحمد
بن علي وجعفر بن محمد، والاربعاء موسى بن جعفر وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وأنا
علي بن محمد، والخميس ابني الحسن، والجمعة القائم منا أهل البيت (1). 9 - يج: روى
أبو سعيد سهل بن زياد قال: حدثنا أبو العباس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب ونحن في
داره بسامره فجرى ذكر أبي الحسن فقال: يا أبا سعيد إني احدثك بشئ حدثني به أبي قال:
كنا مع المعتز وكان أبي كاتبه فدخلنا الدار، وإذا المتوكل على سريره قاعد، فسلم
المعتز ووقف ووقفت خلفه، و كان عهدي به إذا دخل رحب به ويأمر بالقعود فأطال القيام،
وجعل يرفع رجلا ويضع اخرى وهو لا يأذن له بالقعود. ونظرت إلى وجهه يتغير ساعة بعد
ساعة ويقبل عليه الفتح بن خاقان ويقول: هذا الذي تقول فيه ما تقول، ويردد القول،
والفتح مقبل عليه يسكنه، يقول: مكذوب عليه يا أمير المؤمنين وهو يتلظى ويقول: والله
لاقتلن هذا المرائي الزنديق وهو يدعي الكذب، ويطعن في دولتي ثم قال: جئني بأربعة من
الخزر فجئ بهم ودفع إليهم أربعة أسياف، وأمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو
الحسن ويقبلوا
(1) مختار الخرائج ص 212.
[197]
عليه بأسيافهم فيخبطوه، وهو يقول: والله
لا حرقنه بعد القتل، وأنا منتصب قائم خلف المعتز من وراء الستر. فما علمت إلا بأبي
الحسن قد دخل، وقد بادر الناس قدامه، وقالوا: قد جاء والتفت فإذا أنا به وشفتاه
يتحر كان، وهو غير مكروب ولا جازع، فلما بصر به المتوكل رمى بنفسه عن السرير إليه،
وهو سبقه وانكب عليه فقبل بين عينيه ويده، وسيفه بيده وهو يقول: يا سيدي يا ابن
رسول الله يا خير خلق الله يا ابن عمي يا مولاي يا أبا الحسن ! وأبو الحسن عليه
السلام يقول: اعيذك يا أمير المؤمنين بالله [اعفني] (1) من هذا، فقال: ما جاء بك يا
سيدي في هذا الوقت قال: جاءني رسو لك فقال: المتوكل يدعوك ؟ فقال: كذب ابن الفاعلة
ارجع يا سيدي من حيث شئت يا فتح ! يا عبيدالله ! يا معتز شيعوا سيدكم وسيدي. فلما
بصربه الخزر خروا سجدا مذعنين فلما خرج دعاهم المتوكل ثم أمر الترجمان أن يخبره بما
يقولون، ثم قال لهم: لم لم تفعلوا ما امرتم ؟ قالوا: شدة هيبته رأينا حوله أكثر من
مائة سيف لم نقدر أن نتأملهم، فمنعنا ذلك عما أمرت به، وامتلات قلوبنا من ذلك، فقال
المتوكل: يا فتح هذا صاحبك، وضحك في وجه الفتح وضحك الفتح في وجهه، فقال: الحمد لله
الذي بيض وجهه، وأنار حجته (2). 10 - شا: كان مولد أبي الحسن الثالث عليه السلام
بصريا من مدينة الرسول صلى الله عليه وآله للنصف من ذي الحجة سنة اثنتي عشر ومائتين
وتوفي بسر من رأى في رجب من سنة أربع وخمسين ومائتين، وله يومئذ إحدى وأربعون سنة.
وكان المتوكل قد أشخصه مع يحيى بن هرثمة بن أعين من المدينة إلى سر من رأى، فأقام
بها حتى مضى لسبيله وكان مدة إمامته ثلاثا وثلاثين سنة، وامه ام
(1) الزيادة من المصدر. (2) مختار الخرائج
ص 212 و 213.
[198]
ولد يقال لها سمانة (1). 11 - عم، (2) شا:
ابن قولويه عن الكليني (3) عن علي بن محمد، عن إبراهيم ابن محمد الطاهري قال: مرض
المتوكل من خراج (4) خرج به، فأشرف منه على التلف، فلم يجسر أحد أن يمسه بحديدة،
فنذرت امه إن عوفي أن يحمل إلى أبي الحسن على بن محمد عليه السلام مالا جليلا من
مالها. وقال له الفتح بن خاقان (5): لو بعثت إلى هذا الرجل يعني أبا الحسن فسألته
فانه ربما كان عنده صفة شئ يفرج الله به عنك، قال: ابعثوا إليه فمضى الرسول ورجع،
فقال: خذوا كسب الغنم (6) فديفوه بماء ورد، وضعوه على الخراج فانه نافع باذن الله.
فجعل من بحضرة المتوكل يهزء من قوله، فقال لهم الفتح: وما يضر من تجربة ما قال،
فوالله إني لارجو الصلاح به، فاحضر الكسب، وديف بماء الورد ووضع على الخراج، فانفتح
وخرج ماكان فيه، وبشرت ام المتوكل بعافيته فحملت إلى أبي الحسن عليه السلام عشرة
آلاف دينار تحت ختمها فاستقل المتوكل من علته.
(1) الارشادص 307. (2) اعلام الورى ص 344
ورواه ابن شهر آشوب ملخصا في ج 4 ص 415. (3) الكافي ج 1 ص 499. (4) الخراج - كغراب
- القروح والدما ميل العظيمة. (5) قال المسعودي: كان الفتح بن خاقان التركي مولى
المتوكل اغلب الناس عليه، وأكثرهم تقدما عنده، ولم يكن الفتح مع هذه المنزلة ممن
يرجى خيره، أو يخاف شره، وكان له نصيب من العلم، منزلة من الادب وألف كتابا في
أنواع من الاداب و ترجمه بكتاب البستان. (6) في المصباح: الكسب - وزان قفل - ثفل
الدهن، وهو معرب وأصله الكشب بالشين المعجمة.
[199]
فلما كان بعد أيام سعى البطحائي (1) بأبي
الحسن عليه السلام إلى المتوكل فقال: عنده سلاح وأموال، فتقدم المتوكل إلى سعيد
الحاجب أن يهجم ليلا عليه، ويأخذ ما يجد عنده من الاموال والسلاح، ويحمل إليه. فقال
إبراهيم بن محمد: قال لي سعيد الحاجب: صرت إلى دار أبي الحسن عليه السلام بالليل،
ومعى سلم، فصعدت منه إلى السطح، ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة، فلم أدر كيف
أصل إلى الدار فناداني أبو الحسن عليه السلام من الدار: يا سعيد مكانك حتى يأتوك
بشمعة فلم ألبث أن أتوني بشمعة فنزلت فوجدت عليه جبة من صوف وقلنسوة منها وسجادته
على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة فقال لي: دونك بالبيوت. فدخلتها وفتشتها فلم
أجد فيها شيئا، ووجدت البدرة مختومة بخاتم ام المتوكل وكيسا مختوما معها، فقال أبو
الحسن عليه السلام: دونك المصلى فرفعت فوجدت سيفا في جفن غير ملبوس، فأخذت ذلك وصرت
إليه. فلما نظر إلى خاتم امه على البدرة بعث إليها، فخرجت إليه، فسألها عن البدرة،
فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت له: كنت نذرت في علتك إن عوفيت أن أحمل إليه من
مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه وهذا خاتمك على الكيس ما حركها.
(1) هو أبو عبد الله محمد بن القاسم بن
الحسن بن زيد بن الحسن بن أمير المؤمنين عليهما السلام. وهو وأبوه وجده كانوا
مظاهرين لبنى العباس على سائر أولاد أبى طالب. قال في عمدة الطالب: كان الحسن بن
زيد أمير المدينة من قبل المنصور الدوانيقي وكان مظاهرا لبنى العباس على بنى عمه
الحسن المثنى، وهو أول من لبس السواد من العلويين. وقال في القاسم بن الحسن: أنه
كان زاهدا عابدا ورعا، الا أنه كان مظاهرا لبنى العباس على بنى عمه الحسن، وقال في
محمد بن القاسم: أنه يلقب بالبطحانى - منسوبا إلى بطحاء - أو إلى البطحان - واد
بالمدينة، قال العمرى: وأحسب أنهم نسبوه إلى أحد هذين الموضعين لادمانه الجلوس فيه،
وكان محمد البطحانى فقيها.
[200]
وفتح الكيس الآخر وكان فيه أربع مائة
دينار، فأمر أن يضم إلى البدرة بدرة اخرى وقال لي: احمل ذلك إلى أبي الحسن واردد
عليه السيف والكيس بما فيه، فحملت ذلك إليه واستحييت منه، وقلت: يا سيدي عز علي
بدخول دارك بغير إذنك، ولكني مأمور به، فقال لي " سيعلم الذين ظلموا أي منقلب
ينقلبون " (1) يج: عن إبراهيم بن محمد مثله. دعوات الراوندي: مرسلا مثله. بيان:
قوله " كسب الغنم " الكسب بالضم عصارة الدهن، ولعل المراد هنا ما يشبهها مما يتلبد
من السرقين تحت أرجل الشاة " والدوف " الخلط والبل بماء ونحوه، قوله " واستقل " في
ربيع الشيعة استبل أي حسنت حاله بعد الهزال قوله: عز علي أي اشتد على. 12 - شا: كان
سبب شخوص أبي الحسن عليه السلام من المدينة إلى سر من رأى أن عبد الله بن محمد كان
يتولى الحرب والصلاة في مدينة الرسول صلى الله عليه وآله فسعى بأبي - الحسن إلى
المتوكل، وكان يقصده بالاذى، وبلغ أبا الحسن عليه السلام سعايته به فكتب إلى
المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد عليه وكذبه فيما سعى به، فتقدم المتوكل بإ
جابته عن كتابه ودعائه فيه إلى حضور العسكر على جميل من الفعل والقول فخرجت نسخة
الكتاب وهي: " بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، فان أمير المؤمنين عارف بقدرك راع
لقرابتك، موجب لحقك، مؤثر من الامور فيك وفي أهل بيتك، ما يصلح الله به حالك
وحالهم، يثبت به [من] عزك وعزهم ويدخل الامن عليك وعليهم يبتغي بذلك رضا ربه، وأداء
ما فرض عليه فيك وفيهم. فقد رأى أمير المؤمنين صرف عبد الله بن محمد عما كان يتولى
من الحرب و الصلاة بمدينة الرسول، إذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقك، واستخفافه
بقدرك، وعند ماقرفك به ونسبك إليه من الامر الذي قد علم أمير المؤمنين براءتك
(1) الارشاد ص 309 و 310.
[201]
منه وصدق نيتك في برك وقولك (1) وأنك لم
تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه. وقد ولى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل،
وأمره بإكرامك وتبجيلك، والانتهاء إلى أمرك ورأيك، والتقرب إلى الله وإلى أمير
المؤمنين بذلك، وأمير المؤمنين مشتاق إليك، يحب إحداث العهد بك، والنظر إلى وجهك.
فان نشطت لزيارته والمقام قبله، ما أحببت، شخصت ومن اخترت من أهل بيتك ومواليك
وحشمك على مهلة وطمأنينة، ترحل إذا شئت، وتنزل إذا شئت وتسير كيف شئت، فان أحببت أن
يكون يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين و من معه من الجند يرحلون برحيلك، يسيرون
بمسيرك، فالامر في ذلك إليك، و قد تقدمنا إليه بطاعتك. فاستخر الله حتى توافي أمير
المؤمنين فما أحد من إخوته وولده وأهل بيته وخاصته ألطف منه منزلة ولا أحمد له أثرة
ولا هو لهم أنظر، وعليهم أشفق، وبهم أبر، وإليهم أسكن منه إليك، والسلام عليك ورحمة
الله وبركاته. وكتب إبراهيم بن العباس (2) في جمادى الاخرى سنة ثلاث وأربعين
ومائتين. فلما وصل الكتاب إلى أبي الحسن عليه السلام تجهز للرحيل (3) وخرج معه
(1) في الكافي: " في ترك محاولته ". (2)
رواه الكليني في الكافي ج 1 ص 501، وهنا ينتهى لفظه، والسند فيه هكذا: محمد بن
يحيى، عن بعض أصحابنا، قال: أخذت نسخة كتاب المتوكل إلى أبى الحسن الثالث " ع " من
يحيى بن هرثمة في سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وهذه نسخته ! الخ. (3) قال سبط ابن
الجوزى في التذكرة ص 202: قال علماء السير: وانما اشخصه المتوكل من مدينة رسول الله
إلى بغداد، لان المتوكل كان يبغض عليا وذريته، فبلغه مقام على بالمدينة، وميل الناس
إليه، فخاف منه، فدعا يحيى بن هرثمة وقال: اذهب إلى المدينة، وانظر في حاله وأشخصه
الينا. - >
[202]
يحيى بن هرثمة حتى وصل سرمن رأى، فلما وصل
إليها تقدم المتوكل بأن يحجب عنه في يومه، فنزل في خان يقال له خان الصعاليك، وأقام
به يومه، ثم تقدم المتوكل بافراد دار له، فانتقل إليها (1). أخبرني أبو القاسم جعفر
بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن الحسين بن محمد عن معلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن
عبد الله، عن محمد بن يحيى، عن صالح بن سعيد قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام
يوم وروده فقلت له: جعلت فداك في كل الامور أرادوا إطفاء نورك، والتقصير بك، حتى
أنزلوك هذا المكان الاشنع
- > قال يحيى: فذهبت إلى المدينة، فلما
دخلتها ضج أهلها ضجيجا عظيما ما سمع الناس بمثله خوفا على على - عليه السلام -
وقامت الدنيا عليه ساق، لانه كان محسنا إليهم ملازما للمسجد، لم يكن عنده ميل إلى
الدنيا. قال يحيى: فجعلت أسكنهم وأحلف لهم: أنى لم أؤمر فيه بمكروه، وأنه لا بأس
عليه ثم فتشت منزله، فلم اجد فيه الا مصاحف وادعية وكتب العلم، فعظم في عينى وتوليت
خدمته بنفسى، وأحسنت عشرته. فلما قدمت به بغداد بدأت باسحاق بن ابراهيم الطاهري -
وكان واليا على بغداد - فقال لى: يا يحيى ! ان هذا لرجل قد ولده رسول الله،
والمتوكل من تعلم، فان حرضته عليه قتله. وكان رسول الله خصمك يوم القيامة، فقلت له:
والله ما وقفت منه الاعلى كل أمر جميل. ثم صرت به إلى سرمن رأى فبدأت بوصيف التركي
فأخبرته بوصوله، فقال: والله لئن سقط منه شعرة لا يطالب بها الاسواك، فتعجبت كيف
وافق قوله قول اسحاق. فلما دخلت على المتوكل سألني عنه فأخبرته بحسن سيرته وسلامة
طريقه وورعه و زهادته وانى فنشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم، وان أهل
المدينة خافوا عليه. فأكرمه المتوكل، وأحسن جائزته، وأجزل بره، وأنزله معه سرمن
رأى. (1) تراه في اعلام الورى ص 347 و 348، فراجع.
[203]
خان الصعاليك. فقال: ههنا أنت يا ابن سعيد
؟ ثم أومأ بيده فإذا أنا بروضات أنيقات، وأنهار جاريات وجنات فيها خيرات عطرات،
وولدان كأنهن اللؤلؤ المكنون، فحار بصري، وكثر عجبي فقال عليه السلام لي: حيث كنا
فهذا لنايا ابن سعيد، لسنا في خان الصعاليك. وأقام أبو الحسن عليه السلام مدة مقامه
بسر من رأى مكرما في ظاهر حاله يجتهد المتوكل في إيقاع حيلة به، فلا يتمكن من ذلك،
وله معه أحاديث يطول بذكرها الكتاب، فيها آيات له وبينات، إن عمدنا لايراد ذلك
خرجنا عن الغرض فيما نحوناه. وتوفي أبو الحسن عليه السلام في رجب سنة أربع وخمسين
ومائتين، ودفن في داره بسر من رأى، وخلف من الولد أبا محمد الحسن ابنه وهو الامام
بعده والحسين ومحمد وجعفر، وابنته عائشة، وكان مقامه في سرمن رأى إلى أن قبض عشر
سنين وأشهرا وتوفي وسنه يومئذ على ما قدمناه إحدى وأربعين سنة (1). 13 - قب: أبو
محمد الفحام بالاسناد عن سلمة الكاتب قال: قال خطيب يلقب بالهريسة للمتوكل: ما يعمل
أحد بك ما تعمله بنفسك في علي بن محمد، فلا في الدار إلا من يخدمه، ولا يتعبونه
يشيل الستر لنفسه، فأمر المتوكل بذلك فرفع صاحب الخبر أن علي بن محمد دخل الدار،
فلم يخدم ولم يشل أحد بين يديه الستر فهب هواء فرفع الستر حتى دخل وخرج، فقال:
شيلوا له الستر بعد ذلك فلا نريد أن يشيل له الهواء (2). وفي تخريج أبي سعيد
العامري رواية عن صالح بن الحكم بياع السابري قال: كنت واقفيا فلما أخبرني حاجب
المتوكل بذلك أقبلت أستهزئ به إذ
(1) الارشاد ص 313 و 314. (2) مناقب آل
أبى طالب ج 4 ص 406.
[204]
خرج أبو الحسن فتبسم في وجهي من غير معرفة
بيني وبينه، وقال: يا صالح إن الله تعالى قال في سليمان " وسخرنا له الريح تجري
بأمره رخاء حيث أصاب " و نبيك وأوصياء نبيك أكرم على الله تعالى من سليمان، قال:
وكأنما انسل من قلبي الضلالة، فتركت الوقف. الحسين بن محمد قال: لما حبس المتوكل
أبا الحسن عليه السلام ودفعه إلى علي ابن كركر قال أبو الحسن: أنا أكرم على الله من
ناقة صالح " تمتعوا في داركم ثلثة أيام ذلك وعد غير مكذوب " (1) فلما كان من الغد
أطلقه واعتذر إليه فلما كان في اليوم الثالث وثب عليه ياغز وتامش ومعطون، فقتلوه
وأقعدوا المنتصر ولده خليفة. وفي رواية أبي سالم أن المتوكل أمر الفتح بسبه فذكر
الفتح له ذلك فقال: قل " تمتعوا في دار كم ثلاثة أيام " الآية وأنهى ذلك إلى
المتوكل، فقال: أقتله بعد ثلاثة أيام، فلما كان اليوم الثالث قتل المتوكل والفتح
(3). 14 - قب: أبوالهلقام وعبد الله بن جعفر الحميري والصقر الجبلي وأبو شعيب
الحناط وعلي بن مهزيار قالوا كانت زينب الكذابة تزعم أنها ابنة علي بن أبي طالب
عليه السلام فأحضرها المتوكل وقال: اذكري نسبك، فقالت: أنا زينب ابنة علي عليه
السلام وأنها كانت حملت إلى الشام، فوقعت إلى بادية من بني كلب فأقامت بين ظهر
انيهم. فقال لها المتوكل: إن زينب بنت علي قديمة، وأنت شابة ؟ فقالت: لحقتني دعوة
رسول الله صلى الله عليه وآله بأن يرد شبابي في كل خمسين سنة، فدعا المتوكل وجوه آل
أبي طالب، فقال: كيف يعلم كذبها ؟ فقال الفتح: لا يخبرك بهذا إلا ابن الرضا عليه
السلام فأمر باحضاره وسأله فقال عليه السلام: إن في ولد علي عليه السلام علامة،
قال:
(1) هود: 65. (2) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص
407.
[205]
وماهي ؟ قال: لا تعرض لهم السباع، فألقها
إلى السباع، فان لم تعرض لها فهي صادقة، فقالت: يا أمير المؤمنين الله الله في
فانما أراد قتلي، وركبت الحمارو جعلت تنادي: ألا إنني زينب الكذابة. وفي رواية أنه
عرض عليها ذلك فامتنعت فطر حت للسباع فأكلتا. قال علي بن مهزيار فقال علي بن الجهم:
جرب هذا على قائله فاجيعت السباع ثلاثة أيام ثم دعا بالامام عليه السلام وأخرجت
السباع فلما رأته لاذت و تبصبصت بآذانها، فلم يلتفت الامام عليه السلام إليها، وصعد
السقف وجلس عند المتوكل ثم نزل من عنده، والسباع تلوذبه، وتبصبص حتى خرج عليه
السلام وقال: قال النبي صلى الله عليه وآله: حرم لحوم أولادي على السباع (1). 15 -
قب: قال أبو جنيد: أمرني أبو الحسن العسكري بقتل فارس بن حاتم القزويني فناولني
دارهم وقال: اشتربها سلاحا واعرضه علي فذهبت فاشتريت سيفا فعرضته عليه، فقال: رد
هذا وخذ غيره، قال: ورددته وأخذت مكانه ساطورا فعرضته عليه، فقال: هذا نعم، فجئت
إلى فارس، وقد خرج من المسجد بين الصلاتين المغرب والعشاء الآخرة فضربته على رأسه
فسقط ميتا ورميت الساطور، واجتمع الناس واخذت إذ لم يوجد هناك أحد غيري فلم يروا
معي سلاحا ولا سكينا ولا أثر الساطور، ولم يروا بعد ذلك فخليت (2). 16 - كا: مضى
عليه السلام لاربع بقين من جمادى الآخرة سنة أربع وخمسين و مائتين وله إحدى وأربعون
سنة، وستة أشهر أو أربعون سنة، على المولد الآخر الذي روي، وكان المتوكل أشخصه مع
يحيى بن هرثمة بن أعين من المدينة إلى سر من رأى فتوفي بها عليه السلام ودفن في
داره (3). 17 - ضه: توفي عليه السلام بسر من رأى لثلاث ليال خلون نصف النهار من
(1) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 416. (2)
مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 417. (3) الكافي ج 1 ص 497.
[206]
رجب، سنة أربع وخمسين ومائتين، وله يومئذ
إحدى وأربعون سنة وسبعة أشهر وكانت مدة إمامته ثلاثا وثلاثين سنة، وكانت مدة مقامه
بسرمن رأى إلى أن قبض عليه السلام عشرين سنة وأشهرا. 18 - الدروس: امه سمانة، ولد
بالمدينة منتصف ذي الحجة سنة اثنتي عشرة ومائتين وقبض بسرمن رأى في يوم الاثنين
ثالث رجب سنة أربع وخمسين ومائتين ودفن في داره بها. 19 - قب: في آخر ملك المعتمد
استشهد مسموما وقال ابن بابويه: وسمه المعتمد (1). 20 - قل: في أدعية شهر رمضان:
وضاعف العذاب على من شرك في دمه و هو المتوكل. 21 - كشف: قال الحافظ عبد العزيز:
قال علي بن يحيى بن أبي منصور: كنت [يوما] بين يدي المتوكل، ودخل علي بن محمد بن
علي بن موسى عليهم السلام فلما جلس قال له المتوكل: ما يقول ولد أبيك في العباس بن
عبد المطلب ؟ قال: ما يقول ولد أبي يا أمير المؤمنين في رجل فرض الله تعالى طاعة
نبيه على جميع خلقه، وفرض طاعته على نبيه صلى الله عليه وآله (2). 22 - عم: قبض
عليه السلام بسر من رأى في رجب سنة أربع وخمسين ومائتين و له يومئذ إحدى وأربعون
سنة وأشهر، وكان المتوكل قد أشخصه مع يحيى بن هرثمة بن أعين من المدينة إلى سرمن
رأى فأقام بها حتى مضى لسيبله وكانت مدة إمامته ثلاثا وثلاثين سنة، وكان في أيام
إمامته بقية ملك المعتصم، ثم ملك الواثق خمس سنين وسبعة أشهر، ثم ملك المتوكل أربع
عشرة سنة، ثم ملك ابنه المنتصر أشهرا، ثم ملك المستعين وهو أحمد بن محمد بن المعتصم
سنتين وتسعة أشهر ثم ملك المعتز وهو الزبير بن المتوكل ثماني سنين وستة أشهر، وفي
آخر ملكه
(1) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 401. (2) كشف
الغمة ج 3 ص 232.
[207]
اشتشهد ولي الله علي بن محمد عليهما
السلام، ودفن في داره بسر من رأى، وكان مقامه عليه السلام بسرمن رأى إلى أن توفي
عشرين سنة وأشهرا (1). 23 - مروج الذهب للمسعودي: كانت وفاة أبي الحسن علي بن محمد
عليهما السلام في خلافة المعتز بالله، وذلك يوم الاثنين لاربع بقين من جمادى
الآخرة، سنة أربع وخمسين ومائتين وهو ابن أربعين سنة، وقيل ابن اثنتين وأربعين سنة،
و قيل أقل من ذلك، وسمعت في جنازته جارية سوداء وهي تقول: ماذا لقينا من يوم
الاثنين، وصلى عليه أحمد ابن المتوكل على الله في شارع أبي أحمد، ودفن هناك في داره
بسامراء (2). وحدثنا ابن أبي الازهر، عن القاسم بن أبي عباد، عن يحيى بن هرثمة قال:
وجهني المتوكل إلى المدينة لاشخاص علي بن محمد بن علي بن موسى عليه السلام لشئ بلغه
عنه، فلما صرت إليها ضج أهلها وعجوا ضجيجا وعجيجا ما سمعت مثله فجعلت اسكنهم وأحلف
أني لم اؤمر فيه بمكروه، وفتشت منزله، فلم اصب فيه إلا مصاحف ودعاء وما أشبه ذلك،
فأشخصته وتوليت خدمته، وأحسنت عشرته. فبينا أنافي يوم من الايام والسماء صاحية
والشمس طالعة، إذا ركب وعليه ممطر قد عقد ذنب دابته فتعجبت من فعله، فلم يكن من ذلك
إلا هنيئة حتى جاءت سحابة فأرخت عزاليها، ونالنا من المطر أمر عظيم جدا فالتفت إلي
فقال: أنا أعلم أنك أنكرت ما رأيت، وتوهمت أني أعلم من الامر ما لم تعلم، وليس ذلك
كما
(1) اعلام الورى ص 339. (2) سامرا بلدة
شرقي دجلة من ساحلها، وقد يقال سامرة، واصلها لغة اعجمية ونظيرها " تامرا " اسم
طسوج من سواد بغداد واسم لاعالى نهر ديالى، نهر واسع كان يحمل السفن في أيام
المدود، وهذا وزن ليس في أوزان العرب له مثال. لكنه قد لعبت بها يد أدباء العرب،
وصرفوها، فقالوا: سرمن رأى: إلى سرور لمن رأى: وسرمن رأى، على انه فعل ماض وسرمن
راى، على انه مصدر مجرد، وقيل: أصله: ساء من رأى.
[208]
ظننت ولكني نشأت بالبادية، فأنا أعرف
الرياح التي تكون في عقبها المطر فتأهبت لذلك. فلما قدمت إلى مدينة السلام بدأت
باسحاق بن إبراهيم الطاهري وكان على بغداد، فقال: يا يحيى إن هذا الرجل قد ولده
رسول الله صلى الله عليه وآله والمتوكل من تعلم، وإن حرضته عليه قتله، وكان رسول
الله صلى الله عليه وآله خصمك، فقلت: والله ما وقفت منه إلا على أمر جميل. فصرت إلى
سامراء فبدأت بوصيف التركي وكنت من أصحابه، فقال لي: والله لئن سقط من رأس هذا
الرجل شعرة لا يكون الطالب بها غيري، فتعجبت من قولهما وعرفت المتوكل ما وقفت عليه
من أمره، وسمعته من الثناء فأحسن جائزته، وأظهر بره وتكرمته. وحدثني محمد بن الفرج
عن أبي دعامة، قال: أتيت علي بن محمد عليه السلام عائدا في علته التي كانت وفاته
بها، فلما هممت بالانصراف قال لي: يا أبا دعامة قد وجب علي بن حقك ألا احدثك بحديث
تسر به ؟ قال: فقلت له: ما أحوجني إلى ذلك يا ابن رسول الله. قال: حدثني أبي محمد
بن علي قال: حدثني أبي علي بن موسى قال: حدثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدثني أبي
جعفر بن محمد، قال: حدثني أبي محمد بن على قال: حدثني أبي علي بن الحسين قال: حدثني
أبي الحسين بن علي قال: حدثني أبي علي بن أبي طالب عليه السلام قال: قال لي رسول
الله صلى الله عليه وآله: يا علي اكتب فقلت: ما أكتب ؟ فقال: كتب بسم الله الرحمن
الرحيم الايمان ما وقر في القلوب وصدقته الاعمال، والاسلام ما جرى على اللسان، وحلت
به المناكحة. قال أبو دعامة: فقلت: يا ابن رسول الله والله ما أدري أيهما أحسن ؟
الحديث أم الاسناد ؟ فقال: إنها لصحيفة بخط علي بن أبي طالب عليه السلام وإملاء
رسول الله صلى الله عليه وآله نتوارثهما صاغر عن كابر.
[209]
قال المسعودي: وقد ذكرنا خبر علي بن محمد
مع زينب الكذابة بحضرة المتوكل ونزوله إلى بركة السباع، وتذللها له، ورجوع زينب عما
ادعته من أنها ابنة للحسين، وأن الله أطال عمرها إلى ذلك الوقت: في كتابا أخبار
الزمان وقيل: إنه عليه السلام مات مسموما. 24 - عيون المعجزات: روي أن بريحة
العباسي كتب إلى المتوكل: إن كان لك في الحرمين حاجة فأخرج علي بن محمد منها فانه
قد دعا الناس إلى نفسه واتبعه خلق كثير، ثم كتب إليه بهذا المعنى زوجة (1) المتوكل
فنفذ يحيى بن هرثمة وكتب معه إلى أبي الحسن عليه السلام كتابا جيدا يعرفه أنه قد
اشتاق إليه و سأله القدوم عليه وأمر يحيى بالمسير إليه وكتب إلى بريحة يعرفه ذلك.
فقدم يحيى المدينة، وبدأ ببريحة، وأصل الكتاب إليه ثم ركبا جميعا إلى أبي الحسن
عليه السلام وأوصلا إليه كتاب المتوكل فاستأجلها ثلاثة أيام، فلما كان بعد ثلاثة
عادا إلى داره فوجدا الدواب مسرجة والاثقال مشدودة، قد فرغ منها فخرج صلوات الله
عليه متوجها إلى العراق ومعه يحيى بن هرثمة. وروي أنه لما كان في يوم الفطر في
السنة التي قتل فيها المتوكل أمر المتوكل بني هاشم بالترجل والمشي بين يديه، وإنما
أراد بذلك أن يترجل أبو الحسن عليه السلام. فترجل بنو هاشم وترجل أبو الحسن عليه
السلام واتكأ على رجل من مواليه فأقبل عليه الهاشميون وقالوا: يا سيدنا ما في هذا
العالم أحد يستجاب دعاؤه ويكفينا الله، به تعزز هذا، قال لهم أبو الحسن عليه
السلام: في هذا العالم من قلامة ظفره أكرم على الله من ناقة ثمود لما عقرت الناقة
صالح الفصيل إلى الله تعالى فقال الله سبحانه: " تمتعوا في دار كم ثلاثة أيام ذلك
وعد غير مكذوب " (2) فقتل المتوكل يوم الثالث.
(1) فوجه خ ل. (2) هود: 65.
[210]
وروي أن المتوكل قتل في الرابع من شوال
سنة سبع وأربعين ومائتين (1) في سبع وعشرين سنة من إمامة أبي الحسن عليه السلام
وبويع لابنه محمد بن جعفر المنتصر وملك سبعة أشهر ومات، وبويع لاحمد المستعين بن
المعتصم وكان ملكه أربع سنين ثم خلع وبويع للمعتز بن المتوكل، وروي أن اسمه الزبير
في سنة اثنتين وخمسين ومائتين وذلك في اثنتين وثلاثين سنة من إمامة أبي الحسن عليه
السلام في سنة أربع وخمسين ومائتين وأحضر ابنه أبا محمد الحسن عليه السلام وأعطاه
النور والحكمة ومواريث الانبياء والسلاح، ونص عليه وأوصى إليه بمشهد ثقات من أصحابه
ومضى عليه السلام وله أربعون سنة ودفن بسر من رأى.
(1) قال ابن جوزي في التلقيح: قتل المتوكل
ليلة الاربعاء، لاربع خلون، من شوال سنة تسع وأربعين ومائتين، وولى بعده المنتصر
ابنه وكان خلافته ستة أشهر، وولى بعده المستعين وكانت خلافته ثلاث سنين وتسعة أشهر،
وولى بعده المعتز وكانت خلافته ثلاث سنين وستة أشهر وثلاثة وعشرين يوما وكيف كان
فقد كان في قتل المتوكل - وهو بدعاء الهادى عليه السلام - فرجا ومخرجا لال أبى طالب
كلهم، حيث عطف المنتصر عليهم، وأحسن إليهم ووجه بمال فرقه فيهم، وكان يؤثر - كما
ذكره في المقاتل - مخالفة أبيه في جميع أحواله ومضادة مذهبه طعنا عليه ونصرة لفعله.
وكان يظهر الميل إلى أهل هذا البيت ويخالف أباه في افعاله، فلم يجرمنه على احد منهم
قتل أو حبس ولا مكروه فيما بلغنا والله اعلم. وقال الطبري: ان المنتصر لما ولى
الخلافة كان اول شئ احدث من الامور عزل صالح بن على، عن المدينة، وتولية على بن
الحسين بن اسماعيل بن العباس بن محمد اياها فذكر عن على بن الحسين انه قال: دخلت
عليه اودعه فقال لى: يا على انى اوجهك إلى لحمى ودمى، ومد جلد ساعده وقال: إلى هذا
وجهتك، فانظر كيف تكون للقوم. وكيف تعاملهم - يعنى آل ابى طالب - فقلت: ارجوان
امتثل راى أمير المؤمنين فيهم انشاء الله، فقال: إذا تسعد بذلك عندي.
[211]
25 - البرسى في مشارق الانوار: عن محمد بن
الحسن الجهني قال: حضر مجلس المتوكل مشعبذ هندي فلعب عنده بالحق فأعجبه فقال له
المتوكل: يا هندي الساعة يحضر مجلسنا رجل شريف فإذا حضر فالعب عنده بما يخجله. قال:
فلما حضر أبو الحسن عليه السلام المجلس لعب الهندي فلم يلتقت إليه فقال له: يا شريف
ما يعجبك لعبي ؟ كأنك جائع، ثم أشار إلى صورة مدورة في البساط على شكل الرغيف،
وقال: يا رغيف مر إلى هذا الشريف، فارتفعت الصورة فوضع أبو الحسن عليه السلام يده
على صورة سبع في البساط وقال: قم فخذ هذا فصارت الصورة سبع وابتلع الهندي وعاد إلى
مكانه في البساط فسقط المتوكل لوجهه وهرب من كان قائما. اقول: قال المسعودي في مروج
الذهب: سعي إلى المتوكل بعلي بن محمد الجواد عليهما السلام أن في منزله كتبا وسلاحا
من شيعته من أهل قم، وأنه عازم على الوثوب بالدولة، فبعث إليه جماعة من الاتراك،
فهجموا داره ليلا فلم يجدوا فيها شيئا ووجدوه في بيت مغلق عليه، وعليه مدرعة من
صوف، وهو جالس على الرمل والحصا وهو متوجه إلى الله تعالى يتلو آيات من القرآن.
فحمل على حاله تلك إلى المتوكل وقالوا له: لم نجد في بيته شيئا ووجدناه يقرء القرآن
مستقبل القبلة، وكان المتوكل جالسا في مجلس الشرب فدخل عليه والكاس في يد المتوكل.
فلما رآه هابه وعظمه وأجلسه إلى جانبه، وناوله الكاس التي كانت في يده فقال: والله
ما يخامر لحمي ودمي قط، فاعفني فأعفاه، فقال: أنشدني شعرا فقال عليه السلام: إني
قليل الرواية للشعر فقال: لابد فأنشده عليه السلام وهو جالس عنده: باتوا على قلل
الاجبال تحرسهم * غلب الرجال فلم تنفعهم القلل. واستنزلوا بعد عز من معاقلهم *
وأسكنوا حفرا يا بئسما نزلوا ناداهم صارخ من بعد دفنهم * أين الاساور والتيجان
والحلل.
[212]
أين الوجوه التي كانت منعمة * من دونها
تضرب الاستار والكلل فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم * تلك الوجوه عليها الدود تقتتل
قد طال ما أكلوا دهرا وقد شربوا * وأصبحوا اليوم بعد الاكل قد اكلوا قال: فبكى
المتوكل حتى بلت لحيته دموع عينيه، وبكى الحاضرون، و دفع إلى علي عليه السلام أربعة
آلاف دينار، ثم رده إلى منزله مكرما (1). اقول: روى الكراجكي في كنز الفوائد وقال:
فضرب المتوكل بالكأس
(1) روى المسعودي عن المبرد قال: وردت
سرمن رأى فادخلت على المتوكل وقد عمل فيه الشراب، وبين يديه المتوكل البحترى الشاعر
فابتدا ينشده قصيدة يمدح بها المتوكل أولها: عن أي ثغر تبتسم * وبأى طرف تحتكم حسن
يضبئ بحسنه * والحسن أشبه بالكرم قل للخليفة جعفر * المتوكل ابن المعتصم المرتضى
ابن المجتبى * والمنعم بن المنتقم إلى أن قال: نلنا الهدى بعد العمى * بك والغنى
بعد العدم فلما انتهى، مشى القهقرى للانصراف، فوثب أبو العنبس فقال: يا أمير
المؤمنين تأمر برده، فقد والله عارضته في قصيدته هذه، فأمر برده فأخذ أبو العنبس
ينشد: من أي سلح تلتقم * وبأى كف تلتطم أدخلت رأس البحترى * أبى عبادة في الرحم
ووصل ذلك بما اشبهه من الشتم، فضحك المتوكل حتى استلقى على قفاه، وفحص برجله اليسرى
وقال يدفع إلى ابى العنبس عشرة آلاف درهم، فقال الفتح: يا سيدي البحترى الذى هجى
واسمع المكروه ينصرف خائيا ؟ قال: ويدفع إلى البحترى عشرة آلاف درهم.
[213]
الارض وتنغص عيشه في ذلك اليوم (1). 26 -
كتاب الاستدراك: عن ابن قولويه باسناده إلى محمد بن العلا السراج قال: أخبرني
البختري قال: كنت بمنبج (2) بحضرة المتوكل إذ دخل عليه رجل من أولاد محمد ابن
الحنفية حلو العينين، حسن الثياب، قد قرف عنده بشئ فوقف بين يديه والمتوكل مقبل على
الفتح يحدثه. فلما طال وقوف الفتى بين يديه وهو لا ينظر إليه قال له: يا أمير
المؤمنين إن كنت أحضرتني لتأديبي فقد أسأت الادب، وإن كنت قد أحضرتني ليعرف من
بحضرتك من أو باش الناس استهانتك بأهلي فقد عرفوا. فقال له المتوكل: والله يا حنفي
لولا ما يثنيني عليك من أوصال الرحم ويعطفني عليك من مواقع الحلم لانتزعت لسانك
بيدي، ولفرقت بين رأسك وجسدك ولو كان بمكانك محمد أبوك قال: ثم التفت إلى الفتح
فقال: أما ترى ما نلقاه من آل أبي طالب ؟ إما حسني يجذب إلى نفسه تاج عز نقله الله
إلينا قبله، أو حسيني يسعى في نقض ما أنزل الله إلينا قبله أو حنفي يدل بجهله
أسيافنا على سفك دمه. فقال له الفتى: وأي حلم تركته لك الخمور وإدمانها ؟ أم
العيدان وفتيانها ومتى عطفك الرحم على أهلي وقد ابتززتهم فدكا إرثهم من رسول الله
صلى الله عليه وآله فورثها أبو حرملة، وأما ذكرك محمدا أبي فقد طفقت تضع عن عز رفعه
الله ورسوله، وتطاول شرفا تقصر عنه ولا تطوله، فأنت كما قال الشاعر: فغض الطرف إنك
من نمير * فلا كعبا بلغت ولا كلابا ثم ها أنت تشكو لي علجك هذا ما تلقاه من الحسني
والحسيني والحنفي فلبئس المولى ولبئس العشير. ثم مدرجليه ثم قال: هاتان رجلاي
لقيدك، وهذه عنقي لسيفك، فبوء باثمي
(1) ورواه سبط ابن الجوزى في التذكره ص
203 نقلا عن المسعودي في مروج الذهب. (2) منبج - كمجلس - اسم موضع من أعمال الشام.
[214]
وتحمل ظلمي فليس هذا أول مكروه أوقعته أنت
وسلفك بهم، يقول الله تعالى " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى " (1)
فوالله ما أجبت رسول الله صلى الله عليه وآله عن مسألته ولقد عطفت بالمودة على غير
قرابته، فعما قليل ترد الحوض، فيذودك أبي ويمنعك جدي صلوات الله عليهما. قال: فبكى
المتوكل ثم قام فدخل إلى قصر جواريه، فلما كان من الغد أحضره وأحسن جائزته وخلى
سبيله. 27 - ومن الكتاب المذكور بإسناده أن المتوكل قيل له: إن أبا الحسن يعني علي
بن محمد بن علي الرضا عليه السلام يفسر قول الله عزوجل " يوم يعض الظالم على يديه "
(2) الآيتين في الاول والثاني، قال: فكيف الوجه في أمره ؟ قالوا: تجمع له الناس
وتسأله بحضرتهم فان فسرها بهذا كفاك الحاضرون أمره وإن فسرها بخلاف ذلك افتضح عند
أصحابه، قال: فوجه إلى القضاة وبني هاشم والاولياء وسئل عليه السلام فقال: هذان
رجلان كنى عنهما، ومن بالستر عليهما أفيحب أمير المؤمنين أن يكشف ما ستره الله ؟
فقال: لا احب. كتاب المقتضب لابن عياش - رحمه الله - قال: لمحمد بن إسماعيل بن صالح
الصيمري رحمه الله قصيدة يرثي بها مولانا أبا الحسن الثالث عليه السلام ويعزي ابنه
أبا محمد عليه السلام أو لها: الارض خوفا زلزلت زلزالها * وأخرجت من جزع أثقالها
إلى أن قال: عشر نجوم أفلت في فلكها * ويطلع الله لنا أمثالها بالحسن الهادي أبي
محمد * تدرك أشياع الهدى آمالها وبعده من يرتجى طلوعه * يظل جواب الفلا أجزالها ذو
الغيبتين الطول الحق التي * لا يقبل الله من استطالها يا حجج الرحمان إحدى عشرة *
آلت بثاني عشرها مآلها.
(1) الشورى: 23. (2) الفرقان: 27.
[215]
5 * (باب) * * (احوال اصحابه واهل زمانه)
* * (صلوات الله عليه) * 1 - ما: الفحام، عن المنصوري، عن سهل بن يعقوب بن إسحاق
الملقب بأبي نواس المؤدب في المسجد المعلق في صفة سبق (1) بسر من رأى قال المنصوري:
وكان يلقب بأبي نواس لانه كان يتخالع ويتطيب مع الناس، ويظهر التشيع على الطيبة
فيأمن على نفسه. فلما سمع الامام عليه السلام لقبني بأبي نواس قال: يا أبا السرى
أنت أبو نواس الحق ومن تقدمك أبو نواس الباطل. قال: فقلت له ذات يوم: يا سيدي قد
وقع لي اختيارات الايام، عن سيدنا الصادق عليه السلام مما حدثني به الحسن بن عبد
الله بن مطهر، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، عن سيدنا الصادق عليه السلام في
كل شهر فأعرضه عليك ؟ فقال لي: افعل. فلما عرضته عليه وصححته قلت له: يا سيدي في
أكثر هذه الايام قواطع عن المقاصد لما ذكر فيها من التحذير والمخاوف فتدلني على
الاحتراز من المخاوف فيها، فانما تدعوني الضرورة إلى التوجه في الحوائج فيها، فقال
لي: يا سهل إن لشيعتنا بولايتنا لعصمة، لو سلكوا بها في لجة البحار الغامرة، وسباسب
البيد
(1) شبيب خ ل.
[216]
الغائرة، بين سباع وذئاب، وأعادي الجن
والانس، لامنوا من مخاوفهم بولايتهم لنا، فثق بالله عزوجل، واخلص في الولاء لائمتك
الطاهرين فتوجه حيث شئت. بيان: سيأتي الخبر بتمامه مع شرحه في كتاب الدعاء وقال
الفيروز آبادي " النواس " ككتان المضطرب المسترخي. 2 - قب: بابه محمد بن عثمان
العمري ومن ثقاته أحمد بن حمزة بن اليسع وصالح بن محمد الهمداني ومحمد بن جزك
الجمال، ويعقوب بن يزيد الكانب، و أبو الحسين بن هلال، وإبراهيم بن إسحاق، وخيران
الخادم، والنضر بن محمد الهمداني. ومن وكلائه جعفر بن سهيل الصيقل. ومن أصحابه داود
بن زيد، وأبو سليمان زنكان، والحسين بن محمد المدائني وأحمد بن إسماعيل بن يقطين،
وبشر بن بشار النيشابوري الشاذاني، وسليم بن جعفر المروزي والفتح بن يزيد الجرجاني
ومحمد بن سعيد بن كلثوم، وكان متكلما ومعاوية بن حكيم الكوفي، وعلي بن معد بن معبد
البغدادي وأبو الحسن ابن رجا العبر تائي (1). 3 - الفصول المهمة: شاعره العوفي
والديلمي، بو ابه عثمان بن سعيد. 4 - كتاب مقتضب الاثر لاحمد بن محمد بن عياش، عن
عبد المنعم بن النعمان العبادي قال: أنشدني الحسن بن مسلم أن أبا الغوث المنبجي (2)
شاعر آل محمد صلوات الله عليهم أنشده بعسكر سرمن رأى، قال الحسن: واسم أبي الغوث
أسلم ابن محرز (3) من أهل منبج، وكان البحتري (4) يمدح الملوك وهذا يمدح
(1) مناقب آل ابى طالب ج 4 ص 402. (2) قال
الجوهرى: منبج اسم موضع، فإذا نسبت إليه فتحت الباء وقلت: كساء منبجانى، اخرجوه
مخرج مخبراني ومنظرانى. (3) كذا في نسخة الاصل، وعنونه صاحب الكنى والالقاب، وقال:
أسلم بن مهوز المنبجى شاعر يمدح آل محمد عليهم السلام. (4) هو أبو عبادة الوليد بن
عبيد بن يحيى الطائى الشاعر المعروف كان من فحول - >
[217]
آل محمد صلى الله عليهم وكان البختري أبو
عباد ينشد هذه القصيدة لابي الغوث: ولهت إلى رؤيا كم وله الصادي * يذاد عن الورد
الروي بذواد محلى عن الورد اللذيذ مساغه * إذا طاف وراد به بعد وراد فأعلمت فيكم كل
هوجاء جسرة * ذمول السرى يقتاد في كل مقتاد أجوب بها بيد الفلا وتجوب بي * إليك
ومالي غير ذكرك من زاد فلما تراءت سرمن راى تجشمت * إليك فعوم الماء في مفعم الوادي
فآدت إلى تشتكي ألم السرى * فقلت اقصري فالعزم ليس بمياد إذاما بلغت الصادقين بني
الرضا * فحسبك من هاد يشير إلى هاد مقاويل إن قالوا بهاليل إن دعوا * وفاة بميعاد
كفاة بمرتاد إذا أو عدوا أعفوا وإن وعدوا وفوا * فهم أهل فضل عند وعد وإيعاد كرام
إذا ما أنفقوا المال أنفدوا * وليس لعلم أنفقوه من انفاد ينابيع علم الله أطواد
دينه * فهل من نفاد إن علمت لاطواد نجوم متى نجم خبا مثله بدا * فصلى على الخابي
المهيمن والبادي عباد لمولاهم موالي عباده * شهود عليهم يوم حشر وإشهاد هم حجج الله
اثنتى عشرة متى * عددت فثاني عشرهم خلف الهادي بميلاده الانباء جاءت شهيرة * فأعظم
بمولود وأكرم بميلاد
- > شعراء القرن الثالث معاصرا لابي تمام،
ومن الادباء من يفضله على أبى تمام. قال ابن خلكان: قيل للبحتري: أيما أشعر ؟ أنت
أم أبو تمام ؟ فقال: جيده خير من جيدي، ورديئي خير من رديئه، وكان يقال لشعر
البحترى سلاسل الذهب، وهو في الطبقة العليا، ويقال انه قيل لابي العلاء المعرى: أي
الثلاثة اشعر ؟ ابو تمام، ام البحترى ام المتنبئ ؟ فقال: المتنبئ وابو تمام حكيمان
وانما الشاعر البحترى. ولد سنة 206 بمنبج من اعمال الشام وتخرج بها، ثم خرج إلى
العراق، ومدح جماعة من الخلفاء أو لهم المتوكل وخلقا كثيرا من الاكابر والرؤساء
توفى بالسكتة في منبج 284.
[218]
بيان: في القاموس " المنبج " كمجلس موضع،
والصادي العطشان، الذود الدفع، وحلاه عن الماء بالتشديد مهموزا طرده ومنعه، و "
الهوجاء " الناقة المسرعة و " الجسر " بالفتح العظيم من الابل، والانثى جسرة. و "
الذميل " كأمير السوق اللين، ذمل يذميل ويذمل ذملا وذمولا وناقة ذمول، ويقال قدته
واقتدته فاقتاد، وجوب البلاد قطعها، " والبيد " جمع البيدا وهي الفلاة وأفعم الاناء
ملاه كفعمه وفعوم مفعول مطلق لتجشمت من غير لفظه أوصفة لمصدر محذوف، بنزع الخافض.
وآداه على فلان أعداه وأعانه وآدني عليه بالمد أي قوني، ولعله استعمل هنا بمعنى
الطلب، أو من آد يئيد أيدا بمعنى اشتد وقوي. قوله " ليس بمياد " أي مضطرب، وقال "
البهلول كسر سور الضحاك، و السيد الجامع لكل خير (1) والاطواد جمع الطود، وهو الجبل
العظيم، وخبت النار طفئت، وهنا استعير للغروب، و " المهيمن " فاعل صلى والبادي عطف
على الخابي. 5 - مروج الذهب: قال المسعودي: كان بغا من الاتراك من غلمان المعتصم
يشهد الحروب العظام، يباشرها بنفسه، فيخرج منها سالما ولم يكن يلبس على بدنه شيئا
من الحديد، فعذل في ذلك فقال: رأيت في نومي النبي صلى الله عليه وآله ومعه جماعة من
أصحابه فقال: يا بغا أحسنت إلى رجل من امتي فدعا لك بدعوات استجيبت له فيك. قال:
فقلت: يا رسول الله ومن ذلك الرجل ؟ قال: الذي خلصته من السباع فقلت: يا رسول الله
صلى الله عليه وآله سل ربك أن يطيل عمري، فشال يده نحو السماء، و قال: اللهم أطل
عمره وأنسئ في أجله فقلت: يا رسول الله خمس وتسعون سنة فقال خمس وتسعون سنة. فقال
رجل كان بين يديه: " ويوقى من الآفات " فقال النبي صلى الله عليه وآله ويوقى من
الآفات، فقلت للرجل: من أنت ؟ فقال: أنا علي بن أبي طالب فاستيقظت من
(1) القاموس ج 3 ص 339.
[219]
نومي وأنا أقول علي بن أبي طالب. وكان بغا
كثير التعطف والبر على الطالبيين، فقيل له: ماكان ذلك الرجل الذي خلصته من السباع ؟
قال: اتي المعتصم بالله برجل قدر مي ببدعة فجرت بينهم في الليل مخاطبة في خلوة،
فقال لي المعتصم: خذه فألقه إلى السباع، فأتيت بالرجل إلى السباع لالقيه إليها،
وأنا مغتاظ عليه، فسمعته يقول: اللهم إنك تعلم أني ما كلمت إلا فيك، ولا نصرت إلا
دينك، ولا اتيت إلا من توحيدك، ولم ارد غيرك تقربا إليك بطاعتك، وإقامة الحق على من
خالفك أفتسلمني ؟ قال: فار تعدت وداخلني له رقة، وعلى قلبي منه وجع، فجذبته عن طريق
بركة السباع، وقد كدت أن أزخ به فيها، واتيت به إلى حجرتي فأخفيته وأتيت المعتصم
فقال: هيه ؟ فقلت: ألقيته، قال: فما سمعته يقول ؟ قلت: أنا أعجمي وكان يتكلم بكلام
عربي ما كنت أعلم ما يقول ؟ وقد كان الرجل أغلظ للمعتصم في خطابه. فلما كان في
السحر قلت للرجل: قد فتحت الابواب وأنا مخرجك مع رجال الحرس، وقد آثرتك على نفسي
ووقيتك بروحي فاجهد أن لا تظهر في أيام المعتصم قال: نعم، قلت: فما خبرك ؟ قال: هجم
رجل من عما لنا في بلدنا على ارتكاب المحارم والفجور، إماتة الحق ونصر الباطل، فسرى
ذلك في فساد الشريعة وهدم التوحيد فلم أجد ناصرا عليه فهجمت في ليلة عليه فقتلته
لان جرمه كان مستحقا في الشريعة أن يفعل به ذلك فاخذت فكان ما رأيت. 6 - ما: الفحام
قال: كان أبو الطيب أحمد بن محمد بن بوطير رجلا من أصحابنا، وكان جده بوطير غلام
الامام أبي الحسن علي بن محمد وهو سماه بهذا الاسم وكان ممن لايدخل المشهد، ويزور
من وراء الشباك، ويقول: للدار صاحب حتى اذن له، وكان متأدبا يحضر الديوان وكان إذا
طلب من الانسان حاجة فان أنجزها شكر وسر، وإن وعده عاد إليه ثانية، فان أنجزها وألا
عاد الثالثة، فان أنجزها وإلا قام في مجلسه إن كان ممن له مجلس أو جمع الناس فأنشد:
[220]
أعلى الصراط تريد رعية ذمتي * أم في
المعاد تجود بالانعام إني لدنيائي اريدك فانتبه * يا سيدي من رقدة النوام 7 - غط:
من المحمودين أيوب بن نوح بن دراج ذكر عمرو بن سعيد المدائني وكان فطحيا قال: كنت
عند أبي الحسن العسكري عليه السلام بصريا إذ دخل أيوب ابن نوح ووقف قدامه فأمره
بشئ، ثم انصرف والتفت إلي أبو الحسن عليه السلام وقال يا عمرو إن أحببت أن تنظر إلى
رجل من أهل الجنة فانظر إلى هذا. ومنهم علي بن جعفر الهماني وكان فاضلا مرضيا من
وكلاء أبي الحسن و أبي محمد عليهما السلام روى أحمد بن علي الرازي عن علي بن مخلد
الايادي قال: حدثني أبو جعفر العمري قال: حج أبو طاهر بن بلال فنظر إلى علي بن جعفر
وهو ينفق النفقات العظيمه، فلما انصرف كتب بذلك إلى أبي محمد عليه السلام فوقع في
رقعته قد كنا أمرنا له بمائة ألف دينار ثم أمرنا له بمثلها فأبى قبوله إبقاء علينا،
ما للناس والدخول من أمرنا فيما لم ندخلهم فيه قال ودخل على أبي الحسن العسكري فأمر
له بثلاثين ألف دينار (1). ومنهم أبو علي بن راشد أخبرني ابن أبي جيد عن محمد بن
الحسن بن الوليد عن الصفار، عن محمد بن عيسى قال: كتب أبو الحسن العسكري إلى
الموالي ببغداد والمدائن والسواد وما يليها: قد أقمت أبا علي بن راشد مقام علي بن
الحسين بن عبدربه، ومن قبله من وكلائي، وقد أو جبت في طاعته طاعتي، وفي عصيانه
الخروج إلى عصياني، وكتبت بخطي (2). وروى محمد بن يعقوب رقعة إلى محمد بن فرج قال:
كتبت إليه أسأله عن أبي علي بن راشد، وعن عيسى بن جعفر، وعن ابن بند، وكتب إلى:
ذكرت ابن راشد رحمه الله إنه عاش سعيدا ومات شهيدا. ودعا لابن بند، والعاصمي، وابن
بند ضرب
(1) غيبة الشيخ ص 226. (2) المصدر ص 227.
(*)
[221]
بعمود وقتل وابن عاصم ضرب بالسياط على
الجسر ثلاث مائة سوط ورمي، به في الدجلة (1). 8 - غط: من المذمومين فارس بن حاتم بن
ماهويه القزويني (2) على ما رواه عبد الله بن جعفر الحميري قال: كتب أبو الحسن
العسكري عليه السلام إلى علي بن
(1) ورواه الكشى في رجاله ص 502. (2) روى
الكليني في الكافي ج 1 ص 496 عن الحسين بن محمد، عن معلى بن محمد عن أحمد بن محمد
بن عبد الله، عن محمد بن سنان قال: دخلت على أبى الحسن " ع " - يعنى الهادى عليه
السلام - فقال: يا محمد ! حدث بآل فرج حدث ؟ فقلت: مات عمر، فقال: الحمدلله - حتى
أحصيت له أربعا وعشرين مرة - فقلت: يا سيدي لو علمت أن هذا يسرك لجئت حافيا أعدو
اليك. قال: يا محمد: أولا تدرى ما قال لعنه الله لمحمد بن على أبى ؟ قال: قلت: لا،
قال: خاطبه في شئ فقال: اظنك سكران، فقال أبى: اللهم ان كنت تعلم أنى أمسيت لك
صائما فأذقه طعم الحرب، وذل الاسر ". فوالله ان ذهبت الايام حتى حرب ماله، وما كان
له، ثم أخذ أسيرا وهو ذا قد مات - لارحمه الله - وقد أدال الله عزوجل منه، وما زال
يديل أولياءه من أعدائه. قال المسعودي: في سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، سخط المتوكل
على عمر بن الفرج الرخجى، وكان من عليه الكتاب، وأخذ منه مالا وجواهرا مائة ألف
وعشرين ألف دينار، وأخذ من أخيه نحو مائة ألف دينار وخمسين ألف دينار، ثم صالح عمر
على احدى عشر ألف درهم على أن يرد عليه ضياعه. ثم غضب عليه مرة ثانية، ثم امر أن
يصفع في كل يوم فاحصى ما صفع فكانت ستة آلاف صفعة، والبس جبة صوف، ثم رضى عنه ثم
سخط عليه ثالثة واحضر إلى بغداد، وأقام بها حتى مات. أقول: الصفع: الضرب على القفا
بجمع الكف، وقيل هو أن يبسط كفه فيضرب وهذا من نهاية الذل والهوان كما دعا عليه أبو
جعفر الجواد " ع ".
[222]
عمرو القزويني بخطه اعتقد فيما تدين الله
به أن الباطن عندي حسب ما أظهرت لك فيمن استنبأت عنه، وهو فارس لعنه الله، فانه ليس
يسعك إلا الاجتهاد في لعنه، و قصده ومعاداته، والمبالغة في ذلك بأكثر ما تجد السبيل
إليه، ماكنت آمر أن يدان الله بأمر غير صحيح، فجد وشد في لعنه وهتكه، وقطع أسبابه،
وسد أصحابنا عنه، و إبطال أمره، وأبلغهم ذلك مني واحكه لهم عني وإني سائلكم بين يدي
الله عن هذا الامر المؤكد فويل للعاصي وللجاحد، وكتبت بخطي ليلة الثلاثاء لتسع ليال
من شهر ربيع الاول سنة خمسين ومائتين، وأنا أتوكل على الله وأحمده كثيرا (1). 9 -
عم: روى عبد الله بن عياش باسناده عن أبي الهاشم الجعفري فيه وقد اعتل: مادت الارض
لي وآدت فؤادي * واعترتني موارد العرواء حين قيل الامام نضو عليل * قلت نفسي فدته
كل الفداء مرض الدين لاعتلالك واعتل * وغارت له نجوم السماء عجبا إن منيت بالداء
والسقم * وأنت الامام حسم الداء أنت آسي الادواء في الدين والدنيا * ومحبي الاموات
والاحياء في أبيات (2). بيان: " مادت " أي اضطربت " وآدت " أي أثقلت، " والعرواء "
بضم العين وفتح الراء قرة الحمى، مسها في أول ما تأخذ بالرعده، و " النضو " بكسر
النون المهزول " والآسي " الطبيب. 1 - كش: وجدت بخط جبرئيل بن أحمد حدثني محمد بن
عيسى اليقطيني قال: كتب عليه السلام إلى علي بن بلال في سنة اثنتين وثلاثين ومائتين
" بسم الله الرحمن الرحيم أحمد الله إليك، وأشكو طوله وعوده، واصلي على محمد النبي
وآله صلوات الله ورحمته عليهم، ثم إني أقمت أبا علي مقام حسين بن عبدربه فائتمنته
على ذلك بالمعرفة
(1) غيبة الشيخ ص 228. (2) اعلام الورى ص
348.
[223]
بما عنده [و] الذي لا يقدمه أحد. وقد أعلم
أنك شيخ ناحيتك فأحببت إفرادك وإكرامك بالكتاب بذلك فعليك بالطاعة له، والتسليم
إليه جميع الحق قبلك، وأن تحض موالي على ذلك وتعرفهم من ذلك ما يصير سببا إلى عونه
وكفايته، فذلك توفير علينا، ومحبوب لدينا، ولك به جزاء من الله وأجر، فان الله يعطي
من يشاء أفضل الاعطاء والجزاء برحمته، أنت في وديعة الله، وكتبت بخطي وأحمد الله
كثيرا (1). 11 - كش: محمد بن مسعود، عن محمد بن نصير، عن أحمد بن محمد بن عيسى قال:
نسخة الكتاب مع ابن راشد إلى جماعة الموالي الذين هم ببغداد المقيمين بها و المدائن
والسواد وما يليها: أحمد الله إليكم ما أنا عليه من عافية وحسن عائدته، و اصلي على
نبيه وآله أفضل صلواته وأكمل رحمته ورأفته، وإني أقمت أبا علي بن راشد مقام الحسين
بن عبدربه، ومن كان قبله من وكلائي وصار في منزلته عندي، و وليته ما كان يتولاه
غيره من وكلائي قبلكم، ليقبض حقي وارتضيته لكم، وقدمته في ذلك وهو أهله وموضعه.
فصيروا رحمكم الله إلى الدفع إليه ذلك وإلي، وأن تجعلوا له على أنفسكم علة، فعليكم
بالخروج عن ذلك، والتسرع إلى طاعة الله وتحليل أموالكم والحقن لدمائكم " وتعاونوا
على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان واتقوا الله لعلكم ترحمون،
واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " فقد أوجبت في طاعته طاعتي،
والخروج إلى عصيانه الخروج إلى عصياني، فالزموا الطريق يأجر كم الله ويزيدكم من
فضله فان الله بما عنده واسع كريم، متطول على عباده رحيم، نحن وأنتم في وديعة الله
وحفظه وكتبته بخطي والحمد لله كثيرا (2).
(1) رجال الكشى ص 432. (2) رجال الكشى ص
433.
[224]
وفي كتاب آخر: وأنا آمرك يا أيوب بن نوح
أن تقطع الاكثار بينك وبين أبي على وأن يلزم كل واحد منكما ما وكل به وامر بالقيام
فيه بأمر ناحيته فانكم إن انتهيتم إلى كل ما امرتم به استغنيتم بذلك عن معاودتي
وآمرك يا أبا علي بمثل ما آمرك به يا أيوب أن لا تقبل من أحد من أهل بغداد والمدائن
شيئا يحملونه ولا تلي لهم استيذانا علي ومر من أتاك بشئ من غير أهل ناحيتك أن يصيره
إلى الموكل بناحيته وآمرك يا أبا علي بمثل ما أمرت به أيوب وليقبل كل واحد منكما ما
أمرته به (1). 12 - مهج: محمد بن جعفر بن هشام الاصبغي عن اليسع بن حمزة القمي قال
أخبرني عمرو بن مسعدة وزير المعتصم الخليفة أنه جاء علي بالمكروه الفظيع حتى تخوفته
على إراقة دمي وفقر عقبي فكتبت إلى سيدي أبي الحسن العسكري عليه السلام أشكوا إليه
ما حل بي فكتب إلي لاروع عليك ولا بأس فادع الله بهذه الكلمات يخلصك الله وشيكا مما
وقعت فيه ويجعل لك فرجا فان آل محمد صلى الله عليه وآله يدعون بها عند إشراف البلاء
وظهور الاعداء وعند تخوف الفقر وضيق الصدر قال اليسع بن حمزة: فدعوت الله بالكلمات
التي كتب إلي سيدي بها في صدر النهار فوالله ما مضى شطره حتى جاءني رسول عمرو بن
مسعدة فقال لي: أجب الوزير فنهضت ودخلت عليه. فلما بصرني تبسم إلي وأمر بالحديد ففك
عني والاغلال فحلت مني وأمرني بخلعة من فاخرثيابه وأتحفني بطيب ثم أدناني وقربني
وجعل يحدثني ويعتذر إلي ورد علي جميع ما كان استخرجه مني وأحسن رفدي وردني إلى
الناحية التي كنت أتقلدها وأضاف إليها الكورة التي تليها ثم ذكر الدعاء (2). 13 -
كا: عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أبي هاشم الجعفري قال: بعث إلي أبو الحسن
عليه السلام في مرضه وإلى محمد بن حمزة فسبقني إليه محمد بن حمزة
(1) المصدر ص 433. (2) مهج الدعوات ص 338.
[225]
فأخبرني محمد ما زال يقول: ابعثوا إلى
الحير وقلت لمحمد ألا قلت له أنا أذهب إلى الحير، ثم دخلت عليه وقلت له: جعلت فداك
أنا أذهب إلى الحير، فقال: انظروا في ذاك، ثم قال: إن محمدا ليس له سرمن زيد بن علي
وأنا أكره أن يسمع ذلك. قال: فذكرت ذلك لعلي بن بلال، فقال: ما كان يصنع الحير هو
الحير فقدمت العسكر فدخلت عليه، فقال لي: اجلس حين أردت القيام، فلما رأيته أنس بي
ذكرت له قول علي بن بلال فقال لي: ألا قلت له: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان
يطوف بالبيت ويقبل الحجر، وحرمة النبي صلى الله عليه وآله والمؤمن أعظم من حرمة
البيت، وأمره الله عزوجل أن يقف بعرفة وإنما هي مواطن يحب الله أن يذكر فيها فأنا
احب أن يدعى لي حيث يحب الله أن يدعى فيها. وذكر عنه أنه قال: ولم أحفظ عنه قال:
إنما هذه مواضع يحب الله أن يتعبد فيها فأنا احب أن يدعى لي حيث يحب الله أن يعبد،
هلا قلت له: كذا قال: قلت: جعلت فداك لو كنت احسن مثل هذا لم أرد الامر عليك هذه
ألفاظ أبي هاشم ليست ألفاظه (1). بيان: " ابعثوا إلى الحير " أي ابعثوا رجلا إلى
حائر الحسين عليه السلام يدعو لي هناك، قوله عليه السلام: " انظروا في ذاك " يعني
أن الذهاب إلى الحير مظنة للاذى والضرر، فانظروا في ذلك، ولا تبادروا إليه لان
المتوكل لعنه الله كان يمنع الناس من زيارته عليه السلام أشد المنع، قوله عليه
السلام " ليس له سرمن زيد بن على " (2) لعله كناية عن خلوص التشيع فانه بذل نفسه
لاحياء الحق ويحتمل أن تكون من تعليلية أي ليس هو بموضع سر لانه يقول بامامة زيد.
(1) الكافي ج 4 ص 567 و 568. (2) قيل: في
بعض النسخ " ليس له شر من زيد بن على " أي ليس له شر من جهته وانما هومن قبل نفسه
حيث لم يجب امامه في الذهاب إلى الحائر.
[226]
قوله " ماكان يصنع الحير " أي هو في الشرف
مثل الحير، فأي حاجة له في أن يدعى له في الحير، قوله " وذكر عنه " أي ذكر سهل، عن
أبي هاشم أنه قال: لم أحفظ أنه قال، وإنما هي مواطن إلى آخر الكلام، أو قال إنما
هذه مواضع أو أنه حفظ الكلام الاول وشك في أنه هل قال الكلام الآخر أم لا، ويمكن أن
يقرء " ذكر " على بناء المجهول أي قال سهل: إنه نقل غيري عن أبي هاشم هذه الفقرة
ولم أحفظ أنا عنه، قوله " هذه ألفاظ أبي هاشم " أي نقل بالمعنى، ولم يحفظ اللفظ.
[227]
6 * (باب) * * (احوال جعفر وسائر اولاده)
* * (صلوات الله عليه) * 1 - ج: الكليني، عن إسحاق بن يعقوب (1) قال: سألت محمد بن
عثمان العمري رحمه الله أن يوصل إليه عليه السلام سألت فيه عن مسائل أشكلت علي فورد
التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام " أما ما سألت عنه أرشدك الله وثبتك
الله من أمر المنكرين من أهل بيتنا وبني عمنا اعلم أنه ليس بين الله عزوجل وبين أحد
قرابة، ومن أنكرني فليس مني، وسبيله سبيل ابن نوح، وأما سبيل عمي جعفر وولده فسبيل
إخوة يوسف عليه السلام " (2). 2 - ج: عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي
قال: سألت علي بن الحسين صلوات عليه: من الحجة والامام بعدك ؟ فقال: ابني محمد،
واسمه في التوارة الباقر يبقر العلم بقرا هو الحجة والامام بعدي، ومن بعد ابنه محمد
جعفر واسمه عند أهل السماء الصادق. فقلت له: يا سيدي كيف صار اسمه الصادق وكلكم
صادقون ؟ فقا ل: حدثني أبي عن أبيه عليهما السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: إذا ولد ابني جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب فسموه الصادق
فان الخامس من ولده الذي
(1) رواه الشيخ في الغيبة عن الكليني ص
188 في حديث. (2) الاحتجاج ص 163 - ط النجف.
[228]
اسمه جعفر يدعي الامامة اجتراء على الله
وكذبا عليه، فهو عند الله جعفر الكذاب المفتري على الله، المدعي لما ليس له بأهل،
المخالف على أبيه، والحاسد لاخيه ذلك الذي يكشف سر الله، عند غيبة ولي الله. ثم بكى
علي بن الحسين عليه السلام بكاء شديدا ثم قال: كأني بجعفر الكذاب وقد حمل طاغية
زمانه على تفتيش أمر ولي الله، والمغيب في حفظ الله والتوكيل بحرم أبيه جهلا منه
بولادته، وحرصا على قتله إن ظفر به، طمعا في ميراث أبيه حتى يأخذه بغير حقه الخبر
(1). وقد مضى بأسانيد في باب نص علي بن الحسين على الائمة عليهم السلام (2). 3 - ج:
سعد بن عبد الله الاشعري، عن الشيخ الصدوق أحمد بن إسحاق ابن سعد الاشعري رحمة الله
عليه أنه جاءه بعض أصحابنا يعلمه بأن جعفر بن علي كتب إليه كتابا يعرفه نفسه،
ويعلمه أنه القيم بعد أخيه، وأن عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه وغير ذلك
من العلوم كلها (3). قال أحمد بن إسحاق: فلما قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان
عليه السلام
(1) الاحتجاج ص 173. (2) راجع ج 36 ص 386
من هذه الطبعة الباب 44 من تاريخ أمير المؤمنين عليه السلام. (3) كان - رحمه الله -
معروفا بحب الجاه وطلب الدنيا وصرف أكثر عمره مع الاوباش والاجامرة ولعب الطنبور
وسائر ما هو غير مشروع، ولكن كان متظاهرا بامامة أخيه الحسن العسكري عليه السلام.
ثم من بعد وفاته عليه السلام ادعى الامامة وكان يجبر الناس على اطاعته والقول
بامامته بل سأل وزير الخليفة أن يعرفه بأنه وارث أخيه منحصرا، ليثبت له عند الناس
العوام امامته، فزبره الوزير عن لك واستخف به كما سيأتي عن حديث أحمد بن عبيدالله
الخاقان في باب وفاة العسكري عليه السلام تحت الرقم 1. وقد أراد أن يصلى على جنازة
أخيه الحسن العسكري فمنعه عن ذلك الحجة الغائب صاحب الامر عليه السلام.
[229]
وصيرت كتاب جعفر في درجة، فخرج إلى الجواب
في ذلك: " بسم الله الرحمن الرحيم أتاني كتابك أبقاك الله والكتاب الذي في درجه
وأحاطت معرفتي بما تضمنه على اختلاف ألفاظه، وتكرر الخطاء فيه. ولو تدبرته لوقفت
على بعض ما وقفت عليه منه، والحمد لله رب العالمين حمدا لا شريك له على إحسانه
إلينا وفضله علينا، أبى الله عزوجل للحق إلا تماما، وللباطل إلا زهوقا وهو شاهد علي
بما أذكره، ولي عليكم بما أقوله إذا اجتمعنا ليوم لاريب فيه، و سألنا عما نحن فيه،
مختلفون، وأنه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب إليه ولا عليك ولا على أحد من
الخلق جميعا إمامة مفترضة، ولا طاعة ولا ذمة، وسابين لكم جملة تكتفون بها إنشاء
الله يا هذا يرحمك الله إن الله تعالى لم يخلق الخلق عبثا، ولا أمهلهم سدى بل خلقهم
بقدرته، وجعل لهم أسماعا وأبصارا وقلوبا وألبابا، ثم بعث إليهم النبيين عليهم
السلام مبشرين ومنذرين، يأمرونهم بطاعته، وينهونهم عن معصيته ويعرفونهم ما جهلوه من
أمر خالقهم ودينهم، وأنزل عليهم كتابا وبعث إليهم ملائكة وباين بينهم وبين من بعثهم
بالفضل الذي لهم عليهم، وما آتاهم من الدلائل الظاهرة، و البراهين الباهرة، والآيات
الغالبة. فمنهم من جعل عليه النار بردا وسلاما، واتخذه خليلا، ومنهم من كلمه تكليما
وجعل عصاه ثعبانا مبينا، ومنهم من أحيى الموتى باذن الله وأبرأ الاكمه والابرص باذن
الله، ومنهم من علمه منطق الطير، واوتي من كل شئ. ثم بعث محمدا صلى الله عليه وآله
رحمة للعالمين وتمم به نعمته، وختم به أنبياءه ورسله إلى الناس كافة، وأظهر من صدقه
ما ظهر، وبين من آياته وعلاماته مابين، ثم قبضه حميدا فقيدا سعيدا وجعل الامر من
بعده إلى أخيه وابن عمه ووصيه ووارثه علي ابن أبي طالب ثم إلى الاوصياء من ولده
واحدا بعد واحد، أحيا بهم دينه، وأتم بهم نوره، وجعل بينهم وبين إخوتهم وبني عمهم
والادنين فالادنين من ذوي أرحامهم فرقا بينا تعرف به الحجة من المحجوج، والامام من
المأموم.
[230]
بأن عصمهم من الذنوب، وبرأهم من العيوب،
وطهرهم من الدنس و نزههم من اللبس، وجعلهم خزان علمه، ومستودع حكمته، وموضع سره،
وأيدهم بالدلائل، ولولا ذلك لكان الناس على سواء ولادعى أمر الله عزوجل كل واحد
ولما عرف الحق من الباطل، ولا العلم من الجهل. وقد ادعى هذا المبطل المدعي على الله
الكذب بما ادعاه، فلا أدري بأية حالة هي له رجاء أن يتم دعواه أبفقه في دين الله،
فوالله ما يعرف حلالا من حرام ولا يفرق بين خطأ وصواب، أم بعلم فما يعلم حقا من
باطل، ولا محكما من متشابه ولا يعرف حد الصلاة ووقتها، أم بورع فالله شهيد على تركه
لصلاة الفرض أربعين يوما يزعم ذلك لطلب الشعبذة، ولعل خبره تأدى إليكم، وهاتيك ظروف
مسكره منصوبة، وآثار عصيانه لله عزوجل مشهودة قائمة، أم بآية فليأت بها أم بحجة
فليقمها أم بدلالة فليذ كرها. قال الله عزوجل في كتابه العزيز: " بسم الله الرحمن
الرحيم حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم * ما خلقنا السموات والارض وما
بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما انذروا معرضون * قل أفرأيتم ما تدعون
من دون الله أروني ماذا خلقوا من الارض أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتاب من قبل
هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين * ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب
له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا
بعبادتهم كافرين (1). فالتمس تولى الله توفيقك من هذا الظالم ما ذكرت لك، وامتحنه
واسأله آية من كتاب الله يفسرها أو صلاة يبين حدودها، وما يجب فيها لتعلم حاله
ومقداره ويظهر لك عواره ونقصانه والله حسيبه. حفظ الله الحق على أهله، وأقره في
مستقره، وقد أبى الله عزوجل أن يكون الامامة في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما
السلام وإذا أذن الله لنافي القول ظهر
(1) الاحقاف: 1 - 6.
[231]
الحق واضمحل الباطل وانحسر عنكم، وإلى
الله أرغب في الكفاية، وجميل الصنع والولاية، وحسبنا الله ونعم الوكيل (1). 4 - غط:
جماعة عن التلعكبري، عن الاسدي، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن إسحاق مثله (2). 5
- ك: ابن الوليد، عن سعد، عن جعفر بن محمد بن الحسن بن الفرات عن صالح بن محمد بن
عبد الله بن محمد بن زياد، عن امه فاطمة بنت محمد بن الهيثم المعروف بابن سبانة
قالت: كنت في دار أبي الحسن علي بن محمد العسكري عليه السلام في الوقت الذي ولد فيه
جعفر فرأيت أهل الدار قد سر وابه، فصرت إلى أبي الحسن عليه السلام فلم أره مسرورا
بذلك، فقلت له: يا سيدي مالي أراك غير مسرور بهذا المولود ؟ فقال عليه السلام: يهون
عليك أمره، فانه سيضل خلقا كثيرا. 6 - عم (3) شا: خلف أبو الحسن عليه السلام من
الولد أبا محمد الحسن ابنه، و هو الامام بعده، والحسين، ومحمدا (4) وجعفرا وابنته
عائشة (5). 7 - قب (6): أولاده: الحسن الامام عليه السلام والحسين، ومحمد وجعفر
(1) الاحتجاج ص 162 و 163. (2) غيبة الشيخ
ص 184 - 188. (3) اعلام الورى ص 349، وفيه: " وابنته علية " (4) أما الحسين فقد كان
ممتازا في الديانة من سائر أقرانه وأمثاله، تابعا لاخيه الحسن، معتقدا بامامته،
ودفن في حرم العسكريين عليهما السلام تحت قدميهما وعن بعض كتب الانساب أن هارون بن
على الواقع في الميدان العتيق باصبهان هو من أولاد أبى الحسن الهادى عليه السلام.
وأما محمد فجلالته وعظم شأنه أكثر من أن يذكر، سيجئ في باب النصوص على امامة أبى
محمد عليه السلام ما ينبئ عن علو مقامه وترشحه لمقام الامامة وقبره مزار معروف في
بلد التى هي مدينة قديمة على يسار دجلة والعامة والخاصة يعظمون مشهده الشريف و
يقطعون خصوماتهم التى تقع بينهم بالحلف به والحضور في مشهده، ويعبرون عنه بسبع
الدجيل (5) الارشاد ص 314. (6) في النسخة المشهورة بكمبانى قد جعل ما عن المناقب
بعد البيان الاتى لخبر الكافي وما في الصلب هو المطابق لنسخة الاصل.
[232]
الكذاب وابنته علية (1). 8 - كا: علي بن
محمد قال: باع جعفر فيمن باع صبية جعفرية كانت في الدار يربونها، فبعث بعض العلويين
وأعلم المشتري خبرها، فقال المشتري: قد طابت نفسي بردها، وأن لا ارزا من ثمنها شيئا
فخذها، فذهب العلوي فأعلم أهل الناحية الخبر، فبعثوا إلى المشترى بأحد وأربعين
دينارا فأمروه بدفعها إلى صاحبها (2). بيان: جعفر هو الكذاب " فيمن باع " أي من
مماليك أبي محمد عليه السلام " جعفرية " أي من أولاد جعفر الطيار رضي الله عنه "
خبرها " أي كونها حرة علوية " وأن لا ارزأ " الواو للحال أو بمعنى مع، والفعل على
بناء المجهول أي بشرط أن لا انقص من ثمنها الذي أعطيت جعفرا شيئا " فأمروه " أي
العلوي بدفعها أي الصبية. إلى صاحبها أي وليها من آل جعفر. اقول: قد أوردنا بعض
أخبار ذم جعفر في باب علل أسماء الصادق (3) وباب وفاة أبي محمد العسكري عليهما
السلام.
(1) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 402. (2)
الكافي ج 1 ص 524. (3) راجع ج 47 ص 8 من طبعتنا هذه.
[233]
* (تاريخ) * الامام أبي محمد العسكري *
(صلوات الله عليه) *
[235]
* (أبواب) * * (تاريخ الامام الحادى عشر،
وسبط سيد البشر، ووالد) * * (الخلف المنتظر، وشافع المحشر، السيد الرضى) * *
(الزكي، ابى محمد الحسن بن على العسكري) * * (صلوات الله عليه وعلى آبائه الكرام،
خلفه) * * (خاتم الائمة الاعلام، ما تعاقبت الليالى والايام) * 1 * (باب) * *
(ولادته، واسمائه، ونقش خاتمه، واحوال امه) * * (وبعض جمل احواله عليه السلام) * 1
- ع: سمعت مشايخنا رضي الله عنهم أن المحلة التي يسكنها الامامان علي ابن محمد
والحسن بن علي عليهما السلام بسرمن رأى كانت تسمى عسكر، فلذلك قيل لكل واحد منهما
العسكري (1). 2 - شا: كان مولد أبي محمد عليه السلام بالمدينة في شهر ربيع الاول
سنة ثلاثين ومائتين، وامه ام ولد يقال لها حديثة (2) وكانت مدة خلافته ست سنين (3).
(1) علل الشرائع الباب 176. (2) في نسخة
الكافي " حديث " منه رحمه الله (3) الارشاد ص 315.
[236]
3 - مصبا: يوم العاشر من شهر ربيع الآخر
سنة اثنتين وثلاثين ومائتين من الهجرة كان مولد أبي محمد الحسن بن علي بن محمد بن
علي الرضا عليهم السلام 4 - قل: من كتاب حدائق الرياض للمفيد مثله. 5 - الدروس: امه
عليه السلام حديث ولد بالمدينة في شهر ربيع الآخر، وقيل يوم الاثنين رابعه. 6 - قب:
ألقابه عليه السلام: الصامت، الهادي، الرفيق، الزكي، النقي كنيته أبو محمد، وكان هو
وأبوه وجده يعرف كل منهم في زمانه بابن الرضا عليه السلام امه ام ولد يقال لها
حديث، وولده القائم عليه السلام لاغير (1). ميلاده يوم الجمعة لثمان خلون من شهر
ربيع الآخر بالمدينة، وقيل: ولد بسر من رأى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، مقامه مع
أبيه ثلاث وعشرون سنة، و بعد أبيه أيام إمامته ست سنين، وكان في سني إمامته بقية
أيام المعتز أشهرا ثم ملك المهتدي، والمعتمد، وبعد مضي خمس سنين من ملك المعتمد قبض
عليه السلام ويقال: استشهد، ودفن مع أبيه بسر من رأى، وقد كمل عمره تسعة وعشرين سنة
ويقال: سنة ثمان وعشرين، مرض في أول شهر ربيع الاول سنة ستين ومائتين، وتوفي يوم
الجمعة لثمان خلون منه (3). 7 - كشف: قال محمد بن طلحة: مولده في سنة إحدى وثلاثين
ومائتين للهجرة وامه ام ولد يقال لها سوسن، وكنيته أبو محمد، ولقبه الخالص (3).
وتوفي في الثامن من ربيع الاول من سنة ستين ومائتين، فيكون عمره تسعا وعشرين سنة
كان مقامه مع أبيه ثلاثا وعشرين سنة وأشهرا، وبقي بعد أبيه خمس سنين وشهورا، وقبره
بسر من رأى (4).
(1) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 421. (2)
المصدر ج 4 ص 422. (3) كشف الغمة ج 3 ص 271. (4) كشف الغمة ج 3 ص 272.
[237]
وقال الحافظ عبد العزيز (1): يلقب
بالعسكري مولده سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وتوفي سنة ستين ومائتين، في زمن المعتز،
وقبره بسامراء، وقيل: مولده سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وقبض بسرمن رأى لثمان خلون
من شهر ربيع الاول سنة ستين ومائتين، وكان سنه يومئذ ثمان وعشرين سنة وامه ام ولد
يقال لها: حريبة، وقبره إلى جانب قبر أبيه بسرمن رأى (2). وقال ابن الخشاب: ولد أبو
محمد عليه السلام في سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وتوفي يوم الجمعة، وقال بعض الرواة
في يوم الاربعاء لثمان ليال خلون من ربيع الاول سنة مائتين وستين، فكان عمره تسعا
وعشرين سنة، منها بعد أبيه خمس سنين و ثمانية أشهر وثلاثة عشر يوما، قبره بسرمن
رأى، امه سوسن (3). وقال الحميري في كتاب الدلائل: ولد أبو محمد الحسن بن علي
عليهما السلام في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وقبض يوم الجمعة
لثمان خلون من شهر ربيع الاول سنة ستين ومائتين، وهو ابن ثمان وعشرين سنة (4). 8 -
عم: كان مولده عليه السلام بالمدينة يوم الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الآخر
اثنتين وثلاثين ومائتين وقبض عليه السلام بسر من رأى لثمان خلون من
(1) هو أبو محمد عبد العزيز بن أبى نصر
المبارك بن أبى القاسم محمود الحافظ الجنابذى الاصل - نسبة إلى گناباد - البغدادي
المولد والدار، صنف مصنفات كثيرة في علم الحديث مفيدة، وأخذ من الخطيب في كثير من
كتبه ولد سنة 526 ومات سادس شهر شوال سنة 611. قال في الكنى والالقاب ج 1 ص 204:
ومن مصنفاته كتاب معالم العترة النبوية العلية ومعارف أئمة أهل البيت الفاطمية
العلوية، ينقل منه كثيرا الشيخ الاربلي في كشف الغمة، وقال: أرويه اجازة عن الشيخ
تاج الدين على بن أنجب بن الساعي عن مصنفه. (2) المصدر ج 3 ص 273. (3) كشف الغمة ج
3 ص 292. (4) المصدر ج 3 ص 308.
[238]
شهر ربيع الاول سنة ستين ومائتين، وله
يومئذ ثمان وعشرون سنة، وامه ام ولد يقال لها حديث، وكانت مدة خلافته ست سنين.
ولقبه الهادي، والسراج، والعسكري، وكان وأبوه وجده عليهم السلام يعرف كل منهم في
زمانه بابن الرضا. وكانت في سني إمامته بقية ملك المعتز أشهرا ثم ملك المهتدي أحد
عشر شهرا وثماني وعشرين يوما، ثم ملك أحمد المعتمد على الله ابن جعفر المتوكل عشرين
سنة وأحد عشر شهرا وبعد مضي خمس سنين من ملكه، قبض الله وليه أبا محمد عليه السلام
ودفن في داره بسر من رأى في البيت الذي دفن فيه أبوه عليهما السلام. وذهب كثير من
أصحابنا إلى أنه عليه السلام قبض مسموما وكذلك أبوه وجده و جميع الائمة عليهم
السلام خرجوا من الدنيا على الشهادة واستدلوا في ذلك بما روي عن الصادق عليه السلام
من قوله " والله مامنا إلا مقتول شهيد " والله أعلم بحقيقة ذلك (1). 9 - الفصول
المهمة: صفته بين السمرة والبياض، خاتمه " سبحان من له مقاليد السموات والارض ". 10
- كا: ولد عليه السلام في بيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وامه ام ولد يقال
لها حديث (2). 11 - عيون المعجزات: اسم امه على ما رواه أصحاب الحديث سليل رضي الله
عنها، وقيل: حديث والصحيح سليل، وكانت من العارفات الصالحات، وروي أنه عليه السلام
ولد في سنة إحدى وثلاثين ومائتين. 12 - كف: ولد عليه السلام يوم الاثنين رابع ربيع
الثاني سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وقيل في عاشر ربيع الثاني، نقش خاتمه " أنا الله
شهيد " (3) بابه عثمان ابن سعيد.
(1) اعلام الورى ص 349. (2) الكافي ج 1 ص
503، وفى بعض النسخ من الكافي زيادة [وقيل: سوسن]. (3) في نسخة الكمبانى " ان الله
شهيد ".
[239]
2 * (باب) * * (النصوص على الخصوص عليه) *
* (صلوات الله عليه) * 1 - ك: ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن
الصقر بن دلف قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام يقول: إن الامام
بعدي ابني علي: أمره أمري وقوله قولي، وطاعته طاعتي، والامامة بعده في ابنه الحسن
(1). 2 - ك، لى، يد: علي بن أحمد بن محمد وعلي بن عبد الله الوراق معا عن محمد بن
هارون الصوفي، عن عبد الله بن موسى الروياني، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، عن
علي بن محمد عليه السلام أنه قال: الامام من بعدي الحسن ابني، فكيف للناس بالخلف من
بعده الخبر (2). 3 - ك: الهمداني، عن علي بن إبراهيم، عن عبد الله بن أحمد الموصلي
عن الصقر بن دلف قال: سمعت علي بن محمد بن علي الرضا عليهم السلام يقول: الامام
بعدي الحسن، وبعد الحسن ابنه القائم، الذي يملا الارض قسطا وعدلا كما ملئت جورا
وظلما (3).
(1) كمال الدين ج 2 ص 50. (2) راجع كمال
الدين ج 2 ص 51 والحديث طويل. (3) كمال الدين ج 2 ص 55.
[240]
نص: محمد بن عبد الله بن حمزة، عن عمه
الحسن، عن علي بن إبراهيم مثله (1). 4 - ك: ابن الوليد، عن سعد، عن محمد بن أحمد
العلوي، عن أبي هاشم الجعفري قال: سمعت أبا الحسن صاحب العسكر عليه السلام يقول:
الخلف من بعدي ابني الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف، فقلت: ولم جعلني الله
فداك ؟ فقال: لانكم لاترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه، قلت: فكيف نذكره ؟ قال:
قولوا: الحجة من آل محمد صلى الله عليه وآله (2). غط: سعد مثله (3). شا: ابن قولويه
عن الكليني (4) عن علي بن محمد، عن رجل ذكره، عن محمد بن أحمد العلوي مثله (5). عم:
في كتاب أبي عبد الله بن عياش، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن سعد عن محمد بن أحمد
العلوي مثله (6). 5 - ير: الحسين بن محمد، عن المعلى بن محمد، عن أحمد بن محمد بن
عبد الله عن أحمد بن الحسين، عن علي بن عبد الله بن مروان الانباري قال: كنت حاضرا
عند مضي أبي جعفر ابن أبي الحسن فجاء أبو الحسن عليه السلام فوضع له كرسي فجلس
عليه، وأبو محمد قائم في ناحية، فلما فرغ من أبي جعفر، التفت أبو الحسن عليه السلام
إلى أبي محمد عليه السلام فقال: يا بنى أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا (7).
(1) كفاية الاثرص 326. (2) كمال الدين ج 2
ص 362. (3) غيبة الشيخ ص 131. (4) الكافي ج 1 ص 332 (5) الارشادص 317. (6) اعلام
الورى ص 351 و 352. (7) بصائر الدرجات ص 473.
[241]
عم (1) شا: ابن قولويه، عن الكليني (2) عن
الحسن بن محمد، عن المعلي مثله (3). بيان: " فقد أحدث فيك أمرا " أي جعلك إماما
بموت أخيك الاكبر قبلك (4) 6 - غط: سعد عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت عند أبي الحسن
العسكري عليه السلام وقت وفاة ابنه: أبي جعفر، وقد كان أشار إليه ودل عليه، وإني
لافكر في نفسي، وأقول هذه قصة أبي إبراهيم وقصة إسماعيل فأقبل علي أبو الحسن عليه
السلام وقال: نعم يا أبا هاشم بدالله في أبي جعفر وصير مكانه أبا محمد كما بداله في
إسماعيل بعد مادل عليه أبو عبد الله عليه السلام ونصبه، وهو كما حدثتك نفسك وإن كره
المبطلون أبو محمد ابني الخلف من بعدي، عنده ما تحتاجون إليه، ومعه آلة الامامة
والحمد لله (5). شا: ابن قولويه، عن الكليني (6) عن علي بن محمد، عن إسحاق بن محمد،
عن أبي هاشم الجعفري مثله (7).
(1) اعلام الورى ص 350. (2) الكافي ج 1 ص
326. (3) الارشادص 315 و 316. (4) الاصح ان يقال: أحدث فيك أمرا: أي لطفا ونعمة،
وذلك لان المعروف بين شيعتنا بنص الباقر عليه السلام أن الامامة في الولد الاكبر،
ولو لم يمض ابو جعفر اخوك الاكبر، لا ختلف فيك الشيعة كما اختلفوا بعد ابى عبد الله
الصادق عليه السلام. واما جعل الامامة فهو بارادة الله عزوجل، وقد اخذ ميثاق كل
واحد منهم عليهم السلام في الذر، ليس للامام الماضي فيه صنع، والمراد بالبداء هو ما
يرجع إلى نحو ما قلنا، كما سيجئ بيان ذلك. (5) غيبة الشيخ ص 130. (6) الكافي ج 1 ص
327. (7) الارشاد ص 317.
[242]
7 - غط: سعد، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن
سيار بن محمد البصري، عن علي بن عمرو النوفلي قال: كنت مع أبي الحسن العسكري عليه
السلام في داره فمر علينا أبو جعفر فقلت له: هذا صاحبنا ؟ فقال: لا صاحبكم الحسن
(1). كشف: من دلائل الحميري عن النوفلي مثله (2). 8 - غط: سعد عن هارون بن مسلم، عن
أحمد بن محمد بن رجا صاحب الترك قال: قال أبو الحسن عليهم السلام: الحسن ابني
القائم من بعدي (3). 9 - غط: سعد، عن أحمد بن عيسى العلوي من ولد علي بن جعفر قال:
دخلت على أبي الحسن عليه السلام بصريا فسلمنا عليه، فإذا نحن بأبي جعفر وأبي محمد
قد دخلا، فقمنا إلى أبي جعفر لنسلم عليه، فقال أبو الحسن عليه السلام ليس هذا
صاحبكم عليكم بصاحبكم، وأشار إلى أبي محمد عليه السلام (4). 10 - غط: سعد، عن علي
بن محمد الكليني (5) عن إسحاق بن محمد النخعي، عن شاهويه بن عبد الله الجلاب قال:
كنت رويت عن أبي الحسن العسكري عليه السلام في أبي جعفر ابنه روايات تدل عليه، فلما
مضى أبو جعفر قلقت لذلك، وبقيت متحيرا لا أتقدم ولا أتأخر، وخفت أن أكتب إليه في
ذلك، فلا أدري ما يكون. فكتبت إليه أسأله الدعاء أن يفرج الله عنا في أسباب من قبل
السلطان كنا نغتم بها في غلماننا فرجع الجواب بالدعاء ورد الغلمان علينا، وكتب في
آخر الكتاب: أردت أن تسأل عن الخلف بعد مضي أبي جعفر، وقلقت لذلك، فلا تغتم فان
الله لا يضل قوما بعد إذ هداهم حتى يتبين لهم ما يتقون.
(1) غيبة الطوسى ص 129 و 130. (2) كشف
الغمة ج 3 ص 301. (3) غيبة الشيخ الطوسى ص 130. (4) المصدر نفسه ص 130. (5) هو ابو
الحسن على بن محمد بن ابراهيم بن ابان الرازي الكليني المعروف بعلان ثقة عين من
أصحابنا له كتاب أخبار القائم عليه السلام.
[243]
صاحبكم بعدي أبو محمد ابني وعنده ما
تحتاجون إليه يقدم الله ما يشاء، و يؤخر ما يشاء " ما ننسخ من آية أو ننسها نأت
بخير منها أو مثلها " قد كتبت بما فيه بيان وقناع لذي عقل بقظان (1). شا: ابن
قولويه، عن الكليني (2) عن علي بن محمد عن إسحاق مثله (3). 11 - غط: ابن أبي
الخطاب، عن ابن أبي الصهبان قال: لما مات أبو جعفر محمد بن علي بن محمد بن علي بن
موسى وضع لابي الحسن علي بن محمد كرسي فجلس عليه وكان أبو محمد الحسن بن علي قائما
في ناحية فلما فرغ من غسل أبي جعفر التفت أبو الحسن إلى أبي محمد فقال: يا بني أحدث
لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا (4). 12 - عم (5) شا: ابن قولويه، عن الكليني (6) عن
علي بن محمد، عن جعفر بن محمد الكوفي، عن يسار بن أحمد البصري، عن علي بن عمر
النوفلي قال: كنت مع أبي الحسن عليه السلام في صحن داره فمر بناابنه محمد فقلت:
جعلت فداك هذا صاحبنا بعدك ؟ فقال: لا صاحبكم بعدي الحسن (7). 13 - عم (8) شا:
بالاسناد، عن يسار بن أحمد (9) عن عبد الله بن محمد.
(1) غيبة الشيخ ص 131. (2) الكافي ج 1 ص
328 (3) الارشاد ص 317. ورواه الطبرسي في اعلام الورى ملخصا ص 351. (4) كتاب الغيبة
ص 131 و 132. (5) اعلام الورى ص 350. (6) الكافي ج 1 ص 325 و 326. (7) الارشاد ص
315. (8) اعلام الورى ص 350. (9) في الكافي " بشار بن احمد، في المواضع، وفى اعلام
الورى المطبوع هكذا " بشار بن احمد " وفى هامش نسخة الاصل " سنان بن احمد " نقلا عن
نسخة اعلام الورى وقد كان نسخة الاصل منه عنده قدس سره فتحرر.
[244]
الاصفهاني قال: قال لي أبو الحسن عليه
السلام: صاحبكم بعدي الذي يصلي علي قال: ولم نعرف أبا محمد قبل ذلك قال: فخرج أبو
محمد بعد وفاته فصلى عليه (1). 14 - عم (2) شا: بالاسناد عن يسار بن أحمد، عن موسى
بن جعفر بن وهب، عن علي بن جعفر قال: كنت حاضرا أبا الحسن عليه السلام لما توفي
ابنه محمد فقال للحسن: يا بني أحدث لله شكرا فقد أحدث فيك أمرا (3). 15 - عم (4)
شا: ابن قولويه، عن الكليني، عن علي بن محمد، عن أحمد القلانسي، عن علي بن الحسين
بن عمر، عن علي بن مهزيار قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: إن كان كون - وأعوذ
بالله - فالى من ؟ قال: عهدي إلى الاكبر من ولدي يعني الحسن عليه السلام (5). 16 -
عم (6) قب (7) شا: ابن قولويه، عن الكليني (8) عن علي بن محمد، عن أبي محمد
الاسترابادي، عن علي بن عمرو والعطار قال: دخلت على أبي الحسن عليه السلام وابنه
أبو جعفر في الاحياء وأنا أظن أنه الخلف من بعده فقلت: جعلت فداك من أخص من ولدك ؟
فقال: لا تخصوا أحدا من ولدي حتى يخرج إليكم أمري قال: فكتبت إليه بعد: فيمن يكون
هذا الامر ؟ قال: فكتب إلي: الاكبر من ولدي وكان أبو محمد عليه السلام أكبر من جعفر
(9).
(1) الارشادص 315. (2) اعلام الورى ص 350.
(3) الارشاد ص 315. (4) اعلام الورى ص 350. (5) الارشاد ص 316. (6) اعلام الورى ص
350 و 351. (7) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 422 و 423 (8) الكافي ج 1 ص 326. (9)
الارشادص 316 والمراد بجعفر هذا هو المشهور بالكذاب.
[245]
بيان: قوله " فكتبت إليه بعد، أي بعد فوت
أبي جعفر. 17 - عم (1) شا: ابن قولويه، عن الكليني (2) عن محمد بن يحيى وغيره عن
سعيد بن عبد الله، عن جماعة من بني هاشم منهم الحسن بن الحسين الافطس أنهم حضروا
يوم توفي محمد بن علي بن محمد دار أبي الحسن عليه السلام وقد بسط له في صحن داره
والناس جلوس حوله، فقالوا: قدرنا أن يكون حوله من آل أبي طالب وبني العباس وقريش
مائة وخمسون رجلا سوى مواليه وسائر الناس إذ نظر إلى الحسن بن علي وقد جاء مشقوق
الجيب حتى جاء عن يمينه، ونحن لا نعرفه. فنظر إليه أبو الحسن عليه السلام بعد ساعة
من قيامه، ثم قال: يا بني أحدث لله شكرافقد أحدث فيك أمرا: فبكى الحسن عليه السلام
واسترجع، وقال: الحمد لله رب العالمين وإياه أشكر تمام نعمه علينا، وإنا لله وإنا
راجعون. فسألنا عنه فقيل لنا: هذا الحسن ابنه، وقد رناله في ذلك الوقت عشرين سنة
ونحوها فيومئذ عرفناه وعلمنا أنه قد أشار إليه بالامامة، وأقامه مقامه (3). 18 - عم
(4) شا: ابن قولويه، عن الكليني (5) عن علي بن محمد، عن إسحاق ابن محمد بن يحيى بن
رئاب، عن أبي بكر الفهفكي قال: كتب إلي أبو الحسن عليه السلام " أبو محمد ابني أصح
آل محمد غريزة، وأوثقهم حجة، وهو الاكبر من ولدي، وهو الخلف، وإليه ينتهي عرى
الامامة وأحكامها، فما كنت سائلي منه فاسأله عنه، وعنده ما تحتاج إليه " (6).
(1) اعلام الورى ص 351. (2) الكافي ج 1 ص
326 و 327. (3) الارشاد ص 316. (4) اعلام الورى ص 351. وزاد بعده ومعه آلة الامامة.
(5) الكافي ج 1 ص 326 و 327. (6) الارشاد ص 317.
[246]
19 - عم (1) شا: ابن قولويه، عن الكليني
(2)، عن علي بن محمد، عن إسحاق بن محمد، عن محمد بن يحيى قال: دخلت على أبي الحسن
عليه السلام بعد مضي أبي جعفر ابنه فعزيته عنه، وأبو محمد جالس، فبكى أبو محمد
فأقبل عليه أبو الحسن عليه السلام فقال: إن الله قد جعل فيك خلفا منه فاحمد الله
(3). 20 - عم: الكليني، عن علي بن محمد بن أحمد النهدي، عن يحيى بن يسار القنبري
قال: أوصى أبو الحسن عليه السلام إلى ابنه الحسن عليه السلام قبل مضيه بأربعة أشهر
وأشار إليه بالامر من بعده، وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالي (4). شا (5): ابن
قولويه، عن الكليني مثله (6). غط: يحيى بن بشار العنبري مثله (7).
(1) لم نجده في مظانه من اعلام الورى. (2)
الكافي ج 1 ص 327. (3) الارشاد ص 316 و 317. (4) اعلام الورى ص 351. (5) الارشادص
351. (6) الكافي ج 1 ص 325. (7) غيبة الشيخ ص 130.
[247]
2 * (باب) * * (معجزاته ومعالى اموره) * *
(صلوات الله عليه) * 1 - ك: حدثنا أبو جعفر محمد بن عيسى بن أحمد الزرجي قال: رأيت
بسر من رأى رجلا شابا في المسجد المعروف بمسجد زبيد، في شارع السوق، و ذكر أنه
هاشمي من ولد موسى بن عيسى لم يذكر أبو جعفر اسمه، وكنت اصلي فلما سلمت قال لي: أنت
قمي أو زائر ؟ (1) قلت: أنا قمي مجاور بالكوفة في مسجد أمير المؤمنين عليه السلام
فقال لي: تعرف دار موسى بن عيسى التي بالكوفة ؟ فقلت: نعم ؟ فقال: أنا من ولده.
قال: كان لي أب وله أخوان، وكان أكبر الاخوين ذامال، ولم يكن للصغير مال، فدخل على
أخيه الكبير فسرق منه ست مائة دينار فقال الاخ الكبير: أدخل على الحسن بن علي بن
محمد الرضا عليهم السلام وأسأله أن يلطف للصغير لعله أن يرد مالي فانه حلو الكلام
فلما كان وقت السحر بدالي عن الدخول على الحسن ابن علي عليهما السلام وقلت: أدخل
على أسباس التركي صاحب السلطان و أشكو إليه. قال: فدخلت على أسباس التركي وبين يديه
نرد يلعب به، فجلست أنتظر فراغه، فجاءني رسول الحسن بن علي عليهما السلام فقال: أجب
! فقام معه فلما دخل على
(1) في المصدر المطبوع: أنت قمى أورازى ؟.
[248]
الحسن قال له: كان لك إلينا أول الليل
حاجة ثم بدالك عنها وقت السحر، اذهب فان الكيس الذي اخذ من مالك رد، ولا تشك أخاك
وأحسن إليه وأعطه، فان لم تفعل فابعثه إلينا لنعطيه فلما خرج تلقاه غلامه يخبره
بوجود الكيس. قال أبو جعفر الزرجي: فلما كان من الغد، حملني الهاشمي إلى منزله و
أضافني ثم صاح بجارية وقال: يا غزال أو يا زلال، فإذا أنا بجارية مسنة فقال لها: يا
جارية حدثي مولاك بحديث الميل والمولود، فقالت: كان لنا طفل وجع فقالت لي مولاتي:
ادخلي إلى دار الحسن بن علي عليهما السلام فقولي لحكيمة تعطينا شيئا يستشفي به
مولودنا. فدخلت عليها فسألتها ذلك: فقالت حكيمة: ائتوني بالميل الذي كحل به المولود
الذي ولد البارحة يعني ابن الحسن بن علي عليه السلام فاتيت بالميل فدفعته إلي
وحملته إلى مولاتي وكحلت به المولود، فعوفي وبقي عندنا وكنا نستشفي به ثم فقدناه.
قال أبو جعفر الزرجي: فلقيت في مسجد الكوفة أبا الحسن بن يرهون البرسي فحدثته بهذا
الحديث عن الهاشمي فقال: قد حدثني هذا الهاشمي بهذه الحكاية حذو النعل بالنعل سواء
من غير زيادة ولا نقصان (1). بيان: قوله " أو زائر " لعل الهمزة للاستفهام دخلت على
واو العاطفة أي أو أنت جئت للزيارة أو كلمة " أو " للاضراب بمعنى بل، قوله " فلما
كان وقت السحر بدالي " هذا كلام عم الرواي، وقوله " فقام " رجوع إلى سياق أول
الكلام. 2 - قب (2) يج (3) غط: عمرو بن محمد بن ريان (4) الصيمري قال:
(1) كمال الدين ج 2 ص 194 و 195. (2)
مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 430. (3) مختار الخرائج والجرائح ص 214. (4) في بعض النسخ
كما في المناقب - عمرو بن محمد بن زياد الصميرى.
[249]
دخلت على أبي أحمد عبيدالله بن عبد الله
بن طاهر وبين يديه رقعة أبي محمد عليه السلام فيها " إني نازلت الله في هذا الطاغي
يعني المستعين (1) وهو آخذه بعد ثلاث " فلما كان
(1) بويع المستعين أحمد بن محمد بن
المعتصم في اليوم الذى توفى فيه المنتصر يوم الاحد لخمس خلون من ربيع الاخر سنة
ثمان وأربعين ومائتين، وكان بغا ووصيف من الاتراك متوليين لامر الخلافة في زمانه
وأنزلاه في دار السلام، دار محمد بن عبد الله ابن طاهر. فاضطربت الاتراك والفراعنة
وغيرهم من نظرائهم من الموالى بسامراء، فأجمعوا على بعث جماعة منهم إليهم يسألونه
الرجوع إلى دار ملكه، واعترفوا بذنوبهم، وتضمنوا أن لا يعودوا ولا غيرهم من نظرائهم
إلى شئ مما أنكر عليهم، وتذللوا له فأجينوا بما يكرهون. فانصرفوا إلى سرمن رأى
فأعلموا أصحابهم وآيسوهم من رجوع الخليفة، وقد كان المستعين أغفل أمر المعتز
والمؤيد حين انحدر إلى بغداد، اذلم يأخذهما معه، وقد كان حذر من محمد بن الواثق
فأحضره معه، ثم انه هرب منه في حال الحرب. فأجمع الموالى على اخراج المعتز
والمبايعة له فأنزلوه مع أخيه المؤيد من الحبس وبايعوه في يوم الاربعاء لاحدى عشرة
ليلة خلت من المحرم سنة احدى وخمسين ومائتين وركب في غد ذلك اليوم إلى دار العامة،
فأخذ البيعة على الناس، وخلع على أخيه المؤيد وعقد له عقد ين أسود وأبيض، وأحضر
أخاه أبا أحمد مع عدة من الموالى لحرب المستعين فسار إلى بغداد فلم تزل الحرب بينهم
وأمور المعتز تقوى وحال المستعين تضعف. فلما راى محمد بن عبد الله بن طاهر ذلك كاتب
المعتز إلى الصلح على خلع المستعين فجرى بينهم العهود، فخلع المستعين نفسه من
الخلافة في ليلة الخميس لثلاث خلون من المحرم سنة اثنتين وخمسين ومائتين وأحضر هو
وعياله إلى واسط بمقتضى الشرط، ثم بعث المعتز في شهر رمضان من هذه السنة سعيد بن
صالح حتى أعرض المستعين قرب سامرا فاجتز رأسه وحمله إلى المعتز بالله وكان ابن خمس
وثلاثين سنة.
[250]
اليوم الثالث خلع، وكان من أمره ماكان إلى
أن قتل (1). توضيح قال الجزري: فيه نازلت ربي في كذا أي راجعته وسألته مرة بعد مرة،
وهو مفاعلة من النزول عن الامر، أو من النزال في الحرب، وهو تقابل القرنين. 3 - قب
(2) غط: سعد، عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت عند أبي محمد عليه السلام فقال: إذا قام
القائم أمر بهدم المنائر والمقاصير التي في المساجد فقلت في نفسي: لاي معنى هذا ؟
فأقبل علي فقال: معنى هذا أنها محدثة مبتدعة، لم يبنها نبي ولا حجة (3). كشف: من
دلائل الحميري، عن أبي هاشم مثله (4). عم: من كتاب أحمد بن محمد بن عياش، عن
العطار، عن سعد والحميري معا عن الجعفري مثله (5). 4 - قب (6) غط: سعد عن أبي هاشم
الجعفري قال: سمعت أبا محمد عليه السلام يقول: من الذنوب التي لا تغفر قول الرجل
ليتني لا اؤاخذ إلا بهذا، فقلت في نفسي: إن هذا لهو الدفيق، ينبغي للرجل أن يتفقد
من أمره ومن نفسه كل شئ فأقبل علي أبو محمد عليه السلام فقال: يا أبا هاشم صدقت
فالزم ما حدثت به نفسك فان الاشراك في الناس أخفى من دبيب الذر على الصفا، في
الليلة الظلماء ومن دبيب الذر على المسح الاسود (7)
(1) غيبة الشيخ ص 132 وأخرجه الاربلي في
كشف الغمة عن دلائل الحميرى ج 3 ص 295. (2) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 437. (3) غيبة
الشيخ ص 133. (4) كشف الغمة ج 3 ص 296. (5) اعلام الورى ص 355. (6) مناقب آل أبى
طالب ج 4 ص 439. (7) غيبة الشيخ ص 133.
[251]
كشف: من دلائل الحميري، عن الجعفري مثله
(1). عم: من كتاب ابن عياش بالاسناد المتقدم مثله (2). 5 - غط: سعد بن عبد الله، عن
أحمد بن الحسين بن عمر بن يزيد قال: أخبرني أبو الهيثم بن سبانه أنه كتب إليه لما
أمر المعتز بدفعه إلى سعيد الحاجب عند مضيه إلى الكوفة وأن يحدث فيه ما يحدث به
الناس بقصر ابن هبيرة " جعلني " الله فداك، بلغنا خبر قد أقلقنا وأبلغ منا " فكتب
إليه عليه السلام بعد ثالث يأتيكم الفرج فخلع المعتز اليوم الثالث (3). 6 - غط:
جماعة، عن التلعكبري رحمه الله قال: كنت في دهليز أبي علي محمد بن همام رحمه الله
على دكة إذ مر بناشيخ كبير عليه دارعة، فسلم على أبي علي ابن همام فرد عليه السلام
ومضى، فقال لي: أتدري من هو هذا ؟ فقلت: لا فقال لي: هذا شاكري لسيدنا أبي محمد
عليه السلام أفتشتهي أن تسمع من أحاديثه عنه شيئا ؟ قلت: نعم، فقال لي: معك شئ
تعطيه ؟ فقلت له: معي درهمان صحيحان، فقال: هما يكفيانه. فمضيت خلفه فلحقته فقلت
له: أبو علي يقول لك تنشط للمصير إلينا ؟ فقال: نعم، فجئنا إلى أبي علي بن همام
فجلس إليه فغمزني أبو علي أن أسلم إليه الدرهمين فقال لي: ما يحتاج إلى هذا، ثم
أخذهما فقال له أبو علي بن همام يا با عبد الله محمد ! حدثنا عن أبي محمد بما رأيت.
فقال: كان استاذي صالحا من بين العلويين لم أرقط مثله، وكان يركب بسرج صفته بزيون
مسكي وأزرق، قال: وكان يركب إلى دار الخلافه بسر من رأى في كل اثنين وخميس قال:
وكان يوم النوبة يحضر من الناس شئ عظيم، و يغص الشارع بالدواب والبغال والحمير
والضجة، فلا يكون لاحد موضع يمشي
(1) كشف الغمه ج 3 ص 298. (2) اعلام الورى
ص 355 و 356. (3) غيبة الشيخ ص 134.
[252]
ولا يدخل بينهم. قال: فإذا جاء استاذي
سكنت الضجة، وهدأ صهيل الخيل ونهاق الحمير قال: وتفرقت البهائم حتى يصير الطريق
واسعا لا يحتاج أن يتوقى من الدواب نحفه ليز حمها ثم يدخل فيجلس في مرتبته التي
جعلت له، فإذا أراد الخروج و صاح البوابون: هاتوا دابة أبي محمد، سكن صياح الناس
وصهيل الخيل، وتفرقت الدواب حتى يركب ويمضي. وقال الشاكري: واستدعاه يوما الخليفة
وشق ذلك عليه وخاف أن يكون قد سعى به إليه بعض من يحسده على مرتبته، من العلويين
والهاشميين، فركب ومضى إليه، فلما حصل في الدار قيل له: إن الخليفة قد قام ولكن
اجلس في مرتبتك أو انصرف قال: فانصرف وجاء إلى سوق الدواب وفيها من الضجة والمصادمة
واختلاف الناس شئ كثير. فلما دخل إليها سكن الناس، وهدأت الدواب قال: وجلس إلى نخاس
كان يشتري له الدواب قال: فجئ له بفرس كبوس لا يقدر أحد أن يدنو منه قال: فباعوه
إياه بوكس، فقال لي: يا محمد قم فأطرح السرج عليه قال: فقلت: إنه لا يقول لي ما
يؤذيني، فحللت الحزام، وطرحت السرج فهدأ ولم يتحرك وجئت به لامضي به فجاء النخاس
فقال لي: ليس يباع، فقال لي: سلمه إليهم، قال: فجاء النخاس ليأخذه فالتفت إليه
التفاتة ذهب منه منهمزما. قال: وركب ومضينا فلحقنا النخاس فقال: صاحبه يقول أشفقت
أن يرد فان كان علم ما فيه من الكبس فليشتره فقال له استاذي قد علمت، فقال: قد بعتك
فقال لي: خذه فأخذته فجئت به إلى الاصطبل فما تحرك ولا آذاني ببركة استاذي. فلما
نزل جاء إليه وأخذ اذنه اليمنى فرقاه ثم أخذ اذنه اليسرى فرقاه فوالله لقد كنت أطرح
الشعير له فأفرقه بين يديه، فلا يتحرك، هذا ببركة استاذي. قال أبو محمد: قال أبو
علي بن همام: هذا الفرس يقال له الصؤل (1) قال:
(1) قال في الصحاح ص 1747 قال أبو زيد:
صؤل البعير - بالهمز - يصؤل صآلة: إذا صار يقتل الناس ويعدو عليهم، فهو جمل صؤول.
[253]
يرجم بصاحبه حتى يرجم به الحيطان ويقوم
على رجليه ويلطم صاحبه. قال محمد الشاكري: كان استاذي أصلح من رأيت من العلويين
والهاشميين ما كان يشرب هذا النبيذ، كان يجلس في المحراب ويسجد فأنام وأنتبه وأنام
وهو ساجد، وكان قليل الاكل، كان يحضره التين والعنب والخوخ وماشا كله، فيأكل منه
الواحدة والثنتين ويقول: شل هذا يا محمد إلى صبيانك، فأقول هذا كله ؟ فيقول خذه ما
رأيت قط أسدى منه (1). بيان: قال الفيروز آبادي صفة الدار والسرج معروف (2) وقال
البزيون كجرد حل وعصفور السندس، وقوله " نحفه ليزحمها " لعله بيان للتوقي أي كان لا
يحتاج إلى ذلك، والاحتمال الآخر ظاهر " والكبوس " لعله معرب چموش ولم أظفرله في
اللغة على معنى يناسب المقام (3) ويحتمل أن يكون كيوس بالياء المثناة من الكيس خلاف
الحمق فان الصعوبة وقلة الانقياد يكون غالبا في الانسان مع الكياسة، وأبو محمد كنية
للتلعكبري قوله " شل هذا " أي ارفعه ويقال: أسدى إليه أي أحسن. 7 - غط: الفزاري عن
محمد بن جعفر بن عبد الله، عن محمد بن أحمد الانصاري قال: وجه قوم من المفوضة
والمقصرة كامل بن إبرهيم المدني إلى أبي محمد عليه السلام قال كامل: فقلت في نفسي
أسأله لايدخل الجنة إلا من عرف معرفتي وقال بمقالتي ؟ قال: فلما دخلت على سيدي أبي
محمد، نظرت إلى ثياب بياض ناعمة عليه فقلت في نفسي: ولي الله وحجته يلبس الناعم من
الثياب ؟ ويأمرنا نحن بمواساة الاخوان وينهانا عن لبس مثله، فقال متبسما: يا كامل
وحسر ذراعيه فإذا مسح أسود خشن على جلده، فقال: هذا لله وهذا لكم، تمام الخبر.
(1) غيبة الشيخ ص 139 و 140. (2) راجع
القاموس ج 3 ص 163، وقال غيره: هي ما غشى به بين القربوسين وهما مقدمه ومؤخره. (3)
ولعله فعول من الكبس بمعنى الاقتحام على الشئ.
[254]
8 - قب، يج: قال أبو هاشم: ما دخلت قط على
أبي الحسن وأبي محمد عليهما السلام إلا رأيت منهما دلالة وبرهانا، فدخلت على أبي
محمد وأنا اريد أن أسأله ما أصوغ به خاتما أتبرك به، فجلست وأنسيت ما جئت له، فلما
أردت النهوض رمى إلي بخاتم، وقال: أردت فضة فأعطيناك خاتما وربحت الفص والكرى، هناك
الله (1). عم: من كتاب ابن عياش بالاسناد المتقدم مثله (2). 9 - يج: قال أبو هاشم
قلت في نفسي: أشتهي أن أعلم ما يقول أبو محمد في القرآن أهو مخلوق أم غير مخلوق ؟
فأقبل علي فقال: أما بلغك ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام لما نزلت قل هو الله
أحد خلق لها أربعة ألف جناح، فما كانت تمر بملاء من الملائكة إلا خشعوا لها، وقال:
هذه نسبة الرب تبارك وتعالى (2). 10 - قب، يج: عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت في
الحبس مع جماعة فحبس أبو محمد عليه السلام وأخوه جعفر فخففنا له وقبلت وجه الحسن،
وأجلسته على مضربة كانت عندي، وجلس جعفر قريبا منه فقال جعفر: واشيطناه، بأعلى صوته
يعني جارية له، فضجره أبو محمد وقال له: اسكت وإنهم رأوا فيه أثر السكر (4) وكان
المتولي حبسه صالح بن وصيف وكان معنا في الحبس رجل جمحي يدعي أنه علوي فالتفت أبو
محمد وقال: لولا أن فيكم من ليس منكم لاعلمتكم متى يفرج الله عنكم وأومأ إلى الجمحي
فخرج، فقال أبو محمد هذا الرجل ليس منكم فاحذروه فان في ثيابه قصة قد كتبها إلى
السلطان يخبره بما تقولون فيه، فقام بعضهم ففتش ثيابه، فوجد فيها القصة يذكرنا فيها
بكل عظيمة، ويعلمه أنا نريد أن ننقب الحبس ونهرب (5).
(1) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 437. (2)
اعلام الورى ص 356. (3) مختار الخرائج ص 239. (4) المصدر ص 238. (5) نفس المصدر ص
238.
[255]
وقال أبو هاشم: كان الحسن يصوم فإذا أفطر
أكلنا معه ما كان يحمله إليه غلامه في جونة مختومة، فضعفت يوما عن الصوم فأفطرت في
بيت آخر على كعكة، وما شعر بي أحد، ثم جئت فجلست معه، فقال لغلامه: أطعم أبا هاشم
شيئا فانه مفطر فتبسمت، فقال: مما تضحك يا أبا هاشم إذا أردت القوة فكل اللحم فان
الكعك لاقوة فيه، فقلت: صدق الله ورسوله وأنتم عليكم السلام فأكلت فقال: أفطر ثلاثا
فان له المنة لا ترجع لمن أنهكه الصوم في أقل من ثلاث. فلما كان في اليوم الذي أراد
الله أن يفرج عنه جاءه الغلام فقال: يا سيدي أحمل فطورك، قال: احمل وما أحسبنا نأكل
منه، فحمل الطعام الظهر، وأطلق عنه العصر، وهو صائم، فقالوا: كلوا هداكم (1) الله
(2). عم: من كتاب أحمد بن محمد بن عياش، عن أحمد بن زياد الهمداني عن علي بن
إبراهيم، عن أبي هاشم الجعفري مثله (3). بيان: " فخففنا له " أي أسرعنا إلى خدمته،
وفي بعض النسخ " فحففنا به " بالحاء المهملة من قولهم حفه أي أطاف به، " والجونة "
الخابية مطلية بالقار، و " المنة " بالضم القوة. 11 - قب (4) يج: قال أبو هاشم سأله
الفهفكي ما بال المرأة المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا ويأخد الرجل سهمين ؟ قال:
لان المرأة ليس لها جهاد ولانفقة.
(1) هناكم الله خ ل. (2) مختار الخرائج ص
238 و 239 وقد رواه ابن شهر آشوب في المناقب ج 4 ص 430 و 439 ملخصا فراجع. (3)
اعلام الورى ص 354 - 355. (4) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 437 ورواه الكليني في الكافي
ج 7 ص 85 عن على بن محمد، عن محمد بن أبى عبد الله، عن اسحاق بن محمد النخعي.
[256]
ولا عليها معقلة (1) إنما ذلك على الرجال
فقلت في نفسي: قد كان قيل لي إن ابن أبي العوجا سأل أبا عبد الله عليه السلام عن
هذه المسألة فأجابه بمثل هذا الجواب. فأقبل عليه السلام علي فقال: نعم هذه مسألة
ابن أبي العوجا (2) والجواب منا واحد إذا كان معنى المسألة واحدا، جرى لآخرنا ما
جرى لاولنا، وأولنا وآخرنا في العلم والامر سواء، ولرسول الله وأمير المؤمنين
فضلهما (3). كشف: من دلائل الحميري، عن الجعفري مثله (4). عم: من كتاب ابن عياش
بالاسناد المذكور مثله (5). 12 - يج: قال أبو هاشم: سمعت أبا محمد يقول: إن الله
ليعفو يوم القيامة عفوا [لا] يحيط على العباد حتى يقول أهل الشرك " والله ربنا ما
كنا مشركين " (6) فذكرت في نفسي حديثا حدثني به رجل من أصحابنا من أهل مكة أن رسول
الله
(1) المعقلة - بضم القاف - الغرم، يقال:
صار دمه معقلة على قومه أي صاروا يدونه يؤدون من أموالهم، وأصل العقل الامساك
والاستمساك كعقل البعير بالعقال، وعقل الدواء البطن، كما قيل للحصن معقل، وباعتبار
عقل البعير قيل عقلت المقتول: اعطيت ديته. وقيل أصله أن تعقل الابل بفناء ولى الدم،
وقيل بل بعقل الدم أن يسفك ثم سميت الدية باى شئ كان عقلا، وسمى الملتزمون له
عاقلة، وهم قرابة الرجل من قبل الاب الذى يعطون دية من قتله خطأ. (2) رواه الكليني
في الكافي ج 7 ص 85، باسناده عن الاحول قال: قال لى ابن أبى العوجاء: ما بال المرأة
المسكينة الضعيفة تأخذ سهما واحدا ويأخذ الرجل سهمين ؟ قال: فذكره بعض أصحابنا لابي
عبد الله عليه السلام فقال: ان المرأة ليس عليها جهاد، ولا نفقة ولا معقلة وانما
ذلك على الرجال، ولذلك جعل للمرأة سهما واحدا وللرجل سهمين. (3) مختار الخرائج ص
239. (4) كشف الغمة ج 3 ص 299. (5) اعلام الورى ص 355. (6) الانعام: 23.
[257]
صلى الله عليه وآله قرأ " إن الله يغفر
الذنوب جميعا " (1) فقال الرجل ومن أشرك، فأنكرت ذلك، وتنمرت للرجل، فأنا أقول في
نفسي إذا أقبل علي عليه السلام فقال: " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون
ذلك لمن يشاء " (2) بئسما قال هذا، وبئسما روى (3). 13 - قب (4) يج: قال أبو هاشم:
سأل محمد بن صالح أبا محمد عليه السلام عن قوله تعالى: " لله الامر من قبل ومن بعد
" (5) فقال عليه السلام: له الامر من قبل أن يأمر به، وله الامر من بعد أن يأمر به
بما يشاء، فقلت في نفسي: هذا قول الله " ألا له الخلق والامر تبارك الله رب
العالمين " (6) فأقبل علي فقال: هو كما أسررت في نفسك " ألا له الخلق والامر تبارك
الله رب العالمين " قلت: أشهد أنك حجة الله وابن حجته في خلقه (7). 14 - يج: قال
أبو هاشم: سأله محمد بن صالح عن قوله تعالى " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده ام
الكتاب " (8) فقال: هل يمحو إلا ماكان ؟ وهل يثبت إلا ما لم يكن ؟ فقلت في نفسي هذا
خلاف قول هشام بن الحكم إنه لا يعلم بالشئ حتى يكون، نظر إلي فقال: تعالى الجبار
الحاكم العالم بالاشياء قبل كونها قلت: أشهد أنك حجة الله (9).
(1) الزمر: 53. (2) النساء: 48. (3) مختار
الخرائج ص 239. (4) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 436. (5) الروم: 4. (6) الاعراف: 54.
(7) مختار الخرائج ص 239. (8) الرعد: 39. (9) مختار الخرائج ص 239.
[258]
15 - قب: قال أبو هاشم: خطر ببالي أن
القرآن مخلوق أم غير مخلوق ؟ فقال أبو محمد عليه السلام: يا أبا هاشم الله خالق كل
شئ وما سواه مخلوق (1). 16 - قب (2) يج: قال أبو هاشم رحمه الله: سمعته يقول إن في
الجنة بابا يقال له المعروف، لا يدخله إلا أهل المعروف، فحمدت الله في نفسي وفرحت
بما أتكلف من حوائج الناس، فنظر إلي وقال: نعم، فدم على ما أنت عليه، فان أهل
المعروف في الدنيا أهل المعروف في الآخرة، جعلك الله منهم يا أبا هاشم و رحمك (3).
كشف: من دلائل الحميري عن الجعفري مثله (4). عم: من كتاب ابن عياش بالاسناد المتقدم
مثله (5). 17 - يج: قال أبو هاشم: أدخلت الحجاج بن سفيان العبدي على أبي محمد عليه
السلام فسأله المبايعة، قال: ربما بايعت الناس فتواضعتهم المواضعة إلى الاصل، قال:
لا بأس، الدينار بالدينارين، معها خرزة، فقلت في نفسي: هذا شبه ما يفعله المربيون
فالتفت إلي فقال: إنما الربا الحرام ما قصدته، فإذا جاوز حدود الربا وزوي عنه فلا
بأس، الدينار بالد ينارين، يدا بيد، ويكره أن لا يكون بينهما شئ يوقع عليه البيع
(6). 18 - يج: روي عن أبي هاشم أنه سأله عن قوله تعالى: " ثم أورثنا الكتاب الذين
اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات
(1) مناقب آل ابى طالب ج 4 ص 436. (2)
كتاب المناقب ج 4 ص 432 (3) مختار الخرائج ص 239. (4) كشف الغمة ج 3 ص 297 و 298 و
299 وهكذا سائر ما رواه عن أبى هاشم الجعفري. (5) اعلام الورى ص 356. (6) مختار
الخرائج ص 239.
[259]
باذن الله " (1) قال: كلهم من آل محمد،
الظالم لنفسه الذين لايقر بالامام، المقتصد العارف بالامام، والسابق بالخيرات
الامام، فجعلت افكر في نفسي عظم ما أعطى الله آل محمد صلى الله عليه وآله وبكيت
فنظر إلى وقال: الامر أعظم مما حدثت به نفسك، من عظم شأن آل محمد صلى الله عليه
وآله فاحمد الله أن جعلك متمسكا بحبلهم تدعى يوم القيامة بهم إذ ادعى كل اناس
بامامهم إنك على خير (2). كشف: من دلائل الحميري عن الجعفري مثله (3). 19 - يج: عن
أبي هاشم الجعفري قال: لما مضى أبو الحسن عليه السلام صاحب العسكر اشتغل أبو محمد
ابنه بغسله وشأنه وأسرع بعض الخدم إلى أشياء احتملوها من ثياب ودراهم وغيرهما، فلما
فرغ أبو محمد من شأنه صار إلى مجلسه، فجلس، ثم دعا اولئك الخدم، فقال: إن صدقتموني
فيما أسألكم عنه، فأنتم آمنون من عقوبتي وإن أصررتم على الجحود دللت على كل ما أخذه
كل واحد منكم و عاقبتكم عند ذلك بما تستحقونه مني. ثم قال: يا فلان أخذت كذاوكذا
وأنت يا فلان أخذت كذاوكذا، قالوا: نعم، قالوا فردوه، فذكر لكل واحد منهم ما أخذه
وصار إليه، حتى رد واجميع ما أخذوه (4). 20 - يج: روى أبو هاشم أنه ركب أبو محمد
عليه السلام يوما إلى الصحراء فركبت معه، فبينما يسير قدامي، وأنا خلفه، إذ عرض لي
فكر في دين كان علي قد حان أجله فجعلت افكر في أي وجه قضاؤه، فالتفت إلي وقال: الله
يقضيه ثم انحنى على قربوس سرجه فخط بسوطه خطة في الارض فقال: يا أبا هاشم انزل فخذ
واكتم فنزلت وإذا سبيكة ذهب، قال: فوضعتها في خفي وسرنا.
(1) فاطر: 32. (2) مختار الخرائج ص 239.
(3) كشف الغمة ج 3 ص 296 و 297. (4) لم نجده في مختار الخرائج.
[260]
فعرض لي الفكر فقلت: إن كان فيها تمام
الدين وإلا فاني ارضي صاحبه بها، ويجب أن ننظر في وجه نفقة الشتاء، وما نحتاج إليه
فيه من كسوة وغيرها فالتفت إلي ثم انحنى ثانية فخط بسوطه مثل الاولى ثم قال: انزل
وخذ واكتم قال: فنزلت فإذا بسبيكة (1) فجعلتها في الخف الآخر وسرنا يسيرا ثم انصرف
إلى منزله وانصرفت إلى منزلي. فجلست وحسبت ذلك الدين، وعرفت مبلغه، ثم وزنت سبيكة
الذهب فخرج بقسط ذلك الدين ما زادت ولا نقصت ثم نظرت ما نحتاج إليه لشتوتي من كل
وجه فعرفت مبلغه الذي لم يكن بدمنه على الاقتصاد بلا تقتير ولا إسراف ثم وزنت سبيكة
الفضة فخرجت على ما قدرته ما زادت ولانقصت. 21 - يج: حدث بطريق متطبب بالري (2) قد
أتى عليه مائة سنة ونيف وقال: كنت تلميذ بختيشوع طبيب المتوكل، وكان يصطفيني فبعث
إليه الحسن ابن علي بن محمد بن علي الرضا عليهم السلام أن يبعث إليه بأخص أصحابه
عنده ليفصده
(1) يعنى سبيكة من الفضة، لما سيأتي بعد
ذلك. (2) أخرج هذا الحديث من الخرايج لان فيه تفصيلا، وما نقله الكليني في الكافي
يخالف ذلك في كثير من المواضع قال حدثنى على بن محمد، عن الحسن بن الحسين قال حدثنى
محمد بن الحسن بن المكفوف قال: حدثنى بعض أصحابنا، عن بعض فصادى العسكر من النصارى
أن أبا محمد عليه السلام بعث إلى يوما في وقت صلاة الظهر، فقال لى: افصد هذا العرق
؟ قال: وناولني عرقا لم أفهمه من العرق التى تفصد. فقلت في نفسي: ما رأيت أمرا أعجب
من هذا، يأمرنى أن أفصد في وقت الظهر وليس بوقت فصد، والثانية عرق لاأفهمه، ثم قال
لى: انتظر وكن في الدار، فلما أمسى دعاني وقال لى: سرح الدم، فسرحت ثم قال لى: أمسك
فأمسكت ثم قال لى: كن في الدار فلما كان نصف الليل أرسل إلى وقال لى: سرح الدم !
قال: فتعجب أكثر من عجبى الاول، وكرهت أن أسأله، قال: فسرحت فخرج دم أبيض كأنه
الملح، قال: ثم قال لى: احبس قال فحبست قال: ثم قال: كن في الدار. - >
[261]
فاختارني وقال: قد طلب مني ابن الرضا من
يفصده، فصر إليه وهو أعلم في يومنا هذا بمن هو تحت السماء، فاحذر أن لا تعترض عليه
فيما يأمرك به. فمضيت إليه فأمرني إلى حجرة وقال: كن إلى أن أطلبك، قال: وكان الوقت
الذي دخلت إليه فيه عندي جيدا محمودا للفصد، فدعاني في وقت غير محمود له، و أحضر
طستا عظيما ففصدت الاكحل فلم يزل الدم يخرج حتى امتلا الطست، ثم قال لي: اقطع فقطعت
وغسل يده وشدها، وردني إلى الحجرة، وقدم من الطعام الحار والبارد شئ كثير، وبقيت
إلى العصر ثم دعاني فقال: سرح ! ودعا بذلك الطست فسرحت وخرج الدم إلى أن امتلا
الطست فقال: اقطع فقطعت وشديده وردني إلى الحجرة، فبت فيها. فلما أصبحت وظهرت الشمس
دعاني وأحضر ذلك الطست، وقال: سرح فسرحت، فخرج مثل اللبن الحليب إلى أن امتلا
الطست، فقال: اقطع فقطعت فشد يده، وقدم لي بتخت ثياب وخمسين دينارا، وقال: خذ هذا
وأعذر وانصرف فأخذت وقلت: يأمرني السيد بخدمة ؟ قال نعم، تحسن صحبة من يصحبك من دير
العاقول ! فصرت إلى بختيشوع، وقلت له القصة فقال: اجتمعت الحكماء على أن أكثر ما
يكون في بدن الانسان سبعة أمناء من الدم (1) وهذا الذي حكيت
- > فلما أصبحت أمر قهرمانه أن يعطينى
ثلاثة دنانير، فأخذتها وخرجت حتى أتيت ابن بختيشوع النصراني، فقصصت عليه القصة،
قال: فقال لي: والله ما أفهم ما تقول، ولا أعرفه في شئ من الطب، ولاقرأته في كتاب
ولا أعلم في دهرنا أعلم بكتب النصرانية من فلان الفارسى فاخرج إليه. قال: فاكتريت
زورقا إلى البصرة، وأتيت الاهواز ثم صرت إلى فارس إلى صاحبي فأخبرته الخبر، قال
فقال: أنظرني أياما فأنظرته، ثم أتيته متقاضيا قال: فقال لى: ان هذا الذى تحكيه عن
هذا الرجل فعله المسيح في دهره مرة. (1) الامناء: جمع المناء كيل يكال به السمن
وغيره، أو ميزان يوزن به، رطلان قال في الصحاح ص 2497 أنه أفصح من المن وقال غيره:
وهو كالمن في لغة تميم.
[262]
لو خرج من عين ماء لكان عجبا، وأعجب ما
فيه اللبن، ففكر ساعة ثم مكثنا ثلاثة أيام بلياليها نقرء الكتب على أن نجد لهذه
القصة ذكرا في العالم، فلم نجد ثم قال: لم يبق اليوم في النصرانية أعلم بالطب من
راهب بدير العاقول، فكتب إليه كتابا يذكر فيه ما جرى. فخرجت وناديته فأشرف علي
وقال: من أنت ؟ قلت: صاحب بختيشوع، قال: معك كتابة ؟ قلت: نعم فأرخى لي زنبيلا
فجعلت الكتاب فيه فرفعه فقرأ الكتاب ونزل من ساعته فقال: أنت الرجل الذي فصدت ؟
قلت: نعم، قال: طوبى لامك وركب بغلا ومر. فوافينا سر من رأى وقد بقي من الليل ثلثه
قلت: أين تحب ؟ دار استاذنا أو دار الرجل، فصرنا إلى بابه، قبل الاذان، ففتح الباب
وخرج إلينا غلام أسود وقال: أيكما راهب دير العاقول ؟ فقال: أنا جعلت فداك، فقال:
انزل، وقال لي الخادم: احتفظ بالبغلتين وأخذ بيده ودخلا. فأقمت إلى أن أصبحنا
وارتفع النهار ثم خرج الراهب، وقد رمى بثياب الرهبانية، ولبس ثيابا بيضا وقد أسلم،
فقال: خذ بي الآن إلى دار استاذك فصرنا إلى دار بختيشوع فلما رآه بادر يعدو إليه ثم
قال: ما الذين أزالك عن دينك ؟ قال: وجدت المسيح، فأسلمت على يده، قال: وجدت المسيح
؟ ! ! قال: أو نظيره فان هذه الفصدة لم يفعلها في العالم إلا المسيح، وهذا نظيره في
آياته وبراهينه ثم انصرف إليه ولزم خدمته إلى أن مات (1). 22 - يج: روى أحمد بن
محمد، عن جعفر بن الشريف الجرجاني قال: حججت سنة فدخلت على أبي محمد عليه السلام
بسرمن رأى، وقد كان أصحابنا حملوا معي شيئا من المال، فأردت أن أسأله إلى من أدفعه
؟ فقال قبل أن أقول ذلك: ادفع ما معك إلى المبارك خادمي.
(1) مختار الخرائج ص 213.
[263]
قال: ففعلت وخرجت وقلت: إن شيعتك بجرجان
يقرءون عليك السلام قال: أو لست منصرفا بعد فراغك من الحج ؟ قلت: بلى، قال: فانك
تصير إلى جرجان من يومك هذا إلى مائة وسبعين يوما وتدخلها يوم الجمعة لثلاث ليال
يمضين من شهر ربيع الآخر في أول النهار فأعلمهم أني اوافيهم في ذلك اليوم في آخر
النهار وامض راشدا فان الله سيسلمك ويسلم ما معك، فتقدم على أهلك وولدك، ويولد
لولدك الشريف ابن فسمه الصلت بن الشريف بن جعفر بن الشريف وسيبلغ الله به ويكون من
أوليائنا. فقلت: يا ابن رسول الله إن إبراهيم بن إسماعيل الجرحاني هومن شيعتك كثير
المعروف إلى أوليائك يخرج إليهم في السنة من ماله أكثر من مائة ألف درهم، وهو أحد
المتقلبين في نعم الله بجرجان، فقال: شكر لله لابي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل صنيعه
إلى شيعتنا، وغفر له ذنوبه، ورزقه ذكرا سويا قائلا بالحق فقل له: يقول لك الحسن بن
علي: سم ابنك أحمد. فانصرفت من عنده وحججت فسلمني الله حتى وافيت جرحان في يوم
الجمعة في أول النهار من شهر ربيع الآخر على ما ذكره عليه السلام وجاءني أصحابنا
يهنؤني فوعدتهم أن الامام عليه السلام وعدني أن يوافيكم في آخر هذا اليوم فتأهبوا
لما تحتا جون إليه، واغدوا في مسائلكم وحوائجكم كلها. فلما صلوا الظهر والعصر
اجتمعوا كلهم في داري، فوالله ما شعرنا إلا وقد وافانا أبو محمد عليه السلام فدخل
إلينا ونحن مجتمعون فسلم هو أو لا علينا، فاستقبلناه وقبلنا يده، ثم قال: إني كنت
وعدت كنت وعدت جعفر بن الشريف أن اوافيكم في آخر هذا اليوم، فصليت الظهر والعصر بسر
من رأى، وصرت إليكم لاجدد بكم عهدا وها أنا قد جئتكم الآن، فاجمعوا مسائلكم
وحوائجكم كلها. فأول من ابتدأ المسألة النضر بن جابر قال: يا ابن رسول الله إن ابني
جابرا اصيب ببصره منذ شهر فادع الله له أن يرد إليه عينيه، قال: فهاته فمسح بيده
على عينيه فعاد بصيرا ثم تقدم رجل فرجل يسألونه حوائجهم وأجابهم إلى
[264]
كل ما سألوه حتى قضى حوائج الجميع، ودعا
لهم بخير، فانصرف من يومه ذلك (1). 23 - قب (2) يج: روي عن علي (3) بن زيد بن علي
بن الحسين بن زيد بن علي قال: صحبت أبا محمد من دار العامة إلى منزله، فلما صار إلى
الدار وأردت الانصراف، قال: أمهل، فدخل ثم أذن لي فدخلت فأعطاني مائتي دينار، وقال:
اصرفها في ثمن جارية فان جاريتك فلانة قد ماتت وكنت خرجت من المنزل و عهدي بها أنشط
ما كانت فمضيت فإذا الغلام قال: ماتت جاريتك فلانة الساعة، قلت: ما حالها ؟ قيل:
شربت ماء فشرقت فماتت (4). 24 - قب (5) يج: روى الحسن بن ظريف أنه قال اختلج في
صدري مسألتان وأردت الكتاب بهما إلى أبي محمد عليه السلام فكتبت أسأله عن القائم بم
يقضي وأين مجلسه وأردت أن أسأله عن رقية الحمى الربع، فأغفلت ذكر الحمى، فجاء
الجواب: سألت عن القائم إذا قام يقضي بين الناس بعلمه كقضاء داود عليه السلام ولا
يسأل البينة، وكنت أردت أن تسأل عن الحمى الربع فأنسيت فاكتب ورقة وعلقها على
المحموم " يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم " فكتبت وعلقت على المحموم فبرأ
(6).
(1) مختار الخرائج ص 213. (2) مناقب آل
أبى طالب ج 4 ص 431. (3) هو على الاحول، وأبوه زيد هو الملقب بالشبيه النسابة، كان
فاضلا صنف كتاب المقاتل والمبسوط في علم النسب، وتنتهى إليه سلسلة عظيمة، وعلى أبوه
كان من ولد الحسين الملقب بذى الدمعة ابن زيد الشهيد ابن زين العابدين عليه السلام،
منه رحمه الله في المرآت. (4) مختار الخرائج ص 214. (5) كتاب المناقب ج 4 ص 431.
(6) لم نجده في مختار الخرائج.
[265]
عم (1) شا: ابن قولويه، عن الكليني (2) عن
علي بن محمد، عن الحسن بن ظريف مثله (3). 25 - قب (4) يج: روي عن أحمد بن الحارث
القزويني قال: كنت مع أبي بسر من رأى وكان أبي يتعاطى البيطرة في مربط أبي محمد،
وكان عند المستعين بغل لم ير مثله حسنا وكبرا، وكان يمنع ظهره واللجام، وجمع الرواض
فلم تكن لهم حيلة في ركوبه. فقال له بعض ندمائه: ألا تبعث إلى الحسن بن الرضا حتى
يجئ فإما أن يركبه وإما يقتله فبعث إلى أبي محمد عليه السلام ومضى معه أبي. فلما
دخل الدار نظر أبو محمد عليه السلام إلى البغل واقفا في صحن الدار، فوضع يده على
كتفه، فعرق البغل ثم صار إلى المستعين فرحب به وقال: الجم هذا البغل فقال أبو محمد
عليه السلام لابي: ألجمه فقال المستعين ألجمه أنت يا أبا محمد فقام أبو محمد فوضع
طيلسانه فألجمه ثم رجع إلى مجلسه، فقال يا أبا محمد أسرجه، فقال أبو محمد لابي
أسرجه، فقال المستعين: أسرجه أنت يا أبا محمد ؟ فقام أبو محمد عليه السلام ثانية
فأسرجه ورجع. فقال: ترى أن تركبه ؟ قال: نعم فركبه أبو محمد عليه السلام من غير أن
يمتنع عليه ثم ركضه في الدار ثم حمله عليه الهملجة (5) فمشى أحسن مشي، ثم نزل
(1) اعلام الورى ص 357. (2) الكافي ج 1 ص
509. (3) الارشاد ص 323. (4) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 438. (5) في المصباح: هملج
البرذون هملجة: مشى مشية سهلة في سرعة، وقال في مختصر العين: الهملجة حسن سير
الدابة، وكلهم قالوا في اسم الفاعل هملاج بكسر الهاء للذكر والانثى، وهو يقتضى أن
اسم الفاعل لم يجئ على قياسه وهو مهملج، منه رحمه الله.
[266]
فرجع إليه فقال المستعين: قد حملك عليه
أمير المؤمنين فقال أبو محمد لابي: خذه فأخذه وقاده (1). شا: ابن قولويه، عن
الكليني (2) عن علي بن محمد، عن محمد بن علي بن إبراهيم، عن أحمد بن الحارث مثله
(3). 26 - قب (4) يج: روي عن علي بن زيد بن [علي بن] الحسين بن زيد ابن علي قال:
كان لي فرس وكنت به معجبا اكثر ذكره في المجالس، فدخلت على أبي محمد عليه السلام
يوما فقال: ما فعل فرسك ؟ قلت: هوذا على بابك الآن (5) فقال: استبدل به قبل المساء
إن قدرت على مشتر لا تؤخر ذلك. ودخل [علينا] داخل فانقطع الكلام، قال: فقمت متفكرا
ومضيت إلى منزلي فأخبرت أخي بذلك، فقال: لاأدري ما أقول في هذا ؟ وشححت به (6).
فلما صليت العتمة جاءني السائس وقال: نفق فرسك الساعة، فاغتممت و علمت أنه عنى هذا
بذلك القول.
(1) قال المؤلف قدس سره في المرآت: أقول:
يشكل هذا بأن الظاهر أن هذه الواقعة كانت في أيام امامة أبى محمد بعد وفاة أبيه
عليهما السلام وهما كانتا في جمادى الاخرة سنة أربع وخمسين ومائتين كما ذكره
الكليني وغيره فكيف يمكن أن يكون هذه في زمان المستعين. فلا بد اما من تصحيف المعتز
بالمستعين، وهما متقاربان صورة، أو تصحيف أبى الحسن بالحسن، والاول أظهر، للتصريح
بأبى محمد في مواضع، وكون ذلك قبل امامته عليه السلام في حياة والده وان كان ممكنا
لكنه بعيد. (2) الكافي ج 1 ص 507. (3) ارشاد المفيد ص 321 (4) مناقب آل أبى طالب ج
4 ص 430 و 431. (5) زاد في الكافي: وعنه نزلت. (6) في الكافي " ونفست على الناس
ببيعه ".
[267]
ثم دخلت على أبى محمد عليه السلام [من
الغد] وأقول في نفسي: ليته أخلف علي دابة (1) فقال قبل أن أتحدث بشئ: نعم نخلف
عليك، يا غلام أعطه برذوني الكميت ثم قال: هذا أخير من فرسك وأطول عمرا وأوطأ (2).
عم (3) شا: ابن قولويه عن الكليني (4) عن علي بن محمد، عن إسحاق بن محمد عن علي بن
زيد بن علي بن الحسين مثله (5). بيان: لعل أمره عليه السلام بالا ستبدال لمحض إظهار
الاعجاز لعلمه بأنه لا يفعل ذلك أو يقال لعله لم يكن يموت عند المشتري، أو أنه علم
أن المشتري يكون من المخالفين. 27 - قب (6) يج: روى أبو هاشم الجعفري قال: شكوت إلى
أبي محمد عليه السلام ضيق الحبس وشدة القيد، فكتب إلي أنت تصلي الظهر في منزلك،
فاخرجت عن السجن وقت الظهر، فصليت في منزلي (7). وكنت مضيقا فأردت أن أطلب منه
معونة في الكتاب الذي كتبته فاستحييت فلما صرت إلى منزلي وجه إلي بمائة دينار، وكتب
إلي: إذا كانت لك حاجة فلا تستحي واطلبها تأتيك على ما تحب أن تأتيك (8). عم (9)
شا: روى إسحاق بن محمد النخعي، عن أبي هاشم مثله (10).
(1) زاد في الكافي: إذ كنت اغتممت بقوله،
فلما جلست قال نعم نخلف. (2) مختار الخرائج ص 214. (3) اعلام الورى ص 352. (4)
الكافي ج 1 ص 510. (5) ارشاد المفيد ص 323. (6) مختار الخرائج ص 214. (7) مناقب آل
أبى طالب ج 4 ص 432. (8) المصدر ص 439. (9) اعلام الورى ص 354. (10) الارشاد ص 322.
[268]
28 - قب (1) يج: روي عن أبي حمزة نصير
الخادم قال: سمعت أبا محمد عليه السلام غير مرة يكلم غلمانه وغيرهم بلغاتهم وفيهم
روم وترك وصقالبة، فتعجبت من ذلك وقلت هذا ولد بالمدينة، ولم يظهر لاحد حتى قضى أبو
الحسن ولا رآه أحد فكيف هذا ؟ احدث بهذا نفسي فأقبل علي وقال: إن الله بين حجته من
بين سائر خلقه وأعطاه معرفة كل شئ فهو يعرف اللغات، والانساب والحوادث ولولا ذلك لم
يكن بين الحجة والمحجوج فرق (2). عم (3) شا: ابن قولويه، عن الكليني (4) عن علي بن
محمد، عن أحمد بن محمد الاقرع، عن أبي حمزة نصير الخادم مثله (5). 29 - يج: روي أن
أبا محمد عليه السلام سلم إلى نحرير فقالت له امرأته: اتق الله فانك لا تدري من في
منزلك ؟ - وذكرت عبادته وصلاحه وإني أخاف عليك منه، فقال: لارمينه بين السباع ثم
استأذن في ذلك فاذن له، فرمي به إليها ولم يشكوا في أكلها له، فنظروا إلى الموضع
ليعرفوا الحال، فوجدوه قائما يصلي وهي حوله فأمر باخراجه (6). 30 - يج: روى أبو
سليمان داود بن عبد الله قال: حدثنا المالكي عن ابن الفرات قال: كنت بالعسكر قاعدا
في الشارع وكنت أشتهي الولد شهوة شديدة فأقبل أبو محمد فارسا فقلت: تراني ارزق ولدا
؟ فقال برأسه: نعم، فقلت: ذكرا ؟ فقال برأسه: لا، فولدت لي ابنة (7) و
(1) المناقب لابن شهر آشوب ج 4 ص 428. (2)
مختار الخرائج ص 214. (3) اعلام الورى ص 356. (4) الكافي ج 1 ص 509. (5) ارشاد
المفيد ص 322. (6) لا يوجد في مختار الخرائج، وتراه في الكافي ج 1 ص 513. (7) مختار
الخرائج ص 214.
[269]
كشف: من دلائل الحميري، عن جعفر بن محمد
قال: كنت قاعدا وذكر نحوه (1). 31 - يج: روي أبو سليمان، عن علي بن يزيد المعروف
بابن رمش قال: اعتل ابني أحمد وركبت بالعسكر وهو ببغداد فكتبت إلى أبي محمد أسأله
الدعاء فخرج توقيعه: أو ما علم أن لكل أجل كتابا ؟ فمات الابن (2). 32 - يج: روى
أبو سليمان المحمودي قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله الدعاء بأن ارزق
ولدا فوقع: رزقك الله ولدا وأصبرك عليه، فولد لي ابن ومات (3). 33 - يج: روي عن
محمد بن علي بن إبراهيم الهمداني قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله التبرك
بأن يدعو أن ارزق ولدا من بنت عم لي، فوقع: رزقك الله ذكرانا فولد لي أربعة (4). 34
- يج: روي عن علي بن جعفر، عن حلبى (5) قال: اجتمعنا بالعسكر وترصدنا لابي محمد
عليه السلام يوم ركوبه، فخرج توقيعه: ألا لا يسلمن علي أحد، ولا يشير إلي بيده ولا
يومئ فانكم لا تؤمنون على أنفسكم، قال: وإلى جانبي شاب فقلت: من أين أنت ؟ قال من
المدينة، قلت: ما تصنع ههنا ؟ قال: اختلفوا عندنا في أبي محمد عليه السلام فجئت
لاراه وأسمع منه أو أرى منه دلالة ليسكن قلبي وإني لولد أبي ذر الغفاري. فبينما نحن
كذلك إذ خرج أبو محمد عليه السلام مع خادم له فلما حاذانا نظر إلى
(1) كشف الغمة ج 3 ص 306. (2) لا يوجد في
مختار الخرائج وقد أخرجه الاربلي في كشف الغمة ج 3 ص 310. (3) أخرجه في كشف الغمة ج
3 ص 310. (4) تراه في كشف الغمة ج 3 ص 310. (5) كذا في الاصل.
[270]
الشاب الذي بجنبي، فقال: أغفاري أنت ؟
قال: نعم، قال: ما فعلت امك حمدوية، فقال: صالحة، ومر. فقلت للشاب: أكنت رأيته قط
وعرفته بوجهه قبل اليوم ؟ قال: لا، قلت: فينفعك هذا ؟ قال: ودون هذا. 35 - يج: روى
يحيى بن المرزبان قال: التقيت مع رجل من أهل السيب سيماه الخير (1) فأخبرني أنه كان
له ابن عم ينازعه في الامامة والقول في أبي محمد عليه السلام وغيره فقلت: لا أقول
به أو أرى منه علامة، فوردت العسكر في حاجة فأقبل أبو محمد عليه السلام فقلت في
نفسي متعنتا: إن مد يده إلى رأسه، فكشفه ثم نظر ورده قلت به. فلما حاذاني مد يده
إلى رأسه فكشفه، ثم برق عينيه في ثم ردهما ثم قال: يا يحيى ما فعل ابن عمك الذي
تنازعه في الامامة ؟ قلت: خلفته صالحا قال: لا تنازعه ثم مضى. 36 - يج: روي عن ابن
الفرات قال: كان لي على ابن عمي عشرة آلاف درهم فكتبت إلى أبي محمد عليه السلام
أسأله الدعاء لذلك فكتب إلى أنه راد عليك ما لك و هو ميت بعد جمعة قال: فرد علي ابن
عمي مالي، فقلت: ما بدالك في رده وقد منعتنيه ؟ قال: رأيت أبا محمد عليه السلام في
النوم فقال: إن أجلك قددنا فرد على ابن عمك ماله (2). 37 - قب (3) يج: روي عن علي
بن الحسن بن سابور قال: قحط الناس بسرمن رأى في زمن الحسن الاخير عليه السلام فأمر
الخليفة الحاجب، وأهل المملكة أن يخرجوا إلى الاستسقاء، فخرجوا ثلاثة أيام متوالية
إلى المصلى ويدعون فما سقوا.
(1) في نسخة الاصل وهكذا نسخة الكمبانى:
من أهل السبت سماه أبا الخير " وما في المتن هو الصواب طبقا لنسخة الاربلي في كشف
الغمة ج 3 ص 311. (2) أخرجه الاربلي في كشف الغمة ج 3 ص 311. (3) مناقب آل أبى طالب
ج 4 ص 425. (*)
[271]
فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى
الصحراء، ومعه النصارى والرهبان وكان فيهم راهب فلما مد يده هطلت السماء بالمطر فشك
أكثر الناس، وتعجبوا وصبوا إلى دين النصرانية، فأنفذ الخليفة إلى الحسن عليه السلام
وكان محبوسا فاستخرجه من محبسه وقال: الحق امة جدك فقد هلكت فقال: إني خارج في الغد
ومزيل الشك إنشاء الله تعالى. فخرج الجاثليق في اليوم الثالث والرهبان معه وخرج
الحسن عليه السلام عليه السلام في نفر من أصحابه فلما بصر بالراهب وقد مد يده أمر
بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى ويأخذ ما بين أصبعيه ففعل وأخذ من بين سبابتيه
عظما أسود، فأخذه الحسن عليه السلام بيده ثم قال له: استسق الآن، فاستسقى وكان
السماء متغيما فتقشعت وطلعت الشمس بيضاء. فقال الخليفة: ما هذا العظم يا أبا محمد ؟
قال عليه السلام: هذا رجل مر بقبر نبي من الانبياء فوقع إلى يده هذا العظم، وما كشف
من عظم نبي إلا وهطلت السماء بالمطر (1). بيان: صبا إلى الشئ مال. 38 - يج: روى أبو
سليمان قال: حدثنا أبو القاسم الحبشي قال: كنت أزور العسكر في شعبان في أوله ثم
أزور الحسين عليه السلام في النصف، فلما كان في سنة من السنين، وردت العسكر قبل
شعبان، ظننت أني لا أزوره في شعبان. فلما دخل شعبان قلت: لا أدع زيارة كنت أزورها،
خرجت إلى العسكر وكنت إذا وافيت العسكر أعلمتهم برقعة أو رسالة فلما كان في هذه
المرة قلت: أجعلها زيارة خالصة لا أخلطها بغيرها، وقلت لصاحب المنزل: احب أن لا
تعلمهم بقدومي. فلما أقمت ليلة جاءني صاحب المنزل بدينارين وهو يتبسم متعجبا ويقول:
(1) مختار الخرائج ص 214، واخرجه في كشف
الغمة ج 3 ص 311.
[272]
بعث إلي بهذين الديناريين وقيل لي:
ادفعهما إلى الحبشي وقل له: من كان في طاعة الله كان الله في حاجته (1). 39 - يج:
روى إسحاق بن يعقوب، عن بذل مولى أبي محمد عليه السلام قال: رأيت من رأس أبي محمد
عليه السلام نورا ساطعا إلى السماء وهو نائم (2). كشف: من كتاب الدلائل مثله (3).
40 - يج: روي عن علي بن زيد بن علي بن الحسين بن زيد قال: دخلت على أبي محمد عليه
السلام يوما فاني جالس عنده إذا ذكرت منديلا كان معي فيه خمسون دينارا، فتقلقلت
لها، وما تكلمت بشئ ولا أظهرت ما خطر ببالي فقال أبو محمد: محفوظة إنشاء الله فأتيت
المنزل فردها إلي أخي (4). كشف: من دلائل الحميري عن علي مثله (5). 41 - قب (6) يج:
روي أبي العيناء محمد بن القاسم الهاشمي قال: كنت أدخل على أبي محمد عليه السلام
فأعطش واجله أن أدعو بالماء فيقول: يا غلام اسقه، وربما حدثت نفسي بالنهوض فافكر في
ذلك فيقول: يا غلام دابته (7).
(1) مختار الخرائج ص 215. (2) المصدر ص
215. (3) كشف الغمة ج 3 ص 307. (4) مختار الخرائج ص 215. (5) كشف الغمة ج 3 ص 305
(6) المناقب ج 4 ص 433. (7) لم نجده في مختار الخرائج، ورواه الكليني في الكافي ج 1
ص 512، وفيه توصيف أبى العيناء بأنه مولى عبد الصمد بن على، عتاقة، والرجل أبو عبد
الله محمد بن القاسم بن خلاد الاهوازي البصري من تلامذة أبى عبيدة والاصمعى وأبى
زيد الانصاري. كان من أوحد عصره في الشعر والفنون الادبية وكان في عداد الظرفاء
والاذكياء وكان حاضر الجواب، يجيب أكثر المطالب بالقرآن المجيد، ويستشهد به كثيرا.
- >
[273]
42 - يج: روي عن أبي بكر الفهفكي قال:
أردت الخروج بسر من رأى لبعض الامور وقد طال مقامي بها فغدوت يوم الموكب، وجلست في
شارع أبي قطيعة ابن داود إذ طلع أبو محمد عليه السلام يريد دار العامة فلما رأيته
قلت في نفسي: أقول له: يا سيدي إن كان الخروج عن سرمن رأى خيرا فأظهر التبسم في
وجهي. فلما دنا مني تبسم تبسما جيدا فخرجت من يومي فأخبرني أصحابنا أن غريما كان له
عندي مال قدم يطلبني ولو ظفر بي يهتكني لان ما له لم يكن عندي شاهدا. (1) 43 - يج:
روي عن عمر بن أبي مسلم قال: كان سميع المسمعي يؤذيني كثيرا ويبلغني عنه ما أكره،
وكان ملاصقا لداري، فكتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله
- > وقال السيد المرتضى رضوان الله عليه
في أماليه المسمى بالغرر والدرر أن أبا العيناء محمد بن القاسم اليمامى كان من أحضر
الناس جوابا وأجودهم بديهة وأملحهم نادرة، قال: لما دخلت على المتوكل دعوت له
وكلمته فاستحسن خطابي، فقال يا محمد بلغني أن فيك شرا. فقلت يا أمير المؤمنين ان
يكن الشر: ذكر المحسن باحسانه والمسئ باساءته فقد زكى الله تعالى وذم فقال في
التزكية " نعم العبد انه اواب " وقال في الذم " هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد
أثيم عتل بعد ذلك زنيم ". وان كان الشر كفعل العقرب فلسع النبي والذمى بطبع لا
يتميز فقد صان الله عبدك من ذلك. وكيف كان فالرجل من موالى عبد الصمد بن على بن عبد
الله بن العباس، أعتقه فصار له ولاؤه، فقيل له الهاشمي انتهى. وحكى عنه انه عمى في
حدود الاربعين من عمره، فسئل يوما: ما ضرك العمى ؟ فقال شيئان: أحدهما أنه فات منى
السبق بالسلام، والثانى أنه ربما ناظرت الرجل فهو يكفهر وجهه ويعبس ويظهر الكراهية،
وأنا لاأراه حتى أقطع الكلام توفى بالبصرة سنة 283 أو 284. (1) مختار الخرائج ص
215.
[274]
الدعاء بالفرج منه، فرجع الجواب: أبشر
بالفرج سريعا، ويقدم عليك مال من ناحية فارس، وكان لي بفارس ابن عم تاجر لم يكن له
وارث غيري فجاءني ماله بعد ما مات بأيام يسيرة. ووقع في الكتاب: استغفر الله وتب
إليه مما تكلمت به، وذلك أني كنت يوما مع جماعة من النصاب فذكروا أبا طالب حتى
ذكروا مولاي فخضت معهم لتضعيفهم أمره، فتركت الجلوس مع القوم، وعلمت أنه أراد ذلك.
(1) 44 - يج: روي عن الحجاج بن يوسف (2) العبدي قال: خلفت ابني بالبصرة عليلا وكتبت
إلى أبي محمدا أسأله الدعاء لابني فكتب إلي: رحم الله ابنك إن كان مؤمنا قال
الحجاج: فورد علي كتاب من البصرة أن ابني مات في ذلك اليوم الذي كتب إلي أبو محمد
بموته، وكان ابني شك في الامامة للاختلاف الذي جرى بين الشيعة (3). كشف: من دلائل
الحميري عن الحجاج مثله (4). 45 - يج: روي عن محمد بن عبد الله قال: وقع أبو محمد
عليه السلام وهو صغير في بئر الماء وأبو الحسن عليه السلام في الصلاة، والنسوان
يصرخن، فلما سلم قال: لا بأس فرأوه وقد ارتفع الماء إلى رأس البئر وأبو محمد على
رأس الماء يلعب بالماء. 46 - يج: روي عن أحمد بن محمد مطهرقال: كتب بعض أصحابنا إلى
أبي محمد عليه السلام من أهل الجبل يسأله عمن وقف على أبي الحسن موسى أتوالاهم أم
أتبرء منهم ؟ فكتب: أتترحم على عمك ؟ لارحم الله عمك، وتبرء منه أنا إلى الله منهم
برئ، فلا تتوالاهم، ولا تعد مرضاهم، ولا تشهد جنائزهم، ولا تصل على أحد منهم مات
أبدا.
(1) مختار الخرائج ص 215. (2) الحجاج بن
سفيان العبدى، ح. (3) المصدر ص 215. (4) كشف الغمة ج 3 ص 301.
[275]
سواء من جحد إماما من الله أو زاد إماما
ليست إمامته من الله، وحجد أو قال ثالث ثلاثة (1) إن الجاحد أمر آخرنا جاحد أمر
أولنا، والزائد فينا كالناقص الجاحد أمرنا، وكان هذا السائل لم يعلم أن عمه كان
منهم فأعلمه ذلك. (2) 47 - يج: من معجزاته أن قبور الخلفاء من بني العباس بسرمن رأى
عليها من زرق الخفافيش والطيور مالا يحصى، وينقى منها كل يوم، ومن الغد تكون القبور
مملوءة زرقا، ولايرى على رأس قبة العسكريين ولا على قباب مشاهد آبائهما عليهم
السلام زرق طير، فضلا على قبور هم إلهاما للحيوانات إجلالالهم. (3) 48 - يج: روي عن
علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن جده، عن عيسى بن صبيح قال: دخل الحسن العسكري
عليه السلام علينا الحبس وكنت به عارفا وقال: لك خمس وستون سنة وأشهرا ويوما، وكان
معي كتاب دعاء وعليه تاريخ مولدي وإنني نظرت فيه فكان كما قال وقال: هل رزقت من ولد
؟ قلت: لا، قال: اللهم ارزقه ولدا يكون له عضدا فنعم العضد الولد ثم تمثل: من كان
ذا عضد يدرك ظلامته * إن الذليل الذي ليست له عضد قلت: ألك ولد ؟ قال: إي والله
سيكون لي ولد يملا الارض قسطا وعدلا فأما الآن فلا، ثم تمثل:
(1) كذا في نسخة الاصل وكأن المراد بقوله
" وجحد أو قال " الخ أن: وسواء من جحد الله، أوقال انه ثالث ثلاثة، فسوى بين الامام
والاله، فمن زاد اماما ليست امامته من الله كان كمن زاد الها غير الله، ومن جحد
اماما كان كمن حجد الله عزوجل. واما نسخة الكشف فهى هكذا: من جحد اماما من الله أو
زاد اماما ليست امامته من الله كان كمن قال: ان الله ثالث ثلاثة. (2) أخرجه في كشف
الغمة ج 3 ص 312. (3) مختار الخرائج ص 215 و 216.
[276]
لعلك يوما أن تراني كأنما * بني حوالي
الاسود اللوابد فان تميما قبل أن يلد الحصى (1) * أقام زمانا وهوفي الناس واحد
بيان: اللبدة بالكسر الشعر المتراكب بين كتفيه، والاسد ذولبدة، وأبو لبد كصرد وعنب
الاسد، والحصى صغار الحجارة والعدد الكثير ويقال: نحن أكثر منهم حصى أي عددا. (2)
49 - يج: روي أن رجلا من موالي أبي محمد العسكري عليه السلام دخل عليه يوما وكان
حكاك الفصوص، فقال: يا ابن رسول الله إن الخليفة دفع إلي فيروزجا أكبر ما يكون،
وأحسن ما يكون، وقال: انقش عليه كذا وكذا، فلما وضعت عليه الحديد صار نصفين وفيه
هلاكي، فادع الله لي، فقال: لاخوف عليك إنشاء الله. قال: فخرجت إلى بيتي، فلما كان
من الغد دعاني الخليفة وقال لي: إن حظيتين اختصمتا في ذلك الفص، ولم ترضيا إلا أن
تجعل ذلك نصفين بينهما فاجعله وانصرفت وأخذت وقد صار قطعتين فأخذتهما ورجعت بهما
إلى دار الخلافة فرضيتا بذلك، وأحسن الخليفة إلي بسبب ذلك فحمدت الله. بيان: "
الحظوة " بالضم والكسر المكانة والمنزلة، وهي حظيتي. 50 - قب، يج: روي عن محمد بن
الحسن بن ذوير، عن أبيه قال: كان يغشى أبا محمد العسكري بسر من رأى كثيرا وأنه أتاه
يوما فوجده وقد قدمت إليه دابته ليركب إلى دار السلطان، وهو متغير اللون من الغضب،
وكان بجنبه رجل من العامة وإذا ركب دعاله وجاء بأشياء يشنع بها عليه وكان عليه
السلام يكره ذلك. فلما كان في ذلك اليوم، زاد الرجل في الكلام وألح فسار حتى انتهى.
(1) هو تميم بن مر بن أد بن طابخة بن
الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ينسب إليه قبيلة تميم أكثر قبائل العدنانية
عددا. (2) قال الاعشى يفضل عامرا عليه علقمة: ولست بالاكثر منهم حصى * وانما العزة
للكاثر.
[277]
إلى مفرق الطريقين، وضاق على الرجل أحدهما
من كثرة الدواب فعدل إلى طريق يخرج منه ويلقاه فيه، فدعا عليه السلام بعض خدمه وقال
له: امض وكفن هذا فتبعه الخادم. فلما انتهى عليه السلام إلى السوق، ولحق معه، خرج
الرجل من الدرب ليعارضه، وكان في الموضع بغل واقف فضربه البغل فقتله، ووقف الغلام
فكفنه كما أمره، وسار عليه السلام وسرنا معه. (1) 51 - شا: ابن قولويه عن الكليني
(2) عن علي بن محمد، عن محمد بن إسماعيل ابن إبراهيم بن موسى قال: كتب أبو محمد
الحسن إلى أبي القاسم إسحاق بن جعفر الزبيري قبل موت المعتز بنحو من عشرين يوما:
الزم بيتك حتى حدث الحادث فلما قتل بريحة كتب إليه: قد حدث الحادث فما تأمرني ؟
فكتب إليه: ليس هذا الحادث الحادث الآخر فكان من المعتز ما كان (3).
(1) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 43، وفيه: "
أبو الحسن الموسوي الحيرى، عن أبيه قال: قدمت إلى أبى محمد دابة ليركب الخ. وألفاظ
الحديث للخرائج على السيرة التى التزمها قدس سره في امثال هذه المواضع فانه إذا رمز
لاكثر من واحد من المصادر فانما ينقل لفظ المصدر الذى ذكره اخيرا. (2) الكافي ج 1 ص
506. (3) قال ابن الجوزى: استخلف محمد بن المتوكل الملقب بالمعتز بالله في المحرم
سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وقتل في الثاني من شهر رمضان أو غرة شعبان سنة خمس
وخمسين ومائتين انتهى. وقال المسعودي في كيفية قتله: فمنهم من قال: منع في حبسه من
الطعام والشراب فمات، ومنهم من قال انه حقن بالماء الحار المغلى فمن أجل ذلك حين
أخرج إلى الناس وجدوا جوفه وارما. والاشهر عند العباسيين انه ادخل حماما واكره على
دخوله اياه، وكان الحمام محميا ثم منع الخروج منه، ثم تنازع هؤلاء فمنهم من قال انه
ترك في الحمام حتى فاضت نفسه - >
[278]
قال وكتب إلى رجل آخر يقتل محمد بن داود
(1) قبل قتله بعشرة أيام فلما كان اليوم العاشر قتل (2). 52 - شا، ابن قولويه عن
الكليني (3) عن علي بن إبراهيم المعروف بابن الكردي، عن محمد بن علي بن إبراهيم بن
موسى بن جعفر قال: ضاق بنا الامر قال لي أبي: امض بنا حتى نصير إلى هذا الرجل يعني
أبا محمد عليه السلام فانه قد وصف عنه سماحة. فقلت: تعرفه ؟ فقال لي: ما أعرفه ولا
رأيته قط، قال: فقصدناه، قال أبي وهو في طريقه: ما أحوجنا إلى أن يأمر لنا بخمس
مائة درهم: مائتي درهم للكسوة، ومائتي درهم للدقيق، ومائة درهم للنفقة، وقلت في
نفسي: ليته أمر لي بثلاث مائة درهم: مائة أشتري بها حمارا ومائة للنفقة، ومائة
للكسوة، وأخرج إلى الجبل. (4) فلما وافينا الباب خرج إلينا غلامه، وقال: يدخل علي
بن إبراهيم وابنه محمد فلما دخلنا عليه وسلمنا قال لابي: يا علي ما خلفك عنا إلى
هذا الوقت ؟ قال: يا سيدي استحييت أن ألقاك على هذه الحال، فلما خرجنا من عنده
جاءنا غلامه فناول أبي صرة وقال: هذه خمس مائة مائتان للكسوة، ومائتان للدقيق،
ومائة
- > ومنهم من ذكر أنه أخرج من بعد ما كادت
نفسه أن تتلف، فاسقى شربة ماء بثلج فتناثر كبده فخمد من فوره، وقيل مات في الحبس
حتف أنفه انتهى وبريحة كان من مقدمى الاتراك الذين قربهم الخلفاء منه رحمه الله في
مرآت العقول. (1) لايعرف الرجل، ولعله تصحيف محمد بن أبى دواد، وهو محمد بن أحمد بن
أبى دواد، القاضى، وقوله " قبل قتله بعشرة أيام " ظرف لقوله " كتب ". (2) الارشاد ص
320. (3) الكافي ج 1 ص 506. (4) يعنى بالجبل بلاد الجبل، وهى همدان وقزوين وقرمسيين
وما والاها، وحدودها آذربيجان، وعراق العرب، وخوزستان، وفارس وبلاد الديلم. (*)
[279]
للنفقة، وأعطاني صرة وقال: هذه ثلاث مائة
درهم فاجعل مائة في ثمن حمار ومائة للكسوة، ومائة للنفقة، ولا تخرج إلى الجبل وصر
إلى سورا (1). قال: فصار إلى سورا وتزوج امرأة منها فدخله اليوم أربعة آلاف دينار
ومع هذا يقول بالوقف. قال محمد بن إبراهيم الكردي: أتريد أمرا أبين من هذا ؟ فقال:
صدقت ولكنا على أمر قد جرينا عليه. (2) 53 - قب (3) شا: أبو علي بن راشد عن أبي
هاشم الجعفري قال: شكوت إلى أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام الحاجة فحك بسوطه
الارض فأخرج منها سبيكة فيها نحو الخمس مائة دينار، فقال: خذها يا أبا هاشم وأعذرنا
(4). 54 - شا: ابن قولويه عن الكليني (5) عن على بن محمد، عن عبد الله بن صالح، عن
أبيه، عن أبي علي المطهري أنه كتب إليه من القادسية (6) يعلمه انصراف الناس عن
المضي إلى الحج وأنه يخاف العطش إن مضى فكتب إليه عليه السلام امضوا ولا خوف عليكم
إنشاء الله فمضى من بقي سالمين ولم يجدوا عطشا (7). (1) سورى كطوبى موضع بالعراق
وهو من بلد السريانيين، وموضع من أعمال بغداد، وقد يمد، راجع ج 2 ص 54 من القاموس.
(2) الارشادص 320 و 321. (3) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 431. (4) ارشاد المفيد ص 322،
وقد رواه الكليني في الكافي ج 1 ص 507، وفيه: فحك بسوطه الارض قال: وأحسبه غطاه
بمنديل وأخرج خمسمائة دينار الخ. (5) الكافي ج 1 ص 507 و 508. (6) قال الفيروز
آبادي: القادسية بلدة قرب الكوفة، مربها ابراهيم عليه السلام فوجد بها عجوزا فغسلت
رأسه، فقال: قدست من أرض فسميت بالقادسية، ودعا لها أن تكون محلة الحاج، راجع ج 2 ص
239. (7) الارشاد ص 322.
[280]
55 - شا: بالاسناد عن علي بن محمد (1) عن
علي بن الحسين بن الفضل قال: نزل بالجعفري من آل جعفر (2) خلق كثير لاقبل له بهم،
فكتب إلى أبي محمد عليه السلام يشكو ذلك فكتب إليه: تكفونهم انشاء الله قال: فخرج
إليه في نفر يسير، والقوم يزيدون على عشرين ألف نفس، وهو في أقل من ألف فاستباحهم.
(3) بيان: استباحهم " أي استأصلهم. 56 - شا: ابن قولويه، عن الكليني (4) عن علي بن
محمد، عن إسحاق بن محمد، عن إسماعيل بن محمد بن علي بن إسماعيل بن علي بن عبد الله
بن العباس قال: قعدت لابي محمد عليه السلام على ظهر الطريق فلما مربي شكوت إليه
الحاجة، وحلفت أنه ليس عندي درهم فما فوقه، ولا غداء ولا عشاء قال فقال: تحلف بالله
كاذبا وقد دفنت مائتي دينار ؟ وليس قولي هذا دفعا لك عن العطية أعطه يا غلام ما معك
فأعطاني غلامه مائة دينار.
(1) الاسناد في كتاب الارشاد هكذا: أخبرني
أبو القاسم - جعفر بن محمد بن قولويه - عن محمد بن يعقوب، عن على بن محمد، والحديث
في الكافي ج 1 ص 508. (2) المراد بجعفر بن أبى طالب الطيار، وقيل: لعل المراد
بجعفر، ابن المتوكل لانه أراد المستعين قتل من يحتمل ان يدعى الخلافة وقتل جمعا من
الامراء، وبعث جيشا لقتل الجعفري وهو رجل من أولاد جعفر المتوكل، استبصر الحق ونسب
نفسه إلى جعفر الصادق عليه السلام باعتبار المذهب، فلما حوصر بنزول الجيش بساحته
كتب إلى أبى محمد عليه السلام وسأله الدعاء لدفع المكروه فأجاب عليه السلام
بالمذكور في هذا الحديث انتهى. قال المصنف قدس سره في المرآت بعد نقل هذا الكلام:
ولا أدرى أنه رحمه الله قال هذا تخمينا، أو رآه في كتاب لم أظفر عليه. (3) الارشاد
322. (4) الكافي ج 1 ص 509.
[281]
ثم أقبل علي فقال: إنك تحرم الدنانير التي
دفنتها أحوج ما تكون إليها وصدق عليه السلام وذلك أني أنفقت ما وصلني به، واضطررت
ضرورة شديدة إلى شئ أنفقه، وانغلقت علي أبواب الرزق، فنبشت عن الدنانير التي كنت
دفنتها فلم أجدها فنظرت فإذا ابن لي قد عرف موضعها فأخذها، وهرب. فما قدرت منها على
شئ. (1) يج: عن إسماعيل مثله. 57 - نجم: نقلت من خط من حدثه محمد بن هارون بن موسى
التلعكبري قال: حدثنا محمد بن هارون قال: أنفذني والدي مع بعض أصحاب أبي القلا صاعد
النصراني لاسمع منه ما روى عن أبيه من حديث مولانا أبي محمد الحسن بن علي العسكري
عليه السلام فأوصلني إليه فرأيت رجلا معظما وأعلمته السبب في قصدي فأدناني وقال:
حدثني أبي أنه خرج وإخوته وجماعة من أهله من البصرة إلى سر من رأى للظلامة من
العامل، فإذا (2) بسرمن رأى في بعض الايام إذا بمولانا أبي محمد عليه السلام على
بغلة، وعلى رأسه شاشة، وعلى كتفه طيلسان، فقلت في نفسي هذا الرجل يدعي بعض المسلمين
أنه يعلم الغيب، وقلت: إن كان الامر على هذا فيحول مقدم الشاشة إلى مؤخرها، ففعل
ذلك. فقلت: هذا اتفاق ولكنه سيحول طيلسانه الايمن إلى الايسر والايسر إلى الايمن
ففعل ذلك وهو يسير، وقد وصل إلى فقال: يا صاعد لم لا تشغل بأكل حيدانك عما لا أنت
منه ولا إليه وكنا نأكل سمكا. هذا لفظة حديثه نقلناه كما رأيناه ورويناه، ومن عرف
كيف عرفناه كان كمن شاهد ذلك وسمعه ورآه، وأسلم صاعد بن مخلد وكان وزيرا للمعتمد
(1) الارشاد ص 323. (2) فإذا أناظ.
[282]
بيان: قوله: " لم لا تشغل بأكل حيدانك "
كذا كان في المنقول منه ولعله تصحيف (1) جيداتك أي اللحوم الجيدة أوحنذاتك من قولهم
حنذت الشاة حنذا أي شويتها وجعلت فوقها حجارة محماة لينضجها، فهي حنيذ ووصف السمك
بأنه لا أنت منه ولا إليه، لانه يحصل من الماء ويعيش فيه، وأصل الانسان من التراب،
ومرجعه إليه، فلا يوافقه في الطبع 58 - نجم: روينا بإسنادنا إلى عبد الله بن جعفر
الحميري في كتاب الدلائل بإسناده عن الكليني، عن إسحاق بن محمد، عن عمرو بن أبي
مسلم أبي علي قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام وجاريتي حامل أسأله أن يسمي ما في
بطنها فكتب: سم ما في بطنها إذا ظهرت. ثم ماتت بعد شهر من ولادتها فبعث إلي بخمسين
دينارا على يد محمد بن سنان الصواف، وقال: اشتر بهذه جارية. 59 - قب: كافور الخادم
قال: كان يونس النقاش يغشى سيدنا الامام ويخدمه فجاءه يوما يرعد فقال: يا سيدي
اوصيك بأهلي خيرا قال: وما الخبر ؟ قال عزمت على الرحيل، قال: ولم يا يونس ؟ وهو
يتبسم قال: وجه إلى ابن بغابفص ليس له قيمة أقبلت انقشه فكسرته باثنين، وموعده غدا
وهو ابن بغا إما ألف سوط أو القتل، قال: امض إلى منزلك إلى غد، فرح لا يكون إلا
خيرا. فلما كان من الغد وافاه بكرة يرعد، فقال: قد جاء الرسول يلتمس الفص فقال: امض
إليه فلن ترى إلا خيرا قال: وما أقول له يا سيدي ؟ قال: فتبسم وقال: امض إليه واسمع
ما يخبرك به، فلا يكون إلا خيرا. قال: فمضى وعاد يضحك وقال قال لي يا سيدي: الجواري
اختصمن فيمكنك أن تجعله اثنين حتى نغنيك فقال الامام عليه السلام: اللهم لك الحمد
إذ جعلتنا ممن يحمدك حقا فأيش قلت له ؟ قال: قلت له: حتى أتأمل أمره فقال: أصبت
(2).
(1) ولعله تصحيف " حيتانك " لقربه في
الصورة، وهو السمك. (2) مناقب آل ابى طالب ج 4 ص 427.
[283]
بيان قد أوردنا هذه القصة بعينها في
معجزات أبي الحسن الهادي عليه السلام وهو الظاهر لان كافور من أصحابه عليه السلام.
60 - قب: أبو هاشم الجعفري، عن داود بن الاسود قال: دعاني سيدي أبو محمد عليه
السلام فدفع إلي خشبة كأنها رجل باب مدورة طويلة ملء الكف فقال: صربهذه الخشبة إلى
العمري فمضيت فلما صرت في بعض الطريق عرض لي سقاء معه بغل، فزاحمني البغل على
الطريق، فناداني السقاء ضح على البغل (1) فرفعت الخشبة التي كانت معي فضربت بها
البغل، فانشقت فنظرت إلى كسرها فإذا فيها كتب فبادرت سريعا فرددت الخشبة إلى كمي
فجعل السقاء يناديني ويشتمني ويشتم صاحبي. فلما دنوت من الدار راجعا استقبلني عيسى
الخادم عند الباب الثاني فقال: يقول لك مولاي أعزه الله: لم ضربت البغل وكسرت رجل
الباب ؟ فقلت له: يا سيدي لم أعلم ما في رجل الباب، فقال: ولم احتجت أن تعمل عملا
تحتاج أن تعتذر منه إياك بعدها أن تعود إلى مثلها، وإذا سمعت لنا شاتما فامض لسبيلك
التي امرت بها وإياك أن تجاوب من يشتمنا أو تعرفه من أنت، فانا ببلد سوء، ومصر سوء
وامض في طريقك فان أخبارك وأحوالك ترد إلينا فاعلم ذلك. (2) إدريس بن زياد الكفر
توثائي قال: كنت أقول فيهم قولا عظيما فخرجت إلى العسكر للقاء أبي محمد عليه السلام
فقدمت، وعلي أثر السفر ووعثاؤه، فألقيت نفسي
(1) في النسخ " صح على البغل " وفيه
تصحيف، والصحيح كما في الصلب: " ضح عن البغل " امر من التضحية، وهى تخلية السبيل
والتأنى والتأخر عنه، وقال الجوهرى: ضحيت عن الشئ: رفقت به، وضح رويدا أي لا تعجل،
وقال زيد الخيل الطائى: ولو أن نصرا اصلحت ذات بينها * لضحت رويدا عن مطالبها عمرو
وهذا المعنى هو المناسب للمقام، فان السقاء انما ناداه بذلك طلبا منه أن يخلى
السبيل للبغل لا أن يصيح على البغل. (2) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 427 و 428.
[284]
على دكان حمام فذهب بي النوم، فما انتبهت
إلا بمقرعة أبي محمد عليه السلام قد قرعني بها حتى استيفظت فعرفته صلى الله عليه
فقمت قائما اقبل قدمه وفخذه وهو راكب والغلمان من حوله. فكان أول ما تلقاني به أن
قال: يا إدريس " بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون " (1) فقلت:
حسبي يا مولاي وإنما جئت أسألك عن هذا. قال: فتركني ومضى. (2) [عن] محمد بن موسى
قال: شكوت إلى أبي محمد عليه السلام مطل غريم لي، فكتب إلي: عن قريب يموت، ولا يموت
حتى يسلم إليك مالك عنده، فما شعرت إلا وقد دق علي الباب، ومعه مالي. وجعل يقول:
اجعلني في حل مما مطلتك، فسألته عن موجبه فقال: إني رأيت أبا محمد عليه السلام في
منامي وهو يقول لي: ادفع إلى محمد بن موسى ماله عندك، فان أجلك قد حضر واسأله أن
يجعلك في حل من مطلك (3). حمزة بن محمد السروي قال: أملقت وعزمت على الخروج إلى
يحيى بن محمد ابن عمى بحران وكتبت أسأله أن يدعو لي فجاء الجواب: لا تبرح فإن الله
يكشف ما بك، ابن عمك قد مات، وكان كما قال ووصلت إلى تركته. (4) إسحاق قال: حدثني
يحيى القنبري قال: كان لابي محمد عليه السلام وكيل قد اتخذ معه في الدار حجرة يكون
معه خادم أبيض فراود الوكيل الخادم على نفسه، فأبى أن يأتيه، إلا بنبيذ، فاحتال له
بنبيذ، ثم أدخله عليه وبينه وبين أبي محمد عليه السلام ثلاثة أبواب مغلقة. قال:
فحدثني الوكيل قال: إني لمنتبه إذا أنا بالابواب تفتح حتى جاء
(1) الانبياء: 26 و 27. (2) المناقب ج 4 ص
428. (3) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 429. (4) المناقب ج 4 ص 429.
[285]
بنفسه، فوقف على باب الحجرة ثم قال: يا
هؤلاء خافوا الله فلما أصبحنا أمر ببيع الخادم وإخراجي من الدار. (1) سفيان بن محمد
الضبعي (2) قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله عن الوليجة وهو قول الله
عزوجل: " ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة " (3) قلت في نفسي
لافي الكتاب: من ترى المؤمن ههنا، فرجع الجواب: الوليجة التي تقام دون ولي الامر،
وحدثتك نفسك عن المؤمنين، من هم في هذا الموضع ؟ فهم الائمة يؤمنون على الله فيجيز
أمانهم. (4) أشجع بن الاقرع قال: كتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله أن يدعو الله
لي من وجع عيني وكانت إحدى عيني ذاهبة، والاخرى على شرف هار، فكتب إلي: حبس الله
عليك عينيك، فأقامت الصحيحة، ووقع في آخر الكتاب: آجرك الله وأحسن ثوابك فاغتممت
بذلك ولم أعرف في أهلي أحدا مات فلما كان بعد أيام جاءني وفاة ابني طيب، فعلمت أن
التعزية له. (5) عمربن [أبي] مسلم قال: قدم علينا بسر من رأى رجل من أهل مصر يقال
له سيف بن الليث، يتظلم إلى المهدي في ضيعة له غصبها شفيع الخادم وأخرجه منها
فأشرنا إليه أن يكتب إلى أبي محمد عليه السلام يسأله تسهيل أمرها فكتب إليه أبو
محمد عليه السلام،
(1) مناقب آل ابى طالب ج 4 ص 433، ورواه
الكليني في الكافي ج 1 ص 511 (2) في المصدر المطبوع: الصيفي. وقد روى القصة في
الكافي ج 1 ص 508 وفيه الضبعى، طبقا للمتن. (3) براءة: 15. (4) المصدر ج 4 ص 432،
وفيه: فهم الائمة الذين يؤمنون على الله، فنحن اياهم. (5) كتاب المناقب لابن شهر
آشوب ج 4 ص 432 ورواه الكليني في الكافي ج 1 ص 510.
[286]
لا بأس عليك ضيعتك ترد عليك فلا تتقدم إلى
السلطان وأت الوكيل الذي في يده الضيعة، خوفه بالسلطان الاعظم الله رب العالمين.
فلقيه فقال له الوكيل الذي في يده الضيعة: قد كتب إلى عند خروجك أن أطلبك وأن أرد
الضيعة عليك فردها عليه بحكم القاضي ابن أبي الشوارب (1) وشهادة الشهود، ولم يحتج
أن يتقدم إلى المهتدي، فصارت الضيعة له (2). علي بن محمد عن بعض أصحابنا قال: كتب
محمد بن حجر إلى أبي محمد عليه السلام يشكو عبد العزيز بن دلف ويزيد بن عبد الله
فكتب إليه: أما عبد العزيز فقد كفيته وأما يزيد فان لك وله مقاما بين يدي الله
عزوجل، فمات عبد العزيز وقتل يزيد محمد بن حجر. (3) أحمد بن إسحاق قال: دخلت إلى
أبي محمد عليه السلام فسألته أن يكتب لانظر إلى خطه فأعرفه إذا ورد، فقال: نعم ثم
قال: يا أحمد إن الخط سيختلف عليك ما بين القلم الغليظ والقلم الدقيق فلا تشكن، ثم
دعا بالدواة، فقلت في نفسي: أستوهبه القلم الذي كتب به، فلما فرغ من الكتابة أقبل
يحدثني - وهو يمسح القلم بمنديل الدواة - ساعة، ثم قال: هاك يا أحمد فناولنيه
[فتناولته] الخبر. (4) 61 - كا: محمد بن يحيى عن أحمد بن إسحاق (5) مثله إلى قوله
فناولنيه
(1) هو أحمد بن محمد بن عبد الله الاموى
كان قاضى بغداد من عهد المتوكل إلى زمن المقتدر، توفى سنة 317، وبنو ابى الشوارب
بيت مشهور ببغداد. (2) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 432 و 433، وقد رواه الكليني في
الكافي ج 1 ص 511. (3) المصدر ص 433، وتراه في الكافي ج 1 ص 513. (4) كتاب المناقب
ج 4 ص 433 و 434. (5) أبو على أحمد بن اسحاق بن عبد الله بن سعد بن مالك بن الاحوص
الاشعري القمى، كان وافد القميين، روى عن أبى جعفر الثاني وأبى الحسن الثالث عليهما
السلام وكان من خاصة أبى محمد العسكري عليه السلام، وله كتب. - >
[287]
فقلت: جعلت فداك إني أغتم بشئ يصيبني في
نفسي، وقد أردت أن أسأل أباك فلم يقض لي ذلك، فقال: وما هو يا أحمد ؟. فقلت سيدي
روي لنا عن آبائك أن نوم الانبياء على أقفيتهم ونوم المؤمنين على أيمانهم، ونوم
المنافقين على شمائلهم (1) ونوم الشياطين على وجوههم فقال: كذلك هو، فقلت: سيدي
فاني أجتهد أن أنام على يميني فما يمكنني، ولا يأخذني النوم عليها. فسكت ساعة ثم
قال: يا أحمد ادن مني فدنوت منه، فقال: أدخل يدك تحت ثيابك فأدخلتها فأخرج يده من
تحت ثيابه، وأدخلها تحت ثيابي فمسح بيده اليمنى على جابني الايسر، وبيده اليسرى على
جابني الايمن ثلاث مرات. فقال أحمد: فما أقدر أن أنام على يساري منذ فعل بي ذلك،
وما يأخذني نوم عليها أصلا. (2)
- > والرجل ثقة ثقة وهو ابن عم أحمد بن
محمد بن عيسى الاشعري القمى الذى مر ترجمته في ص 119، من هذا المجلد. استأذن الصاحب
عليه السلام على يد الحسين بن روح النوبختى للحج، فاذن له ونعى إليه نفسه، فلما
انصرف من الحج، وبلغ حلوان مات بها، وقد روى في خبر - أخرجه المؤلف قدس سره بابا
عليحدة في ج 52 ص 78 - 89 من طبعتنا هذه - أنه ممن تشرف بخدمة صاحب الامر، ولم يصح
ذلك، ومن أراد فله أن يراجع ما علقناه على ذلك الخبر. (1) وذلك لانهم يعتمدون على
قول الاطباء اليونانيين أكثر من اعتمادهم على قول صاحب الشريعة، ومن طبهم أن ينام
الرجل أولا على اليمين قليلا لينحدر الغذاء إلى قعر المعدة ويتمكن فم المعدة من
الانسداد الكامل، ثم يتحول إلى اليسار ليقع الكبد على المعدة فيسخنها بحرارتها إلى
أن ينهضم الغذاء ويصير كيموسا، ثم يتحول إلى جانب اليمنى لينحدر الغذاء إلى الكبد
بميله الطبيعي فان الكبد في يسار المعدة، ثم بعد قليل يتحول إلى اليسار إلى آخر ما
يقولون في ذلك. (2) الكافي ج 1 ص 513 و 514.
[288]
بيان: " ما بين القلم " أي اختلافا كائنا
فيما بينهما، الحاصل أنه انظر إلى اسلوب الخط ولا تلتفت إلى الجلاء والخفاء، ولا
تلتفت بسببهما وفي الكافي ثم دعا بالدواة فكتب وجعل يستمد إلى مجرى الدواة، فقلت
الخ كأن المعنى يأخذ المداد من قعر الدواة جارا القلم إلى فم الدواة لقلة مدادها،
أو لعدم الحاجة إلى العود سريعا و " هاك " اسم فعل بمعنى خذ " أدخل يدك " أي أخرج
يديك من كميك فأخرج عليه السلام أيضا يديه من كميه ليلمس بجميع يديه الشريفتين جميع
جنبي أحمد ويديه. 62 - قب: شاهويه بن عبدربه قال: كان أخي صالح محبوسا فكتبت إلى
سيدي أبي محمد عليه السلام أسأله أشياء فأجابني عنها، وكتب إن أخاك يخرج من الحبس
يوم يصلك كتابي هذا، وقد كنت أردت أن تسألني عن أمره فأنسيت، فبينا أنا أقرء كتابه
إذا اناس جاؤوني يبشرونني بتخلية أخي، فتلقيته وقرأت عليه الكتاب. (1) أبو العباس
ومحمد بن القاسم قال: عطشت عند أبي محمد عليه السلام ولم تطب نفسي أن يفوتني حديثه،
وصبرت على العطش، وهو يتحدث فقطع الكلام، وقال: يا غلام اسق أبا العباس ماء. (2)
علي بن أحمد بن حماد قال: خرج أبو محمد في يوم مصيف راكبا وعليه جفاف (3) وممطر،
فتكلموا في ذلك فلما انصرفوا من مقصدهم امطروا في طريقهم وابتلوا سواه. (4) محمد بن
عباس قال: تذاكرنا آيات الامام عليه السلام فقال ناصبي: إذا أجاب عن كتاب أكتبه بلا
مداد علمت أنه حق فكتبنا مسائل وكتب الرجل بلامداد على
(1) مناقب آل ابى طالب ج 4 ص 438. (2)
المناقب ج 4 ص 439. (3) كذا في النسخ وقد مرفى أحاديث كما في المطبوع من المصدر: "
التجفاف " وهو آلة للحرب تلبسها الفرس والانسان يتقى بها كأنها درع. (4) مناقب آل
أبى طالب ج 4 ص 439.
[289]
ورق وجعل في الكتب، وبعثنا إليه فأجاب عن
مسائلنا وكتب على ورقة اسمه واسم أبويه، فدهش الرجل فلما أفاق اعتقد الحق. (1)
الجلا والشفا قال أبو جعفر العمري: إن أبا طاهر بن بلبل حج فنظر إلى علي بن جعفر
الهمداني وهو ينفق النفقات العظيمة، فلما انصرف كتب بذلك إلى أبي محمد عليه السلام
فوقع في رقعته: قد أمرنا له بمائة ألف دينار، ثم أمرنا لك بمثلها وهذا يدل على أن
كنوز الارض تحت أيديهم. (2) 63 - كشف: من كتاب دلائل الحميري، عن علي بن عمر
النوفلي قال: كنت مع أبي الحسن عليه السلام في صحن داره، فمر علينا جعفر، فقلت:
جعلت فداك هذا صاحبنا ؟ قال: لا صاحبكم الحسن (3). وعن محمد بن درياب الرقاشي قال:
كتبت إلى أبي محمد أسأله عن المشكوة وأن يدعو لامرأتي وكانت حاملا على رأس ولدها،
أن يرزقني الله ذكرا وسألته أن يسميه فرجع الجواب: المشكوة قلب محمد صلى الله عليه
وآله ولم يجبني عن امرأتي بشئ وكتب في آخر الكتاب: عظم الله أجرك، وأخلف عليك،
فولدت ولدا ميتا وحملت بعده فولدت غلاما (4). قال عمر بن أبي مسلم: كان سميع
المسمعي يؤذيني كثيرا ويبلغني عنه ما أكره وكان ملاصقا لداري فكتبت إلى أبي محمد
عليه السلام أسأله الدعاء بالفرج منه، فرجع الجواب، أبشر بالفرج سريعا، وأنت مالك
داره، فمات بعد شهر واشتريت داره فوصلتها بداري ببركته (5).
(1) المصدر ص 440 وفيه " محمد بن عياش "
بدل " محمد بن عباس ". (2) المناقب ج 4 ص 424. (3) كشف الغمة ج 3 ص 310 ولا يخفى
أنه لا يناسب الباب وانما يناسب باب النصوص. (4) كشف الغمة ج 3 ص 301. (5) كشف
الغمة ج 3 ص 302.
[290]
عن محمد بن عبد العزيز البلخي قال: أصبحت
يوما فجلست في شارع الغنم فإذا بأبي محمد عليه السلام قد أقبل من منزله يريد دار
العامة، فقلت في نفسي: ترى إن صحت أيها الناس هذا حجة الله عليكم فاعرفوه، يقتلوني
؟ فلما دنا مني أومأ بأصبعه السبابة على فيه أن اسكت ! ورأيته تلك الليلة يقول إنما
هو الكتمان أو القتل فاتق الله على نفسك (1). يج: عن محمد بن عبد العزيز مثله (2).
64 - كشف: من كتاب الدلائل حدث محمد بن الاقرع قال: كتبت إلى أبي محمد أسأله عن
الامام هل يحتلم ؟ وقلت في نفسي بعدما فصل الكتاب: الاحتلام شيطنة وقد أعاذ الله
أولياءه من ذلك، فرد الجواب: الائمة حالهم في المنام، حالهم في اليقظة لا يغير
النوم منهم شيئا قد أعاذ الله أولياءه من لمة الشيطان كما حدثتك نفسك (3). يج: عن
محمد بن أحمد الاقرع مثله (4). 65 - كشف: من كتاب الدلائل عن أبي بكر قال: عرض علي
صديق أن أدخل معه في شراء ثمار من نواحي شتى فكتبت إلى أبي محمد عليه السلام
أستأذنه فكتب: لا تدخل في شئ من ذلك، ما أغفلك عن الجراد والحشف ؟ فوقع الجراد
فأفسده وما بقي منه تحشف، وأعاذني الله من ذلك ببركته. حدثني الحسن بن طريف قال:
كتبت إلى أبي محمد أسأله: ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله لامير المؤمنين
" من كنت مولاه فعلي مولاه " قال: أراد بذلك أن جعله علما يعرف به حزب الله عند
الفرقة (5).
(1) المصدر نفسه ص 302. (2) مختار الخرائج
والجرائح ص 215. (3) كشف الغمة ج 3 ص 302 (4) مختار الخرائج ص 215، ورواه الكليني
في الكافي ج 1 ص 509 (5) كشف الغمة ج 3 ص 303.
[291]
قال: وكتبت إلى أبي محمد عليه السلام وقد
تركت التمتع ثلاثين سنة، وقد نشطت لذلك، وكان في الحي امرءة وصفت لي بالجمال، فمال
إليها قلبي، وكانت عاهرا لا تمنع يد لامس، فكرهتها ثم قلت قد قال: تمتع بالفاجرة،
فانك تخرجها من من حرام إلى حلال، فكتبت إلى أبي محمد اشاوره في المتعة، وقلت:
أيجوز بعد هذه السنين أن أتمتع ؟ فكتب: إنما تحيي سنة وتميت بدعة، ولا بأس وإياك
وجارتك المعروفة بالعهر (1) وإن حدثتك نفسك، إن آبائي قالوا: تمتع بالفاجرة فانك
تخرجها من حرام إلى حلال فهذه امرءة معروفة بالهتك، وهي جارة وأخاف عليك استفاضة
الخبر فيها، فتركتها ولم أتمتع بها وتمتع بها شاذان بن سعد رجل من إخواننا و
(1) اختلف أصحابنا في ذلك، فمنهم من منع
عن انكاح الزانى ونكاح الزانية مطلقا لقوله تعالى في سورة النور 3: " الزانى لا
ينكح الا زانية أو مشركة، والزانية لا ينكحها الا زان أو مشرك وحرم ذلك على
المؤمنين ". ومنهم من أجاز ذلك مطلقا للاحاديث الواردة في ذلك وادعاء نسخ الاية
بقوله تعالى " وانكحوا الايامى منكم " الاية أو بالاحاديث المروية في جواز ذلك
كالحديث المروى المشهور عند راوي هذا الحديث. والصحيح أن الاية ليست بمنسوخة لابا
لآية ولا بالا حاديث لعدم المنافاة بين مقتضاهما والمراد بالزانى والزانية في هذه
الآية، الثابث المتحقق في ذلك، كأن يثبت زناهما عند الحاكم العدل فيجرى عليهما حد
الزناء فيكون شهادة العدول واجراء الحد عليهما موجبا لتحقق العنوان فيهما، أو يكونا
من المشهورين بذلك عند العرف يعلمه كل أحد كان تكون الجارية ذات علم كما كن في
الجاهلية، أو في بيوت معدة لذلك كالقلاع والمحلات المرسومة الآن لذلك، أو يكون
الناكح هو الذى زنى بالمرءة قبل ذلك، فيكون تحقق العنوان عنده وجدانيا. فعلى أحد
هذه الموارد الثلاث تحكم الاية بتحريم النكاح، وما سوى ذلك مما قد يزنى الرجل وتزني
المرءة ويكون زناهما مخفيا فخارج عن مدلول الاية الشريفة فتأمل.
[292]
جيراننا فاشتهر بها حتى علا أمره، وصار
إلى السلطان وغرم بسببها مالا نفيسا وأعاذني الله من ذلك ببركة سيدي (1). وعن سيف
بن الليث قال: خلفت ابنا لي عليلا بمصر عند خروجي منها، و ابنا لي آخر أسن منه، هو
كان وصيي وقيمي على عيالي وضياعي، فكتبت إلى أبي محمد عليه السلام وسألته الدعاء
لابني العليل، فكتب إلي: قدعو في الصغير ومات الكبير وصيك وقيمك، فاحمد الله ولا
تجزع فيحبط أجرك. فورد على الكتاب بالخبر أن ابني عوفي من علته، ومات ابني الكبير
يوم ورد علي جواب أبي محمد عليه السلام (2). قب: عن سيف مثله (3). 66 - كشف: من
كتاب الدلائل عن محمد بن حمزة السروري قال: كتبت على يد أبي هاشم داود بن القاسم
الجعفري وكان لي مواخيا إلى أبى محمد عليه السلام أسأله أن يدعو لي بالغنى، وكنت قد
أملقت، فأوصلها وخرج إلي على يده: أبشر فقد أجلك الله تبارك وتعالى بالغنى، مات ابن
عمك يحيى بن حمزة، وخلف مائة ألف درهم، وهي واردة عليك فاشكر الله، وعليك
بالاقتصاد، وإياك والاسراف فانه من فعل الشيطنة. فورد علي بعد ذلك قادم معه سفاتج
من حران فإذا ابن عمي قد مات في اليوم الذي رجع إلي أبو هاشم بجواب مولاي أبي محمد،
واستغنيت وزال الفقر عني كما قال سيدي فأديت حق الله في مالي، وبررت إخواني وتماسكت
بعد ذلك - وكنت مبذرا - كما أمرني أبو محمد (4).
(1) كشف الغمة ج 3 ص 303 و 304. (2) كشف
الغمة ج 3 ص 304. (3) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 433. ورواه الكليني في الكافي ج 1 ص
509. في حديث. (4) كشف الغمة ج 3 ص 304.
[293]
وعن محمد بن صالح الخثعمي قال: كتبت إلى
أبي محمد أسأله عن البطيخ وكنت به مشغوفا فكتب إلي: لا تأكله على الريق فانه يولد
الفالج، وكنت اريد أن أسأله عن صاحب الزنج خرج بالبصرة فنسيت حتى نفذ كتابي إليه،
فوقع: صاحب الزنج (1) ليس من أهل البيت (2). قب: عن محمد بن صالح مثله (3). 67 -
كشف: من كتاب الدلائل عن محمد بن الربيع الشيباني قال: ناظرت رجلا من الثنوية
بالاهواز ثم قدمت سر من رأى، وقد علق بقلبي شئ من مقالته فاني لجالس على باب أحمد
بن الخضيب إذ أقبل أبو محمد عليه السلام من دار العامة يوم الموكب فنظر إلي وأشار
بسبابته " أحد أحد فوحده " فسقطت مغشيا علي (4). يج: عن محمد بن الربيع مثله (5).
(1) هو الذى كان يزعم أنه على بن محمد بن
أحمد بن عيسى بن زيد بن على بن الحسن بن على بن أبى طالب عليه السلام، وهو الذي
يؤمى إليه في نهج البلاغة في أخبار الملاحم بالبصرة حيث يقول عليه السلام: يا أحنف
كأنى به وقد ساربا لجيش الذى لا يكون له غبار ولا لجب، ولا قعقعة لجم ولا حمحمة
خيل، يثيرون الارض بأقدامهم كأنها أقدام النعام. قال ابن أبى الحديد في شرح النهج ج
2 ص 311: خرج في فرات البصرة سنة 255، فتبعه الزنج الذين كانوا يكبسون السباخ في
البصرة، ثم ذكران جمهور النسابين اتفقوا على أنه من عبد القيس وأنه على بن عبد
الرحيم وامه اسدية من اسد بن خزيمة، جدها محمد بن حكيم الاسدي، من أهل الكوفة أحد
الخارجين مع زيد بن على بن الحسين. (2) كشف الغمة ج 3 ص 305. (3) مناقب آل أبى طالب
ج 4 ص 428. (4) كشف الغمة ج 3 ص 305. (5) لم نجده في مختار الخرائج، ورواه الكليني
في الكافي ج 1 ص 511. وفيه " محمد بن الربيع السائى " وهو الصحيح نسبة إلى ساية -
قرية بمكة أو واد بين الحرمين، عنونه الشيخ في رجاله وقال: محمد بن الربيع بن سويد
السائى من أصحاب العسكري عليه السلام.
[294]
68 - كشف: من كتاب الدلائل عن علي بن محمد
بن الحسن قال: وافت جماعة من الاهواز من أصحابنا وكنت معهم وخرج السلطان إلى صاحب
البصرة فخرجنا لننظر إلى أبى محمد عليه السلام فنظرنا إليه ماضيا معه، وقعدنا بين
الحائطين بسر من رأى ننظر رجوعه، فرجع فلما حاذانا وقرب منا وقف ومديده إلى قلنسوته
فأخذها عن رأسه وأمسكها بيده (1) وأمر يده الاخرى على رأسه، وضحك في وجه رجل منا.
فقال الرجل مبادرا: أشهد أنك حجة الله وخيرته فقلنا: يا هذا ما شأنك ؟ قال: كنت
شاكا فيه، فقلت في نفسي: إن رجع وأخذ القلنسوة عن رأسه قلت: بامامته (2). يج: عن
علي بن محمد مثله (3). 69 - كشف: من دلائل الحميري عن أبي سهل البلخي قال: كتب رجل
إلى أبي محمد، يسأله الدعاء لو الديه، وكانت الام غالية والاب مؤمنا، فوقع: رحم
الله والدك. وكتب آخر يسأل الدعاء لوالديه وكانت الام مؤمنة، والاب ثنويا فوقع رحم
الله والدتك، والتاء منقوطة (4). وحدث أبو يوسف الشاعر القصير شاعر المتوكل قال:
ولد لي غلام وكنت مضيقا فكتبت رقاعا إلى جماعة أسترفدهم، فرجعت بالخيبة قال قلت:
أجئ فأطوف حول الدار طوفة وصرت إلى الباب فخرج أبو حمزة ومعه صرة سوداء فيها أربع
مائة درهم، فقال: يقول لك سيدي: أنفق هذه على المولود، بارك الله لك فيه.
(1) وفى الخرائج: بيده الاخرى ووضعها على
رأسه وضحك. (2) كشف الغمة ج 3 ص 305 و 306. (3) مختار الخرائج والجرائج ص 215. (4)
كشف الغمة ج 3 ص 306. (*)
[295]
حدث أبو القاسم علي بن راشد (1) قال: خرج
رجل من العلويين من سرمن رأى في أيام أبي محمد إلى الجبل يطلب الفضل، فتلقاه رجل من
همدان فقال له: من أين أقبلت ؟ قال: من سرمن رأى قال: هل تعرف درب كذا وموضع كذا
قال: نعم، فقال: عندك من أخبار الحسن بن علي شئ ؟ قال: لا، قال: فما أقدمك الجبل ؟
قال: طلب الفضل قال: فلك عندي خمسون دينارا فاقبضها وانصرف معي إلى سر من رأى حتى
توصلني إلى الحسن بن علي عليه السلام فقال: نعم. فأعطاه خمسين دينارا وعاد العلوي
معه، فوصلا إلى سر من رأى فاستأذنا على أبي محمد عليه السلام فأذن لهما، فدخلا وأبو
محمد عليه السلام قاعد في صحن الدار. فلما نظر إلى الجبلي قال له: أنت فلان بن فلان
؟ قال: نعم، قال: أوصى إليك أبوك وأوصى لنا بوصية، فجئت تؤديها، ومعك أربعة آلاف
دينار هاتها ! فقال الرجل: نعم فدفع إلى المال ثم نظر إلى العلوي فقال: خرجت إلى
الجبل تطلب الفضل فأعطاك هذا الرجل خمسين دينارا فرجعت معه، ونحن نعطيك خمسين
دينارا فأعطاه (2). وعن محمد بن عبد الله قال: لما أمر سعيد بحمل أبي محمد إلى
الكوفة كتب إليه أبو الهيثم: جعلت فداك بلغنا خبر أقلقنا، وبلغ منا، فكتب: بعد ثلاث
يأتيكم الفرج فقتل المعتز يوم الثالث. قال: وفقد له غلام صغير فلم يوجد، فاخبر
بذلك، فقال: اطلبوه من البركة، فطلب فوجدوه في بركة الدار ميتا. قال: وانتهبت خزانة
أبي الحسن بعد ما مضى فأخبر بذلك فأمر بغلق الباب ثم دعا بحرمه وعياله فجعل يقول
لواحد واحد: رد كذا وكذا، ويخبره بما أخذ فردوا حتى ما فقد شيئا (3).
(1) في المصدر: " ابو القاسم كاتب راشد ".
(2) كشف الغمة ج 3 ص 307. (3) كشف الغمة ج 3 ص 292.
[296]
يج: عن محمد بن عبد الله إلى قوله ميتا
(1). 70 - كشف: من كتاب الدلائل: حدث هارون بن مسلم قال: ولد لابني أحمد ابن فكتبت
إلى أبي محمد عليه السلام وذلك بالعسكر اليوم الثاني من ولادته أسأله أن يسميه
ويكنيه، وكان محبتي أن اسميه جعفرا واكنيه بأبي عبد الله، فوافاني رسوله في صبيحة
اليوم السابع، ومعه كتاب: سمه جعفرا وكنه بأبي عبد الله ودعا لي (2). وحدثني القاسم
الهروي قال: خرج توقيع من أبي محمد عليه السلام إلى بعض بني أسباط قال: كتبت إليه
اخبره عن اختلاف الموالي وأسأله إظهار دليل، فكتب إلي: وإنما خاطب الله عزوجل
العاقل ليس أحد يأتي بآية أو يظهر دليلا أكثر مما جاء به خاتم النبيين وسيد
المرسلين فقالوا ساحر وكاهن وكذاب، وهدى الله من اهتدى، غير أن الادلة يسكن إليها
كثير من الناس، وذلك أن الله عزوجل يأذن لنا فنتكلم، ويمنع فنصمت. ولو أحب أن لا
يظهر حقا ما بعث النبيين مبشرين ومنذرين، فصدعوا بالحق في حال الضعف والقوة،
وينطقون في أوقات ليقضي الله أمره، وينفذ حكمه. الناس في طبقات شتى والمستبصر على
سبيل نجاة متمسك بالحق متعلق بفرع أصيل، غير شاك ولا مرتاب ولا يجد عنه ملجأ، وطبقة
لم تأخذ الحق من أهله فهم كراكب البحر يموج عند موجه، ويسكن عند سكونه، وطبقة
استحوذ عليهم الشيطان، شأنهم الرد على أهل الحق، ودفع الحق بالباطل، حسدا من عند
أنفسهم، فدع من ذهب [يذهب] يمينا وشمالا، فالراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها في
أهون السعي. ذكرت ما اختلف فيه موالى فإذا كانت الوصية والكبر فلاريب، ومن جلس
مجالس الحكم فهو أولى بالحكم، أحسن رعاية من استرعيت، وإياك والاذاعة، و
(1) لم نجده في مختار الخرائج. (2) كشف
الغمة ج 3 ص 293.
[297]
طلب الرئاسة، فانهما يدعوان إلى الهلكة
ذكرت شخوصك إلى فارس فاشخص خار الله لك، وتدخل مصر إن شاء الله آمنا، واقرأ من تثق
به من موالي السلام ومرهم بتقوى الله العظيم، وأداء الامانة، وأعلمهم أن المذيع
علينا حرب لنا. قال: فلما قرأت " وتدخل مصر إنشاء الله " لم أعرف معنى ذلك، فقدمت
إلى بغداد، وعزيمتي الخروج إلى فارس، فلم يتهيأ ذلك، فخرجت إلى مصر (1). يج: عن أبي
القاسم الهروي مثله (2). 71 - كشف: من دلائل الحميري، عن علي بن محمد بن زياد أنه
خرج إليه توقيع أبي محمد عليه السلام: فتنة تخصك فكن حلسا من أحلاس بيتك، قال:
فنابتني نائبة فزعت منها، فكتبت إليه أهي هذه ؟ فكتب: لا، أشد من هذه، فطلبت بسبب
جعفر بن محمود (3) ونودي علي: من أصابني فله مائة ألف درهم 4). يج: روى علي بن محمد
بن زياد مثله (5). بيان: قال الجوهري: أحلاس البيوت ما يبسط تحت حر الثياب وفي
الحديث كن حلس بيتك أي لا تبرح. 72 - كشف: من دلائل الحميري حدث محمد بن علي
الصيمري قال: دخلت على أبي أحمد عبيدالله بن عبد الله وبين يديه رقعة أبي محمد عليه
السلام فيه: إني نازلت الله في هذا الطاغي يعني الزبيري وهو آخذه بعد ثلاث فلما كان
في اليوم الثالث فعل
(1) كشف الغمة ج 3 ص 293 و 294. (2) مختار
الخرائج ص 291. (3) جعفر بن محمد خ ل، وجعفر بن محمود كان من أصحاب الخليفة، وقد
ذكر في حديث المتوكل مع أبى الحسن الهادى حين سأله عن المواطن الكثيرة راجع ص 163
فيما سبق. (4) كشف الغمة ج 3 ص 294 و 295. (5) لم نجده في مختار الخرائج المطبوع.
[298]
به ما فعل. (1) وعنه قال: كتب إلي أبو
محمد عليه السلام: فتنة تظلكم فكونوا على اهبة، فلما كان بعد ثلاثة أيام وقع بين
بني هاشم وكانت لهم هنة لها شأن فكتبت إليه أهي هذه ؟ قال: لا، ولكن غير هذه،
فاحترسوا ! فلما كان بعد أيام كان من أمر المعتز ما كان. (2) وعن جعفر بن محمد
القلانسي قال: كتب أخي محمد إلى أبي محمد عليه السلام وامرأته حامل مقرب، أن يدعو
الله أن يخلصها ويرزقه ذكرا ويسميه فكتب يدعو الله بالصلاح ويقول: رزقك الله ذكرا
سويا ونعم الاسم محمد، وعبد الرحمن. فولدت اثنين في بطن أحدهما في رجله زوائد في
أصابعه، والآخر سوي فسمى واحدا محمدا والآخر صاحب الزوايد، عبد الرحمن. وعن جعفر بن
محمد القلانسي قال: كتبت إلى أبي محمد مع محمد بن عبد الجبار وكان خادما يسأله عن
مسائل كثيرة، وسأله الدعاء لاخ خرج إلى أرمنية يجلب غنما فورد الجواب بما سأل، ولم
يذكر أخاه فيه بشئ فورد الخبر بعد ذلك أن أخاه مات يوم كتب أبو محمد جواب المسائل،
فعلمنا أنه لم يذكره لانه علم بموته. (3) وعن أبي هاشم قال: كتب إليه بعض مواليه
يسأله أن يعلمه دعاء فكتب إليه أن ادع بهذه الدعاء " يا أسمع السامعين، ويا أبصر
المبصرين، يا عز الناظرين ويا أسرع الحاسبين، ويا أرحم الراحمين، ويا أحكم
الحاكمين، صل على محمد وآل محمد، وأوسع لي في رزقي، ومدلي في عمري، وامنن على
برحمتك واجعلني ممن تنتصر به لدينك، ولا تستبدل بي غيري ". قال أبو هاشم: فقلت في
نفسي اللهم اجعلني في حزبك وفي زمرتك، فأقبل علي.
(1) كشف الغمة ج 3 ص 295. (2) المصدر نفسه
ص 295. (3) المصدر ج 3 ص 296.
[299]
أبو محمد عليه السلام فقال: أنت في حزبه
وفي زمرته، إذ كنت بالله مؤمنا، ولرسوله مصدقا ولاوليائه عارفا، ولهم تابعا، فأبشر
ثم أبشر. (1) وعن محمد بن الحسن بن ميمون (2) قال: كتبت إليه أشكو الفقر ثم قلت في
نفسي: أليس قد قال أبو عبد الله: الفقر معنا خير من الغنى مع غيرنا، والقتل معنا
خير من الحياة مع عدونا، فرجع الجواب: إن الله عزوجل يخص أولياءنا إذا تكاثفت
ذنوبهم بالفقر، وقد يعفو عن كثير منهم، كما حدثتك نفسك: الفقر معنا خير من الغنى مع
عدونا، ونحن كهف لمن التجأ إلينا. ونور لمن استبصر بنا وعصمة لمن اعتصم بنا، من
أحبنا كان معنا في السنام الاعلى، ومن انحرف عنا فإلى النار. (3) 73 - كش: أحمد بن
علي بن كلثوم، عن إسحاق بن محمد، عن محمد بن الحسن بن شمون مثله. (4) وقال محمد بن
الحسن: لقيت من علة عيني شدة فكتبت إلى أبي محمد عليه السلام أسأله أن يدعو لي فلما
نفذ الكتاب قلت في نفسي: ليتني كنت سألته أن يصف لي كحلا أكحلها، فوقع بخطه يدعو لي
بسلامتها إذ كانت إحداهما ذاهبة، وكتب بعده: أردت أن أصف لك كحلا عليك بصبر مع
الاثمد كافورا وتوتيا فانه يجلو ما فيها من الغشاء، وييبس الرطوبة، قال: فاستعملت
ما أمرني به عليه السلام فصحت والحمد لله. (5) 74 - كش: سعد بن جناح الكشى قال:
سمعت محمد بن إبراهيم الوراق
(1) كشف الغمة ج 3 ص 299 و 300 ورواه ابن
شهر آشوب في مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 439. (2) الصحيح محمد بن الحسن بن شمون كما
سيأتي. (3) المصدر ج 3 ص 300 و 301 ورواه ابن شهر آشوب في المناقب ج 4 ص 435. (4)
رجال الكشى ص 448 وتراه في مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 435. (5) المصدر ص 448.
[300]
السمرقندي يقول: خرجت إلى الحج فأردت أن
أمر على رجل كان من أصحابنا معروف بالصدق، والصلاح والورع والخير يقال: بورق
البوشنجاني (1) قرية من قرى هراة - وأزوره واحدث به عهدي. قال: فأتيته فجرى ذكر
الفضل بن شاذان فقال بورق وكان الفضل بن شاذان به بطن شديد العلة ويختلف في الليل
مائة مرة إلى مائة وخمسين مرة فقال له بورق خرجت حاجا فأتيت محمد بن عيسى العبيدي
فرأيته شيخا فاضلا في أنفه اعوجاج وهو القنا، ومعه عدة رأيتهم مغتمين ومحزونين.
فقلت لهم: مالكم ؟ فقالوا: إن أبا محمد عليه السلام قد حبس، قال بورق فحججت ورجعت
ثم أتيت محمد بن عيسى ووجدته قد انجلى ما كنت رأيت به، فقلت: ما الخبر ؟ فقال:
قدخلي عنه. قال بورق: فخرجت إلى سر من رأى ومعي كتاب يوم وليلة فدخلت على أبي محمد
عليه السلام وأريته ذلك الكتاب فقلت له: جعلت فداك إن رأيت أن تنظر فيه فنظر فيه
وتصفحه ورقة ورقة، وقال: هذا صحيح ينبغي أن يعمل به، فقلت له: الفضل بن شاذان شديد
العلة، ويقولون إنه من دعوتك بموجدتك عليه لما ذكروا عنه، أنه قال: وصي إبراهيم خير
من وصي محمد صلى الله عليه وآله، ولم يقل جعلت فداك هكذا كذبوا عليه فقال: نعم
كذبوا عليه [و] رحم الله الفضل رحم الله الفضل. قال بورق: فرجعت فوجدت الفضل قد مات
في الايام التي قال أبو محمد عليه السلام رحم الله الفضل. (2) 75 - كش: أحمد بن علي
بن كلثوم، عن إسحاق بن محمد، عن الفضل بن الحارث قال: كنت بسر من رأى وقت خروج سيدي
أبي الحسن فرأينا أبا محمد عليه السلام ماشيا قد شق ثوبه، فجعلت أتعجب من جلالته
وهوله أهل، ومن
(1) في النسخ هنا تصحيف، والصحيح ما في
الصلب، وبوشنج بفتح الشين بنيدة نزيهة في واد مشجر من نواحى هراة بينهما عشرة
فراسخ. (2) رجال الكشى ص 451 و 452.
[301]
شدة اللون والادمة، واشفق عليه من التعب
فلما كان من الليل رأيته عليه السلام في منامي، فقال: اللون الذي تعجبت منه اختبار
من الله لخلقه، يختبربه كيف يشاء وإنها لعبرة لاولي الابصار لا يقع فيه على المختبر
ذم (1) ولسنا كالناس فنتعب مما يتعبون نسأل الله الثبات والتفكر في خلق الله، فان
فيه متسعا إن كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة. (2) 76 - كش: عن علي بن سليمان
بن رشيد العطار البغدادي قال: كان عروة ابن يحيى (3) يلعنه أبو محمد عليه السلام
وذلك أنه كانت لابي محمد عليه السلام خزانة وكان يليها أبو علي بن راشد رضي الله
عنه فسلمت إلى عروة فأخذها لنفسه، ثم أحرق باقي ما فيها يغايظ بذلك أبا محمد عليه
السلام فلعنه وبرئ منه، ودعا عليه، فما امهل يومه ذلك وليلته، حتى قبضه الله إلى
النار. فقال عليه السلام: جلست لربي في ليلتي هذه كذا وكذا جلسة فما انفجر عمود
الصبح ولا انطفئ ذلك النار حتى قتل الله عروة لعنه الله. (4) 77 - جش: هارون بن
موسى، عن محمد بن همام قال: كتب أبي إلى أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما
السلام يعرفه أنه ما صح له حمل بولد، ويعرفه أن له
(1) في نسخة الاصل، وهكذا مناقب ابن
شهرآشوب نقلا عن الكشى: " اللون الذى تعجبت منه اختيار من الله لخلقه، يجريه كيف
يشاء، وانها تغيير [لعبرة] في الابصار لا يقع فيه غير المختبر ذم، وفيه تصحيف، وما
في الصلب صححناه من المصدر المطبوع جديدا بالنجف الاشرف. (2) رجال الكشى ص 481
ورواه ابن شهر آشوب في مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 434. (3) هو المعروف بالدهقان وكان
يكذب على أبى الحسن الهادى وأبى محمد العسكري عليهما السلام، كان في أوائل أمره
مستقيم الطريقة، وكيلا لابي محمد العسكري عليه السلام ثم عدا على أمواله عليه
السلام وانحرف عنه فخرج التوقيع بلعنه. (4) رجال الكشى ص 480.
[302]
حملا ويسأله أن يدعو الله في تصحيحه
وسلامته، وأن يجعله ذكرا نجيبا من مواليهم فوقع على رأس الرقعة بخط يده: قد فعل
الله ذلك فصح الحمل ذكرا. (1) 78 - عم: أحمد بن محمد بن عياش، عن أحمد بن محمد
العطار ومحمد بن أحمد بن مصقلة، عن سعد بن عبد الله، عن داود بن القاسم أبي هاشم
الجعفري قال: كنت عند أبي محمد عليه السلام فاستوذن لرجل من أهل اليمن فدخل عليه
رجل جميل طويل جسيم، فسلم عليه بالولاية فرد عليه بالقبول وأمره بالجلوس فجلس إلى
جنبي. فقلت في نفسي: ليت شعري من هذا ؟ فقال أبو محمد عليه السلام: هذا من ولد
الاعرابية صاحبة الحصاة التي طبع آبائي فيها، ثم قال: هاتها فأخرج حصاة، وفي جانب
منها موضع أملس، فأخذها وأخرج خاتمه فطبع فيها فانطبع، وكأني أقرء الخاتم الساعة "
الحسن بن علي ". فقلت لليماني: رأيته قط ؟ قال: لا والله وإني منذ دهر لحريص على
رؤيته حتى كان الساعة أتاني شاب لست أراه، فقال: قم فادخل فدخلت ثم نهض وهو. يقول:
رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت ذرية بعضها من بعض، أشهد أن حقك لواجب كوجوب حق
أمير المؤمنين والائمة من بعده صلوات الله عليهم أجمعين وإليك انتهت الحكمة
والامامة، وإنك ولي الله الذي لا عذر لاحد في الجهل به. فسألت عن اسمه فقال: اسمي
مهجع بن الصلت بن عقبة بن سمعان بن غانم ابن ام غانم وهي الاعرابية اليمانية صاحبة
الحصاة التي ختم فيها أمير المؤمنين عليه السلام وقال أبو هاشم الجعفري في ذلك:
بدرب الحصا مولى لنا يختم الحصى * له الله أصفى بالدليل وأخلصا وأعطا رايات الامامة
كلها * كموسى وفلق البحر واليد والعصا وما قمص الله النبيين حجة * ومعجزة إلا
الوصيين قمصا
(1) رجال النجاشي ص 295، وبعده قال هارون
بن موسى: أراني أبو على ابن همام الرقعة والخط وكان محققا، والظاهر أن الحمل كان
محمد بن همام.
[303]
فمن كان مرتابا بذاك فقصره * من الامر أن
يتلو الدليل ويفحصا (1) في أبيات، قال أبو عبد الله بن عياش: هذه ام غانم صاحبة
الحصاة غير تلك صاحبة الحصاة وهي ام الندى حبابة بنت جعفر الوالبية الاسدية وهي غير
صاحبة الحصاة الاولى التي طبع فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين،
فانها ام سليم و كانت وارثة الكتب فهن ثلاث ولكل واحدة منهن خبر، قد رويته ولم أطل
الكتاب بذكره. (2) غط: سعد عن أبي هاشم الجعفري إلى قوله ختم فيها أمير المؤمنين
(3). كشف من دلائل الحميري عن أبى هاشم مثله. (4) يج: عن أبي هاشم مثله. (5) 79 -
غط: سعد عن أبي هاشم الجعفري قال: كنت محبوسا مع أبي محمد عليه السلام في حبس
المهتدي ابن الواثق فقال: يا أبا هاشم إن هذا الطاغي أراد أن يتعبث بالله في هذه
الليلة وقد بتر الله عمره، وجعله الله للقائم من بعده - ولم يكن له ولد - وسارزق
ولدا قال أبو هاشم: فلما أصبحنا شغب الاتراك على المهتدي، فقتلوه وولي المعتمد
مكانه، وسلمنا الله. (6) قب: مرسلا مثله (7).
(1) في المصدر المطبوع: وان كنت مرتابا
بذاك فقصره * من الامر أن تتلو الدليل وتفحصا (2) اعلام الورى ص 353. (3) غيبة
الشيخ ص 132. (4) كشف الغمة ج 3 ص 314 و 315. (5) لم نجده في مختار الخرائج، ورواه
ابن شهر آشوب في كتاب المناقب ج 4 ص 441. (6) غيبة الشيخ ص 132 و 133. (7) المناقب
ج 4 ص 430.
[304]
بيان: الشغب تهييج الشر. 80 - عيون
المعجزات: عن أبي هاشم، قال: دخلت على أبي محمد عليه السلام وكان يكتب كتابا فحان
وقت الصلاة الاولى فوضع الكتاب من يده وقام عليه السلام إلى الصلاة فرأيت القلم يمر
على باقي القرطاس من الكتاب ويكتب حتى انتهى إلى آخره فخررت ساجدا فلما انصرف من
الصلاة أخذ القلم بيده وأذن للناس. وحدثني أبو التحف المصري يرفع الحديث برجاله إلى
أبي يعقوب إسحاق ابن أبان قال: كان أبو محمد عليه السلام يبعث إلى أصحابه وشيعته
صيروا إلى موضع كذا وكذا، وإلى دار فلان بن فلان العشاء والعتمة في ليلة كذا فانكم
تجدوني هناك وكان الموكلون به لا يفارقون باب الموضع الذي حبس فيه عليه السلام
بالليل والنهار وكان يعزل في كل خمسة أيام الموكلين ويولي آخرين بعد أن يجدد عليهم
الوصية بحفظه، والتوفر على ملازمة بابه. فكان أصحابه وشيعته يصيرون إلى الموضع وكان
عليه السلام قد سبقهم إليه، فيرفعون حوائجهم إليه، فيقضيها لهم على منازلهم
وطبقاتهم، وينصرفون إلى أماكنهم بالآيات والمعجزات وهو عليه السلام في حبس الاضداد.
81 - مشارق الانوار: عن علي بن عاصم الاعمى الكوفي قال: دخلت على أبي محمد العسكري
عليه السلام فقال لي: يا علي بن عاصم انظر إلى ما تحت قدميك فانك على بساط قد جلس
فيه كثير من النبيين والمرسلين، والائمة الراشدين قال فقلت: يا سيدي لا أنتعل ما
دمت في الدنيا إكراما لهذا البساط فقال يا علي إن هذا النعل الذي في رجلك نعل نجس
ملعون لا يقر بولايتنا. قال: فقلت في نفسي ليتني أرى هذا البساط فعلم ما في ضميري
فقال: ادن مني فدنوت منه، فمسح يده الشريفة على وجهي فصرت بصيرا، قال: فرأيت في
البساط أقداما وصورا، فقال: هذا قدم آدم، وموضع جلوسه، وهذا أثر هابيل، وهذا أثر
شيث، وهذا أثر نوح، وهذا أثر قيدار، وهذا أثر مهلائيل، وهذا أثر يارة
[305]
وهذا أثر خنوخ، وهذا أثر إدريس، وهذا أثر
متوشلخ، وهذا أثر سام، وهذا أثر ارفخشد، وهذا أثر هود، وهذا أثر صالح، وهذا أثر
لقمان، وهذا أثر إبراهيم وهذا أثر لوط، وهذا أثر إسماعيل، وهذا أثر إلياس، وهذا أثر
إسحاق، وهذا أثر يعقوب وهذا أثر يوسف، وهذا أثر شعيب، وهذا أثر موسى، وهذا أثر يوشع
بن نون، وهذا أثر طالوت، وهذا أثر داود، وهذا أثر سليمان، وهذا أثر الخضر، وهذا أثر
دانيال، وهذا أثر اليسع ; وهذا أثر ذي القرنين الاسكندر وهذا أثر شابور بن أردشير
وهذا أثر لوى، وهذا أثر كلاب، وهذا أثر قصي، و هذا أثر عدنان، وهذا أثر عبد مناف،
وهذا أثر عبد المطلب، وهذا أثر عبد الله، و هذا أثر سيدنا رسول الله صلى الله عليه
وآله وهذا أثر أمير المؤمنين عليه السلام وهذا أثر الاوصياء من بعده إلى المهدي
عليهم السلام لانه قد وطأه وجلس عليه، ثم قال: انظر إلى الآثار واعلم أنها آثار دين
الله، وأن الشاك فيهم كالشاك في الله، ومن جحدهم كمن جحد الله، ثم قال: اخفض طرفك
يا علي فرجعت محجوبا كما كنت.
[306]
4 * (باب) * * (مكارم اخلاقه، ونوادر
احواله، وما جرى بينه وبين) * * (خلفاء الجور وغيرهم، واحوال اصحابه واهل زمانه) *
* (صلوات الله عليه) * 1 - غط: جماعة عن التلعكبري عن أحمد بن علي الرازي، عن
الحسين بن علي، عن أبي الحسن الايادي قال: حدثني أبو جعفر العمري رضي الله عنه أن
أبا طاهر بن بلبل حج فنظر إلى علي بن جعفر الهماني (1) وهو ينفق النفقات العظيمة
فلما انصرف كتب بذلك إلى أبي محمد عليه السلام فوقع في رقعته: قد أمرنا له بمائة
ألف دينار ثم أمرنا له بمثلها فأبى قبولها إبقاء علينا، ما للناس والدخول في أمرنا،
فيما لم ندخلهم فيه ؟ (2). 2 - غط: روى سعد بن عبد الله قال: حدثني جماعة منهم أبو
هاشم داود بن القاسم الجعفري والقاسم بن محمد العباسي ومحمد بن عبيدالله ومحمد بن
إبراهيم العمري وغيرهم ممن كان حبس بسبب قتل عبد الله بن محمد العباسي أن أبا محمد
عليه السلام وأخاه جعفر ادخلا علهيم ليلا.
(1) عنونه ابن داود في القسم الثاني من
رجاله تحت الرقم 323 وقال: منسوب إلى همينيا قرية من سواد بغداد. (2) غيبة الشيخ ص
141 و 226، وقد أخرجه المؤلف فيما سبق ص 220، من هذا المجلد.
[307]
قالوا: كنا ليلة من الليالي جلوسا نتحدث
إذ سمعنا حركة باب السجن فراعنا ذلك، وكان أبو هاشم عليلا، فقال لبعضنا: اطلع وانظر
ما ترى ؟ فاطلع إلى موضع الباب فإذا الباب فتح، وإذا هو برجلين قد ادخلا إلى السجن
ورد الباب واقفل، فقال: فدنا منهما فقال: من أنتما ؟ فقال أحدهما: أنا الحسن بن علي
وهذا جعفر بن علي فقال لهما: جعلني الله فداكما إن رأيتما أن تدخلا البيت وبادر
إلينا وإلى أبي هاشم فأعلمنا ودخلا. فلما نظر إليهما أبو هاشم قام عن مضربة كانت
تحته، فقبل وجه أبي محمد عليه السلام وأجلسه عليها، فجلس جعفر قريبا منه، فقال
جعفر: واشطناه بأعلى صوته يعنى جارية له، فزجره أبو محمد عليه السلام وقال له: اسكت
وإنهم رأوا فيه آثار السكر، وأن النوم غلبه وهو جالس معهم، فنام على تلك الحال (1).
3 - غط: محمد بن يعقوب قال: خرج إلى العمري في توقيع طويل اختصرناه " ونحن نبرء من
ابن هلال لعنه الله وممن لا يبرء منه، فأعلم الاسحاقي وأهل بلده مما أعلمناك من حال
هذا الفاجر، وجميع من كان سألك ويسألك عنه " (2). 4 - عم (3) شا: ابن قولويه، عن
الكليني (4) عن علي بن محمد، عن محمد بن إسماعيل العلوي قال: جلس أبو محمد عليه
السلام عند علي بن أوتاش (5) وكان شديد العداوة لآل محمد عليهم السلام غليظا على آل
أبي طالب، وقيل له افعل به وافعل، قال: فما أقام إلا يوما حتى وضع خده له، وكان لا
يرفع بصره إليه إجلالا وإعظاما وخرج من عنده وهو أحسن الناس بصيرة وأحسنهم قولا فيه
(6).
(1) غيبة الشيخ ص 147. (2) غيبة الشيخ ص
228. (3) اعلام الورى ص 359. (4) الكافي ج 1 ص 508. (5) أو تامش خ ل، وفى الكافي
نارمش. (6) ارشاد المفيد ص 322.
[308]
5 - عم (1) شا: ابن قولويه، عن الكليني
(2) عن علي بن محمد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن أحمد بن محمد قال: كتبت إلى أبي
الحسن حين أخذ المهتدي في قتل الموالي: يا سيدي الحمد لله الذي شغله عنا فقد بلغني
أنه يهددك ويقول: والله لاجلينكم عن جدد الارض فوقع أبو محمد عليه السلام بخطه: ذلك
أقصر لعمره، عد من يومك هذا خمسة أيام ويقتل في اليوم السادس، بعد هوان واستخفاف
يمر به (3) وكان كما قال عليه السلام (4). 6 - عم (5) شا: ابن قولويه، عن الكليني
(6) عن علي بن محمد، عن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى بن جعفر قال: دخل
العباسيون، على صالح بن وصيف، ودخل صالح بن علي وغيره من المنحرفين عن هذه الناحية
على صالح بن وصيف عند ما حبس أبو محمد عليه السلام فقال له: ضيق عليه ولاتوسع !
فقال لهم صالح: ما أصنع به ؟ وقد وكلت به رجلين شر من قدرت عليه، فقد صارا من
العبادة والصلاة إلى أمر عظيم. ثم أمر باحضار الموكلين، فقال لهما: ويحكما ما
شأنكما في أمر هذا الرجل ؟ فقالا له: ما نقول في رجل يصوم نهاره، ويقوم ليله كله،
لا يتكلم ولا يتشاغل بغير
(1) اعلام الورى ص 356. (2) الكافي ج 1 ص
510. (3) المهتدى هو محمد بن الواثق بن المعتصم بن هارون الرشيد بويع في آخر رجب أو
في شعبان سنة وخمس وخمسين ومائتين، وشرع في قتل مواليه من الترك، فخرجوا عليه في
رجب سنة ست وخمسين ومائتين، وقتلوا صالح بن وصيف، وكان أعظم أمرائه، ومحل اعتماده
في مهماته، وعلقوا رأسه في باب المهتدى لهوانه واستخفافه، وتغافل فقتلوه بعد ذلك
أقبح قتل. (4) الارشاد ص 424. (5) اعلام الورى ص 360. (6) الكافي ج 1 ص 512.
[309]
العبادة، فإذا نظر الينا ارتعدت فرائصنا
وداخلنا مالا نملكه من أنفسنا، فلما سمع ذلك العباسيون انصرفوا خاسئين (1). 7 - عم
(2) شا: بهذا الاسناد (3) عن علي بن محمد، عن جماعة من أصحابنا قالوا: سلم أبو محمد
عليه السلام إلى نحرير (4) وكان يضيق عليه ويؤذيه، فقالت له امرأته: اتق الله فانك
لا تدري من في منزلك ؟ وذكرت له صلاحه وعبادته وقالت: إني أخاف عليك منه، فقال:
والله لارمينه بين السباع، ثم استأذن في ذلك فأذن له، فرمى به إليها فلم يشكوا في
أكلها، فنظروا إلى الموضع ليعرفوا الحال، فوجدوه عليه السلام قائما يصلي وهي حوله،
فأمر بإخراجه إلى داره (5). 8 - قب: مرسلا مثله. ثم قال: وروي أن يحيى بن قتيبة
الاشعري أتاه بعد ثلاث مع الاستاذ فوجداه يصلي والاسود حوله، فدخل الاستاذ الغيل
فمزفوه، وأكلوه، وانصرف يحيى في قومه إلى المعتمد، فدخل المعتمد على العسكري عليه
السلام وتضرع إليه و سأل أن يدعو له بالبقاء عشرين سنة في الخلافة، فقال عليه
السلام: مد الله في عمرك فاجيب وتوفي بعد عشرين سنة (6). 9 - قب: من ثقاته: علي بن
جعفر قيم لابي الحسن (7) وأبو هاشم داود بن
(1) الارشاد ص 324. (2) اعلام الورى ص 360
(3) الكافي ج 1 ص 513. (4) النحرير - بالكسر - الحاذق الماهر المجرب المتقن البصير،
وبمعناه الاستاذ كما سيجئ في رواية المناقب. (5) ارشاد المفيد ص 324 و 325. (6)
مناقب آل ابى طالب ج 4 ص 430. (7) الظاهر أنه على بن جعفر الهمانى كما مر ترجمته
تحت الرقم 1 - من هذا الباب وهكذا ص 220 فيما سبق، وهو الذى كان في حبس المتوكل
وخاف القتل والشك في - > (*)
[310]
القاسم الجعفري، وقد رأى خمسة من الائمة،
وداود بن أبي يزيد النيشابوري، و محمد بن علي بن بلال، وعبد الله بن جعفر الحميري
القمي، وأبو عمرو عثمان بن سعيد العمري الزيات والسمان، وإسحاق بن الربيع الكوفي،
وأبو القاسم جابر بن يزيد الفارسي، وإبراهيم بن عبيد الله بن إبراهيم النيشابوري.
ومن وكلائه محمد بن أحمد بن جعفر، وجعفر بن سهيل الصيقل، وقد أدركا أباه وابنه. ومن
أصحابه: محمد بن الحسن الصفار وعبدوس العطار، وسري بن سلامة النيشابوري، وأبو طالب
الحسن بن جعفر الفافاي، وأبو البختري مؤدب ولد الحجاج. وبابه: الحسين بن روح
النيبختي (1). وخرج من عند أبي محمد عليه السلام في سنة خمس وخمسين كتابا ترجمته "
رسالة المنقبة " (2) يشتمل على أكثر علم الحلال والحرام، وأوله أخبرني علي بن محمد
ابن علي بن موسى. وذكر الخيبري في كتاب سماه مكاتبات الرجال عن العسكر يين قطعة من
أحكام الدين (3).
- > دينه، فوعده أبو الحسن الهادى عليه
السلام - كما مر في ص 183 و 184 أن يقصد الله فيه فحم المتوكل وأمر بتخلية من كان
في السجن وتخليته بالخصوص. وقد احتمل بعضهم اتحاده مع على بن جعفر الدهقان الذى ورد
لعنه وسبق فيما مر. (1) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 423 ونو بخت ونيبخت، حكمه حكم
نوروز ونيروز ان كسرنا النون - تبعا للفظ الدرى - تابعت الواو الكسرة، فصارت ياءا
وقيل: نيبخت ونيروز، وان فتحناها كما يفتحونها الاعاجم اليوم بقيت الواو على حالها
وقيل نوروز ونوبخت. (2) في المصدر المطبوع " رسالة المقنعة ". (3) مناقب آل أبى
طالب ج 4 ص 424.
[311]
أبو القاسم الكوفي في كتاب التبديل أن
إسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه أخذ في تأليف تناقض القرآن، وشغل نفسه،
بذلك، وتفرد به في منزله، وإن بعض تلامذته دخل يوما على الامام الحسن العسكري عليه
السلام فقال له أبو محمد عليه السلام: أما فيكم رجل رشيد يردع استاذكم الكندي فما
أخذ فيه من تشاغله بالقرآن ؟ فقال التلميذ: نحن من تلامذته كيف يجوز منا الاعتراض
عليه في هذا أو في غيره ؟ فقال أبو محمد عليه السلام: أتؤدي إليه ما القيه إليك ؟
قال: نعم، قال: فصر إليه، وتلطف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله، فإذا وقعت
الانسة في ذلك فقل: قد حضرتني مسألة أسالك عنها فانه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن
أتاك هذا المتكلم بهذا القرآن هل يجوز أن يكون مراده بما تكلم به منه غير المعاني
التي قد ظننتها أنك ذهبت إليها ؟ فانه سيقول إنه من الجائز لانه رجل يفهم إذا سمع
فاذا أوجب ذلك فقل له: فما يدريك لعله قد أراد غير الذي ذهبت أنت إليه، فتكون واضعا
لغير معانيه. فصار الرجل إلى الكندي وتلطف إلى أن ألقى عليه هذه المسألة، فقال له:
أعد علي ! فأعاد عليه، فتفكر في نفسه، ورأى ذلك محتملا في اللغة، وسائغا في النظر
(1). 10 - عم: من كتاب أحمد بن محمد بن العياش قال: كان أبو هاشم الجعفري حبس مع
أبي محمد عليه السلام كان المعتز حبسهما مع عدة من الطالبيين في سنة ثمان و خمسين
ومائتين وقال:
(1) المناقب ج 4 ص 424، وبعده: فقال:
أقسمت عليك الا أخبرتني من أين لك ؟ فقال: انه شئ عرض بقلبي فأوردته عليك فقال:
كلا، ما مثلك من اهتدى إلى هذا ولا من بلغ هذه المنزلة فعرفني من أين لك هذا ؟
فقال: أمرنى به أبو محمد، فقال: الان جئت به، وما كان ليخرج مثل هذا الامن ذلك
البيت، ثم انه دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألفه.
[312]
حدثنا أحمد بن زياد الهمداني عن علي بن
إبراهيم بن هاشم، عن داود بن القاسم قال: كنت في الحبس المعروف بحبس خشيش في الجوسق
الاحمر أنا والحسن ابن محمد العقيقي ومحمد بن إبراهيم العمري وفلان وفلان إذ دخل
علينا أبو محمد الحسن وأخوه جعفر فحففنا به، وكان المتولي لحبسه صالح بن وصيف وكان
معنا في الحبس رجل جمحي يقول: إنه علوي، قال: فالتفت أبو محمد فقال: لولا أن فيكم
من ليس منكم لاعلمتكم متى يفرج عنكم، وأومأ إلى الجمحي أن يخرج فخرج. فقال أبو
محمد: هذا الرجل ليس منكم فاحذروه، فان في ثيابة قصة قد كتبها إلى السلطان يخبره
بما تقولون فيه، فقام بعضهم ففتش ثيابه، فوجد فيها القصة يذكرنا فيها بكل عظيمة
(1). بيان: الظاهر أن في التاريخ اشتباها وتصحيفا فان المعتز قتل قبل ذلك بأكثر من
ثلاث سنين، وأيضا ذكر فيه أن هذا الحبس كان بتحريك صالح بن وصيف وقتل هو أيضا قبل
ذلك بسنتين وأو أكثر فالظاهر اثنين أو ثلاث وخمسين، أو كان المعتمد مكان المعتز فان
التاريخ يوافقه لكن لم يكن صالح في هذا التاريخ حيا. وفي القاموس " الجوسق " القصر
وقلعة، ودار بنيت للمقتدر في دار الخلافة في وسطها بركة من الرصاص ثلاثون ذراعا في
عشرين (2). 11 - مهج: من كتاب الاوصياء لعلي بن محمد بن زياد الصيمري قال: لما هم
المستعين في أمر أبي محمد عليه السلام بماهم وأمر سعيد الحاجب بحمله إلى الكوفة، و
أن يحدث عليه في الطريق حادثة انتشر الخبر بذلك في الشيعة فأقلقهم، وكان بعد مضي
أبي الحسن عليه السلام بأقل من خمس سنين. فكتب إليه محمد بن عبد الله والهيثم بن
سيابة: بلغنا جعلنا الله فداك خبر أقلقنا وغمنا، وبلغ منا فوقع: بعد ثلاث يأتيكم
الفرج، قال: فخلع المستعين في
(1) اعلام الورى ص 354. (2) القاموس ج 3 ص
217.
[313]
اليوم الثالث، وقعد المعتز وكان كما قال
(1). وروى أيضا الصيمري في الكتاب المذكور في ذلك ما هذا لفظه، وحدث محمد عمر
الكاتب عن علي بن محمد بن زياد الصيمري صهر جعفر بن محمود الوزير على ابنته ام أحمد
وكان رجلا من وجوه الشيعة وثقاتهم ومقدما في الكتاب والادب و العلم والمعرفة. قال:
دخلت على أبي أحمد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر، وبين يديه رقعة أبي محمد عليه
السلام فيها: إني نازلت الله عزوجل في هذا الطاغي يعني المستعين، وهو آخذه بعد
ثلاث، فلما كان في اليوم الثالث خلع، وكان من أمره ما رواه الناس في إحداره إلى
واسط وقتله (2). وروى الصيمري أيضا عن أبي هاشم قال: كنت محبوسا عند أبي محمد في
حبس المتهدي فقال لي: يا أبا هاشم إن هذا الطاغي أراد أن بعبث بالله عزوجل في هذه
الليلة وقد بترالله عمره، وجعلته للمتولي بعده، وليس لي ولد سيرزقني الله ولدا
بكرمه ولطفه، فلما أصبحنا شغب الاتراك على المهتدي وأعانهم الامة لما عرفوا من قوله
بالاعتزال القدر، وقتلوه ونصبوا مكانه المعتمد، وبايعوا له، وكان المهتدي قد صحح
العزم على قتل أبي محمد عليه السلام فشغله الله بنفسه حتى قتل، ومضى إلى أليم عذاب
الله (3). وروي أيضا عن الحميرى عن الحسن بن علي بن إبراهيم بن مهزيار، عن محمد بن
أبي الزعفران، عن ام أبي محمد عليهما السلام قال: قال لي يوما من الايام تصيبني في
سنة ستين ومائتين حزازة أخاف أن أنكب منها نكبة، قالت: وأظهرت الجزع وأخذني البكاء،
فقال: لابد من وقوع أمر الله، لا تجزعي. فلما كان في صفر سنة ستين أخذها المقيم
والمقعد، وجعلت تخرج في الاحايين إلى خارج المدينة، وتجسس الاخبار حتى ورد عليها
الخبر، حين حبسه المعتمد
(1) مهج الدعوات ص 341. (2) مهج الدعوات ص
342. (3) مهج الدعوات ص 343.
[314]
في يدى علي بن جرين وحبس جعفرا أخاه معه
وكان المعتمد يسأل عليا عن أخباره في كل وقت فيخبره أنه يصوم النهار، ويصلي الليل.
فسأله يوما من الايام عن خبره فأخبره بمثل ذلك، فقال له: امض الساعة إليه وأقرئه
مني السلام، وقل له: انصرف إلى منزلك مصاحبا قال علي بن جرين فجئت إلى باب الحبس
فوجدت حمارا مسرجا فدخلت عليه فوجدته جالسا وقد لبس خفه وطيلسانه وشاشته فلما رآني
نهض فأديت إليه الرسالة فركب. فلما استوى على الحمار وقف فقلت له: ما وقوفك يا سيدي
؟ فقال لي: حتى يجئ جعفر، فقلت: إنما أمرني باطلاقك دونه، فقال لي: ترجع إليه فتقول
له: خرجنا من دار واحدة جميعا فإذا رجعت وليس هو معي كان في ذلك ما لاخفاء به عليك
فمضى وعاد، فقال له: يقول لك: قد أطلقت جعفرا لك لاني حبسته بجنايته على نفسه
وعليك، وما يتكلم به، وخلى سبيله فصار معه إلى داره. (1) وذكر الصيمري أيضا عن
المحمودي قال: رأيت خط أبي محمد عليه السلام لما خرج من حبس المعتمد: " يريدون
ليطفؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ". (2) وذكر نصر بن علي
الجهضمي وهو من ثقات المخالفين في مواليد الائمة عليهم السلام: ومن الدلائل ما جاء
عن الحسن بن علي العسكري عند ولادة م ح م د ابن الحسن: زعمت الظلمة أنهم يقتلونني
ليقطعوا هذا النسل، كيف رأوا قدرة القادر وسماه المؤمل (3). 12 - البرسى: في
المشارق عن الحسن بن حمدان، عن أبي الحسن الكرخي قال: كان أبي بزازا في الكرخ،
فجهزني بقماش إلى سر من رأى، فلما دخلت
(1) مهج الدعوات ص 343. (2) المصدر ص 344.
(3) نفس المصدر ص 345. وقد رواه الشيخ - قدس سره - في غيبته ص 144 و 149، فراجع.
[315]
إليها جاءني خادم فناداني باسمي واسم أبي
وقال: أجب مولاك، قلت: ومن مولاي حتى اجيبه ؟ فقال: ما على الرسول إلا البلاغ. قال:
فتبعته فجاء بي إلى دار عالية البناء لا أشك أنها الجنة، وإذا رجل جالس على بساط
أخضر، ونور جماله يغشى الابصار، فقال لي: إن فيما حملت من القماش حبرتين إحداهما في
مكان كذا والاخرى في مكان كذا في السفط الفلاني و في كل واحدة منهن رقعة مكتوبة
فيها ثمنها وربحها وثمن إحداهما ثلاثة وعشرون دينارا والربح ديناران، وثمن الاخرى
ثلاثة عشر دينارا والربح كالاولى فاذهب فأت بهما. قال الرجل: فرجعت فجئت بهما إليه
فوضعتهما بين يديه، فقال لي: اجلس فجلست لا أستطيع النظر إليه إجلا لا لهيبته، قال:
فمد يده إلى طرف البساط وليس هناك شئ وقبض قبضة وقال: هذا ثمن حبرتيك وربحهما، قال:
فخرجت وعددت المال في الباب، فكان المشترى والربح كما كتب والدي لا يزيد ولا ينقص.
13 - مروج الذهب: قال ذكر محمد بن علي الشريعي وكان ممن بلي بالمهتدي، وكان حسن
المجلس عارفا بأيام الناس وأخبارهم، قال: كنت أبايت المهتدي كثيرا فقال لي ذات
ليلة: أتعرف خبر نوف الذي حكا عن علي بن أبي طالب عليه السلام حين كان يبايته ؟
قلت: نعم يا أمير المؤمنين ذكر نوف قال رأيت عليا عليه السلام قد أكثر الخروج
والدخول والنظر إلى السماء ثم قال لي يا نوف أنائم أنت ؟ قال قلت: بل أرمقك بعيني
منذ الليلة يا أمير المؤمنين. فقال لي: يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا والراغبين
في الاخرة اولئك قوم اتخذوا أرض الله بساطا، وترابها فراشا، وماءها طيبا، والكتاب
شعارا، الدعاء دثارا ثم تركوا الدنيا تركا على منهاج المسيح عيسى بن مريم عليه
السلام. يا نوف إن الله جل وعلا أوحى إلى عبده المسيح أن قل لبني إسرائيل لا تدخلوا
بيوتي إلا بقلوب خاضعة، وأبصار خاشعة، وأكف نقية، وأعلمهم أني
[316]
لا اجيب لاحد منهم دعوة، ولاحد قبله
مظلمة. (1) قال محمد بن علي: فوالله لقد كتب المهتدي الخبر بخطه، ولقد كنت أسمعه في
جوف الليل وقد خلا بربه وهو يبكي ويقول: يا نوف طوبى للزاهدين في الدنيا والراغبين
في الآخرة إلى أن كان من أمره مع الاتراك ما كان. اقول: روي في بعض مؤلفات أصحابنا
عن علي بن عاصم الكوفي لاعمى قال: دخلت على سيدي الحسن العسكري فسلمت عليه فرد علي
السلام وقال: مرحبا بك يا ابن عاصم اجلس هنيئا لك يا ابن عاصم أتدري ما تحت قدميك ؟
فقلت: يا مولاي إني أرى تحت قدمي هذا البساط كرم الله وجه صاحبه، فقال لي: يا ابن
عاصم اعلم أنك على بساط جلس عليه كثير من النبيين والمرسلين، فقلت: يا سيدي ليتني
كنت لا افارقك ما دمت في دار الدنيا ثم قلت في نفسي ليتني كنت أرى هذا البساط فعلم
الامام عليه السلام ما في ضميري فقال: ادن مني فدنوت منه فمسح يده على وجهي فصرت
بصيرا باذن الله. ثم قال: هذا قدم أبينا آدم، وهذا أثر هابيل، وهذا أثر شيث، وهذا
أثر إدريس وهذا أثر هود، وهذا أثر صالح، وهذا أثر لقمان، وهذا أثر إبراهيم، وهذا
أثر لوط، وهذا أثر شعيب وهذا أثر موسى، وهذا أثر داود، وهذا أثر سليمان، وهذا أثر
الخضر، وهذا أثر دانيال، وهذا أثر ذي القرنين، وهذا أثر عدنان، وهذا أثر عبد
المطلب، وهذا أثر عبد الله، وهذا أثر عبد مناف، وهذا أثر جدي رسول الله صلى الله
عليه وآله وهذا أثر جدي علي بن أبي طالب عليه السلام. قال علي بن عاصم: فأهويت على
الاقدام كلها فقبلتها، وقبلت يد الامام عليه السلام وقلت له: إني عاجز عن نصرتكم
بيدي، وليس أملك غير موالاتكم والبراءة من أعدائكم، واللعن لهم في خلواتي، فكيف
حالي يا سيدي ؟ فقال عليه السلام: حدثني أبي عن جدي رسول الله صلى الله عليه وآله
قال: من ضعف على نصرتنا أهل البيت ولعن في خلواته أعداءنا بلغ الله صوته إلى جميع
الملائكة، فكلما لعن أحد كم أعداءنا
(1) تراها في نهج البلاغة تحت الرقم 104
من الحكم والمواعظ.
[317]
صاعدته الملائكة، ولعنوا من لا يلعنهم،
فإذا بلغ صوته إلى الملائكة استغفروا له وأثنوا عليه، وقالوا: اللهم صل على روح
عبدك هذا الذي بذل في نصرة أوليائه جهده ولو قدر على أكثر من ذلك لفعل، فإذا النداء
من قبل الله تعالى يقول: يا ملائكتي إني قد أحببت دعاء كم في عبدي هذا، وسمعت نداء
كم وصليت على روحه مع أرواح الابرار، وجعلته من المصطفين الاخيار. 14 - قب: كتب أبو
محمد عليه السلام إلى أهل قم وآبة: (1) إن الله تعالى بجوده ورأفته قد من على عباده
بنبيه محمد بشيرا ونذيرا، ووفقكم لقبول دينه وأكرمكم بهدايته، وغرس في قلوب أسلافكم
الماضين رحمة الله عليهم وأصلابكم الباقين تولى كفايتهم وعمرهم طويلا في طاعته، حب
العترة الهادية، فمضى من مضى على وتيرة الصواب، ومنهاج الصدق، وسبيل الرشاد. فوردوا
موارد الفائزين، اجتنوا ثمرات ما قدموا، ووجدوا غب ما أسلفوا. ومنها: فلم يزل نيتنا
مستحكمة، ونفوسنا إلى طيب آرائكم ساكنة والقرابة الواشجة بيننا وبينكم قوية. وصية
اوصي بها أسلافنا وأسلافكم، وعهد عهد إلى شباننا ومشايخكم، فلم يزل على جملة كاملة
من الاعتقاد، لما جعلنا الله عليه من الحال القريبة، والرحم الماسة، يقول العالم
سلام الله عليه إذ يقول " المؤمن أخو المؤمن لامه وأبيه " (2) ومما كتب عليه السلام
إلى علي بن الحسين بن بابويه القمي واعتصمت بحبل الله بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، والجنة للموحدين والنار للملحدين، ولا
عدوان إلا على الظالمين، ولا إله إلا الله أحسن الخالقين، والصلاة على خير خلقه
محمد وعترته الطاهرين
7 (1) آبة: بليدة تقابل ساوة، تعرف بين
العامة بآوه قاله الحموى في معجم البلدان. (2) مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 425. (*)
[318]
منها: وعليك بالصبر وانتظار الفرج، فان
النبي صلى الله عليه وآله قال: أفضل أعمال امتى انتظار الفرج، ولا تزال شيعتنا في
حزن حتى يظهر ولدي الذي بشربه النبي صلى الله عليه وآله " يملا الارض قسطا وعدلا
كما ملئت جورا وظلما " فاصبر يا شيخي يا أبا الحسن على أمر جميع شيعتي بالصبر فإن
الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، والسلام عليك وعلى جميع
شيعتنا، ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على محمد وآله. (1) 15 - كش: علي بن محمد بن
قتيبة، عن أحمد بن إبراهيم المراغي قال: ورد على القاسم بن العلا نسخة ما كان خرج
من لعن ابن هلال، وكان ابتداء ذلك أن كتب عليه السلام إلى قوامه بالعراق: احذروا
الصوفي المتصنع. قال: وكان من شأن أحمد بن هلال أنه قد كان حج أربعا وخمسين حجة
عشرون منها على قدميه، قال: وكان رواة أصحابنا بالعراق لقوه وكتبوا منه. فأنكروا ما
ورد في مذمته، فحملوا القاسم بن العلا على أن يراجع في أمره. فخرج إليه: " قد كان
أمرنا نفذ إليك في المتصنع ابن هلال لارحمه الله بما قد علمت لم يزل لا غفر الله له
ذنبه، ولا أقاله عثرته، دخل في أمرنا بلا إذن منا ولا رضى يستبد برأيه فيتحامى من
ديوننا، لا يمضي من أمرنا إياه إلا بما يهواه ويريد أرداه الله في نار جهنم، فصبرنا
عليه حتى بترالله عمره بدعوتنا. وكنا قد عرفنا خبره قوما من موالينا في أيامه
لارحمه الله، أمرنا هم بالقاه ذلك إلى الخلص من موالينا، ونحن نبرء إلى الله من ابن
هلال لارحمه الله، وممن لا يبرء منه. وأعلم الاسحاقي سلمه الله وأهل بيته مما
أعلمناك من حال أمر هذا الفاجر وجميع من كان سألك ويسألك عنه، من أهل بلده،
والخارجين، ومن كان يستحق أن يطلع على ذلك، فانه لا عذر لاحد من موالينا في التشكيك
فيما يؤديه
(1) المصدر ص 425 و 426.
[319]
عنا ثقاتنا، قد عرفوا بأننا نفاوضهم سرنا،
ونحمله إياه إليهم، وعرفنا ما يكون من ذلك إنشاء الله ". قال: وقال أبو حامد: فثبت
قوم على إنكار ما خرج فيه، فعاودوه فيه، فخرج " لا شكر الله قدره لم يدع المرزئة
بأن لا يزيغ قلبه بعد أن هداه، وأن يجعل ما من به عليه مستقرا، ولا يجعله مستودعا،
وقد علمتم ما كان من أمر الدهقان عليه لعنة الله وخدمته وطول صحبته، فأبدله الله
بالايمان كفرا حين فعل ما فعل، فعاجله الله بالنقمة ولم يمهله ". (1) 16 - كش: حكى
بعض الثقات بنيشابور أنه خرج لاسحاق بن إسماعيل من أبي محمد عليه السلام توقيع: يا
إسحاق بن إسماعيل سترنا الله وإياك بستره، وتولاك في جميع امورك بصنعه قد فهمت
كتابك رحمك الله، ونحن بحمد الله ونعمته أهل بيت نرق على موالينا، ونسر بتتابع
إحسان الله إليهم وفضله لديهم، ونعتد بكل نعمة ينعمها الله عزوجل عليهم. فأتم الله
عليكم بالحق ومن كان مثلك ممن قد رحمه وبصره بصيرتك، ونزع عن الباطل، ولم يعم (2)
في طغيانه بعمه، فإن تمام النعمة دخولك الجنة، وليس من نعمة وإن جل أمرها وعظم
خطرها إلا والحمد لله تقدست أسماؤه عليها يؤدى شكرها. وأنا أقول: الحمدلله مثل ما
حمد الله به حامد إلى أبدا لابد، بما من به عليك من نعمته، ونجاك من الهلكة وسهل
سبيلك على العقبة، وأيم الله إنها لعقبة كؤد شديد أمرها، صعب مسلكها، عظيم بلاؤها،
طويل عذابها، قديم في الزبر الاولى ذكرها. ولقد كانت منكم امور في أيام الماضي إلى
أن مضى لسبيله صلى الله على روحه وفي أيامي هذه كنتم فيها غير محمودي الشأن ولا
مسددي التوفيق، واعلم يقينا
(1) رجال الكشى ص 449 و 450. (2) ولم يقم
خ ل.
[320]
يا إسحاق أن من خرج من هذه الحياة الدنيا
أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا. إنها يا ابن اسماعيل ليس تعمى الابصار، ولكن
تعمى القلوب التي في الصدور وذلك قول الله عزوجل في محكم كتابه للظالم، رب لم
حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا " قال الله عزوجل " كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك
اليوم تنسى " (1) وأي آية يا إسحاق أعظم من حجة الله عزوجل على خلقه، وأمينه في
بلاده، و شاهده على عباده، من بعد ما سلف من آبائه الاولين من النبيين وآبائه
الآخرين من الوصيين، عليهم أجمعين رحمة الله وبركاته. فأين يتاه بكم ؟ وأين تذهبون
كالانعام على وجوهكم ؟ عن الحق تصدفون وبالباطل تؤمنون، وبنعمة الله تكفرون، أو
تكذبون، فمن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غير كم إلا
خزي في الحياة الدنيا الفانية، وطول عذاب الآخرة الباقية، وذلك والله الخزي العظيم.
إن الله بفضله ومنه لما فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم، بل
رحمة منه لا إله إلا هو عليكم، ليميز الله الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدور كم،
وليمحص ما في قلوبكم ولتألفوا (2) إلى رحمته، ولتتفاضل منازلكم في جنته. ففرض عليكم
الحج والعمرة وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والصوم، و الولاية، وكفا بهم لكم بابا
ليفتحوا أبواب الفرائض، ومفتاحا إلى سبيله، ولولا محمد صلى الله عليه وآله
والاوصياء من بعده لكنتم حيارى كالبهائم، لا تعرفون فرضا من الفرائض وهل يدخل قرية
إلا من بابها. فلما من عليكم باقامة الاولياء بعد نبيه، قال الله عزوجل لنبيه صلى
الله عليه وآله
(1) طه: 126. (2) ولتتسابقوا، خ ل.
[321]
" اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم
نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا " (1) وفرض عليكم لاوليائه حقوقا أمركم بأدائها
إليهم، ليحل لكم ما وراء ظهور كم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشربكم، ويعرفكم
بذلك النماء والبركة و الثروة، وليعلم من يطيعه منكم بالغيب، قال الله عزوجل " قل
لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى (2). واعلموا أن من يبخل فانما يبخل على
نفسه، وأن الله هو الغني وأنتم الفقراء لا إله إلا هو. ولقد طالت المخاطبة فيما
بيننا وبينكم فيما هو لكم وعليكم، ولولا ما يجب من تمام النعمة من الله عزوجل
عليكم، لما أريتكم مني خطا ولا سمعتم منى حرفا من بعد الماضي عليه السلام. أنتم في
غفلة عما إليه معاد كم، ومن بعد الثاني رسولي وما ناله منكم حين أكرمه الله بمصيره
إليكم، ومن بعد إقامتي لكم إبراهيم ابن عبدة، وفقه الله لمرضاته وأعانه على طاعته،
وكتابه الذي حمله محمد بن موسى النيشابوري والله المستعان على كل حال، وإني أراكم
مفرطين في جنب الله فتكونون من الخاسرين. فبعدا وسحقا لمن رغب عن طاعة الله، ولم
يقبل مواعظ أوليائه، وقد أمر كم الله عزوجل بطاعته لا إله إلا هو، وطاعة رسوله صلى
الله عليه وآله وبطاعة اولي الامر عليهم السلام فرحم الله ضعفكم وقلة صبركم عما
أمامكم فما أغر الانسان بربه الكريم، واستجاب الله تعالى دعائي فيكم، وأصلح امور كم
على يدي، فقد قال الله جل جلاله، يوم ندعو كل اناس بامامهم " (3) وقال جل جلاله: "
و [كذلك] جعلنا كم امة وسطا لتكو نوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا "
(4) وقال الله جل جلاله
(1) المائدة: 3. (2) الشورى: 23. (3)
الاسراء: 71. (4) البقرة: 143.
[322]
" كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون
بالمعروف، وتنهون عن المنكر " (1) فما احب أن يدعو الله جل جلاله بي ولا بمن هو في
أيامي إلا حسب رقتي عليكم، وما انطوى لكم عليه من حب بلوغ الامل في الدارين جميعا،
والكينونة معنا في الدنيا والآخرة فقد - يا إسحاق ! يرحمك الله ويرحم من هو وراءك -
بينت لك بيانا وفسرت لك تفسيرا، وفعلت بكم فعل من لم يفهم هذا الامر قط ولم يدخل
فيه طرفة عين، و لو فهمت الصم الصلاب بعض ما في هذا الكتاب، لتصدعت قلقا خوفا من
خشية الله ورجوعا إلى طاعة الله عزوجل، فاعموا من بعد ما شئتم فسيرى الله عملكم
ورسوله والمؤمنون ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون
والعاقبة للمتقين والحمد لله كثيرا رب العالمين. وأنت رسولي يا إسحاق إلى إبراهيم
بن عبده وفقه الله أن يعمل بما ورد عليه في كتابي مع محمد بن موسى النيشابوري إنشاء
الله ورسولي الى نفسك وإلى كل من خلفت ببلدك أن تعملوا بما ورد عليكم في كتابي مع
محمد بن موسى النيشابوري إن شاء الله. ويقرء إبراهيم بن عبده كتابي هذا على من خلفه
ببلده حتى لا يتساءلون، و بطاعة الله يعتصمون، والشيطان بالله عن أنفسهم يجتنبون
ولا يطيعون، وعلى إبراهيم ابن عبده سلام الله ورحمته وعليك يا إسحاق، وعلى جميع
موالي السلام كثيرا سدد كم الله جميعا بتوفيقه. وكل من قرء كتابنا هذا من موالي من
أهل بلدك، ومن هو بنا حيتكم ونزع عما هو عليه من الانحراف عن الحق فليؤد حقوقنا إلى
إبراهيم، وليحمل ذلك إبراهيم بن عبده إلى الرازي رضي الله عنه أو إلى من يسمي له
الرازي، فان ذلك عن أمري ورأيي إنشاء الله.
(1) آل عمران: 110.
[323]
ويا إسحاق اقرأ كتابي على البلالي رضي
الله عنه فانه الثقة المأمون، العارف بما يجب عليه، واقرءه على المحمودي عافاه الله
فما أحمدنا له لطاعته، فإذا وردت بغداد فاقرءه على الدهقان وكيلنا وثقتنا، والذي
يقبض من موالينا وكل من أمكنك من موالينا فأقرئهم هذا الكتاب، وينسخه من أراد منهم
نسخة إنشاء الله ولا يكتم أمر هذا عمن شاهده من موالينا، إلا من شيطان مخالف لكم،
فلا تنثرن الدر بين أظلاف الخنازير، ولا كرامة لهم. وقد وقعنا في كتابك بالوصول
والدعاء لك ولمن شئت، وقد أجبنا سعيدا (1) عن مسألته والحمد لله فما ذا بعد الحق
إلا الضلال، فلا تخرجن من البلد حتى تلقى العمري رضي الله عنه برضاي عنه، وتسلم
عليه، وتعرفه ويعرفك، فانه الطاهر الامين العفيف القريب منا وإلينا. فكل ما يحمل
إلينا من شئ من النواحي فإليه يصير آخر أمره، ليوصل ذلك إلينا، والحمد لله كثيرا.
سترنا الله وإياكم يا إسحاق بستره وتولاك في جميع امورك بصنعه، والسلام عليك وعلى
جميع موالى ورحمة الله وبركاته، وصلى الله على سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم
تسليما كثيرا (2). 17 - تاريخ قم: للحسن بن محمد القمي قال: رويت عن مشايخ قم أن
الحسين بن الحسن بن جعفر بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق عليه السلام كان بقم
يشرب الخمر علانية فقصد يوما لحاجة باب أحمد بن إسحاق الاشعري وكان وكيلا في
الاوقاف بقم فلم يأذن له ورجع إلى بيته مهموما. فتوجه أحمد بن إسحاق إلى الحج فلما
بلغ سر من رأى استأذن على أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام فلم يأذن له فبكى
أحمد لذلك طويلا وتضرع حتى أذن له.
(1) شيعتنا خ ل. (2) رجال الكشى ص 481 -
485.
[324]
فلما دخل قال: يا ابن رسول الله لم منعتني
الدخول عليك ؟ وأنا من شيعتك ومواليك ؟ قال عليه السلام: لانك طردت ابن عمنا عن
بابك، فبكى أحمد و حلف بالله أنه لم يمنعه من الدخول عليه إلا لان يتوب من شرب
الخمر، قال: صدقت ولكن لابد عن إكرامهم واحترامهم، على كل حال، وأن لا تحقرهم ولا
تستهين بهم، لانتسابهم إلينا فتكون من الخاسرين. فلما رجع أحمد إلى قم أتاه
أشرافهم، وكان الحسين معهم فلما رآه أحمد وثب إليه واستقبله وأكرمه وأجلسه في صدر
المجلس، فاستغرب الحسين ذلك منه و استبدعه وسأله عن سببه فذكر له ما جرى بينه وبين
العسكري عليه السلام في ذلك. فلما سمع ذلك ندم من أفعاله القبيحة، وتاب منها، ورجع
إلى بيته وأهرق الخمور وكسر آلاتها، وصار من الاتقياء المتور عين، والصلحاء
المتعبدين، وكان ملازما للمساجد معتكفا فيها، حتى أدركه الموت، ودفن قريبا من مزار
فاطمة رضي الله عنهما.
[325]
5 * (باب) * * (وفاته صلوات الله عليه
والرد على من ينكرها) * 1 - ك: أبي وابن الوليد معا عن سعد بن عبد الله قال: حدثنا
من حضر موت الحسن بن علي بن محمد العسكري ودفنه ممن لا يوقف على إحصاء عددهم،
ولايجوز على مثلهم التواطئ بالكذب. وبعد فقد حضرنا في شعبان سنة ثمان وسبعين
ومائتين وذلك بعد مضي أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليهما السلام بثمانية عشر سنة
أو أكثر مجلس أحمد بن عبيدالله ابن خاقان، وهو عامل السلطان يومئذ على الخراج
والضياع بكورة قم، وكان من أنصب خلق الله وأشد هم عداوة لهم. فجرى ذكر المقيمين من
آل أبي طالب بسر من رأى، ومذاهبهم وصلاحهم وأقدارهم عند السلطان، فقال أحمد بن
عبيدالله: ما رأيت ولا عرفت بسر من رأى رجلا من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد
بن الرضا ولا سمعت به في هديه وسكونه، وعفافه، ونبله، وكرمه، عند أهل بيته،
والسلطان وجميع بني هاشم، و تقديمهم إياه على ذوي السن منهم والخطر، وكذلك القواد
والوزراء والكتاب وعوام الناس. وإني كنت قائما ذات يوم على رأس أبي وهو يوم مجلسه
للناس، إذ دخل عليه حجابه فقالوا له: ابن الرضا على الباب فقال بصوت عال: ائذنوا له
فدخل.
[326]
رجل أسمر أعين حسن القامة، جميل الوجه،
جيد البدن، حدث السن، له جلالة وهيبة. فلما نظر إليه أبي قام فمشى إليه خطوات ولا
أعلمه فعل هذا بأحد من بني هاشم، ولا بالقواد ولا بأولياء العهد، فلما دنامنه عانقه
وقبل وجهه، ومنكبيه، وأخذ بيده وأجلسه على مصلاه الذي كان عليه وجلس إلى جنبه مقبلا
عليه بوجهه وجعل يكلمه ويكنيه ويفديه بنفسه وأبويه، وأنا متعجب مما أرى منه إذ دخل
عليه الحجاب فقالوا: الموفق قد جاء (1). وكان الموفق إذا جاء ودخل على أبي تقدم
حجابه وخاصة قواده، فقاموا بين مجلس أبي وبين الدار سماطين إلى أن يدخل ويخرج، فلم
يزل أبي مقبلا عليه يحدثه حتى نظر إلى غلمان الخاصة فقال حينئذ: إذا شئت فقم جعلني
الله فداك يا أبا محمد ثم قال لغلمانه: خذوا به خلف السماطين لئلا يراه الامير يعني
الموفق وقام أبي فعانقه وقبل وجهه ومضى. فقلت لحجاب أبي وغلمانه: ويلكم من هذا الذي
(2) فعل به أبي هذا الذي فعل ؟ فقالوا: هذا رجل من العلوية يقال له: الحسن بن على
يعرف بابن الرضا فازددت تعجبا فلم أزل يومي ذلك قلقا متفكرا في أمره وأمر أبي وما
رأيت منه حتى كان الليل، وكانت عادته أن يصلي العتمة ثم يجلس فينظر فيما يحتاج من
المؤامرت وما يرفعه إلى السلطان فلما نظر وجلس جئت فجلست بين يديه (3) فقال: يا
أحمد ألك حاجة ؟ قلت: نعم يا أبه، إن أذنت، سألتك عنها، فقال: قد أذنت لك يا بني
فقل ما إحببت فقلت: يا أبه من الرجل الذي رأيتك الغداة فعلت به ما فعلت من الاجلال
والاكرام و
(1) الموفق هو أخو الخليفة المعتمد على
الله: أحمد بن المتوكل، وكان صاحب حيشه. (2) في الكافي: ويلكم من هذا الذى كنيتموه
على أبى. (3) زاد في اعلام الورى: وليس عنده أحد.
[327]
التبجيل، وفديته بنفسك وأبويك ؟ فقال: يا
بني ذلك ابن الرضا، ذاك إمام الرافضة، فسكت ساعة فقال: يا بني لوزالت الخلافة عن
خلفاء بني العباس ما استحقها أحد من بني هاشم غير هذا، فان هذا يستحقها في فضله،
وعفانه وهديه وصيانة نفسه، وزهده، وعبادته، وجميل أخلاقه، وصلاحه، ولو رأيت أباه
لرأيت رجلا جليلا نبيلا خيرا فاضلا. فازددت قلقا وتفكرا وغيظا على أبي مما سمعت منه
فيه، ولم يكن لي همة بعد ذلك إلا السؤال عن خبره، والبحث عن أمره، فما سألت عنه
أحدا من نبي - هاشم والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلا وجدته عندهم
في غاية الاجلال والاعظام، والمحل الرفيع، والقول الجميل، والتقديم له على (1) أهل
بيته ومشايخه وغيرهم، وكل يقول: هو إمام الرافضة، فعظم قدره عندي إذ لم أرله وليا
ولا عدوا إلا وهو يحسن القول فيه، والثناء عليه. فقال له بعض أهل المجلس من
الاشعريين: يا ابا بكر فما حال أخيه جعفر ؟ فقال: ومن جعفر فيسأل عن خبره أو يقرن
به ؟ إن جعفرا معلن بالفسق، ما جن شريب للخمور، أقل من رأيت من الرجال، وأهتكهم
لستره بنفسه فدم خمار (2) قليل في نفسه، خفيف. والله لقد ورد على السلطان وأصحابه
في وقت وفاة الحسن بن علي ما تعجبت منه، وما ظننت أنه يكون. وذلك أنه لما اعتل بعث
إلى أبي أن ابن الرضا قد اعتل، فركب من ساعته مبادرا إلى دار الخلافة، ثم رجع
مستجعلا ومعه خمسة نفر من خدم أمير المؤمنين كلهم من ثقاته وخاصته، فمنهم نحرير (3)
وأمرهم بلزوم دار الحسن
(1) في اعلام الورى: " على جميع أهل بيته
" (2) سيجئ في بيان المؤلف قدس سره بيان ذلك، وفى المصدر المطبوع هكذا: فدم حمار "
يعنى گنك وأحمق " !. (3) في نسخة اعلام الورى والارشاد: فيهم نحرير، وقد مر أنه كان
رائضا للسباع.
[328]
ابن علي وتعرف خبره وحاله وبعث إلى نفر من
المتطببين فأمر هم بالاختلاف إليه، وتعاهده في صباح ومساء. فلما كان بعد ذلك بيومين
جاءه من أخبره أنه قد ضعف، فركب حتى بكر إليه ثم أمر المتطببين بلزومه، وبعث إلى
قاضي القضاة فأحضره مجلسه، وأمره أن يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه
وأمانته وورعه فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن وأمرهم بلزومه ليلا ونهارا. فلم
يزالوا هناك حتى توفي لايام مضت من شهر ربيع الاول من سنة ستين ومائتين فصارت سرمن
رأى ضجة واحدة " مات ابن الرضا ". وبعث السلطان إلى داره من يفتشها ويفتش حجرها،
وختم على جميع ما فيها وطلبوا أثر ولده، وجاؤا بنساء يعرفن الحبل، فدخلن على جواريه
فنظر إليهن فذكر بعضهن أن هناك جارية بها حبل، فأمر بها فجعلت في حجرة ووكل بها
نحرير الخادم وأصحابه، ونسوة معهم (1) ثم أخذوا بعد ذلك في تهيئته، وعطلت الاسواق،
وركب أبي وبنو هاشم، والقواد والكتاب وسائر الناس إلى جنازته فكانت سر من رأى يومئذ
شبيها بالقيامة. فلما فرغوا من تهيئته، بعث السلطان إلى أبي عيسى ابن المتوكل،
فأمره بالصلاة عليه، فلما وضعت الجنازة للصلاة، دنا أبو عيسى منها فكشف عن وجهه
فعرضه على بني هاشم من العلوية والعباسية والقواد والكتاب والقضاة والفقهاء
والمعدلين، وقال: هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا مات حتف أنفه على فراشه حضره
من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان ومن المتطببين فلان وفلان، ومن القضاة فلان
وفلان. ثم غطى وجهه، وقام فصلى عليه وكبر عليه خمسا وأمر بحمله، وحمل من وسط داره،
ودفن في البيت الذي دفن فيه أبوه.
(1) دخل جعفر بن على على المعتمد وكشف له
عن حال ابن أخيه الحجة عليه السلام فوجه المتعمد خدمه فقبضوا على صقيل الجارية،
وطالبوها بالصبى فأنكرته وادعت بها حملا بها - >
[329]
فلما دفن وتفرق الناس اضطرب السلطان
وأصحابه في طلب ولده، وكثر التفتيش في المنازل، والدور، وتوقفوا عن قسمة ميراثه،
ولم يزل الذين وكلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليه الحبل ملازمين لها سنتين، وأكثر
حتى تبين لهم بطلان الحبل فقسم ميراثه بين امه وأخيه جعفر، وادعت امه وصيته وثبت
ذلك عند القاضي، والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده. فجاء جعفر بعد قسمة الميراث إلى
أبي وقال له: اجعل لي مرتبة أبي وأخي واوصل إليك في كل سنة عشرين ألف دينار، فزبره
أبى وأسمعه وقال له: يا أحمق إن السلطان أعزه الله جرد سيفه وسوطه في الذين زعموا
أن أباك وأخاك أئمة ليرد هم عن ذلك، فلم يقدر عليه، ولم يتهيأ له صرفهم عن هذا
القول فيهما، وجهد أن يزيل أباك وأخاك عن تلك المرتبة، فلم يتهيأ له ذلك، فان كنت
عند شيعة أبيك وأخيك إماما فلا حاجة بك إلى سلطان يرتبك مراتبهم، ولا غير سلطان،
وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بها. واستقله عند ذلك، واستضعفه، وأمر أن
يحجب عنه، فلم يأذن له بالدخول عليه حتى مات أبي، وخرجنا والامر على تلك الحال،
والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي حتى اليوم (1). 2 - عم (2) شا: ابن قولويه، عن
الكليني (3)، عن الحسن بن محمد الاشعري ومحمد بن يحيى وغيرهما قالوا: كان أحمد بن
عبيد الله بن خاقان على الضياع والخراج
لتغظى على حال الصبى، فسلمت إلى أبى
الشوارب القاضى، وبغتهم موت عبد الله بن يحيى ابن خاقان فجاءة وخروج صاحب الزنج
بالبصرة فشغلوا بذلك عن الجارية فخرجت عن أيديهم. (1) كمال الدين ج 1 ص 120 - 125.
(2) اعلام الورى ص 357 - 359. (3) الكافي ج 1 ص 503 - 506.
[330]
بقم، وذكر مثله (1). بيان: " سماط القوم "
بالكسر صفهم، والفدم العيي عن الكلام في ثقل ورخاوة وقلة فهم - والغليظ الاحمق
الجافي (2) و " الزبر " المنع و " أسمعه " أي شتمه. واقول: ذكر الشيخ في فهر سته في
ترجمة أحمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان " له مجلس يصف فيه أبا محمد الحسن بن علي
العسكري عليهما السلام أخبرنا به ابن أبي جيد عن ابن الوليد، عن عبد الله بن جعفر
الحميري قال: حضرت وحضر جماعة من آل سعد بن مالك، وآل طلحة، وجماعة من التجار في
شعبان لاحدى عشرة ليلة مضت من سنة ثمان وسبعين ومائتين مجلس أحمد بن عبيدالله بكورة
قم فجرى ذكر من كان بسر من رأى من العلوية وآل أبي طالب، فقال: أحمد بن عبيد الله:
ما كان بسر من رأى رجل من العلوية مثل رجل رأيته يوما عند أبي عبيد الله بن يحيى
يقال له الحسن بن علي عليهما السلام ثم وصفه وساق الحديث " انتهى وقال النجاشي في
فهرسته: أحمد بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان ذكره أصحابا في المصنفين وأن له كتابا
يصف فيه سيدنا أبا محمد لم أر هذا الكتاب (3). 2 - ير: الحسن بن علي الزيتوني، عن
إبراهيم بن مهزيار وسهل بن الهرمزان، عن محمد بن أبي الزعفران، عن ام أبي محمد عليه
السلام قالت: قال لي أبو محمد يوما من الايام تصيبني في سنة ستين حزازة أخاف أن
أنكب فيها نكبة، فان سلمت منها فالى سنة سبعين، قالت: فأظهرت الجزع، وبكيت فقال:
لابد لي من وقوع أمر الله، فلا تجزعي.
(1) الارشاد ص 318 - 320 وبعده: وهو لا
يجد إلى ذلك سبيلا، وشيعته مقيمون على أنه مات وخلف ولدا يقوم مقامه في الامامة وقد
رواه ملخصا في المناقب ج 4 ص 423 وهكذا سائر الكتب. (2) كل ذلك تفسير للفدم. (3)
رجال النجاشي ص 68.
[331]
فلما أن كان أيام صفر أخذها المقيم
المقعد، وجعلت تقوم وتقعد، وتخرج في الاحايين إلى الجبل، وتجسس الاخبار حتى ورد
عليها، الخبر (1). بيان: " أخذها المقيم المقعده " أي الحزن الذي يقيمها ويقعدها. 3
- ك: وجدت مثبتا في بعض الكتب المصنفة في التواريخ ولم أسمعه عن محمد بن الحسين بن
عباد أنه قال: مات أبو محمد عليه السلام يوم الجمعة مع صلاة الغداة وكان في تلك
الليلة قد كتب بيده كتبا كثيرة إلى المدينة وذلك في شهر ربيع الاول لثمان خلون سنة
ستين ومائتين للهجرة، ولم يحضره في ذلك الوقت إلا صقيل الجارية، وعقيد الخادم، ومن
علم الله غيرهما. قال عقيد: فدعا بماء قد اغلي بالمصطكي فجئنا به إليه، فقال: أبدأ
بالصلاة جيئوني فجئنا به، وبسطنا في حجره المنديل وأخذ من صقيل الماء، فغسل به وجهه
وذراعيه مرة مرة ومسح على رأسه وقدميه مسحا وصلى صلاة الصبح على فراشه وأخذ القدح
ليشرب فأقبل القدح يضرب ثناياه، ويده ترعد، فأخذت صقيل القدح من يده، ومضى من ساعته
صلى الله عليه ودفن في داره بسرمن رأى إلى جانب أبيه عليه السلام وصار إلى كرامة
الله جل جلاله، وقد كمل عمره تسعا وعشرين سنة. قال: وقال لي ابن عباد: في هذا
الحديث: قدمت ام أبي محمد عليه السلام من المدينة واسمها حديث حين اتصل بها الخبر
إلى سر من رأى، فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر من مطالبته إياها
بميراثه، وسعايته بها إلى السلطان، وكشف ما أمر الله عزوجل بستره. وادعت عند ذلك
صقيل أنها حامل فحملت إلى دار المعتمد فجعلن نساء المعتمد وخدمه ونساء الموفق وخدمه
ونساء القاضي ابن أبي الشوارب يتعاهدن أمرها في كل وقت، ويراعونه إلى أن دهمهم أمر
الصفار (2) وموت عبيد الله ابن يحيى بن خاقان بغتة، وخروجهم عن سر من رأى، وأمر
صاحب الزنج
(1) بصائر الدرجات ص 482. (2) يعنى يعقوب
بن ليث الصفار الذى خرج على العباسية.
[332]
بالبصرة وغير ذلك فشغلهم عنها (1). 4 - ك:
قال أبو الحسن علي بن محمد بن حباب (2): حدثنا أبو الأديان قال: كنت أخدم الحسن بن
علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب
عليهم السلام وأحمل كتبه إلى الامصار، فدخلت إليه في علته التي توفي فيها صلوات
الله عليه فكتب معي كتبا وقال: تمضي بها إلى المدائن فانك ستغيب خمسة عشر يوما
فتدخل إلى سر من رأى يوم الخامس عشر وتسمع الواعية في داري، وتجدني على المغتسل.
قال أبو الأديان: فقلت: يا سيدي فإذا كان ذلك فمن ؟ قال: من طالبك بجوابات كتبي،
فهو القائم بعدي ؟ فقلت: زدني، فقال من يصلي علي فهو القائم بعدي، فقلت: زدني،
فقال: من أخبر بما في الهميان فهو القائم بعدي. ثم منعتني هيبته أن أسأله ما في
الهميان ؟ وخرجت بالكتب إلى المدائن وأخذت جواباتها، ودخلت سر من رأى يوم الخامس
عشر كما قال لي عليه السلام فإذا أنا بالواعية في داره وإذا أنا بجعفر بن علي أخيه
بباب الدار، والشيعة حوله يعزونه ويهنؤنه. فقلت في نفسي: إن يكن هذا الامام فقد
حالت الامامة، لاني كنت أعرفه بشرب النبيذ، ويقامر في الجوسق، ويلعب بالطنبور،
فتقدمت فعزيت وهنيت فلم يسألني عن شئ ثم خرج عقيد فقال: يا سيدي قد كفن أخوك فقم
للصلاة عليه فدخل جعفر بن علي والشيعة من حوله يقدمهم السمان والحسن بن علي قتيل
المعتصم المعروف بسلمة. فلما صرنا بالدار إذا نحن بالحسن بن علي عليه السلام على
نعشه مكفنا، فتقدم جعفر بن علي ليصلي على أخيه فلما هم بالتكبير خرج صبي بوجهه
سمرة، بشعره قطط بأسنانه تفليج، فجبذ رداء جعفر بن على وقال: تأخر يا عم فأنا أحق
بالصلاة
(1) كمال الدين ج 2 ص 149 - 150. (2) في
المصدر المطبوع: خشاب.
[333]
على أبي فتأخر جعفر، وقد اربد وجهه، فتقدم
الصبي فصلى عليه، ودفن إلى جانب قبر أبيه. ثم قال: يا بصري هات جوابات الكتب التي
معك، فدفعتها إليه، وقلت في نفسي: هذه اثنتان بقي الهميان، ثم خرجت إلى جعفر بن علي
وهو يزفر فقال له حاجز الوشاء: يا سيدي من الصبي ؟ ليقيم عليه الحجة فقال: والله ما
رأيت قط ولاعرفته. فنحن جلوس إذ قدم نفر من قم، فسألوا عن الحسن بن علي فعرفوا موته
فقالوا: فمن ؟ فأشار الناس إلى جعفر بن علي فسلموا عليه وعزوه وهنؤوه، وقالوا معنا
كتب ومال، فتقول: ممن الكتب ؟ وكم المال ؟ فقام ينفض أثوابه ويقول: يريدون منا أن
نعلم الغيب. قال: فخرج الخادم فقال: معكم كتب فلان وفلان، وهميان فيه ألف دينار،
عشرة دنانير منها مطلية (1) فدفعوا الكتب والمال، وقالوا: الذي وجه بك لاجل ذلك هو
الامام. فدخل جعفر بن علي على المعتمد وكشف له ذلك فوجه المعتمد خدمه فقبضوا على
صقيل الجارية، وطالبوها بالصبي فأنكرته وادعت حملا بها لتغطي على حال الصبي فسلمت
إلى ابن أبي الشوارب القاضي، وبغتهم موت عبيد الله بن يحيى بن خاقان، فجاءة وخروج
صاحب الزنج بالبصرة، فشغلوا بذلك عن الجارية، فخرجت عن أيديهم والحمد لله رب
العالمين لا شريك له (2). بيان: " الجوسق " القصر، " وجبذ " أي جذب وفي النهاية
اربد وجهه أي تغير إلى الغبرة، وقيل الزبدة لون بين السواد والغبرة. اقول: أوردنا
بعض الاخبار في ذلك في باب من رأى القائم عليه السلام (3).
(1) مطلسة ظ، والدينار المطلس الذى انمحى
أثر نقشه. (2) كمال الدين ج 1 ص 150 - 152. (3) راجع ج 52 ص 16 و 42 و... من طبعتنا
هذه.
[334]
5 - شا: مرض أبو محمد الحسن في أول شهر
ربيع الاول سنة ستين ومات في يوم الجمعة لثمان خلون من هذا الشهر في السنة
المذكورة، وله يوم وفاته ثمان وعشرون سنة فدفن في البيت الذي دفن أبوه من دارهما
بسر من رأى، وخلف ابنه المنتظر لدولة الحق. وكان قد أخفى مولده وستر أمره لصعوبة
الوقت، وشدة طلب سلطان الزمان له، واجتهاده في البحث عن أمره، لما شاع من مذهب
الشيعة الامامية فيه، وعرف من انتظارهم له، فلم يظهر ولده عليه السلام في حياته،
ولاعرفه الجمهور بعد وفاته. وتولى جعفر بن على أخو أبي محمد عليه السلام أخذ تركته،
وسعى في حبس جواري أبي محمد عليه السلام واعتقال حلائله، وشنع على أصحابه بانتظارهم
ولده، وقطعهم بوجوده والقول بامامته، وأغرى بالقوم حتى أخافهم وشددهم، وجرى على
مخلفي أبي الحسن عليه السلام بسبب ذلك كل عظيمة من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير
واستخفاف وذل ولم يظفر السلطان منهم بطائل. وحاز جعفر ظاهر تركة أبي محمد عليه
السلام واجتهد في القيام على الشيعة مقامه فلم يقبل أحد منهم ذلك، ولا اعتقدوه فيه،
فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه، وبذل مالا جليلا وتقرب بكل ما ظن أنه يتقرب
به، فلم ينتفع بشئ من ذلك. ولجعفر أخبار كثيرة في هذا المعنى رأيت الاعراض عن
ذكرها، لاسباب لا يحتمل الكتاب شرحها، وهي مشهورة عند الامامية ومن عرف أخبار الناس
من العامة وبالله أستعين. (1) 6 - نص: على بن محمد الدقاق عن العطار، عن أبيه، عن
الفزاري، عن محمد بن أحمد المدائني، عن أبي غانم قال: سمعت أبا محمد عليه السلام
يقول: في سنة مائتين وستين تفترق شيعتي وفيها قبض أبو محمد عليه السلام، وتفرقت
شيعته وأنصاره، فمنهم. من انتهى إلى جعفر، ومنهم من أتاه وشك، ومنهم من وقف على
الحيرة، ومنهم
(1) ارشاد المفيد ص 325.
[335]
من ثبت على دينه بتوفيق الله عزوجل. (1) 7
- مصبا: في أول يوم من ربيع الاول كانت وفاة أبي محمد الحسن بن علي العسكري عليه
السلام ومصير الامر إلى القائم بالحق عليه السلام. 8 - قل: ذكر الشيخ الثقة محمد بن
جرير الطبري الامامي في كتاب التعريف ومحمد بن هارون التلعكبرى وحسين بن حمدان
الخطيب والمفيد في كتاب مولد النبي والاوصياء والشيخ في التهذيب وحسين بن خزيمة،
ونصر بن علي الجهضمي في كتاب المواليد وكذلك الخشاب في كتاب المواليد وابن شهر آشوب
في كتاب المواليد أن وفاة مولانا الحسن العسكري عليه السلام كانت لثمان ليال خلون
من شهر ربيع الاول. 9 - الدروس: قبض عليه السلام بسر من رأى يوم الاحد، وقال المفيد
يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الاول سنة ستين ومائتين. 10 - كا: قبض عليه السلام يوم
الجمعة لثمان ليال خلون من شهر ربيع الاول سنة ستين ومائتين وهو ابن ثمان وعشرين
سنة، ودفن في داره في البيت الذي دفن فيه أبوه عليهما السلام بسر من رأى (2). 11 -
ضه: مثله، وقال وكانت مدة خلافته ست سنين، ومرض في أول شهر ربيع الاول وتوفي يوم
الجمعة. 12 - كف: توفي عليه السلام في أول يوم من ربيع الاول وقال في موضع آخر في
يوم الجمعة ثامنه، سمه المعتمد. 13 - عيون المعجزات: عن أحمد بن إسحاق بن مصقلة
قال: دخلت على أبي محمد عليه السلام فقال لي: يا أحمد ما كان حالكم فيما كان الناس
فيه من الشك.
(1) كفاية الاثرص 326. (2) الكافي ج 1 ص
503.
[336]
والارتياب ؟ قلت: لما ورد الكتاب بخبر
مولد سيدنا عليه السلام، لم يبق منا رجل ولا امرءة ولا غلام بلغ الفهم إلا قال
بالحق قال عليه السلام: أما علمتم أن الارض لا تخلو من حجة الله تعالى. ثم أمر أبو
محمد عليه السلام والدته بالحج في سنة تسع وخمسين ومائتين وعرفها ما يناله في سنة
ستين، ثم سلم الاسم الاعظم والمواريث والسلاح إلى القائم الصاحب عليه السلام، وخرجت
ام أبي محمد إلى مكة وقبض عليه السلام في شهر ربيع الآخر سنة ستين ومائتين ودفن
بسرمن رأى إلى جانب أبيه صلوات الله عليهما، وكان من مولده إلى وقت مضيه تسع وعشرون
سنة. 14 - مروج الذهب: في سنة ستين ومائتين قبض أبو محمد الحسن بن علي عليهما
السلام في خلافة المعتمد، وهو ابن تسع وعشرين سنة، وهو أبو المهدي المنتظر، والامام
الثاني عشر، عند القطعية من الامامية، وهم جمهور الشيعة، وقد تنازع هؤلاء في
المنتظر من آل محمد بعد وفاة الحسن بن علي عليهما السلام وافترقوا على عشرين فرقة
(1).
(1) افترق الناس بعد وفاة أبى محمد
العسكري عليه السلام إلى فرق. فرقة أنكرت وفاته، ووقفت عليه، وادعت انه القائم
المنتظر، وقد عقد المؤلف قدس سره هذا الباب لاجلهم أيضا حيث قال: " والرد على من
ينكرها ". فرقة اعترفت بموته، وزعمت أنه عاش من جديد، فهو الامام المنتظر. فرقة
قالت بانقطاع الامامة من آل محمد " ص " بعده عليه السلام والمرجع للامة: الاخبار
المروية عن أهل البيت عليهم السلام. فرقة ساقت الامامة إلى أخيه جعفر بوصية من قبل
ابيهما على الهادى عليهما السلام فرقة قالت بامامة جعفر لكنه بوصية من قبل أخيه أبى
محمد العسكري عليه السلام فرقة قالت بامامة ولده على بن الحسن العسكري وأنه القائم
المنتظر، والاختلاف بينهم وبين القطعية من الامامية بامامة المهدى المنتظرم ح م د
لفظي. فرقة أنكرت امامة الحسن عليه السلام - لاجل أن الامام لا يكون الا عن عقب،
وهو عليه السلام لم يظهر له ولد حتى يكون اماما صامتا في حياة أبيه - وادعت أن أخاه
محمد - >
[337]
* (دفع شبهة) * اقول: قد وقعت داهية عظمي،
وفتنة كبرى، في سنة ست ومائة بعد الالف من الهجرة في الروضة المنورة بسرمن رأى،
وذلك أنه لغلبة الاروام وأجلاف العرب على سر من رأى، وقلة اعتنائهم، باكرام الروضة
المقدسة، وجلاء السادات والاشراف لظلم الاروام (1) عليهم منها وضعوا ليلة من
الليالي سراجا داخل الروضة المطهرة في غير المحل المناسب له فوقعت من الفتيلة نار
على بعض الفروش أو الاخشاب ولم يكن أحد في حوالي الروضة فيطفيها. فاحترقت الفروش
والصناديق المقدسة والاخشاب والابواب وصار ذلك فتنة لضعفاء العقول من الشيعة
والنصاب من المخالفين جهلا منهم بأن أمثال ذلك لا يضر بحال هؤلاء الاجلة الكرام،
ولا يقدح في رفعة شأنهم عند الملك العلام، وإنما ذلك غضب على الناس، ولا يلزم ظهور
المعجز في كل وقت، وإنما هو تابع للمصالح الكلية والاسرار في ذلك خفية، وفيه شدة
تكليف، افتتان وامتحان للمكلفين وقد وقع مثل ذلك في الروضة المقدسة النبوية
بالمدينة أيضا صلوات الله على مشرفها وآله.
- > بن على أوصى إلى غلام لابيه اسمه نفيس
أن يدفع الكتب والسلاح إلى جعفر بن على بعد موت أبيه على عليه السلام وأن هذا الامر
عن تفاهم مع أبيه على عليه السلام فجعفر هو الامام بعد أبيه. فرقة ارتبك الامر
عليهم فلم يدروا ان الامامة بعد أبى محمد عليه السلام في صلبه أم ترجع إلى أخيه
جعفر وأولاده فتوقفت إلى غير ذلك من الفرق، وقد فصل المؤلف قدس سره القول في ذلك
نقلا عن الفصول المختارة في ج 37 من تاريخ أمير المؤمنين ص 20 - 28، فراجع. (1)
يريد رجال دولة الروم.
[338]
قال الشيخ الفاضل الكامل السديد يحيى بن
سعيد قدس الله روحه في كتاب جامع الشرائع في باب اللعان أنه إذا وقع بالمدينة يستحب
أن يكون بمسجدها عند منبره عليه السلام. ثم قال: وفي هذه السنة وهي سنة أربع وخمسين
وست مائة في شهر رمضان احترق المنبر وسقوف المسجد ثم عمل بدل المنبر. وقال صاحب
كتاب عيون التواريخ من أفاضل المخالفين في وقايع السنة الرابع والخمسين والستمائة:
وفي ليلة الجمعة أول ليلة من شهر رمضان احترق مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله في
المدينة، وكان ابتداء حريقه من زاوية الغربية من الشمال، وكان أحد القومة قد دخل
خزانة ومعه نار فعلقت في بعض الآلات، ثم اتصلت بالسقف بسرعة، ثم دبت في السقوف آخذة
مقبلة فأعجلت الناس عن قطعها. فما كان إلا ساعة حتى احترق سقوف المسجد أجمع، ووقع
بعض أساطينه وذاب رصاصها، وكل ذلك قبل أن ينام الناس، واحتراق سقف الحجرة النبوية
على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، ووقع ما وقع منه بالحجرة، وبقي على حاله، وأصبح
الناس يوم الجمعة فعزلوا موضع الصلاة انتهى. والقرامطة هدموا الكعبة، ونقلوا الحجر
الاسود، ونصبوها في مسجد الكوفة وفي كل ذلك لم تظهر معجزة في تلك الحال، ولم يمنعوا
من ذلك على الاستعجال، بل ترتب على كل منها آثار غضب الله تعالى في البلاد والعباد
بعدها بزمان، كما أن في هذا الاحتراق ظهرت آثار سخط الله على المخالفين في تلك
البلاد، فاستولى الاعراب على الروم وأخذوا منهم أكثر البلاد، وقتلوا منهم جما غفيرا
وجمعا كثيرا، وتزداد في كل يوم نائرة الفتنة. والنهب والغارة، في تلك الناحية،
اشتعالا وقد استولى الافرنج على سلطانهم مرارا وقتلوا منهم خلقا كثيرا وكل هذه
الامور من آثار مساهلتهم في امور الدين. وقلة اعتنائهم بشأن أئمة الدين سلام الله
عليهم أجمعين.
[339]
وكفى شاهدا لما ذكرنا من أن هذه الامور من
آثار غضب الله تعالى استيلاء بخت نصر على بيت المقدس، وتخريبه إياه، وهتك حرمته له،
مع أنه كان من أبنية الانبياء والاوصياء عليهم السلام، وأعظم معابدهم ومساجدهم،
وقبلتهم في صلاتهم وقتل آلافا من أصفياء بني إسرائيل، وصلحائهم وأخيارهم، ورهبانهم.
وكل ذلك لعدم متابعتهم للانبياء عليهم السلام وترك نصرتهم، والاستخفاف بشأنهم
وشتمهم وقتلهم. ثم إن هذا الخبر الموحش لما وصل إلى سلطان المؤمنين، ومروج مذهب
آبائه الائمة الطاهرين، وناصر الدين المبين، نجل المصطفين، السلطان حسين برأه الله
من كل شين ومين، عد ترميم تلك الروضة البهية، وتشييدها فرض العين فأمر باتمام
صناديق أربعة في غاية الترصيص والتزيين، وضريح مشبك كالسماء ذات الحبك، زينة
للناظرين، ورجوما للشياطين، وفقه الله تعالى لتأسيس جميع مشاهد آبائه الطاهرين،
وترويج آثارهم في جميع العالمين. * * * وقد كان (1) تم المجلد الثاني عشر من كتاب
بحار الانوار على يدي مؤلفه أفقر عباد الله إلى رحمة ربه الغني محمد باقر بن محمد
تقي عفى الله عن جرائمهما، وحشرهما مع أئمتهما، في يوم الجمعة سابع عشر شهر ذي
الحجة الحرام من شهور سنة سبع وسبعين بعد الالف من الهجرة المقدسة، والحمد لله أو
لا وآخرا وصلى الله على محمد وأهل بيته الطاهرين.
(1) هذه الشبهة وجوابها مما ألحقه المؤلف
بعد ثلاثين (ما بين سنة 1077 وسنة 1106) من تمام الكتاب - أقلا - بهذا الموضع،
ولذلك يقول: " قد كان تم " راجع الصفحة الفتو غرافية من نسخة الاصل في مقدمة هذا
الكتاب.
[340]
كلمة المصحح: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله وآله الطاهرين، وبعد فهذا هو
الجزء الثاني من المجلد الثاني عشر من كتاب بحار الانوار حسب تجزئة المؤلف - رضوان
الله عليه - والجزء المتمم للخمسين حسب تجزئتنا، يحتوي على أبواب: 1 - تاريخ الامام
التاسع أبي جعفر محمد بن علي الجواد - 2 - تاريخ الامام العاشر أبي الحسن علي بن
محمد الهادي - - 3 تاريخ الامام الحادي عشر أبي محمد الحسن بن علي العسكري صلوات
الله وسلامه عليهم. وقد اعتمدنا في تصحيح هذا المجلد وتنقيحه على النسخة الاصيلة
وهي التي بخط يد المؤلف رضوان الله عليه - لخزانة كتب الفاضل البحاث الوجيه الموفق
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله وآله
الطاهرين، وبعد فهذا هو الجزء الثاني من المجلد الثاني عشر من كتاب بحار الانوار
حسب تجزئة المؤلف - رضوان الله عليه - والجزء المتمم للخمسين حسب تجزئتنا، يحتوي
على أبواب: 1 - تاريخ الامام التاسع أبي جعفر محمد بن علي الجواد - 2 - تاريخ
الامام العاشر أبي الحسن علي بن محمد الهادي - - 3 تاريخ الامام الحادي عشر أبي
محمد الحسن بن علي العسكري صلوات الله وسلامه عليهم. وقد اعتمدنا في تصحيح هذا
المجلد وتنقيحه على النسخة الاصيلة وهي التي بخط يد المؤلف رضوان الله عليه -
لخزانة كتب الفاضل البحاث الوجيه الموفق الميرزا فخر الدين النصيرى الاميني أبقاه
الله لحفظ كتب السلف، عن الضياع والتلف، فقد تفضل سماحته بالنسخة وأودعناها لعرض
النسخة ومقابلتها خدمة للدين وأهله فجزاه الله عن الاسلام والمسلمين خير جزاء
المحسنين. ومع ذلك راجعنا مصادر الكتاب وعينا مواضع النص من المصدر في الذيل وعلقنا
على لغاته المشكلة ومواضعه المبهمة ما لا يستغني عنه الباحث، وفي بعض هذه المواضع
نقلنا من شرح اصول الكافي للعلامة ملا صالح المازندراني، وجعلنا له رمز " صالح "
وهكذا مرآت العقول للمؤلف رضوان الله عليه أيضا مصرحا بذلك. اللهم ما بنا من نعمة
فمنك وحدك لا شريك لك، أتمم لنا نعمتك وإحسانك وآتنا ما وعدتنا على رسلك، إنك
لاتخلف الميعاد. محمد الباقر البهبودى شوال المكرم 1385