بحار الانوار الجزء
53
العلامة المجلسي
[1]
بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة
الأطهار تأليف العلم العلامة الحجة فخر الأمة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي " قدس
الله سره " الجزء الثالث والخمسون دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان
[2]
الطبعة الثالثة المصححة 1403 ه - 1983 م
دار احياء التراث العربي بيروت - لبنان - بناية كليوباترا - شارع دكاش ص. ب 7957 /
11 تلفون المستودع: 274696 - 273032 - 278766 - المنزل 830711 - 830717 برقيا:
التراث - تلكس 44632 / LE تراث
[3]
كلمة تفضل بافادتها الحبر العلام حجة
الاسلام الحاج الميرزا أبو الحسن الشعراني دامت بركاته بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلوة على عباده الذين اصطفى. وبعد فيقول العبد أقل خدمة أهل العلم أبو
الحسن بن محمد المدعو بالشعراني أصلح الله حاله: إن كتاب بحار الانوار للشيخ الجليل
المحدث العلامة الحفظة محمد باقر بن محمد تقي المجلسي قدس الله روحه باتفاق أهل
الحل والعقد من علماء أهل البيت أجمع الكتب المصنفة لشتات الأحاديث الشريفة وأشملها
لمتفرقات الأخبار المنيفة وأحصاها لأغراض المذهب وأبينها لمقاصد رواد هذا المشرب
وأكملها في نقل أقوال العلماء، وأسهلها لطالبي الارتواء مع غزارة مادتها وهو بحيث
لا يستغني عنه أحد من المنتحلين إلى الدين سواء كان فقيها أو محدثا أو واعظا أو
مؤرخا أو مفسرا أو متكلما، بل ولو فيلسوفا حكيما إلهيا لجمعه جميع الأغراض، نعم لا
يجوز الغوص في البحار إلا للماهر في السباحة حتى لا يغرق في تيار أمواجها، ولا
يجتني من قعرها إلا درها من أثباجها. وكان مؤلفها أعلى الله مقامه وفق للعثور على
كنوز علم لا يتفق لكل أحد فقد اجتمع عنده من كتب أصحابنا الأوائل والنسخ النادرة
الوجود ما لا يحصل في كل زمان وكل بلد فاغتنم الفرصة وجمعها في كتاب لئلا تتفرق
وتضيع ولو كان غرضه الاكتفاء بنقل السمين وترك الغث لفعل لكن لم يفعل لأغراض ولعل
منها قصر الوقت وضيق الفرصة أو فتح باب الاجتهاد ودفع توهم من يظن أن المحدثين
يتركون ما يخالف غرضهم ويباين مذهبهم عمدا حسما لاحتجاج الخصم به كما ترك بعضهم من
غيرنا نقل حديث الغدير فجمع رحمه الله كل شئ وجده وترك البحث فيها لمن بعده.
[4]
وكان هذا الكتاب مع سعته وطوله وثقل حجمه
وكثرة أجزائه مرغوبا متداولا، وقد طبع جميع مجلداته وأحسن الطبعات هي المشهورة بطبع
الكمباني مشتملة على جميع أجزاء الكتاب إذ تصدى لتصحيحها ومقابلتها جماعة من أعاظم
علماء وقته من الماهرين في الأدب والحديث المتتبعين للكتب بعناية تامة، إلا أن
الزمان طال عليها، وفقدت نسخه في زماننا مع كثرة طالبيه، وزاد قيمتها على طاقة
المستفيدين، وربما اجتهد أحدهم في الطلب حتى يحصل على دورة كاملة فلا يرجع إلا بخفي
حنين ولا يتفق له إلا مجلدات مبتورة بعد أعوام وسنين، إلى أن حدا دواعي النفوس
جماعة إلى تجديد طبعه فشرعوا فيه وخرج منه مجلدات بجهد جهيد وكد كديد وحدثت حوادث
فحالت بينهم وبين الطبع موانع الأسباب وقصرت بهم الازمات، وبذل الناس لطبعه أموالا
جزيلة رجاء الحصول على أمل لم يتحقق فأيسوا عن الكتاب وعما بذلوا حتى وكان يسئل
بعضهم بعضا " متى هذا الوعد إن كنتم صادقين " وكان الجواب لن يخرج إلى الوجود " ما
اختلف الملوان وتعاقب العصران وكر الجديدان واستقبل الفرقدان ". إلى أن طلع نجم
ولاح ضوء وبرق لامع واستنار أفق، أزال ظلمة اليأس وتصدى له من لا يثنيه عن عزمه
الحدثان، ولا يبطئه تلاعب الأزمان، ووقعت القوس في يد باريها، وظهر بعض مجلدات
الكتاب مطبوعة على أحسن صورة وكانت بشارة بسرعة العمل ووعدا قريبا بحصول الأمل من
المكتبة الاسلامية الشريفة المشهورة باتقان الصنع وإنجاز الوعد والاسراع في الوفاء
بالعهد، وكان من محاسن ما رأيت من الأجزاء المطبوعة، الصحة ومطابقة نسخة الكمباني،
ويزيد عليها بذكر بعض كلمات تخالف المصادر ومما يمتاز به إنشاء الله أن يتجرد عن
ذكر أمور تافهة لا تسمن ولا تغني من جوع ولا فائدة فيها، ولا حاجة للعلماء إليها
ولا يعجز عنها احد وصرف الوقت والعمل فيها تسويف بغير علة وترجئة لغير سبب وهم إلى
أصل الكتاب أحوج، والاسراع إلى إكمال الطبع عندهم أرضى وأحب. وفق الله الناشرين
والمصححين والساعين في طبع الكتب الدينية وشركهم في ثواب علم العالمين وعمل
العاملين بمحمد وآله الطاهرين.
[1]
بسم الله الرحمن الرحيم 25 (باب) * (ما
يكون عند ظهوره عليه السلام) * (برواية المفضل بن عمر) أقول: روي في بعض مؤلفات
أصحابنا، عن الحسين بن حمدان، عن محمد ابن إسماعيل وعلي بن عبد الله الحسني، عن أبي
شعيب [و] محمد بن نصير، عن عمر بن الفرات، عن محمد بن المفضل، عن المفضل بن عمر (1)
قال: سألت سيدي الصادق عليه السلام هل للمأمور المنتظر المهدي عليه السلام من وقت
موقت يعلمه الناس ؟ فقال: حاش لله أن يوقت ظهوره بوقت يعلمه شيعتنا، قلت: يا سيدي
ولم ذاك ؟ قال: لأنه هو الساعة التي قال الله تعالى: " ويسئلونك عن الساعة
(1) عنونه النجاشي ص 326 وقال: " أبو عبد
الله وقيل أبو محمد الجعفي، كوفي فاسد المذهب، مضطرب الرواية، لا يعبأ به، وقيل انه
كان خطابيا، وقد ذكرت له مصنفات لا يعول عليها " وعنونه العلامة في الخلاصة وقال: "
متهافت، مرتفع القول، خطابي " وزاد الغضائري: " أنه قد زيد عليه شئ كثير وحمل
الغلاة في حديثه حملا عظيما لا يجوز أن يكتب حديثه ". أقول: كيف يكون في أصحاب
الائمة عليهم السلام رجل فاسد المذهب، كذاب غال، مع أنهم عليهم السلام كانوا
متوسمين: يعرفون كلا بسيماه وحليته وسريرته، وقد روى أنهم كانوا يحجبون بعض شيعتهم
عن الورود عليهم، لفسقه أو فساد عقيدته أو عدم تحرجه عن الاثام. فكيف لم يحجبوا
مفضل بن عمر وأضرابه الموصوفين بكذا وكذا، ولم يلعنوهم =
[2]
أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا
يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات و الأرض " (1). الآية [وهو الساعة التي قال
الله تعالى " يسئلونك عن الساعة أيان مرساها "] (2) وقال " عنده علم الساعة " (3)
ولم يقل إنها عند أحد وقال " فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها
" الآية (4) وقال " اقتربت الساعة وانشق القمر " (5) وقال " ما يدريك لعل الساعة
تكون قريبا " (6) " يستعجل بها (7) الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها
ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد ". قلت: فما معنى
يمارون ؟ قال: يقولون متى ولد ؟ ومن رأى ؟ وأين يكون ؟ ومتى يظهر ؟ وكل ذلك
استعجالا لأمر الله، وشكا في قضائه، ودخولا في قدرته * (هامش ص 2) * (1) الاعراف:
186. (2) النازعات: 42، والظاهر أنها تكرار. (3) لقمان: 34 والزخرف: 61. (4)
القتال: 18. (5) القمر: 1. (6) الاحزاب: 63. (7) وقبله: وما يدريك لعل الساعة قريب
يستعجل " الاية 17 و 18 من سورة الشورى.= ولم يكذبوهم ولم يطردوهم ؟. بل الظاهر
الحق ان مفضل بن عمر الجعفي، وجابر بن يزيد الجعفي، ويونس بن ظبيان وأضرابهم ممن
أخذوا عن الصادقين عليهما السلام كانوا صحيحي الاعتقاد، صالحي الرواية، صادقي
اللهجة متحرجين عن الكذب وسائر الاثام، غير أنه قد كذب عليهم، وزيد في رواياتهم،
واختلق عليهم، وانما أتوا من قبل الغلاة وأشباههم ممن أرادوا أن يهدموا أساس
المذهب، فكذبوا وزادوا واختلقوا أحاديث ونسبوه إلى أصحاب الائمة الصادقين نصرة
لمذهبهم وترويجا لمرامهم الفاسد كما فعلت المرجئة والقدرية، فوضعوا أحاديث ونسبوه
إلى المعروفين من أصحاب رسول الله. فإذا لابد وان نحقق عن حال من اسند عنه فنرى في
الحديث محمد بن نصير وهو النميري الكذاب الغال الخبيث المدعى للنيابة على ما في
غيبة الشيخ ص 250 - وقد مر في ج 51 ص 367 و 368 شطر من ترجمته - يروى عن عمر بن
الفرات الكاتب البغدادي = (*)
[3]
أولئك الذين خسروا الدنيا وإن للكافرين
لشر مآب. قلت: أفلا يوقت له وقت ؟ فقال: يا مفضل لا اوقت له وقتا ولا يوقت له وقت،
إن من وقت لمهدينا وقتا فقد شارك الله تعالى في علمه، وادعى أنه ظهر على سره، وما
لله من سر إلا وقد وقع إلى هذا الخلق المعكوس الضال عن الله الراغب عن أولياء الله،
وما لله من خبر إلا وهم أخص به لسره، وهو عندهم وإنما ألقى الله إليهم ليكون حجة
عليهم. قال المفضل: يا مولاي ! فكيف بدؤ ظهور المهدي عليه السلام وإليه التسليم ؟
قال عليه السلام: يا مفضل يظهر في شبهة ليستبين، فيعلو ذكره، ويظهر أمره، وينادي
باسمه وكنيته ونسبه ويكثر ذلك على أفواه المحقين والمبطلين والموافقين والمخالفين
= الغالي ذو المناكير، عن محمد بن المفضل
بن عمر: مهمل أو مجهول، ولكن الظاهر أن الكذب انما جاء من قبل البغدادي الكاتب ذي
المناكير، وهو الذي كتب وصنف هذا الحديث وسردها بطوله، أو الجاعل هو نفس النميري.
ولذلك ترى أنه يعرف في طيه محمد بن نصير النميري بعنوان نيابة الامام عليه السلام
وأنه يقعد بصابر وهو اسم سكة في مرو، مع ما مر في ج 51 ص 368 عن غيبة الشيخ انه كان
يدعى انه رسول نبي ويقول بالتناسخ ويقول في أبي الحسن الهادي بالربوبية ويقول
بالاجابة للمحارم وتحليل نكاح الرجال وأنه من التواضع. فاعتمد الكاتب إلى أحاديث
صحيحة أو حسنة، واخرى ضعيفة أو مجعولة، فزاد عليها من مخائله. وجمع بين مضامينها
ولعب فيها كالقصاصين الدجالين فراجع ج 52 باب 23 و 24 ترى مضامين هذا الحديث منبثة
فيها بين صحيح وسقيم. فالرجل - أعني المفضل بن عمر الجعفي - من أصحاب الصادق
الممدوحين وقد عده الشيخ المفيد في الارشاد ص 270 من شيوخ أصحاب أبي عبد الله عليه
السلام وخاصته وبطانته وثقاته الفقهاء الصالحين رحمة الله عليهم، وبذلك وصفه الشيخ
في كتاب الغيبة ص 223 وروى في مدحه أحاديث، وروى الكشى في ص 206 و 256 أحاديث في
مدحه، وذكر الكليني في روضة الكافي ص 373 حديثا يقتضى مدحه والثناء عليه، فراجع.
[4]
لتلزمهم الحجة بمعرفتهم به على أنه قد
قصصنا ودللنا عليه، ونسبناه وسميناه وكنيناه، وقلنا سمي جده رسول الله صلى الله
عليه وآله وكنيه لئلا يقول الناس: ما عرفنا له اسما ولا كنية ولا نسبا. والله
ليتحقق الايضاح به وباسمه ونسبه وكنيته على ألسنتهم، حتى ليسميه بعضهم لبعض، كل ذلك
للزوم الحجة عليهم، ثم يظهره الله كما وعد به جده صلى الله عليه وآله في قوله عزوجل
" هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون "
(1). قال المفضل: يا مولاي فما تأويل قوله تعالى: " ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون " قال عليه السلام: هو قوله تعالى " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون
الدين كله لله " (2) فوالله يا مفضل ليرفع عن الملل والأديان الاختلاف ويكون الدين
كله واحدا كما قال جل ذكره " إن الدين عند الله الإسلام " (3) وقال الله " ومن يبتغ
غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين " (4). قال المفضل: قلت:
يا سيدي ومولاي والدين الذي في آبائه إبراهيم ونوح وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه
وآله هو الاسلام ؟ قال: نعم يا مفضل، هو الاسلام لا غير. قلت: يا مولاي أتجده في
كتاب الله ؟ قال: نعم من أوله إلى آخره ومنه هذه الآية " إن الدين عند الله الاسلام
" وقوله تعالى " ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين " (5) ومنه قوله تعالى في قصة
إبراهيم وإسماعيل " واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك " (6) وقوله تعالى
في قصة فرعون " حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو
إسرائيل وأنا من المسلمين " (7) وفي قصة سليمان وبلقيس " قبل أن يأتوني مسلمين "
وقولها " أسلمت مع سليمان لله
(1) براءة: 34. (2) الانفال: 39. (3) آل
عمران: 19. (4) آل عمران: 85. (5) الحج: 78. (6) البقرة: 128. (7) يونس: 90.
[5]
رب العالمين " (1). وقول عيسى عليه السلام
" من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون "
(2) وقوله عزوجل " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها " (3) وقوله في قصة
لوط " فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين " (4) وقوله " قولوا آمنا بالله وما أنزل
إلينا - إلى قوله - لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون " (5) وقوله تعالى " أم
كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت - إلى قوله - ونحن له مسلمون " (6). قلت: يا سيدي كم
الملل ؟ قال: أربعة وهي شرائع قال المفضل: قلت: يا سيدي المجوس لم سموا المجوس ؟
قال عليه السلام: لأنهم تمجسوا في السريانية وادعوا على آدم وعلى شيث وهو هبة الله
أنهما أطلقا لهم نكاح الامهات والأخوات والبنات والخالات والعمات والمحرمات من
النساء، وأنهما أمراهم أن يصلوا إلى الشمس حيث وقفت في السماء ولم يجعلا لصلاتهم
وقتا، وإنما هو افتراء على الله الكذب وعلى آدم وشيث عليهما السلام. قال المفضل: يا
مولاي وسيدي لم سمي قوم موسى اليهود ؟ قال عليه السلام: لقول الله عزوجل " إنا هدنا
إليك " (7) أي اهتدينا إليك قال: فالنصارى ؟ قال عليه السلام: لقول عيسى عليه
السلام " من أنصاري إلى الله " وتلا الآية (8) إلى آخرها فسموا النصارى لنصرة دين
الله ؟ قال المفضل: فقلت: يا مولاي فلم سمي الصابئون الصابئين ؟ فقال عليه السلام:
إنهم صبوا إلى تعطيل الأنبياء والرسل والملل والشرائع، وقالوا: كلما جاؤا به باطل،
فجحدوا توحيد الله تعالى، ونبوة الأنبياء، ورسالة المرسلين، ووصية
(1) النمل: 31 و 44. (2) آل عمران: 52.
(3) آل عمران: 83. (4) الذاريات: 36. (5) البقرة: 136. (6) البقرة: 133. (7)
الاعراف: 155. (8) آل عمران: 52.
[6]
الأوصياء، فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا
رسول، وهم معطلة العالم. قال المفضل: سبحان الله ما أجل هذا من علم ؟ قال عليه
السلام: نعم، يا مفضل فألقه إلى شيعتنا لئلا يشكوا في الدين. قال المفضل: يا سيدي
ففي اي بقعة يظهر المهدي ؟ قال عليه السلام: لا تراه عين في وقت ظهوره إلا رأته كل
عين، فمن قال لكم غير هذا فكذبوه. قال المفضل: يا سيدي ولا يرى وقت ولادته ؟ قال:
بلى والله، ليرى من ساعة ولادته إلى ساعة وفاة أبيه سنتين وتسعة أشهر أول ولادته
وقت الفجر من ليلة الجمعة، لثمان خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين إلى يوم
الجمعة لثمان خلون من ربيع الأول من سنة ستين ومائتين وهو يوم وفاة أبيه بالمدينة
التي بشاطئ دجلة يبنيها المتكبر الجبار المسمى باسم جعفر، الضال الملقب بالمتوكل
وهو المتأكل لعنه الله تعالى وهي مدينة تدعى بسر من رأى وهي ساء من رأى، يرى شخصه
المؤمن المحق سنة ستين ومائتين ولا يراه المشكك المرتاب، وينفذ فيها أمره ونهيه،
ويغيب عنها فيظهر في القصر بصابر (1) بجانب المدينة في حرم جده رسول الله صلى الله
عليه وآله فيلقاه هناك من يسعده الله بالنظر إليه، ثم يغيب في آخر يوم من سنة ست
وستين ومائتين فلا تراه عين أحد حتى يراه كل أحد وكل عين. قال المفضل: قلت: يا سيدي
فمن يخاطبه ولمن يخاطب ؟ قال الصادق عليه السلام: تخاطبه الملائكة والمؤمنون من
الجن ويخرج أمره ونهيه إلى ثقاته وولاته ووكلائه ويقعد ببابه محمد بن نصير النميري
في يوم غيبته بصابر ثم يظهر بمكة. ووالله يا مفضل كأني أنظر إليه دخل مكة وعليه
بردة رسول الله صلى الله عليه وآله، وعلى رأسه عمامة صفراء، وفي رجليه نعلا رسول
الله صلى الله عليه وآله المخصوفة وفي يده هراوته عليه السلام يسوق بين يديه عنازا
عجافا (2) حتى يصل بها نحو البيت
(1) صابر بفتح الباء كهاجر سكة في مرو
قاله الفيروز آبادي. (2) عناز بالكسر " جمع عنز وهي الانثى من المعز، وقيل إذا أتى
عليها حول. وعجاف - أيضا بالكسر - جمع عجفاء وهي المهزولة الضعيفة والهراوة: هي
العصا الضخمة.
[7]
ليس ثم احد يعرفه، ويظهر وهو شاب. قال
المفضل: يا سيدي يعود شابا أو يظهر في شيبة ؟ فقال عليه السلام: سبحان الله وهل
يعرف ذلك ؟ يظهر كيف شاء وبأي صورة شاء إذا جاءه الأمر من الله تعالى مجده وجل
ذكره. قال المفضل: يا سيدي فمن أين يظهر وكيف يظهر ؟ قال: يا مفضل يظهر وحده ويأتي
البيت وحده، ويلج الكعبة وحده، ويجن عليه الليل وحده، فإذا نامت العيون و غسق الليل
نزل إليه جبرئيل وميكائيل عليهما السلام، والملائكة صفوفا فيقول له جبرئيل: يا سيدي
قولك مقبول، وأمرك جائز، فيمسح عليه السلام يده على وجهه ويقول: " الحمد لله الذي
صدقنا وعده، وأورثنا الأرض نتبوء من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين " (1). ويقف
بين الركن والمقام، فيصرخ صرخة فيقول: يا معاشر نقبائي وأهل خاصتي ومن ذخرهم الله
لنصرتي قبل ظهوري على وجه الأرض ! ائتوني طائعين ! فترد صيحته عليه السلام عليهم
وهم على محاريبهم، وعلى فرشهم، في شرق الأرض وغربها فيسمعونه في صيحة واحدة في أذن
كل رجل، فيجيئون نحوها، ولا يمضي لهم إلا كلمحة بصر، حتى يكون كلهم بين يديه عليه
السلام بين الركن والمقام. فيأمر الله عزوجل النور فيصير عمودا من الأرض إلى السماء
فيستضئ به كل مؤمن على وجه الأرض، ويدخل عليه نور من جوف بيته، فتفرح نفوس المؤمنين
بذلك النور، وهم لا يعلمون بظهور قائمنا أهل البيت عليه وعليهم السلام. ثم يصبحون
وقوفا بين يديه، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا بعدة أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وآله يوم بدر. قال المفضل: يا مولاي يا سيدي فاثنان وسبعون رجلا الذين قتلوا مع
الحسين بن علي عليهما السلام يظهرون معهم ؟ قال: يظهر منهم أبو عبد الله الحسين بن
علي عليهما السلام في اثني عشر ألفا مؤمنين من شيعة علي عليه السلام وعليه عمامة
سوداء.
(1) الزمر: 74.
[8]
قال المفضل: يا سيدي فبغير سنة القائم
عليه السلام بايعوا له قبل ظهوره وقبل قيامه ؟ فقال عليه السلام: يا مفضل كل بيعة
قبل ظهور القائم عليه السلام فبيعته كفر ونفاق وخديعة، لعن الله المبايع لها
والمبايع له، بل يا مفضل يسند القائم عليه السلام ظهره إلى الحرم، ويمد يده فترى
بيضاء من غير سوء ويقول: هذه يد الله، وعن الله، وبأمر الله ثم يتلو هذه الآية: "
إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فانما ينكث على
نفسه " (1) الآية. فيكون أول من يقبل يده جبرئيل عليه السلام ثم يبايعه وتبايعه
الملائكة ونجباء الجن، ثم النقباء ويصبح الناس بمكة، فيقولون: من هذا الرجل الذي
بجانب الكعبة ؟ وما هذا الخلق الذين معه ؟ وما هذه الآية التي رأيناها الليلة ولم
تر مثلها ؟ فيقول بعضهم لبعض: هذا الرجل هو صاحب العنيزات (2). فيقول بعضهم لبعض:
انظروا هل تعرفون أحدا ممن معه، فيقولون: لا نعرف أحدا منهم إلا أربعة من أهل مكة،
وأربعة من أهل المدينة، وهم فلان وفلان و يعدونهم بأسمائهم، ويكون هذا أول طلوع
الشمس في ذلك اليوم، فإذا طلعت الشمس وأضاءت صاح صائح بالخلائق من عين الشمس بلسان
عربي مبين، يسمع من في السماوات والأرضين: يا معشر الخلائق ! هذا مهدي آل محمد -
ويسميه باسم جده رسول الله صلى الله عليه وآله ويكنيه، وينسبه إلى أبيه الحسن
الحادي عشر إلى الحسين بن علي صلوات الله عليهم أجمعين - بايعوه تهتدوا، ولا
تخالفوا أمره فتضلوا. فأول من يقبل يده الملائكة، ثم الجن، ثم النقباء ويقولون:
سمعنا وأطعنا ولا يبقى ذو اذن من الخلائق إلا سمع ذلك النداء، وتقبل الخلائق من
البدو والحضر والبر والبحر، يحدث بعضهم بعضا ويستفهم بعضهم بعضا ما سمعوا بآذانهم.
فإذا دنت الشمس للغروب، صرخ صارخ من مغربها: يا معشر الخلائق قد ظهر ربكم بوادي
اليابس من أرض فلسطين وهو عثمان بن عنبسة الاموي من ولد
(1) الفتح: 10. (2) العنيزات: جمع عنيزة
وهي تصغير عنز انثى المعز ولاجل هزالها سماها عنيزات.
[9]
يزيد بن معاوية فبايعوه تهتدوا، ولا
تخالفوا عليه فتضلوا، فيرد عليه الملائكة والجن والنقباء قوله، ويكذبونه، ويقولون
له: سمعنا وعصينا، ولا يبقى ذوشك ولا مرتاب ولا منافق ولا كافر إلا ضل بالنداء
الأخير. وسيدنا القائم عليه السلام مسند ظهره إلى الكعبة، ويقول: يا معشر الخلائق
ألا ومن أراد أن ينظر إلى آدم وشيث، فها أنا ذا آدم وشيث، ألا ومن أراد أن ينظر إلى
نوح وولده سام فها أنا ذا نوح وسام، ألا ومن أراد أن ينظر إلى إبراهيم وإسماعيل فها
أنا ذا إبراهيم وإسماعيل، ألا ومن أراد أن ينظر إلى موسى ويوشع، فها أنا ذا موسى
ويوشع، ألا ومن أراد أن ينظر إلى عيسى وشمعون فها أنا ذا عيسى وشمعون. ألا ومن أراد
أن ينظر إلى محمد وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما فها أنا ذا محمد صلى الله عليه
وآله وأمير المؤمنين عليه السلام، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الحسن والحسين عليهما
السلام فها أنا ذا الحسن والحسين، ألا ومن أراد أن ينظر إلى الأئمة من ولد الحسين
عليهم السلام فها أنا ذا الأئمة عليهم السلام أجيبوا إلى مسألتي، فاني أنبئكم بما
نبئتم به وما لم تنبئوا به. ومن كان يقرأ الكتب والصحف فليسمع مني، ثم يبتدئ بالصحف
التي أنزلها الله على آدم وشيث عليهما السلام، ويقول أمة آدم وشيث هبة الله: هذه
والله هي الصحف حقا، ولقد أرانا ما لم نكن نعلمه فيها، وما كان خفي علينا، وما كان
أسقط منها و بدل وحرف، ثم يقرأ صحف نوح وصحف إبراهيم والتوراة والانجيل والزبور
فيقول أهل التوراة والانجيل والزبور: هذه والله صحف نوح وإبراهيم عليهما السلام
حقا، وما اسقط منها وبدل وحرف منها هذه والله التوراة الجامعة والزبور التام
والانجيل الكامل وإنها أضعاف ما قرأنا منها (1). ثم يتلو القرآن فيقول المسلمون:
هذا والله القرآن حقا الذي أنزله الله
(1) يعلم الباحث المطالع أن صحف آدم وشيث
وصحف نوح وابراهيم وهكذا زبور داود عليهم السلام قد ضاعت بضياع أممهم، وليس الان
رجل في أقطار الارض يقرء هذه الصحف أو يتدين بها.
[10]
على محمد صلى الله عليه وآله، وما اسقط
منه وحرف وبدل. ثم تظهر الدابة بين الركن والمقام، فتكتب في وجه المؤمن " مؤمن "
وفي وجه الكافر " كافر " ثم يقبل على القائم عليه السلام رجل وجهه إلى قفاه، وقفاه
إلى صدره (1) ويقف بين يديه فيقول: يا سيدي أنا بشير أمرني ملك من الملائكة أن ألحق
بك وأبشرك بهلاك جيش السفياني بالبيداء فيقول له القائم عليه السلام: بين قصتك وقصة
أخيك. فيقول الرجل كنت وأخي في جيش السفياني وخربنا الدنيا من دمشق إلى الزوراء
وتركناها جماء، وخربنا الكوفة وخربنا المدينة، وكسرنا المنبر (2) وراثت بغالنا في
مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وخرجنا منها وعددنا ثلاثمائة ألف رجل نريد إخراب
البيت، وقتل أهله، فلما صرنا في البيداء عرسنا فيها، فصاح بنا صائح يا بيداء أبيدي
القوم الظالمين فانفجرت الأرض، وابتلعت كل الجيش، فوالله ما بقي على وجه الأرض عقال
ناقة فما سواه غيري وغير أخي. فإذا نحن بملك قد ضرب وجوهنا فصارت إلى ورائنا كما
ترى، فقال لأخي: ويلك يا نذير ! امض إلى الملعون السفياني بدمشق، فأنذره بظهور
المهدي من آل محمد عليهم السلام، وعرفه أن الله قد أهلك جيشه بالبيداء، وقال لي: يا
بشير الحق بالمهدي بمكة وبشره بهلاك الظالمين، وتب على يده، فإنه يقبل توبتك، فيمر
القائم عليه السلام يده على وجهه فيرده سويا كما كان، ويبايعه ويكون معه. قال
المفضل: يا سيدي ! وتظهر الملائكة والجن للناس ؟ قال: إي والله يا مفضل، ويخاطبونهم
كما يكون الرجل مع حاشيته وأهله، قلت: يا سيدي ويسيرون معه ؟ قال: إي والله يا مفضل
ولينزلن أرض الهجرة ما بين الكوفة والنجف
(1) قد مر في باب 23 و 24 أن جيش السفياني
يخسف بهم غير رجلين يحول وجههما إلى أقفيتهما، وأما أن " قفاه إلى صدره " فلا معنى
له معقول. (2) هذا أيضا من مخائله، فان جيش السفياني لا تصل إلى المدينة بل يخسف
بهم بالبيداء حين يتوجهون إليها من دمشق.
[11]
وعدد أصحابه عليه السلام حينئذ ستة
وأربعون الفا من الملائكة وستة آلاف من الجن وفي رواية أخرى: ومثلها من الجن بهم
ينصره الله ويفتح على يديه. قال المفضل: فما يصنع بأهل مكة ؟ قال: يدعوهم بالحكمة
والموعظة الحسنة، فيطيعونه ويستخلف فيهم رجلا من أهل بيته، ويخرج يريد المدينة. قال
المفضل: يا سيدي فما يصنع بالبيت ؟ قال: ينقضه فلا يدع منه إلا القواعد التي هي أول
بيت وضع للناس ببكة في عهد آدم عليه السلام والذي رفعه إبراهيم وإسماعيل عليهما
السلام منها وإن الذي بني بعدهما لم يبنه نبي ولا وصي، ثم يبنيه كما يشاء الله
وليعفين آثار الظالمين بمكة والمدينة والعراق وسائر الأقاليم، وليهدمن مسجد الكوفة،
وليبنيه على بنيانه الأول، وليهدمن القصر العتيق، ملعون ملعون من بناه. قال المفضل:
يا سيدي يقيم بمكة ؟ قال: لا يا مفضل بل يستخلف منها رجلا من أهله، فإذا سار منها
وثبوا عليه فيقتلونه، فيرجع إليهم فيأتونه مهطعين مقنعي رؤسهم يبكون ويتضرعون،
ويقولون: يا مهدي آل محمد التوبة التوبة فيعظهم وينذرهم، ويحذرهم، ويستخلف عليهم
منهم خليفة ويسير، فيثبون عليه بعده فيقتلونه فيرد إليهم أنصاره من الجن والنقباء
ويقول لهم: ارجعوا فلا تبقوا منهم بشرا إلا من آمن، فلولا أن رحمة ربكم وسعت كل شئ
وأنا تلك الرحمة لرجعت إليهم معكم، فقد قطعوا الأعذار بينهم وبين الله، وبيني
وبينهم، فيرجعون إليهم، فوالله لا يسلم من المائة منهم واحد لا والله ولا من ألف
واحد. قال المفضل: قلت: يا سيدي فأين تكون دار المهدي، ومجتمع المؤمنين ؟ قال: دار
ملكه الكوفة، ومجلس حكمه جامعها، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة،
وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريين. قال المفضل: يا مولاي كل المؤمنين يكونون
بالكوفة ؟ قال: إي والله لا يبقى مؤمن إلا كان بها أو حواليها، وليبلغن مجالة فرس
منها ألفي درهم وليودن أكثر الناس أنه اشترى شبرا من أرض السبع بشبر من ذهب، والسبع
[12]
خطة من خطط همدان، وليصيرن الكوفة أربعة
وخمسين ميلا وليجاورن قصورها كربلا، وليصيرن الله كربلاء معقلا ومقاما تختلف فيه
الملائكة والمؤمنون وليكونن لها شأن من الشأن، وليكونن فيها من البركات ما لو وقف
مؤمن ودعا ربه بدعوة لأعطاه الله بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا ألف مرة. ثم تنفس
أبو عبد الله عليه السلام وقال: يا مفضل إن بقاع الأرض تفاخرت: ففخرت كعبة البيت
الحرام، على بقعة كربلا، فأوحى الله إليها أن اسكتي كعبة البيت الحرام، ولا تفتخري
على كربلا، فانها البقعة المباركة التي نودي موسى منها من الشجرة، وإنها الربوة
التي أويت إليها مريم والمسيح وإنها الدالية (1) التي غسل فيها رأس الحسين عليه
السلام وفيها غسلت مريم عيسى عليه السلام واغتسلت من ولادتها وإنها خير بقعة عرج
رسول الله صلى الله عليه وآله منها وقت غيبته، وليكونن لشيعتنا فيها خيرة إلى ظهور
قائمنا عليه السلام. قال المفضل: يا سيدي ثم يسير المهدي إلى أين ؟ قال عليه
السلام: إلى مدينة جدي رسول الله صلى الله عليه وآله، فإذا وردها كان له فيها مقام
عجيب يظهر فيه سرور المؤمنين وخزي الكافرين. قال المفضل: يا سيدي ما هو ذاك ؟ قال:
يرد إلى قبر جده صلى الله عليه وآله فيقول: يا معاشر الخلائق، هذا قبر جدي رسول
الله صلى الله عليه وآله ؟ فيقولون: نعم يا مهدي آل محمد فيقول: ومن معه في القبر ؟
فيقولون: صاحباه وضجيعاه أبو بكر وعمر، فيقول وهو أعلم بهما والخلائق كلهم جميعا
يسمعون: من أبو بكر وعمر ؟ وكيف دفنا من بين الخلق مع جدي رسول الله صلى الله عليه
وآله، وعسى المدفون غيرهما. فيقول الناس: يا مهدي آل محمد صلى الله عليه وآله ما
ههنا غيرهما إنهما دفنا معه لأنهما خليفتا رسول الله صلى الله عليه وآله وأبوا
زوجتيه، فيقول للخلق بعد ثلاث: أخرجوهما من قبريهما، فيخرجان غضين طريين لم يتغير
خلقهما، ولم يشحب لونهما
(1) الدالية المنجنون يديره الثور،
والناعورة يديرها الماء. وكأنه يريد ماء الفرات.
[13]
فيقول: هل فيكم من يعرفهما ؟ فيقولون:
نعرفهما بالصفة وليس ضجيعا جدك غيرهما، فيقول: هل فيكم أحد يقول غير هذا أو يشك
فيهما ؟ فيقولون: لا فيؤخر إخراجهما ثلاثة ايام، ثم ينتشر الخبر في الناس ويحضر
المهدي ويكشف الجدران عن القبرين، ويقول للنقباء: ابحثوا عنهما وانبشوهما. فيبحثون
بأيديهم حتى يصلون إليهما. فيخرجان غضين طريين كصورتهما فيكشف عنهما أكفانهما ويأمر
برفعهما على دوحة يابسة نخرة فيصلبهما عليها، فتحيى الشجرة وتورق ويطول فرعها (1).
فيقول المرتابون من أهل ولايتهما: هذا والله الشرف حقا، ولقد فزنا بمحبتهما
وولايتهما، ويخبر من أخفى نفسه ممن في نفسه مقياس حبة من محبتهما وولايتهما،
فيحضرونهما ويرونهما ويفتنون بهما وينادي منادي المهدي عليه السلام: كل من أحب
صاحبي رسول الله صلى الله عليه وآله وضجيعيه، فلينفرد جانبا، فتتجزء الخلق جزئين
أحدهما موال والآخر متبرئ منهما. فيعرض المهدي عليه السلام على أوليائهما البراءة
منهما فيقولون: يا مهدي آل رسول الله صلى الله عليه وآله نحن لم نتبرأ منهما، ولسنا
نعلم أن لهما عند الله وعندك هذه المنزلة، وهذا الذي بدا لنا من فضلهما، أنتبرأ
الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت ؟ من نضارتهما وغضاضتهما،
وحياة الشجرة بهما ؟ بل والله نتبرأ منك وممن آمن بك ومن لا يؤمن بهما، ومن صلبهما،
وأخرجهما، وفعل بهما ما فعل فيأمر المهدي عليه السلام ريحا سوداء فتهب عليهم
فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية. ثم يأمر بانزالهما فينزلان إليه فيحييهما باذن الله
تعالى ويأمر الخلائق بالاجتماع، ثم يقص عليهم قصص فعالهما في كل كور ودور (2) حتى
يقص عليهم
(1) قد مر في ج 52 باب 24 أحاديث في ذلك
مع ضعف أسنادها، ولكن كاتب هذا الحديث أبرزها بصورة قصصية تأباه سنة الله التي قد
خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا. (2) كأن قاص هذا الخبر كان يقول بالكور
والدور وأن كل رجل يعيش في دار الدنيا في كل كور ودور فيكون عيشه في دار الدنيا
مرات عديدة، ولذلك يستحثهما بالسؤال عن الافعال التي صدرت منهما في تلك الاكوار
والادوار.
[14]
قتل هابيل بن آدم عليه السلام، وجمع النار
لإبراهيم عليه السلام، وطرح يوسف عليه السلام في الجب، وحبس يونس عليه السلام في
الحوت، وقتل يحيى عليه السلام، وصلب عيسى عليه السلام وعذاب جرجيس ودانيال عليهما
السلام، وضرب سلمان الفارسي، وإشعال النار (1) على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن
والحسين عليهم السلام لاحراقهم بها، وضرب يد الصديقة الكبرى فاطمة بالسوط، ورفس
بطنها وإسقاطها محسنا، وسم الحسن عليه السلام وقتل الحسين عليه السلام، وذبح أطفاله
وبني عمه وأنصاره، وسبي ذراري رسول الله صلى الله عليه وآله وإراقة دماء آل محمد
صلى الله عليه وآله، وكل دم سفك، وكل فرج نكح حراما، وكل رين وخبث وفاحشة وإثم وظلم
وجور وغشم منذ عهد آدم عليه السلام إلى وقت قيام قائمنا عليه السلام كل ذلك يعدده
عليه السلام عليهما، ويلزمهما إياه فيعترفان به ثم يأمر بهما فيقتص منهما في ذلك
الوقت بمظالم من حضر، ثم يصلبهما على الشجرة و يأمر نارا تخرج من الأرض فتحرقهما
والشجرة ثم يأمر ريحا فتنسفهما في اليم نسفا. قال المفضل: يا سيدي ذلك آخر عذابهما
؟ قال: هيهات يا مفضل والله ليردن وليحضرن السيد الأكبر محمد رسول الله صلى الله
عليه وآله والصديق الأكبر أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة عليهم
السلام وكل من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا، وليقتصن منهما لجميعهم حتى
أنهما ليقتلان في كل يوم وليلة ألف قتلة، ويردان إلى ما شاء ربهما. ثم يسير المهدي
عليه السلام إلى الكوفة وينزل ما بين الكوفة والنجف، وعنده أصحابه في ذلك اليوم ستة
وأربعون ألفا من الملائكة وستة آلاف من الجن، والنقباء ثلاثمائة وثلاثة عشر نفسا.
قال المفضل: يا سيدي كيف تكون دار الفاسقين في ذلك الوقت ؟ قال: في لعنة الله وسخطه
تخربها الفتن وتتركها جماء فالويل لها ولمن بها كل الويل من الرايات الصفر، ورايات
المغرب، ومن يجلب الجزيرة ومن الرايات التي تسير إليها من كل قريب أو بعيد.
(1) ذكره ابن قتيبة في كتابه الامامة
والسياسة فراجع.
[15]
والله لينزلن بها من صنوف العذاب ما نزل
بسائر الامم المتمردة من أول الدهر إلى آخره، ولينزلن بها من العذاب ما لا عين رأت
ولا أذن سمعت بمثله ولا يكون طوفان أهلها إلا بالسيف، فالويل لمن اتخذ بها مسكنا
فان المقيم بها يبقى لشقائه، والخارج منها برحمة الله. والله ليبقى من أهلها في
الدنيا حتى يقال: إنها هي الدنيا، وإن دورها وقصورها هي الجنة، وإن بناتهاهن الحور
العين، وإن ولدانها هم الولدان وليظنن أن الله لم يقسم رزق العباد إلا بها، وليظهرن
فيها من الامراء على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله، والحكم بغير كتابه، ومن
شهادات الزور، وشرب الخمور و [إتيان] الفجور، وأكل السحت وسفك الدماء ما لا يكون في
الدنيا كلها إلا دونه، ثم ليخربها الله بتلك الفتن وتلك الرايات، حتى ليمر عليها
المار فيقول: ههنا كانت الزوراء. ثم يخرج الحسني الفتى الصبيح الذي نحو الديلم !
يصيح بصوت له فصيح يا آل أحمد أجيبوا الملهوف، والمنادي من حول الضريح فتجيبه كنوز
الله بالطالقان كنوز وأي كنوز، ليست من فضة ولا ذهب، بل هي رجال كزبر الحديد، على
البراذين الشهب، بأيديهم الحراب، ولم يزل يقتل الظلمة حتى يرد الكوفة وقد صفا أكثر
الأرض، فيجعلها له معقلا. فيتصل به وبأصحابه خبر المهدي عليه السلام، ويقولون: يا
ابن رسول الله من هذا الذي قد نزل بساحتنا، فيقول: اخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو
؟ وما يريد ؟ وهو والله يعلم أنه المهدي، وأنه ليعرفه، ولم يرد بذلك الأمر إلا
ليعرف أصحابه من هو ؟ فيخرج الحسني فيقول: إن كنت مهدي آل محمد فأين هراوة جدك رسول
الله صلى الله عليه وآله وخاتمه، وبردته، ودرعه الفاضل، وعمامته السحاب، وفرسه
اليربوع وناقته العضباء، وبغلته الدلدل، وحماره اليعفور، ونجيبه البراق، ومصحف أمير
المؤمنين عليه السلام ؟ فيخرج له ذلك ثم يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد
[16]
وتورق، ولم يرد ذلك إلا أن يري أصحابه فضل
المهدي عليه السلام حتى يبايعوه. فيقول الحسني: الله أكبر مد يدك يا ابن رسول الله
حتى نبايعك فيمد يده فيبايعه ويبايعه سائر العسكر الذي مع الحسني إلا أربعين ألفا
أصحاب المصاحف المعروفون بالزيدية، فانهم يقولون: ما هذا إلا سحر عظيم. فيختلط
العسكران فيقبل المهدي عليه السلام على الطائفة المنحرفة، فيعظهم ويدعوهم ثلاثة
ايام، فلا يزدادون إلا طغيانا وكفرا، فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعا ثم يقول لأصحابه:
لا تأخذوا المصاحف، ودعوها تكون عليهم حسرة كما بدلوها وغيروها وحرفوها ولم يعملوا
بما فيها. قال المفضل: يا مولاي ثم ماذا يصنع المهدي ؟ قال: يثور سرايا (1) على
السفياني إلى دمشق، فيأخذونه ويذبحونه على الصخرة. ثم يظهر الحسين عليه السلام في
اثني عشر ألف صديق واثنين وسبعين رجلا أصحابه يوم كربلا، فيالك عندها من كرة زهراء
بيضاء. ثم يخرج الصديق الأكبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وينصب له
القبة بالنجف، ويقام أركانها: ركن بالنجف، وركن بهجر، وركن بصنعا، وركن بأرض طيبة،
لكأني أنظر إلى مصابيحه تشرق في السماء والأرض، كأضواء من الشمس والقمر، فعندها
تبلى السرائر، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت (2) إلى آخر الآية. ثم يخرج السيد الأكبر
محمد رسول الله صلى الله عليه وآله في أنصاره والمهاجرين، ومن آمن به وصدقه واستشهد
معه، ويحضر مكذبوه والشاكون فيه والرادون عليه والقائلون فيه أنه ساحر وكاهن
ومجنون، وناطق عن الهوى، ومن حاربه وقاتله حتى يقتص منهم بالحق، ويجازون بأفعالهم
منذ وقت ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى
(1) في الاصل المطبوع: " يثور سرابا "
فتحرر. (2) وبعده: وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب
الله شديد، الحج: 2.
[17]
ظهور المهدي مع إمام إمام، ووقت وقت، ويحق
تأويل هذه الآية " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم
الوارثين ونمكن لهم في الأرض، ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون "
(1). قال المفضل: يا سيدي ومن فرعون وهامان ؟ قال: أبو بكر وعمر. قال المفضل: قلت:
يا سيدي ورسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما يكونان معه ؟ فقال: لابد أن
يطآ الأرض إي والله حتى ما وراء الخاف، إي والله وما في الظلمات، وما في قعر
البحار، حتى لا يبقى موضع قدم إلا وطئا وأقاما فيه الدين الواجب لله تعالى. ثم
لكأني أنظر - يا مفضل - إلينا معاشر الأئمة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله
نشكوا إليه ما نزل بنا من الامة بعده، وما نالنا من التكذيب والرد علينا وسبينا
ولعننا وتخويفنا بالقتل، وقصد طواغيتهم الولاة لامورهم من دون الامة بترحيلنا عن
الحرمة إلى دار ملكهم، وقتلهم إيانا بالسم والحبس، فيبكي رسول الله صلى الله عليه
وآله ويقول: يا بني ما نزل بكم إلا ما نزل بجدكم قبلكم. ثم تبتدئ فاطمة عليها
السلام وتشكو ما نالها من أبي بكر وعمر، وأخذ فدك منها ومشيها إليه في مجمع من
المهاجرين والأنصار، وخطابها له في أمر فدك، وما رد عليها من قوله: إن الأنبياء لا
تورث، واحتجاجها بقول زكريا ويحيى عليهما السلام وقصة داود وسليمان عليهما السلام.
وقول عمر: هاتي صحيفتك التي ذكرت أن أباك كتبها لك وإخراجها الصحيفة وأخذه إياها
منها، ونشره لها على رؤس الأشهاد من قريش والمهاجرين والأنصار وسائر العرب وتفله
فيها، وتمزيقه إياها وبكائها، ورجوعها إلى قبر أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله
باكية حزينة تمشي على الرمضاء قد أقلقتها، واستغاثتها بالله وبأبيها رسول الله صلى
الله عليه وآله وتمثلها بقول رقيقة بنت صيفي (2):
(1) القصص: 5 و 6. (2) في الاصل المطبوع:
" رقية " والصحيح ما في الصلب عنونها الجزرى في =
[18]
قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كنت شاهدها
لم يكبر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل أهلك فاشهدهم فقد لعبوا أبدت
رجال لنا فحوى صدورهم * لما نأيت وحالت دونك الحجب لكل قوم لهم قرب ومنزلة * عند
الاله على الأدنين مقترب يا ليت قبلك كان الموت حل بنا * أملوا اناس ففازوا بالذي
طلبوا وتقص عليه قصة أبي بكر وإنفاذه خالد بن الوليد وقنفذا وعمر بن الخطاب وجمعه
الناس لإخراج أمير المؤمنين عليه السلام من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة
واشتغال أمير المؤمنين عليه السلام بعد وفات رسول الله صلى الله عليه وآله بضم
أزواجه وقبره وتعزيتهم وجمع القرآن وقضاء دينه، وإنجاز عداته، وهي ثمانون ألف درهم،
باع فيها تليده وطارفه وقضاها عن رسول الله صلى الله عليه وآله. وقول عمر: اخرج يا
علي إلى ما أجمع عليه المسلمون وإلا قتلناك، وقول فضة جارية فاطمة: إن أمير
المؤمنين عليه السلام مشغول والحق له إن أنصفتم من أنفسكم وأنصفتموه، وجمعهم الجزل
والحطب على الباب لاحراق بيت أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم
وفضة، وإضرامهم النار على الباب، وخروج فاطمة إليهم وخطابها لهم من وراء الباب.
وقولها: ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله ؟ تريد أن تقطع نسله من
الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله ؟ والله متم نوره، وانتهاره لها. وقوله: كفي يا فاطمة
فليس محمد حاضرا ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند الله، وما علي إلا
كأحد المسلمين فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعا.
= اسد الغابة ج 5 ص 454 وقال بنت صيفي بن
هاشم بن عبد مناف، وعنونها في الاصابة ج 4 ص 296 وقال " رقيقة ": بقافين مصغرة بنت
أبي صيفي بن هاشم بن عبد المطلب. ولكن نسب الاشعار أبو بكر أحمد بن عبد العزيز
الجوهري في كتابه السقيفة باسناده عن عمر بن شبة - إلى هند ابنة أثاثة راجع كشف
الغمة ج 2 ص 49، وفيها اختلاف.
[19]
فقالت وهي باكية: اللهم إليك نشكو فقد
نبيك ورسولك وصفيك، وارتداد أمته علينا، ومنعهم إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك
المنزل على نبيك المرسل. فقال لها عمر: دعي عنك يا فاطمة حمقات النساء، فلم يكن
الله ليجمع لكم النبوة والخلافة، وأخذت النار في خشب الباب. وإدخال قنفذ يده لعنه
الله يروم فتح الباب، وضرب عمر لها بالسوط على عضدها، حتى صار كالدملج الأسود، وركل
الباب برجله، حتى أصاب بطنها و هي حاملة بالمحسن، لستة أشهر وإسقاطها إياه. وهجوم
عمر وقنفذ وخالد بن الوليد وصفقه خدها حتى بدا قرطاها تحت خمارها، وهي تجهر
بالبكاء، وتقول: واأبتاه، وارسول الله، ابنتك فاطمة تكذب وتضرب، ويقتل جنين في
بطنها. وخروج أمير المؤمنين عليه السلام من داخل الدار محمر العين حاسرا، حتى ألقى
ملاءته عليها، وضمها إلى صدره وقوله لها: يا بنت رسول الله قد علمتي أن أباك بعثه
الله رحمة للعالمين، فالله الله أن تكشفي خمارك، وترفعي ناصيتك، فوالله يا فاطمة
لئن فعلت ذلك لا أبقى الله على الأرض من يشهد أن محمدا رسول الله ولا موسى ولا عيسى
ولا إبراهيم ولا نوح ولا آدم، [ولا] دابة تمشي على الأرض ولا طائرا في السماء إلا
أهلكه الله. ثم قال: يا ابن الخطاب لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه اخرج
قبل أن اشهر سيفي فافني غابر الامة. فخرج عمر وخالد بن الوليد وقنفذ وعبد الرحمن بن
أبي بكر فصاروا من خارج الدار، وصاح أمير المؤمنين بفضة يا فضة مولاتك فاقبلي منها
ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة ورد الباب، فأسقطت محسنا فقال أمير
المؤمنين عليه السلام: فانه لاحق بجده رسول الله صلى الله عليه وآله فيشكو إليه.
وحمل أمير المؤمنين لها في سواد الليل والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم إلى دور
المهاجرين والأنصار، يذكرهم بالله ورسوله، وعهده الذي بايعوا الله
[20]
ورسوله، وبايعوه عليه في أربعة مواطن في
حياة رسول الله صلى الله عليه وآله (1) وتسليمهم عليه بامرة المؤمنين في جميعها،
فكل يعده بالنصر في يومه المقبل، فإذا أصبح قعد جميعهم عنه ثم يشكو إليه أمير
المؤمنين عليه السلام المحن العظيمة التي امتحن بها بعده. وقوله لقد كانت قصتي مثل
قصة هارون مع بني إسرائيل وقولي كقوله لموسى " يابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا
يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين " (2) فصبرت محتسبا
وسلمت راضيا وكانت الحجة عليهم في خلافي، ونقضهم عهدي الذي عاهدتهم عليه يا رسول
الله. واحتملت يا رسول الله ما لم يحتمل وصي نبي من سائر الأوصياء من سائر الامم
حتى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم، وكان الله الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي.
وخروج طلحة والزبير بعائشة إلى مكة يظهران الحج والعمرة وسيرهم بها إلى البصرة،
وخروجي إليهم وتدكيري لهم الله وإياك، وما جئت به يا رسول الله، فلم يرجعا حتى
نصرني الله عليهما حتى أهرقت دماء عشرين ألف من المسلمين وقطعت سبعون كفا على زمام
الجمل، فما لقيت في غزواتك يا رسول الله وبعدك أصعب يوما منه أبدا، لقد كان من أصعب
الحروب التي لقيتها، وأهولها وأعظمها فصبرت كما أدبني الله بما أدبك به يا رسول
الله في قوله عزوجل " فاصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل " (3) وقوله " واصبر وما
صبرك إلا بالله " (4) وحق والله يا رسول الله تأويل الآية التي أنزلها الله في
الامة من بعدك في قوله " وما محمد
(1) أخرج المصنف رضوان الله عليه أحاديث
كثيرة في ذلك في أحوال مولانا أمير المؤمنين تراها في ج 37 ص 290 - 340 من الطبعة
الحديثة، وليس فيها ما يذكر أنهم بايعوه عليه السلام على امرة المؤمنين. بل كانوا
يسلمون عليه بامرة المؤمنين، نعم في أحاديث الغدير ما يذكر أنهم بايعوه على ذلك
فراجع ج 37 ص 217. (2) الاعراف: 149. (3) الاحقاف: 35. (4) النحل: 127.
[21]
إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات
أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله
الشاكرين " (1). يا مفضل ويقوم الحسن عليه السلام إلى جده صلى الله عليه وآله
فيقول: يا جداه كنت مع أمير المؤمنين في دار هجرته بالكوفة حتى استشهد بضربة عبد
الرحمان ابن ملجم لعنه الله فوصاني بما وصيته يا جداه، وبلغ اللعين معاوية قتل أبي
فأنفذ الدعي اللعين زيادا إلى الكوفة في مائة ألف وخمسين ألف مقاتل (2) فأمر بالقبض
علي وعلى أخي الحسين وسائر إخواني وأهل بيتي، وشيعتنا وموالينا وأن يأخذ علينا
البيعة لمعاوية لعنه الله، فمن يأبى منا ضرب عنقه وسير إلى معاوية رأسه. فلما علمت
ذلك من فعل معاوية، خرجت من داري، فدخلت جامع الكوفة للصلاة، ورقأت المنبر واجتمع
الناس، فحمدت الله وأثنيت عليه، وقلت: معشر الناس عفت الديار، ومحيت الآثار، وقل
الاصطبار، فلاقرار على همزات الشياطين وحكم الخائنين، الساعة والله صحت البراهين،
وفصلت الآيات، وبانت المشكلات، ولقد كنا نتوقع تمام هذه الآية تأويلها قال الله
عزوجل " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفان مات أو قتل انقلبتم على
أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " (3) فلقد
مات والله
(1) آل عمران: 144. (2) هو زياد بن عبيد
الثقفي الذي استلحقه معاوية وجعله أخا له من أبي سفيان، وقد كان حين قتل علي عليه
السلام عاملا له على بلاد فارس وكرمان، يبغض معاوية ويشنأه. فأطمعه معاوية وكاتبه
وراسله بعد أن صالح مع الحسن السبط عليه السلام فخرج زياد من معقله بفارس بعد ما
استوثق من معوية لنفسه، فجاءه في دمشق وسلم عليه بامرة المؤمنين. فكما ترى أراد
كاتب هذا الحديث أن يعلل صلح الحسن السبط مع معوية بأنه عليه السلام كان مهضوما
وحيدا لا يستطيع أن يبارزه، لكنه جاء بترهات من مخائله تخالف التاريخ الواضح
المشهور من رأس. (3) آل عمران: 144.
[22]
جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وقتل
أبي عليه السلام وصاح الوسواس الخناس في قلوب الناس ونعق ناعق الفتنة، وخالفتم
السنة، فيالها من فتنة صماء عمياء، لا يسمع لداعيها ولا يجاب مناديها، ولا يخالف
واليها، ظهرت كلمة النفاق، وسيرت رايات أهل الشقاق، وتكالبت جيوش أهل المراق، من
الشام والعراق، هلموا رحمكم الله إلى الافتتاح، والنور الوضاح، والعلم الجحجاج،
والنور الذي لا يطفى، والحق الذي لا يخفى. أيها الناس تيقظوا من رقدة الغفلة، ومن
تكاثف الظلمة (1) فوالذي فلق الحبة، وبرء النسمة، وتردى بالعظمة، لئن قام إلي منكم
عصبة بقلوب صافية ونيات مخلصة، لا يكون فيها شوب نفاق، ولا نية افتراق، لاجاهدن
بالسيف قدما قدما، ولأضيقن من السيوف جوانبها (2) ومن الرماح أطرافها، ومن الخيل
سنابكها، فتكلموا رحمكم الله. فكأنما الجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة، إلا
عشرون رجلا فانهم قاموا إلي فقالوا: يا ابن رسول الله ما نملك إلا أنفسنا وسيوفنا،
فها نحن بين يديك لأمرك طائعون، وعن رأيك صادرون، فمرنا بما شئت ! فنظرت يمنة ويسرة
فلم أر أحدا غيرهم. فقلت: لي اسوة بجدي رسول الله حين عبد الله سرا، وهو يومئذ في
تسعة وثلاثين رجلا فلما أكمل الله له الأربعين صار في عدة وأظهر أمر الله، فلو كان
معي عدتهم جاهدت في الله حق جهاده. ثم رفعت رأسي نحو السماء فقلت: اللهم إني قد
دعوت وأنذرت، وأمرت ونهيت، وكانوا عن إجابة الداعي غافلين، وعن نصرته قاعدين، وعن
طاعته مقصرين ولأعدائه ناصرين، اللهم فأنزل عليهم رجزك، وبأسك وعذابك، الذي لا يرد
عن القوم الظالمين ونزلت.
(1) في الاصل المطبوع " ومن تكانيف الظلمة
" فتحرر. (2) كأن الضمير يرجع إلى دمشق الشام.
[23]
ثم خرجت من الكوفة راحلا إلى المدينة،
فجاؤني يقولون: إن معاوية أسرى سراياه إلى الأنبار والكوفة، وشن غاراته على
المسلمين، وقتل من لم يقاتله وقتل النساء والأطفال، فأعلمتهم أنه لا وفاء لهم،
فأنفذت معهم رجالا وجيوشا وعرفتهم أنهم يستجيبون لمعاوية، وينقضون عهدي وبيعتي، فلم
يكن إلا ما قلت لهم، وأخبرتهم. ثم يقوم الحسين عليه السلام مخضبا بدمه هو وجميع من
قتل معه، فإذا رآه رسول الله صلى الله عليه وآله بكى وبكى أهل السماوات والأرض
لبكائه، وتصرخ فاطمة عليها السلام فتزلزل الأرض ومن عليها، ويقف أمير المؤمنين
والحسن عليهما السلام عن يمينه، وفاطمة عن شماله، ويقبل الحسين عليه السلام فيضمه
رسول الله رسول الله صلى الله عليه وآله إلى صدره، ويقول: يا حسين ! فديتك قرت
عيناك وعيناي فيك، وعن يمين الحسين حمزة أسد الله في أرضه، وعن شماله جعفر بن أبي
طالب الطيار، ويأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين
عليه السلام وهن صارخات وأمه فاطمة تقول " هذا يومكم الذي كنتم توعدون " (1) اليوم
" تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا
بعيدا " (2). قال: فبكى الصادق عليه السلام حتى اخضلت لحيته بالدموع، ثم قال: لاقرت
عين لا تبكي عند هذا الذكر، قال: وبكى المفضل بكاء طويلا ثم قال: يا مولاي ما في
الدموع يا مولاي ؟ فقال: ما لا يحصى إذا كان من محق. ثم قال المفضل: يا مولاي ما
تقول في قوله تعالى " وإذا الموؤدة سئلت * بأي ذنب قتلت " (3) قال: يا مفضل
والموؤدة والله محسن، لأنه منا لا غير، فمن قال غير هذا فكذبوه. قال المفضل: يا
مولاي ثم ماذا ؟ قال الصادق عليه السلام: تقوم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه
وآله فيقول: اللهم أنجز وعدك وموعدك لي فيمن ظلمني وغصبني، وضربني و
(1) الانبياء: 103. (2) آل عمران: 30. (3)
التكوير: 8.
[24]
جزعني بكل أولادي، فتبكيها ملائكة
السماوات السبع وحملة العرش، وسكان الهواء، ومن في الدنيا، ومن تحت أطباق الثرى،
صائحين صارخين إلى الله تعالى، فلا يبقى أحد ممن قاتلنا وظلمنا ورضي بما جرى علينا
إلا قتل في ذلك اليوم ألف قتلة (1) دون من قتل في سبيل الله، فانه لا يذوق الموت
وهو كما قال الله عزوجل " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند
ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من
خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون " (2). قال المفضل: يا مولاي إن من شيعتكم من لا
يقول برجعتكم ؟ فقال عليه السلام: إنما سمعوا قول جدنا رسول الله صلى الله عليه
وآله ونحن سائر الأئمة نقول: " ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر " (3)
قال الصادق عليه السلام: العذاب الأدنى عذاب الرجعة، والعذاب الأكبر عذاب يوم
القيامة " الذي تبدل الأرض غير الأرض والسموات وبرزوا لله الواحد القهار " (4). قال
المفضل: يا مولاي نحن نعلم أنكم اختيار الله في قوله تعالى: " نرفع درجات من نشاء "
(5) وقوله: " الله أعلم حيث يجعل رسالاته " (6) وقوله: " إن
(1) توهم الكاتب أن القتل ألف قتلة أشد
عليهم من نار الجحيم - أعاذنا الله منه - والله تعالى يقول: " لا يقضى عليهم
فيموتوا " ويحكى عنهم أنهم يقولون: " يا مالك ليقض علينا ربك ". هذا مع ما ورد أنه
لا سبيل بعد الحشر إلى الممات. ثم العجب استثناؤه من هؤلاء الظلمة، الذين استشهدوا
في سبيل الله لقوله تعالى " بل أحياء " والحال أنه تعالى يقول " لا يفلح الظالمون
". (2) آل عمران: 169 و 170. (3) السجدة: 21. ومراد الكاتب أن ضمير الجمع في قوله
تعالى: " لنذيقنهم " يراد به رسول الله والائمة عليهم السلام. (4) ابراهيم: 48. (5)
الانعام: 83، يوسف: 76. (6) الانعام: 124.
[25]
الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل
عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " (1). قال الصادق عليه
السلام: يا مفضل فأين نحن في هذه الآية ؟ قال المفضل: فوالله " إن أولى الناس
بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " (2) وقوله: "
ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين " (3) وقوله: عن إبراهيم " واجنبني وبني أن
نعبد الأصنام " (4) وقد علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه
السلام ما عبدا صنما ولا وثنا ولا أشركا بالله طرفة عين. وقوله: " وإذا ابتلى
إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال
عهدي الظالمين " (5) والعهد عهد الإمامة لا يناله ظالم. قال: يا مفضل وما علمك بأن
الظالم لا ينال عهد الإمامة ؟ قال المفضل: يا مولاي لا تمتحني بما لا طاقة لي به،
ولا تختبرني ولا تبتلني، فمن علمكم علمت ومن فضل الله عليكم أخذت. قال الصادق عليه
السلام: صدقت يا مفضل ولولا اعترافك بنعمة الله عليك في ذلك لما كنت هكذا فأين يا
مفضل الآيات من القرآن في أن الكافر ظالم ؟ قال: نعم يا مولاي قوله تعالى: "
والكافرون هم الظالمون (6) " والكافرون هم الفاسقون " ومن كفر وفسق وظلم لا يجعله
الله للناس إماما. قال الصادق عليه السلام: أحسنت يا مفضل فمن أين قلت برجعتنا ؟
ومقصرة
(1) آل عمران: 33. (2) آل عمران: 68. (3)
الحج: 78. (4) ابراهيم: 35. (5) البقرة: 124. (6) البقرة: 254، وما بعده آية متوهمة
لا توجد في القرآن كيف والفاسق هو الذي دخل في جماعة المسلمين، لكنه فسق وخرج عن
حكم الله، والكافر لم يدخل في حكم الله بعد، ولذلك يقول الله عزوجل: " ان المنافقين
هم الفاسقون " براءة: 68. ويقول: " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك الفاسقون "
المائدة: 47 وغير ذلك.
[26]
شيعتنا تقول: معنى الرجعة أن يرد الله
إلينا ملك الدنيا وأن يجعله للمهدي. ويحهم متى سلبنا الملك حتى يرد علينا. قال
المفضل: لا والله وما سلبتموه ولا تسلبونه لأنه ملك النبوة والرسالة والوصية
والامامة. قال الصادق عليه السلام: يا مفضل لو تدبر القرآن شيعتنا لما شكوا في
فضلنا أما سمعوا قوله عزوجل " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم
أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما
كانوا يحذرون " (1). والله يا مفضل إن تنزيل هذه الآية في بني إسرائيل وتأويلها
فينا وإن فرعون وهامان تيم وعدي. قال المفضل: يا مولاي فالمتعة ؟ قال: المتعة حلال
طلق والشاهد بها قول الله عزوجل " ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو
أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن، ولكن لا تواعدوهن سرا، إلا أن تقولوا
قولا معروفا " (2) أي مشهودا والقول المعروف هو المشتهر بالولي والشهود، وإنما
احتيج إلى الولي والشهود في النكاح، ليثبت النسل ويصح النسب ويستحق الميراث، وقوله
" وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " (3)
وجعل الطلاق في النساء المزوجات غير جائز إلا بشاهدين ذوي عدل من المسلمين وقال في
سائر الشهادات على الدماء والفروج والأموال والأملاك: " واستشهدوا شهيدين من رجالكم
فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء " (4). وبين الطلاق عز ذكره
فقال: " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله
ربكم " (5) ولو كانت المطلقة تبين بثلاث تطليقات
(1) القصص: 5 و 6. (2) البقرة: 235. (3)
النساء: 4. (4) البقرة: 228. (5) الطلاق: 21.
[27]
تجمعها كلمة واحدة أو أكثر منها أو أقل
لما قال الله تعالى " وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم " إلى قوله: " تلك حدود الله
ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا * فإذا بلغن
أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم، وأقيموا الشهادة
لله، ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر " وقوله: " لا تدري لعل الله
يحدث بعد ذلك أمرا " هو نكر يقع بين الزوج وزوجته، فيطلق التطليقة الاولى بشهادة
ذوي عدل. وحد وقت التطليق هو آخر القروء، والقرء هو الحيض، والطلاق يجب عند آخر
نقطة بيضاء تنزل بعد الصفرة والحمرة، وإلى التطليقة الثانية والثالثة ما يحدث الله
بينهما، عطفا أو زوال ما كرهاه، وهو قوله: " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء،
ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر
وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا، ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال
عليهن درجة والله عزيز حكيم " (1) هذا لقوله في أن للبعولة مراجعة النساء من تطليقة
إلى تطليقة، إن أرادوا إصلاحا وللنساء مراجعة الرجال في مثل ذلك. ثم بين تبارك
وتعالى فقال: " الطلاق مرتان: فإمساك بمعروف أو تسريح باحسان ". وفي الثالثة، فان
طلق الثالثة بانت فهو قوله: " فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره "
(2) ثم يكون كسائر الخطاب لها. والمتعة التي أحلها الله في كتابه وأطلقها الرسول عن
الله لسائر المسلمين فهي قوله عزوجل: " والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم
كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين، فما
استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد
الفريضة إن الله كان عليما حكيما " (3) والفرق بين المزوجة والمتعة أن للزوجة
(1) البقرة: 228 و 229. (2) البقرة: 230.
(3) النساء: 23.
[28]
صداقا وللمتعة اجرة. فتمتع سائر المسلمين
(1) على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله في الحج وغيره، وأيام أبي بكر، وأربع
سنين في أيام عمر، حتى دخل على أخته عفرا فوجد في حجرها طفلا يرضع من ثديها فنظر
إلى درة اللبن في فم الطفل فأغضب وأرعد واربد وأخذ الطفل على يده، وخرج حتى أتى
المسجد، ورقا المنبر وقال: نادوا في الناس إن الصلاة جامعة، وكان غير وقت صلاة يعلم
الناس أنه لأمر يريده عمر فحضروا فقال: معاشر الناس من المهاجرين والأنصار وأولاد
قحطان من منكم يحب أن يرى المحرمات عليه من النساء، ولها مثل هذا الطفل ؟ قد خرج من
أحشائها وهو يرضع على ثديها وهي غير متبعلة ؟ فقال بعض القوم: ما نحب هذا ؟ فقال:
ألستم تعلمون أن أختي عفرا (2) بنت خيثمة أمي وأبي الخطاب غير متبعلة ؟ قالوا: بلى
قال: فاني دخلت عليها في هذه الساعة، فوجدت هذا الطفل في حجرها فناشدتها أنى لك هذا
؟ فقالت: تمتعت. فأعلموا سائر الناس ! أن هذه المتعة التي كانت حلالا للمسلمين في
عهد رسول الله صلى الله عليه وآله قد رأيت تحريمها، فمن أبي ضربت جنبيه بالسوط (3)
فلم يكن
(1) السائر بمعنى الباقي، وقولهم سائر
الناس همج: أي باقى الناس باتفاق أهل اللغة كما في اللسان. وقد يستعمل في كلام
المولدين بمعنى الجميع - كما في هذا الكلام - نعم، قال الجوهري في الصحاح: وسائر
الناس: جميعهم. (2) لم يعنونها أصحاب الرجال وانما عنونوا صفية بنت الخطاب كانت
زوجة قدامة ابن مظعون، وأظن القصة مجعولة مختلقة، فان عمر بن الخطاب كان يتعصب لسنن
الجاهلية ولذلك أنكر على رسول الله صلى الله عليه وآله متعة الحج ولم يحل عن احرامه
في حجة الوداع مع أنه لم يسق الهدى، وقال " أننطلق وذكر أحدنا تقطر " فالظاهر أنه
كان يجد انكار متعة النساء في نفسه من زمن رسول الله صلى الله عليه وآله. لا أنه
دخل على عفراء الخ. (3) بل كان أوعد على المتعة بالرجم، ففى صحيح مسلم ج 1 ص 467 عن
أبي نضرة قال: كان ابن عباس يأمر بالمتعة وكان ابن الزبير ينهى عنها، قال: فذكرت
ذلك لجابر =
[29]
في القوم منكر قوله، ولا راد عليه، ولا
قائل لا يأتي رسول بعد رسول الله أو كتاب بعد كتاب الله، لا نقبل خلافك على الله
وعلى رسوله وكتابه. بل سلموا ورضوا. قال المفضل: يا مولاي فما شرائط المتعة ؟ قال:
يا مفضل لها سبعون شرطا
= ابن عبد الله فقال: على يدي دار الحديث
تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فلما قام عمر - أي بأمر الخلافة - قال: ان
الله كان يحل لرسوله ما شاء بما شاء، وان القرآن قد نزل منازله، فأتموا الحج
والعمرة كما أمركم الله وأبقوا ؟ ؟ نكاح هذه النساء، فلن اوتى برجل نكح امرأة إلى
أجل الا رجمته بالحجارة. وفي سنن البيهقي ج 7 ص 206 عن أبي نضرة مثل هذا الحديث
ولفظه: قال: قلت: ان ابن الزبير ينهى عن المتعة ! وان ابن عباس يأمر بها ؟ ! فقال:
- يعني جابر - على يدى جرى الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله، ومع أبي
بكر، فلما ولى عمر خطب الناس فقال: ان رسول الله صلى الله عليه وآله هذا الرسول،
وان القرآن هذا القرآن، وانهما كانتا متعتان على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما
وأعاقب عليهما: أحدهما متعة النساء ولا أقدر على رجل تزوج امرأة إلى أجل، الا غيبته
بالحجارة. وكيف كان فقد استفاض عنه قوله " متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا
أحرمهما وأعاقب عليهما " كما تجده في أحكام القرآن للجصاص ج 1 ص 342، الحيوان
للجاحظ ج 4 ص 278، البيان والتبيين له ج 2 ص 282، شرح النهج لابن أبي الحديد ج 1 ص
182 (الخطبة الشقشقية) وهكذا ج 12 ص 251 (الخطبة 223) وفيات الاعيان للقاضي أحمد
ابن خلكان ج 2 ص 359 (ط - ايران - ترجمة يحيى بن اكثم) ونقله ارباب التفاسير عند
قوله تعالى " فما استمتعتم به منهن " منهم الفخر الرازي في ج 10 ص 50 من تفسيره
الكبير والطبرسي في مجمع البيان ج 3 ص 33. وفي رواية اخرى وأرسلها القوشچى في أواخر
مباحث الامامة من كتابه شرح التجريد ص 408 (ط - ايران 1301) -: أيها الناس ثلاث كن
على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهن وأحرمهن، وأعاقب عليهن: متعة الحج، ومتعة النساء،
وحي على خير العمل. وان شئت فراجع الدر المنثور ج 2 ص 139 - 141، ترى فيها روايات
كثيرة في ذلك.
[30]
من خالف فيها شرطا واحدا ظلم نفسه، قال:
قلت: يا سيدي قد أمرتمونا أن لا نتمتع ببغية ولا مشهورة بفساد ولا مجنونة وأن ندعو
المتعة إلى الفاحشة، فان أجابت فقد حرم الاستمتاع بها، وأن نسأل أفارغة أم مشغولة
ببعل أو حمل أو بعدة ؟ فان شغلت بواحدة من الثلاث فلا تحل، وإن خلت فيقول لها:
متعيني نفسك على كتاب الله عزوجل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله نكاحا غير سفاح أجلا
معلوما باجرة معلومة وهي ساعة أو يوم أو يومان أو شهر أو سنة أو ما دون ذلك أو
أكثر، والاجرة ما تراضيا عليه من حلقة خاتم أو شسع نعل أو شق تمرة إلى فوق ذلك من
الدراهم والدنانير أو عرض ترضى به، فان وهبت له حل له كالصداق الموهوب من النساء
المزوجات الذين قال الله تعالى فيهن: " فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا
مريئا " (1). ثم يقول لها: على ألا ترثيني ولا أرثك، وعلى أن الماء لي أضعه منك حيث
أشاء، وعليك الاستبراء خمسة وأربعين يوما أو محيضا واحدا، فإذا قالت: نعم أعدت
القول ثانية وعقدت النكاح، فان أحببت وأحبت هي الاستزادة في الأجل زدتما، وفيه ما
رويناه (2) فان كانت تفعل فعليها ما تولت من الإخبار عن نفسها ولا
(1) النساء: 4. (2) يجوز الاستزادة في
المدة لكنه بعد انقضاء المدة أو بذلها بعقد جديد وليس عليها عدة منه ففي الكافي ج 5
ص 458 عن أبان بن تغلب قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك الرجل يتزوج
المرأة متعة فيتزوجها على شهر ثم انها تقع في قلبه فيجب أن يكون شرطه أكثر من شهر،
فهل يجوز أن يزيدها في أجرها ويزداد في الايام قبل أن تنقضي أيامه التي شرط عليها ؟
فقال: لا، لا يجوز شرطان في شرط - يعني أجلان في عقد - قلت: فكيف يصنع ؟ قال: يتصدق
عليها بما بقى من الايام ثم يستأنف شرطا جديدا. نعم نقل العلامة في المختلف جواز
الزيادة في الاجل والمهر قبل انقضاء المدة أيضا فراجع. واعلم أن ما ذكره الكاتب في
هذا الفصل مروى بروايات أهل البيت عليهم السلام، تراها منبثة في كتاب النكاح أبواب
المتعة من الوسائل.
[31]
جناح عليك (1). وقول أمير المؤمنين عليه
السلام: " لعن الله ابن الخطاب فلولاه ما زنى إلا شقي أو شقية (2) لأنه كان يكون
للمسلمين غناء في المتعة عن الزنا ثم تلا " ومن الناس من يعجبك قوله في الحيوة
الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد
فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد " (3).
(1) يعني أنها ان كانت تفعل الزنا، لكنها
قالت لك عندما سألت عنها: " لا أفعل " يكون الاثم عليها لا عليك، فان اخبار النساء
عن نفسها محكمة، وانها مصدقة على نفسها. (2) كذا في الاصل المطبوع، ولعل الصحيح: "
الاشقى وشقية " فان الزنى لا يكون الا بين نفسين: شقى وشقية، لا أحدهما. وأما لفظ
الحديث قال علي عليه السلام: " لولا أن عمر بن الخطاب نهى عن المتعة ما زنى الاشقى
" تراه في الكافي ج 5 ص 448، تفسير الطبري ج 5 ص 13، وتفسير الرازي ج 10 ص 50، الدر
المنثور ج 2 ص 140، مجمع البيان ج 3 ص 32، أحكام القرآن للجصاص ج 2 ص 179 شرح النهج
ج 12 ص 253 نقلا عن السيد المرتضى. وقد يروى الحديث " الاشفى " بالفاء، قال الجزرى
في النهاية في حديث ابن عباس: ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله بها امة محمد، لولا
نهيه - يعني ابن الخطاب - عنها ما احتاج إلى الزنا الاشفى، أي قليلا من الناس من
قولهم " غابت الشمس الاشفى " اي الا قليلا من ضوئها عند غروبها. أقول: هذا غير
صحيح، بل هو تصحيف قطعا، فان قوله " ما زنى " يحتاج إلى الفاعل وليس يصلح للفاعلية
الا ما يدل عليه لفظ الشقى. فتقدير الكلام " ما زنى أحد أو ما احتاج إلى الزنا احد
الا شقي " فاستثنى الرجل الشقي من عموم قوله " أحد "، والقياس بقولهم " غابت الشمس
الا شفي " غير صحيح فان فاعل " غابت " هو " الشمس " المذكور، فيكون الاستثناء من
الغيبوبة، صحيحا لا غبار عليه، وفيما نحن فيه ليس كذلك فانه يصير المعنى " ما زنى
أحد الا قليلا " فيثبت الزنى لكل أحد لكن لا بالكثير، بل في بعض الاوقات، وهو خلاف
المراد قطعا. (3) البقرة: 204 و 205.
[32]
ثم قال: إن من عزل بنطفته عن زوجته فدية
النطفة عشرة دنانير كفارة (1) وإن من شرط المتعة أن ماء الرجل يضعه حيث يشاء من
المتمتع بها، فإذا وضعه في الرحم فخلق منه ولد كان لاحقا بأبيه. ثم يقوم جدي علي بن
الحسين وأبي الباقر عليهما السلام فيشكوان إلى جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله
ما فعل بهما ثم أقوم أنا فأشكو إلى جدي رسول الله صلى الله عليه وآله ما فعل
المنصور بي، ثم يقوم ابني موسى فيشكو إلى جده رسول الله صلى الله عليه وآله ما فعل
به الرشيد، ثم يقوم علي بن موسى فيشكو إلى جده رسول الله صلى الله عليه وآله ما فعل
به المأمون، ثم يقوم محمد بن علي فيشكو إلى جده رسول الله صلى الله عليه وآله ما
فعل به المأمون ثم يقوم علي بن محمد فيشكو إلى جده رسول الله صلى الله عليه وآله ما
فعل به المتوكل، ثم يقوم الحسن بن علي فيشكو إلى جده رسول الله صلى الله عليه وآله
ما فعل به المعتز. ثم يقوم المهدي سمى جدى رسول الله، وعليه قميص رسول الله مضرجا
بدم رسول الله يوم شج جبينه، وكسرت رباعيته، والملائكة تحفه حتى يقف بين يدي جده
رسول الله صلى الله عليه وآله فيقول: يا جداه وصفتني ودللت علي، ونسبتني وسميتني
وكنيتني، فجحدتني الامة وتمردت وقالت ما ولد ولا كان، وأين هو ؟ ومتى كان وأين يكون
؟ وقد مات ولم يعقب، ولو كان صحيحا ما أخره الله تعالى إلى هذا الوقت المعلوم،
فصبرت محتسبا وقد أذن الله لي فيها باذنه يا جداه. فيقول رسول الله صلى الله عليه
وآله: الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الأرض نتبوء من الجنة حيث نشاء فنعم أجر
العاملين " (2) ويقول " جاء نصر الله والفتح " وحق
قال السيد الطباطبائي في عروة الوثقى (628
ط دار الكتب الاسلامية): والاقوى عدم وجوب دية النطفة عليه - اي من عزل نطفته - وان
قلنا بالحرمة، وقيل بوجوبها عليه للزوجة وهي عشرة دنانير للخبر الوارد فيمن افزع
رجلا عن عرسه فعزل عنها الماء، من وجوب نصف خمس المائة عشرة دنانير عليه، لكنه في
غير ما نحن فيه ولا وجه للقياس عليه مع أنه مع الفارق. (2) الزمر، 74. وبعده مأخوذ
من أول سورة النصر.
[33]
قول الله سبحانه وتعالى " هو الذي أرسل
رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (1) ويقرأ " إنا
فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك،
ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا " (2). فقال المفضل يا مولاي أي ذنب
كان لرسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقال الصادق عليه السلام: يا مفضل إن رسول
الله صلى الله عليه وآله قال: اللهم حملني ذنوب شيعة أخي وأولادي الأوصياء ما تقدم
منها وما تأخر إلى يوم القيامة، ولا تفضحني بين النبيين والمرسلين من شيعتنا فحمله
الله إياها وغفر جميعها (3) قال المفضل: فبكيت بكاء طويلا وقلت: يا سيدي هذا بفضل
الله علينا فيكم قال الصادق عليه السلام: يا مفضل ما هو إلا أنت وأمثالك بلى يا
مفضل لا تحدث بهذا الحديث أصحاب الرخص من شيعتنا فيتكلون على هذا الفضل، ويتركون
العمل فلا يغني عنهم من الله شيئا لأنا كما قال الله تبارك وتعالى فينا " لا يشفعون
إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون " (4). قال المفضل: يا مولاي فقوله " ليظهره على
الدين كله " ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله ظهر على الدين كله ؟ قال: يا مفضل
لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله ظهر على الدين كله ما كانت مجوسية ولا يهودية
ولا صابئية ولا نصرانية، ولا فرقة ولا خلاف ولا شك
(1) براءة: 34، الصف: 9. (2) الفتح: 31.
(3) هذا من عقائد الغلاة، فانهم كانوا يعتقدون أن كل من والى الائمة عليهم السلام
جاز لهم ترك العبادة اتكالا على ذلك، وكان أصحابنا القدماء يمتحنون من رمى بالغلو
في أوقات الصلاة قال النجاشي ص 253 في محمد بن أورمة أبو جعفر القمى ذكره القميون
وغمزوا عليه ورموه بالغلو حتى دس عليه من يفتك به فوجدوه يصلى من أول الليل إلى
آخره فتوقفوا عنه. (4) الانبياء: 28.
[34]
ولا شرك، ولا عبدة أصنام، ولا أوثان، ولا
اللات والعزى، ولا عبدة الشمس والقمر، ولا النجوم، ولا النار ولا الحجارة، وإنما
قوله " ليظهره على الدين كله " في هذا اليوم وهذا المهدي وهذه الرجعة، وهو قوله "
وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " (1). فقال المفضل: أشهد أنكم من
علم الله علمتم، وبسلطانه وبقدرته قدرتم وبحكمه نطقتم، وبأمره تعملون. ثم قال
الصادق عليه السلام: ثم يعود المهدي عليه السلام إلى الكوفة، وتمطر السماء بها
جرادا من ذهب، كما أمطره الله في بني إسرائيل على أيوب، ويقسم على أصحابه كنوز
الأرض من تبرها ولجينها وجوهرها. قال المفضل: يا مولاي من مات من شيعتكم وعليه دين
لاخوانه ولأضداده كيف يكون ؟ قال الصادق عليه السلام: أول ما يبتدئ المهدي عليه
السلام أن ينادي في جميع العالم: ألا من له عند أحد من شيعتنا دين فليذكره حتى يرد
الثومة والخردلة فضلا عن القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والأملاك فيوفيه إياه.
قال المفضل: يا مولاي ثم ماذا يكون ؟ قال: يأتي القائم عليه السلام بعد أن يطأ شرق
الأرض وغربها، الكوفة ومسجدها، ويهدم المسجد الذي بناه يزيد بن معاوية لعنه الله
لما قتل الحسين بن علي عليه السلام، و [هو] مسجد ليس لله ملعون ملعون من بناه. قال
المفضل: يا مولاي فكم تكون مدة ملكه عليه السلام ؟ فقال: قال الله عزوجل " فمنهم
شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت
السموات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة
خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ " (2) والمجذوذ
المقطوع أي عطاء غير مقطوع عنهم، بل هو دائم أبدا، وملك
(1) الانفال: 38. (2) هود: 105 - 108.
[35]
لا ينفد، وحكم لا ينقطع، وأمر لا يبطل إلا
باختيار الله ومشيته وإرادته، التي لا يعلمها إلا هو، ثم القيامة وما وصفه الله
عزوجل في كتابه. والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد النبي وآله
الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا كثيرا. اقول: روى الشيخ حسن بن سليمان في كتاب
منتخب البصائر هذا الخبر هكذا: حدثني الأخ الرشيد محمد بن إبراهيم بن محسن الطار
آبادي أنه وجد بخط أبيه الرجل الصالح إبراهيم بن محسن هذا الحديث الآتي ذكره،
وأراني خطه وكتبته منه، وصورته: الحسين بن حمدان، وساق الحديث كما مر إلى قوله
لكأني أنظر إليهم على البراذين الشهب بأيديهم الحراب، يتعاوون شوقا إلى الحرب كما
تتعاوى الذئاب أميرهم رجل من بني تميم يقال له: شعيب بن صالح، فيقبل الحسين عليه
السلام فيهم وجهه كدائرة القمر، يروع الناس جمالا فيبقى على أثر الظلمة فيأخذ سيفه
الصغير والكبير، والعظيم والوضيع. ثم يسير بتلك الرايات كلها حتى يرد الكوفة، وقد
جمع بها أكثر أهل الأرض يجعلها له معقلا، ثم يتصل به وبأصحابه خبر المهدي فيقولون
له: يا ابن رسول الله من هذا الذي نزل بساحتنا ؟ فيقول الحسين عليه السلام: اخرجوا
بنا إليه حتى تنظروا من هو وما يريد ؟ وهو يعلم والله أنه المهدي عليه السلام وإنه
ليعرفه، وإنه لم يرد بذلك الأمر إلا الله، فيخرج الحسين عليه السلام وبين يديه
أربعة آلاف رجل في أعناقهم المصاحف، وعليهم المسوح، مقلدين بسيوفهم، فيقبل الحسين
عليه السلام حتى ينزل بقرب المهدي عليه السلام فيقول: سائلوا عن هذا الرجل من هو
وماذا يريد ؟ فيخرج بعض اصحاب الحسين عليه السلام إلى عسكر المهدي عليه السلام
فيقول: أيها العسكر الجائل من أنتم حياكم الله ؟ ومن صاحبكم هذا ؟ وماذا يريد ؟
فيقول أصحاب المهدي عليه السلام: هذا مهدي آل محمد عليه وعليهم السلام، ونحن أنصاره
من الجن والإنس والملائكة. ثم يقول الحسين عليه السلام: خلوا بيني وبين هذا فيخرج
إليه المهدي عليه السلام فيقفان
[36]
بين العسكرين، فيقول الحسين عليه السلام:
إن كنت مهدي آل محمد صلى الله عليه وآله فأين هراوة جدي رسول الله صلى الله عليه
وآله، وخاتمه، وبردته، ودرعه الفاضل، وعمامته السحاب وفرسه، وناقته العضباء، وبغلته
دلدل، وحماره يعفور، ونجيبه البراق، وتاجه والمصحف الذي جمعه أمير المؤمنين عليه
السلام بغير تغيير ولا تبديل ؟ فيحضر له السفط الذي فيه جميع ما طلبه. وقال أبو عبد
الله عليه السلام: إنه كان كله في السفط، وتركات جميع النبيين حتى عصا آدم ونوح
عليهما السلام، وتركة هود وصالح عليهما السلام، ومجموع إبراهيم عليه السلام وصاع
يوسف عليه السلام، ومكيال شعيب عليه السلام وميزانه، وعصى موسى عليه السلام وتابوته
الذي فيه بقية ما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة، ودرع داود عليه السلام
وخاتمه، وخاتم سليمان عليه السلام وتاجه، ورحل عيسى عليه السلام، وميراث النبيين
والمرسلين في ذلك السفط. وعند ذلك يقول الحسين عليه السلام: يا ابن رسول الله !
أسألك أن تغرس هراوة رسول الله صلى الله عليه وآله في هذا الحجر الصلد وتسأل الله
أن ينبتها فيه، ولا يريد بذلك إلا أن يرى أصحابه فضل المهدي عليه السلام حتى يطيعوه
ويبايعوه، ويأخذ المهدي عليه السلام الهراوة فيغرسها فتنبت فتعلو وتفرع وتورق، حتى
تظل عسكر الحسين عليه السلام. فيقول الحسين عليه السلام: الله أكبر يا ابن رسول
الله، مد يدك حتى ابايعك فيبايعه الحسين عليه السلام وسائر عسكره إلا الأربعة آلاف
من أصحاب المصاحف والمسوح الشعر (1) المعروفون بالزيدية فانهم يقولون: ما هذا إلا
سحر عظيم. أقول: ثم ساق الحديث إلى قوله: إن أنصفتم من أنفسكم وأنصفتموه نحوا مما
مر ولم يذكر بعده شيئا. بيان: " الهود " التوبة والرجوع إلى الحق، وصبا يصبو: اي
مال وصبأ بالهمز أي خرج من دين إلى دين.
(1) المسوح: جمع مسح - بالكسر - ما يلبس
من نسيج الشعر على البدن تقشفا وقهرا للجسد، وكان فيما سبق ثوب الرهبان والمرتاضين
السياحين.
[37]
واعلم أن تاريخ الولادة مخالف لما مر
والمشهور أن سر من رأى بناها المعتصم ولعل المتوكل أتم بناءها وتعميرها فلذا نسبت
إليه، وقال الفيروز آبادي: سر من من رأى بضم السين والراء أي سرور وبفتحهما وبفتح
الأول وضم الثاني وسامرا ومده البحتري في الشعر أو كلاهما لحن وساء من رأى بلد، لما
شرع في بنائه المعتصم ثقل ذلك على عسكره فلما انتقل بهم إليها سر كل منهم برؤيتها
فلزمها هذا الاسم. قوله: " فبغير سنة القائم " لعل المعنى أن الحسين عليه السلام
كيف يظهر قبل القائم عليه السلام بغير سنته فأجاب عليه السلام بأن ظهوره بعد القائم
إذ كل بيعة قبله ضلالة. قوله عليه السلام " فها أنا ذا آدم " يعني في علمه وفضله
وأخلاقه التي بها تتبعونه وتفضلونه، وشحب لونه كجمع ونصر وكرم وعني تغير، قوله عليه
السلام " ويلزمهما إياه " أقول: العلة والسبب في إلزام ما تأخر عنهما من الآثام
عليهما ظاهر، لأنهما بمنع أمير المؤمنين عليه السلام عن حقه، ودفعه عن مقامه، صارا
سببين لاختفاء سائر الأئمة ومغلوبيتهم، وتسلط أئمة الجور وغلبتهم إلى زمان القائم
عليه السلام وصار ذلك سببا لكفر من كفر، وضلال من ضل، وفسق من فسق، لأن الامام مع
اقتداره واستيلائه وبسط يده يمنع من جميع ذلك، وعدم تمكن أمير المؤمنين صلوات الله
عليه من بعض تلك الامور في أيام خلافته إنما كان لما أسساه من الظلم والجور. وأما
ما تقدم عليهما، فلأنهما كانا راضيين بفعل من فعل مثل فعلهما من دفع خلفاء الحق عن
مقامهم، وما يترتب على ذلك من الفساد، ولو كانا منكرين لذلك لم يفعلا مثل فعلهم،
وكل من رضي بفعل فهو كمن أتاه، كما دلت عليه الآيات الكثيرة، حيث نسب الله تعالى
فعال آباء اليهود إليهم، وذمهم عليها لرضاهم بها وغير ذلك، واستفاضت به أخبار
الخاصة والعامة. على أنه لا يبعد أن يكون لأرواحهم الخبيثة مدخلا في صدور تلك
الامور عن الأشقياء كما أن أرواح الطيبين من أهل بيت الرسالة، كانت مؤيدة للأنبياء
والرسل، معينة لهم في الخيرات، شفيعة لهم في رفع الكربات، كما مر في كتاب
[38]
الامامة. ومع صرف النظر عن جميع ذلك يمكن
أن يأول بأن المراد إلزام مثل فعال هؤلاء الأشقياء عليهما، وأنهما في الشقاوة مثل
جميعهم لصدور مثل أفعال الجميع عنهما. قوله: والمنادي من حول الضريح. أي أجيبوا
وانصروا أولاد الرسول صلى الله عليه وآله الملهوفين المنادين حول ضريح جدهم. قوله
عليه السلام " والخاف " أي الجبل المطيف بالدنيا، ولا يبعد أن يكون تصحيف القاف،
والجزل بالفتح ما عظم من الحطب ويبس، والركل الضرب بالرجل وكذا الرفس. قوله عليه
السلام: " لداعيها " أي للداعي فيها إلى الحق " ولا يجاب مناديها " أي المستغيث
فيها، و " لا يخالف واليها " أي يطاع والي تلك الفتنة في كل ما يريد والجحجاح السيد
قوله: " جوانبها " لعله بدل بعض، وكذا نظائره. قوله عليه السلام: قال الله عزوجل "
فمنهم شقي وسعيد " لعله عليه السلام فسر قوله تعالى " إلا ما شاء ربك " بزمان
الرجعة بأن يكون المراد بالجنة والنار، ما يكون في عالم البرزخ، كما ورد في خبر آخر
واستدل عليه السلام بها على أن هذا الزمان منوط بمشية الله كما قال تعالى، غير
معلوم للخلق على التعيين، وهذا أظهر الوجوه التي ذكروها في تفسير هذه الآية.
[39]
(29) (باب الرجعة) 1 - خص: سعد، عن ابن
عيسى وابن أبي الخطاب، عن البزنطي، عن حماد بن عثمان، عن محمد بن مسلم قال: سمعت
حمران بن أعين وأبا الخطاب يحدثان جميعا قبل أن يحدث أبو الخطاب ما أحدث (1) أنهما
سمعا أبا عبد الله عليه السلام يقول: أول من تنشق الأرض عنه ويرجع إلى الدنيا،
الحسين بن علي عليه السلام وإن الرجعة ليست بعامة، وهي خاصة لا يرجع إلا من محض
الايمان محضا أو محض الشرك محضا. 2 - خص: بهذا الإسناد، عن حماد، عن بكير بن أعين
قال: قال لي: من لا أشك فيه يعني أبا جعفر عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه
وآله وعليا سيرجعان. 3 - خص: بهذا الإسناد، عن حماد، عن الفضيل، عن أبي جعفر عليه
السلام قال: لا تقولوا الجبت والطاغوت، ولا تقولوا الرجعة، فان قالوا لكم فانكم قد
كنتم
(1) هو محمد بن مقلاس - أو مقلاص - الاسدي
الكوفي أبو إسماعيل يعرف بابن أبي زينب البراد - كان يبيع الابراد - من أصحاب أبي
عبد الله الصادق عليه السلام، كان مستقيم الطريقة، ثم انحرف وتحول غاليا فأحدث
القول بالوهية أبي عبد الله عليه السلام و أنه رسول منه، وقد كان يقول بأن الائمة
عليهم السلام أنبياء، يعرف أصحابه بالخطابية. ومما أحدث أنه كان يقول وقت فضيلة
المغرب من بعد سقوط الشفق، والحال أن سقوط الشفق آخر وقت الفضيلة باجماع المسلمين،
ترى تفصيل ذلك في الوسائل أبواب المواقيت باب 18. لكنه قد روى أصحابنا عنه أحاديث
كثيرة في حال استقامته، وهكذا قبلوا ما لم يختص بروايته في حال الانحراف قال الشيخ
في المدة: " فما يختص الغلاة بروايته، فان كانوا ممن عرف لهم حال استقامة وحال غلو،
عمل بما رووه في حال الاستقامة، وترك ما رووه في حال غلوهم، ولاجل ذلك عملت الطائفة
بما رواه أبو الخطاب محمد بن أبي زينب في حال استقامته ".
[40]
تقولون ذلك فقولوا: أما اليوم فلا نقول،
فان رسول الله صلى الله عليه وآله قد كان يتألف الناس بالمائة ألف درهم ليكفوا عنه،
فلا تتألفونهم بالكلام ؟ بيان: أي لا تسموا الملعونين بهذين الاسمين أو لا تتعرضوا
لهما بوجه. 4 - خص: بهذا الاسناد عن حماد، عن زرارة قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن هذه الامور العظام من الرجعة وأشباهها فقال: إن هذا الذي تسألون عنه لم
يجئ أوانه، وقد قال الله عزوجل: " بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله
" (1). 5 - خص: سعد، عن ابن يزيد، وابن أبي الخطاب واليقطيني وإبراهيم بن محمد
جميعا، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن محمد بن الطيار، عن أبي عبد الله عليه
السلام في قول الله عزوجل: " ويوم نحشر من كل أمة فوجا " (2) فقال: ليس أحد من
المؤمنين قتل إلا سيرجع حتى يموت ولا أحد من المؤمنين مات إلا سيرجع حتى يقتل. 6 -
خص: سعد، عن ابن عيسى، عن الأهوازي، عن حماد بن عيسى عن الحسين بن المختار، عن أبي
بصير قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: ينكر أهل العراق الرجعة ؟ قلت: نعم، قال:
أما يقرؤن القرآن " ويوم نحشر من كل أمة فوجا " (3). 7 - خص: سعد، عن ابن عيسى، عن
البزنطي، عن الحسين بن عمر بن يزيد عن عمر بن أبان، عن ابن بكير، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: كأني بحمران بن أعين وميسر ابن عبد العزيز يخبطان الناس بأسيافهما
بين الصفا والمروة. 8 - خص: سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن عبد الله بن المغيرة، عمن
حدثه، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سئل عن قول الله عزوجل: "
ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم " (4) فقال: يا جابر أتدري ما سبيل الله ؟ قلت: لا
والله إلا إذا
(1) يونس: 39. (2) و (3) النمل: 83. (4)
آل عمران: 157.
[41]
سمعت منك فقال: القتل في سبيل علي عليه
السلام وذريته، فمن قتل في ولايته قتل في سبيل الله، وليس أحد يؤمن بهذه الآية إلا
وله قتلة وميتة، إنه من قتل ينشر حتى يموت، ومن مات ينشر حتى يقتل. شى: عن ابن
المغيرة مثله (1). بيان: لعل آخر الخبر تفسير لآخر الآية، وهو قوله: " ولئن متم أو
قتلتم لإلى الله تحشرون " (2) بأن يكون المراد بالحشر الرجعة (3). 9 - خص: سعد، عن
ابن عيسى، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن فيض بن أبي شيبة قال: سمعت أبا عبد
الله عليه السلام يقول: وتلا هذه الآية " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين " (4) الآية
قال: ليؤمنن برسول الله صلى الله عليه وآله ولينصرن عليا أمير المؤمنين عليه السلام
[قلت: ولينصرن أمير المؤمنين ؟] (5) قال عليه السلام: نعم والله من لدن آدم فهلم
جرا، فلم يبعث الله نبيا ولا رسولا إلا رد جميعهم إلى الدنيا حتى يقاتلوا بين يدي
علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام.
(1) تفسير العياشي ج 1 ص ؟ 206. (2) آل
عمران: 158. (3) بل المراد أن الترديد في قوله " لئن قتلتم في سبيل الله، أو متم "
ليس باعتبار التحليل إلى كل فرد، بمعنى أن بعضكم يقتل في سبيل الله، وبعضكم يموت،
كما فهمه العامة، بل باعتبار الحياتين: ففي احداهما تقتلون في سبيل الله - أو في
غير سبيل الله - وفي الاخرى تموتون، وهي الرجعة. ولما كان القتل في سبيل الله خاصا
ببعض هذه المقتولين، كرر القول عاما فقال في آخر الاية " ولئن متم أو قتلتم لالى
الله تحشرون "، وفي تقديم الموت على القتل تارة وتأخيره اخرى دلالة على أن هذه
الرجعة ثابتة، فإذا قتل، رجع حتى يموت، وإذا مات رجع حتى يقتل فتدبر. (4) آل عمران:
81. (5) ما بين العلامتين ساقط من الاصل المطبوع، أضفناه طبقا لتفسير العياشي ج 1 ص
181. فراجع.
[42]
شي: عن فيض بن أبي شيبة مثله. 10 - خص:
سعد، عن ابن [أبي] الخطاب، عن محمد بن سنان، عن عمار ابن مسروق، عن المنخل بن جميل،
عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزوجل " يا أيها المدثر قم
فأنذر " (1) يعني بذلك محمدا صلى الله عليه وآله وقيامه في الرجعة ينذر فيها وقوله
" إنها لإحدى الكبر نذيرا " (2) يعني محمدا صلى الله عليه وآله " نذيرا للبشر " في
الرجعة وفي قوله " إنا أرسلناك كافة للناس " (3) في الرجعة. 11 - خص: بهذا الاسناد،
عن أبي جعفر عليه السلام أن أمير المؤمنين صلوات الله عليه كان يقول: إن المدثر هو
كائن عند الرجعة فقال له رجل: يا أمير المؤمنين أحياة قبل القيامة ثم موت ؟ قال:
فقال له عند ذلك: نعم والله لكفرة من الكفر بعد الرجعة أشد من كفرات قبلها. 12 -
خص: سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن موسى بن سعدان، عن عبد الله بن القاسم الحضرمي، عن
عبد الكريم بن عمرو الخثعمي، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن إبليس
قال: " أنظرني إلى يوم يبعثون " (4) فأبى الله ذلك عليه " فقال إنك من المنظرين إلى
يوم الوقت المعلوم " فإذا كان يوم الوقت المعلوم، ظهر إبليس لعنه الله في جميع
أشياعه منذ خلق الله آدم إلى يوم الوقت المعلوم وهي آخر كرة يكرها أمير المؤمنين
عليه السلام فقلت: وإنها لكرات ؟ قال: نعم، إنها لكرات وكرات ما من إمام في قرن إلا
ويكر معه البر والفاجر في دهره حتى يديل الله المؤمن [من] الكافر. فإذا كان يوم
الوقت المعلوم كر أمير المؤمنين عليه السلام في أصحابه وجاء إبليس في أصحابه، ويكون
ميقاتهم في أرض من أراضي الفرات يقال له: الروحا قريب
(1) المدثر: 1 و 2. (2) المدثر: 36. (3)
يريد معنى قوله تعالى: " وما أرسلناك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا " السبأ: 28 لا
لفظه، فانه لا توجد في القرآن آية بهذا اللفظ. (4) الاعراف: 15 و 16.
[43]
من كوفتكم، فيقتتلون قتالا لم يقتتل مثله
منذ خلق الله عزوجل العالمين فكأني أنظر إلى أصحاب علي أمير المؤمنين عليه السلام
قد رجعوا إلى خلفهم القهقرى مائة قدم وكأني أنظر إليهم وقد وقعت بعض أرجلهم في
الفرات. فعند ذلك يهبط الجبار عزوجل في ظلل من الغمام، والملائكة، وقضي الأمر رسول
الله صلى الله عليه وآله أمامه بيده حربة من نور فإذا نظر إليه إبليس رجع القهقرى
ناكصا على عقبيه فيقولون له أصحابه: أين تريد وقد ظفرت ؟ فيقول: إني أرى ما لاترون
إني أخاف الله رب العالمين، فيلحقه النبي صلى الله عليه وآله فيطعنه طعنة بين
كتفيه، فيكون هلاكه وهلاك جميع أشياعه، فعند ذلك يعبد الله عزوجل ولا يشرك به شيئا
ويملك أمير المؤمنين عليه السلام أربعا وأربعين ألف سنة حتى يلد الرجل من شيعة علي
عليه السلام ألف ولد من صلبه ذكرا وعند ذلك تظهر الجنتان المدهامتان عند مسجد
الكوفة وما حوله له بما شاء الله. بيان: هبوط الجبار تعالى كناية عن نزول آيات
عذابه وقد مضى تأويل الآية المضمنة في هذا الخبر في كتاب التوحيد (1) وقد سبق
الرواية عن الرضا عليه السلام هناك أنها هكذا نزلت " إلا أن يأتيهم الله بالملائكة
في ظلل من الغمام " وعلى هذا يمكن أن يكون الواو في قوله " والملائكة " هنا زائدا
من النساخ. 13 - خص: بهذا الاسناد، عن عبد الله بن القاسم، عن الحسين بن أحمد
المنقري، عن يونس بن ظبيان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الذي يلي حساب
الناس قبل يوم القيامة الحسين بن علي عليهما السلام، فأما يوم القيامة فانما هو بعث
إلى الجنة وبعث إلى النار. 14 - خص: سعد، عن أيوب بن نوح والحسن بن علي بن عبد الله
معا، عن العباس بن عامر، عن سعيد، عن داود بن راشد، عن حمران، عن أبي جعفر عليه
السلام
(1) راجع ج 3 ص 319 من الطبعة الحديثة،
فنقل عن الطبرسي في قوله تعالى " هل ينظرون الا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام "
البقرة: 210، أنه قال: أي هل ينتظر هؤلاء المكذبون بآيات الله الا أن يأتيهم أمر
الله، أو عذاب الله، في ستر من السحاب وقيل معناه ما ينتظرون الا أن يأتيهم جلائل
آيات الله غير أنه ذكر نفسه تفخيما للايات.
[44]
قال: إن أول من يرجع لجاركم الحسين عليه
السلام فيملك حتى تقع حاجباه على عينيه من الكبر. خص: سعد، عن ابن عيسى وابن عبد
الجبار وأحمد بن الحسن بن فضال جميعا، عن الحسن بن فضال، عن أبي المغراء (1) عن
داود بن راشد مثله. 15 - خص: سعد، عن أحمد بن محمد السياري، عن أحمد بن عبد الله بن
قبيصة، عن أبيه، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل: "
يوم هم على النار يفتنون " (2) قال يكسرون في الكرة كما يكسر الذهب حتى يرجع كل شئ
إلى شبهه يعني إلى حقيقته. بيان: لعله إشارة إلى ما مر في الأخبار من المزج بين
الطينتين، أو المراد افتتانهم حتى يظهر حقائقهم. 16 - خص: سعد، عن اليقطيني، عن
القاسم، عن جده الحسن، عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: قال: لترجعن نفوس ذهبت
وليقتصن يوم يقوم ومن عذب يقتص بعذابه ومن أغيظ أغاظ بغيظه ومن قتل اقتص بقتله،
ويرد لهم أعداؤهم معهم، حتى يأخذوا بثأرهم، ثم يعمرون بعدهم ثلاثين شهرا ثم يموتون
في ليلة واحدة قد أدركوا ثأرهم، وشفوا أنفسهم، ويصير عدوهم إلى أشد النار عذابا. ثم
يوقفون بين يدي الجبار عزوجل فيؤخذ لهم بحقوقهم. 17 - خص: بهذا الاسناد عن الحسن بن
راشد، عن محمد بن عبد الله بن الحسين قال: دخلت مع أبي علي أبي عبد الله عليه
السلام فجرى بينهما حديث فقال أبي لأبي عبد الله عليه السلام: ما تقول في الكرة ؟
قال: أقول فيها ما قال الله عزوجل وذلك أن تفسيرها (3) صار إلى رسول الله قبل أن
يأتي هذا الحرف بخمسة وعشرين ليلة قول الله
(1) عنونه ابن داود في القسم الاول وضبطه
بالغين المعجمة والراء ممدود، مفتوح الميم، واسمه حميد - بالتصغير - بن المثنى
العجلى مولاهم الكوفي الصيرفي، من أصحاب أبي عبد الله وأبي الحسن عليهما السلام.
ثقة ثقة. (2) الذاريات: 13. (3) يعني تفسير الكرة.
[45]
عزوجل " تلك إذا كرة خاسرة " (1) إذا
رجعوا إلى الدنيا، ولم يقضوا ذحولهم فقال له أبي: يقول الله عزوجل " فانما هي زجرة
واحدة فإذا هم بالساهرة " أي شئ أراد بهذا ؟ فقال: إذا انتقم منهم وباتت (2) بقية
الأرواح ساهرة لا تنام ولا تموت. بيان: الذحول جمع الذحل، وهو طلب الثأر، ولعل
المعنى أنهم إنما وصفوا هذه الكرة بالخاسرة، لأنهم بعد أن قتلوا وعذبوا لم ينته
عذابهم، بل عقوبات القيامة معدة لهم، أو أنهم لا يمكنهم تدارك ما يفعل بهم من أنواع
القتل والعقاب. قوله عليه السلام: " ساهرة " لعل التقدير فإذا هم بالحالة الساهرة،
على الإسناد المجازي أو في جماعة ساهرة. قال البيضاوي: " قالوا: تلك إذا كرة خاسرة
" ذات خسران أو خاسر أصحابها، والمعنى أنها إن صحت فنحن إذا خاسرون لتكذيبنا بها،
وهو استهزاء منهم " فانما هي زجرة واحدة " متعلق بمحذوف، أي لا تستصعبوها فما هي
إلا صيحة واحدة يعني النفخة الثانية " فإذا هم بالساهرة " فإذا هم أحياء على وجه
الأرض، بعد ما كانوا أمواتا في بطنها و " الساهرة " الأرض البيضاء المستوية سميت
بذلك لأن السراب يجري فيها، من قولهم عين ساهرة للتي تجري ماؤها وفي ضدها نائمة أو
لأن سالكها يسهر خوفا وقيل اسم جهنم انتهى. أقول: على تأويله عليه السلام قولهم "
تلك إذا كرة خاسرة " كلامهم في الرجعة على التحقيق لا في الحياة الاولى على
الاستهزاء. 18 - خص: سعد، عن جماعة من أصحابنا، عن ابن أبي عثمان وإبراهيم ابن
إسحاق، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
قول الله عزوجل " وجعلكم أنبياء وجعلكم ملوكا " (3) فقال: الأنبياء رسول الله
(1) النازعات: 12 - 14. (2) في الاصل
المطبوع: " ماتت " وهو تصحيف ظاهر. (3) يريد معنى قوله: " اذكروا نعمة الله عليكم
إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا " المائدة: 20.
[46]
وإبراهيم وإسماعيل وذريته، والملوك الأئمة
عليهم السلام. قال: فقلت: وأي ملك أعطيتم ؟ فقال: ملك الجنة، وملك الكرة. 19 - خص:
سعد، عن ابن عيسى، عن الأهوازي ومحمد البرقي، عن النضر عن يحيى الحلبي، عن المعلى
أبي عثمان، عن المعلى بن خنيس قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: أول من يرجع
إلى الدنيا، الحسين بن علي عليه السلام فيملك حتى يسقط حاجباه على عينيه من الكبر،
قال: فقال أبو عبد الله عليه السلام: في قول الله عز وجل " إن الذي فرض عليك القرآن
لرادك إلى معاد " (1) قال: نبيكم صلى الله عليه وآله راجع إليكم. 20 - خص: من كتاب
الواحدة روى عن محمد بن الحسن بن عبد الله الأطروش عن جعفر بن محمد البجلي، عن
البرقي، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:
قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى أحد واحد، تفرد في وحدانيته
ثم تكلم بكلمة فصارت نورا ثم خلق من ذلك النور محمدا صلى الله عليه وآله وخلقني
وذريتي ثم تكلم بكلمة فصارت روحا فأسكنه الله في ذلك النور، وأسكنه في أبداننا فنحن
روح الله وكلماته، فبنا احتج على خلقه، فما زلنا في ظلة خضراء، حيث لا شمس ولا قمر
ولا ليل ولا نهار، ولا عين تطرف، نعبده ونقدسه ونسبحه، وذلك قبل أن يخلق الخلق وأخذ
ميثاق الأنبياء بالايمان والنصرة لنا، وذلك قوله عزوجل " وإذ أخذ الله ميثاق
النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جائكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه
" (2) يعني لتؤمنن بمحمد صلى الله عليه وآله ولتنصرن وصيه، وسينصرونه جميعا. وإن
الله أخذ ميثاقي مع ميثاق محمد صلى الله عليه وآله بالنصرة بعضنا لبعض، فقد نصرت
محمدا وجاهدت بين يديه، وقتلت عدوه، ووفيت لله بما أخذ علي من الميثاق والعهد،
والنصرة لمحمد صلى الله عليه وآله ولم ينصرني أحد من أنبياء الله ورسله، وذلك لما
قبضهم الله إليه، وسوف ينصرونني، ويكون لي ما بين مشرقها إلى مغربها
(1) القصص: 85. (2) آل عمران: 81. (*)
[47]
وليبعثن الله أحياء من آدم إلى محمد صلى
الله عليه وآله كل نبي مرسل، يضربون بين يدي بالسيف هام الأموات والأحياء والثقلين
جميعا. فيا عجبا وكيف لا أعجب من أموات يبعثهم الله أحياء يلبون زمرة زمرة
بالتلبية: لبيك لبيك يا داعي الله، قد تخللوا بسكك الكوفة، قد شهروا سيوفهم على
عواتقهم ليضربون بها هام الكفرة، وجبابرتهم وأتباعهم من جبارة الأولين والآخرين حتى
ينجز الله ما وعدهم في قوله عزوجل " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات
ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم
وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا " (1) أي يعبدونني آمنين
لا يخافون أحدا من عبادي ليس عندهم تقية. وإن لي الكرة بعد الكرة، والرجعة بعد
الرجعة، وأنا صاحب الرجعات والكرات، وصاحب الصولات والنقمات، والدولات العجيبات (2)
وأنا قرن من حديد، وأنا عبد الله وأخو رسول الله صلى الله عليه وآله. أنا أمين الله
وخازنه، وعيبة سره وحجابه ووجهه وصراطه وميزانه وأنا الحاشر إلى الله، وأنا كلمة
الله التي يجمع بها المفترق ويفرق بها المجتمع. وأنا أسماء الله الحسنى، وأمثاله
العليا، وآياته الكبرى، وأنا صاحب الجنة والنار، أسكن أهل الجنة الجنة، وأسكن أهل
[النار] النار، وإلي تزويج أهل الجنة وإلي عذاب أهل النار، وإلي إياب الخلق جميعا،
وأنا الاياب الذي يؤوب إليه كل شئ بعد القضاء، وإلي حساب الخلق جميعا، وأنا صاحب
(1) النور: 55. (2) قوله عليه السلام "
أنا صاحب الرجعات والكرات " أي الرجعات إلى الدنيا والدولة: الغلبة، أي أنا صاحب
الغلبة على أهل الغلبة في الحروب، أو المعنى أنه كان دولة كل ذي دولة من الانبياء
والاوصياء بسبب أنوارنا، أو كان غلبتهم على الاعادي بالتوسل بنا كما دلت عليه
الاخبار الكثيرة، أو المعنى أن لي علم كل كرة، وعلم كل دولة، منه رحمه الله.
[48]
الهبات، وأنا المؤذن على الأعراف، (1)
وأنا بارز الشمس، أنا دابة الأرض، وأنا قسيم النار (2) وأنا خازن الجنان وصاحب
الأعراف (3). وأنا أمير المؤمنين، ويعسوب المتقين، وآية السابقين، ولسان الناطقين،
وخاتم الوصيين، ووارث النبيين، وخليفة رب العالمين، وصراط ربي المستقيم، وفسطاطه
والحجة على أهل السماوات والأرضين، وما فيهما وما بينهما، وأنا الذي احتج الله به
عليكم في ابتداء خلقكم، وأنا الشاهد يوم الدين، وأنا الذي علمت علم المنايا
والبلايا والقضايا، وفصل الخطاب والأنساب، واستحفظت آيات النبيين المستخفين
المستحفظين. وأنا صاحب العصا والميسم (4)، وأنا الذي سخرت لي السحاب والرعد
(1) روى الصدوق في المعاني ص 59 باسناده
عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال خطب أمير المؤمنين بالكوفة منصرفه من
النهروان - وذكر الخطبة إلى أن قال فيها: وأنا المؤذن في الدنيا والاخرة قال الله
عزوجل " فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين " أنا ذلك المؤذن وقال " وأذان
من الله ورسوله " فأنا ذلك الاذان. (2) هذا هو الصحيح، وما يقوله المولدون: هو قسيم
النار والجنة، فمعنى غير ثابت في اللغة، فان " قسيم " انما هو بمعنى مقاسم قال في
الاساس: " وهو قسيمي: مقاسمى، وفي حديث علي عليه السلام: أنا قسيم النار " يعني أنه
يقول للنار: هذا الكافر لك وهذا المؤمن لي. لكن المولدين يطلقون القسيم ويريدون به
معنى مقسم، كما قال شاعرهم: علي حبه جنة * قسيم النار والجنة * وصي المصطفى حقا *
امام الانس والجنة. (3) اشارة إلى قوله تعالى " وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا
بسيماهم " فقد روى في المجمع عن الحاكم الحسكاني باسناده رفعه إلى الاصبغ بن نباتة
قال: كنت جالسا عند علي عليه السلام فأتاه ابن الكواء فسأله عن هذه الاية فقال:
ويحك يا بن الكواء نحن نقف يوم القيامة بين الجنة والنار فمن نصرنا عرفناه بسيماه
فأدخلناه الجنة، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار. (4) اشارة إلى انه صلوات
الله عليه دابة الارض، وقد روى الطبرسي في تفسيره ج 7 ص 347 والزمخشري في الكشاف ج
2 ص 370 عن حذيفة، عن النبي صلى الله =
[49]
والبرق، والظلم والأنوار، والرياح والجبال
والبحار، والنجوم والشمس والقمر أنا القرن الحديد (1) وأنا فاروق الامة، وأنا
الهادي وأنا الذي أحصيت كل شئ عددا بعلم الله الذي أودعنيه، وبسره الذي أسره إلى
محمد صلى الله عليه وآله وأسره النبي صلى الله عليه وآله إلي، وأنا الذي أنحلني ربي
اسمه وكلمته وحكمته وعلمه وفهمه. يا معشر الناس اسألوني قبل أن تفقدوني، اللهم إني
اشهدك واستعديك عليهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، والحمد لله متبعين
أمره. بيان: [" وإذ أخذ الله " قال البيضاوي قيل إنه على ظاهره وإذا كان هذا حكم
الأنبياء كان الامم به أولى وقيل: معناه أنه تعالى أخذ الميثاق من النبيين وأممهم
واستغنى بذكرهم عن ذكر أممهم، وقيل: إضافة الميثاق إلى النبيين إضافة إلى الفاعل
والمعنى إذ أخذ الله الميثاق الذي واثقه الأنبياء على أممهم، وقيل: المراد أولاد
النبيين على حذف المضاف وهم بنو إسرائيل أو سماهم نبيين تهكما لأنهم كانوا يقولون
نحن أولى بالنبوة من محمد لأنا أهل الكتاب والنبيون كانوا منا انتهى. وقال أكثر
المفسرين: النصرة البشارة للامم به ولا يخفى بعده وما في الخبر هو ظاهر الآية].
وقال الجزري: في حديث عمرو الاسقف قال: أجدك قرنا قال: قرن مه ؟ قال: قرن من حديد،
القرن: بفتح القاف الحصن. أقول: قد مر تفسير سائر أجزاء الخبر في كتاب أحوال أمير
المؤمنين عليه السلام (2).
= عليه وآله قال: " دابة الارض طولها ستون
ذراعا لا يدركها طالب، ولا يفوتها هارب فتسم المؤمن بين عينيه وتكتب " مؤمن " وتسم
الكافر بين عينيه وتكتب " كافر " ومعها عصا موسى وخاتم سليمان، فتجلو وجه المؤمن
بالعصا وتختم أنف الكافر بالخاتم، حتى يقال: يا مؤمن ويا كافر. (1) شبه عليه السلام
نفسه بالحصن من الحديد لمناعته ورزانته وحمايته للخلق، منه رحمه الله. (2) راجع ج
39 ص 335 - 353 من الطبعة الحديثة: باب ما بين من مناقب نفسه القدسية.
[50]
21 - شي: عن صالح بن ميثم، قال: سألت أبا
جعفر عن قول الله: " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا وكرها " (1) قال: ذلك حين
يقول علي عليه السلام أنا أولى الناس بهذه الآية " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا
يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون " إلى قوله "
كاذبين " (2). 22 - لي: ابن الوليد، عن الصفار، عن ابن عيسى، عن علي بن الحكم عن
عامر بن معقل، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال لي: يا با
حمزة لا تضعوا عليا دون ما وضعه الله، ولا ترفعوا عليا فوق ما رفعه الله، كفى بعلي
أن يقاتل أهل الكرة وأن يزوج أهل الجنة. ير: ابن عيسى مثله. خص: سعد، عن ابن عيسى،
عن علي بن النعمان، عن عامر بن معقل مثله. 23 - فس: أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن
مسكان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما بعث الله نبيا من لدن آدم فهلم جرا إلا
ويرجع إلى الدنيا وينصر أمير المؤمنين عليه السلام وهو قوله: " لتؤمنن به " (3)
يعني برسول الله صلى الله عليه وآله " ولتنصرن " أمير المؤمنين. 24 - فس: " وإن من
أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته ويوم القيمة يكون عليهم شهيدا " (4) فانه روي أن
رسول الله صلى الله عليه وآله إذا رجع آمن به الناس كلهم. قال: وحدثني أبي، عن
القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود المنقري عن أبي حمزة، عن شهر بن حوشب قال: قال
لي الحجاج: يا شهر ! آية في كتاب الله قد أعيتني فقلت: أيها الأمير أية آية هي ؟
فقال: قوله: " وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته " والله لأني لآمر
باليهودي والنصراني فتضرب عنقه، ثم
(1) آل عمران: 83. (2) النحل: 38 و 39
والحديث في المصدر ج 1 ص 183. (3) آل عمران: 81. (4) النساء: 158.
[51]
أرمقه بعيني فما أراه يحرك شفتيه حتى
يحمل، فقلت: أصلح الله الأمير ليس على ما تأولت، قال: كيف هو ؟ قلت: إن عيسى ينزل
قبل يوم القيامة إلى الدنيا فلا يبقى أهل ملة يهودي ولا غيره إلا آمن به قبل موته،
ويصلي خلف المهدي. قال: ويحك أنى لك هذا ؟ ومن أين جئت به ؟ فقلت: حدثني به محمد بن
علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فقال: جئت والله بها من عين صافية.
25 - فس: " بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله " (1) أي لم يأتهم
تأويله " كذلك كذب الذين من قبلهم " قال: نزلت في الرجعة كذبوا بها أي أنها لا تكون
ثم قال " ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين ". 26 - فس: "
ولو أن لكل نفس " ظلمت آل محمد حقهم " ما في الأرض جميعا لافتدت به " (2) في ذلك
الوقت يعني الرجعة. 27 - فس: " وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا " (3) سئل الإمام أبو
عبد الله عليه السلام عن قوله " ويوم نحشر من كل أمة فوجا " (4) قال: ما يقول الناس
فيها ؟ قلت: يقولون: إنها في القيامة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: أيحشر الله
في القيامة من كل أمة فوجا ويترك الباقين ؟ إنما ذلك في الرجعة فأما آية القيامة
فهذه " وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا " إلى قوله " موعدا ". 28 - فس: أحمد بن
إدريس، عن أحمد بن محمد، عن عمر بن عبد العزيز عن إبراهيم بن المستنير، عن معاوية
بن عمار قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قول الله " إن له معيشة ضنكا " (5)
قال: هي والله للنصاب، قال: جعلت فداك قد رأيناهم دهرهم الأطول في كفاية حتى ماتوا
؟ قال: ذاك والله في الرجعة، يأكلون العذرة.
(1) يونس: 39. (2) يونس: 54. (3) الكهف.
48. (4) النمل: 83. (5) طه: 124.
[52]
خص: سعد، عن أحمد بن محمد مثله. 29 - فس:
قوله: " وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون " (1) فانه حدثني أبي، عن ابن أبي
عمير، عن ابن سنان، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما
السلام قالا: كل قرية أهلك الله أهله بالعذاب لا يرجعون في الرجعة فهذه الآية من
أعظم الدلالة في الرجعة، لأن أحدا من أهل الاسلام لا ينكر أن الناس كلهم يرجعون إلى
القيامة، من هلك ومن لم يهلك، فقوله: " لا يرجعون " عني في الرجعة، فأما إلى
القيامة يرجعون حتى يدخلوا النار. بيان: قال الطبرسي: اختلف في معناه على وجوه:
أحدها أن " لا " مزيدة والمعنى حرام على قرية مهلكة بالعقوبة أن يرجعوا إلى [دار]
الدنيا، وقيل: إن معناه واجب عليها أنها إذا اهلكت لا ترجع إلى دنياها، قد جاء
الحرام بمعنى الواجب، وثانيها أن معناه حرام على قرية وجدناها هالكة بالذنوب أن
يتقبل منهم عمل لأنهم لا يرجعون إلى التوبة، وثالثها أن معناه حرام أن لا يرجعوا
بعد الممات بل يرجعون أحياء للمجازات ثم ذكر رواية محمد بن مسلم (2). 30 - فس: أبي،
عن ابن أبي عمير، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: انتهى رسول الله
صلى الله عليه وآله إلى أمير المؤمنين عليه السلام وهو نائم في المسجد قد جمع رملا
ووضع رأسه عليه، فحركه برجله، ثم قال: قم يا دابة الله فقال رجل من أصحابه: يا رسول
الله أنسمي بعضنا بعضا بهذا الاسم ؟ فقال: لا والله ما هو إلا له خاصة، وهو الدابة
التي ذكر الله في كتابه " وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن
الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون " (3) ثم قال: يا علي إذا كان آخر الزمان أخرجك الله
في أحسن صورة، ومعك ميسم تسم به أعداءك. فقال الرجل لأبي عبد الله عليه السلام: إن
العامة يقولون: هذه الآية إنما
(1) الانبياء: 95. (2) نقله ملخصا راجع ج
7 ص 63، من تفسير مجمع البيان. (3) النمل: 82 والحديث في المصدر ص 479 و 480.
[53]
تكلمهم ؟ (1) فقال أبو عبد الله: كلمهم
الله في نار جهنم إنما هو تكلمهم من الكلام والدليل على أن هذا في الرجعة قوله "
ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون حتى إذا جاؤا قال أكذبتم
بآياتي ولم تحيطوا بها علما أما ذا كنتم تعملون " (2) قال: الآيات أمير المؤمنين
والأئمة عليهم السلام فقال الرجل لأبي عبد الله عليه السلام: إن العامة تزعم أن
قوله: " ويوم نحشر من كل امة فوجا " عنى في القيامة فقال أبو عبد الله عليه السلام:
فيحشر الله يوم القيامة من كل أمة فوجا ويدع الباقين لا ولكنه في الرجعة وأما آية
القيامة " وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا " (3). حدثني أبي قال: حدثني ابن أبي عمير،
عن المفضل، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله " ويوم نحشر من كل أمة فوجا " قال:
ليس أحد من المؤمنين قتل إلا يرجع حتى يموت، ولا يرجع إلا من محض الايمان محضا أو
محض الكفر محضا. قال أبو عبد الله عليه السلام: قال رجل لعمار بن ياسر: يا أبا
اليقظان آية في كتاب الله قد أفسدت قلبي وشككتني ؟ قال عمار: وأية آية هي ؟ قال:
قول الله " وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا
بآياتنا لا يوقنون " (4) الآية فأية دابة هذه ؟ قال عمار: والله ما أجلس ولا آكل
ولا أشرب حتى اريكها. فجاء عمار مع الرجل إلى أمير المؤمنين وهو يأكل تمرا وزبدا
فقال: يا أبا اليقظان هلم فجلس عمار وأقبل يأكل معه، فتعجب الرجل منه، فلما قام
عمار قال الرجل: سبحان الله يا أبا اليقظان، حلفت أنك لا تأكل ولا تشرب ولا تجلس
حتى ترينيها ؟ قال عمار: قد أريتكها إن كنت تعقل. 31 - فس: " سيريكم آياته
فتعرفونها " (5) قال: أمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام إذا رجعوا يعرفهم أعداؤهم
إذا رأوهم والدليل على أن الآيات هم الأئمة قول
(1) يريد أنها من الكلم بمعنى الجرح. (2)
النمل: 83 و 84. (3) الكهف: 48. (4) النمل: 82: (5) النمل: 93. (*)
[54]
أمير المؤمنين صلوات الله عليه " ما لله
آية أعظم مني " فإذا رجعوا إلى الدنيا يعرفهم أعداؤهم إذا رأوهم في الدنيا. 32 -
فس: " طسم تلك آيات الكتاب المبين " ثم خاطب نبيه صلى الله عليه وآله فقال: " نتلوا
عليك " يا محمد " من نبأ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون إن فرعون علا في الأرض وجعل
أهلها شيعا يستضعف طائفة - إلى قوله - يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم إنه كان من
المفسدين " (1) أخبر الله نبيه بما نال موسى وأصحابه من فرعون من القتل والظلم،
ليكون تعزية له فيما يصيبه في أهل بيته من امته. ثم بشره بعد تعزيته أنه يتفضل
عليهم بعد ذلك ويجعلهم خلفاء في الأرض وأئمة على امته، ويردهم إلى الدنيا مع
أعدائهم حتى ينتصفوا منهم، فقال: " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض
ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما "
وهم الذين غصبوا آل محمد حقهم وقوله " منهم " أي من آل محمد " ما كانوا يحذرون " أي
من القتل والعذاب. ولو كانت هذه الآية نزلت في موسى وفرعون لقال ونري فرعون وهامان
وجنودهما منه ما كانوا يحذرون أي من موسى ولم يقل منهم. فلما تقدم قوله " ونريد أن
نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة " علمنا أن المخاطبة للنبي صلى الله
عليه وآله، وما وعد الله رسوله فانما يكون بعده والأئمة يكونون من ولده وإنما ضرب
الله هذا المثل لهم في موسى وبني إسرائيل وفي أعدائهم بفرعون وجنوده. فقال: إن
فرعون قتل بني إسرائيل وظلم، فأظفر الله موسى بفرعون وأصحابه حتى أهلكهم الله،
وكذلك أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله أصابهم من أعدائهم القتل والغصب، ثم
يردهم الله ويرد أعداءهم إلى الدنيا حتى يقتلوهم. وقد ضرب أمير المؤمنين صلوات الله
عليه في أعدائه مثلا مثل ما ضربه الله لهم في أعدائهم بفرعون وهامان، فقال: أيها
الناس إن أول من بغى على الله عزوجل
(1) القصص: 1 - 6.
[55]
على وجه الأرض عناق بنت آدم عليه السلام
(1) خلق الله لها عشرين أصبعا في كل أصبع منها ظفران طويلان كالمنجلين العظيمين
وكان مجلسها في الأرض موضع جريب فلما بغت بعث الله لها أسدا كالفيل، وذئبا كالبعير،
ونسرا كالحمار، وكان ذلك في الخلق الأول فسلطهم الله عليها فقتلوها، ألا وقد قتل
الله فرعون وهامان، وخسف بقارون، وإنما هذا مثل لأعدائه الذين غصبوا حقه فأهلكهم
الله. ثم قال علي صلوات الله عليه على أثر هذا المثل الذي ضربه: وقد كان لي حق حازه
دوني من لم يكن له، ولم أكن اشركه فيه، ولا توبة له إلا بكتاب منزل أو برسول مرسل،
وأنى له بالرسالة بعد محمد صلى الله عليه وآله ولا نبي بعد محمد، فأنى يتوب وهم في
برزخ القيامة، غرته الأماني وغره بالله الغرور، قد أشفى على جرف هار فانهار في نار
جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين. وكذلك مثل القائم عليه السلام في غيبته وهربه
واستتاره، مثل موسى عليه السلام خائف مستتر إلى أن يأذن الله في خروجه، وطلب حقه
وقتل أعدائه، في قوله " اذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير
الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق " (2) وقد ضرب بالحسين بن علي صلوات الله عليهما
مثلا في بني إسرائيل بادالتهم من أعدائهم حيث قال علي بن الحسين عليهما السلام
لمنهال بن عمرو: أصبحنا في قومنا مثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءنا
ويستحيون نساءنا (3). بيان: الخبر الأخير أوردناه في أحوال الحسين عليه السلام
وقوله " فلما تقدم " استدلال على أن المراد بفرعون وهامان وجنوده أبو بكر وعمر
وأتباعهما لأن الله تعالى ذكر سابقا عليه " ونريد أن نمن " وهذا وعد وظاهره عدم
تحقق الموعود بعد.
(1) ترى مثل هذا الحديث في اصول الكافي ج
2 ص 327 باب البغي وصدر الحديث: أيها الناس أن البغي يقود أصحابه إلى النار وان أول
من بغى على الله الخ. (2) الحج: 39. (3) اشارة إلى قوله تعالى في القصص: 4: ان
فرعون علا في الارض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحيى نساءهم
انه كان من المفسدين.
[56]
33 - فس: أبي، عن النضر، عن يحيى الحلبي،
عن عبد الحميد الطائي عن أبي خالد الكابلي، عن علي بن الحسين عليهما السلام في
قوله: " إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد " (1) قال: يرجع إليكم نبيكم صلى
الله عليه وآله. 34 - فس: " ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر " (2)
قال: العذاب الأدنى عذاب الرجعة بالسيف، ومعنى قوله " لعلهم يرجعون " أي يرجعون في
الرجعة حتى يعذبوا. 35 - فس: " فإذا نزل بساحتهم فساء صباح المنذرين " (3) يعني
العذاب إذا نزل ببني أمية وأشياعهم في آخر الزمان. 36 - فس: " ربنا أمتنا اثنتين
وأحييتنا اثنتين " إلى قوله " من سبيل " (4) قال الصادق عليه السلام: ذلك في
الرجعة. بيان: أي أحد الإحيائين في الرجعة والآخر في القيامة، وإحدى الإماتتين في
الدنيا والاخرى في الرجعة، وبعض المفسرين صححوا التثنية بالاحياء في القبر للسؤال
والاماتة فيه، ومنهم من حمل الاماتة الاولى على خلقهم ميتين ككونهم نطفة. 37 - فس:
قال علي بن إبراهيم في قوله " ويريكم آياته " يعني أمير المؤمنين والأئمة صلوات
الله عليهم في الرجعة " فإذا رأوهم قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين
" (5) أي جحدنا بما أشركناهم " فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي
قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ". 38 - فس: " وجعلها كلمة باقية في عقبه
لعلهم يرجعون " (6) يعني فانهم يرجعون يعني الأئمة إلى الدنيا.
(1) القصص: 85. (2) السجدة: 21. (3)
الصافات: 177. (4) المؤمن: 11. (5) المؤمن: 84 و 85. (6) الزخرف: 28.
[57]
39 - فس: " فارتقب " أي اصبر " يوم تأتي
السماء بدخان مبين " (1) قال: ذلك إذا خرجوا في الرجعة من القبر تغشى الناس كلهم
الظلمة فيقولوا هذا عذاب أليم " ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون " فقال الله ردا
عليهم " أنى لهم الذكرى " في ذلك اليوم " وقد جائهم رسول مبين " أي رسول قد بين لهم
" ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون ". قال: قالوا ذلك لما نزل الوحي على رسول الله
صلى الله عليه وآله وأخذه الغشي فقالوا: هو مجنون ثم قال: " إنا كاشفوا العذاب
قليلا إنكم عائدون " يعني إلى القيامة ولو كان قوله " يوم تأتي السماء بدخان مبين "
في القيامة، لم يقل إنكم عائدون لأنه ليس بعد الآخرة والقيامة حالة يعودون إليها ثم
قال: " يوم نبطش البطشة الكبرى " يعني في القيامة " إنا منتقمون ". بيان: قال
الطبرسي ره إن رسول الله صلى الله عليه وآله دعا على قومه لما كذبوه فقال: اللهم
سنينا كسني يوسف (2) فأجدبت الأرض، فأصابت قريشا المجاعة وكان الرجل لما به من
الجوع يرى بينه وبين السماء كالدخان، وأكلوا الميتة والعظام، ثم جاؤا إلى النبي صلى
الله عليه وآله فسأل الله لهم فكشف عنهم وقيل إن الدخان
(1) الدخان: 10 - 14. (2) ذكره الطبرسي في
ج 8 ص 62 بهذا اللفظ، والصحيح " اللهم سنين كسنى يوسف " وبعده " اللهم اشدد وطأتك
على مضر " وقد روى مثل ذلك في الدر المنثور ج 6 ص 28 وهكذا رواه البخاري في صحيحه ج
3 ص 183 في تفسير سورة الدخان ولفظه " اللهم أعنى عليهم بسبع كسبع يوسف " ورواه أبو
داود في سننه ج 1 ص 333 باب القنوت في الصلاة و لفظه: " اللهم اشدد وطأتك على مضر،
اللهم اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف ". وكيف كان الحديث متفق عليه كما في مشكاة
المصابيح ص 113، ولكن يبقى شئ وهو أن مكة واد غير ذي زرع، وانما قريش أهل تجارة:
رحلة الشتاء والصيف، فكيف يتصور فيهم أنه أجدبت الارض، الا أن يجدب أراضي متجرهم
وهي الشام واليمن والطائف بدعائه صلوات الله على قريش ! فتدبر.
[58]
من أشراط الساعة تدخل في مسامع الكفار
والمنافقين، وهو لم يأت بعد، وإنه يأتي قبل قيام الساعة، فيدخل أسماعهم حتى أن
رؤسهم تكون كالرأس الحنيذ ويصيب المؤمن منه مثل الزكمة، وتكون الأرض كلها كبيت اوقد
فيه، ليس فيه خصاص، ويمكث ذلك أربعين يوما. 40 - فس: قال علي بن إبراهيم في قوله "
يوم تشقق الأرض عنهم سراعا " (1) قال: في الرجعة. 41 - فس: " حتى إذا رأوا ما
يوعدون " (2) قال: القائم وأمير المؤمنين عليه السلام في الرجعة " فسيعلمون من أضعف
ناصرا وأقل عددا " قال: هو قول أمير المؤمنين لزفر: والله يا ابن صهاك لولا عهد من
رسول الله وكتاب من الله سبق لعلمت أينا أضعف ناصرا وأقل عددا قال: فلما أخبرهم
رسول الله ما يكون من الرجعة قالوا: متى يكون هذا ؟ قال الله قل يا محمد " إن أدري
أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا " وقوله " عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا
إلا من ارتضى من رسول فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا " قال: يخبر الله رسوله
الذي يرتضيه بما كان قبله من الأخبار، وما يكون بعده من أخبار القائم عليه السلام:
والرجعه والقيامة. 42 - فس: جعفر بن أحمد، عن عبيدالله بن موسى، عن الحسن بن علي بن
أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير في قوله " فما له من قوة ولا ناصر " (3) قال: ما له
قوة يقوى بها على خالقه، ولا ناصر من الله ينصره إن أراد به سوءا، قلت: إنهم يكيدون
كيدا " قال: كادوا رسول الله صلى الله عليه وآله وكادوا عليا عليه السلام وكادوا
فاطمة عليها السلام فقال الله يا محمد " إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين
" يا محمد " أمهلهم رويدا " لوقد بعث القائم عليه السلام فينتقم لي من الجبارين
والطواغيت من قريش
(1) ق: 44. (2) الجن: 24 - 27. (3)
الطارق: 10 وبعده: 15 - 17.
[59]
وبني امية وسائر الناس. 43 - فس: بالاسناد
المتقدم، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله " وللآخرة خير لك من
الاولى " (1) قال: يعني الكرة هي الآخرة للنبي صلى الله عليه وآله قلت: قوله "
ولسوف يعطيك ربك فترضى " قال: يعطيك من الجنة فترضى. 44 - كنز: روى الشيخ الطوسي
بإسناده عن الفضل بن شاذان يرفعه إلى بريدة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله لعلي: يا علي إن الله أشهدك معي سبعة مواطن وساق الحديث إلى أن قال:
والموطن السابع أنا نبقى حين لا يبقى أحد وهلاك الأحزاب بأيدينا. 45 - ن: تميم
القريشي، عن أبيه، عن أحمد الأنصاري، عن الحسن بن الجهم، قال: قال المأمون للرضا
عليه السلام: يا أبا الحسن ما تقول في الرجعة، فقال عليه السلام: إنها الحق قد كانت
في الامم السالفة ونطق بها القرآن، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يكون في
هذه الامة كل ما كان في الامم السالفة حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، وقال صلى
الله عليه وآله إذا خرج المهدي من ولدي نزل عيسى بن مريم عليهما السلام فصلى خلفه،
وقال صلى الله عليه وآله: إن الاسلام بدا غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء، قيل:
يا رسول الله ثم يكون ماذا ؟ قال: ثم يرجع الحق إلى أهله الخبر. 46 - مع: أبي، عن
سعد، عن البرقي، عن محمد بن علي الكوفي، عن سفيان، عن فراس، عن الشعبي قال: قال ابن
الكوا لعلي صلى الله عليه: يا أمير المؤمنين أرأيت قولك " العجب كل العجب بين جمادى
ورجب " قال: ويحك يا أعور ! هو جمع أشتات، ونشر أموات، وحصد نبات، وهنات بعد هنات،
مهلكات مبيرات لست أنا ولا أنت هناك. 47 - مع: ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن
محمد، عن عثمان بن عيسى عن صالح بن ميثم، عن عباية الأسدي قال: سمعت أمير المؤمنين
صلى الله عليه وآله
(1) الضحى: 4 و 5.
[60]
وهو مشنكى (1) وأنا قائم عليه، لأبنين
بمصر منبرا، ولأنقضن دمشق حجرا حجرا، ولاخرجن اليهود والنصارى من كل كور العرب
ولأسوقن العرب بعصاي هذه، قال: قلت له: يا أمير المؤمنين كأنك تخبر أنك تحيى بعد ما
تموت ؟ فقال: هيهات يا عباية ذهبت في غير مذهب يفعله رجل مني. قال الصدوق رضي الله
عنه: إن أمير المؤمنين عليه السلام اتقى عباية الأسدي في هذا الحديث واتقى ابن
الكوا في الحديث الأول لأنهما كانا غير محتملين لأسرار آل محمد صلى الله عليه وآله.
48 - كنز: محمد بن العباس، عن علي بن عبد الله، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن محمد
بن صالح بن مسعود، عن أبي الجارود، عمن سمع عليا عليه السلام يقول: " العجب كل
العجب بين جمادي ورجب " فقام رجل فقال: يا أمير المؤمنين ما هذا العجب الذي لا تزال
تعجب منه، فقال: ثكلتك امك وأي عجب أعجب من أموات يضربون كل عدو لله ولرسوله ولأهل
بيته، وذلك تأويل هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم
قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور " (2) فإذا اشتد القتل، قلتم:
مات أو هلك أو أي واد سلك، وذلك تأويل هذه الآية " ثم رددنا لكم الكرة عليهم
وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا (3). 49 - فس: أبي، عن ابن أبي عمير،
عن حماد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما يقول الناس في هذه الآية: " ويوم
نحشر من كل امة فوجا " (4) قلت: يقولون إنها في القيامة، قال: ليس كما يقولون، إن
ذلك في الرجعة أيحشر الله يوم القيامة من كل أمة فوجا ويدع الباقين ؟ إنما آية
القيامة قوله " وحشرناهم فلم
(1) في المصدر المطبوع ص 406 " مسجل "
وجعل " مشتمل " و " مشتكى " بدلا في الهامش، ولعل الصحيح " متكئ " من الاتكاء،
بقرينة قوله بعده: " وأنا قائم عليه ". (2) الممتحنة: 13. (3) أسرى: 6. (4) النمل:
83.
[61]
نغادر منهم أحدا (1). قال علي بن إبراهيم:
ومما يدل على الرجعة قوله " وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون " (2) فقال
الصادق عليه السلام: كل قرية أهلك الله أهلها بالعذاب لا يرجعون في الرجعة فأما إلى
القيامة فيرجعون، ومن محض الايمان محضا وغيرهم ممن لم يهلكوا بالعذاب، ومحضوا الكفر
محضا يرجعون. 50 - فس: أبي، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد
الله عليه السلام في قوله " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة
ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه " (3) قال: ما بعث الله نبيا من
لدن آدم إلا ويرجع إلى الدنيا فينصر أمير المؤمنين، وقوله: " لتؤمنن به " يعني رسول
الله صلى الله عليه وآله، " ولتنصرنه " يعني أمير المؤمنين عليه السلام. قال علي بن
إبراهيم: ومثله كثير مما وعد الله تعالى الأئمة عليهم السلام من الرجعة والنصر،
فقال " وعد الله الذين آمنوا منكم " يا معشر الأئمة " وعملوا الصالحات " (4) إلى
قوله " لا يشركون بي شيئا " فهذه مما يكون إذا رجعوا إلى الدنيا، وقوله: " ونريد أن
نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض
" فهذا كله مما يكون في الرجعة (5). 51 - فس: أبي، عن أحمد بن النضر، عن عمرو بن
شمر قال: ذكر عند أبي جعفر عليه السلام جابر فقال: رحم الله جابرا لقد بلغ من علمه
أنه كان يعرف تأويل هذه الآية " إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد " (6) يعني
الرجعة. 52 - يج: سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن ابن فضيل، عن سعد الجلاب عن جابر،
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال الحسين عليه السلام لأصحابه قبل أن يقتل: إن رسول
الله قال لي: يا بني إنك ستساق إلى العراق، وهي أرض قد التقى بها النبيون
(1) الكهف: 48. (2) الانبياء: 95. (3) آل
عمران 81. (4) النور: 55 (5) القصص: 5. (6) القصص: 85. (*)
[62]
وأوصياء النبيين، وهي أرض تدعى عمورا،
وإنك تستشهد بها، ويستشهد معك جماعة من أصحابك لا يجدون ألم مس الحديد، وتلا: "
قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم " (1) يكون الحرب بردا وسلاما عليك
وعليهم. فابشروا، فوالله لئن قتلونا فانا نرد على نبينا، قال: ثم أمكث ما شاء الله
فأكون أول من ينشق الأرض عنه، فأخرج خرجة يوافق ذلك خرجة أمير المؤمنين وقيام
قائمنا، ثم لينزلن علي وفد من السماء من عند الله، لم ينزلوا إلى الأرض قط ولينزلن
إلي جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، وجنود من الملائكة، ولينزلن محمد وعلي وأنا وأخي
وجميع من من الله عليه، في حمولات من حمولات الرب خيل بلق من نور لم يركبها مخلوق،
ثم ليهزن محمد لواءه وليدفعنه إلى قائمنا مع سيفه، ثم إنا نمكث من بعد ذلك ما شاء
الله، ثم إن الله يخرج من مسجد الكوفة عينا من دهن وعينا من ماء وعينا من لبن. ثم
إن أمير المؤمنين عليه السلام يدفع إلي سيف رسول الله صلى الله عليه وآله، ويبعثني
إلى المشرق والمغرب، فلا آتي على عدو لله إلا أهرقت دمه ولا أدع صنما إلا أحرقته
حتى أقع إلى الهند فأفتحها. وإن دانيال ويوشع يخرجان إلى أمير المؤمنين يقولان صدق
الله ورسوله ويبعث الله معهما إلى البصرة سبعين رجلا فيقتلون مقاتليهم ويبعث بعثا
إلى الروم فيفتح الله لهم. ثم لأقتلن كل دابة حرم الله لحمها حتى لا يكون على وجه
الأرض إلا الطيب وأعرض على اليهود والنصارى وسائر الملل: ولاخيرنهم بين الاسلام
والسيف فمن أسلم مننت عليه، ومن كره الاسلام أهرق الله دمه، ولا يبقى رجل من شيعتنا
إلا أنزل الله إليه ملكا يمسح عن وجهه التراب ويعرفه أزواجه ومنزلته في الجنة ولا
يبقى على وجه الأرض أعمى ولا مقعد ولا مبتلى، إلا كشف الله عنه بلاءه بنا أهل
البيت.
(1) الانبياء: 69.
[63]
ولينزلن البركة من السماء إلى الأرض حتى
أن الشجرة لتقصف بما يريد الله فيها من الثمرة، ولتأكلن ثمرة الشتاء في الصيف،
وثمرة الصيف في الشتاء، وذلك قوله تعالى " ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا لفتحنا
عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون " (1). ثم إن
الله ليهب لشيعتنا كرامة لا يخفى عليهم شئ في الأرض وما كان فيها حتى أن الرجل منهم
يريد أن يعلم علم أهل بيته فيخبرهم بعلم ما يعملون. خص: مما رواه لي السيد علي بن
عبد الكريم بن عبد الحميد الحسني بإسناده عن سهل مثله. ايضاح: " لتقصف " أي تنكسر
أغصانها لكثرة ما حملت من الثمار. 53 - خص: سعد، عن ابن أبي الخطاب وابن يزيد، عن
أحمد بن الحسن الميثمي (2) عن محمد بن الحسين، عن أبان بن عثمان، عن موسى الحناط
قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أيام الله ثلاثة: يوم يقوم القائم عليه
السلام، ويوم الكرة، ويوم القيامة. ل: العطار، عن سعد، عن ابن يزيد، عن محمد بن
الحسن الميثمي (3) عن مثنى الحناط، عن أبي جعفر عليه السلام مثله. مع: أبي: عن
الحميري، عن ابن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن المثنى مثله (4). 54 - خص: سعد، عن ابن
عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن رجل، عن
(1) الاعراف: 96. (2) لعله أحمد بن الحسن
بن اسماعيل بن شعيب بن ميثم الميثمى، واقفى لكنه روى عن الرضا عليه السلام وهو على
كل حال ثقة صحيح الحديث معتمد عليه له كتاب نوادر، روى عنه يعقوب بن يزيد وغيره،
راجع النجاشي ص 57. (3) هو محمد بن الحسن بن زياد الميثمى الاسدي مولاهم أبو جعفر
ثقة عين من أصحاب الرضا عليه السلام له كتاب روى عنه يعقوب بن يزيد. راجع النجاشي ص
281. (4) معاني الاخبار ص 366.
[64]
جميل بن دراج، عن المعلى بن خنيس وزيد
الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام قالا: سمعناه يقول: إن أول من يكر في الرجعة
الحسين بن علي عليهما السلام، ويمكث في الأرض أربعين سنة حتى يسقط حاجباه على
عينيه. 55 - خص: سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عن
المنخل بن جميل، عن جابر بن يزيد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ليس من مؤمن إلا
وله قتلة وموتة، إنه من قتل نشر حتى يموت، ومن مات نشر حتى يقتل. ثم تلوت على أبي
جعفر عليه السلام هذه الآية " كل نفس ذائقة الموت " (1) فقال: ومنشوره، قلت قولك "
ومنشوره " ما هو ؟ فقال: هكذا أنزل بها جبرئيل على محمد صلى الله عليه وآله " كل
نفس ذائفة الموت ومنشوره " ثم قال: ما في هذه الامة أحد بر ولا فاجر إلا وينشر، أما
المؤمنون فينشرون إلى قرة أعينهم، وأما الفجار فينشرون إلى خزي الله إياهم، ألم
تسمع أن الله تعالى يقول " ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر " (2)
وقوله " يا أيها المدثر قم فأنذر " يعني بذلك محمدا صلى الله عليه وآله قيامه في
الرجعة ينذر فيها، وقوله: " إنها لإحدى الكبر * نذيرا للبشر " يعني محمدا صلى الله
عليه وآله نذير للبشر في الرجعة. وقوله " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق
ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " (3) قال: يظهره الله عزوجل في الرجعة.
وقوله " حتى إذا فتحنا عليهم بابا ذا عذاب شديد " (4) هو علي بن أبي طالب صلوات
الله عليه إذا رجع في الرجعة. قال جابر: قال أبو جعفر عليه السلام: قال أمير
المؤمنين عليه السلام في قوله عزوجل: " ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين " (5)
قال: هو أنا إذا خرجت أنا وشيعتي
(1) آل عمران. 185، الانبياء: 35،
العنكبوت: 57. (2) السجدة: 21. (3) براءة: 34. (4) المؤمنون: 77. (5) الحجر: 2.
[65]
وخرج عثمان بن عفان وشيعته، ونقتل بني
امية، فعندها يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين. 56 - خص: سعد، عن ابن عيسى، عن علي
بن الحكم، عن ابن عميرة عن أبي داود، عن بريدة الأسلمي قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله: كيف أنت إذا استيأست امتي من المهدي فيأتيها مثل قرن الشمس يستبشر به
أهل السماء وأهل الأرض ؟ فقلت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله بعد الموت ؟ فقال:
والله إن بعد الموت هدى وإيمانا ونورا، قلت: يا رسول الله أي العمرين أطول ؟ قال:
الآخر بالضعف. بيان: قوله صلى الله عليه وآله: " إن بعد الموت " أي بعد موت سائر
الخلق لا المهدي. 57 - خص: سعد، عن ابن عيسى، عن عمر بن عبد العزيز، عن جميل بن
دراج، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: قول الله عزوجل " إنا لننصر رسلنا
والذين آمنوا في الحيوة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد " (1) قال: ذلك والله في الرجعة
أما علمت أن [في] أنبياء الله كثيرا لم ينصروا في الدنيا وقتلوا وأئمة قد قتلوا ولم
ينصروا فذلك في الرجعة قلت: " واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب * يوم يسمعون
الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج " (2) قال: هي الرجعة. فس: أحمد بن إدريس، عن ابن عيسى
مثله وفيه والأئمة من بعدهم قتلوا ولم ينصروا في الدنيا. بيان: لا يخفى أن هذا أظهر
مما ذكره المفسرون: إن النصر بظهور الحجة أو الانتقام لهم من الكفر في الدنيا
غالبا. 58 - خص: سعد، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى وابن أبي الخطاب جميعا،
عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن زرارة قال: كرهت أن أسأل أبا جعفر عليه السلام [في
الرجعة] فاحتلت مسألة لطيفة لأبلغ بها حاجتي منها فقلت: أخبرني عمن قتل مات ؟ قال:
لا، الموت موت، والقتل قتل، فقلت: ما أحد
(1) المؤمن: 51. (2) ق: 41.
[66]
[يقتل إلا مات، قال: فقال: يا زرارة ! قول
الله أصدق من] (1) قولك قد فرق بين القتل والموت في القرآن فقال عليه السلام: "
أفان مات أو قتل " (2) وقال: " لئن متم أو قتلتم لإلى الله تحشرون " (3) فليس كما
قلت يا زرارة الموت موت، والقتل قتل، وقد قال الله: عزوجل " إن الله اشترى من
المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا
عليه حقا " (4) قال: فقلت: إن الله عزوجل يقول: " كل نفس ذائقة الموت " (5) أفرأيت
من قتل لم يذق الموت ؟ فقال: ليس من قتل بالسيف كمن مات على فراشه، إن من قتل لا بد
أن يرجع إلى الدنيا حتى يذوق الموت. شي: عن زرارة مثله. 59 - خص: سعد، عن ابن أبي
الخطاب، عن الصفوان، عن الرضا عليه السلام قال: سمعته يقول في الرجعة: من مات من
المؤمنين قتل، ومن قتل منهم مات. 60 - خص: سعد، عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن
عيسى، عن ابن محبوب عن أبي جميلة، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: إنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله عن بطنين من قريش كلام تكلموا به، فقال:
يرى محمد أن لوقد قضى أن هذا الأمر يعود في أهل بيته من بعده، فاعلم رسول الله صلى
الله عليه وآله ذلك، فباح في مجمع من قريش بما كان يكتمه فقال: كيف أنتم معاشر قريش
وقد كفرتم بعدي ثم رأيتموني في كتيبة من أصحابي أضرب وجوهكم ورقابكم بالسيف. قال:
فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد قل إنشاء الله أو يكون ذلك علي ابن أبي طالب
عليه السلام إنشاء الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أو يكون ذلك علي بن أبي
طالب عليه السلام إنشاء الله تعالى فقال جبرئيل عليه السلام: واحدة لك، واثنتان
لعلي بن أبي طالب عليه السلام، وموعدكم السلام، قال أبان: جعلت فداك وأين السلام ؟
فقال عليه السلام:
(1) ما بين العلامتين ساقط من الاصل
المطبوع راجع العياشي ج 2 ص 112. (2) آل عمران: 144. (3) آل عمران: 157. (4) براءة:
112. (5) الانبياء: 35.
[67]
يا أبان السلام من ظهر الكوفة. 61 - خص:
سعد، عن ابن عيسى، عن اليقطيني، عن علي بن الحكم، عن المثنى بن الوليد، عن أبي
بصير، عن أحدهما عليهما السلام في قول الله عزوجل " ومن كان في هذه أعمى فهو في
الآخرة أعمى وأضل سبيلا " (1) قال: في الرجعة. شي: عن علي الحلبي، عن أبي بصير
مثله. 62 - خص: بهذا الاسناد، عن علي بن الحكم، عن رفاعة، عن عبد الله بن عطا، عن
أبي جعفر عليه السلام قال: كنت مريضا بمنى وأبي عليه السلام عندي فجاءه الغلام
فقال: ههنا رهط من العراقيين يسألون الإذن عليك فقال أبي عليه السلام: أدخلهم
الفسطاط وقام إليهم فدخل عليهم فما لبث أن سمعت ضحك أبي عليه السلام قد ارتفع
فأنكرت ووجدت في نفسي من ضحكه وأنا في تلك الحال. ثم عاد إلي فقال: يا أبا جعفر
عساك وجدت في نفسك من ضحكي، فقلت: وما الذي غلبك منه الضحك جعلت فداك ؟ فقال: إن
هؤلاء العراقيين سألوني عن أمر كان مضى من آبائك وسلفك، يؤمنون به ويقرون فغلبني
الضحك سرورا أن في الخلق من يؤمن به ويقر، فقلت: وما هو جعلت فداك ؟ قال: سألوني عن
الأموات متى يبعثون فيقاتلون الأحياء على الدين. خص: سعد، عن السندي بن محمد، عن
صفوان، عن رفاعة مثله. 63 - خص: بالإسناد، عن علي بن الحكم، عن حنان بن سدير، عن
أبيه قال: سألت أبا جعفر عن الرجعة فقال: القدرية تنكرها - ثلاثا. 64 - خص: سعد، عن
ابن أبي الخطاب، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبد الله عليه
السلام فقلت: إنا نتحدث أن عمر بن ذر لا يموت حتى يقاتل قائم آل محمد صلى الله عليه
وآله فقال: إن مثل ابن ذر مثل رجل كان في بني إسرائيل يقال له: عبد ربه، وكان يدعو
أصحابه إلى ضلالة، فمات فكانوا يلوذون بقبره ويتحدثون عنده: إذا خرج عليهم من قبره
ينفض التراب من رأسه ويقول لهم
(1) أسرى: 72، والحديث في العياشي ج 2 ص
306.
[68]
كيت وكيت. 65 - خص: سعد، عن ابن هشام، عن
البرقي، عن محمد بن سنان أو غيره عن عبد الله بن سنان قال: قال أبو عبد الله عليه
السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لقد أسرى بي ربي عزوجل فأوحى إلي من
وراء حجاب ما أوحى، وكلمني بما كلم به وكان مما كلمني به أن قال: يا محمد إني أنا
الله لا إله إلا أنا عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم إني أنا الله لا إله إلا
أنا الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما
يشركون، إني أنا الله لا إله إلا أنا الخالق البارئ المصور، لي الأسماء الحسنى،
يسبح لي من في السموات والأرض، وأنا العزيز الحكيم. يا محمد إني أنا الله لا إله
إلا أنا الأول فلا شئ قبلي، وأنا الآخر فلا شئ بعدي، وأنا الظاهر فلا شئ فوقي، وأنا
الباطن فلا شئ دوني، وأنا الله لا إله إلا أنا بكل شئ عليم. يا محمد ! علي أول ما
آخذ ميثاقه من الأئمة، يا محمد ! علي آخر من أقبض روحه من الأئمة، وهو الدابة التي
تكلمهم، يا محمد ! علي أظهره على جميع ما أوحيه إليك ليس لك أن تكتم منه شيئا، يا
محمد ابطنه الذي أسررته إليك فليس ما بيني وبينك سر دونه، يا محمد علي علي، ما خلقت
من حلال وحرام علي عليم به. بيان: قوله تعالى: " علي علي " الأول اسم والثاني صفة
أي هو عالي الشأن أو كلاهما اسمان وخبران لمبتدأ محذوف، كما يقال: هو فلان إذا كان
مشتهرا معروفا في الكمال. 66 - خص: من كتاب سليم بن قيس الهلالي رحمة الله عليه
الذي رواه عنه أبان بن أبي عياش، وقرأ جميعه على سيدنا علي بن الحسين عليهما السلام
بحضور جماعة أعيان من الصحابة منهم أبو الطفيل فأقره عليه زين العابدين عليه السلام
وقال: هذه أحاديثنا صحيحة قال أبان: لقيت أبا الطفيل بعد ذلك في منزله فحدثني في
الرجعة عن أناس من أهل بدر وعن سلمان والمقداد وابي بن كعب وقال
[69]
أبو الطفيل، فعرضت هذا الذي سمعته منهم
على علي بن أبي طالب سلام الله عليه بالكوفة فقال: هذا علم خاص لا يسع الامة جهله،
ورد علمه إلى الله تعالى ثم صدقني بكل ما حدثوني وقرأ علي بذلك قراءة كثيرة فسره
تفسيرا شافيا حتى صرت ما أنا بيوم القيامة أشد يقينا مني بالرجعة. وكان مما قلت: يا
أمير المؤمنين أخبرني عن حوض النبي صلى الله عليه وآله في الدنيا أم في الآخرة ؟
فقال: بل في الدنيا، قلت: فمن الذائد عنه ؟ فقال: أنا بيدي فليردنه أوليائي وليصرفن
عنه أعدائي، وفي رواية أخرى: ولاوردنه أوليائي ولأصرفن عنه أعدائي. فقلت: يا أمير
المؤمنين قول الله عزوجل " وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم
أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون " (1) ما الدابة ؟ قال: يا با الطفيل اله عن هذا
فقلت: يا أمير المؤمنين أخبرني به جعلت فداك، قال: هي دابة تأكل الطعام، وتمشي في
الأسواق، وتنكح النساء، فقلت: يا أمير المؤمنين من هو ؟ قال: هو زر الأرض (2) الذي
تسكن الأرض به، قلت: يا أمير المؤمنين من هو ؟ قال: صديق هذه الامة وفاروقها وربيها
وذوقرنيها قلت: يا أمير المؤمنين من هو ؟ قال: الذي قال الله تعالى " ويتلوه شاهد
منه، والذي عنده علم الكتاب والذي جاء بالصدق، والذي صدق به " (3) والناس كلهم
كافرون غيره. قلت: يا أمير المؤمنين فسمه لي قال: قد سميته لك يا أبا الطفيل والله
لو
(1) النمل: 82. (2) في الاصل المطبوع: رب
الارض، وهو تصحيف ظاهر، والمراد بالزر ما به قوام الشئ يقال: هو زر الدين، أي
قوامه. قال الجزرى: في حديث أبي ذر، قال يصف عليا " وانه لعالم الارض وزرها الذي
تسكن إليه " اي قوامها، وأصله من زر القلب، وهو عظيم صغير يكون قوام القلب به وأخرج
الهروي هذا الحديث عن سلمان. (3) اشارة إلى قوله تعالى في هود: 7، الرعد: 45،
الزمر: 33.
[70]
ادخلت على عامة شيعتي الذين بهم اقاتل،
الذين أقروا بطاعتي وسموني أمير المؤمنين واستحلوا جهاد من خالفني، فحدثتهم ببعض ما
أعلم من الحق في الكتاب الذي نزل به جبرئيل عليه السلام على محمد صلى الله عليه
وآله لتفرقوا عني حتى أبقى في عصابة من الحق قليلة أنت وأشباهك من شيعتي ففزعت
وقلت: يا أمير المؤمنين أنا وأشباهي متفرق عنك أو نثبت معك ؟ قال: بل تثبتون. ثم
أقبل علي فقال: إن أمرنا صعب مستصعب لا يعرفه ولا يقر به إلا ثلاثة ملك مقرب، أو
نبي مرسل، أو عبد مؤمن نجيب امتحن الله قلبه للايمان، يا أبا الطفيل إن رسول الله
صلى الله عليه وآله قبض فارتد الناس ضلالا وجهالا إلا من عصمه الله بنا أهل البيت.
ايضاح: قوله عليه السلام: " وربيها بكسر الراء إشارة إلى قوله تعالى " وكأين من نبي
قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا "
(1). وقال البيضاوي: أي ربانيون علماء أتقياء عابدون لربهم وقيل: جماعات منسوب إلى
الربة وهي الجماعة. أقول: رأيت في أصل كتاب سليم بن قيس مثله. 67 - شي: عن سلام بن
المستنير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لقد تسموا باسم ما سمى الله به أحدا إلا
علي بن أبي طالب، وما جاء تأويله، قلت: جعلت فداك متى يجئ تأويله ؟ قال: إذا جاءت
جمع الله أمامه النبيين والمؤمنين حتى ينصروه وهو قول الله " وإذ أخذ الله ميثاق
النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة " إلى قوله " أنا معكم من الشاهدين " (2) فيومئذ
يدفع رسول الله صلى الله عليه وآله اللواء إلى علي بن أبي طالب عليه السلام فيكون
أمير الخلائق كلهم أجمعين: يكون الخلائق كلهم تحت لوائه، ويكون هو أميرهم فهذا
تأويله.
(1) آل عمران: 146. (2) آل عمران: 81،
والحديث في العياشي ج 1 ص 181.
[71]
68 - شي: عن زرارة قال أبو جعفر عليه
السلام: " كل نفس ذائقة الموت " (1): لم يذق الموت من قتل، وقال: لا بد من أن يرجع
حتى يذوق الموت. 69 - شي: عن سيرين قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ قال:
ما يقول الناس في هذه الآية " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت "
قال: يقولون: لا قيامة ولا بعث ولا نشور، فقال: كذبوا والله إنما ذلك إذا قام
القائم وكر معه المكرون، فقال أهل خلافكم: قد ظهرت دولتكم يا معشر الشيعة وهذا من
كذبكم تقولون: رجع فلان وفلان لا والله لا يبعث الله من يموت، الا ترى أنهم قالوا:
" وأقسموا بالله جهد أيمانهم " ؟ كانت المشركون أشد تعظيما للات والعزى من أن
يقسموا بغيرها فقال الله: " بلى وعدا عليه حقا ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم
الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون (2).
70 - خص: سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن وهيب بن حفص، عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر
عليه السلام عن قول الله عزوجل " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن
لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون " (3) إلى آخر الآية فقال: ذلك في
الميثاق ثم قرأت " التائبون العابدون " فقال أبو جعفر عليه السلام: لا تقرأ هكذا
ولكن اقرء " التائبين العابدين " إلى آخر الآية. ثم قال: إذا رأيت هؤلاء فعند ذلك
هم الذين اشترى منهم أنفسهم وأموالهم يعني [في] الرجعة ثم قال أبو جعفر عليه
السلام: ما من مؤمن إلا وله ميتة وقتلة: من مات بعث حتى يقتل، ومن قتل بعث حتى
يموت.
(1) آل عمران: 185. راجع تفسير العياشي ج
1 ص 210. (2) النحل: 38 - 40. والحديث في تفسير العياشي ج 2 ص 260 واستظهر في
الهامش أن " سيرين " في سند الحديث مصحف عن " السرى " وهو مشترك بين جمع من أصحاب
الصادق عليه السلام. (3) براءة: 112 و 113. وترى الحديث في العياشي ج 2 ص 113.
[72]
شي: عن أبي بصير مثله. 71 - خص: سعد، عن
ابن عيسى وابن عبد الجبار، وأحمد بن الحسن ابن فضال جميعا، عن الحسن بن علي بن
فضال، عن حميد بن المثنى، عن شعيب الحذاء، عن أبي الصباح قال: سألت أبا جعفر عليه
السلام فقلت: جعلت فداك أكره أن اسميها له، فقال لي هو: عن الكرات تسألني ؟ فقلت:
نعم، فقال: تلك القدرة ولا ينكرها إلا القدرية، لا تنكره تلك القدرة لا تنكرها إن
رسول الله صلى الله عليه وآله أتى بقناع من الجنة عليه عذق يقال له سنة، فتناولها
رسول الله صلى الله عليه وآله سنة من كان قبلكم. بيان: قوله عليه السلام " تلك
القدرة " أي هذه من قدرة الله تعالى، ولا ينكرها إلا القدرية من المعتزلة الذين
ينكرون كثيرا من قدرة الله تعالى. " والقناع " بالكسر طبق من عسب النخل، وبعث هذا
كان لإعلام النبي صلى الله عليه وآله أنه يقع في أمته ما وقعت في الامم السابقة،
وقد وقعت الرجعة في الامم السابقة مرات شتى. 72 - خص: ابن عيسى، عن الحسن، عن
الحسين بن علوان، عن محمد بن داود العبدي، عن الأصبغ بن نباتة أن عبد الله بن أبي
بكر اليشكري قام إلى أمير المؤمنين سلام الله عليه فقال: يا أمير المؤمنين إن أبا
المعتمر تكلم آنفا بكلام لا يحتمله قلبي، فقال: وما ذاك ؟ قال: يزعم أنك حدثته أنك
سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إنا قد رأينا أو سمعنا برجل أكبر سنا من
أبيه ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: فهذا الذي كبر عليك ؟ قال: نعم فهل تؤمن
أنت بهذا وتعرفه ؟ فقال: نعم، ويلك يا ابن الكواء (1) افقه عني أخبرك عن ذلك إن
عزيرا خرج من أهله وامرأته في شهرها (2) وله يومئذ خمسون سنة، فلما ابتلاه الله
عزوجل بذنبه أماته مائة عام ثم بعثه، فرجع إلى أهله وهو ابن خمسين سنة، فاستقبله
ابنه وهو ابن مائة سنة ورد الله عزيرا [إلى] الذي كان به.
(1) كنية عبد الله ابن أبي بكر اليشكرى،
كان من الخوارج. (2) أي كانت حاملا وهي في شهر ولادتها، من قولهم أشهرت المرأة:
دخلت في شهر ولادتها.
[73]
فقال: ما تزيد ؟ فقال له أمير المؤمنين
عليه السلام: سل عما بدالك، قال: نعم إن اناسا من أصحابك يزعمون أنهم يردون بعد
الموت، فقال أمير المؤمنين عليه السلام نعم تكلم بما سمعت ولا تزد في الكلام، فما
قلت لهم ؟ قال: قلت: لا اؤمن بشئ مما قلتم، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام:
ويلك إن الله عزوجل ابتلى قوما بما كان من ذنوبهم فأماتهم قبل آجالهم التي سميت لهم
ثم ردهم إلى الدنيا ليستوفوا أرزاقهم، ثم أماتهم بعد ذلك. قال: فكبر على ابن الكوا
ولم يهتد له فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: ويلك تعلم أن الله عزوجل قال في
كتابه " واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا " (1) فانطلق بهم معه ليشهدوا له إذا
رجعوا عند الملاء من بني إسرائيل أن ربي قد كلمني فلو أنهم سلموا ذلك له، وصدقوا
به، لكان خيرا لهم، ولكنهم قالوا لموسى عليه السلام " لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة
" قال الله عز وجل " فأخذتهم الصاعقة وأنتم تنظرون * ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم
تشكرون " أترى يا ابن الكوا أن هؤلاء قد رجعوا إلى منازلهم بعد ما ماتوا ؟ فقال ابن
الكواء: وما ذاك ثم أماتهم فكأنهم، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: لا ويلك أو
ليس قد أخبر الله في كتابه حيث يقول: " وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن
والسلوى " (2) فهذا بعد الموت إذ بعثهم. وأيضا مثلهم يا ابن الكوا، الملا من بني
إسرائيل حيث يقول الله عزوجل " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر
الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم " (3) وقوله أيضا في عزير حيث أخبر الله عزوجل
فقال: " أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها فقال أنى يحيي هذه الله بعد
موتها فأماته الله " (4) وأخذه بذلك الذنب " مائة عام ثم بعثه " ورده إلى الدنيا ف
" قال كم لبثت " ؟ ف " قال لبثت يوما أو بعض يوم فقال بل لبثت مائة عام ".
(1) الاعراف: 155. (2) البقرة: 55 - 57.
(3) البقرة: 243. (4) البقرة: 259.
[74]
فلا تشكن يا ابن الكوا في قدرة الله
عزوجل. 73 - خص: سعد، عن ابن أبي الخطاب، عن أبي خالد القماط، عن عبد الرحمن
القصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قرأ هذه الآية " إن الله اشترى من المؤمنين
أنفسهم وأموالهم " (1) فقال: هل تدري من يعني ؟ فقلت: يقاتل المؤمنون فيقتلون
ويقتلون، فقال: لا ولكن من قتل من المؤمنين رد حتى يموت، ومن مات رد حتى يقتل، وتلك
القدرة فلا تنكرها. شي: عن عبد الرحيم مثله. 74 - خص: بهذا الاسناد، عن أبي خالد
القماط، عن حمران بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: كان في بني
إسرائيل شئ لا يكون ههنا مثله ؟ فقال: لا، فقلت: فحدثني عن قول الله عزوجل " ألم تر
إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم " (2)
حتى نظر الناس إليهم. ثم أماتهم من يومهم أوردهم إلى الدنيا ؟ فقال: بل ردهم إلى
الدنيا حتى سكنوا الدور، وأكلوا الطعام، ونكحوا النساء، ولبثوا بذلك ما شاء الله،
ثم ماتوا بالآجال. 75 - خص: سعد، عن ابن عيسى، عن اليقطيني، عن الحسين بن سفيان عن
عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن لعلي عليه
السلام في الأرض كرة مع الحسين ابنه صلوات الله عليهما يقبل برايته حتى ينتقم له من
بني أمية ومعاوية وآل معاوية ومن شهد حربه، ثم يبعث الله إليهم بأنصاره يومئذ من
أهل الكوفة ثلاثين ألفا ومن سائر الناس سبعين ألفا فيلقاهم بصفين مثل المرة الاولى
حتى يقتلهم، ولا يبقي منهم مخبرا، ثم يبعثهم الله عزوجل فيدخلهم أشد عذابه مع فرعون
وآل فرعون. ثم كرة اخرى مع رسول الله صلى الله عليه وآله حتى يكون خليفة في الأرض
وتكون
(1) براءة: 112، والحديث في العياشي ج 2 ص
114. (2) البقرة: 243.
[75]
الأئمة عليهم السلام عماله وحتى يبعثه
الله علانية، فتكون عبادته علانية في الأرض كما عبد الله سرا في الأرض. ثم قال: إي
والله وأضعاف ذلك - ثم عقد بيده أضعافا - يعطي الله نبيه صلى الله عليه وآله ملك
جميع أهل الدنيا منذ يوم خلق الله الدنيا إلى يوم يفنيها حتى ينجز له موعوده في
كتابه كما قال " ويظهره على الدين كله ولو كره المشركون " (1). 76 - خص: سعد، عن
موسى بن عمر، عن عثمان بن عيسى، عن خالد بن يحيى قال: قلت لأبي عبد الله عليه
السلام: سمى رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر صديقا ؟ فقال: نعم إنه حيث كان
معه أبو بكر في الغار قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إني لأرى سفينة بني عبد
المطلب تضطرب في البحر ضالة، فقال له أبو بكر: وإنك لتراها ؟ قال: نعم ! فقال: يا
رسول الله تقدر أن ترينيها ؟ فقال: ادن مني، فدنا منه فمسح يده على عينيه ثم قال
له: انظر فنظر أبو بكر فرأى السفينة تضطرب في البحر ثم نظر إلى قصور أهل المدينة
فقال في نفسه: الان صدقت أنك ساحر فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: صديق أنت
! ! فقلت: لم سمى عمر الفاروق ؟ قال: نعم ألا ترى أنه قد فرق بين الحق والباطل،
وأخذ الناس بالباطل. فقلت: فلم سمى سالما الأمين ؟ قال: لما أن كتبوا الكتب،
ووضعوها على يد سالم، فصار الأمين، قلت: فقال: اتقوا دعوة سعد ؟ قال: نعم، قلت:
وكيف ذلك، قال: إن سعدا يكر فيقاتل عليا عليه السلام. 77 - غط: محمد الحميري، عن
أبيه، عن علي بن سليمان بن رشيد، عن الحسن بن علي الخزاز قال: دخل علي بن أبي حمزة
على أبي الحسن الرضا عليه السلام فقال له: أنت إمام ؟ قال: نعم، فقال له: إني سمعت
جدك جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: لا يكون الامام إلا وله عقب ؟ فقال: أنسيت يا
شيخ أم تناسيت ؟ ليس هكذا قال جعفر، إنما قال جعفر: لا يكون الامام إلا وله عقب إلا
الامام الذي يخرج
(1) براءة: 34.
[76]
عليه الحسين بن علي عليهما السلام فانه لا
عقب له فقال له: صدقت جعلت فداك هكذا سمعت جدك يقول (1) 78 - شي: عن رفاعة بن موسى
قال: قال أبو عبد الله عليه السلام إن أول من يكر إلى الدنيا الحسين بن علي عليهما
السلام وأصحابه، ويزيد بن معاوية وأصحابه فيقتلهم حذو القذة بالقذة، ثم قال أبو عبد
الله عليه السلام " ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر
نفيرا " (2). 79 - كنز: روى الحسن بن أبي الحسن الديلمي بإسناده إلى محمد بن علي عن
أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزوجل " أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه " (3)
قال: الموعود علي بن أبي طالب، وعده الله أن ينتقم له من أعدائه في الدنيا ووعده
الجنة له ولأوليائه في الآخرة. 80 - جا: الكاتب، عن الزعفراني، عن الثقفي، عن
إسماعيل بن أبان، عن الفضل بن الزبير، عن عمران بن ميثم، عن عباية الأسدي قال: سمعت
عليا عليه السلام يقول: أنا سيد الشيب وفي سنة من أيوب، والله ليجمعن الله لي أهلي
كما جمعوا ليعقوب. 81 - كش: أبو صالح خلف بن حماد، عن سهل بن زياد، عن علي بن
المغيرة عن أبي جعفر عليه السلام قال: كأني بعبدالله بن شريك العامري عليه عمامة
سوداء وذؤابتاها بين كتفيه، مصعدا في لحف الجبل بين يدي قائمنا أهل البيت في أربعة
آلاف مكبرون ومكرون. بيان: " اللحف " بالكسر أصل الجبل. 82 - كش: عبد الله بن محمد،
عن الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي خديجة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام
يقول: إني سألت الله في إسماعيل أن يبقيه بعدي فأبى ولكنه قد أعطاني فيه منزلة أخرى
إنه يكون أول منشور في عشرة من أصحابه ومنهم عبد الله بن شريك وهو صاحب لوائه.
(1) المصدر ص 144. (2) أسرى: 6 والحديث في
تفسير العياشي ج 2 ص 282 (3) القصص: 61.
[77]
خص: سعد، عن ابن عيسى، وابن أبي الخطاب
معا، عن الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي سلمة سالم بن مكرم الجمال مثله وفيه:
وفيهم عبد الله ابن شريك العامري، وفيهم صاحب الراية. 83 - كش: وجدت في كتاب محمد
بن الحسن بن بندار القمي، بخطه حدثني الحسن بن أحمد المالكي، عن جعفر بن فضيل قال:
قلت لمحمد بن فرات، لقيت أنت الأصبغ ؟ قال: نعم لقيته مع أبي فرأيته شيخا أبيض
الرأس واللحية طوالا قال له أبي: حدثنا بحديث سمعته من أمير المؤمنين عليه السلام
قال: سمعته يقول على المنبر: أنا سيد الشيب وفي شبه من أيوب وليجمعن الله لي شملي
كما جمعه لأيوب قال: فسمعت هذا الحديث أنا وأبي من الأصبغ بن نباتة قال: فما مضى
بعد ذلك إلا قليلا حتى توفي رحمة الله عليه. 84 - كش: طاهر بن عيسى، عن الشجاعي، عن
الحسين بن بشار، عن داود الرقي قال: قلت له: إني قد كبرت ودق عظمي أحب أن يختم عمري
بقتل فيكم ؟ فقال: وما من هذا بد إن لم يكن في العاجلة تكون في الآجلة. 85 - كش:
أحمد بن محمد بن رباح، عن محمد بن عبد الله بن غالب، عن محمد ابن الوليد، عن يونس
بن يعقوب، عن عبد الله بن خفقة قال: قال لي أبان بن تغلب، مررت بقوم يعيبون علي
روايتي عن جعفر عليه السلام قال: فقلت: كيف تلوموني في روايتي عن رجل ما سألته عن
شئ إلا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: فمر صبيان وهم ينشدون " العجب كل
العجب بين جمادي ورجب " فسألته عنه فقال: لقاء الأحياء بالأموات. 86 - خص: وقفت على
كتاب خطب لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وعليه خط السيد رضي الدين علي بن موسى
بن طاووس ما صورته: هذا الكتاب ذكر كاتبه رجلين بعد الصادق عليه السلام فيمكن أن
يكون تاريخ كتابته بعد المائتين من الهجرة لأنه عليه السلام انتقل بعد سنة مائة
وأربعين من الهجرة وقد روي بعض ما فيه عن أبي روح فرج بن فروة عن مسعدة بن صدقة عن
جعفر بن محمد وبعض ما فيه عن غيرهما ذكر
[78]
في الكتاب المشار إليه خطبة لأمير
المؤمنين عليه السلام تسمى المخزون وهي: الحمد لله الأحد المحمود الذي توحد بملكه،
وعلا بقدرته، أحمده على ما عرف من سبيله، وألهم من طاعته، وعلم من مكنون حكمته،
فانه محمود بكل ما يولي مشكور بكل ما يبلي، وأشهد أن قوله عدل، وحكمه فصل، ولم ينطق
فيه ناطق بكان إلا كان قبل كان. وأشهد أن محمدا عبد الله وسيد عباده، خير من أهل
أولا وخير من أهل آخرا فكلما نسج الله الخلق فريقين جعله في خير الفريقين، لم يسهم
فيه عائر ولا نكاح جاهلية. ثم إن الله قد بعث إليكم رسولا من أنفسكم عزيز عليه ما
عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤف رحيم، فاتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من
دونه أولياء قليلا ما تذكرون، فان الله جعل للخير أهلا، وللحق دعائم، وللطاعة عصما
يعصم بهم، ويقيم من حقه فيهم، على ارتضاء من ذلك، وجعل لها رعاة وحفظة يحفظونها
بقوة ويعينون عليها، أولياء ذلك بما ولوا من حق الله فيها. أما بعد، فان روح البصر
روح الحياة الذي لا ينفع إيمان إلا به، مع كلمة الله والتصديق بها، فالكلمة من
الروح والروح من النور، والنور نور السماوات فبأيديكم سبب وصل إليكم منه إيثار
واختيار، نعمة الله لا تبلغوا شكرها، خصصكم بها، واختصكم لها، وتلك الأمثال نضربها
للناس وما يعقلها إلا العالمون. فابشروا بنصر من الله عاجل، وفتح يسير يقر الله به
أعينكم، ويذهب بحزنكم كفوا ما تناهى الناس عنكم، فان ذلك لا يخفى عليكم، إن لكم عند
كل طاعة عونا من الله، يقول على الألسن، ويثبت على الأفئدة، وذلك عون الله لأوليائه
يظهر في خفي نعمته لطيفا، وقد أثمرت لأهل التقوى أغصان شجرة الحياة، وإن فرقانا من
الله بين أوليائه وأعدائه، فيه شفاء للصدور، وظهور للنور، يعز الله به أهل طاعته،
ويذل به أهل معصيته. فليعد امرء لذلك عدته، ولا عدة له إلا بسبب بصيرة، وصدق نية
[79]
وتسليم سلامة أهل الخفة في الطاعة، ثقل
الميزان، والميزان بالحكمة، والحكمة فضاء للبصر، والشك والمعصية في النار، وليسا
منا ولا لنا ولا إلينا، قلوب المؤمنين مطوية على الايمان إذا أراد الله إظهار ما
فيها فتحها بالوحي، وزرع فيها الحكمة، وإن لكل شئ إني (1) يبلغه لا يعجل الله بشئ
حتى يبلغ إناه ومنتهاه. فاستبشروا ببشرى ما بشرتم، واعترفوا بقربان ما قرب لكم،
وتنجزوا ما وعدكم، إن منا دعوة خالصة يظهر الله بها حجته البالغة، ويتم بها نعمه
السابغة ويعطي بها الكرامة الفاضلة، من استمسك بها أخذ بحكمة، منها آتاكم الله
رحمته ومن رحمته نور القلوب، ووضع عنكم أوزار الذنوب، وعجل شفاء صدوركم وصلاح
اموركم، وسلام منا دائما عليكم، تعلمون به في دول الأيام، وقرار الأرحام، فان الله
اختار لدينه أقواما انتخبهم للقيام عليه، والنصرة له، بهم ظهرت كلمة الاسلام،
وأرجاء مفترض القرآن، والعمل بالطاعة في مشارق الأرض ومغاربها. ثم إن الله خصصكم
بالإسلام، واستخلصكم، له لأنه اسم سلامة، وجماع كرامة (2) اصطفاه الله فنهجه، وبين
حججه، وأرف ارفه وحده ووصفه وجعله رضى كما وصفه، ووصف أخلاقه وبين أطباقه، ووكد
ميثاقه، من ظهر وبطن ذي حلاوة وأمن، فمن ظفر بظاهره، رأى عجائب مناظره في موارده
ومصادره ومن فطن بما بطن، رأى مكنون الفطن، وعجائب الأمثال والسنن. فظاهره أنيق،
وباطنه عميق، لا تنقضي عجائبه ولا تفنى غرائبه، فيه ينابيع النعم، ومصابيح الظلم،
لا تفتح الخيرات إلا بمفاتيحه، ولا تنكشف الظلم إلا بمصابيحه، فيه تفصيل وتوصيل،
وبيان الاسمين الأعلين اللذين جمعا فاجتمعا
(1) انى بكسر الهمزة مقصورا بمعنى الساعة،
أو هو بمعنى أوان الادراك والبلوغ لكل شئ ينتظر ادراكه وبلوغه تقول: " انتظرنا انى
الطعام " أي ادراكه. (2) جماع كل شئ - كرمان - مجتمعه ورأسه، وجماع الثمر تجمع
براعيمه في موضع واحد على حمله.
[80]
لا يصلحان إلا معا يسميان فيعرفان ويوصفان
فيجتمعان قيامهما في تمام أحدهما في منازلهما، جرى بهما ولهما نجوم، وعلى نجومهما
نجوم سواهما، تحمى حماه وترعى مراعيه وفي القرآن بيانه وحدوده وأركانه ومواضع
تقادير ما خزن بخزائنه ووزن بميزانه ميزان العدل، وحكم الفصل. إن رعاة الدين فرقوا
بين الشك واليقين، وجاؤا بالحق المبين، قد بينوا الاسلام تبيانا وأسسوا له أساسا
وأركانا، وجاؤا على ذلك شهودا وبرهانا: من علامات وأمارات، فيها كفاء لمكتف، وشفاء
لمشتف، يحمون حماه، ويرعون مرعاه، و يصونون مصونه، ويهجرون مهجوره، ويحبون محبوبه،
بحكم الله وبره، وبعظيم أمره، وذكره بما يجب أن يذكر به، يتواصلون بالولاية،
ويتلاقون بحسن اللهجة ويتساقون بكأس الروية، ويتراعون بحسن الرعاية، بصدور برية،
وأخلاق سنية (1)... وبسلام رضية لا يشرب فيه الدنية، ولا تشرع فيه الغيبة. فمن
استبطن من ذلك شيئا استبطن خلقا سنيا وقطع أصله واستبدل منزله بنقصه مبرما،
واستحلاله مجرما، من عهد معهود إليه، وعقد معقود عليه، بالبر والتقوى، وإيثار سبيل
الهدى، على ذلك عقد خلقهم، وآخا الفتهم، فعليه يتحابون وبه يتواصلون، فكانوا
كالزرع، وتفاضله يبقى، فيؤخذ منه ويفنى، وبيعته التخصيص، ويبلغ منه التخليص، فانتظر
أمره في قصر أيامه، وقلة مقامه في منزله حتى يستبدل منزلا ليضع منحوله، ومعارف
منقلبه. فطوبى لذي قلب سليم أطاع من يهديه، وتجنب ما يرديه، فيدخل مدخل الكرامة،
فأصاب سبيل السلامة سيبصر ببصره، وأطاع هادي أمره، دل أفضل الدلالة وكشف غطاء
الجهالة المضلة الملهية، فمن أراد تفكرا أو تذكرا فليذكر رأيه وليبرز بالهدى، ما لم
تغلق أبوابه وتفتح أسبابه، وقبل نصيحة من نصح بخضوع وحسن خشوع، بسلامة الاسلام
ودعاء التمام، وسلام بسلام، تحية دائمة لخاضع متواضع يتنافس بالإيمان، ويتعارف عدل
الميزان، فليقبل أمره وإكرامه بقبول
(1) كان في الاصل بياضا على ما سيذكره
المصنف رحمه الله.
[81]
وليحذر قارعة قبل حلولها. إن أمرنا صعب
مستصعب لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه للايمان لا يعي
حديثنا إلا حصون حصينة، أو صدور أمينة أو أحلام رزينة يا عجبا كل العجب بين جمادي
ورجب. فقال رجل من شرطة الخميس: ما هذا العجب يا أمير المؤمنين ؟ قال: ومالي لا
أعجب وسبق القضاء فيكم وما تفقهون الحديث، ألا صوتات بينهن موتات، حصد نبات ونشر
أموات، واعجبا كل العجب بين جمادي ورجب. قال أيضا رجل يا أمير المؤمنين: ما هذا
العجب الذي لا تزال تعجب منه قال ثكلت الآخر امه وأي عجب يكون أعجب منه أموات
يضربون هام (1) الأحياء قال: أنى يكون ذلك يا أمير المؤمنين ؟. قال: والذي فلق
الحبة وبرأ النسمة، كأني أنظر قد تخللوا سكك الكوفة وقد شهروا سيوفهم على مناكبهم،
يضربون كل عدو لله ولرسوله وللمؤمنين وذلك قول الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا
لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور
" (2). ألا يا أيها الناس ! سلوني قبل أن تفقدوني إني بطرق السماء أعلم من العالم
بطرق الأرض، أنا يعسوب الدين وغاية السابقين ولسان المتقين، وخاتم الوصيين ووارث
النبيين، وخليفة رب العالمين، أنا قسيم النار، وخازن الجنان، وصاحب الحوض، وصاحب
الأعراف، وليس منا أهل البيت إمام إلا عارف بجميع أهل ولايته، وذلك قول الله تبارك
وتعالى " إنما أنت منذر ولكل قوم هاد " (3).
(1) هام بتخفيف الميم على وزن سام - وهكذا
هامات، جمع هامة: رأس كل شئ، فما في الاصل المطبوع " يضربون هوام الاحياء " تصحيف،
فان " هوام " الذي هو جمع " هامة " انما هو بتضعيف الميم من " همم " ولا يقع إلا
على المخوف من الاحناش مما له سم كالحية، فجمعه الهوام، وزان عامة وعوام، وخاصة
وخواص. فلا تغفل. (2) الممتحنة: 13. (3) الرعد: 8.
[82]
ألا يا أيها الناس سلوني قبل أن تشغر (1)
برجلها فتنة شرقية تطأ في خطامها بعد موت وحياة أو تشب نار بالحطب الجزل غربي
الأرض، رافعة ذيلها تدعو يا ويلها بذحلة أو مثلها. فإذا استدار الفلك، قلت: مات أو
هلك بأي واد سلك، فيومئذ تأويل هذه الآية " ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم
بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا " (2). ولذلك آيات وعلامات، أولهن إحصار الكوفة
بالرصد والخندق، وتخريق الزوايا في سكك الكوفة (3) وتعطيل المساجد أربعين ليلة،
وتخفق رايات ثلاث حول المسجد الأكبر، يشبهن بالهدى، القاتل والمقتول في النار، وقتل
كثير وموت ذريع، وقتل النفس الزكية بظهر الكوفة في سبعين، والمذبوح بين الركن
والمقام وقتل الأسبغ المظفر صبرا في بيعة الأصنام، مع كثير من شياطين الانس. وخروج
السفياني براية خضراء، وصليب من ذهب، أميرها رجل من كلب واثني عشر ألف عنان من يحمل
السفياني متوجها إلى مكة والمدينة، أميرها أحد من بني امية يقال له: خزيمة أطمس
العين الشمال على عينه، طرفة (4) يميل
(1) في الاصل المطبوع " قبل أن تشرع " وهو
تصحيف، وقد مر نظيره مرارا، وتراه في نهج البلاغة باب الخطب والاوامر تحت الرقم
187. (2) أسرى: 6. (3) يقال: خرق البناء وفي البناء: فتح نافذة فيه، والمخترق -
بالفتح - الممر والمنفذ، والمراد بتخريق الزوايا جعل مختبأ في السكك ليستتروا فيها
من العدو، فيتمكنوا من الهجوم عليهم غفلة. (4) الطرفة - بالفتح - نقطة حمراء من
الدم تحدث في العين من ضربة وغيرها قاله الجوهري، يقال: طرف عينه: لطمه بيده أو
أصابها بشئ فدمعت، وقد طرفت عينه: مجهولا فهي مطروفة، والاسم " الطرفة ". ولكن قد
مر في ج 52 ص 273 تحت الرقم 167 أن على عينه ظفرة فراجع.
[83]
بالدنيا فلا ترد له راية حتى ينزل المدينة
فيجمع رجالا ونساء من آل محمد صلى الله عليه وآله فيحبسهم في دار بالمدينة يقال
لها: دار أبي الحسن الاموي. ويبعث خيلا في طلب رجل من آل محمد صلى الله عليه وآله
قد اجتمع عليه رجال من المستضعفين بمكة أميرهم رجل من غطفان، حتى إذا توسطوا
الصفائح الأبيض بالبيداء، يخسف بهم، فلا ينجو منهم أحد إلا رجل واحد يحول الله وجهه
في قفاه لينذرهم، وليكون آية لمن خلفه، فيومئذ تأويل هذه الآية " ولو ترى إذ فزعوا
فلا فوت وأخذوا من مكان قريب " (1) ويبعث السفياني مائة وثلاثين ألفا إلى الكوفة
فينزلون بالروحاء والفاروق، وموضع مريم وعيسى عليهما السلام بالقادسية ويسير منهم
ثمانون ألفا حتى ينزلوا الكوفة موضع قبر هود عليه السلام بالنخيلة فيهجموا عليه يوم
زينة وأمير الناس جبار عنيد يقال له: الكاهن الساحر فيخرج من مدينة يقال له:
الزوراء في خمسة آلاف من الكهنة، ويقتل على جسرها سبعين ألفا حتى يحتمي الناس
الفرات ثلاثة أيام من الدماء، ونتن الأجساد، ويسبي من الكوفة أبكارا لا يكشف عنها
كف ولاقناع، حتى يوضعن في المحامل يزلف بهن الثوية وهي الغريين. ثم يخرج من الكوفة
مائة ألف بين مشرك ومنافق، حتى يضربون دمشق لا يصدهم عنها صاد، وهي إرم ذات العماد،
وتقبل رايات شرقي الأرض ليست بقطن ولا كتان ولا حرير، مختمة في رؤس القنا بخاتم
السيد الأكبر، يسوقها رجل من آل محمد صلى الله عليه وآله يوم تطير بالمشرق يوجد
ريحها بالمغرب، كالمسك الأذفر، يسير الرعب أمامها شهرا. ويخلف أبناء سعد السقاء
بالكوفة طالبين بدماء آبائهم، وهم أبناء الفسقة حتى يهجم عليهم خيل الحسين عليه
السلام يستبقان كأنهما فرسا رهان، شعث غبر أصحاب بواكي وقوارح (2) إذ يضرب أحدهم
برجله باكية، يقول: لاخير في مجلس بعد
(1) السبأ: 51. (2) البواكي: جمع باكية،
والقوارح: جمع قارحة من به قرح في قلبه من الحزن =
[84]
يومنا هذا، اللهم فإنا التائبون الخاشعون
الراكعون الساجدون، فهم الأبدال الذين وصفهم الله عزوجل: " إن الله يحب التوابين
ويحب المتطهرين " (1) والمطهرون نظراؤهم من آل محمد صلى الله عليه وآله. ويخرج رجل
من أهل نجران راهب يستجيب الامام، فيكون أول النصارى إجابة، ويهدم صومعته ويدق
صليبها، ويخرج بالموالي وضعفاء الناس والخيل فيسيرون إلى النخيلة بأعلام هدى، فيكون
مجمع الناس جميعا من الأرض كلها بالفاروق وهي محجة أمير المؤمنين وهي ما بين البرس
والفرات، فيقتل يومئذ فيما بين المشرق والمغرب ثلاثة آلاف من اليهود والنصارى،
فيقتل بعضهم بعضا فيومئذ تأويل هذه الآية " فما زالت تلك دعواهم حتى جعلناهم حصيدا
خامدين " (2) بالسيف وتحت ظل السيف. ويخلف من بني أشهب الزاجر اللحظ في اناس من غير
أبيه هرابا حتى يأتون سبطرى عوذا بالشجر فيومئذ تأويل هذه الآية " فلما أحسوا بأسنا
إذا هم منها يركضون لا تركضوا وارجعوا إلى ما اترفتم فيه ومساكنكم لعلكم تسئلون "
(3) ومساكنهم الكنوز التي غنموا من أموال المسلمين ويأتيهم يومئذ الخسف والقذف
والمسخ. فيومئذ تأويل هذه الآية " وماهي من الظالمين ببعيد " (4). وينادي مناد في
[شهر] رمضان من ناحية المشرق، عند طلوع الشمس: يا أهل الهدى اجتمعوا، وينادي من
ناحية المغرب بعدما تغيب الشمس: يا أهل الهدى اجتمعوا، ومن الغد عند الظهر بعد تكور
الشمس، فتكون سوداء مظلمة، واليوم
= وكأن التاء جيئ بها للمبالغة لا للتأنيث
ولذلك يقول بعده: " إذ يضرب أحدهم برجله باكية " وقد مر في ج 52 ص 274 وفيه: "
أصلاب نواطى وأقداح ". (1): البقرة: 222. (2) الانبياء: 15. (3) الانبياء: 12. (4)
هود: 82.
[85]
الثالث يفرق بين الحق والباطل، بخروج دابة
الأرض وتقبل الروم إلى قرية بساحل البحر، عند كهف الفتية، ويبعث الله الفتية من
كهفهم إليهم، [منهم] رجل يقال له: مليخا والآخر كمسلمينا وهما الشاهدان المسلمان
للقائم (1). فيبعث أحد الفتية إلى الروم، فيرجع بغير حاجة، ويبعث بالآخر، فيرجع
بالفتح فيومئذ تأويل هذه الآية " وله أسلم من في السموات والأرض طوعا و كرها " (2).
ثم يبعث الله من كل امة فوجا ليريهم ما كانوا يوعدون فيومئذ تأويل هذه الآية " ويوم
نبعث من كل امة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون " (3) والورع خفقان أفئدتهم.
ويسير الصديق الأكبر براية الهدى، والسيف ذي الفقار، والمخصرة (4) حتى ينزل أرض
الهجرة مرتين وهي الكوفة، فيهدم مسجدها ويبنيه على بنائه الأول، ويهدم ما دونه من
دور الجبابرة، ويسير إلى البصرة حتى يشرف على بحرها، ومعه التابوت، وعصى موسى،
فيعزم عليه فيزفر في البصرة زفرة فتصير بحرا لجيا لا يبقى فيها غير مسجدها كجؤجوء
السفينة، على ظهر الماء. ثم يسير إلى حرورا حتى يحرقها ويسير من باب بني أسد حتى
يزفر زفرة في ثقيف، وهم زرع فرعون، ثم يسير إلى مصر فيصعد منبره، فيخطب الناس
فتستبشر الأرض بالعدل، وتعطي السماء قطرها، والشجر ثمرها، والأرض نباتها
(1) قد مر في باب علامات ظهوره عليه
السلام، شطر من هذا الحديث من كتاب سرور أهل الايمان، من قوله: ألا يا أيها الناس
سلوني قبل أن تفقدوني إلى هنا، والنسختان كلتاهما مصحفتان ولا بأس بمقابلتهما راجع
ج 52 ص 272 - 275. (2) آل عمران: 83. (3) النمل: 83. والصحيح " ويوم نحشر ". (4)
المخصرة: شئ كالسوط، وما يتوكأ عليه كالعصا، وما يأخذه الملك بيده يشير به إذا خاطب
والخطيب إذا خطب.
[86]
وتتزين لأهلها، وتأمن الوحوش حتى ترتعي في
طرق الأرض كأنعامهم، ويقذف في قلوب المؤمنين العلم فلا يحتاج مؤمن إلى ما عند أخيه
من علم، فيومئذ تأويل هذه الآية " يغني الله كلا من سعته " (1). وتخرج لهم الأرض
كنوزها، ويقول القائم: كلوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية، فالمسلمون يومئذ
أهل صواب للدين، اذن لهم في الكلام فيومئذ تأويل هذه الآية " وجاء ربك والملك صفا
صفا " (2) فلا يقبل الله يومئذ إلا دينه الحق ألا لله الدين الخالص، فيومئذ تأويل
هذه الآية " أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه
أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون * ويقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين * قل يوم
الفتح لا ينفع الذين كفروا إيمانهم ولا هم ينصرون * فأعرض عنهم وانتظر إنهم منتظرون
" (3). فيمكث فيما بين خروجه إلى يوم موته ثلاثمائة سنة ونيف، وعدة أصحابه ثلاثمائة
وثلاثة عشر منهم تسعة من بني إسرائيل وسبعون من الجن ومائتان وأربعة وثلاثون منهم
سبعون الذين غضبوا للنبي صلى الله عليه وآله إذ هجمته مشركو قريش فطلبوا إلى نبي
الله أن يأذن لهم في إجابتهم فأذن لهم حيث نزلت هذه الآية " إلا الذين آمنوا وعملوا
الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما ظلموا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب
ينقلبون " (4) وعشرون من أهل اليمن منهم المقداد بن الأسود ومائتان وأربعة عشر
الذين كانوا بساحل البحر مما يلي عدن، فبعث إليهم نبي الله برسالة فأتوا مسلمين.
ومن أفناء الناس ألفان وثمانمائة وسبعة عشر ومن الملائكة أربعون ألفا، من ذلك من
المسومين ثلاثة آلاف، ومن المردفين خمسة آلاف.
(1) النساء: 129. (2) الفجر: 22. (3)
السجدة: 27 - 29. (4) الشعراء: 227.
[87]
فجميع أصحابه عليه السلام سبعة وأربعون
ألفا ومائة وثلاثون من ذلك تسعة رؤس مع كل رأس من الملائكة أربعة آلاف من الجن
والانس، عدة يوم بدر، فبهم يقاتل وإياهم ينصر الله، وبهم ينتصر وبهم يقدم النصر
ومنهم نضرة الأرض. كتبتها كما وجدتها وفيها نقص حروف. بيان: " لم ينطق فيه ناطق
بكان " أي كلما عبر عنه بكان فهو لضرورة العبارة إذ كان يدل على الزمان، وهو معرى
عنه. موجود قبل حدوثه. قوله عليه السلام " من أهل " أي جعله أهلا للنبوة والخلافة،
قوله عليه السلام " كلما نسج الله " أي جمعهم مجازا " قوله عليه السلام: " لم يسهم
" أي لم يشرك فيه، والعائر من السهام الذي لا يدري راميه، كناية عن الزنا واختلاط
النسب، ويحتمل أن يكون مأخوذا من العار وكأنه تصحيف عاهر. قوله عليه السلام: " فان
روح البصر " لعل خبر إن " مع كلمة الله " وروح الحياة بدل من روح البصر أي روح
الايمان الذي يكون مع المؤمن، وبه يكون بصيرا وحيا حقيقة، لا يكون إلا مع كلمة
الله، أي إمام الهدى، فالكلمة من الروح: أي معه أو هو أيضا آخذ من الروح - أي روح
القدس - والروح يأخذ من النور والنور هو الله تعالى كما قال " الله نور السموات
والأرض " فبأيديكم سبب من كلمة الله وصل إليكم من الله ذلك السبب آثركم واختاركم
وخصصكم به وهو نعمة من الله خصصكم بها لا يمكنكم أن تؤدوا شكرها. قوله عليه السلام:
" يظهر " أي العون أو هو تعالى، قوله عليه السلام: " وإن فرقانا " خبر " إن " إما
محذوف أي بين ظاهر، أو هو قوله " يعز الله " أو قوله: فليعد بتأويل مقول في حقه،
والمراد بالفرقان القرآن، وقوله: " سلامة " مبتدأ وثقل الميزان خبره، أي سلامة من
يخف في الطاعة ولا يكسل فيها، إنما يظهر عند ثقل الميزان في القيامة أو هو سبب
لثقله، ويحتمل أن يكون التسليم مضافا إلى السلامة أي التسليم الموجب للسلامة " وأهل
" مبتدأ " وثقل " بالتشديد على صيغة الجمع خبره.
[88]
قوله: " والميزان بالحكمة " أي ثقل
الميزان بالعمل إنما يكون إذا كان مقرونا بالحكمة فان عمل الجاهل لا وزن له،
فتقديره: الميزان يثقل بالحكمة. والحكمة فضاء للبصر، أي بصر القلب يجول فيها، قوله:
" إني " بالكسر والقصر أي وقتا، قوله: " واعترفوا بقربان ما قرب لكم " أي اعترفوا
وصدقوا بقرب ما أخبركم أنه قريب منكم، قوله عليه السلام: " وأرف ارفه " الارف كصرد
جمع الآرفة وهي الحد أي حدد حدوده وبينها، ثم الظاهر أنه قد سقط كلام مشتمل على ذكر
القرآن قبل قوله " من ظهر وبطن " فانما ذكر بعده أوصاف القرآن وما ذكر قبله أوصاف
الاسلام، وإن أمكن أن يستفاد ذكر القرآن من الوصف والتبيين والتحديد المذكورة في
وصف الاسلام لكن الظاهر على هذا السياق أن يكون جميع ذلك أوصاف الاسلام. والمراد
بالاسمين الأعلين محمد وعلي صلوات الله عليهما " ولهما نجوم " أي سائر أئمة الهدى،
" وعلى نجومهما نجوم " أي على كل من تلك النجوم دلائل وبراهين من الكتاب والسنة
والمعجزات الدالة على حقيتهم، ويحتمل أن يكون المراد بالاسمين الكتاب والعترة.
قوله: " تحمى " على بناء المعلوم، والفاعل النجوم، أو على المجهول، وعلى التقديرين
الضمير في " حماه ومراعيه " راجع إلى الاسلام وكذا الضمائر بعدهما وكان في الأصل
بعد قوله وأخلاق سنية بياض. و " الطرفة " - بالفتح -: نقطة حمراء من الدم تحدث في
العين من ضربة ونحوها. أقول: هكذا وجدتها في الأصل سقيمة محرفة، وقد صححت بعض
أجزائها من بعض مؤلفات بعض أصحابنا، ومن الأخبار الاخر، وقد اعترف صاحب الكتاب
بسقمها، ومع ذلك يمكن الانتفاع بأكثر فوائدها، ولذا أوردتها، مع ما أرجو من فضله
تعالى أن يتيسر نسخة يمكن تصحيحها بها، وقد سبق كثير من فقراتها في باب علامات
ظهوره عليه السلام.
[89]
87 - كا: الحسين بن محمد، ومحمد بن يحيى،
عن محمد بن سالم بن أبي سلمة عن الحسن بن شاذان الواسطي قال: كتبت إلى أبي الحسن
الرضا عليه السلام أشكو جفاء أهل واسط وحملهم علي، وكانت عصابة من العثمانية
تؤذيني، فوقع بخطه: أن الله جل ذكره أخذ ميثاق أوليائنا على الصبر في دولة الباطل،
فاصبر لحكم ربك، فلو قد قام سيد الخلق لقالوا: " يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا
ما وعد الرحمن وصدق المرسلون " (1). 88 - فس: " فإذا جاء وعد الآخرة " (2) يعني
القائم صلوات الله عليه وأصحابه " ليسوؤا وجوهكم " يعني تسود وجوههم، " وليدخلوا
المسجد كما دخلوه أول مرة " يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وأصحابه وأمير
المؤمنين عليه السلام وأصحابه. 89 - فس: " حتى إذا رأوا ما يوعدون " (3) قال:
القائم وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما. 90 - شي: عن صالح بن سهل، عن أبي عبد
الله عليه السلام في قوله تعالى: " ثم رددنا لكم الكرة عليهم " (4) قال: خروج
الحسين عليه السلام في الكرة في سبعين رجلا من أصحابه الذين قتلوا معه، عليهم البيض
المذهبة لكل بيضة وجهان إلى آخر ما مر في باب الآيات المأولة بالقائم عليه السلام.
91 - شا: مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله، عن أمير المؤمنين عليهما السلام قال: أنا
سيد الشيب (5) وفي سنة من أيوب، وسيجمع الله لي أهلي كما جمع ليعقوب شمله، وذلك إذا
استدار الفلك، وقلتم مات أو هلك. إل آخر ما مر في باب إخبار
(1) يس: 51، والحديث في روضة الكافي ص
247. (2) أسرى: 5 وقد مر في ج 51 ص 46. (3) مريم: 75. (4) أسرى: 5، وقد مر في ج 51
ص 56، وتراه في المصدر ج 2 ص 281. (5) الشيب - بالكسر - على القياس، وشيب - بضمتين
على خلاف القياس - جمع أشيب: الرجل الذي ابيض شعره.
[90]
أمير المؤمنين عليه السلام (1) بالقائم
عليه السلام. 92 - خص: سعد، عن أحمد بن محمد، وعبد الله بن عامر بن سعد، عن محمد
ابن خالد، عن الثمالي قال: قال أبو جعفر عليه السلام: كان أمير المؤمنين عليه
السلام يقول: من أراد أن يقاتل شيعة الدجال، فليقاتل الباكي على دم عثمان، والباكي
على أهل النهروان، إن من لقي الله مؤمنا بأن عثمان قتل مظلوما لقي الله عزوجل ساخطا
عليه، ولا يدرك الدجال. فقال رجل: يا أمير المؤمنين فان مات قبل ذلك ؟ قال: فيبعث
من قبره حتى يؤمن به وإن رغم أنفه. 93 - ع: ماجيلويه، عن عمه، عن البرقي، عن أبيه،
عن محمد بن سليمان عن داود بن النعمان، عن عبد الرحيم القصير قال: قال لي أبو جعفر
عليه السلام: أما لو قد قام قائمنا لقد ردت إليه الحميرا حتى يجلدها الحد وحتى
ينتقم لابنة محمد فاطمة عليها السلام منها. إلى آخر ما مر في باب سيره عليه السلام
(2). 94 - شا: روى عبد الكريم الخثعمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا آن
قيام القائم مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطرا لم تر الخلائق مثله
فينبت الله به لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، وكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل
جهينة، ينفضون شعورهم من التراب (3). 95 - عم، شا: روى المفضل بن عمر، عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: يخرج مع القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبع وعشرون رجلا
خمسة عشر من قوم موسى عليه السلام
(1) في الاصل المطبوع: " باب اخبار النبي
" وهو سهو ظاهر ترى الحديث بتمامه في ج 51 ص 111، والمصدر ص 138. (2) راجع ج 52 ص
314، وتراه في المصدر ج 2 ص 267، أخرجه في باب نوادر العلل تحت الرقم 10. (3) تراه
في الارشاد ص 342.
[91]
الذين كانوا يهدون بالحق وبه يعدلون (1)
وسبعة من أهل الكهف، ويوشع بن نون، وسلمان، وأبو دجانة الأنصاري، والمقداد، ومالك
الأشتر، فيكونون بين يديه أنصارا وحكاما. شي: عن المفضل مثله بتغيير ما وقد مر (2).
96 - ني: أحمد بن [محمد بن سعيد] (3) عن يحيى بن زكريا، عن يوسف بن كليب، عن ابن
البطائني، عن ابن حميد، عن الثمالي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لو قد خرج قائم
آل محمد لنصره الله بالملائكة وأول من يتبعه محمد وعلي الثاني إلى آخر ما مر. 97 -
غط: سعد، عن الحسن بن علي الزيتوني، والحميري معا، عن أحمد بن هلال، عن ابن محبوب،
عن الرضا عليه السلام في حديث له طويل في علامات ظهور القائم عليه السلام قال:
والصوت الثالث يرون بدنا بارزا نحو عين الشمس: هذا أمير المؤمنين، قد كر في هلاك
الظالمين. الخبر (4). ني: محمد بن همام، عن أحمد بن ما بنداذ، والحميري معا، عن
أحمد بن هلال مثله. 98 - غط: الفضل، عن محمد بن علي، عن جعفر بن بشير، عن خالد [بن]
أبي عمارة، عن المفضل بن عمر قال: ذكرنا القائم عليه السلام ومن مات من أصحابنا
ينتظره، فقال لنا أبو عبد الله عليه السلام: إذا قام اتي المؤمن في قبره فيقال له:
يا هذا إنه
(1) اشارة إلى قوله تعالى في الاعراف:
159: " ومن قوم موسى امة يهدون بالحق وبه يعدلون، راجع الارشاد ص 344. (2) مر في ج
52 ص 346 باب سيره واخلاقه تحت الرقم 92، وتراه في تفسير العياشي ج 2 ص 32. (3) في
الاصل المطبوع: أحمد بن عبيد وهو تصحيف، راجع ج 52 ص 348 باب سيره وأخلاقه تحت
الرقم 99 والحديث مختصر. (4) غيبة الشيخ ص 283، النعماني ص 94 وقد مر في ج 52 ص
289.
[92]
قد ظهر صاحبك ! فان تشأ أن تلحق به فالحق،
وإن تشأ أن تقيم في كرامة ربك فأقم (1). 99 - يه: علي بن أحمد بن موسى، والحسين بن
إبراهيم بن أحمد الكاتب عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل
البرمكي، عن موسى بن عبد الله النخعي، عن أبي الحسن الثالث عليه السلام في الزيارة
الجامعة وساق الزيارة - إلى أن قال: " وجعلني من يقتص آثاركم، ويسلك سبلكم، ويهتدي
بهداكم، ويحشر في زمرتكم، ويكر في رجعتكم، ويملك في دولتكم، ويشرف في عافيتكم ويمكن
في أيامكم، وتقر عينه غدا برؤيتكم ". وفي زيارة الوداع " ومكنني في دولتكم وأحياني
في رجعتكم ". يب: عن الصدوق مثله " (2). 100 - يب: جماعة من أصحابنا، عن هارون بن
موسى التلعكبري، عن محمد بن علي بن معمر، عن علي بن محمد بن مسعدة، والحسن بن علي
بن فضال عن سعدان بن مسلم، عن صفوان بن مهران الجمال، عن الصادق عليه السلام في
زيارة الأربعين " وأشهد أني بكم مؤمن، وبايابكم موقن، بشرايع ديني وخواتيم عملي ".
101 - يه: قال الصادق عليه السلام: ليس منا من لم يؤمن بكرتنا و [لم] يستحل متعتنا
(3). 102 - كا: جماعة، عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، عن أبي
بصير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: قوله تبارك وتعالى " وأقسموا بالله جهد
أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون " (4)
قال: فقال لي: يا بابصير ما تقول في هذه الآية ؟ قال: قلت: إن المشركين يزعمون
(1) المصدر ص 291. (2) فقيه من لا يحضره
الفقيه: ص 309 الطبعة الحديثة والتهذيب ج 2 ص 34 (3) الفقيه ص 429. (4) النحل: 41،
والحديث في روضة الكافي ص 51.
[93]
ويحلفون لرسول الله صلى الله عليه وآله أن
الله لا يبعث الموتى، قال: فقال: تبا لمن قال هذا سلهم هل كان المشركون يحلفون
بالله أم باللات والعزى، قال: قلت: جعلت فداك فأوجدنيه، قال: فقال لي: يا بابصير لو
قد قام قائمنا بعث الله إليه قوما من شيعتنا قباع (1) سيوفهم على عواتقهم، فيبلغ
ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا، فيقولون: بعث فلان وفلان وفلان من قبورهم وهم مع
القائم، فيبلغ ذلك قوما من عدونا فيقولون: يا معشر الشيعة ما أكذبكم ؟ هذه دولتكم
فأنتم تقولون فيها الكذب، لا والله ما عاش هؤلاء ولا يعيشون إلى يوم القيامة، قال:
فحكى الله قولهم فقال: " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت ". شي: عن
أبي بصير مثله (2). أقول: روى السيد في كتاب سعد السعود من كتاب ما نزل من القرآن
في أهل البيت عليهم السلام تأليف المفيد - ره - عن ابن أبي هراسة، عن إبراهيم بن
إسحاق عن عبد الله بن حماد، عن أبي بصير، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام
مثله. 103 - كا: العدة عن سهل، عن ابن شمون، عن الأصم، عن عبد الله بن القاسم
البطل، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى " وقضينا إلى بني إسرائيل في
الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين " (3) قال: قتل علي بن أبي طالب عليه السلام، وطعن
الحسن عليه السلام " ولتعلن علوا كبيرا " قال: قتل الحسين عليه السلام " فإذا جاء
وعد اوليهما " إذا جاء نصر دم الحسين " بعثنا عليكم عبادا لنا اولي بأس شديد فجاسوا
(1) وفي العياشي " قبائع سيوفهم " فهو جمع
قبيعة، قال الشارح نقلا عن معاجم اللغة: " قبيعة السيف: ما على طرف مقبضه من فضة أو
حديد " ويقال: ما أحسن قبائع سيوفهم. لكنها لا يناسب المقام فاما أن يكون قباع
بالباء الموحدة مأخوذا من قولهم قبع الرجل في قميصه: أدخل رأسه فيه، فيكون القباع
بمعنى الغلاف والغمد، أو هو قناع بالنون وهو أيضا الغشاء وما يتستر به. فتحرر. (2)
راجع المصدر ج 2 ص 259. (3) أسرى 4 والحديث في روضة الكافي ص 206.
[94]
خلال الديار " قوم يبعثهم الله قبل خروج
القائم فلا يدعون وترا لآل محمد إلا قتلوه " وكان وعدا مفعولا " خروج القائم عليه
السلام. " ثم رددنا لكم الكرة عليهم " خروج الحسين عليه السلام في سبعين من أصحابه
عليهم البيض المذهبة لكل بيضة وجهان المؤدون إلى الناس أن هذا الحسين قد خرج حتى لا
يشك المؤمنون فيه، وأنه ليس بدجال ولا شيطان، والحجة القائم بين أظهرهم، فإذا
استقرت المعرفة في قلوب المؤمنين أنه الحسين عليه السلام جاء الحجة الموت، فيكون
الذي يغسله ويكفنه ويحنطه ويلحده في حفرته الحسين بن علي عليهما السلام ولا يلي
الوصي إلا الوصي. 104 - مصبا: روى لنا جماعة، عن أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد
الله بن قضاعة بن صفوان بن مهران الجمال، عن أبيه، عن جده صفوان قال: استأذنت
الصادق عليه السلام لزيارة مولانا الحسين عليه السلام وسألته أن يعرفني ما أعمل
عليه وساق الحديث إلى أن قال عليه السلام في الزيارة: " وأشهد الله وملائكته
وأنبياءه ورسله أني بكم مؤمن، وبايابكم موقن، بشرايع ديني، وخواتيم عملي ". 105 -
مصبا: في زيارة العباس " أني بكم مؤمن وبايابكم من الموقنين ". 106 - مصبا، صبا:
زيارة رواها ابن عياش قال: حدثني خير بن عبد الله عن الحسين بن روح قال: زر أي
المشاهد كنت بحضرتها في رجب تقول إذا دخلت وساق الزيارة إلى أن قال: " ويرجعني من
حضرتكم خير مرجع إلى جناب ممرع، موسع، ودعة ومهل إلى حين الأجل، وخير مصير ومحل في
النعيم الأزل والعيش المقتبل ودوام الأكل، وشرب الرحيق والسلسبيل، وعسل ونهل، لا
سأم منه ولا ملل، ورحمة الله وبركاته وتحياته، حتى العود إلى حضرتكم والفوز في
كرتكم. 107 - قل، مصبا: خرج إلى أبي القاسم بن العلاء الهمداني وكيل أبي محمد عليه
السلام أن مولانا الحسين عليه السلام ولد يوم الخميس لثلاث خلون من شعبان فصمه وادع
فيه بهذا الدعاء وساق الدعاء إلى قوله " وسيد الاسرة، الممدود بالنصرة
[95]
يوم الكرة المعوض من قتله أن الأئمة من
نسله والشفاء في تربته والفوز معه في أوبته، والأوصياء من عترته بعد قائمهم وغيبته،
حتى يدركوا الأوتار، ويثأروا الثار، ويرضوا الجبار، ويكونوا خير أنصار - إلى قوله
-: " فنحن عائذون بقبره نشهد تربته، وننتظر أوبته آمين رب العالمين. 108 - صبا: في
زيارة القائم عليه السلام في السرداب " ووفقني يا رب للقيام بطاعته، وللثوى في
خدمته، والمكث في دولته، واجتناب معصيته، فان توفيتني اللهم قبل ذلك فاجعلني يا رب
فيمن يكر في رجعته، ويملك في دولته، ويتمكن في أيامه، ويستظل تحت أعلامه، ويحشر في
زمرته، وتقر عينه برؤيته ". 109 - صبا: في زيارة أخرى له عليه السلام " وإن أدركني
الموت قبل ظهورك فاني أتوسل بك إلى الله سبحانه أن يصلي على محمد وآل محمد، وأن
يجعل لي كرة في ظهورك، ورجعة في أيامك، لأبلغ من طاعتك مرادي، وأشفي من أعدائك
فؤادي ". 110 - صبا: في زيارة أخرى: " اللهم أرنا وجه وليك الميمون في حياتنا وبعد
المنون، اللهم إني أدين لك بالرجعة بين يدي صاحب هذه البقعة ". 111 - صبا: عن جعفر
بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال: من دعا إلى الله أربعين صباحا بهذا العهد كان
من أنصار قائمنا، فان مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره وأعطاه بكل كلمة ألف حسنة
ومحا عنه ألف سيئة، وهو هذا. " اللهم رب النور العظيم، و [رب] الكرسي الرفيع، ورب
البحر المسجور ومنزل التوراة والانجيل والزبور، ورب الظل والحرور، ومنزل القرآن
العظيم ورب الملائكة المقربين، والأنبياء والمرسلين. اللهم إني أسألك بوجهك الكريم،
وبنور وجهك المنير، وملكك القديم يا حي يا قيوم أسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات
والأرضون (1) يا حي
(1) وفي بعض نسخ العهد زيادة: " وباسمك
الذي يصلح به الاولون والاخرون، يا حي قبل كل حي، ويا حي بعد كل حي، ويا حي حين لا
حي، يا محيي الموتى ومميت الاحياء يا حي لا إله إلا أنت " الخ.
[96]
قبل كل حي، لا إله إلا أنت. اللهم بلغ
مولانا الإمام الهادي المهدي القائم بأمرك صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين عن
المؤمنين والمؤمنات، في مشارق الأرض ومغاربها، سهلها وجبلها برها وبحرها، عني وعن
والدي من الصلوات زنة عرش الله ومداد كلماته، وما أحصاه علمه، وأحاط به كتابه.
اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا وما عشت من أيامي عهدا وعقدا وبيعة له في
عنقي، لا أحول عنها، ولا أزول أبدا، اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه والذابين عنه،
والمسارعين إليه في قضاء حوائجه، والمحامين عنه والسابقين إلى إرادته، والمستشهدين
بين يديه. اللهم إن حال بيني وبينه الموت الذي جعلته على عبادك حتما، فأخرجني من
قبري، مؤتزرا كفني، شاهرا سيفي، مجردا قناتي، ملبيا دعوة الداعي، في الحاضر
والبادي. اللهم أرني الطلعة الرشيدة، والغرة الحميدة، واكحل ناظري بنظرة مني إليه،
وعجل فرجه، وسهل مخرجه، وأوسع منهجه، واسلك بي محجته، فانفذ أمره، واشدد أزره،
واعمر اللهم به بلادك، وأحي به عبادك، فانك قلت وقولك الحق: " ظهر الفساد في البر
والبحر بما كسبت أيدي الناس " (1). فأظهر اللهم لنا وليك، وابن بنت نبيك المسمى
باسم رسولك حتى لا يظفر بشئ من الباطل إلا مزقه، ويحق الحق ويحققه، واجعله اللهم
مفزعا لمظلوم عبادك، وناصرا لمن لا يجد له ناصرا غيرك، ومجددا لما عطل من أحكام
كتابك ومشيدا لما ورد من أعلام دينك وسنن نبيك صلى الله عليه وآله واجعله ممن حصنته
من بأس المعتدين. اللهم وسر نبيك محمدا صلى الله عليه وآله برؤيته، ومن تبعه على
دعوته، وارحم استكانتنا بعده، اللهم اكشف هذه الغمة عن الامة بحضوره، وعجل لنا
ظهوره، إنهم يرونه
(1) الروم: 41.
[97]
بعيدا ونراه قريبا، العجل العجل يا مولاي
يا صاحب الزمان، برحمتك يا أرحم الراحمين. ثم تضرب على فخذك الأيمن بيدك ثلاث مرات
وتقول: " العجل يا مولاي يا صاحب الزمان " - ثلاثا. 112 - صبا: روي عن الصادق جعفر
بن محمد عليهما السلام أنه قال: من أراد أن يزور قبر رسول الله صلى الله عليه وآله
والأئمة صلوات الله عليهم من بعيد، فليقل وساق الزيارة إلى قوله " إني من القائلين
بفضلكم، مقر برجعتكم لا انكر لله قدرة، ولا أزعم إلا ما شاء الله ". أقول: أكثر هذه
الأخبار المتعلقة بالزيارات والأدعية مذكورة في كتب الزيارات التي عندنا من الشهيد
والمفيد وغيرهما وفي كتابنا العتيق وفي كتاب زوائد الفوائد لولد السيد علي بن طاوس.
113 - كا: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن عمار بن مروان، عمن
سمع أبا عبد الله عليه السلام في حديث طويل في صفة قبض روح المؤمن (1) قال: ثم يزور
آل محمد في جنان رضوى فيأكل معهم من طعامهم، ويشرب معهم من شرابهم، ويتحدث معهم في
مجالسهم، حتى يقوم قائمنا أهل البيت، فإذا قام قائمنا بعثهم الله فأقبلوا معه يلبون
زمرا زمرا (2) فعند ذلك يرتاب المبطلون ويضمحل المحلون، وقليل ما يكونون، هلكت
المحاضير، ونجا المقربون. من أجل ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه
السلام: أنت أخي وميعاد ما بيني وبينك وادي السلام. بيان: قال الفيروز آبادي: رجل
محل منتهك للحرام أو لا يرى للشهر الحرام حرمة انتهى و " المقربون " بفتح الراء أي
الذين لا يستعجلون هم المقربون وأهل التسليم، أو بكسر الراء أي الذين يقولون الفرج
قريب ولا يستبطؤنه.
(1) تراه في كتاب الجنائز باب التعزى ج 3
ص 131. (2) من التلبية، اي يرجعون إلى الدنيا ويلبون دعوة قائم آل محمد جماعة
جماعة.
[98]
روى الشيخ حسن بن سليمان في كتاب المحتضر
من كتاب القائم للفضل بن شاذان، عن محمد بن إسماعيل، عن محمد بن سنان مثله. 114 -
وعن الكتاب المذكور، عن الفضل، عن صالح بن حمزة، عن الحسن ابن عبد الله، عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: أنا الفاروق الأكبر، وصاحب
الميسم، وأنا صاحب النشر الأول، والنشر الآخر، وصاحب الكرات، ودولة الدول، وعلى يدي
يتم موعد الله وتكمل كلمته، وبي يكمل الدين. أقول: تمامه في أبواب علمهم عليهم
السلام. 115 - مل: الحسين بن محمد بن عامر، عن أحمد بن إسحاق بن سعد، عن سعدان بن
مسلم قائد أبي بصير قال: حدثني بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام في زيارة
الحسين عليه السلام إلى قوله: " ونصرتي لكم معدة، حتى يحكم الله، ويبعثكم فمعكم
معكم لا مع عدوكم، إني من المؤمنين برجعتكم، لا انكر لله قدرة، ولا اكذب له مشية،
ولا أزعم أن ما شاء لا يكون. 116 - مل: أبو عبد الرحمان محمد بن أحمد بن الحسن
العسكري ومحمد بن الحسن جميعا، عن الحسن بن علي بن مهزيار، عن أبيه، عن ابن أبي
عمير، عن محمد بن مروان عن أبي حمزة الثمالي، عن الصادق عليه السلام في زيارة
الحسين عليه السلام " ونصرتي لكم معدة، حتى يحييكم الله لدينه ويبعثكم، وأشهد أنكم
الحجة، وبكم ترجى الرحمة، فمعكم معكم لا مع عدوكم، إني [بإيا] بكم من المؤمنين، لا
انكر لله قدرة ولا اكذب منه بمشية. ثم قال: اللهم صل على أمير المؤمنين عبدك وأخي
رسولك إلى أن قال: اللهم أتمم به كلماتك، وأنجز به وعدك، وأهلك به عدوك، واكتبنا في
أوليائه وأحبائه اللهم اجعلنا شيعة وأنصارا وأعوانا على طاعتك، وطاعة رسولك، وما
وكلت به واستخلفته عليه، يا رب العالمين ". 117 - مل: أبي وجماعة مشايخي، عن محمد
بن يحيى العطار، وحدثني محمد بن مت الجوهري جميعا، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن علي
بن حسان
[99]
عن عروة ابن أخي شعيب العقرقوفي، عمن
ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أتيت عند قبر الحسين عليه السلام
ويجزيك عند قبر كل إمام، وساق إلى قوله: " اللهم لا تجعله آخر العهد من زيارة قبر
ابن نبيك، وابعثه مقاما محمودا تنتصر به لدينك، وتقتل به عدوك، فانك وعدته، وأنت
الرب الذي لا تخلف الميعاد " وكذلك تقول عند قبور كل الأئمة عليهم السلام. 118 -
قل: يستحب أن يدعى في يوم دحو الأرض بهذا الدعاء وساقه إلى قوله: " وابعثنا في كرته
حتى نكون في زمانه من أعوانه ". 119 - فس: " قتل الانسان ما أكفره " (1) قال: هو
أمير المؤمنين قال: ما أكفره أي ماذا فعل وأذنب حتى قتلوه ثم قال " من أي شئ خلقه،
من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره " قال يسر له طريق الخير " ثم أماته فأقبره، ثم
إذا شاء أنشره " قال: في الرجعة، " كلا لما يقض ما أمره " أي لم يقض أمير المؤمنين
ما قد أمره، وسيرجع حتى يقضي ما أمره. أخبرنا أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد، عن
ابن أبي نصر، عن جميل ابن دراج، عن أبي سلمة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته
عن قول الله " قتل الانسان ما أكفره " قال: نعم، نزلت في أمير المؤمنين عليه السلام
ما أكفره يعني بقتلكم إياه، ثم نسب أمير المؤمنين عليه السلام فنسب خلقه وما أكرمه
الله به، فقال: " من أي شئ خلقه " يقول: من طينة الأنبياء خلقه، فقدره للخير " ثم
السبيل يسره " يعني سبيل الهدى ثم أماته ميتة الأنبياء ثم إذا شاء أنشره [قلت: ما
قوله " ثم إذا شاء أنشره " ؟] (2) قال: يمكث بعد قتله في الرجعة فيقضي ما أمره.
كنز: محمد بن العباس، عن أحمد بن إدريس مثله. بيان: قوله " ما أكفره " في خبر أبي
سلمة يحتمل أن يكون ضميره راجعا إلى أمير المؤمنين عليه السلام بأن يكون استفهاما
إنكاريا كما مر في الخبر السابق
(1) عبس: 17. (2) راجع تفسير القمي: 712،
وما بين العلامتين ساقط من الاصل المطبوع.
[100]
ويحتمل أن يكون راجعا إلى القاتل بقرينة
المقام فيكون على التعجب أي ما أكفر قاتله، ويؤيد الأول الخبر الأول، ويؤيد الثاني
أن في رواية محمد بن العباس يعني قاتله بقتله إياه. 120 - كنز: محمد بن العباس، عن
جعفر بن محمد بن الحسين، عن عبد الله بن عبد الرحمان، عن محمد بن عبد الحميد، عن
مفضل بن صالح، عن جابر، عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على علي بن أبي طالب عليه
السلام يوما فقال: أنا دابة الأرض (1). أقول: قد سبق في باب علامات ظهوره عليه
السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال بعد ذكر قتل الدجال: ألا إن بعد ذلك
الطامة الكبرى، قلنا: وماذاك يا أمير المؤمنين ؟ قال: خروج دابة [من] الأرض، من عند
الصفا، معها خاتم سليمان وعصا موسى، تضع الخاتم على وجه كل مؤمن فينطبع فيه: " هذا
مؤمن حقا " ويضعه على وجه كل كافر فيكتب فيه: " هذا كافر حقا " إلى آخر ما مر (2).
121 - غط: الفضل بن شاذان، عن الحسن بن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر
الجعفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام [يقول:]: والله ليملكن منا أهل البيت رجل
بعد موته ثلاثمائة سنة يزداد تسعا، قلت: متى يكون ذلك ؟ قال: بعد القائم قلت: وكم
يقوم القائم في عالمه ؟ قال: تسعة عشر سنة ثم يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين ودماء
أصحابه فيقتل ويسبي حتى يخرج السفاح (3). بيان: الظاهر أن المراد بالمنتصر الحسين،
وبالسفاح أمير المؤمنين صلوات الله عليهما كما سيأتي (4). 122 - ختص: عمرو بن ثابت،
عن جابر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول:
(1) أخرجه المصنف في ج 39 ص 243 من الطبعة
الحديثة. (2) راجع ج 52 ص 194. (3) المصدر ص 300 وهو آخر كتاب الغيبة. (4) يأتي في
الحديث الذي بعده، وهكذا في ص 103 تحت الرقم 130.
[101]
والله ليملكن رجل منا أهل البيت بعد موته
ثلاث مائة سنة ويزداد تسعا قال: فقلت: فمتى يكون ذلك ؟ قال: فقال: بعد موت القائم
عليه السلام قلت له: وكم يقوم القائم في عالمه حتى يموت ؟ قال: فقال: تسعة عشر من
يوم قيامه إلى يوم موته قال: قلت له: فيكون بعد موته الهرج ؟ قال: نعم خمسين سنة،
ثم يخرج المنتصر إلى الدنيا فيطلب بدمه ودماء أصحابه، فيقتل ويسبي، حتى يقال: لو
كان هذا من ذرية الأنبياء، ما قتل الناس كل هذا القتل ؟ فيجتمع عليه الناس أبيضهم
وأسودهم فيكثرون عليه حتى يلجؤه إلى حرم الله، فإذا اشتد البلاء عليه، وقتل المنتصر
خرج السفاح من الدنيا غضبا للمنتصر، فيقتل كل عدو لنا. وهل تدري من المنتصر والسفاح
يا جابر ؟ المنتصر الحسين بن علي، والسفاح علي بن أبي طالب عليه السلام (1). 123 -
كا: محمد بن يحيى وأحمد بن محمد جميعا، عن محمد بن الحسن، عن علي ابن حسان، عن أبي
عبد الله الرياحي، عن أبي الصامت الحلواني، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير
المؤمنين صلوات الله عليه: لقد اعطيت الست: علم المنايا والبلايا [والوصايا] (2)
وفصل الخطاب، وإني لصاحب الكرات، ودولة الدول، وإني لصاحب العصا والميسم، والدابة
التي تكلم الناس. ير: عن علي بن حسان مثله. 124 - كا: محمد بن مهران، عن محمد بن
علي، ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد جميعا، عن محمد بن سنان، عن المفضل، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيرا ما يقول: أنا
قسيم الله بين الجنة والنار، وأنا الفاروق الأكبر وأنا صاحب العصا والميسم الخبر
(3). كا: الحسين بن محمد، عن المعلى، عن محمد بن جمهور، عن محمد بن سنان مثله.
(1) تراه في الاختصاص ص 257 و 258. (2)
راجع اصول الكافي ج 1 ص 198 بصائر الدرجات ص 53 والحديث مختصر. (3) اصول الكافي ج 1
ص 196 وفيه: أحمد بن مهران، في صدر السند.
[102]
كا: علي بن محمد، ومحمد بن الحسن، عن سهل
بن زياد، عن محمد بن الوليد شباب الصيرفي، عن سعيد الأعرج، عن أبي عبد الله عليه
السلام مثله (1). 125 - يب، كا: علي، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن بريد بن معاوية
عن أبي عبد الله عليه السلام [قال]: والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله
الموتى، ويميت الأحياء، ويرد الحق إلى أهله، ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه إلى آخر
ما أورداه في كتاب الزكاة (2). 126 - فس: " ووصينا الإنسان بوالديه " (3) إنما عنى
الحسن والحسين عليهما السلام ثم عطف على الحسين فقال: " حملته أمه كرها ووضعته كرها
" وذلك أن الله أخبر رسول الله وبشره بالحسين قبل حمله، وأن الامامة يكون في ولده
إلى يوم القيامة. ثم أخبره بما يصيبه من القتل والمصيبة في نفسه وولده، ثم عوضه بأن
جعل الامامة في عقبه، وأعلمه أنه يقتل ثم يرده إلى الدنيا، وينصره حتى يقتل أعداءه
ويملكه الأرض، وهو قوله: " ونريد أن نمن على الذين اسضعفوا في الأرض " الآية (4)
وقوله " ولقد كتبنا في الزبور " الآية (5) فبشر الله نبيه صلى الله عليه وآله أن
أهل بيتك يملكون الأرض، ويرجعون إليها، ويقتلون أعداءهم، فأخبر رسول الله صلى الله
عليه وآله فاطمة عليها السلام بخبر الحسين عليه السلام وقتله، فحملته كرها. ثم قال
أبو عبد الله عليه السلام: فهل رأيتم أحدا يبشر بولد ذكر فيحمله كرها أي إنها اغتمت
وكرهت لما اخبرت بقتله، ووضعته كرها لما علمت من ذلك، وكان بين الحسن والحسين
عليهما السلام طهر واحد، وكان الحسين عليه السلام في بطن أمه ستة أشهر وفصاله أربعة
وعشرون شهرا، وهو قول الله " وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ".
(1) راجع الكافي ج 1 ص 197. (2) راجع
الكافي ج 3 ص 538. التهذيب ج 1 ص 376. باب أدب المصدق. (3) الاحقاف: 15. (4) القصص:
5. (5) الانبياء: 105.
[103]
127 - فس: قوله " وإن للذين ظلموا " (1)
آل محمد حقهم " عذابا دون ذلك " قال: عذاب الرجعة بالسيف. 128 - فس: " إذا تتلى
عليهم آياتنا قال: " أي الثاني " أساطير الأولين " أي أكاذيب الأولين " سنسمه على
الخرطوم " (2) قال في الرجعة إذا رجع أمير المؤمنين ويرجع أعداؤه فيسمهم بميسم معه،
كما توسم البهائم على الخراطيم: الأنف والشفتان. 129 - فس: قوله تعالى: " قم فأنذر
" (3) قال: هو قيامه في الرجعة ينذر فيها. 130 - خص: مما رواه لي السيد الجليل بهاء
الدين علي بن عبد الحميد الحسيني رواه بطريقه عن أحمد بن محمد الأيادي يرفعه إلى
أحمد بن عقبة، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام سئل عن الرجعة أحق هي ؟ قال:
نعم فقيل له: من أول من يخرج ؟ قال: الحسين يخرج على أثر القائم عليهما السلام،
قلت: ومعه الناس كلهم ؟ قال: لا بل كما ذكر الله تعالى في كتابه " يوم ينفخ في
الصور فتأتون أفواجا " (4) قوم بعد قوم. وعنه عليه السلام: ويقبل الحسين عليه
السلام في أصحابه الذين قتلوا معه، ومعه سبعون نبيا كما بعثوا مع موسى بن عمران،
فيدفع إليه القائم عليه السلام الخاتم، فيكون الحسين عليه السلام هو الذي يلي غسله
وكفنه وحنوطه ويواريه في حفرته. وعن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام
يقول: والله ليملكن منا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة، ويزداد تسعا، قلت:
متى يكون ذلك ؟ قال: بعد القائم عليه السلام، قلت: وكم يقوم القائم في عالمه ؟ قال:
تسع عشرة سنة
(1) الطور: 47. (2) القلم: 15. (3)
المدثر: 2. (4) النبأ: 18.
[104]
ثم يخرج المنتصر إلى الدنيا وهو الحسين
عليه السلام، فيطلب بدمه ودم أصحابه، فيقتل ويسبي حتى يخرج السفاح وهو أمير
المؤمنين عليه السلام. ورويت عنه أيضا بطريقه إلى أسد بن إسماعيل، عن أبي عبد الله
عليه السلام أنه قال حين سئل عن اليوم الذي ذكر الله مقداره في القرآن " في يوم كان
مقداره خمسين ألف سنة " (1) وهي كرة رسول الله صلى الله عليه وآله فيكون ملكه في
كرته خمسين ألف سنة ويملك أمير المؤمنين في كرته أربعة وأربعين ألف سنة. بيان:
أقول: عندي كتاب الأنوار المضيئة تصنيف الشيخ علي بن عبد الحميد والأخبار موجودة
فيه، وروى أيضا باسناده، عن الفضل بن شاذان، باسناده عن أبي جعفر عليه السلام قال:
إذا ظهر القائم ودخل الكوفة بعث الله تعالى من ظهر الكوفة سبعين ألف صديق، فيكونون
في أصحابه وأنصاره. 131 - خص: من كتاب السلطان المفرج عن أهل الايمان تصنيف السيد
الجليل بهاء الدين علي بن عبد الكريم الحسني يرفعه إلى علي بن مهزيار قال: كنت
نائما في مرقدي إذ رأيت فيما يرى النائم قائلا يقول: حج السنة فانك تلقى صاحب
الزمان، وذكر الحديث بطوله (2) ثم قال: يا ابن مهزيار إنه إذا فقد الصين وتحرك
المغربي، وسار العباسي، وبويع السفياني، يؤذن لولي الله، فأخرج بين الصفا والمروة،
في ثلاثمائة وثلاثة عشر فأجئ إلى الكوفة، فأهدم مسجدها، وأبنيه على بنائه الأول
وأهدم ما حوله من بناء الجبابرة. وأحج بالناس حجة الاسلام، وأجئ إلى يثرب، فأهدم
الحجرة، واخرج من بها وهما طريان، فأمر بهما تجاه البقيع وآمر بخشبتين يصلبان
عليهما فتورقان من تحتهما، فيفتتن الناس بهما أشد من الاولى، فينادي مناد الفتنة من
السماء يا سماء انبذي، ويا أرض خذي ! فيومئذ لا يبقى على وجه الأرض إلا مؤمن قد
أخلص
(1) المعارج: 4. (2) قد مر الحديث بطوله
في باب ذكر من رآه برواية كمال الدين تحت الرقم 28 و 32 ولم يكن فيهما ذكر هذه
العلامات راجع ج 52 ص 32 و 42.
[105]
قلبه للايمان. قلت: يا سيدي ما يكون بعد
ذلك ؟ قال: الكرة الكرة الرجعة، ثم تلا هذه الآية " ثم رددنا لكم الكرة عليهم
وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا " (1). أقول: ورأيت في أصل كتابه مثله.
132 - مل: محمد بن جعفر الرزاز، عن ابن أبي الخطاب وأحمد بن الحسن ابن علي بن فضال،
عن مروان بن مسلم، عن بريد العجلي قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: يا ابن رسول
الله صلى الله عليه وآله أخبرني عن إسمعيل الذي ذكره الله في كتابه حيث يقول: "
واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا " (2) أكان إسماعيل بن
إبراهيم عليهما السلام فان الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم، فقال عليه السلام:
إن إسماعيل مات قبل إبراهيم، وإن إبراهيم كان حجة لله قائما صاحب شريعة، فإلى من
ارسل إسماعيل إذا. قلت: فمن كان جعلت فداك ؟ قال: ذاك إسماعيل بن حزقيل النبي عليه
السلام بعثه الله إلى قومه فكذبوه وقتلوه وسلخوا فروة وجهه، فغضب الله له عليهم
فوجه إليه سطاطائيل ملك العذاب، فقال له: يا إسماعيل أنا سطاطائيل ملك العذاب وجهني
رب العزة إليك، لاعذب ؟ ؟ قومك بأنواع العذاب كما شئت، فقال له إسماعيل: لا حاجة لي
في ذلك يا سطاطائيل. فأوحى الله إليه: فما حاجتك يا إسماعيل ؟ فقال إسماعيل: يا رب
إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية، ولمحمد بالنبوة، ولأوصيائه بالولاية، وأخبرت
خلقك بما تفعل امته بالحسين بن علي عليهما السلام من بعد نبيها، وإنك وعدت الحسين
أن تكره إلى الدنيا، حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به، فحاجتي إليك يا رب أن تكرني
إلى الدنيا حتى أنتقم ممن فعل ذلك بي ما فعل، كما تكر الحسين. فوعد الله إسماعيل بن
حزقيل ذلك فهو يكر مع الحسين بن علي عليهما السلام.
(1) أسرى: 6. (2) مريم: 54. (*)
[106]
133 - مل: الحميري، عن أبيه، عن علي بن
محمد بن سالم، عن محمد بن خالد عن عبد الله بن حماد البصري، عن عبد الله بن عبد
الرحمن الأصم، عن أبي عبيدة البزاز، عن حريز قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام:
جعلت فداك ما أقل بقاءكم أهل البيت وأقرب آجالكم بعضها من بعض، مع حاجة هذا الخلق
إليكم ؟ فقال: إن لكل واحد منا صحيفة فيها ما يحتاج إليه أن يعمل به في مدته، فإذا
انقضى ما فيها مما امر به، عرف أن أجله قد حضر، وأتاه النبي ينعى إليه نفسه، وأخبره
بما له عند الله. وإن الحسين صلوات الله عليه قرأ صحيفته التي اعطيها وفسر له ما
يأتي وما يبقى وبقي منها أشياء لم تنقض، فخرج إلى القتال وكانت تلك الامور التي
بقيت أن الملائكة سألت الله في نصرته فأذن لهم فمكثت تستعد للقتال وتتأهب لذلك حتى
قتل، فنزلت وقد انقطعت مدته، وقتل صلوات الله عليه. فقالت الملائكة: يا رب أذنت لنا
في الانحدار، وأذنت لنا في نصرته، فانحدرنا وقد قبضته ؟ فأوحى الله تبارك وتعالى
إليهم أن الزموا قبته حتى ترونه قد خرج فانصروه، وابكوا عليه وعلى ما فاتكم من
نصرته، وإنكم خصصتم بنصرته والبكاء عليه، فبكت الملائكة تقربا وجزعا على ما فاتهم
من نصرته، فإذا خرج صلوات الله عليه يكونون أنصاره (1). 134 - كنز: محمد بن العباس،
عن جعفر بن محمد بن مالك، عن القاسم بن إسماعيل، عن علي بن خالد العاقولي، عن عبد
الكريم الخثعمي، عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام في قوله
تعالى " يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة " (2) قال: الراجفة الحسين بن علي عليهما
السلام، والرادفة علي بن أبي طالب عليه السلام، وأول من ينفض عن رأسه التراب الحسين
بن علي عليهما السلام في خمسة وسبعين الفا وهو قوله
(1) تراه في الباب 27 من كتاب المزار لابي
القاسم جعفر بن محمد بن قولويه ورواه الكليني في أصول الكافي ج 1 ص 283، ولم يخرجه
المصنف. (2) النازعات: 6.
[107]
تعالى " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في
الحيوة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم
سوء الدار " (1) فر: ابو القاسم العلوي معنعنا عن أبي عبد الله عليه السلام مثله،
وفيه في خمسة وتسعين ألفا (2). يل، فض: عن أبي عبد الله عليه السلام مثله. 135 -
خص: من كتاب التنزيل والتحريف، أحمد بن محمد السياري، عن محمد بن خالد، عن عمر بن
عبد العزيز، عن عبد الله بن نجيح اليماني قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: " ثم
لتسئلن يومئذ عن النعيم " (3) قال: النعيم الذي أنعم الله عليكم بمحمد وآل محمد صلى
الله عليه وعليهم. وفي قوله تعالى " لو تعلمون علم اليقين " قال: المعاينة وفي قوله
تعالى " كلا سوف تعلمون " قال: مرة بالكرة واخرى يوم القيامة. 136 - جش: كانت لمؤمن
الطاق مع أبي حنيفة حكايات كثيرة فمنها أنه قال له يوما: يابا جعفر ! تقول بالرجعة
؟ فقال: نعم، فقال له: أقرضني من كيسك هذا خمسمائة دينار، فإذا عدت أنا وأنت رددتها
إليك، فقال له في الحال: اريد ضمينا يضمن لي أنك تعود إنسانا، وإني أخاف أن تعود
قردا فلا أتمكن من استرجاع. ما أخذت. ج: مثله بتغيير ما. 137 - خص: من كتاب الغارات
لإبراهيم بن محمد الثقفي: روى حديثا عن أمير المؤمنين عليه السلام منه: قيل له: فما
ذو القرنين ؟ قال عليه السلام: رجل بعثه الله إلى قومه فكذبوه وضربوه على قرنه
فمات، ثم أحياه الله، ثم بعثه إلى قومه فكذبوه وضربوه على قرنه الآخر فمات، ثم
أحياه الله، فهو ذوالقرنين، لأنه ضربت قرناه.
(1) غافر: 51 و 52. (2) تراه في المصدر ص
203. (3) التكاثر: 8 وما بعده: 5 و 4، على الترتيب.
[108]
وفي حديث آخر " وفيكم مثله " يريد نفسه
(1). ومنه أيضا حدثنا عبد الله بن أسيد الكندي وكان من شرطة الخميس، عن أبيه قال:
إني لجالس مع الناس عند علي عليه السلام إذ جاء ابن معز وابن نعج معهما عبد الله
ابن وهب، قد جعلا في حلقه ثوبا يجرانه فقالا: يا أمير المؤمنين اقتله ولا تداهن
الكذابين، قال: ادنه فدنا فقال لهما: فما يقول ؟ قالا: يزعم أنك دابة الأرض وأنك
تضرب على هذا قبيل هذا - يعنون رأسه إلى لحيته - فقال: ما يقول هؤلاء ؟ قال: يا
أمير المؤمنين حدثتهم حديثا حدثنيه عمار بن ياسر، قال: اتركوه، فقد روى عن غيره يا
ابن ام السوداء، إنك تبقر الحديث بقرا، خلوا سبيل الرجل فان يك كاذبا فعليه كذبه
وإن يك صادقا يصيبني الذي يقول. ومنه أيضا عن عباية قال: سمعت عليا عليه السلام
يقول " أنا سيد الشيب وفي سنة من أيوب ". لأن أيوب ابتلي ثم عافاه الله من بلواه،
وآتاه أهله، ومثلهم معهم، كما حكى الله سبحانه فروي أنه أحيا له أهله الذين قد
ماتوا وكشف ضره، وقد صح عنهم صلوات الله عليهم أنه: كل ما كان في بني إسرائيل يكون
في هذه الامة مثله حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، وقد قال: إن فيه عليه السلام
شبهه. وقوله (2) " والله ليجمعن الله لي أهلي كما جمعوا ليعقوب عليه السلام فان
يعقوب فرق بينه وبين أهله برهة من الزمان ثم جمعوا له ". فقد حلف عليه السلام أن
الله سبحانه وتعالى سيجمع له ولده كما جمعهم ليعقوب وقد كان اجتماع يعقوب بولده في
دار الدنيا فيكون أمير المؤمنين عليه السلام كذلك في الدنيا يجمعون له في رجعته
عليه السلام وولده الأئمة عليهم السلام، وهم المنصوصون على
(1) روى مثل ذلك الصدوق في العلل ج 1 ص 37
باب العلة التي من أجلها سمى ذوالقرنين ذا القرنين. (2) ما جعلناه بين العلامتين
"... " هو متن قوله عليه السلام برواية عباية بن ربعي وما سواه كالشرح له.
[109]
رجعتهم في أحاديثهم الصحيحة الصريحة "
والعاقبة للمتقين " (1) وهم المتقون. 138 - خص: ومن كتاب تأويل ما نزل من القرآن في
النبي وآله صلوات الله عليه وعليهم تأليف أبي عبد الله محمد بن العباس بن مروان،
وعلى هذا الكتاب خط السيد رضي الدين علي بن موسى بن طاؤوس ما صورته: قال النجاشي في
كتاب الفهرست، ما هذا لفظه: محمد بن العباس ثقة ثقة في أصحابنا عين سديد، له كتاب
المقنع في الفقه، كتاب الدواجن، وقال جماعة من أصحابنا أنه لم يصنف في معناه مثله
(2). رواية علي بن موسى بن طاؤوس عن فخار بن معد العلوي وغيره عن شاذان بن جبرئيل
عن رجاله ومنه قوله عزوجل " إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعنقاهم لها
خاضعين (3). 1 - حدثنا علي بن عبد الله بن أسد، عن إبراهيم بن محمد، عن أحمد بن
معمر الأسدي، عن محمد بن فضل، عن الكلبي (4) عن أبي صالح، عن ابن عباس في قوله
عزوجل " إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين ". قال: هذه نزلت
فينا وفي بني أمية: يكون لنا عليهم دولة فتذل أعناقهم لنا بعد صعوبة، وهوان بعد عز.
2 - حدثنا الحسين بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن بعض أصحابنا، عن أبي بصير،
عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول الله عزوجل: " إن نشأ ننزل عليهم من
السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين " قال: تخضع لها رقاب بني امية قال: ذلك بارز
عند زوال الشمس، قال: وذلك علي بن أبي طالب صلوات الله عليه، يبرز عند زوال الشمس
على رؤس الناس ساعة حتى يبرز وجهه يعرف الناس حسبه ونسبه.
(1) الاعراف: 128. (2) راجع النجاشي ص
294. (3) الشعراء: 4. (4) في الاصل المطبوع: " الكليني " وهو تصحيف ظاهر.
[110]
ثم قال: أما إن بني أمية ليخبين الرجل
منهم إلى جنب شجرة فتقول: هذا رجل من بني امية فاقتلوه. 3 - حدثنا محمد بن [العباس،
عن] جعفر بن محمد بن الحسن، عن عبد الله بن محمد الزيات، عن محمد يعني ابن الجنيد،
عن مفضل بن صالح، عن جابر، عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على علي عليه السلام
يوما فقال: أنا دابة الأرض. 4 - حدثنا علي بن أحمد بن حاتم، عن إسماعيل بن إسحاق
الراشدي، عن خالد بن مخلد، عن عبد الكريم بن يعقوب الجعفي، عن جابر بن يزيد، عن أبي
عبد الله الجدلي قال: دخلت على علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: ألا احدثك ثلاثا
قبل أن يدخل علي وعليك داخل ؟ [قلت: بلى ! فقال]: أنا عبد الله، أنا دابة الأرض
صدقها وعدلها وأخو نبيها وأنا عبد الله. ألا اخبرك بأنف المهدي وعينه ؟ قال: قلت:
نعم، فضرب بيده إلى صدره فقال: أنا (1). 5 - حدثنا محمد بن الحسن بن الصباح، عن
الحسين بن الحسن القاشي، عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمان بن
سيابة، عن أبي داود عن أبي عبد الله الجدلي قال: دخلت على علي عليه السلام فقال:
احدثك بسبعة أحاديث إلا أن يدخل علينا داخل، قال: قلت: افعل جعلت فداك، قال: أتعرف
أنف المهدي وعينه ؟ قال: قلت: أنت يا أمير المؤمنين قال: وحاجبا الضلالة (2) تبدو
مخازيهما في آخر الزمان ؟ قال: قلت: أظن والله يا أمير المؤمنين أنهما فلان وفلان
فقال: الدابة وما الدابة عدلها وصدقها وموقع بعثها، والله مهلك من ظلمها وذكر
الحديث. 6 - حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، عن الحسن السلمي، عن أيوب بن
(1) وأخرجه المصنف رحمه الله في الباب 86
من كتاب تاريخ أمير المؤمنين عليه السلام تحت الرقم 32 عن كنز وبينهما اختلاف سندا
ومتنا راجع البحار ج 39 ص 243 من الطبعة الحديثة. (2) هذا هو الظاهر، وفي الاصل
المطبوع: " وحاجب الضلالة " بالافراد وهو تصحيف.
[111]
نوح، عن صفوان، عن يعقوب بن شعيب، عن
عمران بن ميثم، عن عباية قال: أتى رجل أمير المؤمنين عليه السلام فقال: حدثني عن
الدابة قال: وما تريد منها ؟ قال: أحببت أن أعلم علمها، قال: هي دابة مؤمنة تقرأ
القرآن وتؤمن بالرحمان وتأكل الطعام، وتمشي في الأسواق. 7 - حدثنا الحسين بن أحمد،
عن محمد بن عيسى، عن صفوان مثله وزاد في آخره قال: من هو يا أمير المؤمنين ؟ قال:
هو علي ثكلتك أمك. 8 - حدثنا إسحاق بن محمد بن مروان، عن أبيه، عن عبد الله بن
الزبير القرشي، عن يعقوب بن شعيب، عن عمران بن ميثم أن عباية حدثه أنه كان عند أمير
المؤمنين عليه السلام [وهو] يقول: حدثني أخي أنه ختم ألف نبي وإني ختمت ألف وصي
وإني كلفت ما لم يكلفوا، وإني لأعلم ألف كلمة ما يعلمها غيري وغير محمد صلى الله
عليه وآله ما منها كلمة إلا مفتاح ألف باب بعد ما تعلمون منها كلمة واحدة، غير أنكم
تقرؤن منها آية واحدة في القرآن " وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض
تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون " (1) وما تدرونها من ؟ 9 - حدثنا أحمد بن
إدريس، عن أحمد بن محمد بن سعيد، عن أحمد بن محمد ابن إسحاق الحضرمي، عن أحمد بن
مستنير، عن جعفر بن عثمان وهو عمه قال: حدثني صباح المزني ومحمد بن كثير بن بشير بن
عميرة الأزدي قالا: حدثنا عمران بن ميثم، عن عباية بن ربعي قال: كنت جالسا عند أمير
المؤمنين عليه السلام خامس خمسة وذكر نحوه. 10 - حدثنا الحسين بن إسماعيل القاضي،
عن عبد الله بن أيوب المخزومي عن يحيى بن أبي بكير، عن أبي حريز، عن علي بن زيد بن
جذعان، عن خالد بن أوس، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: تخرج
دابة الأرض ومعها عصى موسى عليه السلام وخاتم سليمان عليه السلام تجلو وجه المؤمن
بعصا موسى عليه السلام وتسم وجه الكافر بخاتم سليمان عليه السلام.
(1) النمل: 82.
[112]
11 - حدثنا أحمد بن محمد بن الحسن الفقيه،
عن أحمد بن عبيد بن ناصح عن الحسين بن علوان، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة
قال: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام وهو يأكل خبزا وخلا وزيتا فقلت: يا أمير
المؤمنين قال الله عزوجل " وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم "
(1) فما هذه الدابة ؟ قال: هي دابة تأكل خبزا وخلا وزيتا. 12 - حدثنا الحسين بن
أحمد، عن محمد بن عيسى (2)، عن يونس بن عبد الرحمان، عن سماعة بن مهران، عن الفضل
بن الزبير، عن الأصبغ بن نباتة قال: قال لي معاوية: يا معشر الشيعة تزعمون أن عليا
عليه السلام دابة الأرض ؟ فقلت: نحن نقول، واليهود تقول، فأرسل إلى رأس الجالوت
فقال: ويحك تجدون دابة الأرض عندكم [مكتوبة] ؟ فقال: نعم، فقال: ما هي ؟ فقال: رجل،
فقال: أتدري ما اسمه ؟ قال: نعم، اسمه أليا قال: فالتفت إلي فقال: ويحك يا أصبغ !
ما أقرب أليا من " عليا " (3). 13 - حدثنا الحسين بن أحمد، عن محمد بن عيسى، عن
يونس، عن بعض أصحابه، عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السلام: أي شئ يقول الناس
في هذه الآية " وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم " فقال: هو
أمير المؤمنين عليه السلام. 14 - حدثنا محمد بن الحسن بن الصباح، عن الحسين بن
الحسن، عن علي الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبد الرحمان بن سيابة ويعقوب بن شعيب،
عن صالح ابن ميثم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: حدثني ! قال: فقال: أما سمعت
الحديث
(1) النمل: 82، والحديث أخرجه في البرهان
ج 3 ص 310. (2) في الاصل المطبوع " الحسين بن عيسى " وهو تصحيف والحديث منقول بلفظه
وسنده في البحار ج 39 ص 244 من الطبعة الحديثة. (3) راجع البرهان ج 3 ص: 310.
[113]
من أبيك ؟ قلت: لا، كنت صغيرا، قال: قلت:
فأقول فان أصبت قلت: نعم، وإن أخطأت رددتني عن الخطاء قال: ما أشد شرطك قال: قلت
فأقول، فإن أصبت سكت وإن أخطأت رددتني، قال: هذا أهون علي. قلت: تزعم أن عليا عليه
السلام دابة الأرض. 15 - حدثنا حميد بن زياد، عن عبيدالله بن أحمد بن نهيك، عن عيسى
بن هشام، عن أبان، عن عبد الرحمان بن سيابة، عن صالح بن ميثم، عن أبي جعفر عليه
السلام قال: قلت له: حدثني، قال: أليس قد سمعت [أباك] ؟ قلت: هلك أبي وأنا صبي قال:
قلت: فأقول فان أصبت سكت وإن أخطأت رددتني عن الخطاء قال: هذا أهون، قال: قلت: فاني
أزعم أن عليا دابة الأرض، قال: وسكت. قال: فقال أبو جعفر عليه السلام: وأراك والله
ستقول إن عليا راجع إلينا وقرأ " إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد " (1)
قال: قلت: والله قد جعلتها فيما اريد أن أسألك عنها فنسيتها، فقال أبو جعفر عليه
السلام: أفلا اخبرك بما هو أعظم من هذا ؟ " وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا
ونذيرا " (2) لا تبقى أرض إلا نودي فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول
الله صلى الله عليه وآله وأشار بيده إلى آفاق الأرض. 16 - حدثنا الحسين بن أحمد، عن
محمد بن عيسى، عن يونس، عن إبراهيم ابن عبد الحميد، عن أبان الأحمر رفعه إلى أبي
جعفر عليه السلام في قول الله عزوجل " إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ".
فقال أبو جعفر عليه السلام: ما أحسب نبيكم صلى الله عليه وآله إلا سيطلع عليكم
اطلاعة. 17 - حدثنا جعفر بن محمد بن مالك، عن الحسن بن علي بن مروان، عن سعيد ابن
عمار، عن أبي مروان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل " إن
الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد " قال: فقال لي: لا والله لا تنقضي الدنيا
(1) القصص: 85. (2) السبأ: 28.
[114]
ولا تذهب حتى يجتمع رسول الله صلى الله
عليه وآله وعلي بالثوية فيلتقيان ويبنيان بالثوية مسجدا له اثنا عشر ألف باب - يعني
موضعا بالكوفة. حدثنا أحمد بن هوذة الباهلي، عن إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، عن عبد
الله بن حماد الأنصاري، عن أبي مريم الأنصاري قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
وذكر مثله. قوله " ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر " (1). 18 - حدثنا
الحسين بن محمد (2) عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن مفضل بن صالح، عن زيد الشحام، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: " العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر " الرجعة. حدثنا
الحسين بن محمد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن مفضل بن صالح، عن زيد الشحام، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: " العذاب الأدنى " دابة الأرض. 19 - حدثنا هاشم بن [أبي]
خلف، عن إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة ابن كهيل، عن أبيه، عن سلمة بن كهيل،
عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال في خطبة خطبها في حجة
الوداع: لأقتلن العمالقة في كتيبة فقال له جبرئيل عليه السلام: أو علي، قال: أو علي
بن أبي طالب عليه السلام. 20 - محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عمن ذكره، عن الحسن
بن موسى الخشاب، عن جعفر بن محمد، عن كرام قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: لو
كان الناس رجلين لكان أحدهما الامام عليه السلام، وقال: إن آخر من يموت الإمام عليه
السلام لئلا يحتج أحد على الله أنه تركه بغير حجة [لله] عليه (3).
(1) السجدة: 21. (2) كذا في الاصل المطبوع
ومثله في السند الاتى، وقد مر تحت الرقم 2 و 7 و 12 و 13 و 16: " الحسين بن أحمد "
فتحرر. (3) رواه في الكافي ج 1 ص 180.
[115]
المراد بالإمام هنا الذي هو آخر من يموت:
الحسين عليه السلام (1). لأن الحجة تقوم على الخلق بمنذر أو هاد في الجملة دون
المشار إليه صلى الله عليه وآله (2) على ما ورد عنهم صلوات الله عليهم فيما تقدم من
أن الحسين بن علي عليهما السلام هو الذي يغسل المهدي ويحكم بعده في الدنيا ما شاء
الله، ويجب على من يقر لآل محمد صلى الله عليه وعليهم بالامامة وفرض الطاعة، أن
يسلم إليهم فيما يقولون، ولا يرد شيئا من حديثهم المروي عنهم إذا لم يخالف الكتاب
والسنة. 21 - محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه، عن علي بن أحمد بن موسى
الدقاق، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه الحسين
بن يزيد النوفلي، عن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير قال: قلت للصادق عليه
السلام: يا ابن رسول الله سمعت من أبيك أنه قال: يكون بعد القائم عليه السلام اثنا
عشر إماما، فقال: قد قال " اثنا عشر مهديا " ولم يقل " اثنا عشر إماما " ولكنهم قوم
من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا ومعرفة حقنا. اعلم هداك الله بهداه أن علم آل
محمد ليس فيه اختلاف، بل بعضه يصدق بعضا وقد روينا أحاديث عنهم صلوات الله عليهم
جمة في رجعة الأئمة الاثني عشر فكأنه عليه السلام عرف من السائل الضعف عن احتمال
هذا العلم الخاص الذي خص الله سبحانه من شاء من خاصته، وتكرم به على من أراد من
بريته، كما قال سبحانه وتعالى " ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
" (3) فأوله بتأويل حسن بحيث لا يصعب عليه فينكر قلبه فيكفر. فقد روي في الحديث
عنهم عليهم السلام: ما كل ما يعلم يقال، ولا كل ما يقال حان وقته، ولا كل ما حان
وقته حضر أهله، وروي أيضا: لا تقولوا الجبت والطاغوت وتقولوا الرجعة، فان قالوا: قد
كنتم تقولون ؟ قولوا الآن لا نقول، وهذا من باب
(1) هذا هو الظاهر، وفي الاصل المطبوع: "
آخر من يموت الجنس " وهو تصحيف ظاهر. (2) يعني دون المهدي عليه السلام. (3) الجمعة:
4.
[116]
التقية التي تعبد الله بها عباده في زمن
الأوصياء. 22 - ومن كتاب البشارة للسيد رضي الدين علي بن طاؤوس: وجدت في كتاب تأليف
جعفر بن محمد بن مالك الكوفي باسناده إلى حمران قال: عمر الدنيا مائة ألف سنة لسائر
الناس عشرون ألف سنة وثمانون ألف سنة لآل محمد عليه وعليهم السلام. قال السيد رضي
الدين رحمه الله: وأعتقد أنني وجدت في كتاب طهرين عبد الله أبسط من هذه الرواية.
أقول: إلى هنا كان مأخوذا من كتاب الحسن بن سليمان وقد روى في كتاب كنز الفوائد
الأخبار التي رواها عن محمد بن العباس بإسناده عنه (1). 139 - خص: من كتاب المشيخة
للحسن بن محبوب باسنادي المتصل إليه عن محمد بن سالم، عن أبي جعفر عليه السلام في
قوله تعالى " ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من
سبيل " (2) قال عليه السلام: هو خاص لأقوام في الرجعة بعد الموت، ويجري في القيامة
فبعدا للقوم الظالمين. 140 - مل: الحسين بن محمد، عن المعلى، عن أبي المفضل، عن ابن
صدقة عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كأني بسرير من نور قد وضع
وقد ضربت عليه قبة من ياقوتة حمراء، مكللة بالجوهر، وكأني بالحسين عليه السلام
جالسا على ذلك السرير، وحوله تسعون ألف قبة خضراء، وكأني بالمؤمنين يزورونه ويسلمون
عليه. فيقول الله عزوجل لهم: أوليائي سلوني ! فطالما أوذيتم وذللتم واضطهدتم فهذا
يوم لا تسألوني حاجة من حوائج الدنيا والآخرة إلا قضيتها لكم، فيكون أكلهم وشربهم
من الجنة، فهذه والله الكرامة. بيان: سؤال حوائج الدنيا يدل على أن هذا في الرجعة
إذ هي لا تسأل
(1) وقد أخرجها الحر العاملي في كتابه
الايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة الباب العاشر تحت الرقم 148 - 165 راجع ص
381 - 387. (2) غافر: 11.
[117]
في الآخرة. 141 - غط، ج: فيما كتب الحميري
إلى القائم عليه السلام عن الرجل يقول بالحق ويرى المتعة، ويقول بالرجعة إلى آخر ما
سيأتي في توقيعاته عليه السلام. 142 - ج: فيما خرج من الناحية إلى محمد الحميري على
ما سيأتي: أشهد أنك حجة الله أنتم الأول والآخر، وأن رجعتكم حق لا ريب فيها يوم لا
ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا (1). 143 - من كتاب
علل الشرائع: لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم وكانت عندنا منه نسخة قديمة قال:
أخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله في كتابه ما يصيب أهل بيته بعده: من القتل
والغصب والبلاء، ثم يردهم إلى الدنيا ويقتلون أعداءهم ويملكهم الأرض، وهو قوله
تعالى " ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون " (2)
وقوله " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات " الآية (3). 144 - وفي رسالة
سعد بن عبد الله في أنواع آيات القرآن برواية ابن قولويه وكانت نسخة قديمة منها
عندنا قال أبو جعفر عليه السلام: نزل جبرئيل بهذه الآية هكذا " فإن للظالمين " آل
محمد حقهم " عذابا دون ذلك ولكن أكثر الناس لا يعلمون " (4) يعني عذابا في الرجعة.
145 - قب: قال الرضا عليه السلام: في قوله تعالى " أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم
" قال علي عليه السلام (5). 146 - قب: أبو عبد الله الجدلي: قال أمير المؤمنين عليه
السلام: أنا دابة الأرض (6).
(1) الانعام: 158. (2) الانبياء: 105. (3)
النور: 55. (4) الطور: 47 والاية هكذا: " وان للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثر
الناس لا يعلمون "، وقد مر نظيره عن تفسير علي بن ابراهيم تحت الرقم 127. (5)
النمل: 82. (6) راجع المصدر ج 1 ص 579 من طبعته القديمة.
[118]
147 - شي: عن جابر، عن أبي جعفر عليه
السلام في قوله تعالى: " أموات غير أحياء " يعني كفار غير مؤمنين وأما قوله " وما
يشعرون أيان يبعثون " (1) فانه يعني أنهم لا يؤمنون وأنهم يشركون " إلهكم إله واحد
" فانه كما قال الله وأما قوله: " والذين لا يؤمنون " فانه يعني لا يؤمنون بالرجعة
أنها حق. شي: عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام مثله. 148 - فر: عبد الرحمان بن
محمد العلوي معنعنا، عن ابن عباس في قوله تعالى " والنهار إذا جليها " (2) قال يعني
الأئمة منا أهل البيت يملكون الأرض في آخر الزمان فيملؤنها عدلا وقسطا. 149 - تفسير
النعماني: فيما رواه عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: وأما الرد على من أنكر
الرجعة فقول الله عزوجل " ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون "
(3) أي إلى الدنيا فأما معنى حشر الآخرة فقوله عز وجل " وحشرناهم فلم نغادر منهم
أحدا " (4) وقوله سبحانه: " وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون " في الرجعة
فأما في القيامة، فهم يرجعون. ومثل قوله تعالى " وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما
آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه " (5) وهذا
لا يكون إلا في الرجعة.
(1) النحل: 21. والحديث في العياشي ج 2 ص
257. (2) الشمس: 3، والحديث في المصدر ص 212 وفيه: أحمد بن محمد بن أحمد بن طلحة
الخراساني معنعنا عن جعفر بن محمد عليهما السلام في قول الله عزوجل " والشمس وضحاها
" يعني رسول الله صلى الله عليه وآله " والقمر إذا تلاها " يعني أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب عليه السلام " والنهار إذا جلاها " يعني الائمة منا أهل البيت الحديث
وبعده: " المعين لهم كمعين موسى على فرعون والمعين عليهم كمعين فرعون على موسى.
وأما الحديث الذي رواه عن ابن عباس فليس يناسب هذا الباب، فراجع. (3) النمل: 83.
(4) الكهف: 48. (5) آل عمران: 81.
[119]
ومثله ما خاطب الله به الأئمة، ووعدهم من
النصر والانتقام من أعدائهم فقال سبحانه: " وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا
الصالحات - إلى قوله - لا يشركون بي شيئا " (1) وهذا إنما يكون إذا رجعوا إلى
الدنيا. ومثل قوله تعالى " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة
ونجعلهم الوارثين " (2) وقوله سبحانه " إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد "
(3) أي رجعة الدنيا. ومثله قوله: " ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر
الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم " (4) وقوله عزوجل " واختار موسى قومه سبعين
رجلا لميقاتنا " (5) فردهم الله تعالى بعد الموت إلى الدنيا وشربوا ونكحوا ومثله
خبر العزير. 150 - ير: عبد الله بن محمد، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن بعض من
رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين إني لصاحب العصا والميسم
الخبر (6). 151 - ير: أحمد بن محمد وعبد الله بن عامر، عن ابن سنان، عن المفصل عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين، أنا صاحب العصا والميسم (7). 152
- ير: أبو الفضل العلوي، عن سعد بن عيسى، عن إبراهيم بن الحكم ابن ظهير، عن أبيه،
عن شريك بن عبد الله، عن عبد الأعلى، عن أبي وقاص عن سلمان الفارسي، عن أمير
المؤمنين عليه السلام قال: أنا صاحب الميسم، وأنا الفاروق الأكبر، وأنا صاحب
الكرات، ودولة الدول الخبر (8).
(1) النور: 55. (2) القصص: 6. (3) القصص:
85. (4) البقرة: 243. (5) الاعراف: 155. (6) تراه في المصدر ص 53 وأخرجه المصنف في
ج 39 ص 343 من الطبعة الحديثة. (7) رواه في بصائر الدرجات ص 54، في خبر طويل، ومثله
في أصول الكافي ج 1 ص 197، فما في الاصل المطبوع من رمز سن لهذا الحديث فهو سهو.
(8) أخرجه المصنف - رضوان الله عليه - في تاريخ مولانا أمير المؤمنين عليه السلام
الباب 90 تحت الرقم 17.
[120]
153 - قب: عن الباقر عليه السلام في شرح
قول أمير المؤمنين عليه السلام " على يدي تقوم الساعة " قال: يعني الرجعة قبل
القيامة، ينصر الله بي وبذريتي المؤمنين (1) 154 - فس: جعفر بن أحمد، عن عبيدالله
بن موسى، عن ابن البطائني، عن أبيه عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في
قوله تعالى " إنهم يكيدون كيدا " (2) قال: كادوا رسول الله صلى الله عليه وآله
وكادوا عليا عليه السلام وكادوا فاطمة عليها السلام فقال الله: يا محمد " إنهم
يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين " يا محمد " أمهلهم رويدا " لو قد بعث القائم
عليه السلام فينتقم لي من الجبارين والطواغيت من قريش وبني امية وسائر الناس. 155 -
كنز: محمد بن العباس، عن علي بن محمد، عن أبي جميلة، عن الحلبي ورواه أيضا، عن علي
بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن الفضل بن العباس، عن أبي عبد الله عليه السلام في
قوله " فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها " قال: في الرجعة " ولا يخاف عقباها " (3)
قال: لا يخاف من مثلها إذا رجع. أقول: قد مضى تمامه وشرحه في باب غرائب التأويل
فيهم عليهم السلام. 156 - كنز: في تفسير أهل البيت عليهم السلام قال: حدثنا بعض
أصحابنا عن محمد بن علي، عن عمر بن عبد العزيز، عن عبد الله بن نجيح قال: قلت: لأبي
عبد الله عليه السلام قوله عزوجل " كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون " (4) قال
يعني مرة في الكرة ومرة اخرى يوم القيامة. 157 - كنز: روي مرفوعا بالاسناد إلى محمد
بن خالد، عن ابن سماعة، عن عبد الله القاسم، عن محمد بن يحيى، عن ميسر، عن أبي جعفر
عليه السلام في قوله عزوجل " خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون
" (5) قال: يعني يوم خروج القائم عليه السلام.
(1) مناقب آل أبي طالب الطبعة القديمة ج 1
ص 514، وأخرجه المؤلف في ج 39 ص 349 من الطبعة الحديثة وفيه ينصر الله في ذريتي
المؤمنين وهو تصحيف. (2) الطارق، 15 - 17. (3) الشمس: 14 و 15. (4) التكاثر: 3 و 4.
(5) المعارج: 44.
[121]
158 - كش: قال أحمد بن علي بن كلثوم: كان
أحكم بن بشار إذا ذكر عنده الرجعة فأنكرها فنقول أحد المكذبين. 159 - كش: أحمد بن
علي القمي، عن إدريس بن أيوب، عن الحسين ابن سعيد، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز
العبدي، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: جابر يعلم قول الله عزوجل " إن
الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد " (1). 160 - كش: بهذا الاسناد، عن الحسين، عن
هشام بن سالم، عن محمد بن مسلم وزرارة قالا: سألنا أبا جعفر عليه السلام عن أحاديث
نرواها عن جابر، فقلنا: مالنا ولجابر ؟ فقال: بلغ من إيمان جابر أنه كان يقرأ هذه
الآية " إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد ". كش: بهذا الاسناد: عن الحسين،
عن محمد بن إسماعيل، عن ابن اذينة عن زرارة مثله. 161 - كتاب صفات الشيعة للصدوق:
عن علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي بإسناده، عن الصادق
عليه السلام قال: من أقر بسبعة أشياء فهو مؤمن وذكر منها الإيمان بالرجعة. وروى
أيضا فيه، عن ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام
قال: من أقر بتوحيد الله - وساق الكلام إلى أن قال: وأقر بالرجعة والمتعتين، وآمن
بالمعراج والمسألة في القبر، والحوض والشفاعة، وخلق الجنة والنار، والصراط
والميزان، والبعث والنشور، والجزاء والحساب، فهو مؤمن حقا وهو من شيعتنا أهل البيت.
(1) القصص: 85، أقول: يريد عليه السلام أن
جابرا يعلم تأويل هذه الآية وأنها تصدق في الرجعة.
[122]
* (تذييل) * اعلم يا أخي ! أني لا أظنك
ترتاب بعد ما مهدت وأوضحت لك في القول بالرجعة التي أجمعت الشيعة عليها في جميع
الأعصار، واشتهرت بينهم كالشمس في رابعة النهار، حتى نظموها في أشعارهم، واحتجوا
بها على المخالفين في جميع أمصارهم وشنع المخالفون عليهم في ذلك، وأثبتوه في كتبهم
وأسفارهم. منهم الرازي والنيسابوري وغيرهما وقد مر كلام ابن أبي الحديد حيث أوضح
مذهب الإمامية في ذلك (1) ولولا مخافة التطويل من غير طائل لأوردت كثيرا من كلماتهم
في ذلك. وكيف يشك مؤمن بحقية الأئمة الأطهار عليهم السلام فيما تواتر عنهم في قريب
من مائتي حديث صريح، رواها نيف وأربعون من الثقات العظام، والعلماء الأعلام، في
أزيد من خمسين من مؤلفاتهم كثقة الإسلام الكليني، والصدوق محمد ابن بابويه، والشيخ
أبي جعفر الطوسي، والسيد المرتضى، والنجاشي، والكشي والعياشي، وعلي بن إبراهيم،
وسليم الهلالي، والشيخ المفيد، والكراجكي والنعماني، والصفار، وسعد بن عبد الله،
وابن قولويه، وعلي بن عبد الحميد والسيد علي بن طاؤوس، وولده صاحب كتاب زوائد
الفوائد، ومحمد بن علي بن
(1) قال ابن أبي الحديد في شرح قوله عليه
السلام " فيغريه الله ببني أمية حتى يجعلهم حطاما ": ان قيل: من هذا الرجل الموعود
؟ قيل أما الامامية فيزعمون أنه امامهم الثاني عشر وأنه ابن أمة اسمها نرجس، وأما
أصحابنا فيزعمون أنه فاطمي يولد في مستقبل الزمان لام ولد، وليس بموجود الان. فان
قيل: فمن يكون من بني امية في ذلك الوقت موجودا حتى يقول عليه السلام في أمرهم ما
قال من انتقام هذا الرجل منهم ؟ قيل أما الامامية، فيقولون بالرجعة، ويزعمون أنه
سيعاد قوم بأعيانهم من بني أمية وغيرهم إذا ظهر امامهم المنتظر، وأنه يقطع أيدي
أقوام وأرجلهم، ويسمل عيون بعضهم، ويصلب قوما آخرين، وينتقم من أعداء آل محمد عليهم
السلام المتقدمين والمتأخرين، الكلام. راجع ج 51 ص 121. من طبعتنا هذه.
[123]
إبراهيم، وفرات بن إبراهيم، ومؤلف كتاب
التنزيل والتحريف، وأبي الفضل الطبرسي، وإبراهيم بن محمد الثقفي، ومحمد بن العباس
بن مروان، والبرقي وابن شهر آشوب، والحسن بن سليمان، والقطب الراوندي، والعلامة
الحلي والسيد بهاء الدين علي بن عبد الكريم، وأحمد بن داود بن سعيد، والحسن بن علي
بن أبي حمزة، والفضل بن شاذان، والشيخ الشهيد محمد بن مكي، والحسين بن حمدان،
والحسن بن محمد بن جمهور العمي مؤلف كتاب الواحدة، والحسن ابن محبوب، وجعفر بن محمد
بن مالك الكوفي، وطهر بن عبد الله، وشاذان بن جبرئيل، وصاحب كتاب الفضائل، ومؤلف
كتاب العتيق، ومؤلف كتاب الخطب وغيرهم من مؤلفي الكتب التي عندنا، ولم نعرف مؤلفه
على التعيين، ولذا لم ننسب الأخبار إليهم، وإن كان بعضها موجودا فيها. وإذا لم يكن
مثل هذا متواترا ففي أي شئ يمكن دعوى التواتر، مع ما روته كافة الشيعة خلفا عن سلف.
وظني أن من يشك في أمثالها فهو شاك في أئمة الدين، ولا يمكنه إظهار ذلك من بين
المؤمنين، فيحتال في تخريب الملة القويمة، بإلقاء ما يتسارع إليه عقول المستضعفين،
وتشكيكات الملحدين " يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره
المشركون ". ولنذكر لمزيد التشييد والتأكيد أسماء بعض من تعرض لتأسيس هذا المدعى
وصنف فيه أو احتج على المنكرين، أو خاصم المخالفين، سوى ما ظهر مما قدمنا في ضمن
الأخبار، والله الموفق. فمنهم أحمد بن داود بن سعيد الجرجاني، قال الشيخ في
الفهرست: له كتاب المتعة والرجعة. ومنهم الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، وعد
النجاشي من جملة كتبه كتاب الرجعة. ومنهم الفضل بن شاذان النيسابوري، ذكر الشيخ في
الفهرست والنجاشي
[124]
أن له كتابا في إثبات الرجعة. ومنهم
الصدوق محمد بن علي بن بابويه، فانه عد النجاشي من كتبه كتاب الرجعة. ومنهم محمد بن
مسعود العياشي ذكر الشيخ والنجاشي في الفهرست كتابه في الرجعة. ومنهم الحسن بن
سليمان على ما روينا عنه الأخبار (1). وأما سائر الأصحاب فانهم ذكروها فيما صنفوا
في الغيبة، ولم يفردوا لها رسالة وأكثر أصحاب الكتب من أصحابنا أفردوا كتابا في
الغيبة، وقد عرفت سابقا من روى ذلك من عظماء الأصحاب وأكابر المحدثين الذين ليس في
جلالتهم شك ولا ارتياب. وقال العلامة رحمه الله في خلاصة الرجال، في ترجمة ميسر بن
عبد العزيز: وقال العقيقي: أثنى عليه آل محمد، وهو ممن يجاهد في الرجعة انتهى.
أقول: قيل: المعنى أنه يرجع بعد موته مع القائم عليه السلام، ويجاهد معه والأظهر
عندي أن المعنى أنه كان يجادل مع المخالفين ويحتج عليهم في حقية الرجعة. وقال الشيخ
أمين الدين الطبرسي: في قوله تعالى " وإذا وقع القول عليهم " (2) أي وجب العذاب
والوعيد عليهم، وقيل معناه: إذا صاروا بحيث لا يفلح أحد منهم ولا أحد بسببهم، وقيل:
إذا غضب الله عليهم، وقيل: إذا نزل العذاب بهم عند اقتراب الساعة، " أخرجنا لهم
دابة من الأرض " تخرج بين الصفا والمروة، فتخبر المؤمن بأنه مؤمن، والكافر بأنه
كافر، وعند ذلك يرتفع التكليف، ولا تقبل التوبة
(1) كما ألف المحدث الخبير، المحقق
العلامة النحرير - الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي كتابا ضخما كبيرا في ذلك، سماه
" الايقاظ من الهجعة، بالبرهان على الرجعة " وطبع أخيرا - فقد استوفى فيه. (2)
النمل: 82، نقله عن مجمع البيان ج 7 ص 233 - 235. ملخصا.
[125]
وهو علم من أعلام الساعة، وقيل: لا يبقى
مؤمن إلا مسحته، ولا يبقى منافق إلا خطمته تخرج ليلة جمع، والناس يسيرون إلى منى عن
ابن عمر. وروى محمد بن كعب القرظي قال: سئل علي صلوات الرحمن عليه عن الدابة فقال:
أما والله ما لها ذنب وإن لها للحية. وفي هذا إشارة إلى أنها من الانس. وروي عن ابن
عباس أنها دابة من دواب الأرض لها زغب وريش، ولها أربع قوائم. وعن حذيفة عن النبي
صلى الله عليه وآله قال: دابة الأرض طولها ستون ذراعا لا يدركها طالب، ولا يفوتها
هارب، فتسم المؤمن بين عينيه، فتكتب بين عينيه " مؤمن " وتسم الكافر بين عينيه
فتكتب بين عينيه " كافر " ومعها عصا موسى، وخاتم سليمان عليهما السلام فتجلو وجه
المؤمن بالعصا، وتحطم أنف الكافر بالخاتم، حتى يقال: يا مؤمن ويا كافر. وروي عن
النبي صلى الله عليه وآله أنه يكون للدابة ثلاث خرجات من الدهر فتخرج خروجا بأقصى
المدينة، فيفشو ذكرها في البادية، ولا يدخل ذكرها القرية، يعني مكة ثم تمكث زمانا
طويلا، ثم تخرج خرجه اخرى قريبا من مكة، فيفشو ذكرها في البادية، ويدخل ذكرها
القرية، يعني مكة. ثم صار الناس يوما في أعظم المساجد على الله حرمة، وأكرمها على
الله، يعني المسجد الحرام، لم ترعهم (1) إلا وهي في ناحية المسجد، تدنوا [وترغو]
(2) ما بين الركن الأسود إلى باب بني مخزوم، عن يمين الخارج، في وسط من ذلك فيرفض
الناس عنها، وتثبت لها عصابة عرفوا أنهم لن يعجزوا الله فخرجت عليهم
(1) راع منه، يروع: فزع، فهو روع - ككتف
ورائع، وفلانا أفزعه لازم متعد وارفض - من الارفضاض - بمعنى تفرق، يقال: ارفض الناس
عنه، ومن حوله، أي تفرقوا. (2) في الاصل المطبوع " تدنو " كذا. وفي المصدر " تدنو
وتدنو " وما في الصلب هو الظاهر المطابق لنسخة الدر المنثور.
[126]
تنفض رأسها من التراب فمرت بهم، فجلت عن
وجوههم، حتى تركتها كأنها الكوكب الدري ثم ولت في الأرض لا يدركها طالب، ولا يعجزها
هارب. حتى أن الرجل يقوم فيتعوذ منها بالصلاة، فتأتيه من خلفه فتقول: يا فلان الآن
تصلي ؟ فيقبل عليها بوجهه فتسمه في وجهه، فيتجاور الناس في ديارهم ويصطحبون في
أسفارهم، ويشتركون في الأموال يعرف المؤمن من الكافر، فيقال للمؤمن يا مؤمن وللكافر
يا كافر (1). وروي عن وهب أنه قال: وجهها وجه رجل، وسائر خلقها خلق الطير، ومثل ذلك
لا يعرف إلا من النبوات الالهية. وقوله " تكلمهم " أي تكلمهم بما يسوءهم وهو أنهم
يصيرون إلى النار بلسان يفهمونه. وقيل تحدثهم بأن هذا مؤمن وهذا كافر، وقيل: بان
تقول لهم: إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون، وهو الظاهر. " ويوم نحشر من كل امة
فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون " أي يدفعون، وقيل يحبس أولهم على آخرهم. واستدل
بهذه الآية على صحة الرجعة، من ذهب إلى ذلك من الامامية بأن قال: دخول " من " في
الكلام يوجب التبعيض، فدل ذلك على أن اليوم المشار إليه يحشر فيه قوم دون قوم، وليس
ذلك صفة يوم القيامة الذي يقول فيه سبحانه: " وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا (2).
وقد تظاهرت الأخبار عن أئمة الهدى من آل محمد عليه وعليهم السلام بأن الله سيعيد
عند قيام القائم قوما ممن تقدم موتهم من أوليائه وشيعته، ليفوزوا بثواب نصرته
ومعونته، ويبتهجوا بظهور دولته، ويعيد أيضا قوما من أعدائه لينتقم منهم
(1) أخرجه الطيالسي وعبد بن حميد وابن
جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم و الحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن
حذيفة بن أسيد الغفاري كما في الدر المنثور ج 5 ص 116. وترى فيها سائر ما رواه
الطبرسي رحمه الله. (2) الكهف: 47.
[127]
وينالوا بعض ما يستحقونه من العذاب في
القتل، على أيدي شيعته، وليبتلوا بالذل والخزي، بما يشاهدون من علو كلمته. ولا
يمتري عاقل أن هذا مقدور لله تعالى غير مستحيل في نفسه، وقد فعل الله ذلك في الامم
الخالية، ونطق القرآن بذلك في عدة مواضع مثل قصة عزير وغيره على ما فسرناه في
موضعه، وصح عن النبي صلى الله عليه وآله قوله " سيكون في امتي كل ما كان في بني
إسرائيل حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتموه ".
على أن جماعة من العلماء تأولوا ما ورد من الأخبار في الرجعة على رجوع الدولة
والأمر والنهي، دون رجوع الأشخاص لما ظنوا أن الرجعة تنافي التكليف وليس كذلك، لأنه
ليس فيها ما يلجئ إلى فعل الواجب، والامتناع من القبيح، و التكليف يصح معها كما يصح
مع ظهور المعجزات الباهرة والآيات القاهرة كفلق البحر، وقلب العصا ثعبانا وما أشبه
ذلك. ولأن الرجعة لم يثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيتطرق التأويل عليها وإنما
المعول في ذلك على إجماع الشيعة الإمامية وإن كانت الأخبار تعضده وتؤيده انتهى.
أقول: استدل الشيخ في تفسيره التبيان أيضا على مذهب القائلين بالرجعة وإنما ذكرنا
هذا الكلام بطوله لكثرة فوائده، وليعلم اقوال المخالفين في الدابة وأنه يظهر من
أخبارهم أيضا أن الدابة تكون صاحب العصا والميسم، وقد رووا ذلك في جميع كتبهم،
وليعلم المراد مما استفيض عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه ذكر في المواطن
الكثيرة: أنا صاحب العصا والميسم. وروى الزمخشري في الكشاف أنها تخرج من الصفا،
ومعها عصا موسى وخاتم سليمان، فتضرب المؤمن في مسجده، أو فيما بين عينيه بعصا موسى،
فتنكت نكتة بيضاء فتفشو تلك النكتة في وجهه حتى يضئ لها وجهه كأنه كوكب دري وتكتب
بين عينيه مؤمن، وتنكت الكافر بالخاتم في أنفه فتفشو النكتة حتى يسود
[128]
لها وجهه وتكتب بين عينيه كافر. ثم قال:
وقرئ " تكلمهم " من الكلم وهو الجرح. والمراد به الوسم بالعصا والخاتم، ويجوز أن
يستدل بالتخفيف على أن المراد بالتكليم التجريح انتهى. وقال الصدوق رحمه الله في
رسالة العقائد: اعتقادنا في الرجعة أنها حق وقد قال الله عزوجل: " ألم تر إلى الذين
خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم " (1) كان هؤلاء
سبعين ألف بيت، وكان يقع فيهم الطاعون كل سنة، فيخرج الأغنياء لقوتهم، ويبقى
الفقراء لضعفهم فيقل الطاعون في الذين يخرجون، ويكثر في الذين يقيمون، فيقول الذين
يقيمون: لو خرجنا لما أصابنا الطاعون. ويقول الذين خرجوا: لو أقمنا لأصابنا كما
أصابهم. فأجمعوا على أن يخرجوا جميعا من ديارهم، إذا كان وقت الطاعون فخرجوا
بأجمعهم فنزلوا على شط بحر، فلما وضعوا رحالهم ناداهم الله: موتوا ! فماتوا جميعا
فكنستهم المارة عن الطريق، فبقوا بذلك ما شاء الله تعالى. ثم مر بهم نبي من أنبياء
بني إسرائيل يقال له أرميا، فقال: لو شئت يا رب لأحييتهم فيعمروا بلادك، ويلدوا
عبادك، وعبدوك مع من يعبدك، فأوحى الله تعالى إليه: أفتحب أن احييهم لك ؟ قال: نعم،
فأحياهم الله له، وبعثهم معه، فهؤلاء ماتوا ورجعوا إلى الدنيا ثم ماتوا بآجالهم.
وقال الله عزوجل " أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه
الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم
قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية
للناس وانظر إلى العظام كيف ننشرها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن الله
على كل شئ قدير " (2) فهذا مات مائة سنة ورجع إلى الدنيا وبقي فيها، ثم مات بأجله
وهو عزير.
(1) البقرة: 243. (2) البقرة: 259.
[129]
وقال الله تعالى في قصة المختارين من قوم
موسى لميقات ربه " ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون " (1) ذلك. لما سمعوا كلام
الله قالوا لا نصدق " حتى نرى الله جهرة " " فأخذتهم الصاعقة " (2) بظلمهم فماتوا
فقال موسى عليه السلام يا رب ما أقول ببني إسرائيل إذا رجعت إليهم ؟ فأحياهم الله
له، فرجعوا إلى الدنيا فأكلوا وشربوا ونكحوا النساء، وولد لهم الأولاد ثم ماتوا
بآجالهم. وقال الله عزوجل لعيسى عليه السلام " وإذ تحيي الموتى باذني " (3) وجميع
الموتى الذين أحياهم عيسى عليه السلام بإذن الله، رجعوا إلى الدنيا وبقوا فيها ثم
ماتوا بآجالهم. وأصحاب الكهف " لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا " (4)
ثم بعثهم الله فرجعوا إلى الدنيا ليسألوا بينهم وقصتهم معروفة. فان قال قائل: إن
الله عزوجل قال " وتحسبهم أيقاظا وهم رقود " قيل له: فانهم كانوا موتى وقد قال الله
عزوجل " قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون " (5)
وإن قالوا كذلك فانهم كانوا موتى ومثل هذا كثير. إن الرجعة كانت في الامم السالفة،
وقال النبي صلى الله عليه وآله: يكون في هذه الامة مثل ما يكون في الامم السالفة
حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، فيجب على هذا الأصل أن يكون في هذه الامة رجعة.
البقرة: 56. (2) مأخوذ من قوله تعالى في
سورة البقرة: 55 والنساء: 153. (3) اشارة إلى قوله تعالى " واذ تخرج الموتى باذني "
في المائدة: 110. (4) الكهف: 25. (5) يس: 52، ومراده أن لفظ الرقود لا يختص بالنوم،
بل هو عام يشمل الموت كما في هذه الاية.
[130]
وقد نقل مخالفونا أنه إذا خرج المهدي نزل
عيسى بن مريم فصلى خلفه ونزوله إلى الأرض رجوعه إلى الدنيا بعد موته لأن الله تعالى
قال: " إني متوفيك ورافعك إلي " (1). وقال عزوجل " وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا "
(2) وقال عزوجل " ويوم نحشر من كل أمة فوجا ممن يكذب بآياتنا " (3) فاليوم الذي
يحشر فيه الجميع غير اليوم الذي يحشر فيه فوج. وقال الله عزوجل " وأقسموا بالله جهد
أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون " (4)
يعني في الرجعة وذلك أنه يقول: " ليبين لهم الذي يختلفون فيه " والتبيين يكون في
الدنيا لا في الآخرة وسأجرد في الرجعة كتابا ابين فيها كيفيتها، والدلالة على صحة
كونها إن شاء الله. والقول بالتناسخ باطل، ومن دان بالتناسخ فهو كافر، لأن في
التناسخ إبطال الجنة والنار. وقال الشيخ المفيد في أجوبة المسائل العكبرية - حين
سئل عن قوله تعالى " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحيوة الدنيا " (5) وأجاب
بوجوه فقال: وقد قالت الامامية: إن الله تعالى ينجز الوعد بالنصر للأولياء قبل
الآخرة عند قيام القائم والكرة التي وعد بها المؤمنين في العاقبة. وروى قدس الله
روحه في كتاب الفصول عن الحارث بن عبد الله الربعي أنه قال: كنت جالسا في مجلس
المنصور، وهو بالجسر الأكبر، وسوار القاضي عنده والسيد الحميري ينشده: إن الإله
الذي لا شئ يشبهه * آتاكم الملك للدنيا وللدين آتاكم الله ملكا لا زوال له * حتى
يقاد إليكم صاحب الصين وصاحب الهند مأخوذ برمته * وصاحب الترك محبوس على هون
(1) آل عمران: 55. (2) الكهف: 47. (3)
النمل: 83. (4) النحل: 38. (5) غافر: 51.
[131]
حتى أتى على القصيدة والمنصور مسرور، فقال
سوار: إن هذا والله يا أمير المؤمنين يعطيك بلسانه ما ليس في قلبه، والله إن القوم
الذين يدين بحبهم لغيركم، وإنه لينطوي على عداوتكم، فقال السيد: والله إنه لكاذب،
وإنني في مدحتك لصادق، وإنه حمله الحسد إذ رآك على هذه الحال، وإن انقطاعي إليكم
ومودتي لكم أهل البيت لمعرق فينا من أبوي، وإن هذا وقومه لأعداؤكم في الجاهلية
والاسلام، وقد أنزل الله عزوجل على نبيه صلى الله عليه وآله في أهل بيت هذا: " إن
الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون " (1). فقال المنصور: صدقت فقال
سوار: يا أمير المؤمنين إنه يقول بالرجعة، ويتناول الشيخين بالسب والوقيعة فيهما،
فقال السيد: أما قوله إني أقول بالرجعة، فاني أقول بذلك على ما قال الله تعالى "
ويوم نحشر من كل امة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم يوزعون " (2) وقد قال في موضع آخر "
وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا " (3) فعلمنا أن ههنا حشرين أحدهما عام والآخر خاص،
وقال سبحانه " ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من
سبيل " (4) وقال تعالى " فأماته الله مائة عام ثم بعثه " (5) وقال تعالى " ألم تر
إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم " (6)
فهذا كتاب الله. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يحشر المتكبرون في صورة
الذر يوم القيامة وقال صلى الله عليه وآله: لم يجر في بني إسرائيل شئ إلا ويكون في
أمتي مثله، حتى الخسف والمسخ والقذف، وقال حذيفة: والله ما أبعد أن يمسخ الله عزوجل
كثيرا من هذه الامة قردة وخنازير. فالرجعة التي أذهب إليها ما نطق به القرآن، وجاءت
به السنة، وإني
(1) الحجرات: 4. (2) النمل: 83. (3)
الكهف: 47. (4) غافر 11. (5) البقرة: 259. (6) البقرة: 243.
[132]
لأعتقد أن الله عزوجل يرد هذا يعني سوارا
إلى الدنيا كلبا أو قردا أو خنزيرا أو ذرة فانه والله متجبر متكبر كافر. قال: فضحك
المنصور وأنشأ السيد يقول: جاثيت سوارا أبا شملة * عند الامام الحاكم العادل إلى
آخر الأبيات. وقال رحمه الله في الكتاب المذكور: سأل بعض المعتزلة شيخا من أصحابنا
الامامية، وأنا حاضر في مجلس فيهم جماعة كثيرة من أهل النظر والمتفقهة، فقال له:
إذا كان من قولك أن الله عزوجل يرد الأموات إلى دار الدنيا قبل الآخرة عند القائم،
ليشفي المؤمنين كما زعمتم من الكافرين، وينتقم لهم منهم كما فعل ببني إسرائيل فيما
ذكرتموه، حيث تتعلقون بقوله تعالى: " ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال
وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا " (1) فخبرني ما الذي يؤمنك أن يتوب يزيد وشمر وعبد
الرحمن بن ملجم، ويرجعوا عن كفرهم وضلالهم ويصيروا في تلك الحال إلى طاعة الامام،
فيجب عليك ولايتهم، والقطع بالثواب لهم، وهذا نقض مذاهب الشيعة. فقال الشيخ المسؤل:
القول بالرجعة إنما قلته من طريق التوقيف، وليس للنظر فيه مجال، وأنا لا اجيب عن
هذا السؤال لأنه لا نص عندي فيه، وليس يجوز لي أن أتكلف من غير جهة النص الجواب
فشنع السائل وجماعة المعتزلة عليه بالعجز والانقطاع. فقال الشيخ أيده الله فأقول
أنا: إن عن هذا السؤال جوابين أحدهما أن العقل لا يمنع من وقوع الايمان ممن ذكره
السائل، لأنه يكون إذ ذاك قادرا عليه ومتمكنا منه، ولكن السمع الوارد عن أئمة الهدى
عليهم السلام بالقطع عليهم بالخلود في النار، والتدين بلعنهم والبراءة منهم إلى آخر
الزمان منع من الشك في حالهم، وأوجب القطع على سوء اختيارهم فجروا في هذا
(1) أسرى: 6.
[133]
الباب مجرى فرعون وهامان وقارون، ومجرى من
قطع الله عزوجل على خلوده في النار، ودل القطع على أنهم لا يختارون أبدا الايمان
ممن قال الله تعالى " ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل
شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله " (1) يريد إلا أن يلجئهم الله والذين
قال الله تعالى فيهم " إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون * ولو علم
الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون " (2). ثم قال جل قائلا في
تفصيلهم وهو يوجه القول إلى إبليس " لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين " (3)
وقوله تعالى " وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين " (4) وقوله تعالى " تبت يدا أبي لهب
وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى نارا ذات لهب " فقطع بالنار عليه وأمن من
انتقاله إلى ما يوجب له الثواب، وإذا كان الأمر على ما وصفناه، بطل ما توهمتموه على
هذا الجواب. والجواب الآخر أن الله سبحانه إذا رد الكافرين في الرجعة لينتقم منهم
لم يقبل لهم توبة، وجروا في ذلك مجرى فرعون لما أدركه الغرق " قال آمنت أنه لا إله
إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين " قال الله سبحانه له " الآن وقد
عصيت قبل وكنت من المفسدين " (5) فرد الله عليه إيمانه ولم ينفعه في تلك الحال ندمه
وإقلاعه، وكأهل الآخرة الذين لا يقبل الله لهم توبة ولا ينفعهم ندم لأنهم كالملجئين
إذ ذاك إلى الفعل، ولأن الحكمة تمنع من قبول التوبة أبدا، ويوجب اختصاص بعض الأوقات
بقبولها دون بعض. وهذا هو الجواب الصحيح، على مذهب أهل الإمامة، وقد جاءت به آثار
متظاهرة عن آل محمد صلى الله عليه وآله فروي عنهم في قوله تعالى " يوم يأتي بعض
آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل
انتظروا إنا منتظرون " (6) فقالوا: إن هذه الآية هو القائم عليه السلام فإذا ظهر لم
يقبل توبة
(1) الانعام: 111. (2) الانفال: 22 و 23.
(3) ص: 85. (4) ص: 78. (5) يونس: 90 و 91. (6) الانعام: 158.
[134]
المخالف، وهذا يسقط ما اعتمده السائل.
سؤال: فان قالوا: في هذا الجواب ما أنكرتم أن يكون الله تعالى على ما أصلتموه قد
أغرى عباده بالعصيان، وأباحهم الهرج والمرج والطغيان، لأنهم إذا كانوا يقدرون على
الكفر وأنواع الضلال، وقد يئسوا من قبول التوبة لم يدعهم داع إلى الكف عما في
طباعهم، ولا انزجروا عن فعل قبيح يصلون به إلى النفع العاجل ومن وصف الله تبارك
وتعالى باغراء خلقه بالمعاصي، وإباحتهم الذنوب، فقد أعظم الفرية عليه. جواب: قيل
لهم: ليس الأمر على ما ظننتموه، وذلك أن الدواعي لهم إلى المعاصي ترتفع إذ ذاك، ولا
يحصل لهم داع إلى قبيح على وجه من الوجوه ولا سبب من الأسباب لأنهم يكونون قد علموا
بما سلف لهم من العذاب وقت الرجعة على خلاف أئمتهم عليهم السلام ويعلمون في الحال
أنهم معذبون على ما سبق لهم من العصيان وأنهم إن راموا فعل قبيح تزايد عليهم
العقاب، ولا يكون لهم عند ذلك طبع يدعوهم إلى ما يتزايد عليهم به العذاب، بل يتوفر
لهم دواعي الطباع والخواطر، كلها إلى إظهار الطاعة، والانتقال عن العصيان. وإن
لزمنا هذا السؤال لزم جميع أهل الاسلام مثله في أهل الآخرة وحالهم في إبطال توبتهم
وكون ندمهم غير مقبول، فمهما أجاب الموحدون لمن ألزمهم ذلك فهو جوابنا بعينه. سؤال
آخر: وإن سألوا على المذهب الأول والجواب المتقدم، فقالوا: كيف يتوهم من القوم
الاقامة على العناد، والاصرار على الخلاف، وقد عاينوا فيما تزعمون عقاب القبور، وحل
بهم عند الرجعة العذاب على ما تزعمون أنهم مقيمون عليه، وكيف يصح أن يدعوهم الدواعي
إلى ذلك، ويخطر لهم في فعله الخواطر ما أنكرتم أن تكونوا في هذه الدعوى مكابرين.
جواب: قيل لهم: يصح ذلك على مذهب من أجاب بما حكيناه من أصحابنا بأن يقول: إن جميع
ما عددتموه لا يمنع من دخول الشبهة عليهم في استحسان
[135]
الخلاف، لأن القوم يظنون أنهم إنما بعثوا
بعد الموت تكرمة لهم، وليلوا الدنيا كما كانوا، ويظنون أن ما اعتقدوه في العذاب
السالف لهم كان غلطا منهم، وإذا حل بهم العقاب ثانية توهموا قبل مفارقة أرواحهم
أجسادهم أن ذلك ليس من طريق الإستحقاق، وأنه من الله تعالى، لكنه كما يكون الدول،
وكما حل بالأنبياء عليهم السلام. ولأصحاب هذا الجواب أن يقولوا ليس ما ذكرناه في
هذا الباب بأعجب من كفر قوم موسى عليه السلام وعبادتهم العجل، وقد شاهدوا منه
الآيات، وعاينوا ما حل بفرعون وملائه على الخلاف، ولا هو بأعجب من إقامة أهل الشرك
على خلاف رسول الله صلى الله عليه وآله وهم يعلمون عجزهم عن مثل ما أتى به من
القرآن، ويشهدون معجزاته وآياته عليه السلام ويجدون مخبرات أخباره على حقائقها من
قوله تعالى " سيهزم الجمع ويولون الدبر " (1) وقوله عزوجل: " لتدخلن المسجد الحرام
إنشاء الله آمنين " (2) وقوله عزوجل: " الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد
غلبهم سيغلبون " (3) وما حل بهم من العقاب بسيفه عليه السلام وهلاك كل من توعده
بالهلاك، هذا وفيمن أظهر الإيمان به المنافقون ينضافون في خلافه إلى أهل الشرك
والضلال. على أن هذا السؤال، لا يسوغ لأصحاب المعارف من المعتزلة، لأنهم يزعمون أن
أكثر المخالفين على الأنبياء كانوا من أهل العناد وأن جمهور المظهرين الجهل بالله
تعالى يعرفونه على الحقيقة، ويعرفون أنبياءه وصدقهم، ولكنهم في الخلاف على اللجاجة
والعناد، فلا يمتنع أن يكون الحكم في الرجعة وأهلها على هذا الوصف الذي حكيناه وقد
قال الله تعالى: " ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات
ربنا ونكون من المؤمنين * بل بدالهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما
نهوا عنه وإنهم لكاذبون " (4).
(1) القمر: 45. (2) الفتح: 27. (3) الروم:
2. (4) الانعام: 27 و 28.
[136]
فأخبر سبحانه أن أهل العقاب لو ردهم إلى
الدنيا لعادوا إلى الكفر والعناد مع ما شاهدوا في القبور وفي المحشر من الأهوال وما
ذاقوا من أليم العذاب. وقال رحمه الله في الارشاد عند ذكر علامات ظهور القائم عليه
السلام: وأموات ينشرون من القبور حتى يرجعوا إلى الدنيا فيتعارفون فيها ويتزاورون.
وفي المسائل السروية أنه سئل الشيخ قدس الله روحه عما يروى عن مولانا جعفر بن محمد
الصادق عليهما السلام في الرجعة، وما معنى قوله: " ليس منا من لم يقل بمتعتنا ويؤمن
برجعتنا " (1) أهي حشر في الدنيا مخصوص للمؤمن أو لغيره من الظلمة الجبارين قبل يوم
القيامة. فكتب الشيخ - رحمه الله - بعد الجواب عن المتعة وأما قوله عليه السلام "
من لم يقل برجعتنا فليس منا " فانما أراد بذلك ما يختصه من القول به في أن الله
تعالى يحشر قوما من امة محمد صلى الله عليه وآله بعد موتهم قبل يوم القيامة، وهذا
مذهب يختص به آل محمد صلى الله عليه وآله، والقرآن شاهد به، قال الله عزوجل في ذكر
الحشر الأكبر يوم القيامة: " وحشرناهم فلم نغادر منهم أحدا " (2) وقال سبحانه في
حشر الرجعة قبل يوم القيامة: " ويوم نحشر من كل امة فوجا ممن يكذب بآياتنا فهم
يوزعون " (3) فأخبر أن الحشر حشران: عام وخاص.
(1) رواه الصدوق مرسلا في الفقيه ج 2 ص
148 كما مر في ص 92 من هذا المجلد تحت الرقم 101 ولفظه: ليس منا من لم يؤمن بكرتنا،
و [لم] يستحل متعتنا، ورواه في الهداية على ما في المستدرك ج 2 ص 587 ولفظه " ليس
منا من لم يؤمن برجعتنا ولم يستحل متعتنا ". قال الشيخ الحر العاملي في كتابه
الايقاظ من الهجعة ص 300 في معنى الخبر: " هذا الضمير للمتكلم ومعه غيره - يعني ما
في قوله عليه السلام: كرتنا ورجعتنا - دال بطريق الحقيقة على دخول الصادق عليه
السلام في الرجعة، ومعه جماعة من أهل العصمة عليهم السلام أو الجميع، ولا خلاف في
وجوب الحمل على الحقيقة مع عدم القرينة " انتهى. (2) الكهف: 47. (3) النمل: 83.
[137]
وقال سبحانه مخبرا عمن يحشر من الظالمين
أنه يقول يوم الحشر الأكبر " ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا
فهل إلى خروج من سبيل " (1) وللعامة في هذه الآية تأويل مردود، وهو أن قالوا: إن
المعني بقوله " ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين " أنه خلقهم أمواتا، ثم أماتهم
بعد الحياة، وهذا باطل لا يستمر على لسان العرب، لأن الفعل لا يدخل إلا على من كان
بغير الصفة التي انطوى اللفظ على معناها، ومن خلقه الله أمواتا لا يقال أماته،
وإنما يقال ذلك فيمن طرء عليه الموت بعد الحياة، كذلك لا يقال أحيا الله ميتا إلا
أن يكون قد كان قبل إحيائه ميتا (2) وهذا بين لمن تأمله. وقد زعم بعضهم أن المراد
بقوله " ربنا أمتنا اثنتين " الموتة التي تكون بعد حياتهم في القبور للمسألة فتكون
الاولى قبل الاقبار، والثانية بعده، وهذا أيضا باطل من وجه آخر وهو أن الحياة
للمسألة ليست للتكليف فيندم الإنسان على ما فاته في حاله، وندم القوم على ما فاتهم
في حياتهم المرتين يدل على أنه لم يرد حياة المسألة لكنة أراد حياة الرجعة، التي
تكون لتكليفهم الندم على تفريطهم، فلا يفعلون ذلك فيندمون يوم العرض على ما فاتهم
من ذلك (3). فصل: والرجعة عندنا يختص بمن محض الايمان ومحض الكفر، دون من سوى هذين
الفريقين، فإذا أراد الله تعالى على ما ذكرناه أوهم الشياطين أعداء الله عزوجل أنهم
إنما ردوا إلى الدنيا لطغيانهم على الله، فيزدادوا عتوا، فينتقم الله تعالى
غافر: 11. (2) هذا هو الظاهر، كما صححه
ونقله الحر العاملي في كتابه الايقاظ من الهجعة ص 59، وفي الاصل المطبوع: " بعد
احيائه ميتا "، وله وجه بعيد غير ظاهر. (3) ووجه آخر، وهو أن الظاهر من قولهم تسوية
الحياتين من حيث الابتلاء وصحة الاختبار والامتحان، وأنهم أذنبوا في كلتا الحياتين،
ولذلك قالوا: " فاعترفنا بذنوبنا " بعد اشارتهم إلى الحياتين، ولو كان أحد الحياتين
في القبر للمسألة لم يكن لها دخل في مقام الاعتراف.
[138]
منهم بأوليائه المؤمنين، ويجعل لهم الكرة
عليهم، فلا يبقى منهم إلا من هو مغموم بالعذاب، والنقمة والعقاب، وتصفو الأرض من
الطغاة، ويكون الدين لله تعالى. والرجعة إنما هي لممحضي الإيمان من أهل الملة،
وممحضي النفاق منهم دون من سلف من الامم الخالية. فصل: وقد قال قوم من المخالفين
لنا: كيف يعود كفار الملة بعد الموت إلى طغيانهم وقد عاينوا عذاب الله تعالى في
البرزخ، وتيقنوا بذلك أنهم مبطلون، فقلت لهم: ليس ذلك بأعجب من الكفار الذين
يشاهدون في البرزخ ما يحل بهم من العذاب ويعلمونه ضرورة، بعد الموافقة لهم
والاحتجاج عليهم بضلالهم في الدنيا فيقولون: " يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا
ونكون من المؤمنين " (1) فقال الله عزوجل " بل بدالهم ما كانوا يخفون من قبل ولو
ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون " فلم يبق للمخالف بعد هذا الاحتجاج شبهة
يتعلق بها فيما ذكرناه والمنة لله. وقال السيد الشريف المرتضى رضي الله عنه وحشره
مع آبائه الطاهرين في أجوبة المسائل التي وردت عليه من بلد الري حيث سألوا عن حقيقة
الرجعة، لأن شذاذ الإمامية يذهبون إلى أن الرجعة رجوع دولتهم في أيام القائم عليه
السلام من دون رجوع أجسامهم: الجواب: اعلم أن الذي تذهب الشيعة الإمامية إليه أن
الله تعالى يعيد عند ظهور إمام الزمان المهدي عليه السلام قوما ممن كان قد تقدم
موته من شيعته، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته، ومشاهدة دولته، ويعيد أيضا قوما من
أعدائه لينتقم منهم فيلتذوا بما يشاهدون من ظهور الحق، وعلو كلمة أهله. والدلالة
على صحة هذا المذهب أن الذي ذهبوا إليه مما لا شبهة على عاقل في أنه مقدور لله
تعالى، غير مستحيل في نفسه، فانا نرى كثيرا من مخالفينا ينكرون الرجعة إنكار من
يراها مستحيلة غير مقدورة، وإذا ثبت جواز الرجعة
(1) الانعام: 27 و 28.
[139]
ودخولها تحت المقدور، فالطريق إلى إثباتها
إجماع الإمامية على وقوعها، فانهم لا يختلفون في ذلك، وإجماعهم قد بينا في مواضع من
كتبنا أنه حجة لدخول قول الامام عليه السلام فيه، وما يشتمل على قول المعصوم من
الأقوال، لا بد فيه من كونه صوابا. وقد بينا أن الرجعة لا تنافي التكليف وأن
الدواعي مترددة معنا حين لا يظن ظان أن تكليف من يعاد باطل، وذكرنا أن التكليف كما
يصح مع ظهور المعجزات الباهرة، والآيات القاهرة، فكذلك مع الرجعة، فانه ليس في جميع
ذلك ملجئ إلى فعل الواجب، والامتناع من فعل القبيح. فأما من تأول الرجعة في أصحابنا
على أن معناها رجوع الدولة والأمر والنهي، من دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات، فان
قوما من الشيعة لما عجزوا عن نصرة الرجعة، وبيان جوازها، وأنها تنافي التكليف،
عولوا على هذا التأويل للأخبار الواردة بالرجعة. وهذا منهم غير صحيح، لأن الرجعة لم
تثبت بظواهر الأخبار المنقولة فيطرق التأويلات عليها، فكيف يثبت ما هو مقطوع على
صحته بأخبار الآحاد التي لا توجب العلم وإنما المعول في إثبات الرجعة على إجماع
الامامية على معناها بأن الله تعالى يحيي أمواتا عند قيام القائم عليه السلام من
أوليائه وأعدائه على ما بيناه فكيف يطرق التأويل على ما هو معلوم فالمعنى غير محتمل
انتهى. وقال السيد ابن طاوس نور الله ضريحه في كتاب الطرائف: روى مسلم في صحيحه في
أوائل الجزء الأول باسناده إلى الجراح بن مليح قال: سمعت جابرا يقول: عندي سبعون
ألف حديث، عن أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله تركوها
كلها (1) ثم ذكر مسلم في صحيحه باسناده إلى محمد بن عمر الرازي قال: سمعت
(1) راجع صحيح مسلم ج 1 ص 13 و 14، باب
وجوب الرواية عن الثقات وترك الكذابين، ولفظه: " عندي سبعون الف حديث عن أبي جعفر
عن النبي صلى الله عليه وآله كلها " وروى عن زهير وسلام بن أبي مطيع عن جابر الجعفي
يقول: عندي خمسون ألف حديث عن النبي صلى الله عليه وآله.
[140]
حريزا يقول: لقيت جابر بن يزيد الجعفي فلم
أكتب عنه لأنه كان يؤمن بالرجعة. ثم قال: انظر رحمك الله كيف حرموا أنفسهم الانتفاع
برواية سبعين ألف حديث عن نبيهم صلى الله عليه وآله برواية أبي جعفر عليه السلام
الذي هو من أعيان أهل بيته الذين أمرهم بالتمسك بهم. ثم وإن أكثر المسلمين أو كلهم
قد رووا إحياء الأموات في الدنيا وحديث إحياء الله تعالى الأموات في القبور
للمسألة، وقد تقدمت روايتهم عن أصحاب الكهف وهذا كتابهم يتضمن " ألم تر إلى الذين
خرجوا من ديارهم وهم الوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم " (1) والسبعون
الذين أصابتهم الصاعقة مع موسى عليه السلام وحديث العزير عليه السلام ومن أحياه
عيسى بن مريم عليهما السلام وحديث جريج الذي أجمع على صحته أيضا وحديث الذين يحييهم
الله تعالى في القبور للمسألة. فأي فرق بين هؤلاء وبين ما رواه أهل البيت عليهم
السلام وشيعتهم من الرجعة وأي ذنب كان لجابر في ذلك حتى يسقط حديثه. وقال رحمه الله
أيضا في كتاب سعد السعود قال: الشيخ في تفسيره التبيان عند قوله تعالى " ثم بعثناكم
من بعد موتكم لعلكم تشكرون " (2) استدل بهذه الآية قوم من أصحابنا على جواز الرجعة،
فان استدل بها على جوازها كان صحيحا لأن من منع منه وأحاله فالقرآن يكذبه، وإن
استدل به على وجوب الرجعة وحصولها فلا. ثم قال السيد رحمه الله اعلم أن الذين قال
رسول الله صلى الله عليه وآله فيهم أني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل
بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض لا يختلفون في إحياء الله جل جلاله قوما بعد
مماتهم في الحياة الدنيا من هذه الامة تصديقا لما روى المخالف والمؤالف عن صاحب
النبوة صلى الله عليه وآله: أما المخالف فروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن أبي
سعيد الخدري قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وآله لتتبعن سنن من قبلكم شبرا
بشبر وذراعا بذراع حتى
(1) البقرة: 243. (2) البقرة: 56.
[141]
لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم " قلنا يا رسول
الله اليهود والنصارى ؟ قال: فمن (1). وروى الزمخشري في الكشاف عن حذيفة: أنتم أشبه
الامم سمتا ببني إسرائيل لتركبن طريقهم حذو النعل بالنعل، والقذة بالقذة، حتى أني
لا أدري أتعبدون العجل أم لا ؟. قال السيد: فإذا كانت هذه بعض رواياتهم في متابعة
الامم الماضية، وبني إسرائيل واليهود، فقد نطق القرآن الشريف والأخبار المتواترة أن
خلقا من الامم الماضية واليهود لما قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة فأماتهم
الله ثم أحياهم فيكون على هذا في امتنا من يحييهم الله في الحياة الدنيا. ورأيت في
أخبارهم زيادة على ما تقوله الشيعة من الاشارة إلى أن مولانا عليا يعود إلى الدنيا
بعد ضرب ابن ملجم وبعد وفاته كما رجع ذوالقرنين: فمنها ما ذكره الزمخشري في الكشاف
في حديث ذي القرنين، وعن علي عليه السلام سخر له السحاب ومدت له الأسباب وبسط له
النور. وسئل عنه فقال: أحب الله فأحبه وسأل ابن الكوا ما ذوالقرنين ؟ أملك أم نبي
فقال: ليس بملك ولا نبي لكن كان عبدا صالحا ضرب على قرنه [الأيمن] في طاعة الله
فمات، ثم بعثه الله فضرب على قرنه الأيسر فمات، فبعثه الله وسمي ذا القرنين وفيكم
مثله. ورأيت أيضا في كتب أخبار المخالفين عن جماعة من المسلمين أنهم رجعوا بعد
الممات قبل الدفن وبعد الدفن، وتكلموا وتحدثوا ثم ماتوا، فمن ذلك ما رواه الحاكم
النيسابوري في تاريخه في حديث حسام بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن جده، وكان قاضي
نيسابور، دخل عليه رجل فقيل له: إن عند هذا حديثا عجبا فقال: يا هذا ما هو ؟ فقال:
اعلم أني كنت رجلا نباشا أنبش القبور فماتت امرأة فذهبت لأعرف قبرها فصليت عليها،
فلما جن الليل قال: ذهبت لأنبش عنها وضربت يدي إلى كفنها لأسلبها، فقالت: سبحان
الله رجل من أهل الجنة تسلب
(1) أخرجه في مشكاة المصابيح ص 458 وقال:
متفق عليه.
[142]
امرأة من أهل الجنة ؟ ثم قالت: ألم تعلم
أنك ممن صليت علي وأن الله عزوجل قد غفر لمن صلى علي. قال السيد: فإذا كان هذا قد
رووه ودونوه عن نباش القبور فهلا كان لعلماء أهل البيت عليهم السلام اسوة به، ولأي
حال تقابل روايتهم عليهم السلام بالنفور، وهذه المرأة المذكورة دون الذين يرجعون
لمهمات الامور ؟ والرجعة التي يعتقدها علماؤنا وأهل البيت عليهم السلام وشيعتهم
تكون من جملة آيات النبي صلى الله عليه وآله ومعجزاته، ولأي حال تكون منزلته عند
الجمهور دون موسى وعيسى ودانيال ؟ وقد أحيى الله جل جلاله على أيديهم أمواتا كثيرة
بغير خلاف عند العلماء لهذه الامور. [162 - أقول: وروى الشيخ حسن بن سليمان في كتاب
المحتضر مما رواه من كتاب السيد الجليل حسن بن كبش مما أخذه من كتاب المقتضب
بإسناده عن سلمان الفارسي قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله يوما فلما
نظر إلي قال: يا سلمان إن الله عزوجل لم يبعث نبيا ولا رسولا إلا جعل له اثني عشر
نقيبا قال: قلت: يا رسول الله لقد عرفت هذا من أهل الكتابين، قال: يا سلمان فهل
علمت من نقبائي الاثنى عشر الذين اختارهم الله للامامة من بعدي ؟ فقلت: الله ورسوله
أعلم. قال: يا سلمان خلقني الله من صفوة نوره ودعاني فأطعته، وخلق من نوري عليا
فدعاه فأطاعه، وخلق من نوري ونور علي فاطمة فدعاها فأطاعته، وخلق مني ومن علي
وفاطمة، الحسن والحسين فدعاهما فأطاعا فسمانا الله عزوجل بخمسة أسماء من أسمائه:
فالله المحمود، وأنا محمد، والله العلي وهذا علي، والله فاطر وهذه فاطمة، والله ذو
الاحسان وهذه الحسن، والله المحسن وهذا الحسين. ثم خلق منا ومن نور الحسين تسعة
أئمة فدعاهم فأطاعوا قبل أن يخلق الله عزوجل سماء مبنية وأرضا مدحية، أو هواء أو
ماء أو ملكا أو بشرا، وكنا بعلمه أنوارا نسبحه ونسمع له ونطيع. فقال سلمان: قلت يا
رسول الله بأبي أنت وأمي ما لمن عرف هؤلاء ؟ فقال: يا سلمان من عرفهم حق معرفتهم
واقتدى بهم: فوالى وليهم، وتبرأ من عدوهم
[143]
فهو والله منا، يرد حيث نرد، ويسكن حيث
نسكن، قلت: يا رسول الله فهل يكون إيمان بهم بغير معرفة بأسمائهم وأنسابهم ؟ فقال:
لا يا سلمان، قلت: يا رسول الله فأنى لي بهم ؟ قال: قد عرفت إلى الحسين، قال: ثم
سيد العابدين علي بن الحسين ثم ابنه محمد بن علي باقر علم الأولين والآخرين من
النبيين والمرسلين، ثم جعفر ابن ممد لسان الله الصادق، ثم موسى بن جعفر الكاظم غيظه
صبرا في الله، ثم علي ابن موسى الرضا لأمر الله، ثم محمد بن علي المختار من خلق
الله، ثم علي بن محمد الهادي إلى الله، ثم الحسن بن علي الصامت الأمين على دين
الله، ثم [م ح م د] سماه باسمه ابن الحسن المهدي الناطق القائم بحق الله. قال
سلمان: فبكيت ثم قلت: يا رسول الله فأنى لسلمان لإدراكهم ؟ قال: يا سلمان إنك
مدركهم وأمثالك ومن تولاهم حقيقة المعرفة قال سلمان: فشكرت الله كثيرا ثم قلت: يا
رسول الله إني مؤجل إلى عهدهم ؟ قال: يا سلمان اقرأ " فإذا جاء وعد اوليهما بعثنا
عليكم عبادا لنا اولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ثم رددنا لكم
الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا " (1). قال سلمان: فاشتد
بكائي وشوقي وقلت: يا رسول الله بعهد منك ؟ فقال: إي والذي أرسل محمدا إنه لبعهد
مني ولعلي وفاطمة والحسن والحسين، وتسعة أئمة وكل من هو منا ومظلوم فينا إي والله
يا سلمان ثم ليحضرن إبليس وجنوده وكل من محض الايمان [محضا] ومحض الكفر محضا حتى
يؤخذ بالقصاص والأوتار والثارات ولا يظلم ربك أحدا ونحن تأويل هذه الاية " ونريد أن
نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض
ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون " (2). قال سلمان: فقمت من بين
يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وما يبالي سلمان متى لقي الموت أو لقيه.
(1) أسرى: 5. (2) القصص: 6.
[144]
أقول: رواه ابن عياش في المقتضب عن أحمد
بن محمد بن جعفر الصولي عن عبد الرحمن بن صالح، عن الحسين بن حميد بن الربيع، عن
الأعمش، عن محمد بن خلف الطاطري، عن شاذان، عن سلمان وذكر مثله. ثم قال ابن عياش:
سألت أبا بكر بن محمد بن عمر الجعابي، عن محمد بن خلف الطاطري قال: هو محمد بن خلف
بن موهب الطاطري ثقة مأمون وطاطر سيف من أسياف البحر تنسج فيها ثياب تسمى الطاطرية
كانت تنسب إليها. وروى أيضا عن صالح بن الحسين النوفلي قال: أنشدني أبو سهل
النوشجاني لأبيه مصعب بن وهب: فان تسألاني ما الذي أنا دائن * به فالذي ابديه مثل
الذي اخفي أدين بأن الله لا شئ غيره * قوي عزيز بارئ الخلق من ضعف وأن رسول الله
أفضل مرسل * به بشر الماضون في محكم الصحف وأن عليا بعده أحد عشر * من الله وعد ليس
في ذاك من خلف أئمتنا الهادون بعد محمد * لهم صفو ودي ما حييت لهم أصفي ثمانية منهم
مضوا لسبيلهم * وأربعة يرجون للعدد الموف ولي ثقة بالرجعة الحق مثل ما * وثقت برجع
الطرف مني إلى الطرف ووجدت بخط بعض الأعلام نقلا من خط الشهيد قدس الله روحه قال:
روى الصفواني في كتابه بإسناده قال: سئل الرضا عليه السلام عن تفسير " أمتنا اثنتين
" الآية (1) قال: والله ما هذه الآية إلا في الكرة].
(1) المؤمن: 11.
[145]
(30) * (باب) * (خلفاء المهدي صلوات الله
عيه، وأولاده وما يكون بعده) * (عليه وعلى آبائه السلام) * 1 - ك: الدقاق، عن
الأسدي [عن النخعي، عن النوفلي] (1) عن علي ابن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قلت
للصادق جعفر بن محمد عليهما السلام: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله سمعت من
أبيك عليه السلام أنه قال: يكون بعد القائم اثنى عشر مهديا فقال: إنما قال: اثنى
عشر مهديا ولم يقل اثنا عشر إماما، ولكنهم قوم من شيعتنا يدعون الناس إلى موالاتنا،
ومعرفة حقنا. 2 - غط: محمد الحميري، عن أبيه، عن محمد بن عبد الحميد، ومحمد بن عيسى
عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل أنه
قال: يابا حمزة إن منا بعد القائم أحد عشر مهديا من ولد الحسين عليه السلام (2). 3
- غط: الفضل، عن ابن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا
جعفر عليه السلام يقول: والله ليملكن منا أهل البيت رجل بعد موته ثلاثمائة سنة
يزداد تسعا قلت: متى يكون ذلك ؟ قال: بعد القائم قلت: وكم يقوم القائم في عالمه ؟
قال: تسع عشرة سنة، ثم يخرج المنتصر فيطلب بدم الحسين ودماء أصحابه، فيقتل ويسبي
حتى يخرج السفاح. 4 - شا: ليس بعد دولة القائم لأحد دولة إلا ما جاءت به الرواية من
قيام ولده إنشاء الله ذلك، لم يرد على القطع والثبات وأكثر الروايات أنه لن يمضي
مهدي الامة إلا قبل لقيامة بأربعين يوما يكون فيها الهرج، وعلامة خروج
(1) ما بين العلامتين ساقط من الاصل
المطبوع راجع المصدر ج 2 ص 27، وقد مر مثل السند في ج 51 ص 146 وغير ذلك فراجع. (2)
تراه في المصدر ص 299 وهكذا الحديث الاتى، وقد مر في باب الرجعة.
[146]
الأموات، وقيام الساعة للحساب والجزاء.
والله أعلم (1). 5 - شي: عن جابر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: والله
ليملكن رجل منا أهل البيت الأرض بعد موته ثلاثمائة سنة، ويزداد تسعا قال: قلت: فمتى
ذلك ؟ قال: بعد موت القائم، قال: قلت: وكم يقوم القائم في عالمه حتى يموت ؟ قال:
تسع عشرة سنة، من يوم قيامه إلى موته قال: قلت فيكون بعد موته هرج ؟ قال: نعم خمسين
سنة.
(1) تراه في الارشاد ص 345 في آخر أبياته
وذكر الطبرسي في اعلام الورى في آخر الباب الرابع أنه قد جاءت الرواية الصحيحة أنه
ليس بعد دولة المهدي عليه السلام دولة الا ما ورد من قيام ولده مقامه الا ما شاء
الله ولم ترد على القطع والبت وأكثر الروايات انه لن يمضي من الدنيا الا قبل
القيامة بأربعين يوما يكون فيها الهرج وعلامة خروج الاموات وقيام الساعة والله
اعلم. أقول: قد ورد في ذلك روايات وقد ذكرها المصنف - رحمه الله - في المجلد السابع
باب الاضطرار إلى الحجة منها ما رواه الصدوق في كمال الدين ج 1 ص 339 باب اتصال
الوصية باسناده عن عبد الله بن سليمان العامري عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما
زالت الارض الا ولله تعالى فيها حجة يعرف الحلال من الحرام، ويدعو إلى سبيل الله،
ولا تنقطع الحجة من الارض الا أربعين يوما قبل القيامة، وإذا رفعت الحجة، أغلق باب
التوبة فلا ينفع نفسا ايمانها لم تكن آمنت من قبل الاية. اولئك شرار خلق الله وهم
الذين يقوم عليهم القيامة. وروى مثله البرقي في المحاسن كتاب مصابيح الظلم الباب 21
تحت الرقم 202 (ص 236) بتغيير يسير، والظاهر أن ذلك كان معتقد الشيعة في الصدر
الاول، فقد روى الكليني رحمه الله في اصول الكافي باب تسمية من رآه عليه السلام (ج
1 ص 329) عن عبد الله بن جعفر الحميري قال: اجتمعت أنا والشيخ أبو عمرو - رحمه الله
- عند أحمد بن اسحاق، فغمزني أحمد بن اسحاق أن أساله عن الخلف فقلت له: يا أبا عمرو
! اني اريد أن أسألك عن شئ وما أنا بشاك فيما اريد أن أسألك عنه فان اعتقادي وديني
أن الارض =
[147]
قال: ثم يخرج المنصور إلى الدنيا فيطلب
دمه ودم أصحابه فيقتل ويسبي حتى يقال لو كان هذا من ذرية الأنبياء، ما قتل الناس كل
هذا القتل، فيجتمع الناس عليه أبيضهم وأسودهم، فيكثرون عليه حتى يلجؤنه إلى حرم
الله فإذا اشتد البلاء عليه، مات المنتصر، وخرج السفاح إلى الدنيا غضبا للمنتصر،
فيقتل كل عدو لنا جائر، ويملك الأرض كلها، ويصلح الله له أمره، ويعيش ثلاثمائة سنة
ويزداد تسعا. ثم قال أبو جعفر عليه السلام: يا جابر وهل تدري من المنتصر والسفاح ؟
يا جابر المنتصر الحسين، والسفاح أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين (1). 6 -
غط: جماعة، عن البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن
محمد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصري، عن عمه الحسين
= لا تخلو من حجة الا إذا كان قبل يوم
القيامة بأربعين يوما، فإذا كان ذلك رفعت الحجة وأغلق باب التوبة، فلم يك ينفع نفسا
ايمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في ايمانها خيرا، فأولئك شرار من خلق الله،
الحديث. ولا يخفي أن تلك الروايات انما تحكم بأن الارض لا تخلو من حجة الا قبل
القيامة بأربعين يوما فعند ذلك ترفع الحجة وأما أن تلك الحجة هو المهدي المنتظر
بحيث تقوم القيامة بعد ملكه بسبع سنين فلا دلالة فيها، ولا يساعده الاعتبار، فكيف
ينتظر الاسلام والمسلمون دهرا من الدهور ليخرج الحجة، ويظهر على الدين كله ولو كره
المشركون ثم يكون بعد سبع سنين أو سبعين سنة قيام الساعة ؟ فإذا لابد من الرجعة كما
دلت عليها الروايات، ولا بد وأن يرجع النبي والائمة الهدى عليهم السلام ليخضر ؟ ؟
عود الاسلام ويثمر شجرة الدين وتورق أغصان التقوى والعلم وتشرق الارض بنور ربها،
ولا بأس بأن يسمى كل منهم بالمهدي عليه السلام كما جاءت به الروايات، وسيذكرها
المصنف رحمه الله، مع تأويلها. (1) رواه العياشي في تفسيره ج 2 ص 326. وقد مر مثله
في باب الرجعة عن مختصر البصائر تحت الرقم 130.
[148]
ابن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله
الصادق، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله في الليلة التي كانت فيها وفاته لعلي عليه السلام يا أبا الحسن أحضر صحيفة
ودواة فأملى رسول الله صلى الله عليه وآله وصيته حتى انتهى [إلى] هذا الموضع فقال:
يا علي إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماما ومن بعدهم اثنى عشر مهديا فأنت يا علي أول
الاثني عشر الامام. وساق الحديث إلى أن قال: وليسلمها الحسن عليه السلام إلى ابنه م
ح م د المستحفظ من آل محمد صلى الله عليه وعليهم، فذلك اثنى عشر إماما ثم يكون من
بعده اثنا عشر مهديا فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المهديين (1) له
ثلاثة أسامي اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد والاسم الثالث المهدي وهو أول
المؤمنين. 7 - خص: مما رواه السيد علي بن عبد الحميد بإسناده عن الصادق عليه السلام
أن منا بعد القائم عليه السلام اثنا عشر مهديا من ولد الحسين عليه السلام. 8 - مل:
أبي، عن سعد، عن الجاموراني، عن الحسين بن سيف، عن أبيه عن الحضرمي، عن أبي جعفر
وأبي عبد الله عليهما السلام قالا في ذكر الكوفة: فيها مسجد سهيل الذي لم يبعث الله
نبيا إلا وقد صلى فيه، ومنها يظهر عدل الله، وفيها يكون قائمه والقوام من بعده، وهي
منازل النبيين والأوصياء والصالحين. بيان: هذه الأخبار مخالفة للمشهور، وطريق
التأويل أحد وجهين: الأول أن يكون المراد بالاثني عشر مهديا النبي صلى الله عليه
وآله وسائر الأئمة سوى القائم عليه السلام بأن يكون ملكهم بعد القائم عليه السلام
وقد سبق أن الحسن بن سليمان أولها بجميع الأئمة وقال برجعة القائم عليه السلام بعد
موته وبه أيضا يمكن الجمع بين بعض
(1) في المصدر ص 105: أول المقربين،
والظاهر أنه تصحيف، فان المهدي المنتظر هو الامام الثاني عشر، وبعده يكون أول
المهديين من اثنى عشر مهديا، ان صح الحديث. وأخرج الحديث بتمامه في الباب 41 من
تاريخ مولانا أمير المؤمنين تحت الرقم 81، راجع ج 36 ص 260 و 261 من الطبعة
الحديثة، وفيه أيضا: " أول المقربين ".
[149]
الأخبار المختلفة التي وردت في مدة ملكه
عليه السلام. والثاني أن يكون هؤلاء المهديون من أوصياء القائم هادين للخلق في زمن
سائر الأئمة الذين رجعوا لئلا يخلو الزمان من حجة، وإن كان أوصياء الأنبياء والأئمة
أيضا حججا والله تعالى يعلم (1).
(1) قال السيد المرتضى - رضوان الله عليه
- في امكان ذلك: انا لا نقطع بزوال التكليف عند موت المهدي عليه السلام، بل يجوز أن
يبقى بعده أئمة يقومون بحفظ الدين ومصالح أهله، ولا يخرجنا ذلك عن التسمية بالاثنى
عشرية، لانا كلفنا أن نعلم امامتهم، وقد بينا ذلك بيانا شافيا، فانفردنا بذلك عن
غيرنا. انتهى. أقول: وقد عقد الشيخ الحر العاملي - قدس الله روحه - في كتابه "
الايقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة " بابا في أنه هل بعد دولة المهدي عليه
السلام دولة أم لا ؟ ثم انه بعد ما نقل الروايات الواردة في ذلك نفيا واثباتا،
وجهها بستة وجوه، من أرادها فليراجع ص 392 - 405.
[150]
(31) * (باب) * " ما خرج من توقيعاته عليه
السلام " 1 - غط: أخبرنا جماعة، عن أبي الحسن محمد بن أحمد بن داود القمي قال: وجدت
بخط أحمد بن إبراهيم النوبختي وإملاء أبي القاسم الحسين بن روح رضي الله عنه، على
ظهر كتاب فيه جوابات ومسائل انفذت من قم، يسأل عنها هل هي جوابات الفقيه عليه
السلام أو جوابات محمد بن علي الشلمغاني، لأنه حكي عنه أنه قال: هذه المسائل أنا
أجبت عنها فكتب إليهم على ظهر كتابهم: " بسم الله الرحمن الرحيم قد وقفنا على هذه
الرقعة وما تضمنته، فجميعه جوابنا ولا مدخل للمخذول الضال المضل المعروف بالعزاقري
لعنه الله في حرف منه وقد كانت أشياء خرجت إليكم على يدي أحمد بن هلال (1) وغيره من
نظرائه وكان من ارتدادهم عن الاسلام مثل ما كان من هذا عليهم لعنة الله وغضبه ". "
فاستثبت قديما في ذلك " (2). فخرج الجواب ألا من استثبت فانه لا ضرر في خروج ما خرج
على أيديهم وأن ذلك صحيح. وروي قديما عن بعض العلماء عليهم السلام والصلاة أنه سئل
عن مثل هذا
(1) هذا هو الظاهر وهو أبو جعفر العبرتائي
مر ترجمته في ج 51 ص 380 باب ذكر المذمومين الذين ادعوا البابية، وفي الاصل المطبوع
وهكذا المصدر ص 243، " أحمد ابن بلال " وهو تصحيف أو خلط بابي طاهر محمد بن علي بن
بلال من المذمومين أيضا. فراجع. (2) سيجئ من المصنف - رضوان الله عليه - أنها من
تتمة ما كتب السائل: أي كنت قديما أطلب اثبات هذه التوقيعات، هل هي منكم أولا ؟.
لكن الظاهر انه قد سقط صدر هذا السؤال، وأنها سؤال آخر، لا من تتمة السؤال الاول.
[151]
بعينه في بعض من غضب الله عليه وقال عليه
السلام " العلم علمنا، ولا شئ عليكم من كفر من كفر، فما صح لكم مما خرج على يده
برواية غيره من الثقات رحمهم الله، فاحمدوا الله واقبلوه، وما شككتم فيه أولم يخرج
إليكم في ذلك إلا على يده فردوه إلينا لنصححه أو نبطله، والله تقدست أسماؤه وجل
ثناؤه ولي توفيقكم، وحسيبنا في امورنا كلها ونعم الوكيل ". وقال ابن نوح: أول من
حدثنا بهذا التوقيع أبو الحسين محمد بن علي بن تمام، وذكر أنه كتبه من ظهر الدرج
الذي عند أبي الحسن بن داود، فلما قدم أبو الحسن بن داود وقرأته عليه، ذكر أن هذا
الدرج بعينه كتب بها أهل قم إلى الشيخ أبي القاسم وفيه مسائل فأجابهم على ظهره بخط
أحمد بن إبراهيم النوبختي وحصل الدرج عند أبي الحسن بن داود. نسخة الدرج: مسائل
محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري " بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله بقاءك وأدام
عزك وتأييدك، وسعادتك وسلامتك، وأتم نعمته وزاد في إحسانه إليك، وجميل مواهبه لديك
وفضله عندك، وجعلني من السوء فداك، وقد مني قبلك، الناس يتنافسون في الدرجات، فمن
قبلتموه كان مقبولا ومن دفعتموه كان وضيعا، والخامل من وضعتموه، ونعوذ بالله من
ذلك، وببلدنا أيدك الله جماعة من الوجوه، يتساوون ويتنافسون في المنزلة ". " وورد
أيدك الله كتابك إلى جماعة منهم في أمر أمرتهم به من معاونة ص، وأخرج علي بن محمد
بن الحسين بن مالك المعروف بمالك بادوكة، وهو ختن ص رحمهم الله من بينهم، فاغتم
بذلك وسألني أيدك الله أن اعلمك ما ناله من ذلك، فان كان من ذنب استغفر الله منه،
وإن يكن غير ذلك عرفته ما يسكن نفسه إليه إن شاء الله ". التوقيع: " لم نكاتب إلا
من كاتبنا " (1). وقد عودتني أدام الله عزك من تفضلك ما أنت أهل أن تجريني على
العادة
(1) الظاهر من نسخة الدرج أنها كانت
متضمنة لسؤالات مختلفة، فكتب جواب كل منها في هامشه، ولذلك أفرزنا السؤال عن الجواب
كما ترى.
[152]
وقبلك أعزك الله فقهاء، أنا محتاج إلى
أشياء تسأل لي عنها فروي لنا عن العالم عليه السلام أنه سئل عن إمام قوم صلى بهم
بعض صلاتهم وحدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه فقال: يؤخر ويقدم بعضهم ويتم صلاتهم
ويغتسل من مسه. التوقيع: " ليس على من نحاه إلا غسل اليد، وإذا لم تحدث حادثة تقطع
الصلاة تمم صلاته مع القوم ". وروي عن العالم عليه السلام أن من مس ميتا بحرارته
غسل يده، ومن مسه وقد برد فعليه الغسل، وهذا الامام في هذه الحالة لا يكون مسه إلا
بحرارته والعمل من ذلك على ما هو، ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه فكيف يجب عليه
الغسل. التوقيع: إذا مسه على هذه الحال، لم يكن عليه إلا غسل يده. وعن صلاة جعفر
إذا سها في التسبيح في قيام أو قعود أو ركوع أو سجود وذكره في حالة اخرى قد صار
فيها من هذه الصلاة، هل يعيد ما فاته من ذلك التسبيح في الحالة التي ذكرها أم
يتجاوز في صلاته ؟ التوقيع: إذا هو سها في حالة من ذلك ثم ذكر في حالة اخرى قضى ما
فاته في الحالة التي ذكر. وعن المرأة يموت زوجها هل يجوز أن تخرج في جنازته أم لا
؟. التوقيع: يخرج في جنازته. وهل يجوز لها وهي في عدتها أن تزور قبر زوجها أم لا ؟
التوقيع: تزور قبر زوجها، ولا تبيت عن بيتها. وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حق
يلزمها أم لا تبرح من بيتها وهي في عدتها ؟ التوقيع: إذا كان حق خرجت وقضته، وإذا
كانت لها حاجة لم يكن لها من ينظر فيها خرجت لها حتى تقضي، ولا تبيت عن منزلها.
وروي في ثواب القرآن في الفرائض وغيره أن العالم عليه السلام قال: عجبا لمن لم يقرأ
في صلاته " إنا أنزلناه في ليلة القدر " كيف تقبل صلاته وروي ما زكت
[153]
صلاة لم يقرأ فيها بقل هو الله أحد. وروي
أن من قرأ في فرائضه الهمزة اعطي من الدنيا، فهل يجوز أن يقرأ الهمزة، ويدع هذه
السور التي ذكرناها ؟ مع ما قد روي أنه لا تقبل الصلاة ولا تزكو إلا بهما. التوقيع:
الثواب في السور على ما قد روي وإذا ترك سورة مما فيها الثواب وقرأ قل هو الله أحد،
وإنا أنزلناه. لفضلهما أعطي ثواب ما قرأ وثواب السورة التي ترك، ويجوز أن يقرأ غير
هاتين السورتين، وتكون صلاته تامة، ولكن يكون قد ترك الفضل. وعن وداع شهر رمضان متى
يكون ؟ فقد اختلف فيه أصحابنا، فبعضهم يقول: يقرأ في آخر ليلة منه، وبعضهم يقول هو
في آخر يوم منه إذا رأى هلال شوال. التوقيع: العمل في شهر رمضان في لياليه، والوداع
يقع في آخر ليلة منه، فان خاف أن ينقص جعله في ليلتين. وعن قول الله عزوجل " إنه
لقول رسول كريم " (1) أن رسول الله صلى الله عليه وآله المعني به " ذي قوة عند ذي
العرش مكين " ما هذه القوة " مطاع ثم أمين " ما هذه الطاعة، وأين هي ؟ فرأيك أدام
الله عزك بالتفضل علي بمسألة من تثق به من الفقهاء عن هذه المسائل وإجابتي عنها
منعما، مع ما تشرحه لي من أمر محمد بن الحسين بن مالك المقدم ذكره، بما يسكن إليه
ويعتد بنعمة الله عنده، وتفضل علي بدعاء جامع لي ولاخواني للدنيا والآخرة فعلت
مثابا إنشاء الله. التوقيع: جمع الله لك ولاخوانك خير الدنيا والآخرة. أطال الله
بقاءك، وأدام عزك، وتأييدك وكرامتك، وسعادتك وسلامتك وأتم نعمته عليك، وزاد في
إحسانه إليك، وجميل مواهبه لديك، وفضله عندك وجعلني من كل سوء ومكروه فداك وقدمني
قبلك الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله أجمعين. بيان: ذكر في
الاحتجاج من قوله: " أطال الله بقاك " - إلى قوله -
(1) التكوير: 19 - 21.
[154]
ولاخوانك خير الدنيا والآخرة. أقول: قوله:
" فاستثبت " من تتمة ما كتب السائل اي كنت قديما أطلب إثبات هذه التوقيعات، هل هي
منكم أولا ؟ ولما كان جواب هذه الفقرة مكتوبا تحتها أفردها للاشعار بذلك. قوله "
نسخة الدرج " أي نسخة الكتاب المدرج المطوي، كتبه أهل قم وسألوا عن بيان صحته، فكتب
عليه السلام أن جميعه صحيح، وعبر عن المعان برمز ص للمصلحة وحاصل جوابه عليه السلام
أن هؤلاء كاتبوني وسألوني فأجبتهم، وهو لم يكاتبني من بينهم فلذا لم ادخله فيهم،
وليس ذلك من تقصير وذنب. قوله: " وقبلك أعزك الله " خطاب للسفير المتوسط بينه وبين
الامام عليه السلام، أو للامام تقية، وقول " أطال الله بقاءك " آخرا كلام الحميري
ختم به كتابه، وسائر أجزاء الخبر شرحناها في الأبواب المناسبة لها (1). 2 - غط: من
كتاب آخر " فرأيك أدام الله عزك في تأمل رقعتي، والتفضل بما يسهل لاضيفه إلى سائر
أياديك علي، واحتجت أدام الله عزك أن تسأل لي بعض الفقهاء عن المصلي إذا قام من
التشهد الأول للركعة الثالثة، هل يجب عليه أن يكبر ؟ فان بعض أصحابنا قال: لا يجب
عليه التكبير، ويجزيه أن يقول: بحول الله وقوته أقوم وأقعد. الجواب: قال إن فيه
حديثين: أما أحدهما فانه إذا انتقل من حالة إلى حالة اخرى فعليه تكبير، وأما الآخر
فانه روي أنه إذا رفع رأسه من السجدة الثانية فكبر ثم جلس، ثم قام، فليس عليه
للقيام بعد القعود تكبير، وكذلك التشهد الأول، يجري هذا المجري، وبأيهما أخذت من
جهة التسليم كان صوابا. وعن الفص الخماهن (2) هل تجوز فيه الصلاة إذا كان في إصبعه
؟
(1) يعني أبوابها المناسبة في كتب الفقه.
(2) هذا هو الصحيح، كما فسره المصنف رحمه الله في كتاب الصلاة، ونقله بهذا =
[155]
الجواب: فيه كراهة أن يصلي فيه، وفيه
إطلاق، والعمل على الكراهية. وعن رجل اشترى هديا لرجل غائب عنه، وسأله أن ينحر عنه
هديا بمنى فلما أراد نحر الهدي نسي اسم الرجل ونحر الهدي، ثم ذكره بعد ذلك أيجزئ عن
الرجل أم لا ؟ الجواب: لا بأس بذلك، وقد أجزأ عن صاحبه. وعندنا حاكة مجوس يأكلون
الميتة، ولا يغتسلون من الجنابة، وينسجون لنا ثيابا، فهل يجوز الصلاة فيها من قبل
أن يغسل ؟ الجواب: لا بأس بالصلاة فيها. وعن المصلي يكون في صلاة الليل في ظلمة،
فإذا سجد يغلط بالسجادة، ويضع جبهته على مسح أو نطع (1) فإذا رفع رأسه وجد السجادة،
هل يعتد بهذه السجدة أم لا يعتد بها. الجواب: ما لم يستو جالسا فلا شئ عليه في رفع
رأسه لطلب الخمرة (2)
= اللفظ الشيخ الحر العاملي في الوسائل ب
32 من أبواب لباس المصلى تحت الرقم 11. و " خماهن " ويقال " خماهان " حجر صلب في
غاية الصلابة أغبر يضرب إلى الحمرة وقيل انه نوع من الحديد يسمى بالعربية الحجر
الحديدي والصندل الحديدي، وقيل: انه حجر أبلق يصنع منه الفصوص (برهان قاطع) وفي
الاصل المطبوع - وهكذا بعض نسخ التوقيع - الحماني وهو تصحيف. (1) المسح - بالكسر -
البلاس يقعد عليه، والنطع كذلك -: البساط من الاديم. (2) الخمرة - بالضم - حصيرة
صغيرة قدر ما يسجد عليها المصلى، كانت تعمل من سعف النخل، روى أبو داود في سننه ج 1
ص 152 باب الصلاة على الخمرة حديثا واحدا وهو أنه صلى الله عليه وآله كان يصلى على
الخمرة، والظاهر من روايات الباب أن السجود على الارض فريضة وعلى الخمرة سنة، أي
سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وآله وعمل بها وعليها كان عمل أئمتنا عليهم
السلام، راجع الكافي ج 3: 330 - 332 باب ما يسجد عليه وما يكره.
[156]
وعن المحرم يرفع الظلال هل يرفع خشب
العمارية أو الكنيسة (1) ويرفع الجناحين أم لا ؟ الجواب: لا شئ عليه في تركه وجميع
الخشب. وعن المحرم يستظل من المطر بنطع أو غيره حذرا على ثيابه وما في محمله أن
يبتل فهل يجوز ذلك. الجواب: إذا فعل ذلك في المحمل في طريقه فعليه دم (2). والرجل
يحج عن آخر، هل يحتاج أن يذكر الذي حج عنه عند عقد إحرامه أم لا ؟ وهل يجب أن يذبح
عمن حج عنه وعن نفسه، أم يجزيه هدي واحد ؟. الجواب: يذكره، وإن لم يفعل فلا بأس.
وهل يجوز للرجل أن يحرم في كساء خز أم لا ؟. الجواب: لا بأس بذلك وقد فعله قوم
صالحون (3). وهل يجوز للرجل أن يصلي وفي رجله بطيط (4) لا يغطي الكعبين أم لا يجوز
؟ الجواب: جائز. ويصلي الرجل، ومعه في كمه أو سراويله سكين أو مفتاح حديد، هل يجوز
ذلك ؟
(1) الكنيسة شبه هودج: يغرز في المحمل أو
في الرحل قضبان ويلقى عليه ثوب يستظل به الراكب ويستتر به والجمع كنائس. (2) في
الاصل المطبوع " يحج عن أجر " وفي المصدر ص 248 " يحج عن اجرة " وكلاهما تصحيف. (3)
يعني الائمة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين، راجع الوسائل ب 8 من أبواب لباس
المصلى. (4) البطيط: رأس الخف بلا ساق، قاله الفيروزآبادي، أقول: وينطبق الكلمة على
النعال التي يلبسها العلماء في زماننا هذا.
[157]
الجواب: جائز. وعن الرجل يكون مع بعض
هؤلاء ومتصلا بهم يحج، ويأخذ على الجادة ولا يحرمون هؤلاء من المسلخ فهل يجوز لهذا
الرجل أن يؤخر إحرامه إلى ذات عرق (1) فيحرم معهم، لما يخاف من الشهرة أم لا يجوز
أن يحرم إلا من المسلخ ؟ الجواب: يحرم من ميقاته ثم يلبس الثياب ويلبي في نفسه،
فإذا بلغ إلى ميقاتهم أظهر. وعن لبس النعل المعطون (2) فان بعض أصحابنا يذكر أن
لبسه كريه. الجواب: جائز ذلك ولا بأس. وعن الرجل من وكلاء الوقف يكون مستحلا لما في
يده لا يرع (3) عن أخذ ماله، ربما نزلت في قرية وهو فيها أو أدخل منزله وقد حضر
طعامه فيدعوني إليه، فان لم آكل من طعامه عاداني عليه، وقال: فلان لا يستحل أن يأكل
من طعامنا، فهل يجوز لي أن آكل من طعامه وأتصدق بصدقة ؟ وكم مقدار الصدقة ؟ وإن
أهدى هذا الوكيل هدية إلى رجل آخر فأحضر فيدعوني أن أنال منها وأنا أعلم أن
(1) ميقات أهل العراق: وادى العقيق وأفضله
المسلخ، ثم غمرة، ثم ذات عرق وهو آخر الوادي وهو الميقات الاضطراري، لكنه ميقات أهل
السنة قال ابن قدامة في المغنى ج 3 ص 257: فأما ذات عرق فميقات أهل المشرق في قول
أكثر أهل العلم وهو مذهب مالك وأبي ثور وأصحاب الرأى وقال ابن عبد البر: أجمع أهل
العلم على أن احرام العراق من ذات عرق احرام من الميقات، وروى عن انس أنه كان يحرم
من العقيق واستحسنه الشافعي وقد روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وقت لاهل
المشرق العقيق انتهى. (2) يقال: عطن الجلد كفرح وانعطن: وضع في الدباغ وترك فأفسد
وأنتن، أو نضح عليه الماء فدفنه، فاسترخى شعره لينتف، فهو معطون. قاله
الفيروزآبادي. (3) من الورع: وهو التقوى والكف عن المعاصي والشبهات، ضبطه في
القاموس كورث ووجل ووضع وكرم.
[158]
الوكيل لا يرع عن أخذ ما في يده، فهل فيه
شئ إن أنانلت منها ؟ الجواب: إن كان لهذا الرجل مال أو معاش غير ما في يده، فكل
طعامه واقبل بره وإلا فلا. وعن الرجل يقول بالحق ويرى المتعة، ويقول بالرجعة، إلا
أن له أهلا موافقة له في جميع أمره، وقد عاهدها أن لا يتزوج عليها ولا يتسرى (1)
وقد فعل هذا منذ بضع عشرة سنة، ووفى بقوله، فربما غاب عن منزله الأشهر فلا يتمتع
ولا يتحرك نفسه أيضا لذلك، ويرى أن وقوف من معه من أخ وولد وغلام و وكيل وحاشية مما
يقلله في أعينهم ويحب المقام على ما هو عليه محبة لأهله وميلا إليها، وصيانة لها
ولنفسه، لا يحرم المتعة، بل يدين الله بها، فهل عليه في تركه ذلك مأثم أم لا ؟
الجواب: في ذلك يستحب له أن يطيع الله تعالى (2) ليزول عنه الحلف في المعصية (3)
ولو مرة واحدة. فان رأيت أدام الله عزك أن تسأل لي عن ذلك وتشرحه لي وتجيب في كل
مسألة بما العمل به، وتقلدني المنة في ذلك - جعلك الله السبب في كل خير وأجراه على
يدك - فعلت مثابا إن شاء الله. أطال الله بقاءك وأدام عزك وتأييدك وسعادتك وسلامتك
وكرامتك وأتم نعمته عليك، وزاد في إحسانه إليك، وجعلني من السوء فداك، وقدمني عنك
وقبلك الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد النبي وآله وسلم كثيرا. قال ابن
نوح: نسخت هذه النسخة من الدرجين القديمين اللذين فيهما الخط
(1) تسرى فلان: اتخذ سرية، ويقال: تسرر
أيضا على الابدال، كما يقال: تظنن وتظني، والسرية: الامة التي أنزلتها بيتا والجمع
سرارى بتشديد الياء وربما خففت في الشعر واشتقاقها قيل من السر، وقيل من السرور.
(2) في المصدر ص 250: " الحلف على المعرفة " وفي بعض النسخ " الخلف ". (3) في نسخة
الاحتجاج: أن يطيع الله تعالى بالمتعة.
[159]
والتوقيعات. أقول: روى في الاحتجاج مثله
إلى قوله ليزول عنه الحلف في المعصية ولو مرة واحدة. 3 - ج: في كتاب آخر لمحمد بن
عبد الله الحميري إلى صاحب الزمان عليه السلام من جوابات مسائله التي سأله عنها في
سنة سبع وثلاثمائة. سأل عن المحرم يجوز أن يشد المئزر من خلفه إلى عنقه بالطول،
ويرفع طرفيه إلى حقويه، ويجمعهما في خاصرته ويعقدهما، ويخرج الطرفين الآخرين من بين
رجليه ويرفعهما إلى خاصرته، ويشد طرفيه إلى وركيه، فيكون مثل السراويل يستر ما
هناك، فان المئزر الإول كنا نتزربه (1) إذا ركب الرجل جملة يكشف ما هناك وهذا أستر.
فأجاب عليه السلام جائز أن يتزر الإنسان كيف شاء إذا لم يحدث في المئزر حدثا بمقراض
ولا أبرة يخرجه به عن حد المئزر، وغرزه غرزا، ولم يعقده ولم يشد بعضه ببعض، إذا غطى
سرته وركبتيه كلاهما، فان السنة المجمع عليها بغير خلاف تغطية السرة والركبتين،
والإحب إلينا والإفضل لكل أحد شده على السبيل المعروفة للناس جميعا إن شاء الله.
وسأل رحمه الله هل يجوز أن يشد عليه مكان العقد تكة ؟ فأجاب عليه السلام لا يجوز شد
المئزر بشئ سواه من تكة ولا غيرها. وسأل عن التوجه للصلاة أيقول: " على ملة
إبراهيم، ودين محمد " ؟ فان بعض أصحابنا ذكر أنه إذا قال على دين محمد " فقد أبدع،
لإنا لم نجده في شئ من كتب الصلاة خلا حديثا في كتاب القاسم بن محمد عن جده الحسن
بن راشد أن
(1) أصله تأتزر به، فانه من الازر، لكن
المولدين كثيرا ما يبدلون الهمزة ويدغمونها في التاء فيقولون اتزر، يتزر، وقد جرى
جواب السؤال على تلك اللغة. قال الفيروز آبادى: ائتزر به وتأزر به، ولا تقل: اتزر
وقد جاء في بعض الاحاديث ولعله من تحريف الرواة.
[160]
الصادق عليه السلام قال للحسن: كيف تتوجه
؟ قال: أقول " لبيك وسعديك " فقال له الصادق عليه السلام: ليس عن هذا أسألك كيف
تقول: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما ؟ قال الحسن: أقوله فقال له
الصادق عليه السلام: إذا قلت ذلك فقل " على ملة إبراهيم، ودين محمد، ومنهاج علي بن
أبي طالب والائتمام بآل محمد حنيفا مسلما وما أنا من المشركين ". فأجاب عليه السلام
التوجه كله ليس بفريضة والسنة المؤكدة فيه التي هي كالاجماع الذي لا خلاف فيه: وجهت
وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما على ملة إبراهيم، ودين محمد، وهدى أمير
المؤمنين، وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا
شريك له وبذلك امرت وأنا من المسلمين، اللهم اجعلني من المسلمين أعوذ بالله السميع
العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم ثم يقرأ الحمد. قال الفقيه الذي
لا يشك في علمه: " الدين لمحمد، والهداية لعلي أمير المؤمنين، لأنها له وفي عقبه
باقية إلى يوم القيامة، فمن كان كذلك فهو من المهتدين، ومن شك فلا دين له " ونعوذ
بالله في ذلك من الضلالة بعد الهدى. وسأله عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه
أن يرد يديه على وجهه و صدره للحديث الذي روي أن الله عزوجل أجل من أن يرد يدي عبده
صفرا بل يملاها من رحمته (1) أم لا يجوز ؟ فان بعض أصحابنا ذكر أنه عمل في الصلاة.
فأجاب عليه السلام رد اليدين من القنوت على الرأس والوجه غير جائز في الفرائض
(1) روى الكليني في كتاب الدعاء من اصول
الكافي ج 2 ص 471 عن عبد الله بن ميمون القداح عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما
أبرز عبديده إلى الله العزيز الجبار الا استحيى الله عزوجل أن يردها صفرا حتى يجعل
فيها من فضل رحمته ما يشاء، فإذا دعا أحدكم فلا يرد يده حتى يمسح على وجهه ورأسه.
وروى مثله الصدوق في الفقيه ج 1 ص 107، وكما ترى الحديث ظاهر في الدعاء في غير
الصلوات.
[161]
والذي عليه العمل فيه إذا رفع يده في قنوت
الفريضة، وفرغ من الدعاء أن يرد بطن راحتيه مع صدره تلقاء ركبتيه على تمهل، ويكبر
ويركع، والخبر صحيح وهو في نوافل النهار والليل، دون الفرائض، والعمل به فيها أفضل.
وسأل عن سجدة الشكر بعد الفريضة، فان بعض أصحابنا ذكر أنها بدعة فهل يجوز أن يسجدها
الرجل بعد الفريضة ؟ وإن جاز ففي صلاة المغرب هي بعد الفريضة أو بعد الأربع ركعات
النافلة. فأجاب عليه السلام: سجدة الشكر من ألزم السنن وأوجبها، ولم يقل إن هذه
السجدة بدعة إلا من أراد أن يحدث في دين الله بدعة، وأما الخبر المروي فيها بعد
صلاة المغرب والاختلاف في أنها بعد الثلاث أو بعد الأربع، فان فضل الدعاء والتسبيح
بعد الفرائض على الدعاء بعقيب النوافل، كفضل الفرائض على النوافل والسجدة دعاء
وتسبيح، والإفضل أن يكون بعد الفرض، فان جعلت بعد النوافل أيضا جاز. وسأل أن لبعض
إخواننا ممن نعرفه ضيعة جديدة بجنب ضيعة خراب للسلطان فيها حصة، وأكرته (1) ربما
زرعوا حدودها، وتؤذيهم عمال السلطان، ويتعرض في الأكل من غلات ضيعته، وليس لها قيمة
لخرابها، وإنما هي بائرة منذ عشرين سنة، وهو يتحرج من شرائها لأنه يقال: إن هذه
الحصة من هذه الضيعة، كانت قبضت عن الوقف قديما للسلطان، فان جاز شراؤها من
السلطان، وكان ذلك صوابا كان ذلك صلاحا له، وعمارة لضيعته، وإنه يزرع هذه الحصة من
القرية البائرة لفضل ماء ضيعته العامرة، وينحسم عنه طمع أولياء السلطان، وإن لم يجز
ذلك عمل بما تأمره إن شاء الله. فأجابه عليه السلام الضيعة لا يجوز ابتياعها إلا من
مالكها أو بأمره ورضا منه. وسأل عن رجل استحل بامرأة من حجابها، وكان يتحرز من أن
يقع ولد
(1) قال الجوهري: الاكرة: جمع أكار -
بالتشديد - كأنه جمع آكر في التقدير وهو الحراث الحفار.
[162]
فجاءت بابن فتحرج الرجل أن لا يقبله فقبله
وهو شاك فيه، ليس يخلطه بنفسه، فان كان ممن يجب أن يخلطه بنفسه، ويجعله كسائر ولده
فعل ذلك، وإن جاز أن يجعل له شيئا من ماله دون حقه فعل. فأجاب عليه السلام
الاستحلال بالمرأة يقع على وجوه، والجواب يختلف فيها، فليذكر الوجه الذي وقع
الاستحلال به مشروحا ليعرف الجواب فيما يسأل عنه من أمر الولد إن شاء الله. وسأله
الدعاء له، فخرج الجواب: جاد الله عليه بما هو أهله إيجابنا لحقه ورعايتنا لأبيه
رحمه الله، وقربه منا بما علمناه من جميل نيته، ووقفنا عليه من مخالطته المقربة له
من الله التي ترضي الله عزوجل ورسوله وأولياءه عليهم السلام بما بدأنا نسأل الله
بمسألته ما أمله من كل خير عاجل وآجل، وأن يصلح له من أمر دينه ودنياه ما يحب صلاحه
إنه ولي قدير (1). 4 -: وكتب إليه صلوات الله عليه أيضا في سنة ثمان وثلاثمائة
كتابا سأله فيه عن مسائل أخرى، كتب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم أطال الله بقاءك،
وأدام عزك وكرامتك، وسعادتك وسلامتك، وأتم نعمته عليك، وزاد في إحسانه إليك، وجميل
مواهبه لديك، وفضله عليك، وجزيل قسمه لك، وجعلني من السوء كله فداك، وقدمني قبلك،
إن قبلنا مشايخ وعجايز يصومون رجب منذ ثلاثين سنة وأكثر، ويصلون شعبان بشهر رمضان،
وروى لهم بعض أصحابنا أن صومه معصية. فأجاب: قال الفقيه عليه السلام (2): يصوم منه
أياما إلى خمسة عشر يوما، ثم يقطعه إلا أن يصومه عن الثلاثة الأيام الفائتة للحديث
أن " نعم شهر القضاء رجب ". وسأل عن رجل يكون في محمله، والثلج كثير بقامة رجل،
فيتخوف إن نزل
(1) تراه في الاحتجاج ص 248 و 249. (2)
القائل هو أبو القاسم بن روح النوبختي وكيل الناحية وسفيرها، ومراده بالفقيه هو
القائم المهدي عليه السلام.
[163]
الغوص فيه، وربما يسقط الثلج وهو على تلك
الحال، ولا يستوي له أن يلبد شيئا منه لكثرته وتهافته، هل يجوز له أن يصلي في
المحمل الفريضة ؟ فقد فعلنا ذلك أياما فهل علينا في ذلك إعادة أم لا ؟. فأجاب عليه
السلام لا بأس به عند الضرورة والشدة. وسأل عن الرجل يلحق الامام وهو راكع، فيركع
معه ويحتسب تلك الركعة، فان بعض أصحابنا قال: إن لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له أن
يعتد بتلك الركعة. فأجاب عليه السلام إذا لحق مع الامام من تسبيح الركوع تسبيحة
واحدة اعتد بتلك الركعة، وإن لم يسمع تكبيرة الركوع. وسأل عن رجل صلى الظهر ودخل في
صلاة العصر، فلما أن صلى من صلاة العصر ركعتين استيقن أنه صلى الظهر ركعتين، كيف
يصنع ؟. فأجاب عليه السلام: إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد
الصلاتين، وإذا لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرتين تتمة لصلاة الظهر وصلى
العصر بعد ذلك. وسأل عن أهل الجنة، هل يتوالدون إذا دخلوها أم لا ؟ فأجاب عليه
السلام: إن الجنة لا حمل فيها للنساء، ولا ولادة، ولا طمث، ولا نفاس، ولا شقاء
بالطفولية، وفيها ما تشتهي الأنفس، وتلذ الأعين (1) كما قال سبحانه، فإذا اشتهى
المؤمن ولدا خلقه الله عزوجل بغير حمل ولا ولادة على الصورة التي يريد كما خلق آدم
عليه السلام عبرة. وسأل عن رجل تزوج امرأة بشئ معلوم إلى وقت معلوم، وبقي له عليها
وقت فجعلها في حل مما بقي له عليها، وقد كانت طمثت قبل أن يجعلها في حل من أيامها
بثلاثة أيام أيجوز أن يتزوجها رجل آخر بشئ معلوم إلى وقت معلوم عند طهرها من هذه
الحيضة أو يستقبل بها حيضة أخرى ؟
(1) راجع الزخرف: 71.
[164]
فأجاب عليه السلام يستقبل حيضة غير تلك
الحيضة، لأن أقل تلك العدة حيضة وطهارة تامة. وسأل عن الأبرص والمجذوم، وصاحب
الفالج، هل يجوز شهادتهم ؟ فقد روي لنا أنهم لا يؤمون الأصحاء ؟ فأجاب عليه السلام:
إن كان ما بهم حادث، جازت شهادتهم، وإن كانت ولادة لم تجز. وسأل هل يجوز للرجل أن
يتزوج ابنة امرأته. فأجاب عليه السلام: إن كانت ربيت في حجره فلا يجوز، وإن لم تكن
ربيت في حجره وكانت أمها في غير حباله (1) فقد روي أنه جائز. وسأل هل يجوز أن يتزوج
بنت ابنة امرأة ثم يتزوج جدتها بعد ذلك أم لا ؟. فأجاب عليه السلام: قد نهي عن ذلك.
وسأل عن رجل ادعى على رجل ألف درهم، أقام بها البينة العادلة، وادعى عليه أيضا
خمسمائة درهم في صك آخر (2) وله بذلك كله بينة عادلة، وادعى عليه أيضا بثلاث مائة
درهم في صك آخر، ومائتي درهم في صك آخر، وله بذلك كله بينة عادلة، ويزعم المدعى
عليه أن هذه الصكاك كلها قد دخلت في الصك الذي بألف درهم، والمدعي ينكر أن يكون كما
زعم، فهل تجب عليه الألف الدرهم مرة واحدة أو يجب عليه كما يقيم البينة به ؟ وليس
في الصكاك استثناء إنما هي صكاك على وجهها ؟ فأجاب عليه السلام: يؤخذ من المدعى
عليه ألف درهم، وهي التي لا شبهة فيها
(1) هذا هو الصحيح كما نقله الحر العاملي
في كتاب النكاح ب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة تحت الرقم 7. وفي المصدر " في غير
عياله " وفي الاصل المطبوع " من غير عياله ". ومعنى قوله عليه السلام " وكانت امها
في غير حباله " أي لم تكن تحته. (2) صك: معرب چك بالفارسية، وهو كتاب الاقرار
بالمال أو غيره.
[165]
وترد اليمين في الألف الباقي على المدعي،
فان نكل فلا حق له. وسأل عن طين القبر، يوضع مع الميت في قبره، هل يجوز ذلك أم لا ؟
فأجاب عليه السلام: يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إنشاء الله. وسأل فقال روي
لنا عن الصادق عليه السلام أنه كتب على إزار إسماعيل ابنه " إسماعيل يشهد أن لا إله
إلا الله " فهل يجوز لنا أن نكتب مثل ذلك بطين القبر أم غيره ؟ فأجاب عليه السلام:
يجوز ذلك. وسأل هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر وهل فيه فضل ؟ فأجاب عليه السلام
يسبح به، فما من شئ من التسبيح أفضل منه، ومن فضله أن الرجل ينسى التسبيح، ويدير
السبحة فيكتب له التسبيح. وسأل عن السجدة على لوح من طين القبر وهل فيه فضل ؟ فأجاب
عليه السلام يجوز ذلك وفيه الفضل. وسأل عن الرجل يزور قبور الأئمة عليهم السلام هل
يجوز أن يسجد على القبر أم لا ؟ وهل يجوز لمن صلى عند بعض قبورهم عليهم السلام أن
يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة أم يقوم عند رأسه أو رجليه ؟ وهل يجوز أن يتقدم
القبر ويصلي ويجعل القبر خلفه أم لا ؟ فأجاب عليه السلام أما السجود على القبر فلا
يجوز في نافلة ولا فريضة ولا زيارة والذي عليه العمل، أن يضع خده الأيمن على القبر،
وأما الصلاة فانها خلفه ويجعل القبر أمامه، ولا يجوز أن يصلي بين يديه، ولا عن
يمينه، ولا عن يساره لأن الامام عليه السلام لا يتقدم عليه، ولا يساوي. وسأل فقال:
هل يجوز للرجل إذا صلى الفريضة أو النافلة وبيده السبحة أن يديرها وهو في الصلاة.
فأجاب عليه السلام: يجوز ذلك إذا خاف السهو والغلط. وسأل هل يجوز أن يدير السبحة
بيده اليسار إذا سبح أو لا يجوز ؟ فأجاب عليه السلام: يجوز ذلك والحمد لله.
[166]
وسأل فقال: روي عن الفقيه في بيع الوقوف
خبر مأثور " إذا كان الوقف على قوم بأعيانهم وأعقابهم فاجتمع أهل الوقف على بيعه
وكان ذلك أصلح، لهم أن يبيعوه " فهل يجوز أن يشتري من بعضهم إن لم يجتمعوا كلهم على
البيع ؟ أم لا يجوز إلا أن يجتمعوا كلهم على ذلك وعن الوقف الذي لا يجوز بيعه.
فأجاب عليه السلام إذا كان الوقف على إمام المسلمين فلا يجوز بيعه، وإن كان على قوم
من المسلمين، فليبع كل قوم ما يقدرون على بيعه مجتمعين ومتفرقين إن شاء الله (1).
وسأل هل يجوز للمحرم أن يصير على إبطه المرتك أو التوتيا (2) لريح العرق أم لا يجوز
؟. فأجابه يجوز ذلك. وسأل عن الضرير إذا اشهد في حال صحته على شهادة ثم كف بصره ولا
يرى خطه فيعرفه، هل تجوز شهادته [وبالله التوفيق] (3) أم لا وإن ذكر هذا الضرير
الشهادة هل يجوز أن يشهد على شهادته أم لا يجوز ؟ فأجاب عليه السلام: إذا حفظ
الشهادة وحفظ الوقت جازت شهادته. وسأل عن الرجل يوقف ضيعة أو دابة، ويشهد على نفسه
باسم بعض وكلاء الوقف، ثم يموت هذا الوكيل أو يتغير أمره، ويتولى غيره، هل يجوز أن
يشهد الشاهد لهذا الذي أقيم مقامه، إذا كان أصل الوقف لرجل واحد أم لا يجوز ذلك ؟.
(1) أخرجه الحر العاملي في الوسائل كتاب
الوقوف والصدقات الباب السادس تحت الرقم 9، وقال: ظاهر الجواب هنا عدم تأييد الوقف،
فيرجع وصية أو ميراثا. (2) المرتك: المرتج: وهو ما يعالج به ذفر الابط، وقيل: هو
المرداسنج (معرب مردار سنگ) يتخذ للمراهم، والتوتيا: حجر يكتحل به وانما يعالج به
الابط لانه يسد سيلان العرق. (3) المصدر خال عن ذلك، والانسب أن يكون بعد قوله "
جازت شهادته ". وقد مر نظيره في قوله " يجوز ذلك، والحمد لله ".
[167]
فأجاب عليه السلام: لا يجوز غير ذلك لأن
الشهادة لم تقم للوكيل وإنما قامت للمالك، وقد قال الله تعالى " وأقيموا الشهادة
لله " (1). وسأل عن الركعتين الاخراوين قد كثرت فيهما الروايات، فبعض يروي أن قراءة
الحمد وحدها أفضل وبعض يروي أن التسبيح فيهما أفضل، فالفضل لأيهما لنستعمله ؟.
فأجاب عليه السلام قد نسخت قراءة ام الكتاب في هاتين الركعتين التسبيح، والذي نسخ
التسبيح قول العالم عليه السلام كل صلاة لا قراءة فيها فهي خداج (2) إلا للعليل أو
من يكثر عليه السهو، فيتخوف بطلان الصلاة عليه. وسأل فقال: يتخذ عندنا رب الجوز (3)
لوجع الحلق والبحبحة يؤخذ الجوز
(1) الطلاق: 2. (2) الخداج النقصان، يريد
أن ترك القراءة في أي ركعة من الصلاة نقصان فيها وذلك لان كل صلاة هي مركب من ركعة
أو ركعات فكما تقرء في الركعة الاولى وهكذا الثانية لئلا تكون خداجا فهكذا في
الثالثة والرابعة، والى هذا ذهب من قال بوجوب القراءة في الاخيرتين حال الاختيار،
وأن التسبيح انما هو للمأموم، حيث لا يسمع قراءة الامام. وأما الحديث ولفظه " كل
صلاة لم يقرء فيها فاتحة الكتاب فهي خداج " فقد روى عن النبي صلى الله عليه وآله
كما نقله السيد الرضى في المجازات النبوية ص 70 ورواه أبو داود في سننه ج 1 ص 188،
وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير عن مسند أحمد وسنن الكبرى للبيهقي. فمع أن المصطلح
عند الاصحاب أنهم يطلقون " العالم " على الامام الكاظم عليه السلام لكن يظهر من
التوقيع أنه يطلق العالم ويضيف إليه الاحاديث المروية عن الرسول الاكرم رعاية
للتقية، وسيجئ مثل ذلك عند قوله " لا يقبل الله الصدقة وذو رحم محتاج ". (3) الرب:
المطبوخ من الفواكه، والبحبحة: البحة، أو الصحيح: البححة كذبحة - داء في الحنجرة
يورث خشونة وغلظة في الصوت، والشب - بالفتح والتشديد - حجارة بيض، ومنها زرق، وكلها
من الزاج، وأجوده اليماني، والدوف: الخلط، وكثيرا ما يستعمل في معالجة الاودية.
[168]
الرطب من قبل أن ينعقد، ويدق دقا ناعما،
ويعصر ماؤه، ويصفى ويطبخ على النصف، ويترك يوما وليلة، ثم ينصب على النار، ويلقى
على كل ستة أرطال منه رطل عسل، ويغلى وينزع رغوته، ويسحق من النوشادر والشب اليماني
من كل واحد نصف مثقال، ويداف بذلك إلى الماء، ويلقى فيه درهم زعفران مسحوق ويغلى
ويؤخذ رغوته، ويطبخ حتى يصير مثل العسل ثخينا ثم ينزل عن النار، ويبرد ويشرب منه،
فهل يجوز شربه أم لا ؟. فأجاب عليه السلام إذا كان كثيره يسكر أو يغير فقليله
وكثيره حرام، وإن كان لا يسكر فهو حلال. وسأل عن الرجل تعرض له حاجة مما لا يدري أن
يفعلها أم لا ؟ فيأخذ خاتمين فيكتب في أحدهما " نعم افعل " وفي الآخر " لا تفعل "
فيستخير الله مرارا (1) ثم يرى فيهما فيخرج أحدهما فيعمل بما يخرج، فهل يجوز ذلك أم
لا ؟ والعامل به والتارك له، أهو [يجوز] مثل الاستخارة أم هو سوى ذلك ؟ فأجاب عليه
السلام الذي سنه العالم عليه السلام في هذه الاستخارة بالرقاع والصلاة. وسأل عن
صلاة جعفر بن أبي طالب عليه السلام في أي أوقاتها أفضل أن تصلي فيه وهل فيها قنوت ؟
وإن كان ففي أي ركعة منها ؟. فأجاب عليه السلام: أفضل أوقاتها صدر النهار من يوم
الجمعة، ثم في أي الأيام شئت، وأي وقت صليتها من ليل أو نهار، فهو جائز، والقنوت
مرتان في الثانية قبل الركوع والرابعة. وسأل عن الرجل ينوي إخراج شئ من ماله، وأن
يدفعه إلى رجل من إخوانه، ثم يجد في أقربائه محتاجا أيصرف ذلك عمن نواه له إلى
قرابته ؟ فأجاب عليه السلام: يصرفه إلى أدناهما وأقربهما من مذهبه، فان ذهب إلى قول
(1) أي يدعو الله ويطلب منه خيرته، فيقول:
" استخيرك اللهم خيرة في عافية " أو نحو ذلك.
[169]
العالم عليه السلام " لا يقبل الله الصدقة
وذو رحم محتاج " (1) فليقسم بين القرابة، وبين الذي نوى حتى يكون قد أخذ بالفضل
كله. وسأل فقال: قد اختلف أصحابنا في مهر المرأة فقال بعضهم: إذا دخل بها سقط
المهر، ولا شئ لها، وقال بعضهم: هو لازم في الدنيا والآخرة، فكيف ذلك ؟ وما الذي
يجب فيه ؟ فأجاب عليه السلام: إن كان عليه بالمهر كتاب فيه دين، فهو لازم له في
الدنيا والآخرة، وإن كان عليه كتاب فيه ذكر الصدقات سقط إذا دخل بها، وإن لم يكن
عليه كتاب فإذا دخل بها سقط باقي الصداق (2).
(1) رواه في الاختصاص ص 219 باسناده عن
الحسين بن علي عليهما السلام ولفظه " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ابدء
بمن تعول: أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك فأدناك، وقال: لا صدقه وذو رحم محتاج "
أخرجه المصنف في البحار ج 20 ص 39، واخرجه النوري في المستدرك ج 1 ص 536، وأخرجه
بمضمونه السيوطي في الجامع الصغير عن النسائي والطبراني في معجمه الكبير، على ما في
السراج المنير ج 1 ص 22. (2) تراه في الوسائل باب 9 ؟ ؟ من أبواب المهور تحت الرقم
16، وفيه الاحاديث المثبتة للمهر، والنافية لها، وظاهرها وظاهر هذا الحديث أن ذلك
حين المنازعة وطرح الدعوى على الزوج لا أن الدخول يسقط المهر، فان ثبوته مفروغ عنه
مسلم بالضرورة من الدين ولم يكن ليسأل عنه أحد. ووجه الحديث أنه قد كانت العادة في
تلك الازمان طبقا لقوله تعالى " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة " وقوله: " وآتيتم
احداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا " وتبعا لسنة رسوله صلى الله عليه وآله، حيث كان
يبعث بالمهر اليهن قبل الدخول، أن يدفع الازواج مهورهن حين الزواج قبل الدخول، وكان
هذه السيرة ظاهر حالهم. فلو ادعت بعد الدخول أن المهر تمامه أو بعضه باق على ذمة
الزوج، ولم يكن لها صك أو بينة، أسقط الحاكم ادعاءها المهر، حيث ان الدخول يشعر
بظاهر الحال والسيرة الجارية عند المسلمين حتى الان على أن الزوج قد دفع إليها
المهر.
[170]
وسأل فقال: روي عن صاحب العسكر عليه
السلام أنه سئل عن الصلاة في الخز الذي يغش بوبر الأرانب، فوقع يجوز وروي عنه أيضا
أنه لا يجوز فأي الأمرين نعمل به ؟. فأجاب عليه السلام: إنما حرم في هذه الأوبار
والجلود فأما الأوبار وحدها فحلال (1) وقد سئل بعض العلماء عن معنى قول الصادق عليه
السلام لا يصلى في الثعلب ولا في الثوب الذي يليه، فقال: إنما عنى الجلود دون غيره.
وسأل فقال: نجد باصفهان ثياب عنابية (2) على عمل الوشي من قز وأبريسم هل تجوز
الصلاة فيها أم لا ؟ فأجاب عليه السلام: لا تجوز الصلاة إلا في ثوب سداه أو لحمته
قطن أو كتان. وسأل عن المسح على الرجلين بأيهما يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعا
؟ فأجاب عليه السلام يمسح عليهما جميعا معا (3) فان بدأ باحداهما قبل الاخرى فلا
يبتدئ إلا باليمين. وسأل عن صلاة جعفر في السفر هل يجوز أن تصلى أم لا ؟ فأجاب عليه
السلام: يجوز ذلك. وسأل عن تسبيح فاطمة عليها السلام من سها فجاز التكبير أكثر من
أربع وثلاثين هل يرجع إلى أربع وثلاثين أو يستأنف ؟ وإذا سبح تمام سبعة وستين هل
يرجع إلى ستة وستين أو يستأنف ؟ وما الذي يجب في ذلك ؟. فأجاب عليه السلام: إذا سها
في التكبير حتى تجاوز أربع وثلاثين عاد إلى ثلاث وثلاثين ويبني عليها، وإذا سها في
التسبيح فتجاوز سبعا وستين تسبيحة، عاد إلى
(1) أخرجه الحر العاملي باب 10 من أبواب
لباس المصلى تحت الرقم 15، وقال: لعل التحريم في الجلود مخصوص بالارانب والرخصة في
وبرها محمولة على التقية. (2) في المصدر ص 252 " عتابية " وفي الوسائل ب 13، الرقم
8 " ثياب فيها عتابية ". (3) لقوله تعالى: " فامسحوا برؤسكم وأرجلكم " فجمع بين
الرجلين.
[171]
ست وستين، وبنى عليها، فإذا جاوز التحميد
مائة فلا شئ عليه (1). 5 - ج: وعن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أنه قال: خرج
توقيع من الناحية المقدسة - حرسها الله تعالى، بعد المسائل: بسم الله الرحمن
الرحيم، لا لأمر الله تعقلون، ولا من أوليائه تقبلون " حكمة بالغة، فما تغني النذر
عن قوم لا يؤمنون " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين إذا أردتم التوجه بنا إلى
الله تعالى وإلينا، فقولوا كما قال الله تعالى " سلام على آل يس، السلام عليك يا
داعي الله، ورباني آياته، السلام عليك يا باب الله وديان دينه، السلام عليك يا
خليفة الله وناصر حقه، السلام عليك يا حجة الله ودليل، إرادته السلام عليك يا تالي
كتاب الله وترجمانه، السلام عليك في آناء ليلك وأطراف نهارك السلام عليك يا بقية
الله في أرضه. السلام عليك يا ميثاق الله الذي أخذه ووكده. السلام عليك يا وعد الله
الذي ضمنه. السلام عليك أيها العلم المنصوب، والعلم المصبوب، والغوث والرحمة
الواسعة وعد غير مكذوب، السلام عليك حين تقوم، السلام عليك حين تقعد، السلام عليك
حين تقرأ وتبين. السلام عليك حين تصلي وتقنت، السلام عليك حين تركع وتسجد، السلام
عليك حين تحمد وتستغفر، السلام عليك حين تهلل وتكبر، السلام عليك حين تصبح وتمسي،
السلام عليك في الليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى. السلام عليك أيها الإمام المأمون،
السلام عليك أيها المقدم المأمول، السلام عليك بجوامع السلام. أشهد موالي أني اشهدك
يا مولاي أني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، لا
حبيب إلا هو وأهله، واشهدك أن أمير المؤمنين حجته، والحسن حجته، والحسين حجته، وعلي
بن الحسين حجته، ومحمد بن علي حجته، وجعفر بن محمد حجته، وموسى بن جعفر حجته، وعلي
بن موسى حجته
(1) راجع المصدر ص 249 - 252.
[172]
ومحمد بن علي حجته، وعلي بن محمد حجته،
والحسن بن علي حجته. وأشهد أنك حجة الله، أنتم الأول والآخر، وأن رجعتكم حق لا ريب
فيها، يوم لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا وأن
الموت حق، وأن ناكرا ونكيرا حق. وأشهد أن النشر والبعث حق، وأن الصراط والمرصاد حق،
والميزان والحساب حق، والجنة والنار حق، والوعد والوعيد بهما حق. يا مولاي شقي من
خالفكم، وسعد من أطاعكم، فأشهد على ما أشهدتك عليه وأنا ولي لك، برئ من عدوك، فالحق
ما رضيتموه، والباطل ما سخطتموه والمعروف ما أمرتم به، والمنكر ما نهيتم عنه، فنفسي
مؤمنة بالله وحده لا شريك له وبرسوله وبأمير المؤمنين وبكم يا مولاي أولكم وآخركم،
ونصرتي معدة لكم ومودتي خالصة لكم. آمين آمين. الدعاء عقيب هذا القول: اللهم إني
أسألك أن تصلي على محمد نبي رحمتك، وكلمة نورك، وأن تملأ قلبي نور اليقين، وصدري
نور الايمان، وفكري نور الثبات، وعزمي نور العلم وقوتي نور العمل، ولساني نور
الصدق، وديني نور البصائر من عندك، وبصري نور الضياء، وسمعي نور الحكمة، ومودتي نور
الموالاة لمحمد وآله عليهم السلام حتى ألقاك وقد وفيت بعهدك وميثاقك، فتغشيني رحمتك
يا ولي يا حميد. اللهم صل على محمد بن الحسن حجتك في أرضك، وخليفتك في بلادك
والداعي إلى سبيلك، والقائم بقسطك، والسائر بأمرك، ولي المؤمنين، وبوار الكافرين،
ومجلي الظلمة، ومنير الحق، والناطق بالحكمة والصدق، وكلمتك التامة في أرضك، المرتقب
الخائف، والولي الناصح، سفينة النجاة، وعلم الهدى ونور أبصار الورى، وخير من تقمص
وارتدى، ومجلي الغمات، الذي يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا إنك على كل
شئ قدير. اللهم صل على وليك وابن أوليائك، الذين فرضت طاعتهم، وأوجبت
[173]
حقهم، وأذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيرا.
اللهم انصره وانتصر به لدينك، وانصر به أولياءك وأولياءه وشيعته وأنصاره واجعلنا
منهم. اللهم أعذه من شر كل باغ وطاغ، ومن شر جميع خلقك، واحفظه من بين يديه ومن
خلفه وعن يمينه وعن شماله، واحرسه وامنعه من أن يوصل إليه بسوء واحفظ فيه رسولك وآل
رسولك، وأظهر به العدل، وأيده بالنصر، وانصر ناصريه واخذل خاذليه، واقصم به جبابرة
الكفر، واقتل به الكفار والمنافقين، وجميع الملحدين، حيث كانوا من مشارق الأرض
ومغاربها برها وبحرها، واملا به الأرض عدلا، وأظهر به دين نبيك محمد، واجعلني اللهم
من أنصاره وأعوانه وأتباعه وشيعته، وأرني في آل محمد عليهم السلام ما يأملون، وفي
عدوهم ما يحذرون، إله الحق آمين، يا ذا الجلال والاكرام يا ارحم الراحمين. أقول:
قال مؤلف المزار الكبير: حدثنا الشيخ الأجل الفقيه العالم أبو محمد عربي بن مسافر
العبادي رضي الله عنه قراءة عليه بداره بالحلة في شهر ربيع الأول سنة ثلاث وسبعين
وخمسمائة، وحدثني الشيخ العفيف أبو البقاء هبة الله بن نماء بن علي بن حمدون رحمه
الله قراءة عليه أيضا بالحلة قالا جميعا: حدثنا الشيخ الأمين أبو عبد الله الحسين
بن أحمد بن محمد بن علي بن طحال المقدادي رحمه الله بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي
بن أبي طالب صلوات الله عليه، في الطرز الكبير الذي عند رأس الإمام عليه السلام في
العشر الأواخر من ذي الحجة سنة تسع وثلاثين وخمسمائة قال: حدثنا الشيخ الأجل المفيد
أبو علي الحسن بن محمد الطوسي رضي الله عنه بالمشهد المذكور على صاحبه أفضل السلام
في الطرز المذكور في العشر الأواخر من ذي القعدة سنة تسع وخمسمائة. قال: حدثنا
السيد السعيد الوالد أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضي الله عنه، عن محمد بن
إسماعيل عن محمد بن أشناس البزاز، قال: أخبرنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن يحيى
القمي قال: حدثنا محمد بن علي بن زنجويه القمي قال:
[174]
حدثنا أبو جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر
الحميري. قال أبو علي الحسن بن أشناس: وأخبرنا أبو المفضل محمد بن عبد الله
الشيباني أن أبا جعفر محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري أخبره وأجاز له جميع ما
رواه أنه خرج إليه من الناحية المقدسة حرسها الله بعد المسائل والصلاة والتوجه
أوله: بسم الله الرحمن الرحيم لا لأمر الله تعقلون وذكر نحوا مما مر مع اختلاف
أوردناه في كتاب المزار في باب زيارة القائم عليه السلام، وإنما أوردنا سنده ههنا
ليعلم أسانيد تلك التوقيعات. 6 - أقول: ثم قال في الكتاب المذكور: قال أبو علي
الحسن بن أشناس: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الدعجلي، عن حمزة بن محمد بن
الحسن بن شبيب، عن أحمد بن إبراهيم قال: شكوت إلى أبي جعفر محمد بن عثمان شوقي إلى
رؤية مولانا عليه السلام فقال لي: مع الشوق تشتهي أن تراه ؟ فقلت له: نعم، فقال لي:
شكر الله لك شوقك، وأراك وجهه في يسر وعافية، لا تلتمس يا أبا عبد الله أن تراه فان
أيام الغيبة يشتاق إليه، ولا يسأل الاجتماع معه، إنه عزائم الله، والتسليم لها أولى
ولكن توجه إليه بالزيارة، فأما كيف يعمل وما أملاه عند محمد بن علي فانسخوه من عنده
وهو التوجه إلى الصاحب بالزيارة بعد صلاة اثنتي عشرة ركعة تقرأ قل هو الله أحد في
جميعها ركعتين ركعتين ثم تصلي على محمد وآله، وتقول قول الله جل اسمه: سلام على آل
ياسين، ذلك هو الفضل المبين من عند الله، والله ذو الفضل العظيم، إمامه من يهديه
صراطه المستقيم، قد آتاكم الله خلافته يا آل ياسين. وذكرنا في الزيارة (1) وصلى
الله على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين. 7 - ج: ذكر كتاب ورد من الناحية المقدسة
حرسها الله ورعاها في أيام بقيت من صفر سنة عشر وأربعمائة على الشيخ أبي عبد الله
محمد بن محمد بن النعمان قدس الله روحه ونور ضريحه، ذكر موصله أنه تحمله من ناحية
متصلة بالحجاز نسخته: للأخ السديد، والولي الرشيد، الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد
بن محمد بن
(1) اشارة ما ذكره مؤلف المزار قبل ذلك من
دعاء الندبة، فراجع.
[175]
النعمان أدام الله إعزازه من مستودع العهد
المأخوذ على العباد. بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد، سلام عليك أيها المولى المخلص
في الدين المخصوص فينا باليقين، فانا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، ونسأله
الصلاة على سيدنا ومولانا نبينا محمد وآله الطاهرين ونعلمك أدام الله توفيقك لنصرة
الحق وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق، أنه قد اذن لنا في تشريفك بالمكاتبة
وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك، أعزهم الله بطاعته، وكفاهم المهم برعايته
لهم وحراسته. فقف أمدك الله بعونه على أعدائه المارقين من دينه، على ما نذكره،
واعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله، نحن وإن كنا ثاوين
بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح،
ولشيعتنا المؤمنين في ذلك، ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنا يحيط علمنا
بأنبائكم، ولا يعزب عنا شئ من أخباركم، ومعرفتنا بالزلل الذي أصابكم، مذ جنح كثير
منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا، ونبذوا العهد المأخوذ منهم وراء ظهورهم
كأنهم لا يعلمون. إنا غير مهملين لمراعاتكم، ولا ناسين لذكركم، ولولا ذلك لنزل بكم
اللأواء واصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جل جلاله، وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد
أنافت عليكم، يهلك فيها من حم أجله، ويحمى عليه من أدرك أمله، وهي أمارة لازوف
حركتنا ومباثتكم بأمرنا ونهينا، والله متم نوره ولو كره المشركون. اعتصموا بالتقية
من شب نار الجاهلية، يحششها عصب اموية تهول بها فرقة مهدية أنا زعيم بنجاة من لم
يرم منها المواطن الخفية، وسلك في الطعن منها السبل الرضية، إذا حل جمادى الاولى من
سنتكم هذه، فاعتبروا بما يحدث فيه واستيقظوا من رقدتكم لما يكون من الذي يليه،
ستظهر لكم من السماء آية جلية ومن الأرض مثلها بالسوية، ويحدث في أرض المشرق ما
يحزن ويقلق، ويغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مراق، يضيق بسوء فعالهم على
أهله
[176]
الأرزاق. ثم تتفرج الغمة من بعده، ببوار
طاغوت من الأشرار، يسر بهلاكه المتقون الأخيار، ويتفق لمريدي الحج من الآفاق، ما
يأملونه على توفير غلبة منهم واتفاق، ولنا في تيسير حجهم على الاختيار منهم
والوفاق، شأن يظهر على نظام واتساق. فيعمل كل امرئ منكم ما يقرب به من محبتنا
وليتجنب ما يدنيه من كراهيتنا، وسخطنا، فان امرءا يبغته فجأة حين لا تنفعه توبة،
ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة، والله يلهمك الرشد، ويلطف لكم بالتوفيق برحمته.
نسخة التوقيع باليد العليا على صاحبها السلام: هذا كتابنا إليك أيها الأخ الولي،
والمخلص في ودنا الصفي، والناصر لنا الوفي، حرسك الله بعينه التي لا تنام، فاحتفظ
به ولا تظهر على خطنا الذي سطرناه بماله ضمناه أحدا، وأد ما فيه إلى من تسكن إليه،
وأوص جماعتهم بالعمل عليه إنشاء الله، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين. ايضاح: "
الشاسع البعيد " و " الانتياش " التناول " وحم " على بناء المجهول أي قدر، و " يحمى
" على بناء المعلوم أو المجهول من الحماية والدفع، وتقول: " حششت النار " أحشها إذا
أوقدتها. 8 - ج: ورد عليه كتاب آخر من قبله صلوات الله عليه يوم الخميس الثالث
والعشرين من ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وأربعمائة نسخته: من عبد الله المرابط في
سبيله إلى ملهم الحق ودليله. بسم الله الرحمن الرحيم سلام عليك أيها الناصر للحق
الداعي إلى كلمة الصدق، فانا نحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو، إلهنا وإله آبائنا
الأولين ونسأله الصلاة على نبينا وسيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى أهل بيته
الطيبين الطاهرين. وبعد: فقد كنا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه لك من
أوليائه وحرسك من كيد أعدائه، وشفعنا ذلك الآن من مستقر لنا، ينصب في شمراخ
[177]
من بهماء صرنا إليه آنفا من غماليل ألجأ
إليه السباريت من الإيمان، ويوشك أن يكون هبوطنا منه إلى صحصح من غير بعد من الدهر،
ولا تطاول من الزمان، ويأتيك نبأ منا بما يتجدد لنا من حال، فتعرف بذلك ما تعتمده
من الزلفة إلينا بالأعمال والله موفقك لذلك برحمته. فلتكن حرسك الله بعينه التي لا
تنام أن تقابل بذلك، ففيه تبسل نفوس قوم حرثت باطلا لاسترهاب المبطلين وتبتهج
لدمارها المؤمنون، ويحزن لذلك المجرمون. وآية حركتنا من هذه اللوثة (1) حادثة
بالحرم المعظم، من رجس منافق مذمم، مستحل للدم المحرم، يعمد بكيده أهل الايمان، ولا
يبلغ بذلك غرضه من الظلم لهم والعدوان، لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب
عن ملك الأرض والسماء، فليطمئن بذلك من أولياءنا القلوب وليثقوا بالكفاية منه، وإن
راعتهم بهم الخطوب، والعاقبة لجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم، ما اجتنبوا
المنهي عنه من الذنوب. ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين،
أيدك الله بنصره الذي أيد به السلف من أوليائنا الصالحين، أنه من اتقى ربه من
إخوانك في الدين وخرج عليه بما هو مستحقه (2) كان آمنا من الفتنة المظلة (3)،
ومحنها المظلمة المضلة، ومن بخل منهم بما أعاره الله من نعمته، على من أمره بصلته،
فانه يكون خاسرا بذلك لاولاه وآخرته، ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته، على اجتماع
من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم،
السعادة بمشاهدتنا، على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم إلا ما يتصل
بنا مما نكرهه، ولا نؤثره منهم، والله المستعان، وهو حسبنا ونعم الوكيل
اللوثة: الشر والدنس، وفي بعض النسخ:
اللوبة: وهي الحرة من الارض ذات الحجارة السود كاللابة، وفي بعضها اللزبة، وهي
الشدة والقحط. (2) في نسخة الاحتجاج: " وخرج مما عليه إلى مستحقيه ". (3) ويحتمل أن
تكون بالمهملة " المطلة " وكلاهما بمعنى المشرفة. (*)
[178]
وصلواته على سيدنا البشير النذير، محمد
وآله الطاهرين وسلم. وكتب في غرة شوال من سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. نسخة التوقيع
باليد العليا صلوات الله على صاحبها، هذا كتابنا إليك أيها الولي الملهم للحق العلي
باملائنا وخط ثقتنا فأخفه عن كل أحد، واطوه واجعل له نسخة يطلع عليها من تسكن إلى
أمانته من أوليائنا، شملهم الله ببركتنا [ودعائنا] إن شاء الله، والحمد لله والصلاة
على سيدنا محمد وآله الطاهرين. توضيح: " الشمراخ " رأس الجبل، وفي العبارة تصحيف
ولعله كان هكذا " وشفعنا لك الآن " أي لنجح حاجتك التي طلبت " في مستقر لنا " أي
مخيم تنصب لنا في رأس جبل " من مفازة بهماء " أي مجهولة " والغماليل " جمع الغملول
بالضم وهو الوادي أو الشجر أو كل مجتمع أظلم وتراكم من شجر أو غمام أو ظلمة "
والسباريت " جمع السبروت بالضم، وهو القفر لانبات فيه، والفقير ولعل الأخير أنسب و
" أبسلت فلانا " أسلمته للهلكة و " اللوثة " بالضم الاسترخاء والبطوء وكانت النسخ
سقيمة أوردناه كما وجدنا. التوقيع الذي خرج فيمن ارتاب فيه صلوات الله عليه 9 - ج:
عن الشيخ الموثق أبي عمر العامري رحمة الله عليه قال: تشاجر ابن أبي غانم القزويني
وجماعة من الشيعة في الخلف فذكر ابن أبي غانم أن أبا محمد عليه السلام مضى ولا خلف
له ثم إنهم كتبوا في ذلك كتابا وأنفذوه إلى الناحية، وأعلموا بما تشاجروا فيه، فورد
جواب كتابهم بخطه صلى الله عليه وعلى آبائه: بسم الله الرحمن الرحيم، عافانا الله
وإياكم من الفتن، ووهب لنا ولكم روح اليقين، وأجارنا وإياكم من سوء المنقلب، إنه
انهي إلي ارتياب جماعة منكم في الدين، وما دخلهم من الشك والحيرة في ولاة أمرهم،
فغمنا ذلك لكم لا لنا وسأونا (1) فيكم لا فينا، لأن الله معنا فلا فاقة بنا إلى
غيره، والحق معنا فلن يوحشنا من قعد عنا، ونحن صنائع ربنا، والخلق بعد صنائعنا.
(1) مصدر بمعنى السوء على القلب المكانى -
يقال سأوت فلانا: أي سؤته.
[179]
يا هؤلاء ما لكم في الريب تترددون وفي
الحيرة تنعكسون (1) أو ما سمعتم الله عزوجل يقول: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا
الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم " (2) أو ما علمتم ما جاءت به الآثار مما
يكون ويحدث في أئمتكم على الماضين والباقين منهم عليهم السلام ؟ أو ما رأيتم كيف
جعل الله لكم معاقل تأوون إليها، وأعلاما تهتدون بها من لدن آدم إلى أن ظهر الماضي
عليه السلام كلما غاب علم بدا علم، وإذا أفل نجم طلع نجم، فلما قبضه الله إليه
ظننتم أن الله أبطل دينه، وقطع السبب بينه وبين خلقه، كلا ماكان ذلك ولا يكون، حتى
تقوم الساعة، ويظهر أمر الله وهم كارهون. وإن الماضي عليه السلام مضى سعيدا فقيدا
على منهاج آبائه عليهم السلام حذو النعل بالنعل وفينا وصيته وعلمه، ومن هو خلفه،
ومن يسد مسده، ولا ينازعنا موضعه إلا ظالم آثم، ولا يدعيه دوننا إلا جاحد كافر،
ولولا أن أمر الله لا يغلب، وسره لا يظهر ولا يعلن، لظهر لكم من حقنا ما تبهر (3)
منه عقولكم، ويزيل شكوككم، لكنه ما شاء الله كان، ولكل أجل كتاب. فاتقوا الله،
وسلموا لنا، وردوا الأمر إلينا، فعلينا الاصدار، كما كان منا الايراد، ولا تحاولوا
كشف ما غطي عنكم، ولا تميلوا عن اليمين، وتعدلوا إلى اليسار، واجعلوا قصدكم إلينا
بالمودة على السنة الواضحة، فقد نصحت لكم والله شاهد علي وعليكم، ولولا ما عندنا من
محبة صلاحكم ورحمتكم، والاشفاق عليكم، لكنا عن مخاطبتكم في شغل مما قد امتحنا من
منازعة الظالم العتل الضال المتابع في غيه، المضاد لربه، المدعي ما ليس له، الجاحد
حق من افترض الله طاعته، الظالم الغاصب.
(1) كذا في الاصل المطبوع وهكذا المصدر
والظاهر " تنتكسون " يقال: انتكس: أي وقع على رأسه و - انقلب على رأسه حتى جعل
أسفله أعلاه، ومقدمه مؤخره. (2) النساء: 59. (3) في غيبة الشيخ: " تبين منه عقولكم
".
[180]
وفي ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله لي
اسوة حسنة، وسيردي الجاهل رداءة عمله (1) وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار، عصمنا الله
وإياكم من المهالك والأسواء، والآفات والعاهات كلها برحمته فانه ولي ذلك، والقادر
على ما يشاء، وكان لنا ولكم وليا وحافظا والسلام على جميع الأوصياء والأولياء
والمؤمنين، ورحمة الله وبركاته وصلى الله على محمد النبي وسلم تسليما. غط: جماعة،
عن التلعكبري، عن أحمد بن علي الرازي، عن الحسين ابن محمد القمي، عن محمد بن علي بن
زبيان الطلحي الآبي، عن علي بن محمد بن عبدة النيسابوري، عن علي بن إبراهيم الرازي
قال: حدثني الشيخ الموثوق به بمدينة السلام قال: تشاجر ابن أبي غانم إلى آخر الخبر
(2). بيان: " الصنيعة " من تصطنعه وتختار لنفسك، و " الظالم العتل " جعفر الكذاب،
ويحتمل خليفة ذلك الزمان. 10 - ج: محمد بن يعقوب الكليني، عن إسحاق بن يعقوب قال:
سألت محمد بن عثمان العمري رحمه الله أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت
علي، فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السلام: أما ما سألت عنه أرشدك الله
وثبتك من أمر المنكرين لي من أهل بيتنا وبني عمنا، فاعلم أنه ليس بين الله عزوجل
وبين أحد قرابة، من أنكرني فليس مني وسبيله سبيل ابن نوح، وأما سبيل عمي جعفر
وولده، فسبيل إخوة يوسف عليه السلام وأما الفقاع فشربه حرام ولا بأس بالشلماب (3)
وأما أموالكم فما نقبلها إلا لتطهروا فمن شاء فليصل، ومن شاء فليقطع فما آتانا الله
خير مما آتاكم.
يقال: أرداه: أهلكه، كقوله: " تنادوا
فقالوا أردت الخيل نائيا ". (2) تراه في غيبة الشيخ ص 184 و 185، والاحتجاج ص 253.
(3) كذا في الاصل المطبوع وهكذا المصدر ونسخة الشيخ في الغيبة ص 188، قال في
البرهان ما معناه: " شلمابج هو ماء الشلجم يطبخ ويعصر " وفي نسخة كمال الدين ج 2 ص
160 " سلمك " وهو نبت.
[181]
وأما ظهور الفرج فانه إلى الله وكذب
الوقاتون. وأما قول من زعم أن الحسين عليه السلام لم يقتل، فكفر وتكذيب وضلال. وأما
الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فانهم حجتي عليكم وأنا حجة الله
عليكم. وأما محمد بن عثمان العمري رضي الله عنه وعن أبيه من قبل فانه ثقتي وكتابه
كتابي. وأما محمد بن علي بن مهزيار الأهوازي فسيصلح الله قلبه، ويزيل عنه شكه. وأما
ما وصلتنا به فلا قبول عندنا إلا لما طاب وطهر، وثمن المغنية حرام. وأما محمد بن
شاذان بن نعيم فانه رجل من شيعتنا أهل البيت. وأما أبو الخطاب محمد بن أبي زينب
الأجدع فانه ملعون وأصحابه ملعونون فلا تجالس أهل مقالتهم فاني منهم برئ وآبائي
عليهم السلام منهم براء. وأما المتلبسون بأموالنا فمن استحل شيئا منها فأكله فانما
يأكل النيران. وأما الخمس فقد ابيح لشيعتنا وجعلوا منه في حل إلى وقت ظهور أمرنا
لتطيب ولادتهم ولا تخبث. وأما ندامة قوم شكوا في دين الله على ما وصلونا به، فقد
أقلنا من استقال ولا حاجة لنا إلى صلة الشاكين. وأما علة ما وقع من الغيبة فان الله
عزوجل يقول: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبدلكم تسؤكم " (1) إنه
لم يكن أحد من آبائي إلا وقد وقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه وإني أخرج حين أخرج
ولا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي. وأما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع
بالشمس إذا غيبها عن الأبصار السحاب، وإني لأمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان
لأهل السماء، فاغلقوا ابواب السؤال عما لا يعنيكم ولا تتكلفوا علم ما قد كفيتم
وأكثروا الدعاء بتعجيل
(1) المائدة: 101.
[182]
الفرج، فان ذلك فرجكم، والسلام عليك يا
إسحاق بن يعقوب وعلى من اتبع الهدى. غط: جماعة، عن ابن قولويه وأبي غالب الزراري
وغيرهما عن الكليني عن إسحاق بن يعقوب مثله. ك: ابن عصام عن الكليني، عن إسحاق بن
يعقوب مثله. 11 - ج: عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي قال: كان فيما ورد علي من
الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه في جواب مسائلي إلى صاحب الزمان
عليه السلام: أما ما سألت عنه من الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها، فلئن كان كما
يقولون إن الشمس تطلع من بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان، فما أرغم أنف
الشيطان بشئ مثل الصلاة، فصلها وارغم أنف الشيطان. وأما ما سألت عنه من أمر الوقف
على ناحيتنا وما يجعل لنا ثم يحتاج إليه صاحبه، فكل ما لم يسلم فصاحبه فيه بالخيار،
وكلما سلم فلا خيار لصاحبه فيه احتاج أو لم يحتج، افتقر إليه أو استغنى عنه. وأما
ما سألت عنه من أمر من يستحل ما في يده من أموالنا أو يتصرف فيه تصرفه في ماله من
غير أمرنا، فمن فعل ذلك فهو ملعون ونحن خصماؤه يوم القيامة وقد قال النبي صلى الله
عليه وآله: المستحل من عترتي ما حرم الله ملعون على لساني ولسان كل نبي مجاب، فمن
ظلمنا كان في جملة الظالمين لنا وكانت لعنة الله عليه، لقوله عزوجل " ألا لعنة الله
على الظالمين " (1). وأما ما سألت عنه من أمر المولود الذي نبتت قلفته (2) بعد ما
يختن، هل يختن مرة أخرى ؟ فانه يجب أن تقطع قلفته [مرة أخرى] فان الأرض تضج إلى
الله عزوجل من بول الأغلف أربعين صباحا.
(1) هود: 18. (2) القلفة وهكذا الغلفة
والغرلة: الجليدة التي يقطعها الخاتن من عضو التناسل.
[183]
وأما ما سألت عنه من أمر المصلي، والنار
والصورة والسراج بين يديه هل تجوز صلاته ؟ فان الناس اختلفوا في ذلك قبلك ؟ فانه
جائز لمن لم يكن من أولاد عبدة الأوثان والنيران، يصلي والصورة والسراج بين يديه،
ولا يجوز ذلك لمن كان من أولاد عبدة الأوثان والنيران. وأما ما سألت عنه من أمر
الضياع التي لناحيتنا هل يجوز القيام بعمارتها وأداء الخراج منها، وصرف ما يفضل من
دخلها إلى الناحية، احتسابا للأجر، وتقربا إليكم، فلا يحل لأحد أن يتصرف في مال
غيره بغير إذنه، فكيف يحل ذلك في مالنا، من فعل شيئا من ذلك بغير أمرنا فقد استحل
منا ما حرم عليه، ومن أكل من أموالنا شيئا فانما يأكل في بطنه نارا وسيصلى سعيرا.
وأما ما سألت عنه من أمر الرجل الذي يجعل لناحيتنا ضيعة، ويسلمها من قيم يقوم بها
ويعمرها، ويؤدي من دخلها خراجها ومؤنتها، ويجعل ما يبقى من الدخل لناحيتنا، فان ذلك
جائز لمن جعله صاحب الضيعة قيما عليها إنما لا يجوز ذلك لغيره. وأما ما سألت عنه من
الثمار من أموالنا يمر به المار، فيتناول منه ويأكل هل يحل له ذلك ؟ فانه يحل له
أكله، ويحرم عليه حمله. ك: محمد بن أحمد الشيباني، وعلي بن أحمد بن محمد الدقاق،
والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام، وعلي بن عبد الله الوراق جميعا، عن محمد بن
جعفر الأسدي مثله (1). 12 - ك: أبو جعفر محمد بن محمد الخزاعي رضي الله عنه قال:
حدثنا أبو علي ابن أبي الحسين الأسدي، عن أبيه قال: ورد علي توقيع من الشيخ أبي
جعفر محمد ابن عثمان العمري قدس الله روحه ابتداءا لم يتقدمه سؤال: بسم الله الرحمن
الرحيم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من استحل من أموالنا درهما.
(1) راجع كمال الدين ج 2 ص 198، الاحتجاج
ص 268.
[184]
قال أبو الحسين الأسدي رضي الله عنه: فوقع
في نفسي أن ذلك فيمن استحل من مال الناحية درهما دون من أكل منه غير مستحل له. وقلت
في نفسي: إن ذلك في جميع من استحل محرما فأي فضل في ذلك للحجة عليه السلام على
غيره، قال: فوالذي بعث محمدا بالحق بشيرا لقد نظرت بعد ذلك في التوقيع فوجدته قد
انقلب إلى ما كان في نفسي. بسم الله الرحمن الرحيم لعنة الله والملائكة والناس
أجمعين على من أكل من مالنا درهما حراما. قال أبو جعفر محمد بن محمد الخزاعي - رحمه
الله -: أخرج إلينا أبو علي بن أبي الحسين الأسدي هذا التوقيع حتى نظرنا فيه
وقرأناه. ج: عن أبي الحسين الأسدي مثله (1). 13 - ك: المظفر العلوي، عن ابن العياشي
وحيدر بن محمد، عن العياشي، عن آدم بن محمد البلخي، عن علي بن الحسين الدقاق،
وإبراهيم بن محمد معا، عن علي بن عاصم الكوفي قال: خرج في توقيعات صاحب الزمان عليه
السلام: ملعون ملعون من سماني في محفل من الناس (2). 14 - ك: محمد بن إبراهيم بن
إسحاق قال: سمعت أبا علي محمد بن همام يقول: سمعت محمد بن عثمان العمري قدس الله
روحه يقول: خرج توقيع بخطه أعرفه: من سماني في مجمع من الناس باسمي فعليه لعنة
الله، وكتبت أسأله عن ظهور الفرج فخرج في التوقيع: كذب الوقاتون. 15 - ك: أبي وابن
الوليد معا، عن الحميري، عن محمد بن صالح الهمداني قال: كتبت إلى صاحب الزمان عليه
السلام إن أهل بيتي يؤذونني ويقرعونني بالحديث المروي عن آبائك عليهم السلام أنهم
قالوا: " قوامنا وخدامنا شرار خلق الله " فكتب عليه السلام
(1) راجع كمال الدين ج 2 ص 201، الاحتجاج
ص 286. (2) المصدر ج 2 ص 159 باب التوقيعات الواردة عن القائم عليه السلام. تحت
الرقم 1، وما يأتي بعده تحت الرقم 3.
[185]
ويحكم أما قرأتم قول الله عزوجل " وجعلنا
بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة " (1) ونحن والله القرى التي بارك
الله فيها وأنتم القرى الظاهرة. قال عبد الله بن جعفر: وحدثني بهذا الحديث علي بن
محمد الكليني، عن محمد ابن صالح، عن صاحب الزمان عليه السلام. 16 - ك: ابن الوليد،
عن سعد، عن علان، عن محمد بن جبرئيل، عن إبراهيم ومحمد ابني الفرج، عن محمد بن
إبراهيم بن مهزيار أنه ورد العراق شاكا مرتادا فخرج إليه: قل للمهزيار قد فهمنا ما
حكيته عن موالينا بناحيتكم، فقل لهم أما سمعتم الله عزوجل يقول: " يا أيها الذين
آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول و اولي الأمر منكم " (2) هل أمر إلا بما هو كائن
إلى يوم القيامة أولم تروا أن الله عزوجل جعل لهم معاقل يأوون إليها وأعلاما يهتدون
بها من لدن آدم إلى أن ظهر الماضي صلوات الله عليه كلما غاب علم بدا علم، وإذا أفل
نجم طلع نجم، فلما قبضه الله عزوجل إليه، ظننتم أن الله قد قطع السبب بينه وبين
خلقه، كلا ما كان ذلك، ولا يكون حتى تقوم الساعة، ويظهر أمر الله وهم كارهون. يا
محمد بن إبراهيم لا يدخلك الشك فيما قدمت له فان الله لا يخلي الأرض من حجة، أليس
قال لك أبوك قبل وفاته أحضر الساعة من يعير هذه الدنانير التي عندي فلما أبطأ ذلك
عليه، وخاف الشيخ على نفسه الوحا (3) قال لك: عيرها على نفسك وأخرج إليك كيسا كبيرا
وعندك بالحضرة ثلاثة أكياس وصرة فيها دنانير مختلفة النقد، فعيرتها وختم الشيخ
عليها بخاتمه، وقال لك اختم مع خاتمي فان أعش فأنا أحق بها، وإن أمت فاتق الله في
نفسك أولا ثم في فخلصني، وكن عند ظني بك. أخرج رحمك الله الدنانير التي استفضلتها
من بين النقدين من حسابنا وهي
(1) السبأ: 18. والحديث في المصدر ج 2 ص
159. (2) النساء: 59. (3) الوحا: السرعة والبدار، يعني أنه خاف على نفسه الموت
سريعا.
[186]
بضعة عشر دينارا واسترد من قبلك فان
الزمان أصعب ما كان، وحسبنا الله ونعم الوكيل (1). 17 - ك: قال الحسين بن إسماعيل
الكندي: كتب جعفر بن حمدان فخرجت إليه هذه المسائل: استحللت بجارية وشرطت عليها أن
لا أطلب ولدها ولم الزمها منزلي، فلما أتى لذلك مدة قالت لي: قد حبلت، فقلت لها:
كيف ولا أعلم أني طلبت منك الولد، ثم غبت وانصرفت، وقد أتت بولد ذكر، فلم انكره ولا
قطعت عنها الإجراء والنفقة، ولي ضيعة قد كنت قبل أن تصير إلي هذه المرأة سبلتها على
وصاياي، وعلى سائر ولدي، على أن الأمر في الزيادة والنقصان منه إلي أيام حياتي، وقد
أتت هذه بهذا الولد، فلم الحقه في الوقت المتقدم المؤبد وأوصيت إن حدث بي الموت أن
يجري عليه مادام صغيرا، فإذا كبر اعطي من هذه الضيعة جملة مائتي دينار غير مؤبد،
ولا يكون له ولا لعقبه بعد إعطائه ذلك في الوقف شئ فرأيك أعزك الله في إرشادي فيما
عملته، وفي هذا الولد بما أمتثله والدعاء لي بالعافية وخير الدنيا والآخرة. جوابها
أما الرجل الذي استحل بالجارية وشرط عليها أن لا يطلب ولدها فسبحان من لا شريك له
في قدرته شرط على الجارية (2) شرط على الله عزوجل ؟ هذا ما لا يؤمن أن يكون، وحيث
عرض في هذا الشك، وليس يعرف الوقت الذي أتاها فيه، فليس ذلك بموجب لبراءة في ولده،
وأما إعطاء المائتي دينار وإخراجه من الوقف، فالمال ماله فعل فيه ما أراد. قال أبو
الحسين: حسب الحساب [قبل المولود] فجاء الولد مستويا. وقال: وجدت في نسخة أبي الحسن
الهمداني: أتاني أبقاك الله كتابك الذي
(1) راجع المصدر ج 2 ص 164. (2) كذا في
الاصل المطبوع وهكذا المصدر ج 2 ص 176، وسيجيئ بيانه من المصنف - قدس سره - لكن
الظاهر سقوط الضمير وكون الاصل " شرطه على الجارية شرط على الله " بعنوان الاخبار
والاعلام.
[187]
أنفذته، وروى هذا التوقيع الحسن بن علي بن
إبراهيم عن الشاري. بيان: " شرط على الجارية " مبتدأ و " شرط على الله " خبر أو هما
فعلان، والأول استفهام إنكاري وقوله قال أبو الحسين، إلى آخره كأنه إشاره إلى
توقيعات اخر إجمالا (1). 18 - ك: أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب قال: حدثنا أبو علي
بن همام بهذا الدعاء وذكر أن الشيخ قدس الله روحه أملأه عليه، وأمره أن يدعو به،
وهو الدعاء في غيبة القائم عليه السلام: اللهم عرفني نفسك فانك إن لم تعرفني نفسك
لم أعرف رسولك، اللهم عرفني رسولك، فانك إن لم تعرفني رسولك، لم أعرف حجتك، اللهم
عرفني حجتك فانك إن لم تعرفني حجتك، ضللت عن ديني. اللهم لا تمتني ميتة جاهلية، ولا
تزغ قلبي بعد إذ هديتني، اللهم فكما هديتني بولاية من فرضت طاعته علي من ولاة أمرك
بعد رسولك، صلواتك عليه وآله، حتى واليت ولاة أمرك أمير المؤمنين، والحسن والحسين،
وعليا ومحمدا وجعفرا وموسى وعليا ومحمدا وعليا والحسن والحجة القائم المهدي صلواتك
عليهم أجمعين اللهم فثبتني على دينك، واستعملني بطاعتك، ولين قلبي لولي أمرك وعافني
مما امتحنت به خلقك، وثبتني على طاعة ولي أمرك الذي سترته عن خلقك فباذنك غاب عن
بريتك، وأمرك ينتظر، وأنت العالم غير معلم بالوقت الذي فيه صلاح أمر وليك في الإذن
له، باظهار أمره وكشف سره، وصبرني على ذلك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما
عجلت، ولا أكشف عما سترته ولا أبحث عما كتمته، ولا انازعك في تدبيرك، ولا أقول لم
وكيف ؟ وما بال ولي أمر الله لا يظهر ؟ وقد امتلأت الأرض من الجور، وأفوض اموري
كلها إليك. اللهم إني أسألك أن تريني ولي أمرك ظاهرا نافذا لأمرك، مع علمي بأن
(1) بل هو من تتمة أمر ذلك الرجل الذي
استحل بالجارية، ومعناه أنه حسب ذلك الرجل حسابه التقديري، قبل المولود، فجاء الولد
مستويا لتقديره، فعرف أن الولد ولده.
[188]
لك السلطان، والقدرة والبرهان، والحجة
والمشية، والإرادة والحول والقوة فافعل ذلك بي وبجميع المؤمنين حتى ننظر إلى وليك
ظاهر المقالة، واضح الدلالة هاديا من الضلالة، شافيا من الجهالة، أبرز يا رب
مشاهده، وثبت قواعده واجعلنا ممن تقر عيننا برؤيته، وأقمنا بخدمته، وتوفنا على
ملته، واحشرنا في زمرته. اللهم أعذه من شر جميع ما خلقت وبرأت وذرأت وأنشأت وصورت،
واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته، بحفظك الذي لا
يضيع من حفظته به، واحفظ فيه رسولك ووصي رسولك. اللهم ومد في عمره، وزد في أجله،
وأعنه على ما أوليته واسترعيته، وزد في كرامتك له، فانه الهادي المهدي، القائم
المهتدي، الطاهر، التقي، النقي الزكي، الرضي، المرضي، الصابر، المجتهد، الشكور.
اللهم ولا تسلبنا اليقين لطول الأمد في غيبته، وانقطاع خبره عنا، ولا تنسنا ذكره
وانتظاره والإيمان به، وقوة اليقين في ظهوره، والدعاء له والصلاة عليه حتى لا
يقنطنا طول غيبته من ظهوره وقيامه، ويكون يقيننا في ذلك كيقيننا في قيام رسول الله
صلى الله عليه وآله، وما جاء به من وحيك وتنزيلك، قو قلوبنا على الإيمان به حتى
تسلك بنا على يده منهاج الهدى، والمحجة العظمى، والطريقة الوسطى، وقونا على طاعته،
وثبتنا على مشايعته، واجعلنا في حزبه وأعوانه وأنصاره، والراضين بفعله ولا تسلبنا
ذلك في حياتنا، ولا عند وفاتنا، حتى تتوفانا، ونحن على ذلك غير شاكين ولا ناكثين
ولا مرتابين ولا مكذبين. اللهم عجل فرجه، وأيده بالنصر، وانصر ناصريه، واخذل
خاذليه، ودمدم على من نصب له وكذب به، وأظهر به الحق وأمت به الجور، واستنقذ به
عبادك المؤمنين من الذل، وانعش به البلاد، واقتل به الجبابرة الكفرة، واقصم به رؤس
الضلالة، وذلل به الجبارين والكافرين، وأبر به المنافقين والناكثين، وجميع
المخالفين والملحدين، في مشارق الأرض ومغاربها، وبحرها وبرها، وسهلها
[189]
وجبلها، حتى لا تدع منهم ديارا، ولا تبقي
لهم آثارا، وتطهر منهم بلادك. واشف منهم صدور عبادك، وجدد به ما امتحا من دينك،
وأصلح به ما بدل من حكمك، وغير من سنتك، حتى يعود دينك به وعلى يده غضا جديدا صحيحا
لا عوج فيه، ولا بدعة معه، حتى تطفئ بعدله نيران الكافرين، فانه عبدك الذي استخلصته
لنفسك، وارتضيته لنصرة دينك، واصطفيته بعلمك، وعصمته من الذنوب وبرأته من العيوب،
وأطلعته على الغيوب، وأنعمت عليه، وطهرته من الرجس، ونقيته من الدنس. اللهم فصل
عليه وعلى آبائه الأئمة الطاهرين، وعلى شيعتهم المنتجبين وبلغهم من آمالهم أفضل ما
يأملون، واجعل ذلك منا خالصا من كل شك وشبهة ورياء وسمعة، حتى لا نريد به غيرك، ولا
نطلب به إلا وجهك. اللهم إنا نشكو إليك فقد نبينا، وغيبة ولينا، وشدة الزمان علينا
ووقوع الفتن [بنا]، وتظاهر الأعداء، وكثرة عدونا، وقلة عددنا. اللهم فافرج ذلك بفتح
منك تعجله وبصبر منك تيسره، وإمام عدل تظهره إله الحق رب العالمين. اللهم إنا نسألك
أن تأذن لوليك في إظهار عدلك في عبادك وقتل أعدائك في بلادك حتى لا تدع للجور دعامة
إلا قصمتها ولا بنية (1) إلا أفنيتها ولا قوة إلا أوهنتها، ولا ركنا إلا هددته، ولا
حدا إلا فللته، ولا سلاحا إلا كللته، ولا راية إلا نكستها، ولا شجاعا إلا قتلته،
ولا حيا (2) إلا خذلته. ارمهم يا رب بحجرك الدامغ، واضربهم بسيفك القاطع، وببأسك
الذي لا يرد عن القوم المجرمين، وعذب أعداءك وأعداء دينك وأعداء رسولك، بيد وليك
وأيدي عبادك المؤمنين. اللهم اكف وليك وحجتك في أرضك هول عدوه، وكد من كاده، وامكر
(1) في المصدر ج 2 ص 192: " ولا بقية الا
أفنيتها " وهو أنسب. (2) في المصدر: " ولا جيشا الا خذلته ".
[190]
بمن مكر به، واجعل دائرة السوء على من
أراد به سوءا، واقطع عنه مادتهم وأرعب به قلوبهم، وزلزل له أقدامهم، وخذهم جهرة
وبغتة. شدد عليهم عقابك، وأخزهم في عبادك، والعنهم في بلادك، وأسكنهم أسفل نارك،
وأحط بهم أشد عذابك، وأصلهم نارا، واحش قبور موتاهم نارا، وأصلهم حر نارك، فانهم
أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وأذلوا عبادك. اللهم وأحي بوليك القرآن، وأرنا نوره
سرمدا لا ظلمة فيه، وأحي به القلوب الميتة، واشف به الصدور الوغرة، واجمع به
الأهواء المختلفة على الحق وأقم به الحدود المعطلة، والأحكام المهملة، حتى لا يبقى
حق إلا ظهر، ولا عدل إلا زهر، واجعلنا يا رب من أعوانه، وممن يقوي سلطانه،
والمؤتمرين لأمره والراضيين بفعله، والمسلمين لأحكامه، وممن لا حاجة به إلى التقية
من خلقك. أنت يا رب الذي تكشف السوء، وتجيب المضطر إذا دعاك، وتنجي من الكرب
العظيم، فاكشف الضر عن وليك، واجعله خليفتك في أرضك كما ضمنت له. اللهم ولا تجعلنا
من خصماء آل محمد، ولا تجعلنا من أعداء آل محمد، ولا تجعلني من أهل الحنق والغيظ
على آل محمد، فاني أعوذ بك من ذلك، فأعذني وأستجير بك فأجرني. اللهم صل على محمد
وآل محمد، واجعلني بهم فائزا عندك في الدنيا والآخرة ومن المقربين. 19 - ك: توقيع
منه عليه السلام كان خرج إلى العمري وابنه رضي الله عنهما رواه سعد بن عبد الله قال
الشيخ أبو جعفر رضي الله عنه: وجدته مثبتا بخط سعد بن عبد الله رضي الله عنه.
وفقكما الله لطاعته، وثبتكما على دينه، وأسعدكما بمرضاته، انتهى إلينا ما ذكرتما أن
الميثمي أخبركما عن المختار، ومناظرته من لقي، واحتجاجه بأن لا خلف غير جعفر بن
علي، وتصديقه إياه، وفهمت جميع ما كتبتما به مما قال أصحابكما عنه، وأنا أعوذ بالله
من العمى بعد الجلاء، ومن الضلالة بعد الهدى
[191]
ومن موبقات الأعمال، ومرديات الفتن، فانه
عزوجل يقول: " الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " (1). كيف
يتساقطون في الفتنة، ويترددون في الحيرة، ويأخذون يمينا وشمالا فارقوا دينهم أم
ارتابوا، أم عاندوا الحق أم جهلوا ما جاءت به الروايات الصادقة والأخبار الصحيحة،
أو علموا ذلك فتناسوا، أما تعلمون أن الأرض لا تخلو من حجة إما ظاهرا، وإما مغمورا،
أولم يعلموا انتظام أئمتهم بعد نبيهم صلى الله عليه وآله واحدا بعد واحد إلى أن
أفضى الأمر بأمر الله عزوجل إلى الماضي - يعني الحسن ابن علي - صلوات الله عليه،
فقام مقام آبائه عليهم السلام يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم. كان نورا ساطعا
وقمرا زهرا، اختار الله عزوجل له ما عنده، فمضى على منهاج آبائه عليهم السلام حذو
النعل بالنعل، على عهد عهده، ووصية أوصى بها إلى وصي ستره الله عزوجل بأمره إلى
غاية، وأخفى مكانه بمشيته، للقضاء السابق والقدر النافذ، وفينا موضعه، ولنا فضله،
ولو قد أذن الله عزوجل فيما قد منعه وأزال عنه ما قد جرى به من حكمه، لأراهم الحق
ظاهرا بأحسن حلية، وأبين دلالة، وأوضح علامة، ولأبان عن نفسه، وقام بحجته، ولكن
أقدار الله عزوجل لا تغالب، وإرادته لا ترد، وتوفيقه لا يسبق. فليدعوا عنهم اتباع
الهوى، وليقيموا على أصلهم الذي كانوا عليه، ولا يبحثوا عما ستر عنهم فيأثموا، ولا
يكشفوا ستر الله عزوجل فيندموا، وليعلموا أن الحق معنا وفينا، لا يقول ذلك سوانا
إلا كذاب مفتر، ولا يدعيه غيرنا إلا ضال غوي فليقتصروا منا على هذه الجملة دون
التفسير، ويقنعوا من ذلك بالتعريض دون التصريح، إنشاء الله. 20 - ك: محمد بن المظفر
المصري، عن محمد بن أحمد الداودي (2)، عن
(1) العنكبوت: 2. والحديث في المصدر ج 2 ص
189. (2) كذا في المصدر ج 2 ص 198 وهكذا معاني الاخبار ص 286 وقد أخرجه =
[192]
أبيه قال: كنت عند أبي القاسم [الحسين] بن
روح قدس الله روحه فسأله رجل ما معنى قول العباس للنبي صلى الله عليه وآله: إن عمك
أبا طالب قد أسلم بحساب الجمل، وعقد بيده ثلاثة وستين (1) قال عنى بذلك " إله أحد
جواد " وتفسير ذلك أن الألف واحد واللام ثلاثون، والهاء خمسة، والألف واحد، والحاء
ثمانية، والدال أربعة والجيم ثلاثة، والواو ستة، والألف واحد، والدال أربعة، فذلك
ثلاثة وستون.
= المصنف - رضوان الله عليه - في الباب
الثالث من تاريخ أمير المؤمنين تحت الرقم 19 عن كمال الدين ومعاني الاخبار معا،
تراه في ج 35 ص 78 من الطبعة الحديثة، وفي الاصل المطبوع " محمد بن أحمد الروزاني "
فتحرر. (1) قال المصنف رضوان الله عليه في حل الخبر: لعل المعني أن أبا طالب أظهر
اسلامه للنبي صلى الله عليه وآله أو لغيره بحساب العقود، بأن أظهر الالف أولا بما
يدل على الواحد، ثم اللام بما يدل على الثلاثين وهكذا، وذلك لانه كان يتقى من قريش
كما عرفت. ثم قال: وقد قيل في حل أصل الخبر وجوه اخر: منها أنه أشار بأصبعه
المسبحة: لا إله إلا الله، محمد رسول الله " فان عقد الخنصر والبنصر وعقد الابهام
على الوسطى يدل على الثلاث والستين على اصطلاح أهل العقود، وكان المراد بحساب الجمل
هذا، والدليل على ما ذكرته ما ورد في رواية شعبة، عن قتادة، عن الحسن في خبر طويل
ننقل منه موضع الحاجة، وهو انه لما حضرت أبا طالب الوفاة دعا رسول الله صلى الله
عليه وآله وبكى وقال: يا محمد اني أخرج من الدنيا ومالى غم الا غمك - إلى أن قال -
يا عم ! انك تخاف على أذى اعادي، ولا تخاف على نفسك عذاب ربى ؟، فضحك أبو طالب
وقال: يا محمد دعوتني وكنت قدما أمينا، وعقد بيده على ثلاث وستين: عقد الخنصر
والبنصر، وعقد الابهام على أصبعه الوسطى، وأشار بأصبعه المسبحة: يقول: لا اله الا
الله محمد رسول الله إلى آخر ما نقله في ج 35 ص 79. فراجع. أقول: أما حساب العقود
فهو على ما نقله صديقنا الفاضل الغفاري في ذيل الحديث (معاني الاخبار ص 286) أن
صورة الثلاثة والستين على القاعدة الممهدة التي وضعها العلماء المتقدمون: " ان يثنى
الخنصر والبنصر والوسطى وهي الثلاثة جاريا على منهج المتعارف =
[193]
21 - غط: جماعة، عن التلعكبري، عن أحمد بن
علي، عن الأسدي عن سعد، عن أحمد بن إسحاق رحمة الله عليه أنه جاءه بعض أصحابنا
يعلمه أن جعفر بن علي كتب إليه كتابا يعرفه فيه نفسه ويعلمه أنه القيم بعد أبيه،
وأن عنده من علم الحلال والحرام ما يحتاج إليه وغير ذلك من العلوم كلها. قال أحمد
بن إسحاق: فلما قرأت الكتاب كتبت إلى صاحب الزمان عليه السلام وصيرت كتاب جعفر في
درجه، فخرج الجواب إلي في ذلك: بسم الله الرحمن الرحيم أتاني كتابك أبقاك الله،
والكتاب الذي أنفذته درجه، وأحاطت معرفتي بجميع ما تضمنه على اختلاف ألفاظه، وتكرر
الخطاء فيه، ولو تدبرته لوقفت على بعض ما وقفت عليه منه، والحمد لله رب العالمين
حمدا لا شريك له على إحسانه إلينا وفضله علينا، أبى الله عزوجل للحق إلا إتماما
وللباطل إلا زهوقا، وهو شاهد علي بما أذكره، ولي عليكم بما أقوله، إذا اجتمعنا ليوم
لا ريب فيه، ويسألنا عما نحن فيه مختلفون، إنه لم يجعل لصاحب الكتاب على المكتوب
إليه، ولا عليك ولا على أحد من الخلق جميعا إمامة مفترضة، ولا طاعة ولا ذمة، وسابين
لكم ذمة تكتفون بها إن شاء الله.
= من الناس في عد الواحد إلى الثلاثة، لكن
بوضع الانامل في هذه العقود قريبة من أصولها وأن يوضع لستين بابهام اليمنى على باطن
العقدة الثانية من السبابة كما يفعله الرماة. ومخلص هذه القاعدة التي ذكرها القدماء
هو أن الخنصر والبنصر والوسطى لعقد الاحاد فقط، والمسبحة والابهام للاعشار فقط،
فالواحد أن تضم الخنصر مع نشر الباقي، والاثنين أن تضمه مع البنصر، والثلاث أن
تضمها مع الوسطى، والاربعة نشر الخنصر وترك البنصر والوسطى مضمومتين، والخمسة نشر
البنصر مع الخنصر وترك الوسطى مضمومة، والستة نشر جميع الاصابع وضم البنصر، والسبعة
أن يجعل الخنصر فوق البنصر منشورة مع نشر الباقي أيضا والثمانية ضم الخنصر والبنصر
فوقها، والتسعة ضم الوسطى اليهما، وهذه تسع صور جمعتها أصابع الخنصر والبنصر
والوسطى بالنسبة إلى عد الاحاد. وأما الاعشار: فالمسبحة والابهام، فالعشرة أن يجعل
ظفر المسبحة في مفصل الابهام =
[194]
يا هذا يرحمك الله إن الله تعالى لم يخلق
الخلق عبثا ولا أهملهم سدى، بل خلقهم بقدرته، وجعل لهم أسماعا وأبصارا وقلوبا
وألبابا، ثم بعث إليهم النبيين عليهم السلام مبشرين ومنذرين: يأمرونهم بطاعته،
وينهونهم عن معصيته، ويعرفونهم ما جهلوه من أمر خالقهم ودينهم، وأنزل عليهم كتابا،
وبعث إليهم ملائكة يأتين بينهم وبين من بعثهم إليهم بالفضل الذي جعله لهم عليهم،
وما آتاهم من الدلائل الظاهرة و البراهين الباهرة، والآيات الغالبة. فمنهم من جعل
النار عليه بردا وسلاما واتخذه خليلا، ومنهم من كلمه تكليما وجعل عصاه ثعبانا
مبينا، ومنهم من أحيا الموتى باذن الله وأبرء الأكمه والأبرص باذن الله، ومنهم من
علمه منطق الطير واوتي من كل شئ، ثم بعث محمدا صلى الله عليه وآله رحمة للعالمين،
وتمم به نعمته، وختم به أنبياءه، وأرسله إلى الناس كافة، وأظهر من صدقه ما أظهر
[وبين] من آياته وعلاماته ما بين. ثم قبضه صلى الله عليه وآله حميدا فقيدا سعيدا،
وجعل الأمر بعده إلى أخيه وابن عمه ووصيه ووارثه علي بن أبي طالب عليه السلام ثم
إلى الأوصياء من ولده واحدا واحدا: أحيا بهم دينه، وأتم بهم نوره، وجعل بينهم وبين
إخوانهم وبني عمهم والأدنين فالأدنين من ذوي أرحامهم فرقانا بينا يعرف به الحجة من
المحجوج، والامام من
= من جنبها، والعشرون وضع رأس الابهام بين
المسبحة والوسطى، والثلاثون ضم رأس المسبحة مع رأس الابهام، والاربعون أن تضع
الابهام معكوفة الرأس إلى ظاهر الكف والخمسون أن تضع الابهام على باطن الكف معكوفة
الانمله ملصقة بالكف، والستون أن تنشر الابهام وتضم إلى جانب الكف أصل المسبحة،
والسبعون عكف باطن المسبحة على باطن راس الابهام، والثمانون ضم الابهام وعكف باطن
المسبحة على ظاهر أنملة الابهام المضمومة، والتسعون ضم المسبحة إلى اصل الابهام
ووضع الابهام عليها. وإذا أردت آحادا وأعشارا عقدت من الاحاد ما شئت مع ما شئت من
الاعشار المذكورة واما المئات فهي عقد أصابع الاحاد من اليد اليسرى فالمائة كالواحد
والمائتان كالاثنين وهكذا إلى التسعمائة. وأما الالوف وهي عقد اصابع عشرات منها،
فالالف كالعشر والالفان كالعشرين =
[195]
المأموم، بأن عصمهم من الذنوب، وبرأهم من
العيوب، وطهرهم من الدنس ونزههم من اللبس، وجعلهم خزان علمه، ومستودع حكمته، وموضع
سره، وأيدهم بالدلائل، ولولا ذلك لكان الناس على سواء، ولادعى أمر الله عزوجل كل
أحد ولما عرف الحق من الباطل، ولا العالم من الجاهل. وقد ادعى هذا المبطل المفتري
على الله الكذب بما ادعاه، فلا أدري بأية حالة هيى له رجاء أن يتم دعواه، أبفقه في
دين الله ؟ فوالله ما يعرف حلالا من حرام ولا يفرق بين خطاء وصواب، أم بعلم فما
يعلم حقا من باطل، ولا محكما من متشابه، ولا يعرف حد الصلاة ووقتها، أم بورع فالله
شهيد على تركه الصلاة الفرض أربعين يوما يزعم ذلك لطلب الشعوذة، ولعل خبره قد تأدى
إليكم، وهاتيك ظروف مسكره منصوبة، وآثار عصيانه لله عزوجل مشهورة قائمة، أم بآية
فليأت بها، أم بحجة فليقمها، أم بدلالة فليذكرها.
= إلى التسعة آلاف ". وكيف كان، المعول في
ايمان أبي طالب على ذبه عن رسول الله صلى الله عليه وآله طيلة حياته وأشعاره
المستفيضة المصرحة بأنه كان مؤمنا في قلبه ولكنه لم يظهره لئلا يسقط عن أنظار قريش،
فيفوته الذب عنه ولذلك قال: لولا الملامة أو حذاري سبة * لوجدتني سمحا بذاك مبينا
واما ايمانه بحساب الجمل وان كان ورد من طرقنا أيضا، لكن الاصل في ذلك ما رواه
شعبة، عن قتادة، عن الحسن كما عرفت، والحسين بن الروح النوبختي انما فسر الحديث
المرسل، لا غير. على أنه لو كان يتقى الملامة أو السبة أو المعرة - كما في رواية
أخرى - كان ذلك حين يتطاول على قريش بالذب عنه صلى الله عليه وآله وأما عند الممات،
فلا وجه للتقية أبدا، فلم أسلم بحساب الحمل ولم يظهر اسلامه صريحا، ولو صح الحديث
مع غرابته لم يفد في المقام شيئا فانه ليس بأصرح من قوله: ألم تعلموا أنا وجدنا
محمدا * نبيا كموسى خط في أول الكتب
[196]
قال الله عزوجل في كتابه: بسم الله الرحمن
الرحيم حم * تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم * ما خلقنا السموات والأرض وما
بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما انذروا معرضون * قل أرأيتم ما تدعون
من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتاب من قبل
هذا أو أمارة من علم إن كنتم صادقين * ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب
له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا
بعبادتهم كافرين " (1). فالتمس تولى الله توفيقك من هذا الظالم، ما ذكرت لك،
وامتحنه وسله عن آية من كتاب الله يفسرها أو صلاة فريضة يبين حدودها، وما يجب فيها،
لتعلم حاله ومقداره، ويظهر لك عواره ونقصانه، والله حسيبه. حفظ الله الحق على أهله،
وأقره في مستقره، وقد أبى الله عزوجل أن يكون [الامامة] في أخوين بعد الحسن والحسين
عليهما السلام وإذا أذن الله لنا في القول ظهر الحق، واضمحل الباطل،، وانحسر عنكم،
وإلى الله أرغب في الكفاية، وجميل الصنع والولاية، وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى
الله على محمد وآل محمد (2). بيان: " الشعوذة " خفة في اليد وأخذ كالسحر يري الشئ
بغير ما عليه أصله في رأي العين ذكره الفيروز آبادي و " العوار " بالفتح وقد يضم:
العيب. 22 - غط: جماعة، عن الصدوق، عن عمار بن الحسين بن إسحاق، عن أحمد ابن الحسن
بن أبي صالح الخجندي وكان قد ألح في الفحص والطلب، وسار في البلاد. وكتب على يد
الشيخ أبي القاسم بن روح قدس الله روحه إلى الصاحب عليه السلام يشكو تعلق قلبه،
واشتغاله بالفحص والطلب، ويسأل الجواب بما تسكن إليه نفسه ويكشف له عما يعمل عليه،
قال: فخرج إلي توقيع نسخته: " من بحث فقد طلب، ومن طلب فقد دل، ومن دل فقد أشاط،
ومن أشاط
(1) الاحقاف: 1 - 6. (2) راجع غيبة الشيخ
ص 185 - 188. والذي يأتي بعده ص 211.
[197]
فقد أشرك " (1). قال: فكففت عن الطلب،
وسكنت نفسي، وعدت إلى وطني مسرورا والحمد لله. 23 - يج: روي عن أحمد بن أبي روح،
قال: خرجت إلى بغداد في مال لأبي الحسن الخضر بن محمد لاوصله وأمرني أن أدفعه إلى
أبي جعفر محمد بن عثمان العمري فأمرني أن أدفعه إلى غيره، وأمرني أن أسال الدعاء
للعلة التي هو فيها وأسأله عن الوبر يحل لبسه ؟ فدخلت بغداد، وصرت إلى العمري، فأبى
أن يأخذ المال وقال: صر إلى أبي جعفر محمد بن أحمد وادفع إليه فانه أمره بأن يأخذه،
وقد خرج الذي طلبت فجئت إلى أبي جعفر فأوصلته إليه، فأخرج إلي رقعة فيها: بسم الله
الرحمن الرحيم، سألت الدعاء عن العلة التي تجدها، وهب الله لك العافية، ودفع عنك
الآفات، وصرف عنك بعض ما تجده من الحرارة، وعافاك وصح جسمك، وسألت ما يحل أن يصلي
فيه من الوبر والسمور والسنجاب والفنك والدلق والحواصل، فأما السمور والثعالب فحرام
عليك وعلى غيرك الصلاة فيه ويحل لك جلود المأكول من اللحم إذا لم يكن فيه غيره، وإن
لم يكن لك ما تصلي فيه، فالحواصل جائز لك أن تصلي فيه، الفرا متاع الغنم، ما لم
يذبح بأرمنية يذبحه النصارى على الصليب، فجائز لك أن تلبسه إذا ذبحه أخ لك [أو
مخالف تثق به] (2). إلى هنا انتهى ما أردت إيراده في كتاب الغيبة وأرجو من فضله
تعالى أن يجعلني من أنصار حجته، والقائم بدينه، ومن أعوانه والشهداء تحت لوائه، وأن
يقر عيني وعيون والدي وإخواني وأصحابي وعشايري وجميع المؤمنين برؤيته، وأن يكحل
(1) أشاط دمه وبدمه: أذهبه، أو عمل في
هلاكه، أو عرضه للقتل. (2) راجع المستدرك باب 3 من أبواب لباس المصلى تحت الرقم 1.
[198]
عيوننا بغبار مواكب أصحابه، فانه المرجو
لكل خير وفضل. ألتمس ممن ينظر في كتابي أن يترحم علي ويدعو بالمغفرة لي في حياتي
وبعد موتي، والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على محمد وأهل بيته الطاهرين وكتب
بيمناه الجانية، مؤلفه أحقر عباد الله الغني محمد باقر بن محمد تقي، عفي عنهما
بالنبي وآله الأكرمين، في شهر رجب الأصب من شهور سنة ثمان وسبعين بعد الألف من
الهجرة النبوية.
[199]
* (جنة المأوى) * في ذكر من فاز بلقاء
الحجة عليه السلام أو معجزته في الغيبة الكبرى لمؤلفه العلامة الحاج ميرزا حسين
النوري قدس سره النوري
[200]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي
أنار قلوب أوليائه بضياء معرفة وليه، المحجوب عن الأبصار وشرح صدور أحبائه بنور
محبة صفيه، المستور عن الأغيار، علا صنعه المتقن عن أن يتطرق إليه توهم العبث
والجهالة، وحاشا قضاؤه المحكم أن يترك العباد في تيه الضلالة. والصلاة على البشير
النذير، والسراج المنير، صاحب المقام المحمود والحوض المورود، واللواء المعقود، أول
العدد، الحميد المحمود الأحمد أبي القاسم محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين الهادين
الأنجبين. خصوصا على عنقاء قاف القدم، القائم فوق مرقاة الهمم، الإسم الأعظم
الالهي، الحاوي للعلم الغير المتناهي، قطب رحى الوجود، ومركز دائرة الشهود كمال
النشأة ومنشأ الكمال، جمال الجمع ومجمع الجمال، المترشح بالأنوار الالهية، المربى
تحت أستار الربوبية، مطلع الأنوار المصطفوية، ومنبع الأسرار المرتضوية، ناموس ناموس
الله الأكبر، وغاية نوع البشر، أبي الوقت ومربي الزمان، الذي هو للحق أمين، وللخلق
أمان، ناظم المناظم، الحجة القائم ولعنة الله على أعدائهم، والمنكرين لشرف مقامهم،
إلى يوم يدعى كل أناس بإمامهم. وبعد فيقول العبد المذنب المسيئ حسين بن محمد تقى
النوري الطبرسي نور الله بصيرته برؤية إمامه، وجعله نصب عينيه في يقظته ومنامه: إني
منذ هاجرت ثانيا من المشهد المقدس الغروي، وأسكنت ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيت
الحجة القائم المهدي - عليه آلاف السلام والتحية من الله الملك العلي - مشهد
[201]
والده وجده عليهما السلام ومغيبه لما أراد
الله إنفاذ أمره، وإنجاز وعده، أكثر البلاد موطئا للحجج بعد طيبة وام القرى،
وأفضلها عندهم لطيب الهواء وقلة الداء وعذوبة الماء الممدوح بلسان الهادي عليه
السلام " واخرجت إليها كرها ولو اخرجت عنها اخرجت كرها " (1) المدعو تارة بسامرا،
وأخرى بسر من رأى طهرها الله تعالى من الأرجاس، وجعلها شاغرة عن أشباه الناس، كان
يختلج في خاطري، ويتردد في خلدي، أن أبتغي وسيلة بقدر الوسع والميسور، إلى صاحب هذا
القصر المشيد، والبيت المعمور، فلم أهتد إلى ذلك المرام سبيلا، ولم أجد لما أتمناه
هاديا ولا دليلا. فمضى على ذلك عشر سنين، فقلت يا نفس: هذا والله هو الخسران المبين
إن كنت لا تجدين ما يليق عرضه على هذا السلطان، العظيم القدر والشان، فلا تقصرين عن
قبرة أهدى جرادة إلى سليمان، وهو بمقام من الرأفة والكرم، لا يحوم حوله نبي ولا
رسول من الروح إلى آدم، فكيف بغيره من طبقات الامم، يقبل البضاعة ولو كانت مزجاة،
ويتأسى بجده الأطهر في إجابة الدعوات، ولو إلى كراع شاة. فبينما أنا بين اليأس
والطمع، والصبر والجزع، إذ وقع في خاطري أنه قد سقط عن قلم العلامة المجلسي رضوان
الله عليه في باب من رآه عليه السلام في الغيبة من المجلد الثالث عشر من البحار،
جماعة فازوا بشرف اللقاء، وحازوا السبق الأعلى والقدح المعلى، فلو ضبط أساميهم
الشريفة، ونقل قصصهم الطريفة، وغيرهم من الأبرار الذين نالوا المنى بعد صاحب
البحار، فيكون كالمستدرك للباب المذكور، والمتمم
(1) اشارة إلى ما روى عنه عليه السلام أنه
قال يوما لابي موسى من أصحابه: اخرجت إلى سر من رأى كرها، ولو اخرجت عنها اخرجت
كرها، قال: قلت: ولم يا سيدي ؟ فقال: لطيب هوائها، وعذوبة مائها وقلة دائها، ثم
قال: تخرب سر من رأى حتى يكون فيها خان وقفا للمارة، وعلامة خرابها تدارك العمارة
في مشهدي بعدي. راجع مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 417.
[202]
لاثبات هذا المهم المسطور، لما قصر شأنه
من الجرادة والكراع، فعسى أن يكون سببا للقرب إلى حضرته، ولو بشبر، فيقرب إلى
المتقرب إليه بباع، أو ألف ذراع. فاستخرت الله تعالى وشرعت في المقصود مع قلة
الأسباب، وألحقت بمن أدرك فيض حضوره الشريف من وقف على معجزة منه عليه السلام أو
أثر يدل على وجوده المقدس الذي هو من أكبر الآيات وأعظم المعاجز، لاتحاد الغرض
ووحدة المقصود، ثم ما رأيته في كتب أصحابنا فنشير إلى مأخذه ومؤلفه، وما سمعته فلا
أنقل منه إلا ما تلقيته من العلماء الراسخين، ونواميس الشرع المبين، أو من الصلحاء
الثقات الذين بلغوا من الزهد والتقوى والسداد محلا لا يحتمل فيهم عادة تعمد الكذب
والخطا، بل سمعنا أو رأينا من بعضهم من الكرامات ما تنبئ عن علو مقامهم عند
السادات، وقد كنا ذكرنا جملة من ذلك متفرقا في كتابنا دار السلام ونذكر هنا ما فيه
وما عثرنا عليه بعد تأليفه وسميته جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة عليه
السلام أو معجزته في الغيبة الكبرى، ولم نذكر ما هو موجود في البحار، حذرا من
التطويل والتكرار، وها نحن نشرع في المرام، بعون الله الملك العلام، وإعانة السادات
الكرام، عليهم آلاف التحية والسلام. الحكاية الاولى حدث السيد المعظم المبجل، بهاء
الدين علي بن عبد الحميد الحسيني النجفي النيلي المعاصر للشهيد الأول في كتاب
الغيبة عن الشيخ العالم الكامل القدوة المقرئ الحافظ، المحمود الحاج المعتمر شمس
الحق والدين محمد بن قارون قال: دعيت إلى امرءة فأتيتها وأنا أعلم أنها مؤمنة من
أهل الخير والصلاح فزوجها أهلها من محمود الفارسي المعروف بأخي بكر، ويقال له
ولأقاربه:
[203]
بنو بكر، وأهل فارس مشهورون بشدة التسنن
والنصب والعداوة لأهل الايمان وكان محمود هذا أشدهم في الباب، وقد وفقه الله تعالى
للتشيع دون أصحابه. فقلت لها: واعجباه كيف سمح أبوك بك ؟ وجعلك مع هؤلاء النواصب ؟
وكيف اتفق لزوجك مخالفة أهله حتى ترفضهم ؟ فقالت: يا أيها المقرئ إن له حكاية عجيبة
إذا سمعها أهل الأدب حكموا أنها من العجب، قلت: وما هي ؟ قال: سله عنها سيخبرك. قال
الشيخ: فلما حضرنا عنده قلت له: يا محمود ما الذي أخرجك عن ملة أهلك، وأدخلك مع
الشيعة ؟ فقال: يا شيخ لما اتضح لي الحق تبعته، اعلم أنه قد جرت عادة أهل الفرس (1)
أنهم إذا سمعوا بورود القوافل عليهم، خرجوا يتلقونهم، فاتفق أنا سمعنا بورود قافلة
كبيرة، فخرجت ومعي صبيان كثيرون وأنا إذ ذاك صبي مراهق، فاجتهدنا في طلب القافلة،
بجهلنا، ولم نفكر في عاقبة الأمر، وصرنا كلما انقطع منا صبي من التعب خلوه إلى
الضعف، فضللنا عن الطريق، ووقعنا في واد لم نكن نعرفه، وفيه شوك، وشجر ودغل، لم نر
مثله قط فأخذنا في السير حتى عجزنا وتدلت ألسنتنا على صدورنا من العطش، فأيقنا
بالموت، وسقطنا لوجوهنا. فبينما نحن كذلك إذا بفارس على فرس أبيض، قد نزل قريبا
منا، وطرح مفرشا لطيفا لم نر مثله تفوح منه رائحة طيبة، فالتفتنا إليه وإذا بفارس
آخر على فرس أحمر عليه ثياب بيض، وعلى رأسه عمامة لها ذؤابتان، فنزل على ذلك المفرش
ثم قام فصلى بصاحبه، ثم جلس للتعقيب. فالتفت إلي وقال: يا محمود ! فقلت: بصوت ضعيف
لبيك يا سيدي، قال:
(1) الظاهر أنه بالفتح، موضع للهذيل أو
بلد من بلدانهم كما في القاموس منه رحمه الله. أقول: بل هو بالضم لما سبق قبل أسطر
من قوله " وأهل فارس مشهورون بشدة التسنن النصب والعداوة ".
[204]
ادن مني، فقلت: لا أستطيع (1) لما بي من
العطش والتعب، قال: لا بأس عليك. فلما قالها حسبت كأن قد حدث في نفسي روح متجددة،
فسعيت إليه حبوا فمر (2) يده على وجهي وصدري ورفعها إلى حنكي فرده حتى لصق بالحنك
الأعلى ودخل لساني في فمي، وذهب ما بي، وعدت كما كنت أولا. فقال: قم وائتني بحنظلة
من هذا الحنظل وكأن في الوادي حنظل كثير فأتيته بحنظلة كبيرة فقسمها نصفين،
وناولنيها وقال: كل منها فأخذتها منه، ولم اقدم على مخالفته وعندي (3) أمرني أن آكل
الصبر لما أعهد من مرارة الحنظل فلما ذقتها فإذا هي أحلى من العسل، وأبرد من الثلج،
وأطيب ريحا من المسك شبعت ورويت. ثم قال لي: ادع صاحبك، فدعوته، فقال بلسان مكسور
ضعيف: لا أقدر على الحركة، فقال له: قم لا بأس عليك فأقبل إليه حبوا وفعل معه كما
فعل معي ثم نهض ليركب، فقلنا بالله عليك يا سيدنا إلا ما أتممت علينا نعمتك،
وأوصلتنا إلى أهلنا، فقال: لا تعجلوا وخط حولنا برمحه خطة، وذهب هو وصاحبه فقلت
لصاحبي: قم بنا حتى نقف بازاء الجبل ونقع على الطريق، فقمنا وسرنا وإذا بحائط في
وجوهنا فأخذنا في غير تلك الجهة فإذا بحائط آخر، وهكذا من أربع جوانبنا. فجلسنا
وجعلنا نبكي على أنفسنا ثم قلت لصاحبي: ائتنا من هذا الحنظل لنأكله، فأتى به فإذا
هو أمر من كل شئ، وأقبح، فرمينا به، ثم لبثنا هنيئة وإذا قد استدار من الوحش ما لا
يعلم إلا الله عدده، وكلما أرادوا القرب منا منعهم ذلك الحائط، فإذا ذهبوا زال
الحائط، وإذا عادوا عاد. قال: فبتنا تلك الليلة آمنين حتى أصبحنا، وطلعت الشمس
واشتد الحر
(1) هذا هو الظاهر، والنسخة " لم استطع ".
منه رحمه الله. (2) فأمر ظ. (3) أي وعندي من العقيدة والنظر أنه أمرني أن آكل
الصبر.
[205]
وأخذنا العطش فجزعنا أشد الجزع، وإذا
بالفارسين قد أقبلا وفعلا كما فعلا بالأمس، فلما أرادا مفارقتنا قلنا له: بالله
عليك إلا أوصلتنا إلى أهلنا، فقال: ابشرا فسيأتيكما من يوصلكما إلى أهليكما ثم
غابا. فلما كان آخر النهار إذا برجل من فراسنا، ومعه ثلاث أحمرة، قد أقبل ليحتطب
فلما رآنا ارتاع منا وانهزم، وترك حميره فصحنا إليه باسمه، وتسمينا له فرجع وقال:
يا ويلكما إن أهاليكما قد أقاموا عزاءكما، قوما لا حاجة لي في الحطب، فقمنا وركبنا
تلك الأحمرة، فلما قربنا من البلد، دخل أمامنا، وأخبر أهلنا ففرحوا فرحا شديدا
وأكرموه وأخلعوا عليه. فلما دخلنا إلى أهلنا سألونا عن حالنا، فحكينا لهم بما
شاهدناه، فكذبونا وقالوا: هو تخييل لكم من العطش. قال محمود: ثم أنساني الدهر حتى
كأن لم يكن، ولم يبق على خاطري شئ منه حتى بلغت عشرين سنة، وتزوجت وصرت أخرج في
المكاراة ولم يكن في أهلي أشد مني نصبا لأهل الإيمان، سيما زوار الأئمة عليهم
السلام بسر من رأى فكنت أكريهم الدواب بالقصد لأذيتهم بكل ما أقدر عليه من السرقه
وغيرها وأعتقد أن ذلك مما يقربني إلى الله تعالى. فاتفق أني كريت دوابي مرة لقوم من
أهل الحلة، وكانوا قادمين إلى الزيارة منهم ابن السهيلي وابن عرفة وابن حارب، وابن
الزهدري، وغيرهم من أهل الصلاح، ومضيت إلى بغداد، وهم يعرفون ما أنا عليه من
العناد، فلما خلوا بي من الطريق وقد امتلاؤا علي غيظا وحنقا لم يتركوا شيئا من
القبيح إلا فعلوه بي وأنا ساكت لا أقدر عليهم لكثرتهم، فلما دخلنا بغداد ذهبوا إلى
الجانب الغربي فنزلوا هناك، وقد امتلأ فؤادي حنقا. فلما جاء أصحابي قمت إليهم،
ولطمت على وجهي وبكيت، فقالوا: مالك ؟ وما دهاك ؟ فحكيت لهم ما جرى علي من اولئك
القوم، فأخذوا في سبهم ولعنهم وقالوا: طب نفسا فانا نجتمع معهم في الطريق إذا
خرجوا، ونصنع بهم أعظم
[206]
مما صنعوا. فلما جن الليل، أدركتني
السعادة، فقلت في نفسي: إن هؤلاء الرفضة لا يرجعون عن دينهم، بل غيرهم إذا زهد يرجع
إليهم، فما ذلك إلا لأن الحق معهم فبقيت مفكرا في ذلك، وسألت ربي بنبيه محمد صلى
الله عليه وآله أن يريني في ليلتي علامة أستدل بها على الحق الذي فرضه الله تعالى
على عباده. فأخذني النوم فإذا أنا بالجنة قد زخرفت، فإذا فيها أشجار عظيمة، مختلفة
الألوان والثمار، ليست مثل أشجار الدنيا، لأن أغصانها مدلاة، وعروقها إلى فوق،
ورأيت أربعة أنهار: من خمر، ولبن، وعسل، وماء، وهي تجري وليس لها جرف (1) بحيث لو
أرادت النملة أن تشرب منها لشربت، ورأيت نساء حسنة الأشكال ورأيت قوما يأكلون من
تلك الثمار، ويشربون من تلك الأنهار، وأنا لا أقدر على ذلك، فكلما أردت أن أتناول
من الثمار، تصعد إلى فوق، وكلما هممت أن أشرب من تلك الأنهار، تغور إلى تحت فقلت
للقوم: ما بالكم تأكلون وتشربون ؟ وأنا لا اطيق ذلك ؟ فقالوا: إنك لا تأتي إلينا
بعد. فبينا أنا كذلك وإذا بفوج عظيم، فقلت: ما الخبر ؟ فقالوا: سيدتنا فاطمة
الزهراء عليها السلام قد أقبلت، فنظرت فإذا بأفواج من الملائكة على أحسن هيئة،
ينزلون من الهواء إلى الأرض، وهم خافون بها، فلما دنت وإذا بالفارس الذي قد خلصنا
من العطش باطعامه لنا الحنظل، قائما بين يدي فاطمة عليها السلام فلما رأيته عرفته،
وذكرت تلك الحكاية، وسمعت القوم يقولون: هذا م ح م د بن الحسن القائم المنتظر، فقام
الناس وسلموا على فاطمة عليها السلام.
(1) الجرف بالضم وبضمتين ما تجرفته
السيول، وأكلته من الارض، ومنه المثل " فلان يبنى على جرف هار، لا يدرى ما ليل من
نهار " وجمعه أجرف، ويقال للجانب الذي أكله الماء من حاشية النهر أيضا، أو هو
بضمتين، فكأنه أراد أن تلك الانهار كان لها جداول مستوية وكانت المياه تجري فيها
مملوءة، بحيث لو أرادت النملة أن تشرب منها لشربت، ولم تقع فيها.
[207]
فقمت أنا وقلت: السلام عليك يا بنت رسول
الله، فقالت: وعليك السلام يا محمود أنت الذي خلصك ولدي هذا من العطش ؟ فقلت: نعم،
يا سيدتي، فقالت: إن دخلت مع شيعتنا أفلحت، فقلت: أنا داخل في دينك ودين شيعتك، مقر
بإمامة من مضى من بنيك، ومن بقي منهم، فقالت: أبشر فقد فزت. قال محمود: فانتبهت
وأنا أبكي، وقد ذهل عقلي مما رأيت فانزعج أصحابي لبكائي، وظنوا أنه مما حكيت لهم،
فقالوا: طب نفسا فوالله لننتقمن من الرفضة فسكت عنهم حتى سكتوا، وسمعت المؤذن يعلن
بالأذان، فقمت إلى الجانب الغربي ودخلت منزل اولئك الزوار، فسلمت عليهم، فقالوا: لا
أهلا ولا سهلا اخرج عنا لا بارك الله فيك، فقلت: إني قد عدت معكم، ودخلت عليكم
لتعلموني معالم ديني، فبهتوا من كلامي، وقال بعضهم: كذب، وقال: آخرون جاز أن يصدق.
فسألولي عن سبب ذلك، فحكيت لهم ما رأيت، فقالوا: إن صدقت فانا ذاهبون إلى مشهد
الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام، فامض معنا حتى نشيعك هناك فقلت: سمعا وطاعة،
وجعلت اقبل أيديهم وأقدامهم، وحملت إخراجهم وأنا أدعو لهم حتى وصلنا إلى الحضرة
الشريفة، فاستقبلنا الخدام، ومعهم رجل علوي كان أكبرهم، فسلموا على الزوار فقالوا
له: افتح لنا الباب حتى نزور سيدنا ومولانا، فقال: حبا وكرامة، ولكن معكم شخص يريد
أن يتشيع، ورأيته في منامي واقفا بين يدي سيدتي فاطمة الزهراء صلوات الله عليها،
فقالت لي: يأتيك غدا رجل يريد أن يتشيع فافتح له الباب قبل كل أحد، ولو رأيته الآن
لعرفته. فنظر القوم بعضهم إلى بعض متعجبين، فقالوا: فشرع ينظر إلى واحد واحد فقال:
الله أكبر هذا والله هو الرجل الذي رأيته ثم أخذ بيدي فقال القوم: صدقت يا سيد
وبررت، وصدق هذا الرجل بما حكاه، واستبشروا بأجمعهم وحمدوا الله تعالى ثم إنه
أدخلني الحضرة الشريفة، وشيعني وتوليت وتبريت. فلما تم أمري قال العلوي: وسيدتك
فاطمة تقول لك: سيلحقك بعض
[208]
حطام الدنيا فلا تحفل به، وسيخلفه الله
عليك، وستحصل في مضايق فاستغث بنا تنجو، فقلت: السمع، والطاعة، وكان لي فرس قيمتها
مائتا دينار فماتت وخلف الله علي مثلها، وأضعافها، وأصابني مضايق فندبتهم ونجوت،
وفرج الله عني بهم، وأنا اليوم اوالي من والاهم، واعادي من عاداهم، وأرجو بهم حسن
العاقبة. ثم إني سعيت إلى رجل من الشيعة، فزوجني هذه المرءة، وتركت أهلي فما قبلت
أتزوج منهم، وهذا ما حكا لي في تاريخ شهر رجب [سنة] ثمان وثمانين وسبعمائة هجرية،
والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله. الحكاية الثانية قال السيد الجليل
صاحب المقامات الباهرة والكرامات الظاهرة رضي الدين علي بن طاوس في كتاب غياث سلطان
الورى على ما نقله عنه المحدث الاسترابادي في الفوائد المدنية في نسختين كانت
إحداهما بخط الفاضل الهندي ما لفظه: يقول علي بن موسى بن جعفر بن طاوس: كنت قد
توجهت أنا وأخي الصالح محمد بن محمد بن محمد القاضي الآوي ضاعف الله سعادته، وشرف
خاتمته من الحلة إلى مشهد مولانا أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه، في يوم
الثلثاء سابع عشر شهر جمادي الاخرى سنة إحدى وأربعين وستمائة، فاختار الله لنا
المبيت بالقرية التي تسمى دورة بن سنجار، وبات أصحابنا ودوابنا في القرية، وتوجهنا
منها أوائل نهار يوم الأربعاء ثامن عشر الشهر المذكور. فوصلنا إلى مشهد مولانا علي
صلوات الله وسلامه عليه قبل ظهر يوم الأربعاء المذكور، فزرنا وجاء الليل في ليلة
الخميس تاسع عشر جمادي الاخرى المذكورة فوجدت من نفسي إقبالا على الله، وحضورا
وخيرا كثيرا فشاهدت ما يدل على القبول والعناية والرأفة وبلوغ المأمول والضيافة،
فحدثني أخي الصالح محمد بن محمد الآوي ضاعف الله سعادته أنه رأى في تلك الليلة في
منامه كأن في يدي لقمة وأنا أقول له: هذه من فم مولانا المهدي عليه السلام وقد
أعطيته بعضها.
[209]
فلما كان سحر تلك الليلة، كنت على ما تفضل
الله به من نافلة الليل فلما أصبحنا به من نهار الخميس المذكور، دخلت الحضرة حضرة
مولانا علي صلوات الله عليه على عادتي، فورد علي من فضل الله وإقباله والمكاشفة، ما
كدت أسقط على الأرض، ورجفت أعضائي واقدامي، وارتعدت رعدة هائلة، على عوائد فضله
عندي وعنايته لي، وما أراني من بره لي ورفدي، وأشرفت على الفناء ومفارقة دار الفناء
والإنتقال إلى دار البقاء، حتى حضر الجمال محمد بن كنيلة، وأنا في تلك الحال فسلم
علي فعجزت عن مشاهدته، وعن النظر إليه، وإلى غيره، وما تحققته بل سألت عنه بعد ذلك،
فعرفوني به تحقيقا وتجددت في تلك الزيارة مكاشفات جليلة، و بشارات جميلة. وحدثني
أخي الصالح محمد بن محمد بن محمد الآوي ضاعف الله سعادته، بعدة بشارات رواها لي
منها أنه رأى كأن شخصا يقص عليه في المنام مناما، ويقول له: قد رأيت كأن فلانا -
يعني عني - (1) وكأنني كنت حاضرا لما كان المنام يقص عليه - راكب فرسا وأنت يعني
الأخ الصالح الآوي، وفارسان آخران قد صعدتم جميعا إلى السماء قال: فقلت له: أنت
تدري أحد الفارسين من هو ؟ فقال صاحب المنام في حال النوم لا أدري، فقلت: أنت -
يعني عني - ذلك مولانا المهدي صلوات الله وسلامه عليه. وتوجهنا من هناك لزيارة أول
رجب بالحلة، فوصلنا ليلة الجمعة، سابع عشر جمادى الآخرة بحسب الاستخارة، فعرفني حسن
بن البقلي يوم الجمعة المذكورة أن شخصا فيه صلاح يقال له: عبد المحسن، من أهل
السواد قد حضر بالحلة وكر أنه قد لقيه مولانا المهدي صلوات الله عليه ظاهرا في
اليقظة، وقد أرسله إلى عندي برسالة، فنفذت قاصدا وهو محفوظ بن قرا فحضرا ليلة السبت
ثامن عشر من جمادي الآخرة المقدم ذكرها.
(1) قد تكرر في الحكاية قوله " يعنى عنى "
وأمثاله، وهي من لغة أهل العراق: المولدين، وكانه يستعمل " يعني " بمعنى " يكنى "
أي يكنى بفلان عني.
[210]
فخلوت بهذا الشيخ عبد المحسن، فعرفته فهو
رجل صالح، لا يشك النفس في حديثه، ومستغن عنا، وسألته فذكر أن أصله من حصن بشر وأنه
انتقل إلى الدولاب الذي بازاء المحولة المعروفة بالمجاهدية، ويعرف الدولاب بابن أبي
الحسن وأنه مقيم هناك، وليس له عمل بالدولاب ولا زرع، ولكنه تاجر في شراء غليلات
وغيرها، وأنه كان قد ابتاع غلة من ديوان السرائر وجاء ليقبضها، وبات عند المعيدية
في المواضع المعروفة بالمحبر. فلما كان وقت السحر كره استعمال ماء المعيدية، فخرج
بقصد النهر، والنهر في جهة المشرق، فما أحس بنفسه إلا وهو في قل السلم، في طريق
مشهد الحسين عليه السلام، في جهة المغرب، وكان ذلك ليلة الخميس تاسع عشر شهر جمادي
الآخرة من سنة إحدى وأربعين وستمائة التي تقدم شرح بعض ما تفضل الله علي فيها وفي
نهارها في خدمة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام. فجلست اريق ماء وإذا فارس عندي
ما سمعت له حسا، ولا وجدت لفرسه حركة، ولا صوتا، وكان القمر طالعا، ولكن كان الضباب
كثيرا (1). فسألته عن الفارس وفرسه، فقال: كان لون فرسه صدءا وعليه ثياب بيض وهو
متحنك بعمامة ومتقلد بسيف. فقال الفارس لهذا الشيخ عبد المحسن: كيف وقت الناس ؟ قال
عبد المحسن: فظننت أنه يسأل عن ذلك الوقت، قال: فقلت الدنيا عليه ضباب وغبرة، فقال:
ما سألتك عن هذا أنا سألتك عن حال الناس، قال: فقلت: الناس طيبين مرخصين آمنين في
أوطانهم وعلى أموالهم. فقال: تمضي إلى ابن طاوس، وتقول له كذا وكذا، وذكر لي ما قال
صلوات الله عليه ثم قال عنه عليه السلام: فالوقت قد دنا، فالوقت قد دنا، قال عبد
المحسن فوقع في قلبي وعرفت نفسي أنه مولانا صاحب الزمان عليه السلام فوقعت على وجهي
(1) الضباب: ندى كالغبار يغشى الارض وقيل
سحاب رقيق كالدخان، يقال له بالفارسية " مه ".
[211]
وبقيت كذلك مغشيا علي إلى أن طلع الصبح،
قلت له: فمن أين عرفت أنه قصد ابن طاوس عني ؟ (1) قال: ما أعرف من بني طاوس إلا
أنت، وما في قلبي إلا انه قصد بالرسالة إليك، قلت: أي شئ فهمت بقوله عليه السلام "
فالوقت قد دنا فالوقت قد دنا " هل قصد وفاتي قد دنا أم قد دنا وقت ظهوره صلوات الله
وسلامه عليه ؟ فقال: بل قد دنا وقت ظهوره صلوات الله عليه. قال: فتوجهت ذلك الوقت
(2) إلى مشهد الحسين عليه السلام وعزمت أنني ألزم بيتي مدة حياتي أ عبد الله تعالى،
وندمت كيف ما سألته صلوات الله عليه عن أشياء كنت أشتهي أسأله فيها. قلت له: هل
عرفت بذلك أحدا ؟ قال: نعم، عرفت بعض من كان عرف بخروجي من المعيدية، وتوهموا أني
قد ضللت وهلكت بتأخيري عنهم، واشتغالي بالغشية التي وجدتها، ولأنهم كانوا يروني طول
ذلك النهار يوم الخميس في أثر الغشية التي لقيتها من خوفي منه عليه السلام فوصيته
أن لا يقول ذلك لأحد أبدا، وعرضت عليه شيئا فقال: أنا مستغن عن الناس وبخير كثير.
فقمت أنا وهو فلما قام عني نفذت له غطاء وبات عندنا في المجلس على باب الدار التي
هي مسكني الآن بالحلة، فقمت وكنت أنا وهو في الروشن (3) في خلوة، فنزلت لأنام فسألت
الله زيادة كشف في المنام في تلك الليلة أراه أنا. فرأيت كأن مولانا الصادق عليه
السلام قد جاءني بهدية عظيمة، وهي عندي وكأنني ما أعرف قدرها، فاستيقظت وحمدت الله،
وصعدت الروشن لصلاة نافلة
(1) هكذا في النسخة والصحيح " قصدني عن
ابن طاوس " منه رحمه الله، أقول: قد عرفت أن ناقل الحكاية من أهل السواد، فإذا عدى
" عنى " و " قصد " بعن الجارة يضمنه معنى الكناية كانه قال " كنى بابن طاوس عنى "
ومعناه على لغته ظاهر. (2) اليوم، خ. (3) الروشن: أصلها فارسية، قال الفيروز آبادي:
" الروشن: الكوة " لكن المراد بقرينة ما بعده: الغرفة المشرفة.
[212]
الليل، وهي ليلة السبت ثامن عشر جمادي
الآخرة فأصعد فتح (1) الابريق إلى عندي فمددت يدي فلزمت عروته لأفرغ على كفي فأمسك
ماسك فم الابريق وأداره عني ومنعني من استعمال الماء في طهارة الصلاة، فقلت: لعل
الماء نجس فأراد الله أن يصونني عنه فإن لله عزوجل علي عوائد كثيرة أحدها مثل هذا
وأعرفها. فناديت إلى فتح، وقلت: من أين ملأت الابريق ؟ فقال: من المصبة (2) فقلت:
هذا لعله نجس فاقلبه واطهره (3) واملأه من الشط فمضى وقلبه وأنا أسمع صوت الابريق
وشطفه وملأه من الشط، وجاء به فلزمت عروته وشرعت اقلب منه على كفي فأمسك ماسك فم
الابريق وأداره عني ومنعني منه. فعدت وصبرت، ودعوت بدعوات، وعاودت الابريق وجرى مثل
ذلك، فعرفت أن هذا منع لي من صلاة الليل تلك الليلة، وقلت في خاطري: لعل الله يريد
أن يجري علي حكما وابتلاء غدا ولا يريد أن أدعو الليلة في السلامة من ذلك، وجلست لا
يخطر بقلبي غير ذلك. فنمت وأنا جالس، وإذا برجل يقول لي: - يعني عبد المحسن الذي
جاء بالرسالة - كأنه ينبغي أن تمشي بين يديه، فاستيقظت ووقع في خاطري أنني قد قصرت
في احترامه وإكرامه، فتبت إلى الله جل جلاله، واعتمدت ما يعتمد التائب من مثل ذلك،
وشرعت في الطهارة فلم يمسك أبدا [فم] الابريق وتركت على عادتي فتطهرت وصليت ركعتين
فطلع الفجر فقضيت نافلة الليل، وفهمت أنني ما قمت بحق هذه الرسالة. فنزلت إلى الشيخ
عبد المحسن، وتلقيته وأكرمته، وأخذت له من خاصتي
(1) فتح: اسم غلامه. منه رحمه الله. (2)
في الاصل المطبوع: المسببة، بالسين وهو تصحيف. (3) في نسخة الفاضل الهندي: " فاشطفه
" وهو الاصح لغة، وبقرينة ما يأتي، منه رحمه الله. أقول: الشطف: الغسل، وهي لغة
سواد أهل العراق، ليست بأصيلة.
[213]
ستانير (1) ومن غير خاصتي خمسة عشر دينارا
مما كنت أحكم فيه كمالي (2) وخلوت به في الروشن، وعرضت ذلك عليه، واعتذرت إليه،
فامتنع من قبول شئ أصلا، وقال: إن معي نحو مائة دينار وما آخذ شيئا، أعطه لمن هو
فقير، وامتنع غاية الامتناع. فقلت: إن رسول مثله عليه الصلاة والسلام، يعطى لأجل
الاكرام لمن أرسله لا لأجل فقره وغناه، فامتنع، فقلت له " مبارك " أما الخمسة عشر،
فهي من غير خاصتي، فلا اكرهك على قبولها، وأما هذه الستة دنانير فهي من خاصتي فلا
بد أن تقبلها مني فكاد أن يؤيسني من قبولها، فألزمته فأخذها، وعاد تركها، فألزمته
فأخذها، وتغديت أنا وهو، ومشيت بين يديه كما امرت في المنام إلى ظاهر الدار وأوصيته
بالكتمان، والحمد لله وصلى الله على سيد المرسلين محمد وآله الطاهرين. الحكاية
الثالثة في آخر كتاب في التعازي عن آل محمد عليهم السلام ووفاة النبي صلى الله عليه
وآله تأليف الشريف الزاهد أبي عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن عبد الرحمن العلوي
الحسيني رضي الله عنه عن الأجل العالم الحافظ، حجة الاسلام، سعيد بن أحمد بن الرضي
عن الشيخ الأجل المقرئ خطير الدين حمزة بن المسيب بن الحارث أنه حكى في داري
بالظفرية بمدينة السلام في ثامن عشر شهر شعبان سنة أربع وأربعين وخمسمائة قال:
حدثني شيخي العالم ابن أبي القاسم (3) عثمان بن عبد الباقي بن احمد الدمشقي في سابع
عشر جمادى الآخرة من سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة قال: حدثني الأجل
(1) ستانير، كذا في النسخ والظاهر انه
مخفف " ستة دنانير " كذا بخط المؤلف رحمه الله، أقول: بل هو مقطوع لما يأتي بعده من
التصريح بذلك، وهو مثل قولهم " ستى " مخفف " سيدتي ". (2) أي مثل مالي. (3) كذا في
نسخة كشكول المحدث البحراني، منه رحمه الله.
[214]
العالم الحجة كمال الدين أحمد بن محمد بن
يحيى الأنباري بداره بمدينة السلام ليلة عاشر شهر رمضان سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة.
قال: كنا عند الوزير عون الدين يحيى بن هبيرة في رمضان بالسنة المقدم ذكرها، ونحن
على طبقة، وعنده جماعة، فلما أفطر من كان حاضرا وتقوض (1) أكثر من حضر خاصرا، (2)
أردنا الانصراف، فأمرنا بالتمسي عنده، فكان في مجلسه في تلك الليلة شخص لا أعرفه،
ولم أكن رأيته من قبل، ورأيت الوزير يكثر إكرامه، ويقرب مجلسه، ويصغي إليه، ويسمع
قوله، دون الحاضرين. فتجارينا الحديث والمذاكرة، حتى أمسينا وأردنا الانصراف،
فعرفنا بعض أصحاب الوزير أن الغيث ينزل، وأنه يمنع من يريد الخروج، فأشار الوزير أن
نمسي عنده فأخذنا نتحادث، فأفضى الحديث حتى تحادثنا في الأديان والمذاهب ورجعنا إلى
دين الاسلام، وتفرق المذاهب فيه. فقال الوزير: أقل طائفة مذهب الشيعة، وما يمكن أن
يكون أكثر منهم في خطتنا هذه، وهم الأقل من أهلها، وأخذ يذم أحوالهم، ويحمد الله
على قتلهم في أقاصي الأرض. فالتفت الشخص الذي كان الوزير مقبلا عليه، مصغيا إليه،
فقال له: أدام الله أيامك احدث بما عندي فيما قد تفاوضتم فيه أو أعرض عنه، فصمت
الوزير، ثم قال: قل: ما عندك. فقال: خرجت مع والدي سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، من
مدينتنا وهي المعروفة بالباهية، ولها الرستاق الذي يعرفه التجار، وعدة ضياعها ألف
ومائتا ضيعة، في كل ضيعة من الخلق ما لا يحصي عددهم إلا الله، وهم قوم نصارى، وجميع
(1) يقال: تقوض الحلق والصفوف: انتقضت
وتفرقت. (2) في الاصل المطبوع: " من حضر حاضرا " وهو تصحيف، والصحيح ما في الصلب
ومعناه أنه: قام أكثر أهل المجلس وكل منهم وضع يده على خاصرته، من طول الجلوس
وكسالته.
[215]
الجزائر التي كانت حولهم، على دينهم
ومذهبهم، ومسير بلادهم وجزائرهم مدة شهرين، وبينهم وبين البر مسير عشرين يوما وكل
من في البر من الأعراب وغيرهم نصارى وتتصل بالحبشة والنوبة، وكلهم نصارى، ويتصل
بالبربر، وهم على دينهم فان حد هذا كان بقدر كل من في الأرض، ولم نضف إليهم الافرنج
والروم. وغير خفي عنكم من بالشام والعراق والحجاز من النصارى، واتفق أننا سرنا في
البحر، وأوغلنا، وتعدينا الجهات التي كنا نصل إليها، ورغبنا في المكاسب ولم نزل على
ذلك حتى صرنا إلى جزائر عظيمة كثيرة الأشجار، مليحة الجدران فيها المدن الملدودة
(1) والرساتيق. وأول مدينة وصلنا إليها وارسي المراكب بها، وقد سألنا الناخداه أي
شئ هذه الجزيرة ؟ قال: والله إن هذه جزيرة لم أصل إليها ولا أعرفها، وأنا وأنتم في
معرفتها سواء. فلما أرسينا بها، وصعد التجار إلى مشرعة تلك المدينة، وسألنا ما
اسمها ؟ فقيل هي المباركة، فسألنا عن سلطانهم وما اسمه ؟ فقالوا: اسمه الطاهر،
فقلنا وأين سرير مملكته فقيل بالزاهرة، فقلنا: وأين الزاهرة ؟ فقالوا: بينكم وبينها
مسيرة عشر ليال في البحر، وخمسة وعشرين ليلة في البر، وهم قوم مسلمون. فقلنا: من
يقبض زكاة ما في المركب لنشرع في البيع والابتياع ؟ فقالوا: تحضرون عند نائب
السلطان، فقلنا: وأين أعوانه ؟ فقالوا: لا أعوان له، بل هو في داره وكل من عليه حق
يحضر عنده، فيسلمه إليه. فتعجبنا من ذلك، وقلنا: ألا تدلونا عليه ؟ فقالوا: بلى،
وجاء معنا من أدخلنا داره، فرأيناه رجلا صالحا عليه عباءة، وتحته عباءة وهو
مفترشها، وبين يديه دواة يكتب منها من كتاب ينظر إليه، فسلمنا عليه فرد علينا
السلام وحيانا و قال: من أين أقبلتم ؟ فقلنا: من أرض كذا وكذا، فقال: كلكم ؟ فقلنا:
لا، بل
(1) الملدودة: معناها أن تلك المدن قد
جعلت فيها لديدة كثيرة: وهي الروضة الخضراء الزهراء.
[216]
فينا المسلم واليهودي والنصراني، فقال:
يزن اليهودي جزيته والنصراني جزيته. ويناظر المسلم عن مذهبه. فوزن والدي عن خمس نفر
نصارى: عنه وعني وعن ثلاثة نفر كانوا معنا ثم وزن تسعة نفر كانوا يهودا وقال
للباقين: هاتوا مذاهبكم، فشرعوا معه في مذاهبهم. فقال: لستم مسلمين وإنما أنتم
خوارج وأموالكم محل للمسلم المؤمن، وليس بمسلم من لم يؤمن بالله ورسوله واليوم
الآخر وبالوصي والأوصياء من ذريته حتى مولانا صاحب الزمان صلوات الله عليهم. فضاقت
بهم الأرض ولم يبق إلا أخذ أموالهم. ثم قال لنا: يا أهل الكتاب لا معارضة لكم فيما
معكم، حيث اخذت الجزية منكم، فلما عرف اولئك أن أموالهم معرضة للنهب، سألوه أن
يحتملهم إلى سلطانهم فأجاب سؤالهم، وتلا: " ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن
بينة ". فقلنا للناخداه والربان (1) وهو الدليل: هؤلاء قوم قد عاشرناهم وصاروا
رفقة، وما يحسن لنا أن نتخلف عنهم أينما يكونوا نكون معهم، حتى نعلم ما يستقر حالهم
عليه ؟ فقال الربان: والله ما أعلم هذا البحر أين المسير فيه، فأستأجرنا ربانا
ورجالا، وقلعنا القلع (2) وسرنا ثلاثة عشر يوما بلياليها حتى كان قبل طلوع الفجر،
فكبر الربان فقال: هذه والله أعلام الزاهرة ومنائرها وجدرها إنها قد بانت، فسرنا
حتى تضاحى النهار. فقدمنا إلى مدينة لم تر العيون أحسن منها ولا أحق (3) على القلب،
ولا أرق من نسيمها ولا أطيب من هوائها، ولا أعذب من مائها، وهي راكبة البحر، على
جبل من صخر أبيض، كأنه لون الفضة وعليها سور إلى ما يلي البحر، والبحر يحوط الذي
يليه منها، والأنهار منحرفة في وسطها يشرب منها أهل الدور والأسواق
(1) الناخدا، مأخوذ من الفارسية ومعناه
معروف والربان كرمان: رئيس الملاحين. (2) القلع: شراع السفينة، وقلعنا: أي رفعنا
وأصلحنا الشراع لتسير السفينة. (3) أخف، خ.
[217]
وتأخذ منها الحمامات وفواضل الأنهار ترمى
في البحر، ومدى الأنهار فرسخ ونصف، وفي تحت ذلك الجبل بساتين المدينة وأشجارها،
ومزارعها عند العيون وأثمار تلك الأشجار لا يرى أطيب منها ولا أعذب، ويرعى الذئب
والنعجة عيانا ولو قصد قاصد لتخلية دابة في زرع غيره لمارعته، ولا قطعت قطعة حمله
ولقد شاهدت السباع والهوام رابضة في غيض تلك المدينة، وبنو آدم يمرون عليها فلا
تؤذيهم. فلما قدمنا المدينة وأرسى المركب فيها، وما كان صحبنا من الشوابي و
الذوابيح من المباركة بشريعة الزاهرة، صعدنا فرأينا مدينة عظيمة عيناء كثيرة الخلق،
وسيعة الربقة، وفيها الأسواق الكثيرة، والمعاش العظيم، وترد إليها الخلق من البر
والبحر، وأهلها على أحسن قاعدة، لا يكون على وجه الأرض من الامم والأديان مثلهم
وأمانتهم، حتى أن المتعيش بسوق يرده إليه من يبتاع منه حاجة إما بالوزن أو بالذراع
فيبايعه عليها ثم يقول: أيا هذا زن لنفسك واذرع لنفسك. فهذه صورة مبايعاتهم، ولا
يسمع بينهم لغو المقال، ولا السفه ولا النميمة، ولا يسب بعضهم بعضا، وإذا نادى
المؤذن الأذان، لا يتخلف منهم متخلف ذكرا كان أو انثى. إلا ويسعى إلى الصلاة، حتى
إذا قضيت الصلاة للوقت المفروض، رجع كل منهم إلى بيته حتى يكون وقت الصلاة الاخرى
فيكون الحال كما كانت. فلما وصلنا المدينة، وأرسينا بمشرعتها، أمرونا بالحضور إلى
عند السلطان فحضرنا داره، ودخلنا إليه إلى بستان صور في وسطه قبة من فصب، والسلطان
في تلك القبة، وعنده جماعة وفي باب القبة ساقية تجري. فوافينا القبة، وقد أقام ؟ ؟
المؤذن الصلاة، فلم يكن أسرع من أن امتلأ البستان بالناس، واقيمت الصلاة، فصلى بهم
جماعة، فلا والله لم تنظر عيني أخضع منه لله، ولا ألين جانبا لرعيته، فصلى من صلى
مأموما. فلما قضيت الصلاة التفت إلينا وقال: هؤلاء القادمون ؟ قلنا: نعم، وكانت
تحية الناس له أو مخاطبتهم له " يا ابن صاحب الأمر " فقال: على خير مقدم.
[218]
ثم قال: أنتم تجار أو ضياف ؟ فقلنا: تجار،
فقال: من منكم المسلم، ومن منكم أهل الكتاب ؟ فعرفناه ذلك ؟ فقال: إن الاسلام تفرق
شعبا فمن أي قبيل أنتم ؟ وكان معنا شخص يعرف بالمقري ابن دربهان بن أحمد (1)
الأهوازي، يزعم أنه على مذهب الشافعي، فقال له: أنا رجل شافعي قال: فمن على مذهبك
من الجماعة ؟ قال: كلنا إلا هذا حسان بن غيث فانه رجل مالكي. فقال: أنت تقول
بالاجماع ؟ قال: نعم، قال: إذا تعمل بالقياس، ثم قال: بالله يا شافعي تلوت ما أنزل
الله يوم المباهلة ؟ قال: نعم، قال: ما هو ؟ قال قوله تعالى: " قل تعالوا ندع
أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على
الكاذبين " (2). فقال: بالله عليك من أبناء الرسول ومن نساؤه ومن نفسه يابن دربهان
؟ فأمسك، فقال: بالله هل بلغك أن غير الرسول والوصي والبتول والسبطين دخل تحت
الكساء ؟ قال: لا، فقال: والله لم تنزل هذه الآية إلا فيهم، ولا خص بها سواهم. ثم
قال: بالله عليك يا شافعي ما تقول فيمن طهره الله بالدليل القاطع، هل ينجسه
المختلفون ؟ قال: لا، قال: بالله عليك هل تلوت " إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس
أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (3) قال: نعم، قال: بالله عليك من يعني بذلك ؟ فأمسك،
فقال: والله ما عنى بها إلا أهلها. ثم بسط لسانه وتحدث بحديث أمضى من السهام، وأقطع
من الحسام فقطع الشافعي ووافقه فقام عند ذلك فقال: عفوا يا ابن صاحب الأمر انسب إلي
نسبك، فقال: أنا طاهر بن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن
محمد بن علي بن الحسين بن علي الذي أنزل الله فيه: " وكل شئ
(1) اسمه دربهان بن أحمد، كذا في كشكول
الشيخ يوسف البحريني، منه رحمه الله (2) آل عمران: 61. (3) الاحزاب: 33.
[219]
أحصيناه في إمام مبين " (1) هو والله
الإمام المبين، ونحن الذين أنزل الله في حقنا " ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم
" (2). يا شافعي نحن أهل البيت نحن ذرية الرسول، ونحن اولو الأمر، فخر الشافعي
مغشيا عليه، لما سمع منه، ثم أفاق من غشيته، وآمن به، وقال: الحمد لله الذي منحني
بالاسلام، ونقلني من التقليد إلى اليقين. ثم أمر لنا باقامة الضيافة، فبقينا على
ذلك ثمانية أيام، ولم يبق في المدينة إلا من جاء إلينا، وحادثنا، فلما انقضت الأيام
الثمانية سأله أهل المدينة أن يقوموا لنا بالضيافة، ففتح لهم في ذلك، فكثرت علينا
الأطعمة والفواكه، وعملت لنا الولائم، ولبثنا في تلك المدينة سنة كاملة. فعلمنا
وتحققنا أن تلك المدينة مسيرة شهرين كاملة برا وبحرا، وبعدها مدينة اسمها الرائقة،
سلطانها القاسم بن صاحب الأمر عليه السلام مسيرة ملكها شهرين وهي على تلك القاعدة
ولها دخل عظيم، وبعدها مدينة اسمها الصافية، سلطانها إبراهيم بن صاحب الأمر عليه
السلام بالحكام وبعدها مدينة اخرى اسمها ظلوم سلطانها عبد الرحمان بن صاحب الأمر
عليه السلام، مسيرة رستاقها وضياعها شهران، وبعدها مدينة اخرى اسمها عناطيس،
سلطانها هاشم بن صاحب الأمر عليه السلام وهي أعظم المدن كلها وأكبرها وأعظم دخلا،
ومسيرة ملكها أربعة أشهر. فيكون مسيرة المدن الخمس والمملكة مقدار سنة لا يوجد في
أهل تلك الخطط والمدن والضياع والجزائر غير المؤمن الشيعي الموحد القائل بالبراءة
والولاية الذي يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، سلاطينهم
أولاد إمامهم، يحكمون بالعدل وبه يأمرون، وليس على وجه الأرض مثلهم، ولو جمع أهل
الدنيا، لكانوا أكثر عددا منهم على اختلاف الأديان والمذاهب. ولقد أقمنا عندهم سنة
كاملة نترقب ورود صاحب الأمر إليهم، لأنهم زعموا
(1) يس: 12. (2) آل عمران: 34.
[220]
أنها سنة وروده، فلم يوفقنا الله تعالى
للنظر إليه، فأما ابن دربهان وحسان فانهما أقاما بالزاهرة يرقبان رؤيته، وقد كنا
لما استكثرنا هذه المدن وأهلها، سألنا عنها فقيل: إنها عمارة صاحب الأمر عليه
السلام واستخراجه. فلما سمع عون الدين ذلك، نهض ودخل حجرة لطيفة، وقد تقضى الليل
فأمر باحضارنا واحدا واحدا، وقال: إياكم إعادة ما سمعتم أو إجراءه على ألفاظكم
وشدده وتأكد علينا، فخرجنا من عنده ولم يعد أحد منا مما سمعه حرفا واحدا حتى هلك.
وكنا إذا حضرنا موضعا واجتمع واحدنا بصاحبه، قال: أتذكر شهر رمضان فيقول: نعم، سترا
لحال الشرط. فهذا ما سمعته ورويته، والحمد لله وحده، وصلواته على خير خلقه محمد
وآله الطاهرين، والحمد لله رب العالمين. قلت: وروى هذه الحكاية مختصرا الشيخ زين
الدين علي بن يونس العاملي البياضي في الفصل الخامس عشر من الباب الحادي عشر من
كتاب " الصراط المستقيم " وهو أحسن كتاب صنف في الامامة عن كمال الدين الأنباري الخ
وهو صاحب رسالة " الباب المفتوح إلى ما قيل في النفس والروح " التي نقلها العلامة
المجلسي بتمامها في السماء والعالم. وقال السيد الأجل علي بن طاوس، في أواخر كتاب
جمال الاسبوع، وهو الجزء الرابع من السمات والمهمات بعد سوقه الصلوات المهدوية
المعروفة التي أولها: اللهم صل على محمد المنتجب في الميثاق، وفي آخرها: وصل على
وليك وولاة عهدك والأئمة من ولده، وزد في أعمارهم، وزد في آجالهم، وبلغهم أقصى
آمالهم دينا ودنيا وآخرة الخ. والدعاء الآخر مروي عن الرضا عليه السلام يدعى به في
الغيبة أوله " اللهم ادفع عن وليك " وفي آخره " اللهم صل على ولاة عهدك في الأئمة
من بعده " الخ. قال بعد كلام له في شرح هذه الفقرة ما لفظه: ووجدت رواية متصلة
الاسناد
[221]
بأن للمهدي صلوات الله عليه أولاد جماعة
ولاة في أطراف بلاد البحر، على غاية عظيمة من صفات الأبرار، والظاهر، بل المقطوع
أنه إشارة إلى هذه الرواية. والله العالم. ورواه أيضا السيد الجليل علي بن عبد
الحميد النيلي في كتاب السلطان المفرج عن أهل الإيمان، عن الشيخ الأجل الأمجد
الحافظ حجة الإسلام سعيد الدين رضي البغدادي، عن الشيخ الأجل خطير الدين حمزة بن
الحارث بمدينة السلام الخ. ورواه المحدث الجزائري في الأنوار عن المولى الفاضل
الملقب بالرضا علي بن فتح الله الكاشاني قال: روى الشريف الزاهد. الحكاية الرابعة
قال آية الله العلامة الحلي - رحمه الله -: في آخر منهاج الصلاح في دعاء العبرات:
الدعاء المعروف وهو مروي عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام وله من جهة السيد
السعيد رضي الدين محمد بن محمد بن محمد الآوي قدس الله روحه حكاية معروفة بخط بعض
الفضلاء، في هامش ذلك الموضع، روى المولى السعيد فخر الدين محمد بن الشيخ الأجل
جمال الدين، عن والده، عن جده الفقيه يوسف، عن السيد الرضي المذكور أنه كان مأخوذا
عند أمير من امراء السلطان جرماغون، مدة طويلة، مع شدة وضيق فرأى في نومه الخلف
الصالح المنتظر، فبكى وقال: يا مولاي اشفع في خلاصي من هؤلاء الظلمة. فقال عليه
السلام: ادع بدعاء العبرات، فقال: ما دعاء العبرات ؟ فقال عليه السلام: إنه في
مصباحك، فقال: يا مولاي ما في مصباحي ؟ فقال عليه السلام: أنظره تجده فانتبه من
منامه وصلى الصبح، وفتح المصباح، فلقي ورقة مكتوبة فيها هذا الدعاء بين أوراق
الكتاب، فدعا أربعين مرة. وكان لهذا الأمير امرءتان إحداهما عاقلة مدبرة في اموره،
وهو كثير
[222]
الاعتماد عليها. فجاء الأمير في نوبتها،
فقالت له: أخذت أحدا من أولاد أمير المؤمنين علي عليه السلام ؟ فقال لها: لم تسألين
عن ذلك ؟ فقالت: رأيت شخصا وكأن نور الشمس يتلألؤ من وجهه، فأخذ بحلقي بين أصبعيه،
ثم قال: أرى بعلك أخذ ولدي، ويضيق عليه من المطعم والمشرب. فقلت له: يا سيدي من أنت
؟ قال: أنا علي بن أبي طالب، قولي له: إن لم يخل عنه لأخربن بيته. فشاع هذا النوم
للسلطان فقال: ما أعلم ذلك، وطلب نوابه، فقال: من عندكم مأخوذ ؟ فقالوا: الشيخ
العلوي أمرت بأخذه، فقال: خلوا سبيله، وأعطوه فرسا يركبها ودلوه على الطريق فمضى
إلى بيته انتهى. وقال السيد الأجل علي بن طاوس في آخر مهج الدعوات: ومن ذلك ما
حدثني به صديقي والمواخي لي محمد بن محمد القاضي الآوي ضاعف الله جل جلاله سعادته،
وشرف خاتمته، وذكر له حديثا عجيبا وسببا غريبا، وهو أنه كان قد حدث له حادثة فوجد
هذا الدعاء في أوراق لم يجعله فيها بين كتبه، فنسخ منه نسخة فلما نسخه فقد الأصل
الذي كان قد وجده إلى أن ذكر الدعاء وذكر له نسخة اخرى من طريق آخر تخالفه. ونحن
نذكر النسخة الاولى تيمنا بلفظ السيد، فان بين ما ذكره ونقل العلامة أيضا اختلافا
شديدا وهي: بسم الله الرحمان الرحيم اللهم إني أسألك يا راحم العبرات، ويا كاشف
الكربات أنت الذي تقشع سحائب المحن، وقد أمست ثقالا، وتجلو ضباب الأحن وقد سحبت
أذيالا، وتجعل زرعتها هشيما، وعظامها رميما، وترد المغلوب غالبا والمطلوب طالبا
إلهي فكم من عبدناداك " إني مغلوب فانتصر " ففتحت له من نصرك أبواب السماء بماء
منهمر، وفجرت له من عونك عيونا فالتقى ماء فرجه على أمر قد قدر، وحملته من كفايتك
على ذات ألواح ودسر.
[223]
يا رب إني مغلوب فانتصر، يا رب إني مغلوب
فانتصر، يا رب إني مغلوب فانتصر، فصل على محمد وآل محمد وافتح لي من نصرك أبواب
السماء بماء منهمر، وفجر لي من عونك عيونا ليلتقي ماء فرجي على أمر قد قدر، واحملني
يا رب من كفايتك على ذات ألواح ودسر. يا من إذا ولج العبد في ليل من حيرته يهيم،
فلم يجد له صريخا يصرخه من ولي ولا حميم، صل على محمد وآل محمد، وجد يا رب من
معونتك صريخا معينا ووليا يطلبه حثيثا، ينجيه من ضيق أمره وحرجه، ويظهر له المهم من
أعلام فرجه. اللهم فيا من قدرته قاهرة، وآياته باهرة، ونقماته قاصمة، لكل جبار
دامغة لكل كفور ختار، صل يا رب على محمد وآل محمد وانظر إلي يا رب نظرة من نظراتك
رحيمة، تجلو بها عني ظلمة واقفة مقيمة، من عاهة جفت منها الضروع وقلفت (1) منها
الزروع، واشتمل بها على القلوب اليأس، وجرت بسببها الأنفاس. اللهم صل على محمد وآل
محمد، وحفظا حفظا لغرائس غرستها يد الرحمان وشربها من ماء الحيوان، أن تكون بيد
الشيطان تجز، وبفأسه تقطع وتحز. إلهي من أولى منك أن يكون عن حماك حارسا ومانعا
إلهي إن الأمر قد هال فهونه، وخشن فألنه، وإن القلوب كاعت فطنها والنفوس ارتاعت
فسكنها إلهي تدارك أقداما قد زلت، وأفهاما في مهامه الحيرة ضلت، أجحف الضر
بالمضرور، في داعية الويل والثبور، فهل يحسن من فضلك أن تجعله فريسة للبلاء وهولك
راج ؟ أم هل يحمل من عدلك أن يخوض لجة الغماء، وهو إليك لاج. مولاي لئن كنت لا أشق
على نفسي في التقى، ولا أبلغ في حمل أعباء الطاعة مبلغ الرضا، ولا أنتظم في سلك قوم
رفضوا الدنيا، فهم خمص البطون عمش العيون من البكاء، بل أتيتك يا رب بضعف من العمل،
وظهر ثقيل بالخطاء والزلل، ونفس للراحة معتادة، ولدواعي التسويف منقادة، أما يكفيك
يا رب وسيلة إليك وذريعة لديك أني لأوليائك موال، وفي محبتك مغال، أما يكفيني أن
أروح فيهم
(1) يريد أنها يبست حتى تقشر لحاؤها
وانتشر عنها.
[224]
مظلوما، وأغدو مكظوما، وأقضي بعد هموم
هموما، وبعد رجوم رجوما ؟. أما عندك يا رب بهذه حرمة لا تضيع، وذمة بأدناها يقتنع،
فلم لا يمنعني يا رب وها أنا ذا غريق، وتدعني بنار عدوك حريق، أتجعل أولياءك
لأعدائك مصائد، وتقلدهم من خسفهم قلائد، وأنت مالك نفوسهم، لو قبضتها جمدوا، وفي
قبضتك مواد أنفاسهم، لو قطعتها خمدوا. وما يمنعك يا رب أن تكف بأسهم، وتنزع عنهم من
حفظك لباسهم، وتعريهم من سلامة بها في أرضك يسرحون، وفي ميدان البغي على عبادك
يمرحون. اللهم صل على محمد وآل محمد، وأدركني ولما يدركني الغرق، وتداركني ولما غيب
شمسي للشفق. إلهي كم من خائف التجأ إلى سلطان فآب عنه محفوفا بأمن وأمان، أفأقصد يا
رب بأعظم من سلطانك سلطانا ؟ أم أوسع من إحسانك إحسانا ؟ أم أكثر من اقتدارك
اقتدارا ؟ أم أكرم من انتصارك انتصارا. اللهم أين كفايتك التي هي نصرة المستغيثين
من الأنام، وأين عنايتك التي هي جنة المستهدفين لجور الأيام، إلي إلي بها، يا رب !
نجني من القوم الظالمين إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين. مولاي ترى تحيري في
أمري، وتقلبي في ضري، وانطواي على حرقة قلبي وحرارة صدري، فصل يا رب على محمد وآل
محمد، وجدلي يا رب بما أنت أهله فرجا ومخرجا، ويسر لي يا رب نحو اليسرى منهجا،
واجعل لي يا رب من نصب حبالا لي ليصرعني بها صريع ما مكره، ومن حفر لي البئر
ليوقعني فيها واقعا فيما حفره، واصرف اللهم عني شره ومكره، وفساده وضره، ما تصرفه
عمن قاد نفسه لدين الديان، ومناد ينادي للايمان. إلهي عبدك عبدك، أجب دعوته، وضعيفك
ضعيفك فرج غمته، فقد انقطع كل حبل إلا حبلك، وتقلص كل ظل إلا ظلك. مولاي دعوتي هذه
إن رددتها أين تصادف موضع الاجابة، ويجعلني إن
[225]
كذبتها أين تلاقي موضع الاجابة، فلا ترد
عن بابك من لا يعرف غيره بابا، ولا يمتنع دون جنابك من لا يعرف سواه جنابا. ويسجد
ويقول: إلهي إن وجها إليك برغبته توجه، فالراغب خليق بأن تجيبه، وإن جبينا لك
بابتهاله سجد، حقيق أن يبلغ ما قصد، وإن خدا إليك بمسألته يعفر، جدير بأن يفوز
بمراده ويظفر، وها أنا ذا يا إلهي قد ترى تعفير خدي، وابتهالي واجتهادي في مسألتك
وجدي، فتلق يا رب رغباتي برأفتك قبولا وسهل إلي طلباتي برأفتك وصولا، وذلل لي قطوف
ثمراة إجابتك تذليلا. إلهي لا ركن أشد منك فآوي إلى ركن شديد، وقد أويت إليك وعولت
في قضاء حوائجي عليك، ولا قول أسد من دعائك، فأستظهر بقول سديد، وقد دعوتك كما
أمرت، فاستجب لي بفضلك كما وعدت، فهل بقي يا رب إلا أن تجيب، وترحم مني البكاء
والنحيب، يا من لا إله سواه، ويا من يجيب المضطر إذا دعاه. رب انصرني على القوم
الظالمين، وافتح لي وأنت خير الفاتحين، والطف بي يا رب وبجميع المؤمنين والمؤمنات
برحمتك يا أرحم الراحمين. الحكاية الخامسة في كتاب الكلم الطيب والغيث الصيب للسيد
الأيد المتبحر السيد علي خان شارح الصحيفة ما لفظه: رأيت بخط بعض أصحابي من السادات
الأجلاء الصلحاء الثقات ما صورته: سمعت في رجب سنة ثلاث وتسعين وألف، الأخ العالم
العامل، جامع الكمالات الإنسية، والصفات القدسية، الأمير إسماعيل بن حسين بيك بن
علي بن سليمان الحائري الأنصاري أنار الله تعالى برهانه يقول: سمعت الشيخ الصالح
التقي المتورع الشيخ الحاج عليا المكي قال: إني ابتليت بضيق وشدة ومناقضة خصوم، حتى
خفت على نفسي القتل والهلاك، فوجدت الدعاء المسطور بعد في جيبي من غير أن
[226]
يعطينيه أحد، فتعجبت من ذلك، وكنت متحيرا
فرأيت في المنام أن قائلا في زي الصلحاء والزهاد يقول لي: إنا أعطيناك الدعاء
الفلاني فادع به تنج من الضيق والشدة ولم يتبين لي من القائل ؟ فزاد تعجبي فرأيت
مرة اخرى الحجة المنتظر عليه السلام فقال: ادع بالدعاء الذي أعطيتكه، وعلم من أردت.
قال: وقد جربته مرارا عديدة، فرأيت فرجا قريبا، وبعد مدة ضاع مني الدعاء برهة من
الزمان، وكنت متأسفا على فواته، مستغفرا من سوء العمل، فجاءني شخص وقال لي: إن هذا
الدعاء قد سقط منك في المكان الفلاني وما كان في بالي أن رحت إلى ذلك المكان،،
فأخذت الدعاء، وسجدت لله شكرا وهو: بسم الله الرحمن الرحيم رب أسألك مددا روحانيا
تقوي به قوى الكلية والجزئية، حتى أقهر عبادي ! نفسي كل نفس قاهرة، فتنقبض لي إشارة
رقائقها انقباضا تسقط به قواها حتى لا يبقى في الكون ذو روح إلا ونار قهري قد أحرقت
ظهوره، يا شديد يا شديد، يا ذا البطش الشديد، يا قهار، أسألك بما أودعته عزرائيل من
أسمائك القهرية، فانفعلت له النفوس بالقهر، أن تودعني هذا السر في هذه الساعة حتى
الين به كل صعب، واذلل به كل منيع، بقوتك يا ذا القوة المتين. تقرأ ذلك سحرا ثلاثا
إن أمكن، وفي الصبح ثلاثا وفي المساء ثلاثا، فإذا اشتدت الأمر على من يقرأه يقول
بعد قراءته ثلاثين مرة: يا رحمن يا رحيم يا أرحم الراحمين، أسألك اللطف بما جرت به
المقادير. الحكاية السادسة الشيخ إبراهيم الكفعمي في كتاب البلد الأمين عن المهدي
صلى الله عليه وسلم: من كتب هذا الدعاء في إناء جديد، بتربة الحسين عليه السلام
وغسله وشربه، شفي من علته. بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله دواء، والحمد لله
شفاء. ولا إله إلا الله كفاء
[227]
هو الشافي شفاء، وهو الكافي كفاء، اذهب
البأس برب الناس شفاء لا يغادره سقم وصلى الله على محمد وآله النجباء. ورأيت بخط
السيد زين الدين علي بن الحسين الحسيني رحمه الله أن هذا الدعاء تعلمه رجل كان
مجاورا بالحائر على مشرفه السلام [عن] المهدي سلام الله عليه في منامه، وكان به علة
فشكاها إلى القائم عجل الله فرجه، فأمره بكتابته وغسله وشربه، ففعل ذلك فبرأ في
الحال. الحكاية السابعة. السيد الجليل علي بن طاوس في مهج الدعوات: وجدت في مجلد
عتيق ذكر كاتبه أن اسمه الحسين بن علي بن هند، وأنه كتب في شوال سنة ست وتسعين
وثلاث مائة دعاء العلوي المصري بما هذا لفظ إسناده: دعاء علمه سيدنا المؤمل صلوات
الله عليه رجلا من شيعته وأهله في المنام وكان مظلوما ففرج الله عنه، وقتل عدوه.
حدثني أبو علي أحمد بن محمد بن الحسين، وإسحاق بن جعفر بن محمد العلوي العريضي
بحران، قال: حدثني محمد بن علي العلوي الحسيني، وكان يسكن بمصر قال: دهمني أمر
عظيم، وهم شديد، من قبل صاحب مصر، فخشيته على نفسي وكان سعى بي إلى أحمد بن طولون،
فخرجت من مصر حاجا فصرت من الحجاز إلى العراق، فقصدت مشهد مولانا وأبي: الحسين بن
علي عليهما السلام عائذا به، ولائذا بقبره، ومستجيرا به، من سطوة من كنت أخافه،
فأقمت بالحائر خمسة عشر يوما أدعو وأتضرع ليلي ونهاري فتراءى لي قيم الزمان عليه
السلام وولي الرحمن، وأنا بين النائم واليقظان، فقال لي: يقول لك الحسسين بن علي
عليهما السلام يا بني خفت فلانا ؟ فقلت: نعم أراد هلاكي، فلجأت إلى سيدي عليه
السلام أشكو إليه عظيم ما أراد بي. فقال عليه السلام: هلا دعوت الله ربك عزوجل ورب
آبائك بالأدعية التي دعا بها من سلف من الأنبياء عليهم السلام فقد كانوا في شدة
فكشف الله عنهم ذلك، قلت:
[228]
وماذا أدعوه فقال عليه السلام: إذا كان
ليلة الجمعة، فاغتسل وصل صلاة الليل فإذا سجدت سجدة الشكر، دعوت بهذا الدعاء، وأنت
بارك على ركبتك، فذكر لي دعاء، قال: ورأيته في مثل ذلك الوقت، يأتيني وأنا بين
النائم واليقظان، قال: وكان يأتيني خمس ليال متواليات يكرر علي هذا القول والدعاء
حتى حفظته وانقطع مجيئه ليلة الجمعة. فاغتسلت وغيرت ثيابي، وتطيبت وصليت صلاة
الليل، وسجدت سجدة الشكر، وجثوت على ركبتي، ودعوت الله جل وتعالى بهذا الدعاء
فأتاني ليلة السبت، فقال لي: قد اجيبت دعوتك يا محمد ! وقتل عدوك عند فراغك من
الدعاء عند (1) من وشى به إليه. فلما أصبحت ودعت سيدي، وخرجت متوجها إلى مصر، فلما
بلغت الاردن وأنا متوجه إلى مصر، رأيت رجلا من جيراني بمصر وكان مؤمنا فحدثني أن
خصمي قبض عليه أحمد بن طولون، فأمر به فأصبح مذبوحا من قفاه، قال: وذلك في ليلة
الجمعة، فأمر به فطرح في النيل، وكان فيما أخبرني جماعة من أهلينا وإخواننا الشيعة
أن ذلك كان فيما بلغهم عند فراغي من الدعاء كما أخبرني مولاي صلوات الله عليه. ثم
ذكر له طريقا آخر عن أبي الحسن علي بن حماد البصري قال: أخبرني أبو عبد الله الحسين
بن محمد العلوي قال: حدثني محمد بن علي العلوي الحسيني المصري قال: أصابني غم شديد،
ودهمني أمر عظيم، من قبل رجل من أهل بلدي من ملوكه، فخشيته خشية لم أرج لنفسي منها
مخلصا. فقصدت مشهد ساداتي وآبائي صلوات الله عليهم بالحائر لائذا بهم عائذا بقبرهم،
ومستجيرا من عظيم سطوة من كنت أخافه، وأقمت بها خمسة عشر يوما أدعو وأتضرع ليلا
ونهارا فتراءى لي قائم الزمان وولي الرحمن، عليه وعلى آبائه أفضل التحية والسلام،
فأتاني بين النائم واليقظان، فقال لي: يا بني خفت فلانا ؟
(1) بيد من وشى. ط.
[229]
فقلت: نعم، أرادني بكيت وكيت، فالتجأت إلى
ساداتي عليهم السلام أشكو إليهم ليخلصوني منه. فقال: هلا دعوت الله ربك ورب آبائك
بالأدعية التي دعا بها أجدادي الأنبياء صلوات الله عليهم، حيث كانوا في الشدة فكشف
الله عزوجل عنهم ذلك ؟ قلت: وبماذا دعوه به لأدعوه ؟ قال عليه وعلى آبائه السلام:
إذا كان ليلة الجمعة، قم واغتسل، وصل صلواتك فإذا فرغت من سجدة الشكر، فقل وأنت
بارك على ركبتيك، وادع بهذا الدعاء مبتهلا. قال: وكان يأتيني خمس ليال متواليات،
يكرر علي القول وهذا الدعاء حتى حفظته، وانقطع مجيئه في ليلة الجمعة، فقمت واغتسلت
وغيرت ثيابي وتطيبت وصليت ما وجب علي من صلاة الليل، وجثوت على ركبتي، فدعوت الله
عزوجل بهذا الدعاء فأتاني عليه السلام ليلة السبت، كهيئته التي يأتيني فيها، فقال
لي: قد اجيبت دعوتك يا محمد ! وقتل عدوك، وأهلكه الله عزوجل عند فراغك من الدعاء.
قال: فلما أصبحت لم يكن لي هم غير وداع ساداتي صلوات الله عليهم والرحلة نحو المنزل
الذي هربت منه، فلما بلغت بعض الطريق إذا رسول أولادي وكتبهم بأن الرجل الذي هربت
منه، جمع قوما واتخذ لهم دعوة، فأكلوا وشربوا وتفرق القوم، ونام هو وغلمانه في
المكان فأصبح الناس ولم يسمع له حس، فكشف عنه الغطاء فإذا به مذبوحا من قفاه،
ودماؤه تسيل، وذلك في ليلة الجمعة، ولا يدرون من فعل به ذلك ؟ ويأمرونني بالمبادرة
نحو المنزل. فلما وافيت إلى المنزل، وسألت عنه وفي أي وقت كان قتله، فإذا هو عند
فراغي من الدعاء. ثم ساق رحمه الله الدعاء بتمامه وهو طويل ولذا تركنا نقله حذرا من
الخروج عن وضع الكتاب، مع كونه في غاية الانتشار، وهذه الحكاية موجودة في باب
المعاجز من البحار (1) وإنما ذكرناها لذكر السند وتكرر الطريق.
(1) باب ما ظهر من معجزاته صلوات الله
عليه الرقم 23، راجع ج 51 ص 307.
[230]
الحكاية الثامنة في تاريخ قم تأليف الشيخ
الفاضل الحسن بن محمد بن الحسن القمي من كتاب مونس الحزين في معرفة الحق واليقين،
من مصنفات أبي جعفر محمد بن بابويه القمي ما لفظه بالعربية: باب ذكر بناء مسجد
جمكران، بأمر الامام المهدي عليه صلوات الله الرحمن وعلى آبائه المغفرة، سبب بناء
المسجد المقدس في جمكران بأمر الامام عليه السلام على ما أخبر به الشيخ العفيف
الصالح حسن بن مثلة الجمكراني قال: كنت ليلة الثلاثا السابع عشر من شهر رمضان
المبارك سنة ثلارث وتسعين (1) وثلاثمائة نائما في بيتي فلما مضى نصف من الليل فإذا
بجماعة من الناس على باب بيتي فأيقظوني، وقالوا: قم وأجب الامام المهدي صاحب الزمان
فانه يدعوك. قال: فقمت وتعبأت وتهيأت، فقلت: دعوني حتى ألبس قميصي، فإذا بنداء من
جانب الباب: " هو ما كان قميصك " فتركته وأخذت سراويلي، فنودي: " ليس ذلك منك، فخذ
سراويلك " فألقيته وأخذت سراويلي ولبسته، فقمت إلى مفتاح الباب أطلبه فنودي " الباب
مفتوح ". فلما جئت إلى الباب، رأيت قوما من الأكابر، فسلمت عليهم، فردوا ورحبوا بي،
وذهبوا بي إلى موضع هو المسجد الآن، فلما أمعنت النظر رأيت أريكة فرشت عليها فراش
حسان، وعليها وسائد حسان، ورأيت فتى في زي ابن ثلاثين متكئا عليها، وبين يديه شيخ،
وبيده كتاب يقرؤه عليه، وحوله أكثر من ستين رجلا يصلون في تلك البقعة، وعلى بعضهم
ثياب بيض، وعلى بعضهم ثياب خضر. وكان ذلك الشيخ هو الخضر عليه السلام فأجلسني ذلك
الشيخ عليه السلام، ودعاني الامام عليه السلام باسمي، وقال: اذهب إلى حسن بن مسلم،
وقل له: إنك تعمر هذه الأرض منذ سنين وتزرعها، ونحن نخربها، زرعت خمس سنين، والعام
أيضا
(1) سيجئ بيان في لفظ التسعين من المؤلف
رحمه الله ص 234.
[231]
أنت على حالك من الزراعة والعمارة ؟ ولا
رخصة لك في العود إليها وعليك رد ما انتفعت به من غلات هذه الأرض ليبنى فيها مسجد
وقل لحسن بن مسلم إن هذه أرض شريفة قد اختارها الله تعالى من غيرها من الأراضي
وشرفها، وأنت قد أضفتها إلى أرضك. وقد جزاك الله بموت ولدين لك شابين، فلم تنتبه من
غفلتك، فان لم تفعل ذلك لأصابك من نقمة الله من حيث لا تشعر. قال حسن بن مثلة:
[قلت] يا سيدي لا بد لي في ذلك من علامة، فان القوم لا يقبلون ما لا علامة ولا حجة
عليه، ولا يصدقون قولي، قال: إنا سنعلم هناك فاذهب وبلغ رسالتنا، واذهب إلى السيد
أبي الحسن وقل له: يجيئ ويحضره ويطالبه بما أخذ من منافع تلك السنين، ويعطيه الناس
حتى يبنوا المسجد، ويتم ما نقص منه من غلة رهق ملكنا بناحية أردهال ويتم المسجد،
وقد وقفنا نصف رهق على هذا المسجد، ليجلب غلته كل عام، ويصرف إلى عمارته. وقل
للناس: ليرغبوا إلى هذا الموضع ويعزروه ويصلوا هنا أربع ركعات للتحية في كل ركعة
يقرأ سورة الحمد مرة، وسورة الاخلاص سبع مرات ويسبح في الركوع والسجود سبع مرات،
وركعتان للإمام صاحب الزمان عليه السلام هكذا: يقرأ الفاتحة فإذا وصل إلى " إياك
نعبد وإياك نستعين " كرره مائة مرة ثم يقرؤها إلى آخرها وهكذا يصنع في الركعة
الثانية، ويسبح في الركوع و السجود سبع مرات، فإذا أتم الصلاة يهلل (1) ويسبح تسبيح
فاطمة الزهراء عليها السلام فإذا فرغ من التسبيح يسجد ويصلي على النبي وآله مائة
مرة، ثم قال عليه السلام: ما هذه حكاية لفظه: فمن صلاها فكأنما في البيت العتيق.
قال حسن بن مثلة: قلت في نفسي كأن هذا موضع أنت تزعم أنما هذا المسجد للإمام صاحب
الزمان مشيرا إلى ذلك الفتى المتكئ على الوسائد فأشار ذلك الفتى إلي أن اذهب. فرجعت
فلما سرت بعض الطريق دعاني ثانية، وقال: إن في قطيع جعفر
(1) الظاهر أنه يقول: " لا إله الا الله
وحده وحده " منه رحمه الله.
[232]
الكاشاني الراعي معزا يجب أن تشتريه فان
أعطاك أهل القرية الثمن تشتريه وإلا فتعطي من مالك، وتجيئ به إلى هذا الموضع،
وتذبحه الليلة الآتية ثم تنفق يوم الأربعاء الثامن عشر من شهر رمضان المبارك لحم
ذلك المعز على المرضى، ومن به علة شديدة، فان الله يشفي جميعهم، وذلك المعر أبلق،
كثير الشعر، وعليه سبع علامات سود وبيض: ثلاث على جانب وأربع على جانب، سود وبيض
كالدراهم. فذهبت فأرجعوني ثالثة، وقال عليه السلام: تقيم بهذا المكان سبعين يوما أو
سبعا فان حملت على السبع انطبق على ليلة القدر، وهو الثالث والعشرون وإن حملت على
السبعين انطبق على الخامس والعشرين من ذي القعدة، وكلاهما يوم مبارك. قال حسن بن
مثلة: فعدت حتى وصلت إلى داري ولم أزل الليل متفكرا حتى اسفر الصبح، فأديت الفريضة،
وجئت إلى علي بن المنذر، فقصصت عليه الحال، فجاء معي حتى بلغت المكان الذي ذهبوا بي
إليه البارحة، فقال: والله إن العلامة التي قال لي الإمام واحد منها أن هذه السلاسل
والأوتاد ههنا. فذهبنا إلى السيد الشريف أبي الحسن الرضا فلما وصلنا إلى باب داره
رأينا خدامه وغلمانه يقولون إن السيد أبا الحسن الرضا ينتظرك من سحر، أنت من جمكران
؟ قلت: نعم، فدخلت عليه الساعة، وسلمت عليه وخضعت فأحسن في الجواب وأكرمني ومكن لي
في مجلسه، وسبقني قبل أن احدثه وقال: يا حسن بن مثلة إني كنت نائما فرأيت شخصا يقول
لي: إن رجلا من جمكران يقال له: حسن بن مثلة يأتيك بالغدو، ولتصدقن ما يقول، واعتمد
على قوله، فان قوله قولنا، فلا تردن عليه قوله فانتبهت من رقدتي، وكنت أنتظرك الآن.
فقص عليه الحسن بن مثلة القصص مشروحا فأمر بالخيول لتسرج، وتخرجوا فركبوا فلما
قربوا من القرية رأوا جعفر الراعي وله قطيع على جانب الطريق فدخل حسن بن مثلة بين
القطيع، وكان ذلك المعز خلف القطيع فأقبل المعز عاديا إلى الحسن بن مثلة فأخذه
الحسن ليعطي ثمنه الراعي ويأتي به فأقسم جعفر الراعي أني ما رأيت هذا المعز قط، ولم
يكن في قطيعي إلا أني رأيته وكلما اريد أن آخذه
[233]
لا يمكنني، والآن جاء إليكم، فأتوا بالمعز
كما أمر به السيد إلى ذلك الموضع وذبحوه. وجاء السيد أبو الحسن الرضا رضي الله عنه
إلى ذلك الموضع، وأحضروا الحسن بن مسلم واستردوا منه الغلات وجاؤا بغلات رهق،
وسقفوا المسجد بالجزوع (1) وذهب السيد أبو الحسن الرضا رضي الله عنه بالسلاسل
والأوتاد وأودعها في بيته فكان يأتي المرضى والأعلاء (2) ويمسون أبدانهم بالسلاسل
فيشفيهم الله تعالى عاجلا ويصحون. قال أبو الحسن محمد بن حيدر: سمعت بالاستفاضة أن
السيد أبا الحسن الرضا في المحلة المدعوة بموسويان من بلدة قم، فمرض بعد وفاته ولد
له، فدخل بيته وفتح الصندوق الذي فيه السلاسل والأوتاد، فلم يجدها. انتهت حكاية
بناء هذا المسجد الشريف، المشتملة على المعجزات الباهرة والآثار الظاهرة التي منها
وجود مثل بقرة بني إسرائيل في معز من معزى هذه الامة. قال المؤلف: لا يخفى أن مؤلف
تاريخ قم، هو الشيخ الفاضل حسن بن محمد القمي وهو من معاصري الصدوق رضوان الله
عليه، وروى في ذلك الكتاب، عن أخيه حسين بن علي بن بابويه رضوان الله عليهم، وأصل
الكتاب على اللغة العربية ولكن في السنة الخامسة والستين بعد ثمان مائة نقله إلى
الفارسية حسن بن علي ابن حسن بن عبد الملك بأمر الخاجا فخر الدين إبراهيم بن الوزير
الكبير الخاجا عماد الدين محمود بن الصاحب الخاجا شمس الدين محمد بن علي الصفي. قال
العلامة المجلسي في أول البحار: إنه كتاب معتبر، ولكن لم يتيسر لنا
(1) الجازع: الخشبة توضع في العريش عرضا
وتطرح عليها قضبان الكرم، فان نعت تلك الخشبة قلت: خشبة جازعة، وكل خشبة معروضة بين
شيئين ليحمل عليها شئ فهي جازعة، كذا في أقرب الموارد، أقول: وأما الجزوع، فانما هو
جمع جزع، الا أن يكون تصحيف " الجذوع " وكلاهما في هذا المورد بمعنى، ويقال له
بالفارسية " تير ". (2) جمع عليل كأجلاء جمع جليل، والعليل من به عاهة أو آفة.
[234]
أصله، وما بأيدينا إنما هو ترجمته وهذا
كلام عجيب، لأن الفاضل الألمعي الآميرزا محمد أشرف صاحب كتاب فضائل السادات كان
معاصرا له ومقيما باصفهان، وهو ينقل من النسخة العربية بل ونقل عنه الفاضل المحقق
الآغا محمد علي الكرمانشهاني في حواشيه على نقد الرجال، في باب الحاء في اسم الحسن،
حيث ذكر الحسن ابن مثلة، ونقل ملخص الخبر المذكور من النسخة العربية، وأعجب منه أن
أصل الكتاب كان مشتملا على عشرين بابا. وذكر العالم الخبير الآميرزا عبد الله
الإصفهاني تلميذ العلامة المجلسي في كتابه الموسوم برياض العلماء في ترجمة صاحب هذا
التاريخ إنه ظفر على ترجمة هذا التاريخ في قم، وهو كتاب كبير حسن كثيرة الفوائد في
مجلدات عديدة. ولكني لم أظفر على أكثر من مجلد واحد، مشتمل على ثمانية أبواب بعد
الفحص الشائع. وقد نقلنا الخبر السابق من خط السيد المحدث الجليل السيد نعمة الله
الجزائري عن مجموعة نقله منه ولكنه كان بالفارسية فنقلناه ثانيا إلى العربية ليلائم
نظم هذا المجموع، ولا يخفى أن كلمة " التسعين " الواقعة في صدر الخبر بالمثناة فوق
ثم السين المهملة، كانت في الأصل سبعين مقدم المهملة على الموحدة واشتبه على الناسخ
لأن وفاة الشيخ الصدوق كانت قبل التسعين، ولذا نرى جمعا من العلماء يكتبون في لفظ
السبع أو السبعين بتقديم السين أو التاء حذرا عن التصحيف والتحريف والله تعالى هو
العالم. الحكاية التاسعة ما حدثني به العالم العامل، والعارف الكامل غواص غمرات
الخوف والرجاء وسياح فيافي الزهد والتقي، صاحبنا المفيد، وصديقنا السديد، الآغا علي
رضا ابن العالم الجليل الحاج المولى محمد النائيني، رحمهما الله تعالى، عن العالم
البدل الورع التقي صاحب الكرامات، والمقامات العاليات، المولى زين العابدين بن
العالم
[235]
الجليل المولى محمد السلماسي رحمه الله
تلميذ آية الله السيد السند، والعالم المسدد فخر الشيعة وزينة الشريعة العلامة
الطباطبائي السيد محمد مهدي المدعو ببحر العلوم أعلى الله درجته، وكان المولى
المزبور من خاصته في السر والعلانية. قال: كنت حاضرا في مجلس السيد في المشهد
الغروي إذ دخل عليه لزيارته المحقق القمي صاحب القوانين في السنة التي رجع من العجم
إلى العراق زائرا لقبور الأئمة عليهم السلام وحاجا لبيت الله الحرام، فتفرق من كان
في المجلس وحضر للاستفادة منه، وكانوا أزيد من مائة وبقيت ثلاثة من أصحابه أرباب
الورع والسداد البالغين إلى رتبة الاجتهاد. فتوجه المحقق الأيد إلى جناب السيد
وقال: إنكم فزتم وحزتم مرتبة الولادة الروحانية والجسمانية، وقرب المكان الظاهري
والباطني، فتصدقوا علينا بذكر مائدة من موائد تلك الخوان، وثمرة من الثمار التي
جنيتم من هذه الجنان، كي ينشرح به الصدور، ويطمئن به القلوب. فأجاب السيد من غير
تأمل، وقال: إني كنت في الليلة الماضية قبل ليلتين أو أقل - والترديد من الراوي -
في المسجد الأعظم بالكوفة، لأداء نافلة الليل عازما على الرجوع إلى النجف في أول
الصبح، لئلا يتعطل أمر البحث والمذاكرة وهكذا كان دأبه في سنين عديدة. فلما خرجت من
المسجد القي في روعي الشوق إلى مسجد السهلة، فصرفت خيالي عنه، خوفا من عدم الوصول
إلى البلد قبل الصبح، فيفوت البحث في اليوم ولكن كان الشوق يزيد في كل آن، ويميل
القلب إلى ذلك المكان، فبينا اقدم رجلا واؤخر اخرى، إذا بريح فيها غبار كثير، فهاجت
بي وأمالتني عن الطريق فكأنها التوفيق الذي هو خير رفيق، إلى أن ألقتني إلى باب
المسجد. فدخلت فإذا به خاليا عن العباد والزوار، إلا شخصا جليلا مشغولا بالمناجاة
مع الجبار، بكلمات ترق القلوب القاسية، وتسح الدموع من العيون الجامدة، فطار بالي،
وتغيرت حالي، ورجفت ركبتي، وهملت دمعتي من استماع
[236]
تلك الكلمات التي لم تسمعها اذني، ولم
ترها عيني، مما وصلت إليه من الأدعية المأثورة، وعرفت أن الناجي ينشئها في الحال،
لا أنه ينشد ما أودعه في البال. فوقفت في مكاني مستمعا متلذذا إلى أن فرغ من
مناجاته، فالتفت إلي وصاح بلسان العجم: " مهدي بيا " أي: هلم يا مهدي، فتقدمت إليه
بخطوات فوقفت، فأمرني بالتقدم فمشيت قليلا ثم وقفت، فأمرني بالتقدم وقال: إن الأدب
في الامتثال، فتقدمت إليه بحيث تصل يدي إليه، ويده الشريفة إلي وتكلم بكلمة. قال
المولى السلماسي رحمه الله: ولما بلغ كلام السيد السند إلى هنا أضرب عنه صفحا، وطوى
عنه كشحا، وشرح في الجواب عما سأله المحقق المذكور قبل ذلك عن سر قلة تصانيفه، مع
طول باعه في العلوم، فذكر له وجوها فعاد المحقق القمي فسأل عن هذا الكلام الخفي
فأشار بيده شبه المنكر بأن هذا سر لا يذكر. الحكاية العاشرة حدثني الأخ الصفي
المذكور عن المولى السلماسي رحمه الله تعالى، قال: كنت حاضرا في محفل إفادته، فسأله
رجل عن إمكان رؤية الطلعة الغراء في الغيبة الكبرى، وكان بيده الآلة المعروفة لشرب
الدخان المسمى عند العجم بغليان فسكت عن جوابه وطأطأ رأسه، وخاطب نفسه بكلام خفي
أسمعه فقال ما معناه: " ما أقول في جوابه ؟ وقد ضمني صلوات الله عليه إلى صدره،
وورد أيضا في الخبر تكذيب مدعي الرؤية، في أيام الغيبة " فكرر هذا الكلام. ثم قال
في جواب السائل: إنه قد ورد في أخبار أهل العصمة تكذيب من ادعى رؤية الحجة عجل الله
تعالى فرجه، واقتصر في جوابه عليه من غير إشارة إلى ما أشار إليه.
[237]
الحكاية الحادية عشرة وبهذا السند عن
المولى المذكور قال: صلينا مع جنابه في داخل حرم العسكريين عليهما السلام فلما أراد
النهوض من التشهد إلى الركعة الثالثة، عرضته حالة فوقف هنيئة ثم قام. ولما فرغنا
تعجبنا كلنا، ولم نفهم ما كان وجهه، ولم يجترء أحد منا على السؤال عنه إلى أن أتينا
المنزل، واحضرت المائدة، فأشار إلي بعض السادة من أصحابنا أن أسأله منه، فقلت: لا
وأنت أقرب منا فالتفت رحمه الله إلي وقال: فيم تقاولون ؟ قلت وكنت أجسر الناس عليه:
إنهم يريدون الكشف عما عرض لكم في حال الصلاة، فقال: إن الحجة عجل الله تعالى فرجه،
دخل الروضة للسلام علي أبيه عليه السلام فعرضني ما رأيتم من مشاهدة جماله الأنور
إلى أن خرج منها. الحكاية الثانية عشرة بهذا السند عن ناظر اموره في أيام مجاورته
بمكة قال: كان رحمه الله مع كونه في بلد الغربة منقطعا عن الأهل والاخوة، قوي القلب
في البذل والعطاء، غير مكترث بكثرة المصارف، فاتفق في بعض الأيام أن لم نجد إلى
درهم سبيلا فعرفته الحال، وكثرة المؤنة، وانعدام المال، فلم يقل شيئا وكان دأبه أن
يطوف بالبيت بعد الصبح ويأتي إلى الدار، فيجلس في القبة المختصة به، ونأتي إليه
بغليان فيشربه، ثم يخرج إلى قبة اخرى تجتمع فيها تلامذته، من كل المذاهب فيدرس لكل
على مذهبه. فلما رجع من الطواف في اليوم الذي شكوته في أمسه نفود النفقة، وأحضرت
الغليان على العادة، فإذا بالباب يدقه أحد فاضطرب أشد الاضطراب، وقال لي: خذ
الغليان وأخرجه من هذا المكان، وقام مسرعا خارجا عن الوقار والسكينة والآداب، ففتح
الباب ودخل شخص جليل في هيئة الأعراب، وجلس في تلك القبة
[238]
وقعد السيد عند بابها، في نهاية الذلة
والمسكنة، واشار إلي أن لا اقرب إليه الغليان. فقعدا ساعة يتحدثان، ثم قام فقام
السيد مسرعا وفتح الباب، وقبل يده وأركبه على جمله الذي أناخه عنده، ومضى لشأنه،
ورجع السيد متغير اللون وناولني براة، وقال: هذه حوالة على رجل صراف، قاعد في جبل
الصفا واذهب إليه وخذ منه ما احيل عليه. قال: فأخذتها وأتيت بها إلى الرجل الموصوف،
فلما نظر إليها قبلها وقال: علي بالحماميل فذهبت وأتيت بأربعة حماميل فجاء بالدراهم
من الصنف الذي يقال له: ريال فرانسه، يزيد كل واحد على خمسة قرانات العجم وما كانوا
يقدرون على حمله، فحملوها على أكتافهم، وأتينا بها إلى الدار. ولما كان في بعض
الأيام، ذهبت إلى الصراف لأسأل منه حاله، وممن كانت تلك الحوالة فلم أر صرافا ولا
دكانا فسألت عن بعض من حضر في ذلك المكان عن الصراف، فقال: ما عهدنا في هذا المكان
صرافا أبدا وإنما يقعد فيه فلان فعرفت أنه من أسرار الملك المنان، وألطاف ولي
الرحمان. وحدثني بهذه الحكاية الشيخ العالم الفقيه النحرير المحقق الوجيه، صاحب
التصانيف الرائقة، والمناقب الفائقة، الشيخ محمد حسين الكاظمي المجاور بالغري أطال
الله بقاه، عمن حدثه من الثقات عن الشخص المذكور. الحكاية الثالثة عشرة حدثني السيد
السند، والعالم المعتمد، المحقق الخبير، والمضطلع البصير السيد علي سبط السيد أعلى
الله مقامه، وكان عالما مبرزا له شرح النافع، حسن نافع جدا، وغيره عن الورع التقي
النقي الوفي الصفي السيد مرتضى صهر السيد أعلى الله مقامه على بنت اخته وكان مصاحبا
له في السفر والحضر، مواظبا لخدماته في السر والعلانية، قال: كنت معه في سر من رأى
في بعض أسفار زيارته، وكان
[239]
السيد ينام في حجرة وحده، وكان لي حجرة
بجنب حجرته، وكنت في نهاية المواظبة في أوقات خدماته بالليل والنهار، وكان يجتمع
إليه الناس في أول الليل إلى أن يذهب شطر منه في أكثر الليالي. فاتفق أنه في بعض
الليالي قعد على عادته، والناس مجتمعون حوله، فرأيته كأنه يكره الاجتماع، ويحب
الخلوة، ويتكلم مع كل واحد بكلام فيه إشارة إلى تعجيله بالخروج من عنده، فتفرق
الناس ولم يبق غيري فأمرني بالخروج فخرجت إلى حجرتي متفكرا في حالته في تلك الليلة،
فمنعني الرقاد، فصبرت زمانا فخرجت متخفيا لأتفقد حاله فرأيت باب حجرته مغلقا فنظرت
من شق الباب وإذا السراج بحاله وليس فيه أحد، فدخلت الحجرة، فعرفت من وضعها أنه ما
نام في تلك الليلة. فخرجت حافيا متخفيا أطلب خبره، وأقفو أثره، فدخلت الصحن الشريف
فرأيت أبواب قبة العسكريين مغلقة، فتفقدت أطراف خارجها فلم أجد منه أثرا فدخلت
الصحن الأخير الذي فيه السرداب، فرأيته مفتح الأبواب. فنزلت من الدرج حافيا متخفيا
متأنيا بحيث لا يسمع مني حس ولا حركة فسمعت همهمة من صفة السرداب، كأن أحدا يتكلم
مع الاخر، ولم اميز الكلمات إلى أن بقيت ثلاثة أو أربعة منها، وكان دبيبي أخفى من
دبيب النملة في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء، فإذا بالسيد قد نادى في مكانه
هناك: يا سيد مرتضى ما تصنع ؟ ولم خرجت من المنزل ؟ فبقيت متحيرا ساكتا كالخشب
المسندة، فعزمت على الرجوع قبل الجواب ثم قلت في نفسي كيف تخفى حالك على من عرفك من
غير طريق الحواس فأجبته معتذرا نادما، ونزلت في خلال الاعتذار إلى حيث شاهدت الصفة
فرأيته وحده واقفا تجاه القبلة، ليس لغيره هناك أثر فعرفت أنه يناجي الغائب عن
أبصار البشر عليه سلام الله الملك الأكبر، فرجعت حريا لكل ملامة، غريقا في بحار
الندامة إلى يوم القيامة.
[240]
الحكاية الرابعة عشرة حدث الشيخ الصالح
الصفي الشيخ أحمد الصدتوماني وكان ثقة تقيا ورعا قال: قد استفاض عن جدنا المولى
محمد سعيد الصدتوماني وان من تلامذة السيد رحمه الله أنه جرى في مجلسه ذكر قضايا
مصادفة رؤية المهدي عليه السلام، حتى تكلم هو في جملة من تكلم في ذلك فقال: أحببت
ذات يوم أن أصل إلى مسجد السهلة في وقت ظننته فيه فارغا من الناس، فلما انتهيت
إليه، وجدته غاصا بالناس، ولهم دوي ولا أعهد أن يكون في ذلك الوقت فيه أحد. فدخلت
فوجدت صفوفا صافين للصلاة جامعة، فوقفت إلى جنب الحائط على موضع فيه رمل، فعلوته
لأنظر هل أجد خللا في الصفوف فأسده فرأيت موضع رجل واحد في صف من تلك الصفوف، فذهبت
إليه ووقفت فيه. فقال رجل من الحاضرين: هل رأيت المهدي عليه السلام فعند ذلك سكت
السيد وكأنه كان نائما ثم انتبه فكلما طلب منه إتمام المطلب لم يتمه. الحكاية
الخامسة عشرة حدث الشيخ الفاضل العالم الثقة الشيخ باقر الكاظمي المجاور في النجف
الأشرف آل الشيخ طالب نجل العالم العابد الشيخ هادي الكاظمي قال: كان في النجف
الأشرف رجل مؤمن يسمى الشيخ محمد حسن السريرة، وكان في سلك أهل العلم ذا نية صادقة،
وكان معه مرض السعال إذا سعل يخرج من صدره مع الأخلاط دم، وكان مع ذلك في غاية
الفقر والاحتياج، لا يملك قوت يومه، وكان يخرج في أغلب أوقاته إلى البادية إلى
الأعراب الذين في أطراف النجف الأشرف، ليحصل له قوت ولو شعير، وما كان يتيسر ذلك
على وجه يكفيه، مع شدة رجائه، وكان مع ذلك قد تعلق قلبه بتزويج امرأة من أهل النجف،
وكان يطلبها من أهلها وما أجابوه إلى ذلك لقلة ذات يده، وكان في هم وغم شديد من جهة
ابتلائه بذلك.
[241]
فلما اشتد به الفقر والمرض، وأيس من تزويج
البنت، عزم على ما هو معروف عند أهل النجف من أنه من أصابه أمر فواظب الرواح إلى
مسجد الكوفة أربعين ليلة الأربعاء، فلا بد أن يرى صاحب الأمر عجل الله فرجه من حيث
لا يعلم ويقضي له مراده. قال الشيخ باقر قدس سره: قال الشيخ محمد: فواظبت على ذلك
أربعين ليلة بالأربعاء فلما كانت الليلة الأخيرة وكانت ليلة شتاء مظلمة، وقد هبت
ريح عاصفة، فيها قليل من المطر، وأنا جالس في الدكة التي هي داخل في باب المسجد
وكانت الدكة الشرقية المقابلة للباب الأول تكون على الطرف الأيسر، عند دخول المسجد،
ولا أتمكن الدخول في المسجد من جهة سعال الدم، ولا يمكن قذفه في المسجد وليس معي شئ
أتقي فيه عن البرد، وقد ضاق صدري، واشتد علي همي وغمي، وضاقت الدنيا في عيني، وافكر
أن الليالي قد انقضت، وهذه آخرها، وما رأيت أحدا ولا ظهر لي شئ، وقد تعبت هذا التعب
العظيم، وتحملت المشاق والخوف في أربعين ليلة، أجيئ فيها من النجف إلى مسجد الكوفة،
ويكون لي الاياس من ذلك. فبينما أنا افكر في ذلك، وليس في المسجد أحد أبدا وقد
أوقدت نارا لأسخن عليها قهوة جئت بها من النجف، لا أتمكن من تركها لتعودي بها،
وكانت قليلة جدا إذا بشخص من جهة الباب الأول متوجها إلي فلما نظرته من بعيد تكدرت
وقلت في نفسي: هذا أعرابي من أطراف المسجد، قد جاء إلي ليشرب من القهوة وإني بلا
قهوة في هذا الليل المظلم، ويزيد علي همي وغمي. فبينما أنا افكر إذا به قد وصل إلي
وسلم علي باسمي وجلس في مقابلي فتعجبت من معرفته اسمي، وظننته من الذين أخرج إليهم
في بعض الأوقات من أطراف النجف الأشرف فصرت أسأله من أي العرب يكون ؟ قال: من بعض
العرب فصرت أذكر له الطوائف التي في أطراف النجف، فيقول: لا لا، وكلما ذكرت له
طائفة قال: لا لست منها.
[242]
فأغضبني وقلت له: أجل أنت من طريطرة
مستهزءا وهو لفظ بلا معنى، فتبسم من قولي ذلك وقال: لا عليك من أينما كنت ما الذي
جاء بك إلى هنا فقلت: وأنت ما عليك السؤال عن هذه الامور ؟ فقال: ما ضرك لو أخبرتني
فتعجبت من حسن أخلاقه وعذوبة منطقه، فمال قلبي إليه، وصار كلما تكلم ازداد حبي له،
فعملت له السبيل من التتن، وأعطيته، فقال: أنت اشرب فأنا ما أشرب، وصببت له في
الفنجان قهوة وأعطيته، فأخذه وشرب شيئا قليلا منه، ثم ناولني الباقي وقال: أنت
اشربه فأخذته وشربته، ولم ألتفت إلى عدم شربه تمام الفنجان، ولكن يزداد حبي له آنا
فآنا. فقلت له: يا أخي أنت قد أرسلك الله إلي في هذه الليلة تأنسني أفلا تروح معي
إلى أن نجلس في حضرة مسلم عليه السلام، ونتحدث ؟ فقال: أروح معك فحدث حديثك. فقلت
له: أحكي لك الواقع أنا في غاية الفقر والحاجة، مذ شعرت على نفسي ومع ذلك، معي سعال
أتنخع الدم، وأقذفه من صدري منذ سنين، ولا أعرف علاجه وما عندي زوجة، وقد علق قلبي
بامرأة من أهل محلتنا في النجف الأشرف، ومن جهة قلة ما في اليد ما تيسر لي أخذها.
وقد غرني هؤلاء الملائية (1) وقالوا لي: اقصد في حوائجك صاحب الزمان وبت أربعين
ليلة الاربعاء في مسجد الكوفة، فانك تراه، ويقضي لك حاجتك وهذه آخر ليلة من
الأربعين، وما رأيت فيها شيئا وقد تحملت هذه المشاق في هذه الليالي فهذا الذي جاء
بي هنا، وهذه حوائجي. فقال لي وأنا غافل غير ملتفت: أما صدرك فقد برأ، وأما الامرأة
فتأخذها عن قريب، وأما فقرك فيبقى على حاله حتى تموت، وأنا غير ملتفت إلى هذا
البيان أبدا. فقلت: ألا تروح إلى حضرة مسلم ؟ قال: قم، فقمت وتوجه أمامي، فلما
(1) من اصطلاحات أهل العراق.
[243]
وردنا أرض المسجد فقال: ألا تصلي صلاة
تحية المسجد، فقلت: أفعل، فوقف هو قريبا من الشاخص الموضوع في المسجد، وأنا خلفه
بفاصلة، فأحرمت الصلاة وصرت أقرأ الفاتحة. فبينما أنا أقرء وإذا يقرأ الفاتحة قراءة
ما سمعت أحدا يقرأ مثلها أبدا فمن حسن قراءته قلت في نفسي: لعله هذا هو صاحب الزمان
وذكرت بعض كلمات له تدل على على ذلك ثم نظرت إليه بعد ما خطر في قلبي ذلك، وهو في
الصلاة، وإذا به قد أحاطه نور عظيم منعني من تشخيص شخصه الشريف، وهو مع ذلك يصلي
وأنا أسمع قراءته، وقد ارتعدت فرائصي، ولا أستطيع قطع الصلاة خوفا منه فأكملتها على
أي وجه كان، وقد علا النور من وجه الأرض، فصرت أندبه وأبكي وأتضجر وأعتذر من سوء
أدبي معه في باب المسجد، وقلت له: أنت صادق الوعد، وقد وعدتني الرواح معي إلى مسلم.
فبينما أنا اكلم النور، وإذا بالنور قد توجه إلى جهة المسلم، فتبعته فدخل النور
الحضرة، وصار في جو القبة، ولم يزل على ذلك ولم أزل أندبه وأبكي حتى إذا طلع الفجر،
عرج النور. فلما كان الصباح التفت إلى قوله: أما صدرك فقد برأ، وإذا أنا صحيح
الصدر، وليس معي سعال أبدا وما مضى اسبوع إلا وسهل الله على أخذ البنت من حيث لا
أحتسب، وبقي فقري على ما كان كما أخبر صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين.
الحكاية السادسة عشرة حدثني العالم الجليل، والفاضل النبيل، مصباح المتقين، وزين
المجاهدين السيد الأيد مولانا السيد محمد ابن العالم السيد هاشم بن مير شجعاعتعلي
الموسوي الرضوي الجفي المعروف بالهندي سلمه الله تعالى وهو من العلماء المتقين،
وكان يؤم الجماعة في داخل حرم أمير المؤمنين عليه السلام وله خبرة وبصيرة بأغلب
العلوم
[244]
المتداولة، وهو الآن من مجاوري بلدتنا
الشريفه عمرها الله تعالى بوجود الأبرار والصلحاء. قال: كان رجل صالح يسمى الحاج
عبد الواعظ كان كثير التردد إلى مسجد السهلة والكوفة، فنقل لي الثقة الشيخ باقر بن
الشيخ هادي المقدم ذكره قال: وكان عالما بالمقدمات وعلم القراءة وبعض علم الجفر،
وعنده ملكة الاجتهاد المطلق إلا أنه مشغول عن الاستنباط لأكثر من قدر حاجته بمعيشة
العيال، وكان يقرء المراثي ويؤم الجماعة، وكان صدوقا خيرا معتمدا، عن الشيخ مهدي
الزربجاوي قال: كنت في مسجد الكوفة، فوجدت هذا العبد الصالح خرج إلى النجف بعد نصف
الليل ليصل إليه أول النهار، فخرجت معه لأجل ذلك أيضا. فلما انتهينا إلى قريب من
البئر التي في نصف الطريق لاح لي أسد على قارعة الطريق، والبرية خالية من الناس ليس
فيها إلا أنا وهذا الرجل، فوقفت عن المشي، فقال: ما بالك ؟ فقلت: هذا الأسد، فقال:
امش ولا تبال به، فقلت: كيف يكون ذلك ؟ فأصر علي فأبيت فقال لي: إذا رأيتني وصلت
إليه ووقفت بحذائه ولم يضرني، أفتجوز الطريق وتمشي ؟ فقلت نعم، فتقدمني إلى الأسد
حتى وضع يده على ناصيته، فلما رأيت ذلك أسرعت في مشيي حتى جزتهما وأنا مرعوب ثم لحق
بي وبقي الأسد في مكانه. قال نور الله قلبه: قال الشيخ باقر وكنت في أيام شبابي
خرجت مع خالي الشيخ محمد علي القارئ - مصنف الكتب الثلاثة الكبير والمتوسط والصغير،
ومؤلف كتاب التعزية، جمع فيه تفصيل قضية كربلا من بدئها إلى ختامها بترتيب حسن
وأحاديث منتخبة - إلى مسجد السهلة وكان في تلك الأوقات موحشا في الليل ليس فيه هذه
العمارة الجديدة، والطريق بينه وبين مسجد الكوفة كان صعبا أيضا ليس بهذه السهولة
الحاصلة بعد الاصلاح. فلما صلينا تحية مقام المهدي عليه السلام نسي خالي سبيله
وتتنه، فذكر ذلك بعد ما خرجنا وصرنا في باب المسجد فبعثني إليها.
[245]
فلما دخلت وقت العشاء إلى المقام فتناولت
ذلك، وجدت جمرة نار كبيرة تلهب في وسط المقام، فخرجت مرعوبا منها فرآني خالي على
هيئة الرعب، فقال لي: ما بالك ؟ فأخبرته بالجمرة، فقال لي سنصل إلى مسجد الكوفة،
ونسأل العبد الصالح عنها، فانه كثير التردد إلى هذا المقام، ولا يخلو من أن يكون له
علم بها. فلما سأله خالي عنها قال: كثيرا ما رأيتها في خصوص مقام المهدي عليه
السلام من بين المقامات والزوايا. الحكاية السابعة عشرة قال نضر الله وجهه: وأخبرني
الشيخ باقر المزبور عن السيد جعفر ابن السيد الجليل السيد باقر القزويني الآتي
ذكره، قال: كنت أسير مع أبي إلى مسجد السهلة فلما قاربناها قلت له: هذه الكلمات
التي أسمعها من الناس أن من جاء إلى مسجد السهلة في أربعين أربعاء فانه يرى المهدي
عليه السلام أرى أنها لا أصل لها، فالتفت إلي مغضبا وقال لي: ولم ذلك ؟ لمحض أنك لم
تره ؟ أو كل شئ لم تره عيناك فلا أصل له ؟ وأكثر من الكلام علي حتى ندمت على ما
قلت. ثم دخلنا معه المسجد، وكان خاليا من الناس فلما قام في وسط المسجد ليصلي
ركعتين للاستجارة أقبل رجل من ناحية مقام الحجة عليه السلام ومر بالسيد فسلم عليه
وصافحه والتفت إلي السيد والدي وقال: فمن هذا ؟ فقلت: أهو المهدي عليه السلام فقال:
فمن ؟ فركضت أطلبه فلم أجده في داخل المسجد ولا في خارجه. الحكاية الثامنة عشرة
وقال أصلح الله باله: وأخبر الشيخ باقر المزبور عن رجل صادق اللهجة كان حلاقا وله
أب كبير مسن، وهو لا يقصر في خدمته، حتى أنه يحمل له الابريق إلى الخلاء، ويقف
ينتظره حتى يخرج فيأخذه منه ولا يفارق خدمته إلا ليلة
[246]
الأربعاء فانه يمضي إلى مسجد السهلة ثم
ترك الرواح إلى المسجد، فسألته عن سبب ذلك، فقال: خرجت أربعين أربعاء فلما كانت
الأخيرة لم يتيسر لي أن أخرج إلى قريب المغرب فمشيت وحدي وصار الليل، وبقيت أمشي
حتى بقي ثلث الطريق، وكانت الليلة مقمرة. فرأيت أعرابيا على فرس قد قصدني فقلت في
نفسي هذا سيسلبني ثيابي فلما انتهى إلي كلمني بلسان البدو من العرب، وسألني عن
مقصدي، فقلت: مسجد السهلة، فقال: معك شئ من المأكول ؟ فقلت: لا، فقال: أدخل يدك في
جيبك - هذا نقل بالمعنى - وأما اللفظ " دورك يدك لجيبك " فقلت: ليس فيه شئ فكرر علي
القول بزجر حتى أدخلت يدي في جيبي، فوجدت فيه زبيبا كنت اشتريته لطفل عندي، ونسيته
فبقي في جيبي. ثم قال لي الأعرابي: اوصيك بالعود، اوصيك بالعود، اوصيك بالعود -
والعود في لسانهم اسم للأب المسن، ثم غاب عن بصري فعلمت أنه المهدي عليه السلام
وأنه لا يرضى بمفارقتي لأبي حتى في ليلة الأربعاء فلم أعد. الحكاية التاسعة عشرة
وقال أدام الله إكرامه: رأيت في رواية ما يدل على أنك إذا أردت أن تعرف ليلة القدر،
فاقرء " حم الدخان " كل ليلة في شهر رمضان مائة مرة إلى ليلة ثلاث وعشرين، فعملت
ذلك وبدأت في ليلة الثلاث والعشرين أقرء على حفظي بعد الفطور إلى أن خرجت إلى الحرم
العلوي في أثناء الليل، فلم أجد لي موضعا أستقر فيه إلا أن أجلس مقابلا للوجه،
مستدبرا للقبلة، بقرب الشمع المعلق لكثرة الناس في تلك الليلة. فتربعت واستقبلت
الشباك، وبقيت أقرء " حم " فبينما أنا كذلك إذ وجدت إلى جنبي أعرابيا متربعا أيضا
معتدل الظهر أسمر اللون حسن العينين والأنف والوجه، مهيبا جدا كأنه من شيوخ الأعراب
إلا أنه شاب ولا أذكر هل كان
[247]
له لحية خفيفة أم لم تكن، وأظن الأول.
فجعلت في نفسي أقول: ما الذي أتى بهذا البدوي إلى هذا الموضع ؟ و يجلس هذا الجلوس
العجمي ؟ وما حاجته في الحرم ؟ وأين منزله في هذا الليل ؟ أهو من شيوخ الخزاعة
وأضافه بعض الخدمة مثل الكليد دار أو نائبه، وما بلغني خبره، وما سمعت به. ثم قلت
في نفسي: لعله المهدي عليه السلام وجعلت أنظر في وجهه، وهو يلتفت يمينا وشمالا إلى
الزوار من غير إسراع في الالتفات ينافي الوقار، وجلست امرأة قدامي لاصقة بظهرها
ركبتي، فنظرت إليه متبسما ليراها على هذه الحالة فيتبسم على حسب عادة الناس، فنظر
إليها وهو غير متبسم وإلي ورجع إلى النظر يمينا وشمالا فقلت: أسأله أنه أين منزله ؟
أو من هو ؟ فلما هممت بسؤاله انكمش فؤادي انكماشا تأذيت منه جدا، وظننت أن وجهي
اصفر من هذه الحالة، وبقي الألم في فؤادي حتى قلت في نفسي: اللهم إني لا أسأله،
فدعني يا فؤادي وعد إلى السلامة من هذا الألم، فاني قد أعرضت عما أردت من سؤاله،
وعزمت على السكوت، فعند ذلك سكن فؤادي وعدت إلى التفكر في أمره. وهممت مرة ثانية
بالاستفسار منه، وقلت: أي ضرر في ذلك ؟ وما يمنعني من أن أسأله فانكمش فؤادي مرة
ثانية عند ما هممت بسؤاله، وبقيت متألما مصفرا حتى تأذيت، وقلت: عزمت أن لا أسأله
ولا أستفسر إلى أن سكن فؤادي، وأنا أقرء لسانا وأنظر إلى وجهه وجماله وهيبته، وافكر
فيه قلبا، حتى أخذني الشوق إلى العزم مرة ثالثة على سؤاله، فانكمش فؤادي وتأذيت في
الغاية وعزمت عزما صادقا على ترك سؤاله، ونصبت لنفسي طريقا إلى معرفته، غير الكلام
معه، وهو أني لا افارقه وأتبعه حيث قام ومشى حتى أنظر أين منزله إن كان من سائر
الناس أو يغيب عن بصري إن كان الامام عليه السلام. فأطال الجلوس على تلك الهيئة،
ولا فاصل بيني وبينه، بل الظاهر أن ثيابي
[248]
ملاصقة لثيابه وأحببت أن أعرف الوقت
والساعة، وأنا لا أسمع من كثرة أصوات الناس صوت ساعات الحرم، فصار في مقابلي رجل
عنده ساعة، فقمت لأسأله عنها وخطوت خطوة ففاتني صاحب الساعة، لتزاحم الناس، فعدت
بسرعة إلى موضعي ولعل إحدى رجلي لم تفارقه فلم أجد صاحبي وندمت على قيامي ندما
عظيما وعاتبت نفسي عتابا شديدا. الحكاية العشرون قصة العابد الصالح التقي السيد
محمد العاملي رحمه الله ابن السيد عباس سلمه الله [آل العباس شرف الدين] الساكن في
قرية جشيث من قرى جبل عامل وكان من قصته أنه رحمه الله لكثرة تعدي الجور عليه خرج
من وطنه خائفا هاربا مع شدة فقره، وقلة بضاعته، حتى أنه لم يكن عنده يوم خروجه إلا
مقدارا لا يسوى قوت يومه، وكان متعففا لا يسأل أحدا. وساح في الأرض برهة من دهره،
ورأى في أيام سياحته في نومه ويقظته عجائب كثيرة، إلى أن انتهى أمره إلى مجاورة
النجف الأشرف على مشرفها آلاف التحية والتحف، وسكن في بعض الحجرات الفوقانية من
الصحن المقدس وكان في شدة الفقر، ولم يكن يعرفه بتلك الصفة إلا قليل وتوفي رحمه
الله في النجف الأشرف، بعد مضي خمس سنوات من يوم خروجه من قريته. وكان أحيانا
يراودني، وكان كثير العفة والحياء يحضر عندي أيام إقامة التعزية، وربما استعار مني
بعض كتب الأدعية لشدة ضيق معاشه، حتى أن كثيرا ما لا يتمكن لقوته إلا [على] تميرات،
يواظب الأدعية المأثورة لسعة الرزق حتى كأنه ما ترك شيئا من الأذكار المروية
والأدعية المأثورة. واشتغل بعض أيامه على عرض حاجته على صاحب الزمان عليه سلام الله
الملك المنان أربعين يوما وكان يكتب حاجته، ويخرج كل يوم قبل طلوع الشمس من البلد
من الباب الصغير الذي يخرج منه إلى بحر، ويبعد عن طرف اليمين
[249]
مقدار فرسخ أو أزيد، بحيث لا يراه أحد ثم
يضع عريضته في بندقة من الطين ويودعها أحد نوابه سلام الله عليه، ويرميها في الماء
إلى أن مضى عليه ثمانية أو تسعة وثلاثون يوما. فلما فعل ما يفعله كل يوم ورجع قال:
كنت في غاية الملالة وضيق الخلق وأمشي مطرقا رأسي، فالتفت فإذا أنا برجل كأنه لحق
بي من ورائي وكان في زي العرب، فسلم علي فرددت عليه السلام بأقل ما يرد، وما التفت
إليه لضيق خلقي فسايرني مقدارا وأنا على حالي، فقال بلهجة أهل قريتي: سيد محمد ما
حاجتك ؟ يمضي عليك ثمانية أو تسعة وثلاثون يوما تخرج قبل طلوع الشمس إلى المكان
الفلاني وترمي العريضة في الماء تظن أن إمامك ليس مطلعا على حاجتك ؟. قال: فتعجبت
من ذلك لأني لم أطلع أحدا على شغلي، ولا أحد رآني، ولا أحد من أهل جبل عامل في
المشهد الشريف لم أعرفه، خصوصا أنه لابس الكفية والعقال وليس مرسوما في بلادنا،
فخطر في خاطري وصولي إلى المطلب الأقصى، وفوزي بالنعمة العظمى، وأنه الحجة على
البرايا، إمام العصر عجل الله تعالى فرجه. وكنت سمعت قديما أن يده المباركة في
النعومة بحيث لا يبلغها يد أحد من الناس، فقلت في نفسي: اصافحه فان كان يده كما
سمعت أصنع ما يحق بحضرته فمددت يدي وأنا على حالي لمصافحته، فمد يده المباركة
فصافحته، فإذا يده كما سمعت، فتيقنت الفوز والفلاح، فرفعت رأسي، ووجهت له وجهي،
وأردت تقبيل يده المباركة، فلم أر أحدا. قلت: ووالده السيد عباس حي إلى حال
التأليف، وهو من بني أعمام العالم الحبر الجليل، والسيد المؤيد النبيل، وحيد عصره،
وناموس دهره السيد صدر الدين العاملي المتوطن في إصبهان تلميذ العلامة الطباطبائي
بحر العلوم أعلى الله مقامهما. الحكاية الحادية والعشرون وحدث السيد الصالح المتقدم
ذكره، قدس الله روحه: قال وردت المشهد المقدس الرضوي عليه الصلاة والسلام للزيارة،
وأقمت فيه مدة، وكنت في ضنك
[250]
وضيق مع وفور النعمة، ورخص أسعارها، ولما
أردت الرجوع مع سائر الزائرين لم يكن عندي شئ من الزاد حتى قرصة لقوت يومي، فتخلفت
عنهم، وبقيت يومي إلى زوال الشمس فزرت مولاي وأديت فرض الصلاة فرأيت أني لو لم ألحق
بهم لا يتيسر لي الرفقة عن قريب وإن بقيت أدركتني الشتاء ومت من البرد. فخرجت من
الحرم المطهر مع ملالة الخاطر، وقلت في نفسي: أمشي على أثرهم، فان مت جوعا استرحت،
وإلا لحقت بهم، فخرجت من البلد الشريف وسألت عن الطريق، وصرت أمشي حتى غربت الشمس
وما صادفت أحدا، فعلمت أني أخطأت الطريق، وأنا ببادية مهولة لا يرى فيها سوى
الحنظل، وقد أشرفت من الجوع والعطش على الهلاك، فصرت أكسر حنظلة حنظلة لعلي أظفر من
بينها بحبحب (1) حتى كسرت نحوا من خمسمائة، فلم أظفر بها، وطلبت الماء والكلاء حتى
جنني الليل، ويئست منهما، فأيقنت الفناء واستسلمت للموت، وبكيت على حالي. فتراءى لي
مكان مرتفع، فصعدته فوجدت في أعلاها عينا من الماء فتعجبت وشكرت الله عزوجل وشربت
الماء وقلت في نفسي: أتوضأ وضوء الصلاة واصلي لئلا ينزل بي الموت وأنا مشغول الذمة
بها، فبادرت إليها. فلما فرغت من العشاء الآخرة أظلم الليل وامتلأ البيداء من أصوات
السباع وغيرها وكنت أعرف من بينها صوت الأسد والذئب وأرى أعين بعضها تتوقد كأنها
السراج، فزادت وحشتي إلا أني كنت مستسلما للموت، فأدركني النوم لكثرة التعب، وما
أفقت إلا والأصوات قد انخمدت، والدنيا بنور القمر قد أضاءت، وأنا في غاية الضعف،
فرأيت فارسا مقبلا علي فقلت في نفسي إنه يقتلني لأنه يريد متاعي فلا يجد شيئا عندي
فيغضب لذلك فيقتلني، ولا أقل من أن تصيبني منه جراحة.
(1) الحبحب: البطيخ الشامي الذي تسميه أهل
العراق: الرقى، والفرس: الهندي. قاله الفيروز آبادي والظاهر أنه يشبه الحنظل من حيث
الصورة.
[251]
فلما وصل إلي سلم علي فرددت عليه السلام
وطابت منه نفسي، فقال: مالك ؟ فأومأت إليه بضعفي، فقال: عندك ثلاث بطيخات، لم لا
تأكل منها ؟ فقلت: لا تستهزءني ودعني على حالي، فقال لي: انظر إلى ورائك، فنظرت
فرأيت شجرة بطيخ عليها ثلاث بطيخات كبار، فقال: سد جوعك بواحدة، وخذ معك اثنتين،
وعليك بهذا الصراط المستقيم، فامش عليه، وكل نصف بطيخة أول النهار، والنصف الآخر
عند الزوال، واحفظ بطيخة فانها تنفعك، فإذا غربت الشمس، تصل إلى خيمة سوداء، يوصلك
أهلها إلى القافلة، وغاب عن بصري. فقمت إلى تلك البطيخات، فكسرت واحدة منها فرأيتها
في غاية الحلاوة واللطافة كأني ما أكلت مثلها فأكلتها، وأخذت معي الاثنتين، ولزمت
الطريق، وجعلت أمشي حتى طلعت الشمس، ومضى من طلوعها مقدار ساعة، فكسرت واحدة منهما
وأكلت نصفها وسرت إلى زوال الشمس، فأكلت النصف الآخر وأخذت الطريق. فلما قرب الغروب
بدت لي تلك الخيمة، ورآني أهلها فبادروا إلي وأخذوني بعنف وشدة، وذهبوا بي إلى
الخيمة كأنهم زعموني جاسوسا، وكنت لا أعرف التكلم إلا بلسان العرب، ولا يعرفون
لساني، فأتوا بي إلى كبيرهم، فقال لي بشدة وغضب: من أين جئت ؟ تصدقني وإلا قتلتك
فأفهمته بكل حيلة شرحا من حالي. فقال: أيها السيد الكذاب لا يعبر من الطريق الذي
تدعيه متنفس إلا تلف أو أكله السباع، ثم إنك كيف قدرت على تلك المسافة البعيدة في
الزمان الذي تذكره ومن هذا المكان إلى المشهد المقدس مسيرة ثلاثة أيام اصدقني وإلا
قتلتك، وشهر سيفه في وجهي. فبدا له البطيخ من تحت عبائي فقال: ما هذا ؟ فقصصت عليه
قصته، فقال الحاضرون: ليس في هذا الصحراء بطيخ خصوصا هذه البطيخة التي ما رأينا
مثلها أبدا فرجعوا إلى أنفسهم، وتكلموا فيما بينهم، وكأنهم علموا صدق مقالتي، وأن
هذه معجزة من الامام عليه آلاف التحية والثناء والسلام (1) فأقبلوا علي وقبلوا
(1) ويأتي في ذيل الحكاية الثالثة
والخمسين دفع ما ربما يتوهم في هذه الحكاية وأمثالها من عدم وجود شاهد فيها على كون
المستغاث هو الحجة عليه السلام، منه رحمه الله.
[252]
يدي وصدروني في مجلسهم، وأكرموني غاية
الاكرام، وأخذوا لباسي تبركا به وكسوني ألبسة جديدة فاخرة، وأضافوني يومين وليلتين.
فلما كان اليوم الثالث أعطوني عشرة توامين، ووجهوا معي ثلاثة منهم حتى أدركت
القافلة. الحكاية الثانية والعشرون السيد الشهيد القاضي نور الله الشوشتري في مجالس
المؤمنين في ترجمة آية الله العلامة الحلي قدس سره أن من جملة مقاماته العالية، أنه
اشتهر عند أهل الايمان أن بعض علماء أهل السنة ممن تتلمذ (1) عليه العلامة في بعض
الفنون ألف كتابا في رد الإمامية، ويقرء للناس في مجالسه ويضلهم، وكان لا يعطيه
أحدا خوفا من أن يرده أحد من الامامية، فاحتال رحمه الله في تحصيل هذا الكتاب إلى
أن جعل تتلمذه عليه وسيلة لأخذه الكتاب منه عارية، فالتجأ الرجل واستحيى من رده
وقال: إني آليت على نفسي أن لا اعطيه أحدا أزيد من ليلة، فاغتنم الفرصة في هذا
المقدار من الزمان، فأخذه منه وأتى به إلى بيته لينقل منه ما تيسر منه. فلما اشتغل
بكتابته وانتصف الليل، غلبه النوم، فحضر الحجة عليه السلام وقال: ولني الكتاب وخذ
في نومك فانتبه العلامة وقد تم الكتاب باعجازه عليه السلام (2). وظاهر عبارته يوهم
أن الملاقاة والمكالمة كان في اليقظة وهو بعيد والظاهر أنه في المنام والله العالم.
(1) هذا هو الصحيح، يقال: تلمذ له وتتلمذ:
صار تلميذا له، والتلميذ المتعلم والخادم، وعن بعضهم هو الشخص الذي يسلم نفسه لمعلم
ليعلمه صنعته سواء كانت علما أو غيره فيخدمه مدة حتى يتعلمها منه، وأما ما في الاصل
المطبوع " تلمذ " بتشديد الميم فهو من الاغلاط المشهورة. (2) ورأيت هذه الحكاية في
مجموعة كبيرة، من جمع الفاضل الالمعى على بن ابراهيم المازندراني وبخطه، وكان
معاصرا للشيخ البهائي رحمه الله، هكذا: =
[253]
الحكاية الثالثة والعشرون في مجموعة نفيسة
عندي كلها بخط العالم الجليل شمس الدين محمد ابن علي بن الحسن الجباعي جد شيخنا
البهائي وهو الذي ينتهي نسخ الصحيفة الكاملة إلى الصحيفة التي كانت بخطه، وكتبها من
نسخة الشهيد الأول رحمه الله وقد نقل عنه عن تلك المجموعة وغيرها العلامة المجلسي
كثيرا في البحار، وربما عبر هو وغيره كالسيد نعمة الله الجزائري في أول شرح الصحيفة
عنه بصاحب الكرامات، ما لفظه: قال السيد تاج الدين محمد بن معية الحسني أحسن الله
إليه حدثني والدي القاسم بن الحسن بن معية الحسني تجاوز الله عن سيئاته أن المعمر
بن غوث السنبسي ورد إلى الحلة مرتين إحداهما قديمة لا احقق تاريخها والاخرى قبل فتح
بغداد بسنتين قال والدي: وكنت حينئذ ابن ثمان سنوات، ونزل على الفقيه مفيد الدين
ابن جهم، وتردد إليه الناس، وزاره خالي السعيد تاج الدين بن معية، وأنا
= الشيخ الجليل جمال الدين الحلي، كان
علامة علماء الزمان - إلى أن قال -: وقد قيل: انه كان يطلب من بعض الافاضل كتابا
لينتسخه، وهو كان يأبى عليه، وكان كتابا كبيرا جدا، فاتفق أن أخذه منه شرطا: بأن لا
يبقى عنده غير ليلة واحدة، وهذا كتاب لا يمكن نسخه الا في سنة أو أكثر. فآلى به
الشيخ رحمه الله، وشرع في كتابته في تلك الليلة فكتب منه صفحات ومله وإذا برجل دخل
عليه من الباب بصفة أهل الحجاز، فسلم وجلس، ثم قال: أيها الشيخ أنت مصطر لى الاوراق
وأنا أكتب. فكان الشيخ يمصطر له الورق وذلك الرجل يكتب وكان لا يلحق المصطر بسرعة
كتابته فلما نقر ديك الصباح وصاح، وإذا الكتاب بأسره مكتوب تماما. وقد قيل: ان
الشيخ لما مل الكتابة نام فانتبه فرأى الكتاب مكتوبا، والله أعلم منه رحمه الله.
[254]
معه طفل ابن ثمان سنوات، ورأيته وكان شخصا
طوالا من الرجال، يعد في الكهول وكان ذراعه كأنه الخشبة المجلدة، ويركب الخيل
العتاق، وأقام أياما بالحلة وكان يحكي أنه كان أحد غلمان الامام أبي محمد الحسن بن
علي العسكري عليهما السلام وأنه شاهد ولادة القائم عليه السلام. قال والدي رحمه
الله: وسمعت الشيخ مفيد [الدين] بن جهم يحكي بعد مفارقته وسفره عن الحلة أنه قال:
أخبرنا بسر لا يمكننا الآن إشاعته، وكانوا يقولون إنه أخبره بزوال ملك بني العباس،
فلما مضى لذلك سنتان أو ما يقاربهما اخذت بغداد وقتل المستعصم، وانقرض ملك بني
العباس، فسبحان من له الدوام والبقاء. وكتب ذلك محمد بن علي الجباعي من خط السيد
تاج الدين يوم الثلثاء في شعبان سنة تسع وخمسين وثمانمائة. ونقل قبل هذه الحكاية عن
المعمر خبرين (1) هكذا من خط ابن معية ويرفع الاسناد عن المعمر بن غوث السنبسي، عن
أبي الحسن الداعي بن نوفل السلمي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن
الله خلق خلقا من رحمته لرحمته برحمته وهم الذين يقضون الحوائج للناس، فمن استطاع
منكم أن يكون منهم فليكن. وبالاسناد عن المعمر بن غوث السنبسي، عن الإمام الحسن بن
علي العسكري عليهما السلام أنه قال: أحسن ظنك ولو بحجر يطرح الله شره فيه فتتناول
حظك منه فقلت: أيدك الله، حتى بحجر ؟ قال: أفلا ترى حجر الأسود. قلت: أما الولد فهو
القاضي السيد النسابة تاج الدين أبو عبد الله محمد بن القاسم عظيم الشأن جليل
القدر، استجاز منه الشهيد الأول لنفسه ولولديه محمد
(1) وروى هذين الخبرين الشيخ الفاضل ابن
أبي جمهور الاحسائي في أول كتاب غوالي اللئالى مسندا عن شيخ الفقهاء أبي القاسم
جعفر بن سعيد المحقق رحمه الله عن مفيد [الدين] ابن جهم المذكور عن المعمر بن غوث
السنبسي عن أبي الحسن العسكري عليه السلام مثله وهذا مما يشبهه بصحة الحكاية
المذكورة، مع أن سندها في أعلا درجات الصحة، منه رحمه الله.
[255]
وعلي، ولبنته ست المشايخ (1) وأما والده
فهو السيد جلال الدين أبو جعفر القاسم بن الحسن بن محمد بن الحسن بن معية بن سعيد
الديباجي الحسني الفقية الفاضل العالم الجليل عظيم الشأن تلميذ عميد الرؤساء وابن
السكون، ومعاصر العلامة والراوي للصحيفة الشريفة الكاملة عنهما عن السيد بهاء الشرف
المذكور في أول الصحيفة كما تبين في محله، وأما ابن جهم فهو الشيخ الفقيه محمد بن
جهم، وهو الذي لما سأل الخاجة نصير الدين عن المحقق أعلم تلامذته في الاصوليين،
أشار إليه وإلى سديد الدين والد العلامة. الحكاية الرابعة والعشرون العالم الجليل
الشيخ يوسف البحريني في اللؤلؤة في ترجمة العالم الشيخ إبراهيم القطيفي المعاصر
للمحقق الثاني، عن بعض أهل البحرين أن هذا الشيخ دخل عليه الامام الحجة عليه السلام
في صورة رجل يعرفه الشيخ فسأله أي الآيات من القرآن في المواعظ أعظم ؟ فقال الشيخ "
إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا
يوم القيامة اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير " (2) فقال: صدقت يا شيخ ثم خرج
منه، فسأل أهل البيت: خرج فلان ؟ فقالوا: ما رأينا أحدا داخلا ولا خارجا. الحكاية
الخامسة والعشرون [قال] السيد القاضي نور الله الشوشتري في مجالس المؤمنين ما
معناه: إنه وجد هذه الأبيات بخط صاحب الأمر عليه السلام مكتوبا على قبر الشيخ
المفيد رحمه الله: لا صوت الناعي بفقدك إنه * يوم على آل الرسول عظيم إن كنت قد
غيبت في جدث الثرى * فالعدل والتوحيد فيك مقيم والقائم المهدي يفرح كلما * تليت
عليك من الدروس علوم
(1) مخفف " سيدة المشايخ ". (2) فصلت: 40.
[256]
الحكاية السادسة والعشرون في الصراط
المستقيم للشيخ زين الدين علي بن يونس العاملي البياضي قال مؤلف هذا الكتاب علي بن
محمد بن يونس: خرجت مع جماعة تزيد على أربعين رجلا إلى زيارة القاسم بن موسى الكاظم
عليه السلام (1) فكنا عن حضرته نحو ميل من الأرض فرأينا فارسا معترضا فظنناه يريد
أخذ ما معنا فخبينا ما خفنا عليه. فلما وصلنا، رأينا آثار فرسه ولم نره، فنظرنا ما
حول القبلة، فلم نر أحدا فتعجبنا من ذلك مع استواء الأرض، وحضور الشمس، وعدم
المانع، فلا يمتنع أن يكون هو الامام عليه السلام أو أحد الأبدال. قلت: وهذا الشيخ
جليل القدر عظيم الشأن، صاحب المصنفات الرائقة، وصفه الشيخ إبراهيم الكفعمي في بعض
كلماته في ذكر الكتب التي ينقل عنها بقوله: ومن ذلك " زبدة البيان وإنسان الإنسان
المنتزع من مجمع البيان " جمع الامام العلامة
(1) هذا القاسم عظيم القدر، جليل الشأن:
روى الكليني في الكافي في باب الاشارة والنص على أبي الحسن الرضا عليه السلام (راجع
ج 1 ص 314) بسند معتبر عن أبي ابراهيم عليه السلام في خبر طويل أنه قال لزيد بن
سليط: أخبرك يابا عمارة اني خرجت من منزلي فأوصيت إلى ابني فلان وأشركت معه بني في
الظاهر وأوصيته في الباطن [فأفردته وحده] ولو كان الامر إلى لجعلته في القاسم ابني
لحبي اياه ورأفتي عليه، ولكن ذلك إلى الله عزوجل يجعله حيث يشاء. وقال السيد الجليل
على بن طاوس في مصباح الزائر: ذكر زيارة أبرار أولاد الائمة عليهم السلام، إذا أردت
زيارة أحد منهم كالقاسم بن الكاظم والعباس بن أمير المؤمنين أو علي بن الحسين
المقتول بالطف عليهم السلام ومن جرى في الحكم مجراهم، تقف على المزور الخ. ومن
الاخبار المشهورة وان لم نعثر على مأخذها ما روى عن الرضا عليه السلام أنه قال ما
معناه: من لم يقدر على زيارتي فليزر أخي القاسم بحلة، والله العالم، منه رحمه الله.
[257]
فريد الدهر، ووحيد العصر، مهبط أنوار
الجبروت، وفاتح أسرار الملكوت خلاصة الماء والطين، جامع كمالات المتقدمين
والمتأخرين، بقية الحجج على العالمين، الشيخ زين الملة والحق والدين، علي بن يونس
لا أخلى الله الزمان من أنوار شموسه، وإيضاح براهينه ودروسه بمحمد وآله عليهم
السلام الحكاية السابعة والعشرون حدثني مشافهة العالم العامل فخر الأواخر وذخر
الأوائل، شمس فلك الزهد والتقى وحاوي درجات السداد والهدى، الفقيه المؤيد النبيل،
شيخنا الأجل الحاج المولى علي بن الحاج ميرزا خليل الطهراني المتوطن في الغري حيا
وميتا وكان يزور أئمة سامراء في أغلب السنين، ويأنس بالسرداب المغيب ويستمد فيه
الفيوضات ويعتقد فيه رجاء نيل المكرمات. وكان يقول: إني ما زرت مرة إلا ورأيت كرامة
ونلت مكرمة، وكان يستر ما رآه غير أنه ذكر لي وسمعه عنه غيري أني كثير أما وصلت إلى
باب السرداب الشريف في جوف الليل المظلم، وحين هدوء من الناس، فأرى عند الباب قبل
النزول من الدرج نورا يشرق من سرداب الغيبة على جدران الدهليز الأول، ويتحرك من
موضع إلى آخر، كأن بيد أحد هناك شمعة مضيئة، وهو ينتقل من مكان إلى آخر فيتحرك
النور هنا بحركته، ثم أنزل وأدخل في السرداب الشريف فما أجد أحدا ولا أرى سراجا.
الحكاية الثامنة والعشرون حدثني السيد الثقة التقي الصالح السيد مرتضى النجفي رحمه
الله وقد أدرك الشيخ شيخ الفقهاء وعمادهم الشيخ جعفر النجفي وكان معروفا عند علماء
العراق بالصلاح والسداد، وصاحبته سنين سفرا وحضرا فما وقفت منه على عثرة في الدين
قال: كنا في مسجد الكوفة مع جماعة فيهم أحد من العلماء المعروفين
[258]
المبرزين في المشهد الغروي، وقد سألته عن
اسمه غير مرة فما كشف عنه، لكونه محل هتك الستر، وإذاعة السر. قال: ولما حضرت وقت
صلاة المغرب جلس الشيخ لدى المحراب للصلاة والجماعة في تهيئة الصلاة بين جالس عنده،
ومؤذن ومتطهر، وكان في ذلك الوقت في داخل الموضع المعروف بالتنور ماء قليل من قناة
خربة وقد رأينا مجراها عند عمارة مقبرة هانئ بن عروة، والدرج التي تنزل إليه ضيقة
مخروبة، لا تسع غير واحد. فجئت إليه وأردت النزول، فرأيت شخصا جليلا على هيئة
الأعراب قاعدا عند الماء يتوضأ وهو في غاية من السكينة والوقار والطمأنينة، وكنت
مستعجلا لخوف عدم إدراك الجماعة فوقفت قليلا فرأيته كالجبل لا يحركه شئ فقلت: وقد
اقيمت الصلاة ما معناه لعلك لا تريد الصلاة مع الشيخ ؟ أردت بذلك تعجيله فقال: لا،
قلت: ولم ؟ قال: لأنه الشيخ الدخني، فما فهمت مراده، فوقفت حتى أتم وضوءه، فصعد
وذهب ونزلت وتوضأت وصليت، فلما قضيت الصلاة وانتشر الناس وقد ملأ قلبي وعيني هيئته
وسكونه وكلامه، فذكرت للشيخ ما رأيت وسمعت منه فتغيرت حاله وألوانه، وصار متفكرا
مهموما فقال: قد أدركت الحجة عليه السلام وما عرفته، وقد أخبر عن شئ ما اطلع عليه
إلا الله تعالى. اعلم أني زرعت الدخنة (1) في هذه السنة في الرحبة وهي موضع في طرف
الغربي من بحيرة الكوفة، محل خوف وخطر من جهة أعراب البادية المترددين إليه، فلما
قمت إلى الصلاة ودخلت فيها ذهب فكري إلى زرع الدخنة وأهمني أمره، فصرت أتفكر فيه
وفي آفاته. هذا خلاصة ما سمعته منه - رحمه الله - قبل هذا التاريخ بأزيد من عشرين
سنة وأستغفر الله من الزيادة والنقصان في بعض كلماته.
(1) الدخن بالضم حب الجاورس، أو حب أصغر
منه أملس جدا بارد يابس حابس للطبع.
[259]
الحكاية التاسعة والعشرون في كتاب نور
العيون تأليف الفاضل الخبير الألمعي السيد محمد شريف الحسيني الاصبهاني عن استاذه
العالم الصالح الزاهد الورع الآميرزا محمد تقي بن الآميرزا محمد كاظم بن الآميرزا
عزيز الله ابن المولى محمد تقي المجلسي الملقب بالألماسي وهو من العلماء الزاهدين
وكان بصيرا في الفقه والحديث والرجال، وقد ذكرنا شرح حاله في رسالة الفيض القدسي في
ذكر أحوال العلامة المجلسي رضوان الله عليه. قال في رسالة له في ذكر من رآه عليه
السلام في الغيبة الكبرى: حدثني بعض أصحابنا عن رجل صالح من أهل بغداد وهو حي إلى
هذا الوقت أي سنة ست وثلاثين بعد المائة والألف، قال: إني كنت قد سافرت في بعض
السنين مع جماعة، فركبنا السفينة وسرنا في البحر، فاتفق أنه انكسرت سفينتنا، وغرق
جميع من فيها وتعلقت أنا بلوح مكسور فألقاني البحر بعد مدة إلى جزيرة، فسرت في
أطراف الجزيرة، فوصلت بعد اليأس من الحياة بصحراء فيها جبل عظيم. فلما وصلت إليه
رأيته محيطا بالبحر إلا طرفا منه يتصل بالصحراء واستشممت منه رائحة الفواكه، ففرحت
وزاد شوقي، وصعدت قدرا من الجبل حتى إذا بلغت إلى وسطه في موضع أملس مقدار عشرين
ذراعا لا يمكن الاجتياز منه أبدا، فتحيرت في أمري فصرت أتفكر في أمري فإذا أنا بحية
عظيمة كالأشجار العظيمة تستقبلني في غاية السرعة، ففررت منها منهزما مستغيثا بالله
تبارك وتعالى في النجاة من شرها كما نجاني من الغرق. فإذا أنا بحيوان شبه الأرنب
قصد الحية مسرعا من أعلى الجبل حتى وصل إلى ذنبها فصعد منه حتى إذا وصل رأس الحية
إلى ذلك الحجر الأملس وبقي ذنبه فوق الحجر، وصل الحيوان إلى رأسها وأخرج من فمه حمة
(1) مقدار أصبع فأدخلها
(1) الحمة - وزان ثبة - الابرة يضرب بها
الزنبور والحية ونحو ذلك أو يلدغ بها وتاؤها عوض عن اللام المحذوفة لان أصلها حمو،
أو حمى.
[260]
في رأسها ثم نزعها وأدخلها في موضع آخر
منها وولى مدبرا فماتت الحية في مكانها من وقتها، وحدث فيها عفونة كادت نفسي أن
تطلع من رائحتها الكريهة فما كان بأسرع من أن ذاب لحمها، وسال في البحر، وبقي
عظامها كسلم ثابت في الأرض يمكن الصعود منه. فتفكرت في نفسي، وقلت: إن بقيت هنا
أموت من الجوع فتوكلت على الله في ذلك، وصعدت منها حتى علوت الجبل، وسرت من طرف
قبلة الجبل فإذا أنا بحديقة بالغة حد الغاية في الغضارة والنضارة والطراوة والعمارة
فسرت حتى دخلتها وإذا فيها أشجار مثمرة كثيرة، وبناء عال مشتمل على بيوتات، وغرف
كثيرة في وسطها. فأكلت من تلك الفواكه، واختفيت في بعض الغرف وأنا أتفرج الحديقة
وأطرافها فإذا أنا بفوارس قد ظهروا من جانب البر قاصدي الحديقة، يقدمهم رجل ذوبهاء
وجمال وجلال، وغاية من المهابة، يعلم من ذلك أنه سيدهم، فدخلوا الحديقة، ونزلوا من
خيولهم وخلوا سبيلها، وتوسطوا القصر فتصدر السيد وجلس الباقون متأدبين حوله. ثم
أحضروا الطعام، فقال لهم ذلك السيد: إن لنا في هذا اليوم ضيفا في الغرفة الفلانية
ولابد من دعوته إلى الطعام فجاء بعضهم في طلبي فخفت وقلت: اعفني من ذلك، فأخبر
السيد بذلك، فقال: اذهبوا بطعامه إليه في مكانه ليأكله، فلما فرغنا من الطعام، أمر
باحضاري وسألني عن قصتي، فحكيت له القصة، فقال: أتحب أن ترجع إلى أهلك ؟ قلت: نعم،
فأقبل على واحد منهم، وأمره بايصالي إلى أهلي، فخرجت أنا وذلك الرجل من عنده. فلما
سرنا قليلا قال لي الرجل: انظر فهذا سور بغداد ! فنظرت إذا أنا بسوره وغاب عني
الرجل، فتفطنت من ساعتي هذه، وعلمت أني لقيت سيدي ومولاي عليه السلام، ومن سوء حظي
حرمت من هذا الفيض العظيم، فدخلت بلدي وبيتي في غاية من الحسرة والندامة.
[261]
قلت: وحدثني العالم الفقيه النبيه الصفي
الحاج المولى الهادي الطهراني قدس سره أنه رأى هذه الحكاية في الرسالة المذكورة،
والظاهر أن اسمها بهجة الأولياء. الحكاية الثلاثون وفيه: وعن المولى المتقي المذكور
قال: حدثني ثقة صالح من أهل العلم من سادات شولستان، عن رجل ثقة أنه قال: اتفق في
هذه السنين أن جماعة من أهل بحرين عزموا على إطعام جمع من المؤمنين على التناوب،
فأطعموا حتى بلغ النوبة إلى رجل منهم لم يكن عنده شئ، فاغتم لذلك وكثر حزنه وهمه،
فاتفق أنه خرج ليلة إلى الصحراء، فإذا بشخص قد وافاه، وقال له: اذهب إلى التاجر
الفلاني وقل: يقول لك محمد بن الحسن أعطني الاثنا عشر دينارا التي نذرتها لنا فخذها
منه وأنفقها في ضيافتك، فذهب الرجل إلى ذلك التاجر، وبلغه رسالة الشخص المذكور.
فقال التاجر: قال لك ذلك محمد بن الحسن بنفسه ؟ فقال البحريني: نعم، فقال: عرفته ؟
فقال: لا، فقال التاجر: هو صاحب الزمان عليه السلام وهذه الدنانير نذرتها له. فأكرم
الرجل وأعطاه المبلغ المذكور، وسأله الدعاء، وقال له: لما قبل نذري أرجو منك أن
تعطيني منه نصف دينار واعطيك عوضه، فجاء البحريني وأنفق المبلغ في مصرفه وقال ذلك
الثقة: إني سمعت القصة عن البحريني بواسطتين. ومما استطرفناه من هذا الكتاب ويناسب
المقصود أن المؤلف ذكر في باب من رأى أربعة عشر حكاية ذكرنا منها اثنتين وإحدى عشرة
منها موجودة في البحار وذكر في الرابعة عشر قصة عجيبة. قال: يقول المؤلف الضعيف
محمد باقر الشريف إن في سنة ألف ومائة وثلاث وسبعين كنت في طريق مكة المعظمة، صاحبت
رجلا ورعا موثقا يسمى حاج عبد الغفور في ما بين الحرمين، وهو من تجار تبريز يسكن في
اليزد، وقد حج
[262]
قبل ذلك ثلاث مرات وبنى في هذا السفر على
مجاورة بيت الله سنتين، ليدرك فيض الحج ثلاث سنين متوالية. ثم بعد ذلك في سنة ألف
ومائة وستة وسبعين، حين معاودتي من زيارة المشهد الرضوي على صاحبه السلام - رأيته
أيضا في اليزد، وقد مر في رجوعه من مكة، بعد ثلاث حجات إلى بندر صورت من بنادر هند
لحاجة له، ورجع في سنة إلى بيته فذكر لي عند اللقاء أني سمعت من مير أبو طالب أن في
السنة الماضية جاء مكتوب من سلطان الافرنج إلى الرئيس الذي يسكن بندر بمبئي من
جانبه ويعرف بجندر أن في هذا الوقت ورد علينا رجلان عليهما لباس الصوف ويدعي أحدهما
أن عمره سبعمائة وخمسين سنة، والآخر سبعمائة سنة، ويقولان: بعثنا صاحب الأمر عليه
السلام لندعوكم إلى دين محمد المصطفى عليه السلام، ويقولان: إن لم تقبلوا دعوتنا
ولم تتدينوا بديننا، يغرق البحر بلادكم بعد ثمان أو عشر سنين، والترديد من الحاج
المذكور، وقد أمرنا بقتلهما فلم يعمل فيهما الحديد، ووضعناهما على الأثواب وقيناره
(1) فلم يحترقا فشددنا أيديهما وأرجلهما وألقيناهما في البحر فخرجا منه سالمين.
وكتب إلى الرئيس أن يتفحص في أرباب مذاهب الاسلام واليهود والمجوس والنصارى، وأنهم
هل رأوا ظهور صاحب الأمر عليه السلام في آخر الزمان في كتبهم أم لا ؟ قال الحاج
المزبور: وقد سألت من قسيس كان في بندر صورت عن صحة المكاتبة المذكورة فذكر لي كما
سمعت، وسلالة النجباء مير أبو طالب وميرزا بزرك الايراني، وهم الآن من وجوه معارف
البندر المذكور نقلا لي كما ذكرت، وبالجملة الخبر مشهور منتشر في تلك البلدة والله
العالم.
(1) كذا في الاصل المطبوع.
[263]
الحكاية الحادية والثلاثون حدثني العالم
النبيل، والفاضل الجليل، الصالح الثقة العدل الذي قل له البديل، الحاج المولى محسن
الاصفهاني المجاور لمشهد أبي عبد الله عليه السلام حيا وميتا وكان من أوثق أئمة
الجماعة قال: حدثني السيد السند، والعالم المؤيد، التقي الصفي السيد محمد بن السيد
مال الله بن السيد معصوم القطيفي رحمهم الله، قال: قصدت مسجد الكوفة في بعض ليالي
الجمع، وكان في زمان مخوف لا يتردد إلى المسجد أحد إلا مع عدة وتهيئة، لكثرة من كان
في أطراف النجف الأشرف من القطاع واللصوص، وكان معي واحد من الطلاب. فلما دخلنا
المسجد لم نجد فيه إلا رجلا واحدا من المشتغلين فأخذنا في آداب المسجد، فلما حان
غروب الشمس، عمدنا إلى الباب فأغلقناه، وطرحنا خلفه من الأحجار والأخشاب والطوب (1)
والمدر إلى أن اطمئنا بعدم إمكان انفتاحه من الخارج عادة. ثم دخلنا المسجد،
واشتغلنا بالصلاة والدعاء فلما فرغنا جلست أنا ورفيقي في دكة القضاء مستقبل القبلة،
وذاك الرجل الصالح كان مشغولا بقراءة دعاء كميل في الدهليز القريب من باب الفيل
بصوت عال شجي، وكانت ليلة قمراء صاحية وكنت متوجها إلى نحو السماء. فبينا نحن كذلك
فإذا بطيب قد انتشر في الهواء، وملأ الفضاء أحسن من ربيح نوافج المسك الأذفر، وأروح
للقلب من النسيم إذا تسحر، ورأيت في خلال أشعة القمر أشعاعا كشعلة النار، قد غلب
عليها، وانخمد في تلك الحال صوت ذلك الرجل الداعي، فالتفت فإذا أنا بشخص جليل، قد
دخل المسجد من طرف ذلك الباب المنغلق في زي لباس الحجاز، وعلى كتفه الشريف سجادة
كما هو عادة أهل الحرمين إلى الآن، وكان يمشي في سكينة ووقار، وهيبة وجلال
(1) الطوب: الاجر بلغة أهل مصر.
[264]
قاصدا باب المسلم ولم يبق لنا من الحواس
إلا البصر الخاسر، واللب الطائر فلما صار بحذائنا من طرف القبلة، سلم علينا. قال
رحمه الله: أما رفيقي فلم يبق له شعور أصلا، ولم يتمكن من الرد وأما أنا فاجتهدت
كثيرا إلى أن رددت عليه في غاية الصعوبة والمشقة، فلما دخل باب المسجد وغاب عنا
تراجعت القلوب إلى الصدور، فقلنا: من كان هذا ومن أين دخل ؟ فمشينا نحو ذلك الرجل
فرأيناه قد خرق ثوبه ويبكي بكاء الواله الحزين فسألناه عن حقيقة الحال، فقال: واظبت
هذا المسجد أربعين ليلة من ليالي الجمعة طلبا للتشرف بلقاء خليفة العصر، وناموس
الدهر عجل الله تعالى فرجه وهذه الليلة تمام الأربعين ولم أتزود من لقائه ظاهرا،
غير أني حيث رأيتموني كنت مشغولا بالدعاء فإذا به عليه السلام واقفا على رأسي
فالتفت إليه عليه السلام فقال: " چه ميكني " أو " چه ميخواني " أي ما تفعل ؟ أو ما
تقرء ؟ والترديد من الفاضل المتقدم، ولم أتمكن من الجواب فمضى عني كما شاهدتموه،
فذهبنا إلى الباب فوجدناه على النحو الذي أغلقناه، فرجعنا شاكرين متحسرين. قلت:
وهذا السيد كان عظيم الشأن، جليل القدر، وكان شيخنا الاستاذ العلامة الشيخ عبد
الحسين الطهراني أعلى الله مقامه كثيرا ما يذكره بخير ويثني عليه ثناء بليغا قال:
كان رحمه الله تقيا صالحا وشاعرا مجيدا وأديبا قارئا غريقا في بحار محبة أهل البيت
عليهم السلام وأكثر ذكره وفكره فيهم ولهم، حتى أنا كثيرا ما نلقاه في الصحن الشريف،
فنسأله عن مسألة أدبية فيجيبنا، ويستشهد في خلال كلامه بما أنشده هو وغيره في
المراثي فتتغير حاله فيشرع في ذكر مصائبهم على أحسن ما ينبغي وينقلب مجلس الشعر
والأدب إلى مجلس المصيبة والكرب، وله رحمه الله قصائد رائقة في المراثي دائرة على
ألسن القراء منها القصيدة التي أولها: مالي إذا ما الليل جنا * أهفو لمن غنى وحنا
وهي طويلة، ومنها القصيدة التي أولها: ألقت لي الأيام فضل قيادها * فأردت غير
مرامها ومرادها الخ.
[265]
ومنها القصيدة التي يقول فيها في مدح
الشهداء: وذوي المروة والوفا أنصاره * لهم على الجيش اللهام زئير طهرت نفوسهم بطيب
اصولها * فعناصر طابت لهم وحجور عشقوا العنا للدفع لا عشقوا * العنا للنفع لكن امضي
المقدور فتمثلت لهم القصور وما بهم * لولا تمثلت القصور قصور ما شاقهم للموت إلا
وعدة الر * حمن لا ولدانها والحور الخ. الحكاية الثانية والثلاثون في شهر جمادي
الاولى من سنة ألف ومائتين وتسعة وتسعين ورد الكاظمين عليهما السلام رجل اسمه آقا
محمد مهدي وكان من قاطني بندر ملومين من بنادر ماجين وممالك برمه وهو الآن في تصرف
الانجريز، ومن بلدة كلكتة قاعدة سلطنة ممالك الهند إليه مسافة ستة أيام من البحر مع
المراكب الدخانية، وكان أبوه من أهل شيراز ولكنه ولد وتعيش في البندر المذكور،
وابتلى قبل التاريخ المذكور بثلاث سنين بمرض شديد، فلما عوفي منه بقي أصم أخرس.
فتوسل لشفاء مرضه بزيارة أئمة العراق عليهم السلام وكان له أقارب في بلدة كاظمين
عليهما السلام من التجار المعروفين، فنزل عليهم وبقي عندهم عشرين يوما فصادف وقت
حركة مركب الدخان إلى سر من رأى لطغيان الماء فأتوا به إلى المركب وسلموه إلى
راكبيه، وهم من أهل بغداد وكربلا، وسألوهم المراقبة في حاله والنظر في حوائجه لعدم
قدرته على إبرازها وكتبوا إلى بعض المجاورين من أهل سامرا للتوجه في اموره. فلما
ورد تلك الأرض المشرفة والناحية المقدسة، أتى إلى السرداب المنور بعد الظهر من يوم
الجمعة العاشر من جمادي الآخرة من السنة المذكورة، وكان فيه جماعة من الثقات
والمقدسين إلى أن أتى إلى الصفة المباركة فبكى وتضرع
[266]
فيها زمانا طويلا وكان يكتب قبيله حاله
على الجدار، ويسأل من الناظرين الدعاء والشفاعة. فما تم بكاؤه وتضرعه إلا وقد فتح
الله تعالى لسانه، وخرج باعجاز الحجة عليه السلام من ذلك المقام المنيف مع لسان
ذلق، وكلام فصيح، واحضر في يوم السبت في محفل تدريس سيد الفقهاء وشيخ العلماء رئيس
الشيعة، وتاج الشريعة المنتهى إليه رياسة الإمامية سيدنا الأفخم واستاذنا الأعظم
الحاج الآميرزا محمد حسن الشيرازي متع الله المسلمين بطول بقائه، وقرأ عنده متبركا
سورة المباركة الفاتحة بنحو أذعن الحاضرون بصحته وحسن قراءته، وصار يوما مشهودا
ومقاما محمودا. وفي ليلة الأحد والاثنين اجتمع العلماء والفضلاء في الصحن الشريف
فرحين مسرورين، وأضاؤا فضاءه من المصابيح والقناديل، ونظموا القصة ونشروها في
البلاد، وكان معه في المركب مادح أهل البيت عليهم السلام الفاضل اللبيب الحاج ملا
عباس الصفار الزنوزي البغدادي فقال - وهو من قصيدة طويلة ورآه مريضا وصحيحا: وفي
عامها جئت والزائرين * إلى بلدة سر من قد رآها رأيت من الصين فيها فتى * وكان سمي
إمام هداها يشير إذا ما أراد الكلام * وللنفس منه... كذا براها وقد قيد السقم منه
الكلام * وأطلق من مقلتيه دماها فوافا إلى باب سرداب من * به الناس طرا ينال مناها
يروم بغير لسان يزور * وللنفس منه دهت بعناها وقد صار يكتب فوق الجدار * ما فيه
للروح منه شفاها أروم الزيارة بعد الدعاء * ممن رأى أسطري وتلاها لعل لساني يعود
الفصيح * وعلي أزور وأدعو الالها إذا هو في رجل مقبل * تراه ورى البعض من أتقياها
[267]
تأبط خير كتاب له * وقد جاء من حيث غاب
ابن طه فأومى إليه ادع ما قد كتب * وجاء فلما تلاه دعاها وأوصى به سيدا جالسا * أن
ادعوا له بالشفاء شفاها فقام وأدخله غيبة الا * مام المغيب من أوصياها وجاء إلى
حفرة الصفة * التي هي للعين نور ضياها وأسرج آخر فيها السراج * وأدناه من فمه
ليراها هناك دعا الله مستغفرا * وعيناه مشغولة ببكاها ومذ عاد منها يريد الصلاة *
قد عاود النفس منه شفاها وقد أطلق الله منه اللسان * وتلك الصلاة أتم أداها ولما
بلغ الخبر إلى خريت صناعة الشعر السيد المؤيد الأديب اللبيب فخر الطالبيين، وناموس
العلويين، السيد حيدر بن السيد سليمان الحلي أيده الله تعالى بعث إلى سر من رأى
كتابا صورته: بسم الله الرحمن الرحيم لما هبت من الناحية المقدسة نسمات كرم الإمامة
فنشرت نفحات عبير هاتيك الكرامة، فأطلقت لسان زائرها من اعتقاله، عند ما قام عندها
في تضرعه وابتهاله، أحببت أن أنتظم في سلك من خدم تلك الحضرة، في نظم قصيدة تتضمن
بيان هذا المعجز العظيم ونشره، وأن اهنئ علامة الزمن وغرة وجهه الحسن، فرع الأراكة
المحمدية، ومنار الملة الأحمدية، علم الشريعة، وإمام الشيعة، لأجمع بين العبادتين
في خدمة هاتين الحضرتين، فنظمت هذه القصيدة الغراء، وأهديتها إلى دار إقامته وهي
سامرا، راجيا أن تقع موقع القبول، فقلت ومن الله بلوغ المأمول: كذا يظهر المعجز
الباهر * ويشهده البر والفاجر وتروى الكرامة مأثورة * يبلغها الغائب الحاضر يقر
لقوم بها ناظر * ويقذي لقوم بها ناظر فقلب لها ترحا واقع * وقلب بها فرحا طائر
[268]
أجل طرف فكرك يا مستدل * وأنجد بطرفك يا
غائر تصفح مآثر آل الرسول * وحسبك ما نشر الناشر ودونكه نباء صادقا * لقلب العدو هو
الباقر فمن صاحب الأمر أمس استبان * لنا معجز أمره باهر بموضع غيبته مذ ألم * أخو
علة داؤها ظاهر رمى فمه باعتقال اللسان * رام هو الزمن الغادر فأقبل ملتمسا للشفاء
* لدى من هو الغائب الحاضر ولقنه القول مستأجر * عن القصد في أمره جائر فبيناه في
تعب ناصب * ومن ضجر فكره حائر إذ انحل من ذلك الاعتقال * وبارحه ذلك الضائر فراح
لمولاه في الحامدين * وهو لآلائه ذاكر لعمري لقد مسحت داءه * يد كل خلق لها شاكر يد
لم تزل رحمة للعباد * لذلك أنشأها الفاطر تحدر وإن كرهت أنفس * يضيق شجى صدرها
الواغر وقل إن قائم آل النبي * له النهي وهو هو الآمر أيمنع زائره الاعتقال * مما
به ينطق الزائر ويدعوه صدقا إلى حله * ويقضي على أنه القادر ويكبو مرجيه دون الغياث
* وهو يقال به العاثر فحاشاه بل هو نعم المغيث * إذا نضنض الحارث الفاغر (1) فهذي
الكرامة لا ما غدا * يلفقه الفاسق الفاجر أدم ذكرها يا لسان الزمان * وفي نشرها فمك
العاطر وهن بها سر من را ومن * به ربعها آهل عامر
(1) الحارث: لقب الاسد، والفاغر: الذي فتح
فاه يقال: نضنض لسانه: إذا حركه، فالسبع إذا فغر فاه ونضنض لسانه أشد ما يكون. (*)
[269]
هو السيد الحسن المجتبى * خضم الندى غيثه
الهامر وقل يا تقدست من بقعة * بها يهب الزلة الغافر كلا اسميك في الناس باد له *
بأوجههم أثر ظاهر فأنت لبعضهم سر من * رأى وهو نعت لهم ظاهر وأنت لبعضهم ساء من *
رأى وبه يوصف الخاسر لقد أطلق الحسن المكرمات * مهياك فهو بهي سافر فأنت حديقة زهو
به * وأخلافه روضك الناضر عليم تربى بحجر الهدى * ونسج التقى برده الطاهر إلى أن
قال سلمه الله تعالى: كذا فلتكن عترة المرسلين * وإلا فما الفخر يا فاخر الحكاية
الثالثة والثلاثون حدثني الثقة العدل الأمين آغا محمد المجاور لمشهد العسكريين
عليهما السلام المتولي لأمر الشموعات، لتلك البقعة العالية، فيما ينيف على أربعين
سنة، وهو أمين السيد الأجل الاستاذ دام علاه، عن امه وهي من الصالحات قالت: كنت
يوما في السرداب الشريف، مع أهل بيت العالم الرباني والمؤيد السبحاني المولى زين
العابدين السلماسي المتقدم ذكره - رحمه الله - وكان حين مجاورته في هذه البلدة
الشريفة لبناء سورها. قالت: وكان يوم الجمعة، والمولى المذكور يقرأ دعاء الندبة،
وكنا نقرؤها بقراءته، وكان يبكي بكاء الواله الحزين، ويضج ضجيج المستصرخين، وكنا
نبكي ببكائه، ولم يكن معنا فيه غيرنا. فبينا نحن في هذه الحالة، وإذا بشرق مسك
ونفحته قد انتشر في السرداب وملاء فضاءه وأخذ هواءه واشتد نفاحه، بحيث ذهبت عن
جميعنا تلك الحالة فسكتنا كأن على رؤوسنا الطير، ولم نقدر على حركة وكلام، فبقينا
متحيرين إلى أن مضى
[270]
زمان قليل، فذهب ما كنا نستشمه من تلك
الرائحة الطيبة ورجعنا إلى ما كنا فيه من قراءة الدعاء فلما رجعنا إلى البيت سألت
عن المولى رحمه الله عن سبب ذلك الطيب، فقال: مالك والسؤال عن هذا وأعرض عن جوابي.
وحدثني الأخ الصفي العالم المتقي الآغا علي رضا الاصفهاني الذي مر ذكره، وكان صديقه
وصاحب سره، قال: سألته يوما عن لقائه الحجة عليه السلام وكنت أظن في حقه ذلك كشيخه
السيد المعظم العلامة الطباطبائي كما تقدم فأجابني بتلك الواقعة، حرفا بحرف، وقد
ذكرت في دار السلام بعض كراماته ومقاماته رحمة الله عليه. الحكاية الرابعة
والثلاثون قال الفاضل الجليل النحرير الا ميرزا عبد الله الإصفهاني الشهير بالأفندي
في المجلد الخامس من كتاب رياض العلماء في ترجمة الشيخ بن [أبي] الجواد النعماني
أنه ممن رأى القائم عليه السلام في زمن الغيبة الكبرى، وروى عنه عليه السلام ورأيت
في بعض المواضع نقلا عن خط الشيخ زين الدين علي بن الحسن بن محمد الخازن الحائري
تلميذ الشهيد أنه قد رأى ابن أبي جواد النعماني مولانا المهدي عليه السلام فقال له:
يا مولاي لك مقام بالنعمانية، ومقام بالحلة، فأين تكون فيهما ؟ فقال له: أكون
بالنعمانية ليلة الثلثاء ويوم الثلثاء، ويوم الجمعة وليلة الجمعة أكون بالحلة ولكن
أهل الحلة ما يتأدبون في مقامي، وما من رجل دخل مقامي بالأدب يتأدب ويسلم علي وعلى
الأئمة وصلى علي وعليهم اثني عشر مرة ثم صلى ركعتين بسورتين، وناجى الله بهما
المناجاة، إلا أعطاه الله تعالى ما يسأله، أحدها المغفرة. فقلت: يا مولاي علمني
ذلك، فقال: قل: اللهم قد أخذ التأديب مني حتى مسني الضر وأنت أرحم الراحمين، وإن
كان ما اقترفته من الذنوب أستحق به أضعاف أضعاف ما أدبتني به، وأنت حليم ذو أناة
تعفو عن كثير حتى يسبق عفوك ورحمتك عذابك، وكررها علي ثلاثا حتى فهمتها.
[271]
قلت: والنعمانية بلد بين واسط وبغداد،
والظاهر أن منه الشيخ أبا عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب الشهير
بالنعماني المعروف بابن أبي زينب تلميذ الكليني وهو صاحب الغيبة والتفسير، وهو
والشيخ الصفواني المعاصر له، قد ضبط كل واحد منهما نسخة الكافي ولذا ترى أنه قد يقع
في الكافي كثيرا: وفي نسخة النعماني كذا، وفي نسخة الصفواني كذا. الحكاية الخامسة
والثلاثون السيد الأجل علي بن طاوس في جمال الاسبوع أنه شاهد أحد صاحب الزمان عليه
السلام وهو يزور بهذه الزيارة أمير المؤمنين عليه السلام في اليقظة لا في النوم،
يوم الأحد وهو يوم أمير المؤمنين عليه السلام: [السلام] على الشجرة النبوية،
والدوحة الهاشمية المضيئة، المثمرة بالنبوة المونعة بالإمامة، السلام عليك وعلى
ضجيعيك آدم ونوح، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين الطاهرين، السلام عليك وعلى
الملائكة المحدقين بك، والحافين بقبرك، يا مولاي يا أمير المؤمنين هذا يوم الأحد،
وهو يومك وباسمك، وأنا ضيفك فيه وجارك، فأضفني يا مولاي، وأجرني فانك كريم، تحب
الضيافة، ومأمول بالاجابة، فافعل ما رغبت إليك فيه، ورجوته منك، بمنزلتك وآل بيتك
عند الله ومنزلته عندكم، وبحق ابن عمك رسول الله صلى الله عليه وآله وعليكم أجمعين.
الحكاية السادسة والثلاثون العلامة الحلي رحمه الله في منهاج الصلاح قال: نوع آخر
من الاستخارة رويته عن والدي الفقيه سديد الدين يوسف بن علي بن المطهر رحمه الله عن
السيد رضي الدين محمد الآوي الحسيني عن صاحب الأمر عليه السلام وهو أن يقرء فاتحة
الكتاب عشر مرات وأقله ثلاث مرات، والأدون منه مرة، ثم يقرء " إنا أنزلناه " عشر
مرات ثم يقرء هذا الدعاء ثلاث مرات: اللهم إني أستخيرك لعلمك بعواقب الامور
[272]
وأستشيرك لحسن ظني بك في المأمول
والمحذور، اللهم إن كان الأمر الفلاني قد نيطت بالبركة أعجازه وبواديه، وحفت
بالكرامة أيامه ولياليه، فخر لي فيه خيرة ترد شموسه ذلولا، تقعض أيامه سرورا. اللهم
إما أمر فأئتمر وإما نهي فأنتهي اللهم إني أستخيرك برحمتك خيرة في عافية. ثم يقبض
على قطعة من السبحة، ويضمر حاجته، ويخرج إن كان عدد تلك القطعة زوجا فهو افعل وإن
كان فردا لا تفعل، أو بالعكس. قال الكفعمي رحمه الله: نيطت تعلقت، وناط الشئ تعلق،
وهذا منوط بك أي متعلق، والأنواط المعاليق، ونيط فلان بكذا أي تعلق قال الشاعر:
وأنت زنيم نيط في آل هاشم * كما نيط خلف الراكب القدح الفرد وأعجاز الشئ آخره،
وبواديه أوله. ومفتتح الأمر ومبتداه، ومهله وعنفوانه، وأوائله وموارده وبدائهه
وبواديه نظائر وشوافعه وتواليه وأعقابه ومصادره ورواجعه ومصائره وعواقبه وأعجازه
نظائر، وقوله شموسه أي صعوبته ورجل شموس: أي صعب الخلق، ولا تقل: شموص بالصاد،
وأشمس الفرس منع ظهره، والذلول ضد الصعوبة، وتقعض أي ترد وتعطف، وقعضت العود عطفته
وتقعص بالصاد تصحيف والعين مفتوحة لأنه إذا كانت عين الفعل أو لامه أحد حروف الحلق
كان الأغلب فتحها في المضارع. قال في البحار: وفي كثير من النسخ بالصاد المهملة،
ولعله مبالغة في السرور وهذا شائع في العرب والعجم، يقال لمن أصابه سرور عظيم: مات
سرورا أو يكون المراد به الانقضاء أي تنقضي بالسرور، والتعبير به لأن أيام السرور
سريعة الانقضاء، فان القعص الموت سريعا فعلى هذا يمكن أن يقرء على بناء المعلوم
والمجهول، و " أيامه " بالرفع والنصب معا. قال الشهيد رحمه الله في الذكرى: ومنها
الاستخارة بالعدد ولم يكن هذه مشهورة في العصور الماضية، قبل زمان السيد الكبير
العابد رضي الدين محمد الآوي الحسيني المجاور بالمشهد المقدس الغروي رضي الله عنه،
وقد رويناها عنه وجميع
[273]
مروياته عن عدة من مشايخنا، عن الشيخ
الكبير الفاضل جمال الدين ابن المطهر عن السيد الرضي، عن صاحب الأمر عليه السلام
وتقدم عنه رحمه الله حكاية اخرى. وهذه الحكاية ذكرها المحقق الكاظميني في مسألة
الاجماع في بعض وجوهه في عداد من تلقى عن الحجة عليه السلام في غيبته الكبرى بعض
الأحكام سماعا أو مكاتبة. الحكاية السابعة والثلاثون في كتاب إثبات الهداة بالنصوص
والمعجزات للشيخ المحدث الجليل محمد بن الحسن الحر العاملي رحمه الله قال: قد
أخبرني جماعة من ثقات الأصحاب أنهم رأوا صاحب الأمر عليه السلام في اليقظة، وشاهدوا
منه معجزات متعددات، وأخبرهم بعدة مغيبات، ودعا لهم بدعوات مستجابات، وأنجاهم من
أخطار مهلكات. قال رحمه الله: وكنا جالسين في بلادنا في قرية مشغر في يوم عيد، ونحن
جماعة من أهل العلم والصلحاء، فقلت لهم: ليت شعري في العيد المقبل من يكون من هؤلاء
حيا ومن يكون قد مات ؟ فقال لي رجل كان اسمه " الشيخ محمد " وكان شريكنا في الدروس:
أنا أعلم أني أكون في عيد آخر حيا وفي عيد آخر حيا وعيد آخر إلى ستة وعشرين سنة،
وظهر منه أنه جازم بذلك من غير مزاح، فقلت له: أنت تعلم الغيب ؟ قال: لا، ولكني
رأيت المهدي عليه السلام في النوم وأنا مريض شديد المرض، فقلت له: أنا مريض وأخاف
أن أموت، وليس لي عمل صالح ألقى الله به فقال: لا تخف فان الله تعالى يشفيك من هذا
المرض، ولا تموت فيه بل تعيش ستا وعشرين سنة ثم ناولني كأسا كان في يده فشربت منه
وزال عني المرض وحصل لي الشفاء، وأنا أعلم أن هذا ليس من الشيطان. فلما سمعت كلام
الرجل كتبت التاريخ، وكان سنة ألف وتسعة وأربعين ومضت لذلك مدة وانتقلت إلى المشهد
المقدس سنة ألف واثنين وسبعين، فلما كانت السنة الأخيرة وقع في قلبي أن المدة قد
انقضت فرجعت إلى ذلك التاريخ
[274]
وحسبته فرأيته قد مضى منه ست وعشرون سنة،
فقلت: ينبغي أن يكون الرجل مات. فما مضت مدة نحو شهر أو شهرين حتى جاءتني كتابة من
أخي - وكان في البلاد - يخبرني أن الرجل المذكور مات. الحكاية الثامنة والثلاثون
وفي الكتاب المذكور قال رحمه الله: إني كنت في عصر الصبى وسني عشر سنين أو نحوها
أصابني مرض شديد جدا حتى اجتمع أهلي وأقاربي وبكوا وتهيأوا للتعزية، وأيقنوا أني
أموت تلك الليلة. فرأيت النبي والأئمة الاثني عشر صلوات الله عليهم، وأنا فيما بين
النائم واليقظان، فسلمت عليهم وصافحتهم واحدا واحدا، وجرى بيني وبين الصادق عليه
السلام كلام، ولم يبق في خاطري إلا أنه دعا لي. فلما سلمت على الصاحب عليه السلام،
وصافحته، بكيت وقلت: يا مولاي أخاف أن أموت في هذا المرض، ولم أقض وطري من العلم
والعمل، فقال عليه السلام: لا تخف فانك لا تموت في هذا المرض بل يشفيك الله تعالى
وتعمر عمرا طويلا ثم ناولني قدحا كان في يده فشربت منه وأفقت في الحال وزال عني
المرض بالكلية، وجلست وتعجب أهلي وأقاربي، ولم احدثهم بما رأيت إلا بعد أيام.
الحكاية التاسعة والثلاثون وحدثني الثقة الأمين آغا محمد المتقدم ذكره قال: كان رجل
من أهل سامراء من أهل الخلاف يسمى مصطفى الحمود، وكان من الخدام الذين ديدنهم أذية
الزوار، وأخذ أموالهم بطرق فيها غضب الجبار، وكان أغلب أوقاته في السرداب المقدس
على الصفة الصغيرة، خلف الشباك الذي وضعه هناك [ومن جاء] من الزوار ويشتغل
بالزيارة، يحول الخبيث بينه وبين مولاه فينبهه على الأغلاط
[275]
المتعارفة التي لا تخلو أغلب العوام منها،
بحيث لم يبق لهم حالة حضور وتوجه أصلا. فرأى ليلة في المنام الحجة من الله الملك
العلام عليه السلام، فقال له: إلى متى تؤذي زواري ولا تدعهم أن يزوروا ؟ مالك
وللدخول في ذلك، خل بينهم وبين ما يقولون فانتبه، وقد أصم الله اذنيه، فكان لا يسمع
بعده شيئا واستراح منه الزوار، وكان كذلك إلى أن ألحقه الله بأسلافه في النار.
الحكاية الاربعون الشيخ الجليل أمين الاسلام فضل بن الحسن الطبرسي صاحب التفسير في
كتاب كنوز النجاح قال: دعاء علمه صاحب الزمان عليه سلام الله الملك المنان، أبا
الحسن محمد بن أحمد بن أبي الليث رحمه الله تعالى في بلدة بغداد، في مقابر قريش،
وكان أبو الحسن قد هرب إلى مقابر قريش والتجأ إليه من خوف القتل فنجي منه ببركة هذا
الدعاء. قال أبو الحسن المذكور: إنه علمني أن أقول: " اللهم عظم البلاء، وبرح
الخفاء، وانقطع الرجاء، وانكشف الغطاء،، وضاقت الأرض، ومنعت السماء، وإليك يا رب
المشتكى، وعليك المعول في الشدة والرخاء، اللهم فصل على محمد وآل محمد اولي الأمر
الذين فرضت علينا طاعتهم، فعرفتنا بذلك منزلتهم، ففرج عنا بحقهم فرجا عاجلا كلمح
البصر، أو هو أقرب، يا محمد يا علي اكفياني فانكما كافياي وانصراني فانكما ناصراي،
يا مولاي يا صاحب الزمان الغوث الغوث [الغوث] أدركني أدركني أدركني ". قال الراوي:
إنه عليه السلام عند قوله: " يا صاحب الزمان " كان يشير إلى صدره الشريف.
[276]
الحكاية الحادية والاربعون قال العالم
النحرير، النقاد البصير، المولى أبو الحسن الشريف العاملي الغروي تلميذ العلامة
المجلسي وهو جد شيخ الفقهاء في عصره صاحب جواهر الكلام، من طرف امه، وينقل عنه في
الجواهر كثيرا، صاحب التفسير الحسن الذي لم يؤلف مثله وإن لم يبرز منه إلا قليل إلا
أن في مقدماته من الفوائد ما يشفي العليل، ويروي الغليل، وغيره، قال في كتاب ضياء
العالمين، وهو كتاب كبير منيف على ستين ألف بيت كثير الفوائد، قليل النظير، قال في
أواخر المجلد الأول منه في ضمن أحوال الحجة عليه السلام بعد ذكر قصة الجزيرة
الخضراء، مختصرا ما لفظه: ثم إن المنقولات المعتبرة في رؤية صاحب الأمر عليه السلام
سوى ما ذكرنا كثيرة جدا حتى في هذه الأزمنة القريبة، فقد سمعت أنا من ثقات أن
مولانا أحمد الأردبيلي رآه عليه السلام في جامع الكوفة، وسأل منه مسائل، وأن مولانا
محمد تقي والد شيخنا رآه في الجامع العتيق باصبهان، والحكاية الاولى موجودة في
البحار وأما الثانية فهي غير معروفة، ولم نعثر عليها إلا ما ذكره المولى المذكور
رحمه الله في شرح مشيخة الفقيه في ترجمة المتوكل بن عمير راوي الصحيفة. قال رحمه
الله: إني كنت في أوائل البلوغ طالبا لمرضاة الله، ساعيا في طلب رضاه، ولم يكن لي
قرار بذكره إلى أن رأيت بين النوم واليقظة أن صاحب الزمان صلوات الله عليه كان
واقفا في الجامع القديم باصبهان قريبا من باب الطنبى الذي الآن مدرسي، فسلمت عليه
وأردت أن اقبل رجله، فلم يدعني وأخذني، فقبلت يده، وسألت عنه مسائل قد أشكلت علي.
منها أني كنت اوسوس في صلاتي، وكنت أقول إنها ليست كما طلبت مني وأنا مشتغل
بالقضاء، ولا يمكنني صلاة الليل، وسألت عنه شيخنا البهائي رحمه الله تعالى فقال: صل
صلاة الظهر والعصر والمغرب بقصد صلاة الليل، وكنت أفعل هكذا فسألت عن الحجة عليه
السلام اصلي صلاة الليل ؟ فقال: صلها، ولا تفعل كالمصنوع الذي
[277]
كنت تفعل، إلى غير ذلك من المسائل التي لم
يبق في بالي. ثم قلت: يا مولاي لا يتيسر لي أن أصل إلى خدمتك كل وقت فأعطني كتابا
أعمل عليه دائما فقال عليه السلام: أعطيت لأجلك كتابا إلى مولانا محمد التاج، وكنت
أعرفه في النوم، فقال عليه السلام: رح وخذ منه، فخرجت من باب المسجد الذي كان
مقابلا لوجهه إلى جانب دار البطيخ محلة من إصبهان، فلما وصلت إلى ذلك الشخص فلما
رآني قال لي: بعثك الصاحب عليه السلام إلي ؟ قلت: نعم، فأخرج من جيبه كتابا قديما
فلما فتحته ظهر لي أنه كتاب الدعاء فقبلته ووضعته على عيني وانصرفت عنه متوجها إلى
الصاحب عليه السلام فانتبهت ولم يكن معي ذلك الكتاب. فشرعت في التضرع والبكاء
والحوار لفوت ذلك الكتاب إلى أن طلع الفجر فلما فرغت من الصلاة والتعقيب، وكان في
بالي أن مولانا محمد (1) هو الشيخ وتسميته بالتاج لاشتهاره من بين العلماء. فلما
جئت إلى مدرسته وكان في جوار المسجد الجامع فرأيته مشتغلا بمقابلة الصحيفة، وكان
القاري السيد صالح أمير ذو الفقار الجرفادقاني فجلست ساعة حتى فرغ منه والظاهر أنه
كان في سند الصحيفة لكن للغم الذي كان لي لم أعرف كلامه ولا كلامهم، وكنت أبكي
فذهبت إلى الشيخ وقلت له رؤياي وكنت أبكي لفوات الكتاب، فقال الشيخ: ابشر بالعلوم
الالهية، والمعارف اليقينية وجميع ما كنت تطلب دائما، وكان أكثر صحبتي مع الشيخ في
التصوف وكان مائلا إليه، فلم يسكن قلبي وخرجت باكيا متفكرا إلى أن القي في روعي أن
أذهب إلى الجانب الذي ذهبت إليه في النوم، فلما وصلت إلى دار البطيخ رأيت رجلا
صالحا اسمه آغا حسن، وكان يلقب بتاجا، فلما وصلت إليه وسلمت عليه قال: يا فلان
الكتب الوقفية التي عندي كل من يأخذه من الطلبة لا يعمل بشروط الوقف وأنت تعمل به،
وقال: وانظر إلى هذه الكتب وكلما تحتاج إليه خذه، فذهبت معه إلى بيت كتبه فأعطاني
أول ما أعطاني الكتاب الذي رأيته في النوم، فشرعت في
(1) يعنى الشيخ البهائي رحمه الله.
[278]
البكاء والنحيب، وقلت: يكفيني وليس في
بالي أني ذكرت له النوم أم لا، وجئت عند الشيخ وشرعت في المقابلة مع نسخته التي
كتبها جد أبيه مع نسخة الشهيد وكتب الشهيد نسخته مع نسخة عميد الرؤساء وابن السكون،
وقابلها مع نسخة ابن إدريس بواسطة أو بدونها وكانت النسخة التي أعطانيها الصاحب
مكتوبة من خط الشهيد، وكانت موافقة غاية الموافقة حتى في النسخ التي كانت مكتوبة
على هامشها، وبعد أن فرغت من المقابلة شرع الناس في المقابلة عندي، وببركة إعطاء
الحجة عليه السلام صارت الصحيفة الكاملة في جميع البلاد كالشمس طالعة في كل بيت،
وسيما في إصبهان فان أكثر الناس لهم الصحيفة المتعددة وصار أكثرهم صلحاء وأهل
الدعاء، وكثير منهم مستجابو الدعوة، وهذه الآثار معجزة لصاحب الأمر عليه السلام
والذي أعطاني الله من العلوم بسبب الصحيفة لا احصيها. وذكرها العلامة المجلسي رضوان
الله عليه في إجازات البحار مختصرا. الحكاية الثانية والاربعون حدث السيد الجليل
والمحدث العليم النبيل، السيد نعمة الله الجزائري في مقدمات شرح العوالي قال: حدثني
وأجازني السيد الثقة هاشم بن الحسين الأحسائي في دار العلم شيراز، في المدرسة
المقابلة للبقعة المباركة، مزار السيد محمد عابد عليه الرحمة والرضوان، في حجرة من
الطبقة الثانية، على يمين الداخل قال: حكى لي استاذي الثقة المعدل الشيخ محمد
الحرفوشي قدس الله تربته قال: لما كنت بالشام، عمدت يوما إلى مسجد مهجور، بعيد من
العمران، فرأيت شيخا أزهر الوجه، عليه ثياب بيض، وهيئة جميلة، فتجارينا في الحديث،
وفنون العلم فرأيته فوق ما يصفه الواصف، ثم تحققت منه الاسم والنسبة ثم بعد جهد
طويل قال: أنا معمر بن أبي الدنيا صاحب أمير المؤمنين، وحضرت معه حروب صفين وهذه
الشجة في رأسي وفي وجهي من زجة فرسه (1).
(1) في الاصل المطبوع رمحة فرسه وهو
تصحيف، والمراد بالزجة: الشكيمة =
[279]
ثم ذكر لي من الصفات والعلامات ما تحققت
معه صدقه في كل ما قال، ثم استجزته كتب الأخبار، فأجازني عن أمير المؤمنين وعن جميع
الأئمة عليهم السلام حتى انتهى في الاجازة إلى صاحب الدار عجل الله فرجه وكذلك
أجازني كتب العربية من مصنفيها كالشيخ عبدالقاهر والسكاكي وسعد التفتازاني وكتب
النحو عن أهلها وذكر العلوم المتعارفة. ثم قال السيد رحمه الله: إن الشيخ محمد
الحرفوشي أجازني كتب الأحاديث الاصول الأربعة، وغيرها من كتب الأخبار بتلك الاجازة،
وكذلك أجازني الكتب المصنفة في فنون العلوم، ثم إن السيد رضوان الله عليه أجازني
بتلك الاجازة كلما أجازه شيخه الحرفوشي، عن معمر بن أبي الدنيا صاحب أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام وأما أنا فأضمن ثقة المشايخ السيد والشيخ، وتعديلهما
وورعهما ولكني لا أضمن وقوع الأمر في الواقع على ما حكيت، وهذه الاجازة العالية لم
تتفق لأحد من علمائنا، ولا محدثنا، لا في الصدر السالف، ولا في الأعصار المتأخرة
انتهى. وقال سبطه العالم الجليل السيد عبد الله صاحب شرح النخبة، وغيره في إجازته
الكبيرة، لأربعة من علماء حويزة، بعد نقل كلام جده وكأنه رضي الله عنه استنكر هذه
القصة أو خاف أن تنكر عليه فتبرء من عهدتها في آخر كلامه وليست بذلك فان معمر بن
أبي الدنيا المغربي له ذكر متكرر في الكتب، وقصة طويلة في خروجه مع أبيه في طلب ماء
الحياة، وعثوره عليه دون أصحابه، مذكورة في كتب التواريخ وغيرها، وقد نقل منها نبذا
صاحب البحار في أحوال صاحب الدار عليه السلام (1) وذكر الصدوق في كتاب إكمال الدين
أن اسمه علي بن عثمان
= من اللجام: وهي الحديدة المعترضة في فم
الفرس فيها الفاس، وقد كانت تلك الحديدة مزججة على ما في نسخة كمال الدين قال: "
وكان لجام دابته حديدا مزججا فرفع الفرس رأسه فشجنى هذه الشجة التي في صدغى ". (1)
راجع باب ذكر أخبار المعمرين ج 51 ص 225، كمال الدين ج 3 ص 220.
[280]
ابن خطاب بن مرة بن مؤيد الهمداني إلا أنه
قال: معمر أبي الدنيا باسقاط " بن " والظاهر أنه هو الصواب كما لا يخفى، وذكر أنه
من حضرموت والبلد الذي هو مقيم فيه طنجة، وروى عنه أحاديث مسندة بأسانيد مختلفة.
وأما ما نقله الشيخ في مجالسه عن أبي بكر الجرجاني أن المعمر المقيم ببلدة طنجة
توفي سنة سبع عشرة وثلاثمائة، فليس بمناف شيئا لأن الظاهر أن أحدهما غير الآخر،
لتغاير اسميهما وقصتيهما وأحوالهما المنقولة، والله يعلم انتهى، وشرح حال المعمر
مذكور في آخر فتن البحار. وقال السيد الجليل المعظم والحبر المكرم السيد حسين ابن
العالم العليم السيد إبراهيم القزويني رحمه الله في آخر إجازته لآية الله بحر
العلوم: وللعبد طريق آخر إلى الكتب الأربعة وغيرها لم يسمح الأعصار بمثلها، وهو ما
أجاز لي السيد السعيد الشهيد السيد نصر الله الحائري، عن شيخه مولانا أبي الحسن، عن
شيخه الفاضل السيد نعمة الله، عن شيخه السيد هاشم الأحسائي، إلى آخر ما نقلناه.
والشيخ محمد الحرفوشي من الأجلاء، قال الشيخ الحر في أمل الآمل: الشيخ محمد بن علي
بن أحمد الحرفوشي الحريري العاملي الكركي الشامي كان فاضلا عالما أديبا ماهرا محققا
مدققا شاعرا أديبا منشيا حافظا أعرف أهل عصره بعلوم العربية، وذكر له مؤلفات في
الأدبية وشرح قواعد الشهيد، وغيرها وذكره السيد علي خان في سلافة العصر وبالغ في
الثناء عليه وقال: إنه توفي سنة 1059. الحكاية الثالثة والاربعون حدثني سيد
الفقهاء، وسناد العلماء، العالم الرباني المؤيد بالألطاف الخفية السيد مهدي
القزويني الساكن في الحلة السيفية، صاحب التصانيف الكثيرة والمقامات العالية أعلى
الله تعالى مقامه فيما كتب بخطه قال: حدثني والدي الروحاني وعمي الجسماني جناب
المرحوم المبرور العلامة الفهامة، صاحب الكرامات، والإخبار
[281]
ببعض المغيبات، السيد محمد باقر نجل
المرحوم السيد أحمد الحسيني القزويني أن في الطاعون الشديد الذي حدث في أرض العراق
من المشاهد وغيرها في عام ست وثمانين بعد المائة والألف، وهرب جميع من كان في
المشهد الغروي من العلماء المعروفين وغيرهم، حتى العلامة الطباطبائي والمحقق صاحب
كشف الغطاء وغيرهما بعد ما توفي منهم جم غفير، ولم يبق إلا معدودين من أهله، منهم
السيد رحمه الله. قال: وكان يقول: كنت أقعد اليوم في الصحن الشريف، ولم يكن فيه ولا
في غيره أحد من أهل العلم إلا رجلا معمما من مجاوري أهل العجم، كان يقعد في مقابلي
وفي تلك الأيام لقيت شخصا معظما مبجلا في بعض سكك المشهد ما رأيته قبل ذلك اليوم
ولا بعده، مع كون أهل المشهد في تلك الأيام محصورين، ولم يكن يدخل عليهم أحد من
الخارج، قال: ولما رآني قال ابتداء منه: أنت ترزق علم التوحيد بعد حين. وحدثني
السيد المعظم، عن عمه الجليل أنه رحمه الله بعد ذلك في ليلة من الليالي قد رأى
ملكين نزلا عليه بيد أحدهما عدة ألواح فيها كتابة، وبيد الآخر ميزان فأخذا يجعلان
في كل كفة من الميزان لوحا يوزنونها ثم يعرضون الألواح المتقابلة علي فأقرؤها وهكذا
إلى آخر الألواح، وإذا هما يقابلان عقيدة كل واحد من خواص أصحاب النبي صلى الله
عليه وآله وخواص أصحاب الأئمة عليهم السلام مع عقيدة واحد من علماء الإمامية من
سلمان وأبي ذر إلى آخر البوابين، ومن الكليني والصدوقين، والمفيد والمرتضى، والشيخ
الطوسي إلى بحر العلوم خالي العلامة الطباطبائي ومن بعده من العلماء. قال: فاطلعت
في ذلك المنام على عقائد جميع الإمامية من الصحابة وأصحاب الأئمة عليهم السلام
وبقية علماء الامامية، وإذا أنا محيط بأسرار من العلوم لو كان عمري عمر نوح عليه
السلام وأطلب هذه المعرفة، لما أحطت بعشر معشار ذلك وذلك بعد أن قال الملك الذي
بيده الميزان للملك الآخر الذي بيده الألواح: اعرض الألواح على فلان، فانا مأمورون
بعرض الألواح عليه، فأصبحت وأنا
[282]
علامة زماني في العرفان. فلما جلست من
المنام، وصليت الفريضة وفرغت من تعقيب صلاة الصبح فإذا بطارق يطرق الباب، فخرجت
الجارية فأتت إلي بقرطاس مرسول من أخي في الدين المرحوم الشيخ عبد الحسين الأعشم
فيه أبيات يمدحني فيها فإذا قد جرى على لسانه في الشعر تفسير المنام على نحو
الاجمال، قد ألهمه الله تعالى ذلك وأما أبيات المدح فمنها قوله شعرا: نرجو سعادة
فالي إلى سعادة فالك * بك اختتام معال قد افتتحن بخالك وقد أخبرني بعقائد جملة من
الصحابة المتقابلة مع بعض العلماء الإمامية، ومن جملة ذلك عقيدة المرحوم خالي
العلامة بحر العلوم في مقابلة عقيدة بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله الذينهم من
خواصه وعقيدة علماء آخرين الذين يزيدون على السيد المرحوم المذكور أو ينقصون إلا أن
هذه الامور لما كانت من الأسرار التي لا يمكن إباحتها لكل أحد، لعدم تحمل الخلق
لذلك، مع أنه رحمه الله أخذ علي العهد ألا أبوح به لأحد وكانت تلك الرؤيا نتيجة قول
ذلك القائل الذي تشهد القرائن بكونه المنتظر المهدي. قلت: وهذا السيد المبجل كان
صاحب أسرار خاله العلامة بحر العلوم وخاصته، وصاحب القبة المواجهة لقبة شيخ الفقهاء
صاحب جواهر الكلام، في النجف الأشرف، وحدثني السيد المعظم المزبور وغيره بجملة من
كراماته ذكرناها في دار السلام. الحكاية الرابعة والاربعون حدثني جماعة من الأفاضل
الكرام، والصلحاء الفخام، منهم السيد السند والحبر المعتمد، زبدة العلماء الأعلام،
وعمدة الفقهاء العظام، حاوي فنون الفضل والأدب، وحائز معالي الحسب والنسب الآميرزا
صالح دام علاه ابن سيد المحققين ونور مصباح المجاهدين، وحيد عصره، وفريد دهره سيدنا
المعظم السيد مهدي
[283]
المتقدم ذكره أعلى الله مقامه، ورفع في
الخلد أعلامه وقد كنت سألت عنه سلمه الله أن يكتب لي تلك الحكايات الآتية المنسوبة
إلى والده المعظم التي سمعتها من الجماعة فان أهل البيت أدرى بما فيه، مع ما هو
عليه: من الاتقان والحفظ والضبط والصلاح والسداد والاطلاع، وقد صاحبته في طريق مكة
المعظمة ذهابا وإيابا فوجدته أيده الله بحرا لا ينزح وكنزا لا ينفد، فكتب إلي
مطابقا لما سمعته من تلك العصابة. وكتب أخوه العالم النحرير، وصاحب الفضل المنير،
السيد الأمجد السيد محمد سلمه الله تعالى في آخر ما كتبه: سمعت هذه الكرامات
الثلاثة سماعا من لفظ الوالد المرحوم المبرور عطر الله مرقده. صورة ما كتبه: بسم
الله الرحمن الرحيم حدثني بعض الصلحاء الأبرار من أهل الحلة قال: خرجت غدوة من داري
قاصدا داركم لأجل زيارة السيد أعلى الله مقامه فصار ممري في الطريق على المقام
المعروف بقبر السيد محمد ذي الدمعة فرأيت على شباكه الخارج إلى الطريق شخصا بهي
المنظر يقرأ فاتحة الكتاب، فتأملته فإذا هو غريب الشكل، وليس من أهل الحلة. فقلت في
نفسي: هذا رجل غريب قد اعتنى بصاحب هذا المرقد، ووقف وقرأ له فاتحة الكتاب، ونحن
أهل البلد نمر ولا نفعل ذلك، فوقفت وقرأت الفاتحة والتوحيد، فلما فرغت سلمت عليه،
فرد السلام، وقال لي: يا علي أنت ذاهب لزيارة السيد مهدي ؟ قلت: نعم، قال: فاني
معك. فلما صرنا ببعض الطريق قال لي: يا علي لا تحزن على ما أصابك من الخسران وذهاب
المال في هذه السنة، فانك رجل امتحنك الله بالمال فوجدك مؤديا للحق وقد قضيت ما فرض
الله عليك، وأما المال فانه عرض زائل يجيئ ويذهب، وكان قد أصابني خسران في تلك
السنة لم يطلع عليه أحد مخافة الكسر، فاغتممت في نفسي وقلت: سبحان الله كسري قد شاع
وبلغ حتى إلى الأجانب، إلا أني قلت له في الجواب: الحمد لله على كل حال، فقال: إن
ما ذهب من مالك سيعود
[284]
إليك بعد مدة، وترجع كحالك الأول، وتقضي
ما عليك من الديون. قال: فسكت وأنا مفكر في كلامه حتى انتهينا إلى باب داركم، فوقفت
ووقف، فقلت: ادخل يا مولاي فأنا من أهل الدار فقال لي: ادخل أنت أنا صاحب الدار،
فامتنعت فأخذ بيدي وأدخلني أمامه فلما صرنا إلى المسجد وجدنا جماعة من الطلبة جلوسا
ينتظرون خروج السيد قدس سره من داخل الدار لأجل البحث. ومكانه من المجلس خال لم
يجلس فيه أحد احتراما له، وفيه كتاب مطروح. فذهب الرجل، وجلس في الموضع الذي كان
السيد قدس سره يعتاد الجلوس فيه ثم أخذ الكتاب وفتحه، وكان الكتاب شرائع المحقق قدس
سره ثم استخرج من الكتاب كراريس مسودة بخط السيد قدس سره، وكان خطه في غاية الضعف
لا يقدر كل أحد على قراءته، فأخذ يقرء في تلك الكراريس ويقول للطلبة: ألا تعجبون من
هذه الفروع وهذه الكراريس ؟ هي بعض من جملة كتاب مواهب الأفهام في شرح شرائع
الإسلام وهو كتاب عجيب في فنه لم يبرز منه إلا ست مجلدا ت من أول الطهارة إلى أحكام
الأموات. قال الوالد أعلى الله درجته: لما خرجت من داخل الدار رأيت الرجل جالسا في
موضعي فلما رآني قام وتنحى عن الموضع فألزمته بالجلوس فيه، ورأيته رجلا بهي المنظر،
وسيم الشكل في زي غريب، فلما جلسنا أقبلت عليه بطلاقة وجه وبشاشة، وسؤال عن حاله
واستحييت أن أسأله من هو وأين وطنه ؟ ثم شرعت في البحث فجعل الرجل يتكلم في المسألة
التي نبحث عنها بكلام كأنه اللؤلؤ المتساقط فبهرني كلامه فقال له بعض الطلبة: اسكت
ما أنت وهذا، فتبسم وسكت. قال رحمه الله: فلما انقضى البحث قلت له: من أين كان
مجيئك إلى الحلة ؟ فقال: من بلد السليمانية، فقلت: متى خرجت ؟ فقال: بالأمس خرجت
منها، وما خرجت منها حتى دخلها نجيب باشا فاتحا لها عنوة بالسيف وقد قبض على أحمد
باشا الباباني المتغلب عليها، وأقام مقامه أخاه عبد الله باشا، وقد كان أحمد باشا
المتقدم
[285]
قد خلع طاعة الدولة العثمانية وادعى
السلطنة لنفسه في السليمانية. قال الوالد قدس سره: فبقيت مفكرا في حديثه وأن هذا
الفتح وخبره لم يبلغ إلى حكام الحلة، ولم يخطر لي أن أسأله كيف وصلت إلى الحلة
وبالأمس خرجت من السليمانية، وبين الحلة والسليمانية ما تزيد على عشرة أيام للراكب
المجد. ثم إن الرجل أمر بعض خدمة الدار أن يأتيه بماء فأخذ الخادم الإناء ليغترف به
ماء من الحب فناداه لا تفعل ! فان في الاناء حيوانا ميتا فنظر فيه، فإذا فيه سام
أبرص ميت فأخذ غيره وجاء بالماء إليه فلما شرب قام للخروج. قال الوالد قدس سره فقمت
لقيامه فودعني وخرج فلما صار خارج الدار قلت للجماعة هلا أنكرتم على الرجل خبره في
فتح السليمانية فقالوا: هلا أنكرت عليه ؟ قال: فحدثني الحاج علي المتقدم بما وقع له
في الطريق وحدثني الجماعة بما وقع قبل خروجي من قراءته في المسودة، وإظهار العجب من
الفروع التي فيها. قال الوالد أعلى الله مقامه: فقلت: اطلبوا الرجل وما أظنكم
تجدونه هو والله صاحب الأمر روحي فداه فتفرق الجماعة في طلبه فما وجدوا له عينا ولا
أثرا فكأنما صعد في السماء أو نزل في الأرض. قال: فضبطنا اليوم الذي أخبر فيه عن
فتح السليمانية فورد الخبر ببشارة الفتح إلى الحلة بعد عشرة أيام من ذلك اليوم،
وأعلن ذلك عند حكامها بضرب المدافع المعتاد ضربها عند البشائر، عند ذوي الدولة
العثمانية. قلت: الموجود فيما عندنا من كتب الأنساب أن اسم ذا الدمعة حسين ويلقب
أيضا بذي العبرة، وهو ابن زيد الشهيد ابن علي بن الحسين عليهما السلام ويكنى بأبي
عاتقة، وإنما لقب بذي الدمعة لبكائه في تهجده في صلاة الليل، ورباه الصادق عليه
السلام فأرثه علما جما وكان زاهدا عابدا وتوفي سنة خمس وثلاثين ومائة
[286]
وزوج ابنته بالمهدي الخليفة العباسي وله
أعقاب كثيرة، ولكنه سلمه الله أعرف بما كتب. الحكاية الخامسة والاربعون قال سلمه
الله: وحدثني الوالد أعلى الله مقامه قال: لازمت الخروج إلى الجزيرة مدة مديدة لأجل
إرشاد عشائر بني زبيد إلى مذهب الحق، وكانوا كلهم على راي أهل التسنن، وببركة هداية
الوالد قدس سره وإرشاده، رجعوا إلى مذهب الامامية كماهم عليه الآن، وهم عدد كثير
يزيدون على عشرة آلاف نفس وكان في الجزيرة مزار معروف بقبر الحمزة بن الكاظم، يزوره
الناس ويذكرون له كرامات كثيرة، وحوله قرية تحتوي على مائة دار تقريبا. قال قدس
سره: فكنت أستطرق الجزيرة وأمر عليه ولا أزوره لما صح عندي أن الحمزة بن الكاظم
مقبور في الري مع عبد العظيم الحسني فخرجت مرة على عادتي ونزلت ضيفا عند أهل تلك
القرية، فتوقعوا مني أن أزور المرقد المذكور فأبيت وقلت لهم: لا أزور من لا أعرف،
وكان المزار المذكور قلت رغبة الناس فيه لا عراضي عنه. ثم ركبت من عندهم وبت تلك
الليلة في قرية المزيدية، عند بعض ساداتها فلما كان وقت السحر جلست لنافلة الليل
وتهيأت للصلاة، فلما صليت النافلة بقيت أرتقب طلوع الفجر، وأنا على هيئة التعقيب إذ
دخل علي سيد أعرفه بالصلاح والتقوى، من سادة تلك القرية، فسلم وجلس. ثم قال: يا
مولانا بالأمس تضيفت أهل قرية الحمزة، وما زرته ؟ قلت: نعم قال: ولم ذلك ؟ قلت:
لأني لا أزور من لا أعرف، والحمزة بن الكاظم مدفون بالري، فقال: رب مشهور لا أصل
له، ليس هذا قبر الحمزة بن موسى الكاظم وإن اشتهر أنه كذلك بل هو قبر أبي يعلى حمزة
بن القاسم العلوي العباسي أحد علماء الاجازة وأهل الحديث، وقد ذكره أهل الرجال في
كتبهم، وأثنوا عليه
[287]
بالعلم والورع. فقلت في نفسي: هذا السيد
من عوام السادة، وليس من أهل الاطلاع على الرجال والحديث، فلعله أخذ هذا الكلام عن
بعض العلماء، ثم قمت لأرتقب طلوع الفجر، فقام ذلك السيد وخرج واغفلت أن أسأله عمن
أخذ هذا لأن الفجر قد طلع، وتشاغلت بالصلاة. فلما صليت جلست للتعقيب حتى طلع الشمس
وكان معي جملة من كتب الرجال فنظرت فيها وإذا الحال كما ذكر فجاءني أهل القرية
مسلمين علي وفي جملتهم ذلك السيد فقلت: جئتني قبل الفجر وأخبرتني عن قبر الحمزة أنه
أبو يعلى حمزة بن القاسم العلوي فمن أين لك هذا وعمن أخذته ؟ فقال: والله ما جئتك
قبل الفجر ولا رأيتك قبل هذه الساعة، ولقد كنت ليلة أمس بائتا خارج القرية - في
مكان سماه - وسمعنا بقدومك فجئنا في هذا اليوم زائرين لك. فقلت لأهل القرية: الآن
لزمني الرجوع إلى زيارة الحمزة فاني لا أشك في أن الشخص الذي رأيته هو صاحب الأمر
عليه السلام، قال: فركبت أنا وجميع أهل تلك القرية لزيارته، ومن ذلك الوقت ظهر هذا
المزار ظهورا تاما على وجه صار بحيث تشد الرحال إليه من الأماكن البعيدة. قلت: في
رجال النجاشي: حمزة بن القاسم بن علي بن حمزة بن الحسن ابن عبيدالله بن العباس بن
علي بن أبي طالب عليه السلام أبو يعلى ثقة جليل القدر من أصحابنا كثير الحديث له
كتاب " من روى عن جعفر بن محمد عليهما السلام من الرجال " وهو كتاب حسن. وذكر الشيخ
الطوسي أنه يروي عن سعد بن عبد الله ويروي عنه التلعكبري رحمه الله إجازة فهو في
طبقة والد الصدوق.
[288]
الحكاية السادسة والاربعون قال أيده الله:
وحدثني الوالد أعلى الله مقامه قال: خرجت يوم الرابع عشر من شهر شعبان من الحلة
اريد زيارة الحسين عليه السلام ليلة النصف منه، فلما وصلت إلى شط الهندية، وعبرت
إلى الجانب الغربي منه، وجدت الزوار الذاهبين من الحلة وأطرافها، والواردين من
النجف ونواحيه، جميعا محاصرين في بيوت عشيرة بني طرف من عشائر الهندية، ولا طريق
لهم إلى كربلاء لأن عشيرة عنزة قد نزلوا على الطريق، وقطعوه عن المارة، ولا يدعون
أحدا يخرج من كربلا ولا أحدا يلج إلا انتهبوه. قال: فنزلت على رجل من العرب وصليت
صلاة الظهر والعصر، وجلست أنتظر ما يكون من أمر الزوار، وقد تغيمت السماء ومطرت
مطرا يسيرا. فبينما نحن جلوس إذ خرجت الزوار بأسرها من البيوت متوجهين نحو طريق
كربلا، فقلت لبعض من معي: اخرج واسأل ما الخبر ؟ فخرج ورجع إلي وقال لي: إن عشيرة
بني طرف قد خرجوا بالأسلحة النارية، وتجمعوا لايصال الزوار إلى كربلا، ولو آل الأمر
إلى المحاربة مع عنزة. فلما سمعت قلت لمن معي: هذا الكلام لا أصل له، لأن بني طرف
لا قابلية لهم على مقابلة عنزة في البر، واظن هذه مكيدة منهم لاخراج الزوار عن
بيوتهم لأنهم استثقلوا بقاءهم عندهم، وفي ضيافتهم. فبينما نحن كذلك إذ رجعت الزوار
إلى البيوت، فتبين الحال كما قلت فلم تدخل الزوار إلى البيوت وجلسوا في ظلالها
والسماء متغيمة، فأخذتني لهم رقة شديدة، وأصابني انكسار عظيم، وتوجهت إلى الله
بالدعاء والتوسل بالنبي وآله، وطلبت إغاثة الزوار مما هم فيه. فبينما أنا على هذا
الحال إذ أقبل فارس على فرس رابع (1) كريم لم أر مثله
(1) يعنى أنه داخل في السنة الخامسة،
يقال: أربع الغنم: دخلت في السنة الرابعة والبقر وذوات الحافر: دخلت في السنة
الخامسة، وذوات الخف دخلت في السابعة.
[289]
وبيده رمح طويل وهو مشمر عن ذراعيه، فأقبل
يخب به جواده (1) حتى وقف على البيت الذي أنا فيه، وكان بيتا من شعر مرفوع الجوانب،
فسلم فرددنا عليه السلام ثم قال: يا مولانا - يسميني باسمي - بعثني من يسلم عليك،
وهم كنج محمد آغا وصفر آغا، وكانا من قواد العساكر العثمانية يقولان فليأت بالزوار،
فانا قد طردنا عنزة عن الطريق، ونحن ننتظره مع عسكرنا في عرقوب السليمانية على
الجادة، فقلت له: وأنت معنا إلى عرقوب السليمانية ؟ قال: نعم، فأخرجت الساعة وإذا
قد بقي من النهار ساعتان ونصف تقريبا فقلت: بخيلنا، فقدمت إلينا، فتعلق بي ذلك
البدوي الذي نحن عنده وقال: يا مولاي لا تخاطر بنفسك وبالزوار وأقم الليلة حتى يتضح
الأمر، فقلت له: لا بد من الركوب لإدراك الزيارة المخصوصة. فلما رأتنا الزوار قد
ركبنا، تبعوا أثرنا بين حاشر وراكب فسرنا والفارس المذكور بين أيدينا كأنه الأسد
الخادر، ونحن خلفه، حتى وصلنا إلى عرقوب السليمانية فصعد عليه وتبعناه في الصعود،
ثم نزل وارتقينا على أعلى العرقوب فنظرنا ولم نر له عينا ولا أثرا، فكأنما صعد في
السماء أو نزل في الأرض ولم نر قائدا ولا عسكرا. فقلت لمن معي: أبقي شك في أنه صاحب
الأمر ؟ فقالوا: لا والله، وكنت وهو بين أيدينا اطيل النظر إليه كأني رأيته قبل
ذلك، لكنني لا أذكر أين رأيته فلما فارقنا تذكرت أنه هو الشخص الذي زارني بالحلة،
وأخبرني بواقعة السليمانية. وأما عشيرة عنزة، فلم نر لهم أثرا في منازلهم، ولم نر
أحدا نسأله عنهم سوى أنا رأينا غبرة شديدة مرتفعة في كبد البر، فوردنا كربلا تخب
بنا خيولنا
(1) الخبب: مراوحة الفرس بين يديه ورجليه
أي قام على احداهما مرة وعلى الاخرى مرة، وقيل هو السرعة. (*)
[290]
فوصلنا إلى باب البلاد، وإذا بعسكر على
سور البلد فنادوا من أين جئتم ؟ وكيف وصلتم ؟ ثم نظروا إلى سواد الزوار ثم قالوا
سبحان الله هذه البرية قد امتلأت من الزوار أجل أين صارت عنزة ؟ فقلت لهم: اجلسوا
في البلد وخذوا أرزاقكم ولمكة رب يرعاها. ثم دخلنا البلد فإذا أنا بكنج محمد آغا
جالسا على تخت قريب من الباب فسلمت عليه فقام في وجهي فقلت له: يكفيك فخرا أنك ذكرت
باللسان، فقال: ما الخبر ؟ فأخبرته بالقصة، فقال لي: يا مولاي من أين لي علم بأنك
زائر حتى ارسل لك رسولا وأنا وعسكري منذ خمسة عشر يوما محاصرين في البلد لا نستطيع
أن نخرج خوفا من عنزة، ثم قال: فأين صارت عنزة ؟ قلت: لا علم لي سوى أني رأيت غبرة
شديدة في كبد البر كأنها غبرة الظعائن ثم أخرجت الساعة وإذا قد بقي من النهار ساعة
ونصف، فكان مسيرنا كله في ساعة وبين منازل بني طرف وكربلا ثلاث ساعات ثم بتنا تلك
الليلة في كربلا. فلما أصبحنا سألنا عن خبر عنزة فأخبر بعض الفلاحين الذين في
بساتين كربلا قال: بينما عنزة جلوس في أنديتهم وبيوتهم إذا بفارس قد طلع عليهم على
فرس مطهم، وبيده رمح طويل، فصرخ فيهم بأعلى صوته يا معاشر عنزة قد جاء الموت الزؤام
(1) عساكر الدولة العثمانية تجبهت عليكم بخيلها ورجلها، وها هم على أثري مقبلون
فارحلوا وما أظنكم تنجون منهم. فألقى الله عليهم الخوف والذل حتى أن الرجل يترك بعض
متاع بيته استعجالا بالرحيل، فلم تمض ساعة حتى ارتحلوا بأجمعهم وتوجهوا نحو البر
فقلت له: صف لي الفارس فوصف لي وإذا هو صاحبنا بعينه، وهو الفارس الذي جاءنا والحمد
لله رب العالمين، والصلاة على محمد وآله الطاهرين حرره الأقل ميرزا صالح الحسيني.
(1) الزؤام من الموت: الكريه أو المجهز
السريع.
[291]
قلت: وهذه الحكاية سمعتها شفاها منه أعلى
الله مقامه، ولم يكن هذه الكرامات منه ببعيدة، فانه ورث العلم والعمل من عمه الأجل
الأكمل السيد باقر القزويني خاصة السيد الأعظم، والطود الأشيم، بحر العلوم أعلى
الله تعالى درجتهم، وكان عمه أدبه ورباه وأطلعه على الخفايا والأسرار، حتى بلغ
مقاما لا يحوم حوله الأفكار، وحاز من الفضائل والخصائص ما لم يجتمع في غيره من
العلماء الأبرار. منها أنه بعد ما هاجر إلى الحلة واستقر فيها وشرع في هداية الناس
وإيضاح الحق وإبطال الباطل، صار ببركة دعوته من داخل الحلة وأطرافها من الأعراب
قريبا من مائة ألف نفس شيعيا إماميا مخلصا مواليا لأولياء الله، ومعاديا لأعداء
الله. بل حدثني طاب ثراه أنه لما ورد الحلة لم يكن في الذين يدعون التشيع من علائم
الإمامية وشعارهم، إلا حمل موتاهم إلى النجف الأشرف، ولا يعرفون من أحكامهم شيئا
حتى البراءة من أعداء الله، وصاروا بهدايته صلحاء أبرار أتقياء وهذه منقبة عظيمة
اختص بها من بين من تقدم عليه وتأخر. ومنها الكمالات النفسانية من الصبر والتقوى،
وتحمل أعباء العبادة، و سكون النفس، ودوام الاشتغال بذكر الله تعالى، وكان رحمه
الله لا يسأل في بيته عن أحد من أهله وأولاده ما يحتاج إليه من الغداء والعشاء
والقهوة والغليان وغيرها عند وقتها، ولا يأمر عبيده وإماءه بشئ منها، ولولا
التفاتهم ومواظبتهم لكان يمر عليه اليوم والليلة من غير أن يتناول شيئا منها مع ما
كان عليه من التمكن والثروة والسلطنة الظاهرة، وكان يجيب الدعوة، ويحضر الولائم
والضيافات، لكن يحمل معه كتبا ويقعد في ناحية، ويشتغل بالتأليف، ولا خبر له عما فيه
القوم، ولا يخوض معهم في حديثهم إلا أن يسأل عن أمر ديني فيجيبهم. وكان دأبه في شهر
الصيام أن يصلي المغرب في المسجد ويجتمع الناس، ويصلي بعده النوافل المرتبة في شهر
رمضان، ثم يأتي منزله ويفطر ويرجع ويصلي العشاء
[292]
بالناس، ثم يصلي نوافلها المرتبة، ثم يأتي
منزله والناس معه على كثرتهم فلما اجتمعوا واستقروا، شرع واحد من القراء فيتلو بصوت
حسن رفيع آيات من كتاب الله في التحذير والترغيب، والموعظة، مما يذوب منه الصخر
الأصم ويرق القلوب القاسية، ثم يقرء آخرا خطبة من مواعظ نهج البلاغة، ثم يقرء آخرا
تعزية أبي عبد الله عليه السلام ثم يشرع أحد من الصلحاء في قراءة أدعية شهر رمضان
ويتابعه الآخرون إلى أن يجئ وقت السحور، فيتفرقون ويذهب كل إلى مستقره. وبالجملة
فقد كان في المراقبة، ومواظبة الأوقات والنوافل والسنن والقراءة مع كونه طاعنا في
السن آية في عصره، وقد كنا معه في طريق الحج ذهابا وإيابا وصلينا معه في مسجد
الغدير، والجحفة، وتوفي رحمه الله الثاني عشر من ربيع الأول سنة 1300 قبل الوصول
إلى سماوة، بخمس فراسخ تقريبا، وقد ظهر منه حين وفاته من قوة الإيمان والطمأنينة
والإقبال وصدق اليقين ما يقضي منه العجب، وظهر منه حينئذ كرامة باهرة بمحضر من
جماعة، من الموافق والمخالف ليس هنا مقام ذكرها. ومنها التصانيف الرائقة الكثيرة،
في الفقه والاصول والتوحيد والكلام وغيرها، ومنها كتاب في إثبات كون الفرقة الناجية
فرقة الامامية أحسن ما كتب في هذا الباب، طوبى له وحسن مآب. الحكاية السابعة
والاربعون حدثني العالم الجليل، والحبر النبيل، مجمع الفضائل والفواضل، الصفي الوفي
المولى على الرشتي طاب ثراه وكان عالما برا تقيا زاهدا حاويا لأنواع العلم بصيرا
ناقدا من تلامذة السيد السند الاستاذ الأعظم دام ظله، ولما طال شكوى أهل الأرض،
حدود فارس ومن والاه إليه من عدم وجود عالم عامل كامل نافذ الحكم فيهم أرسله إليهم
عاش فيهم سعيدا ومات هناك حميدا رحمه الله، وقد صاحبته مدة
[293]
سفرا وحضرا ولم أجد في خلقه وفضله نظيرا
إلا يسيرا. قال: رجعت مرة من زيارة أبي عبد الله عليه السلام عازما للنجف الأشرف من
طريق الفرات، فلما ركبنا في بعض السفن الصغار التي كانت بين كربلا وطويرج، رأيت
أهلها من أهل حلة، ومن طويرج تفترق طريق الحلة والنجف، واشتغل الجماعة باللهو
واللعب والمزاح، رأيت واحدا منهم لا يدخل في عملهم، عليه آثار السكينة والوقار لا
يمازح ولا يضاحك، وكانوا يعيبون على مذهبه ويقدحون فيه، ومع ذلك كان شريكا في أكلهم
وشربهم، فتعجبت منه إلى أن وصلنا إلى محل كان الماء قليلا فأخرجنا صاحب السفينة
فكنا نمشي على شاطئ النهر. فاتفق اجتماعي مع هذا الرجل في الطريق، فسألته عن سبب
مجانبته عن أصحابه، وذمهم إياه، وقدحهم فيه، فقال: هؤلاء من أقاربي من أهل السنة،
وأبي منهم وامي من أهل الايمان، وكنت أيضا منهم، ولكن الله من علي بالتشيع ببركة
الحجة صاحب الزمان عليه السلام، فسألت عن كيفية إيمانه، فقال: اسمي ياقوت وأنا أبيع
الدهن عند جسر الحلة، فخرجت في بعض السنين لجلب الدهن، من أهل البراري خارج الحلة،
فبعدت عنها بمراحل، إلى أن قضيت وطري من شراء ما كنت اريده منه، وحملته على حماري
ورجعت مع جماعة من أهل الحلة، ونزلنا في بعض المنازل ونمنا وانتبهت فما رأيت أحدا
منهم وقد ذهبوا جميعا وكان طريقنا في برية قفر، ذات سباع كثيرة، ليس في أطرافها
معمورة إلا بعد فراسخ كثيرة. فقمت وجعلت الحمل على الحمار، ومشيت خلفهم فضل عني
الطريق، وبقيت متحيرا خائفا من السباع والعطش في يومه، فأخذت أستغيث بالخلفاء
والمشايخ وأسألهم الاعانة وجعلتهم شفعاء عند الله تعالى وتضرعت كثيرا فلم يظهر منهم
شئ فقلت في نفسي: إني سمعت من امي أنها كانت تقول: إن لنا إماما حيا يكنى أبا صالح
يرشد الضال، ويغيث الملهوف، ويعين الضعيف، فعاهدت الله تعالى إن استغثت به فأغاثني،
أن أدخل في دين امي. فناديته واستغثت به، فإذا بشخص في جنبي، وهو يمشي معي وعليه
عمامة
[294]
خضراء قال رحمه الله: وأشار حينئذ إلى
نبات حافة النهر، وقال: كانت خضرتها مثل خضرة هذا النبات. ثم دلني على الطريق
وأمرني بالدخول في دين امي، (1) وذكر كلمات نسيتها، وقال: ستصل عن قريب إلى قرية
أهلها جميعا من الشيعة، قال: فقلت: يا سيدي أنت لا تجيئ معي إلى هذه القرية، فقال
ما معناه: لا، لأنه استغاث بي ألف نفس في أطراف البلاد اريد أن اغيثهم، ثم غاب عني،
فما مشيت إلا قليلا حتى وصلت إلى القرية، وكان في مسافة بعيدة، ووصل الجماعة إليها
بعدي بيوم فلما دخلت الحلة ذهبت إلى سيد الفقهاء السيد مهدي القزويني طاب ثراه،
وذكرت له القصة، فعلمني معالم ديني، فسألت عنه عملا أتوصل به إلى لقائه عليه السلام
مرة اخرى فقال: زر أبا عبد الله عليه السلام أربعين ليلة الجمعة، قال: فكنت أزوره
من الحلة في ليالي الجمع إلى أن بقي واحدة فذهبت من الحلة في يوم الخميس، فلما وصلت
إلى باب البلد، فإذا جماعة من أعوان الظلمة يطالبون الواردين التذكرة، وما كان عندي
تذكرة ولا قيمتها، فبقيت متحيرا والناس متزاحمون على الباب فأردت مرارا أن أتخفى
وأجوز عنهم، فما تيسر لي، وإذا بصاحبي صاحب الأمر عليه السلام في زي لباس طلبة
الأعاجم عليه عمامة بيضاء في داخل البلد، فلما رأيته استغثت به فخرج وأخذني معه،
وأدخلني من الباب فما رآني أحد فلما دخلت البلد افتقدته من بين الناس، وبقيت متحيرا
على فراقه عليه السلام، وقد ذهب عن خاطري بعض ما كان في تلك الحكاية. الحكاية
الثامنة والاربعون حدثني العالم الجليل، والمولى النبيل العدل الثقة الرضي المرضي
الآميرزا إسماعيل السلماسي وهو من أوثق أهل العلم والفضل وأئمة الجماعة في مشهد
الكاظم عليه السلام عن والده العالم العليم المتقدم ذكره المولى زين العابدين
السلماسي
(1) في الاصل المطبوع: " ثم دله على
الطريق وأمره بالدخول في دين امه " الخ وأظنه تصحيفا.
[295]
أو عن أخيه الثقة الصالح الأكبر منه في
السن الآميرزا محمد باقر رحمه الله قال سلمه الله والترديد لتطاول الزمان لأن سماعي
لهذه الحكاية يقرب من خمسين سنة قال: قال والدي: مما ذكر من الكرامات للأئمة
الطاهرين عليهم السلام في سر من رأى في المائة الثانية، والظاهر أنه أواخر المائة
أو في أوائل المائة الثالثة بعد الألف من الهجرة أنه جاء رجل من الأعاجم إلى زيارة
العسكريين عليهما السلام وذلك في زمن الصيف وشدة الحر، وقد قصد الزيارة في وقت كان
الكليد دار في الرواق ومغلقا أبواب الحرم، ومتهيئا للنوم، عند الشباك الغربي. فلما
أحس بمجيئ الزوار، فتح الباب وأراد أن يزوره فقال له الزائر: خذ هذا الدينار
واتركني حتى أزور بتوجه وحضور فامتنع المزور وقال: لا أخرم القاعدة فدفع إليه
الدينار الثاني والثالث فلما رأى المزور كثرة الدنانير ازداد امتناعا ومنع الزائر
من الدخول إلى الحرم الشريف ورد إليه الدنانير. فتوجه الزائر إلى الحرم وقال
بانكسار: بأبي أنتما وأمي أردت زيارتكما بخضوع وخشوع، وقد اطلعتما على منعه إياي،
فأخرجه المزور، وغلق الأبواب ظنا منه أنه يرجع إليه ويعطيه بكل ما يقدر عليه، وتوجه
إلى الطرف الشرقي قاصدا السلوك إلى الشباك الذي في الطرف الغربي. فلما وصل إلى
الركن وأراد الانحراف إلى طرف الشباك، رأى ثلاثة أشخاص مقبلين صافين إلا أن أحدهم
متقدم على الذي في جنبه بيسير وكذا الثاني ممن يليه، وكان الثالث هو أصغرهم وفي يده
قطعة رمح وفي رأسه سنان فبهت المزور عند رؤيتهم، فتوجه صاحب الرمح إليه وقد امتلأ
غيظا واحمرت عيناه من الغضب، وحرك الرمح مريدا طعنه قائلا: يا ملعون بن الملعون
كأنه جاء إلى دارك أو إلى زيارتك فمنعته ؟. فعند ذلك توجه إليه أكبرهم مشيرا بكفه
مانعا له قائلا: جارك ارفق بجارك فأمسك صاحب الرمح، ثم هاج غضبه ثانيا محركا للرمح
قائلا ما قاله أولا فأشار إليه الأكبر أيضا كما فعل، فأمسك صاحب الرمح.
[296]
وفي المرة الثالثة لم يشعر المزور أن سقط
مغشيا عليه، ولم يفق إلا في اليوم الثاني أو الثالث وهو في داره أتوا به أقاربه،
بعد أن فتحوا الباب عند المساء لما رأوه مغلقا، فوجدوه كذلك وهم حوله باكون فقص
عليهم ما جرى بينه وبين الزائر والأشخاص وصاح ادركوني بالماء فقد احترقت وهلكت،
فأخذوا يصبون عليه الماء، وهو يستغيث إلى أن كشفوا عن جنبه فرأوا مقدار درهم منه قد
اسود وهو يقول قد طعنني صاحب القطعة. فعند ذلك أشخصوه إلى بغداد، وعرضون على
الأطباء، فعجز الأطباء من علاجه فذهبوا به إلى البصرة وعرضوه على الطبيب الافرنجي
فتحير في علاجه لأنه جس يده (1) فما أحس بما يدل على سوء المزاج وما رأى ورما ومادة
في الموضع المذكور فقال: مبتدئا: إني أظن أن هذا الشخص قد أساء الأدب مع بعض
الأولياء فاشتد بهذا البلاء، فلما يئسوا من العلاج رجعوا به إلى بغداد فمات في
الرجوع إما في الطريق أو في بغداد والظاهر أن اسم هذا الخبيث كان حسانا. الحكاية
التاسعة والاربعون بغية المريد في الكشف عن أحوال الشهيد للشيخ الفاضل الأجل تلميذه
محمد ابن علي بن الحسن العودي قال في ضمن وقائع سفر الشهيد رحمه الله من دمشق إلى
مصر ما لفظه: واتفق له في الطريق ألطاف إلهية، وكرامات جلية حكى لنا بعضها. منها ما
أخبرني به ليلة الأربعاء عاشر ربيع الأول سنة ستين وتسعمائة أنه في الرملة مضى إلى
مسجدها المعروف بالجامع الأبيض لزيارة الأنبياء والذين في الغار وحده، فوجد الباب
مقفولا وليس في المسجد أحد، فوضع يده على القفل وجذبه فانفتح فنزل إلى الغار،
واشتغل بالصلاة والدعاء، وحصل له إقبال على الله
(1) يقال: جس الشئ يجس - بالضم - مسه بيده
ليتعرفه. والمراد أنه أخذ نبضه فلم يجد اختلالا في الدم يكون سببا لاحتراقه
والتهابه.
[297]
بحيث ذهل عن انتقال القافلة، فوجدها قد
ارتحلت، ولم يبق منها أحد فبقي متحيرا في أمره مفكرا في اللحاق مع عجزه عن المشي
وأخذ أسبابه ومخافته وأخذ يمشي على أثرها وحده فمشى حتى أعياه التعب، فلم يلحقها،
ولم يرها من البعد، فبينما هو في هذا المضيق إذ أقبل عليه رجل لاحق به وهو راكب
بغلا، فلما وصل إليه قال له: اركب خلفي فردفه ومضى كالبرق، فما كان إلا قليلا حتى
لحق به القافلة وأنزله وقال له: اذهب إلى رفقتك، ودخل هو في القافلة قال: فتحريته
مدة الطريق أني أراه ثانيا فما رأيته أصلا ولا قبل ذلك. الحكاية الخمسون قال الشيخ
الأجل الأكمل الشيخ علي ابن العالم النحرير الشيخ محمد ابن المحقق المدقق الشيخ حسن
ابن العالم الرباني الشهيد الثاني في الدر المنثور في ضمن أحوال والده الأمجد وكان
مجاورا بمكة حيا وميتا أخبرتني زوجته بنت السيد محمد بن أبي الحسن رحمه الله وأم
ولده أنه لما توفي كن يسمعن عنده تلاوة القرآن، طول تلك الليلة. ومما هو مشهور أنه
كان طائفا فجاءه رجل بورد من ورد شتاء ليست في تلك البلاد، ولا في ذلك الأوان، فقال
له: من أين أتيت ؟ فقال: من هذه الخرابات ثم أراد أن يراه بعد ذلك السؤال فلم يره.
قلت: ونقل نظيره في البحار (1) عن شيخه واستاذه السيد المؤيد الأمجد الآميرزا محمد
الاسترابادي صاحب الكتب في الرجال وآيات الأحكام وغيرها ويحتمل الاتحاد وكون الوهم
من الراوي لاتحاد الاسم والمكان والعمل، والله العالم، وهذا المقام من الشيخ
المزبور غير بعيد فقد رأينا في ظهر نسخة من شرحه على الاستبصار وكانت من متملكاته،
وكان في مواضع منها خطه وفي ظهره خط ولده المذكور ما صورته: انتقل مصنف هذا الكتاب
وهو الشيخ السعيد الحميد بقية
(1) راجع ج 52 ص 176.
[298]
العلماء الماضين وخلف الكملاء الراسخين
أعني شيخنا ومولانا ومن استفدنا من بركاته العلوم الشرعية من الحديث والفروع
والرجال وغيره، الشيخ محمد بن الشهيد الثاني من دار الغرور إلى دار السرور ليلة
الاثنين العاشر من شهر ذي القعدة الحرام سنة ألف وثلاثين من هجرة سيد المرسلين، وقد
سمعت منه قدس الله روحه قبيل انتقاله بأيام قلائل مشافهة، وهو يقول لي: إني أنتقل
في هذه الأيام، عسى الله أن يعينني عليها، وكذا سمعه غيري، وذلك في مكة المشرفة،
ودفناه برد الله مضجعه في المعلى قريبا من مزار خديجة الكبرى، حرره الفقير إلى الله
الغني حسين بن حسن العاملي المشغري عامله الله بلطفه الخفي والجلي بالنبي والولي
والصحب الوفي في التاريخ المذكور، ونقل في الدر المنثور هذه العبارة عن النسخة
المذكورة التي كانت عنده، ورزقنا الله زيارته. وفي أمل الآمل: الشيخ حسين بن الحسن
العاملي المشغري كان فاضلا صالحا جليل القدر شاعرا أديبا قرء علي. الحكاية الحادية
والخمسون ما في كتاب الدمعة الساكبة لبعض الصلحاء من المعاصرين في آخر اللمعة
الاولى، من النور السادس منه، في معجزات الحجة عليه السلام. قال: فالأولى أن يختم
الكلام، بذكر ما شاهدته في سالف الأيام، وهو أنه أصاب ثمرة فؤادي ومن انحصرت فيه
ذكور أولادي، قرة عيني علي محمد حفظه الله الفرد الصمد، مرض يزداد آنا فآنا ويشتد
فيورثني أحزانا وأشجانا إلى أن حصل للناس من برئه اليأس وكانت العلماء والطلاب
والسادات الأنجاب يدعون له بالشفاء في مظان استجابة الدعوات كمجالس التعزية وعقيب
الصلوات. فلما كانت الليلة الحادية عشرة من مرضه، اشتدت حاله وثقلت أحواله وزاد
اضطرابه، وكثر التهابه، فانقطعت بي الوسيلة، ولم يكن لنا في ذلك حيلة فالتجأت
بسيدنا القائم عجل الله ظهوره وأرانا نوره، فخرجت من عنده وأنا في
[299]
غاية الاضطراب ونهاية الالتهاب، وصعدت سطح
الدار، وليس لي قرار، وتوسلت به عليه السلام خاشعا، وانتدبت خاضعا، وناديته
متواضعا، وأقول: يا صاحب الزمان أغثني يا صاحب الزمان أدركني، متمرغا في الأرض،
ومتدحرجا في الطول والعرض، ثم نزلت ودخلت عليه، وجلست بين يديه، فرأيته مستقر
الأنفاس مطمئن الحواس قد بله العرق لا بل أصابه الغرق، فحمدت الله وشكرت نعماءه
التي تتوالى فألبسه الله تعالى لباس العافية ببركته عليه السلام. الحكاية الثانية
والخمسون العالم الفاضل السيد علي خان الحويزاوي في كتاب خير المقال عند ذكر من رأى
القائم عليه السلام قال: فمن ذلك ما حدثني به رجل من أهل الإيمان ممن أثق به أنه حج
مع جماعة على طريق الأحساء في ركب قليل، فلما رجعوا كان معهم رجل يمشي تارة ويركب
اخرى، فاتفق أنهم أولجوا في بعض المنازل أكثر من غيره ولم يتفق لذلك الرجل الركوب،
فلما نزلوا للنوم واستراحوا، ثم رحلوا من هناك لم يتنبه ذلك الرجل من شدة التعب
الذي أصابه، ولم يفتقدوه هم وبقي نائما إلى أن أيقظه حر الشمس. فلما انتبه لم ير
أحدا، فقام يمشي وهو موقن بالهلاك، فاستغاث بالمهدي عليه السلام فبينما هو كذلك،
فإذا هو برجل في زي أهل البادية، راكب ناقته، قال: فقال: يا هذا أنت منقطع بك ؟
قال: فقلت: نعم، قال: فقال: أتحب أن ألحقك برفقائك ؟ قال: قلت: هذا والله مطلوبي لا
سواه، فقرب مني وأناخ ناقته، وأردفني خلفه، ومشى فما مشينا خطا يسيرة إلا وقد
أدركنا الركب، فلما قربنا منهم أنزلني وقال: هؤلاء رفقاؤك ثم تركني وذهب.
[300]
الحكاية الثالثة والخمسون وفيه ومن ذلك ما
حدثني به رجل من أهل الايمان من أهل بلادنا، يقال له: الشيخ قاسم، وكان كثير السفر
إلى الحج قال: تعبت يوما من المشي، فنمت تحت شجرة فطال نومي ومضى عني الحاج كثيرا
فلما انتبهت علمت من الوقت أن نومي قد طال وأن الحاج بعد عني، وصرت لا أدري إلى أين
أتوجه، فمشيت على الجهة وأنا أصيح بأعلى صوتي: يا باصالح قاصدا بذلك صاحب الأمر
عليه السلام كما ذكره ابن طاوس في كتاب الأمان فيما يقال عند إضلال الطريق. فبينا
أنا أصيح كذلك وإذا براكب على ناقة وهو على زي البدو، فلما رآني قال لي: أنت منقطع
عن الحاج ؟ فقلت: نعم، فقال: اركب خلفي لالحقك بهم فركبت خلفه، فلم يكن إلا ساعة
وإذا قد أدركنا الحاج، فلما قربنا أنزلني وقال لي: امض لشأنك ! فقلت له: إن العطش
قد أضر بي فأخرج من شداده ركوة فيها ماء، وسقاني منه، فوالله إنه ألذ وأعذب ماء
شربته. ثم إني مشيت حتى دخلت الحاج والتفت إليه فلم أره، ولا رأيته في الحاج قبل
ذلك، ولا بعده، حتى رجعنا. قلت: إن الأصحاب ذكروا أمثال هذه الوقائع في باب من رآه
عليه السلام بناء منهم على أن إغاثة الملهوف كذلك في الفلوات، وصدور هذه المعجزات
والكرامات لا يتيسر لأحد إلا لخليفة الله في البريات، بل هو من مناصبه الالهية كما
يأتي في الفائدة الاولى، وأبو صالح كنيته عند عامة العرب، يكنونه به في أشعارهم،
ومراثيهم وندبهم، والظاهر أنهم أخذوه من الخبر المذكور وأنه عليه السلام المراد من
أبي صالح الذي هو مرشد الضال في الطريق، ولو نوقش في ذلك وادعي إمكان صدورها من بعض
الصلحاء والأولياء فهو أيضا يدل على المطلوب إذ لا يستغيث شيعته ومواليه عليه
السلام إلا من هو منهم، وواسطة بينهم وبين إمامهم الغائب عنهم، بل هو من رجاله
وخاصته وحواشيه وأهل خدمته، فالمضطر رأى من رآه عليه السلام.
[301]
وقال الشيخ الكفعمي، رحمه الله، في هامش
جنته عند ذكر دعاء ام داود: قيل: إن الأرض لا يخلو من القطب، وأربعة أوتاد، وأربعين
أبدالا وسبعين نجيبا وثلاثمائة وستين صالحا، فالقطب هو المهدي عليه السلام، ولا
يكون الأوتاد أقل من أربعة لأن الدنيا كالخيمة والمهدي كالعمود وتلك الأربعة
أطنابها، وقد يكون الأوتاد أكثر من أربعة، والأبدال أكثر من أربعين، والنجباء أكثر
من سبعين والصلحاء أكثر من ثلاث مائة وستين، والظاهر أن الخضر وإلياس، من الأوتاد
فهما ملاصقان لدائرة القطب. وأما صفة الأوتاد، فهم قوم لا يغفلون عن ربهم طرفة عين،
ولا يجمعون من الدنيا إلا البلاغ، ولا تصدر منهم هفوات الشر ولا يشترط فيهم العصمة
من السهو والنسيان، بل من فعل القبيح، ويشترط ذلك في القطب. وأما الأبدال فدون
هؤلاء في المراقبة، وقد تصدر منهم الغفلة فيتداركونها بالتذكر، ولا يتعمدون ذنبا.
وأما النجباء فهم دون الأبدال. وأما الصلحاء، فهم المتقون الموفون بالعدالة، وقد
يصدر منهم الذنب فيتداركونه بالاستغفار والندم، قال الله تعالى " إن الذين اتقوا
إذا مسهم طائف من الشيطان، تذكروا فإذا هم مبصرون " (1) جعلنا الله من قسم الأخير
لأنا لسنا من الأقسام الاول لكن ندين الله بحبهم وولايتهم ومن أحب قوما حشر معهم.
وقيل: إذا نقص أحد من الأوتاد الأربعة وضع بدله من الأربعين وإذا نقص أحد من
الأربعين وضع بدله من السبعين، وإذا نقص أحد من السبعين، وضع بدله من الثلاثمائة
وستين، وإذا نقص أحد من الثلاثمائة وستين، وضع بدله من سائر الناس.
(1) الاعراف: 201.
[302]
الحكاية الرابعة والخمسون حدثني العالم
الفاضل الصالح الورع في الدين الآميرزا حسين اللاهيجي المجاور للمشهد الغروي أيده
الله، وهو من الصلحاء الأتقياء، والثقة الثبت عند العلماء، قال: حدثني العالم الصفي
المولى زين العابدين السلماسي المتقدم ذكره قدس الله روحه أن السيد الجليل بحر
العلوم، أعلى الله مقامه، ورد يوما في حرم أمير المؤمنين عليه آلاف التحية والسلام،
فجعل يترنم بهذا المصرع: جه خوش است صوت قرآن * ز تو دل ربا شنيدن فسئل رحمه الله
عن سبب قراءته هذا المصرع، فقل: لما وردت في الحرم المطهر رأيت الحجة عليه السلام
جالسا عند الرأس يقرء القرآن بصوت عال، فلما سمعت صوته قرأت المصرع المزبور ولما
وردت الحرم ترك قراءة القرآن، وخرج من الحرم الشريف. الحكاية الخامسة والخمسون رأيت
في ملحقات كتاب أنيس العابدين، وهو كتاب كبير في الأدعية والأوراد ينقل عنه العلامة
المجلسي في المجلد التاسع عشر من البحار والآميرزا عبد الله تلميذه في الصحيفة
الثالثة ما لفظه: نقل عن ابن طاوس رحمه الله أنه سمع سحرا في السرداب عن صاحب الأمر
عليه السلام أنه يقول: اللهم إن شيعتنا خلقت من شعاع أنوارنا وبقية طينتنا، وقد
فعلوا ذنوبا كثيرة اتكالا على حبنا وولايتنا، فان كانت ذنوبهم بينك وبينهم فاصفح
عنهم فقد رضينا، وما كان منها فيما بينهم فأصلح بينهم وقاص بها عن خمسنا، وأدخلهم
الجنة، وزحزحهم عن النار، ولا تجمع بينهم وبين أعدائنا في سخطك. قلت: ويوجد في غير
واحد من مؤلفات جملة من المتأخرين الذين قاربنا عصرهم والمعاصرين هذه الحكاية
بعبارة تخالف العبارة الاولى وهي هكذا:
[303]
" اللهم إن شيعتنا منا خلقوا من فاضل
طينتنا، وعجنوا بماء ولايتنا اللهم اغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتكالا على حبنا
وولائنا يوم القيامة، ولا تؤاخذهم بما اقترفوه من السيئات إكراما لنا، ولا تقاصهم
يوم القيامة مقابل أعدائنا فان خففت موازينهم فثقلها بفاضل حسناتنا ". ولم نجد أحدا
منهم إلى الآن أسند هذه الحكاية إلى أحد رواها عن السيد أو رآها في واحد من كتبه،
ولا نقله العلامة المجلسي ومعاصروه ومن تقدم عليه إلى عهد السيد، ولا يوجد في شئ من
كتبه الموجودة التي لم يكن عندهم أزيد منها. نعم الموجود في أواخر المهج وقد نقله
في البحار أيضا هكذا: كنت أنا بسر من رأى، فسمعت سحرا دعاء القائم عليه السلام
فحفظت منه [من] الدعاء لمن ذكره " الأحياء والأموات (1) وأبقهم أو قال وأحيهم في
عزنا وملكنا وسلطاننا ودولتنا " وكان ذلك في ليلة الأربعاء ثالث عشر ذي القعدة سنة
ثمان وثلاثين وستمائة. وأظن وإن كان بعض الظن إثما أن ما نقلناه أولا مأخوذ من كلام
الحافظ الشيخ رجب البرسي ونقل كلماته بالمعنى فانه قال: في أواخر مشارق الأنوار بعد
نقل كلام المهج إلى قوله " ملكنا " ما لفظه: ومملكتنا وان كان شيعتهم منهم وإليهم
وعنايتهم مصروفة إليهم، فكأنه عليه السلام يقول: اللهم إن شيعتنا منا ومضافين
إلينا، وإنهم قد أساؤا وقد قصروا وأخطأوا
(1) كذا في الاصل المطبوع وهكذا المصدر ص
368، لكنه ذكر قبل ذلك دعاء عن الحجة عليه السلام ولفظه: " الهى بحق من ناجاك، وبحق
من دعاك، في البر والبحر، تفضل على فقراء المؤمنين والمؤمنات، بالغناء والثروة،
وعلى مرضى المؤمنين والمؤمنات، بالشفاء والصحة، وعلى أحياء المؤمنين والمؤمنات،
باللطف والكرم، وعلى أموات المؤمنين والمؤمنات، بالمغفرة والرحمة، وعلى غرباء
المؤمنين والمؤمنات بالرد إلى أوطانهم سالمين غانمين بحق محمد وآله الطاهرين "
فكأنه يريد أنه سمع ذلك الدعاء وقد زيد فيه عند ذكر أحياء المؤمنين قوله " وأحيهم
في عزنا وملكنا " الخ فتحرر.
[304]
رأونا صاحبا لهم رضا منهم، وقد تقبلنا
عنهم بذنوبهم، وتحملنا خطاياهم لأن معولهم علينا، ورجوعهم إلينا، فصرنا لاختصاصهم
بنا، واتكالهم علينا كأنا أصحاب الذنوب، إذ العبد مضاف إلى سيده، ومعول المماليك
إلى مواليهم. اللهم اغفر لهم من الذنوب ما فعلوه اتكالا على حبنا وطمعا في ولايتنا
وتعويلا على شفاعتنا، ولا تفضحهم بالسيئات عند أعدائنا، وولنا أمرهم في الآخرة كما
وليتنا أمرهم في الدنيا، وإن أحبطت أعمالهم، فثقل موازينهم بولايتنا، وارفع درجاتهم
بمحبتنا. انتهى. وهذه الكلمات كما ترى من تلفيقاته شرحا لكلمات الإمام عليه السلام
تقارب العبارة الشائعة، وعصره قريب من عصر السيد، وحرصه على ضبط مثل هذه الكلمات
أشد من غيره، فهو أحق بنقلها من غيره لو صحت الرواية وصدقت النسبة وإن لم يكن بعيدا
من مقام السيد بعد كلام مهجه، بل له في كتاب كشف المحجة كلمات تنبئ عن أمر عظيم
ومقام كريم: منها قوله: واعلم يا ولدي محمد ألهمك الله ما يريده منك، ويرضى به عنك
أن غيبة مولانا المهدي صلوات الله عليه التي تحيرت المخالف وبعض المؤالف هي من جملة
الحجج على ثبوت إمامته، وإمامة آبائه الطاهرين صلوات الله على جده محمد وعليهم
أجمعين لأنك إذا وقفت على كتب الشيعة وغيرهم، مثل كتاب الغيبة لابن بابويه، وكتاب
الغيبة للنعماني ومثل كتاب الشفاء والجلاء، ومثل كتاب أبي نعيم الحافظ في أخبار
المهدي ونعوته وحقيقة مخرجه وثبوته، والكتب التي أشرت إليها في الطوائف، وجدتها أو
أكثرها تضمنت قبل ولادته أنه يغيب عليه السلام غيبة طويلة، حتى يرجع عن إمامته بعض
من كان يقول بها، فلو لم يغب هذه الغيبة، كان طعنا في إمامة آبائه وفيه، فصارت
الغيبة حجة لهم عليهم السلام وحجة له على مخالفيه في ثبوت إمامته، وصحة غيبته، مع
أنه عليه السلام حاضر مع الله على اليقين، وإنما غاب من لم يلقه عنهم لغيبتهم عن
حضرة المتابعة له ولرب العالمين. ومنها قوله فيه: وان أدركت يا ولدي موافقة توفيقك
لكشف الأسرار عليك
[305]
عرفتك من حديث المهدي صلوات الله عليه ما
لا يشتبه عليك، وتستغني بذلك عن الحجج المعقولات ومن الروايات فانه صلى الله عليه
وآله حي موجود على التحقيق، ومعذور عن كشف أمره إلى أن يأذن له تدبير الله الرحيم
الشفيق، كما جرت عليه عادة كثير من الأنبياء والأوصياء، فاعلم ذلك يقينا واجعله
عقيدة ودينا، فان أباك عرفه أبلغ من معرفة ضياء شمس السماء. ومنها قوله: واعلم يا
ولدي محمد زين الله جل جلاله سرائرك وظواهرك بموالاة أوليائه ومعاداة أعدائه أنني
كنت لما بلغتني ولادتك بمشهد الحسين عليه السلام في زيارة عاشورا قمت بين يدي الله
جل جلاله مقام الذل والانكسار والشكر لما رأفني به من ولادتك من المسار والمبار،
وجعلتك بأمر الله جل جلاله عبد مولانا المهدي عليه السلام ومتعلقا عليه، وقد احتجنا
كم مرة عند حوادث حدث لك إليه ورأيناه في عدة مقامات في مناجات، وقد تولى قضاء
حوائجك بانعام عظيم في حقنا وحقك لا يبلغ وصفي إليه. فكن في موالاته والوفاء له،
وتعلق الخاطر به على قدر مراد الله جل جلاله و مراد رسوله ومراد آبائه عليهم السلام
ومراده عليه السلام منك، وقدم حوائجه على حوائجك عند صلاة الحاجات، والصدقه عنه قبل
الصدقة عنك وعمن يعز عليك، والدعاء له قبل الدعاء لك، وقدمه عليه السلام في كل خير
يكون وفاء له، ومقتضيا لاقباله عليك وإحسانه إليك، واعرض حاجاتك عليه كل يوم
الاثنين ويوم الخميس، من كل اسبوع بما يجب له من أدب الخضوع. ومنها قوله بعد تعليم
ولده كيفية عرض الحاجة إليه عليه السلام: واذكر له أن أبا قد ذكر لك أنه أوصى به
إليك، وجعلك باذن الله جل جلاله عبده، وأنني علقتك عليه فانه يأتيك جوابه صلوات
الله وسلامه عليه. ومما أقول لك يا ولدي محمد ملأ الله جل جلاله عقلك وقلبك من
التصديق لأهل الصدق، والتوفيق في معرفة الحق: أن طريق تعريف الله جل جلاله لك بجواب
مولانا المهدي صلوات الله وسلامه عليه على قدرته جل جلاله ورحمته:
[306]
فمن ذلك ما رواه محمد بن يعقوب الكليني في
كتاب الوسائل عمن سماه قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أن الرجل يحب أن يفضي
إلى إمامه ما يحب أن يفضي به إلى ربه قال: فكتب إن كانت لك حاجة فحرك شفتيك فان
الجواب يأتيك. ومن ذلك ما رواه هبة الله بن سعيد الراوندي في كتاب الخرائج عن محمد
بن الفرج قال: قال لي علي بن محمد عليهما السلام: إذا أردت أن تسأل مسألة فاكتبها،
وضع الكتاب تحت مصلاك، ودعه ساعة ثم أخرجه وانظر فيه، قال: ففعلت فوجدت ما سألته
عنه موقعا فيه، وقد اقتصرت لك على هذا التنبيه، والطريق مفتوحة إلى إمامك لمن يريد
الله جل جلاله عنايته به، وتمام إحسانه إليه. ومنها قوله في آخر الكتاب: ثم ما
أوردناه بالله جل جلاله من هذه الرسالة ثم عرضناه على قبول واهبه صاحب الجلالة
نائبه عليه السلام في النبوة والرسالة، وورد الجواب في المنام، بما يقتضي حصول
القبول والانعام، والوصية بأمرك، والوعد ببرك وارتفاع قدرك انتهى. وعليك بالتأمل في
هذه الكلمات، التي تفتح لك أبوابا من الخير والسعادات ويظهر منها عدم استبعاد كل ما
ينسب إليه من هذا الباب، والله الموفق لكل خير وثواب. الحكاية السادسة والخمسون قال
العالم الفاضل المتبحر النبيل الصمداني الحاج المولى رضا الهمداني في المفتاح الأول
من الباب الثالث من كتاب مفتاح النبوة في جملة كلام له في أن الحجة عليه السلام قد
يظهر نفسه المقدسة لبعض خواص الشيعة: أنه عليه السلام قد أظهر نفسه الشريفة قبل هذا
بخمسين سنة لواحد من العلماء المتقين المولى عبد الرحيم الدماوندي الذي ليس لأحد
كلام في صلاحه وسداده. قال: وقال هذا العالم في كتابه: إني رأيته عليه السلام في
داري في ليلة مظلمة جدا بحيث لا تبصر العين شيئا واقفا في جهة القبلة وكان النور
يسطع من وجهه المبارك حتى أني كنت أرى نقوش الفراش بهذا النور.
[307]
الحكاية السابعة والخمسون في كتاب
المقامات للعالم الجليل المحدث السيد نعمة الله الجزائري حكاية اخرى: حدثني رجل من
أوثق إخواني في شوشتر في دارنا القريبة من المسجد الأعظم قال: لما كنا في بحور
الهند تعاطينا عجائب البحر، فحكى لنا رجل من الثقات قال: روى من أعتمد عليه أنه كان
منزله في بلد على ساحل البحر، وكان بينهم وبين جزيرة من جزائر البحر مسير يوم أو
أقل، وفي تلك الجزيرة مياههم وحطبهم وثمارهم، وما يحتاجون إليه، فاتفق أنهم على
عادتهم ركبوا في سفينة قاصدين تلك الجزيرة، وحملوا معهم زاد يوم. فلما توسطوا
البحر، أتاهم ريح عدلهم عن ذلك القصد، وبقوا على تلك الحالة تسعة أيام حتى أشرفوا
على الهلاك من قلة الماء والطعام، ثم إن الهوى رماهم في ذلك اليوم على جزيرة في
البحر، فخرجوا إليها وكان فيها المياه العذبة والثمار الحلوة، وأنواع الشجر، فبقوا
فيها نهارا ثم حملوا منها ما يحتاجون إليه وركبوا سفينتهم، ودفعوا. فلما بعدوا عن
الساحل، نظروا إلى رجل منهم بقي في الجزيرة فناداهم ولم يتمكنوا من الرجوع فرأوه قد
شد حزمة حطب، ووضعها تحت صدره، وضرب البحر عليها قاصدا لحوق السفينة، فحال الليل
بينهم وبينه وبقي في البحر. وأما أهل السفينة، فما وصلوا إلا بعد مضي أشهر، فلما
بلغوا أهلهم أخبروا أهل ذلك الرجل فأقاموا مأتمه، فبقوا على ذلك عاما أو أكثر، ثم
رأوا أن ذلك الرجل قدم إلى أهله، فتباشروا به، وجاء إليه أصحابه فقص عليهم قصته.
فقال: لما حال الليل بيني وبينكم بقيت تقلبني الأمواج وأنا على الحزمة يومين حتى
أوقعتني على جبل في الساحل، فتعلقت بصخرة منه، ولم اطق الصعود إلى جوفه لارتفاعه،
فبقيت في الماء وما شعرت إلا بأفعى عظيمة، أطول من المنار
[308]
وأغلظ منها، فوقعت على ذلك الجبل، ومدت
رأسها تصطاد الحيتان من الماء فوق رأسي فأيقنت بالهلاك وتضرعت إلى الله تعالى فرأيت
عقربا يدب على ظهر الأفعى فلما وصل إلى دماغها لسعتها بابرته، فإذا لحمها قد تناثر
عن عظامها، وبقي عظم ظهرها وأضلاعها كالسلم العظيم الذي له مراقي يسهل الصعود
عليها. قال: فرقيت على تلك الأضلاع حتى خرجت إلى الجزيرة شاكرا لله تعالى على ما
صنع فمشيت في تلك الجزيرة إلى قريب العصر، فرأيت منازل حسنة مرتفعة البنيان إلا
أنها خالية لكن فيها آثار الانس. قال: فاستترت في موضع منها فلما صار العصر رأيت
عبيدا وخدما كل واحد منهم على بغل فنزلوا وفرشوا فرشا نظيفة، وشرعوا في تهيئة
الطعام، وطبخه، فلما فرغوا منه رأيت فرسانا مقبلين، عليهم ثياب بيض، وخضر، ويلوح من
وجوههم الأنوار فنزلوا وقدم إليهم الطعام. فلما شرعوا في الأكل قال أحسنهم هيئة،
وأعلاهم نورا: ارفعوا حصة من هذا الطعام لرجل غائب، فلما فرغوا ناداني يا فلان بن
فلان أقبل فعجبت منه فأتيت إليهم، ورحبوا بي فأكلت ذلك الطعام، وما تحققت إلا أنه
من طعام الجنة فلما صار النهار ركبوا بأجمعهم، وقالوا لي: انتظر هنا، فرجعوا وقت
العصر وبقيت معهم أياما فقال لي يوما ذلك الرجل الأنور: إن شئت الاقامة معنا في هذه
الجزيرة أقمت، وإن شئت المضي إلى أهلك، أرسلنا إلى معك من يبلغك بلدك. فاخترت على
شقاوتي بلادي فلما دخل الليل أمر لي بمركب وأرسل معي عبدا من عبيده، فسرنا ساعة من
الليل وأنا أعلم أن بيني وبين أهلي مسيرة أشهر وأيام، فما مضى من الليل قليل منه
إلا وقد سمعنا نبيح الكلاب، فقال لي ذلك الغلام: هذا نبيح كلابكم، فما شعرت إلا
وأنا واقف على باب داري فقال: هذه دارك انزل إليها. فلما نزلت، قال لي: قد خسرت
الدنيا والآخرة، ذلك الرجل صاحب
[309]
الدار عليه السلام فالتفت إلى الغلام فلم
أره. وأنا في هذا الوقت بينكم نادما على ما فرطت. هذه حكايتي. وأمثال هذه الغرائب
كثيرة لا نطول الكلام بها. قلت: قد ذكرنا حكاية عن كتاب نور العيون (1) تقرب من هذه
إلا أن بينهما اختلاف كثير، والله العالم بالاتحاد والتعدد. الحكاية الثامنة
والخمسون حدثني جماعة من الأتقياء الأبرار، منهم السيد السند، والحبر المعتمد
العالم العامل والفقيه النبيه، الكامل المؤيد المسدد السيد محمد ابن العالم الأوحد
السيد أحمد ابن العالم الجليل، والحبر المتوحد النبيل، السيد حيدر الكاظمي أيده
الله تعالى وهو من أجلاء تلامذة المحقق الاستاذ الأعظم الأنصاري طاب ثراه وأحد
أعيان أتقياء بلد الكاظمين عليهما السلام وملاذ الطلاب والزوار والمجاورين، وهو
وإخوته وآباؤه أهل بيت جليل، معروفون في العراق بالصلاح والسداد، والعلم والفضل
والتقوى، يعرفون ببيت السيد حيدر جده سلمه الله تعالى. قال فيما كتبه إلي وحدثني به
شفاها أيضا: قال محمد بن أحمد بن حيدر الحسني الحسيني: لما كنت مجاورا في النجف
الأشرف لأجل تحصيل العلوم الدينية وذلك في حدود السنة الخامسة والسبعين بعد
المائتين والألف من الهجرة النبوية كنت أسمع جماعة من أهل العلم وغيرهم من أهل
الديانة، يصفون رجلا يبيع البقل وشبهه أنه رأى مولانا الامام المنتظر سلام الله
عليه، فطلبت معرفة شخصه حتى عرفته، فوجدته رجلا صالحا متدينا وكنت احب الاجتماع
معه، في مكان خال لأستفهم منه كيفية رؤيته مولانا الحجة روحي فداه، فصرت كثيرا ما
اسلم عليه وأشتري منه مما يتغاطى ببيعه، حتى صار بيني وبينه نوع مودة، كل ذلك مقدمة
لتعرف خبره المرغوب في سماعه عندي حتى اتفق لي أني توجهت إلى مسجد السهلة للاستجارة
فيه، والصلاة والدعاء في مقاماته الشريفة ليلة الأربعاء.
(1) راجع ص 259: الحكاية التاسعة
والعشرين، والظاهر بل المسلم اتحادهما.
[310]
فلما وصلت إلى باب المسجد رأيت الرجل
المذكور على الباب، فاغتنمت الفرصة وكلفته المقام معي تلك الليلة، فأقام معي حتى
فرغنا من العمل الموظف في مسجد سهيل وتوجهنا إلى المسجد الأعظم مسجد الكوفة على
القاعدة المتعارفة في ذلك الزمان، حيث لم يكن في مسجد السهلة معظم الاضافات الجديدة
من الخدام والمساكن. فلما وصلنا إلى المسجد الشريف، واستقر بنا المقام، وعملنا بعض
الأعمال الموظفة فيه، سألته عن خبره والتمست منه أن يحدثني بالقصة تفصيلا، فقال ما
معناه: إني كنت كثيرا ما أسمع من أهل المعرفة والديانة أن من لازم عمل الاستجارة في
مسجد السهلة أربعين ليلة أربعاء متوالية، بنية رؤية الامام المنتظر عليه السلام وفق
لرؤيته، وأن ذلك قد جربت مرارا فاشتاقت نفسي إلى ذلك، ونويت ملازمة عمل الاستجارة
في كل ليلة أربعاء، ولم يمنعني من ذلك شدة حر ولا برد، ولا مطر ولا غير ذلك، حتى
مضى لي ما يقرب من مدة سنة، وأنا ملازم لعمل الاستجارة وأبات (1) في مسجد الكوفة
على القاعدة المتعارفة. ثم إني خرجت عشية يوم الثلثاء ماشيا على عادتي وكان الزمان
شتاء، وكانت تلك العشية مظلمة جدا لتراكم الغيوم مع قليل مطر، فتوجهت إلى المسجد
وأنا مطمئن بمجيئ الناس على العادة المستمرة، حتى وصلت إلى المسجد، وقد غربت الشمس
واشتد الظلام وكثر الرعد والبرق، فاشتد بي الخوف وأخذني الرعب من الوحدة لأني لم
اصادف في المسجد الشريف أحدا أصلا حتى أن الخادم المقرر للمجيئ ليلة الأربعاء لم
يجئ تلك الليلة. فاستوحشت لذلك للغاية ثم قلت في نفسي: ينبغي أن اصلي المغرب وأعمل
عمل الاستجارة عجاله، وأمضي إلى مسجد الكوفة فصبرت نفسي، وقمت إلى
(1) قال الفيروز آبادي: بات يفعل كذا يبيت
ويبات بيتا ومبيتا وبيتوتة: أي يفعله ليلا وليس من النوم، ومن أدركه الليل فقد بات.
[311]
صلاة المغرب فصليتها، ثم توجهت لعمل
الاستجارة، وصلاتها ودعائها، وكنت أحفظه. فبينما أنا في صلاة الاستجارة إذ حانت مني
التفاتة إلى المقام الشريف المعروف بمقام صاحب الزمان عليه السلام، وهو في قبلة
مكان مصلاي، فرأيت فيه ضياء كاملا وسمعت فيه قراءة مصل فطابت نفسي، وحصل كمال الأمن
والاطمينان، وظننت أن في المقام الشريف بعض الزوار، وأنا لم أطلع عليهم وقت قدومي
إلى المسجد فأكملت عمل الاستجارة، وأنا مطمئن القلب. ثم توجهت نحو المقام الشريف
ودخلته، فرأيت فيه ضياء عظيما لكني لم أر بعيني سراجا ولكني في غفلة عن التفكر في
ذلك، ورأيت فيه سيدا جليلا مهابا بصورة أهل العلم، وهو قائم يصلي فارتاحت نفسي
إليه، وأنا أظن أنه من الزوار الغرباء لأني تأملته في الجملة فعلمت أنه من سكنة
النجف الأشرف. فشرعت في زيارة مولانا الحجة سلام الله عليه عملا بوظيفة المقام،
وصليت صلاة الزيارة، فلما فرغت أردت اكلمه في المضي إلى مسجد الكوفة، فهبته
وأكبرته، وأنا أنظر إلى خارج المقام، فأرى شدة الظلام، وأسمع صوت الرعد والمطر،
فالتفت إلي بوجهه الكريم برأفة وابتسام، وقال لي: تحب أن تمضي إلى مسجد الكوفة ؟
فقلت: نعم يا سيدنا عادتنا أهل النجف إذا تشرفنا بعمل هذا المسجد نمضي إلى مسجد
الكوفة، ونبات فيه، لأن فيه سكانا وخداما وماء. فقام، وقال: قم بنا نمضي إلى مسجد
الكوفة، فخرجت معه وأنا مسرور به وبحسن صحبته فمشينا في ضياء وحسن هواء وأرض يابسة
لا تعلق بالرجل وأنا غافل عن حال المطر والظلام الذي كنت أراه، حتى وصلنا إلى باب
المسجد وهو روحي فداه معي وأنا في غاية السرور والأمن بصحبته، ولم أر ظلاما ولا
مطرا. فطرقت باب الخارجة عن المسجد، وكانت مغلقة فأجابني الخادم من الطارق ؟ فقلت:
افتح الباب، فقال: من أين أقبلت في هذه الظلمة والمطر الشديد ؟ فقلت: من مسجد
السهلة، فلما فتح الخادم الباب التفت إلى ذلك السيد الجليل فلم أره وإذا
[312]
بالدنيا مظلمة للغاية، وأصابني المطر
فجعلت انادي يا سيدنا يا مولانا تفضل فقد فتحت الباب، ورجعت إلى ورائي أتفحص عنه
وانادي فلم أر أحدا أصلا وأضر بي الهواء والمطر والبرد في ذلك الزمان القليل. فدخلت
المسجد وانتبهت من غفلتي وكأني كنت نائما فاستيقظت وجعلت ألوم نفسي على عدم التنبه
لما كنت أرى من الآيات الباهرة، وأتذكر ما شاهدته وأنا غافل من كراماته: من الضياء
العظيم في المقام الشريف مع أني لم أر سراجا ولو كان في ذلك المقام عشرون سراجا لما
وفي بذلك الضياء وذكرت أن ذلك السيد الجليل سماني باسمي مع أني لم أعرفه ولم أره
قبل ذلك. وتذكرت أني لما كنت في المقام كنت أنظر إلى فضاء المسجد، فأرى الظلام
الشديد، وأسمع صوت المطر والرعد، وإني لما خرجت من المقام مصاحبا له سلام الله
عليه، كنت أمشي في ضياء بحيث أرى موضع قدمي، والأرض يابسة والهواء عذب، حتى وصلنا
إلى باب المسجد، ومنذ فارقني شاهدت الظلمة والمطر وصعوبة الهواء، إلى غير ذلك من
الامور العجيبة، التي أفادتني اليقين بأنه الحجة صاحب الزمان عليه السلام الذي كنت
أتمنى من فضل الله التشرف برؤيته، وتحملت مشاق عمل الاستجارة عند قوة الحر والبرد
لمطالعة حضرته سلام الله عليه فشكرت الله تعالى شأنه، والحمد لله. الحكاية التاسعة
والخمسون وقال أدام الله أيام سعادته في كتابه إلي: حكاية اخرى اتفقت لي أيضا وهي
أني منذ سنين متطاولة كنت أسمع بعض أهل الديانة والوثاقة يصفون رجلا من كسبة أهل
بغداد أنه رأى مولانا الإمام المنتظر سلام الله عليه، وكنت أعرف ذلك الرجل، وبيني
وبينه مودة، وهو ثقة عدل، معروف بأداء الحقوق المالية، وكنت احب أن أسأله بيني
وبينه، لأنه بلغني أنه يخفي حديثه ولا يبديه إلا لبعض الخواص ممن يأمن إذاعته خشية
الاشتهار، فيهزأ به من ينكر ولادة المهدي وغيبته
[313]
أو ينسبه العوام إلى الفخر وتنزيه النفس،
وحيث إن هذا الرجل في الحياة لا احب أن اصرح باسمه خشية كراهته (1). وبالجملة فاني
في هذه المدة كنت احب أن أسمع منه ذلك تفصيلا حتى اتفق لي أني حضرت تشييع جنازة من
أهل بغداد في أواسط شهر شعبان من هذه السنة، وهي سنة اثنتين وثلاثمائة بعد الألف من
الهجرة النبوية الشريفة في حضرة الامامين: مولانا موسى بن جعفر وسيدنا محمد بن علي
الجواد سلام الله عليهما وكان الرجل المزبور في جملة المشيعين، فذكرت ما بلغني من
قصته، ودعوته وجلسنا في الرواق الشريف، عند باب الشباك النافذ إلى قبة مولانا
الجواد عليه السلام، فكلفته بأن يحدثني بالقصة، فقال ما معناه:
(1) ومن عجيب الاتفاق أنى لما اشتغلت
بتأليف هذه الرسالة صادف أيام الزيارة المخصوصة فخرجت من سامراء ولما دخلت بلد
الكاظمين عليهما السلام نزلت على جنابه سلمه الله فسألته عما عنده من تلك الوقائع،
فحدثني بهذه الحكاية. فسألته أن يكتب إلى فقال اني سمعتها منذ سنين ولعله سقط عنى
منها شئ وصاحبها موجود نسأله مرة أخرى حتى نكتبها كما هي الا أن لقائي أياه صعب جدا
فانه منذ اتفقت له هذه القصة قليل الانس بالناس إذا جاء من بغداد للزيارة يدخل
الحرم ويزور ويقضى وطره ويرجع إلى بغداد ولا يطلع عليه أحد فيتفق أنى لا أراه في
السنة الا مرة أو مرتين في الطريق. فقلت له سلمه الله: انى أزور المشهد الغروى
وأرجع إلى آخر الشهر ونرجو من الله أن يتفق لقاؤكم اياه في هذه المدة. ثم قمت من
عنده ودخلت منزلي فدخل على سلمه الله بعد زمان قليل من هذا اليوم وقال كنت في منزلي
فجاءني شخص وقال: جاؤا بجنازة من بغداد في الصحن الشريف وينتظرونك للصلاة عليه فقمت
وذهبت معه ودخلت الصحن وصليت عليها وإذا بالمؤمن الصالح المذكور وهو فيهم، إلى آخر
ما ذكره أيده الله تعالى وهذه من بركات الحجة عليه السلام، منه رحمه الله.
[314]
إنه في سنة من سني عشرة السبعين، كان عندي
مقدار من مال الإمام عليه السلام عزمت على إيصاله إلى العلماء الأعلام في النجف
الأشرف، وكان لي طلب على تجارها فمضيت إلى زيارة أمير المؤمنين سلام الله عليه في
إحدى زياراته المخصوصة واستوفيت ما أمكنني استيفاؤه من الديون التي كانت لي وأوصلت
ذلك إلى متعددين من العلماء الأعلام من طرف الإمام عليه السلام لكن لم يف بما كان
علي منه، بل بقي علي مقدار عشرين تومانا فعزمت على إيصال ذلك إلى أحد علماء مشهد
الكاظمين. فلما رجعت إلى بغداد أحببت أداء ما بقي في ذمتي على التعجيل، ولم يكن
عندي من النقد شئ فتوجهت إلى زيارة الإمامين عليهما السلام في يوم خميس، وبعد
التشرف بالزيارة، دخلت على المجتهد دام توفيقه وأخبرته بما بقي في ذمتي من مال
الإمام عليه السلام وسألته أن يحول ذلك علي تدريجا ورجعت إلى بغداد في أواخر النهار
حيث لم يسعني لشغل كان لي، وتوجهت إلى بغداد ماشيا لعدم تمكني من كراء دابة. فلما
تجاوزت نصف الطريق رأيت سيدا جليلا مهابا متوجها إلى مشهد الكاظمين عليهما السلام
ماشيا، فسلمت عليه فرد علي السلام، وقال لي: يا فلان وذكر اسمي - لم لم تبق هذه
الليلة الشريفة ليلة الجمعة في مشهد الامامين ؟ فقلت: يا سيدنا عندي مطلب مهم منعني
من ذلك، فقال لي: ارجع معي وبت هذه الليلة الشريفة عند الامامين عليهما السلام
وارجع إلى مهمك غدا إنشاء الله. فارتاحت نفسي إلى كلامه، ورجعت معه منقادا لأمره،
ومشيت معه بجنب نهر جار تحت ظلال أشجار خضرة نضرة، متدلية على رؤوسنا، وهواء عذب،
وأنا غافل عن التفكر في ذلك، وخطر ببالي أن هذا السيد الجليل سماني باسمي مع أنه لم
أعرفه، ثم قلت في نفسي: لعله هو يعرفني وأنا ناس له. ثم قلت في نفسي: إن هذا السيد
كأنه يريد مني من حق السادة وأحببت أن اوصل إلى خدمته شيئا من مال الامام الذي
عندي، فقلت له: يا سيدنا عندي من حقكم بقية، لكن راجعت فيه جناب الشيخ الفلاني
لاؤدي حقكم باذنه
[315]
- وأنا أعني السادة - فتبسم في وجهي،
وقال: نعم، وقد أوصلت بعض حقنا إلى وكلائنا في النجف الأشرف أيضا. وجرى على لساني
أني قلت له: ما أديته مقبول ؟ فقال: نعم، ثم خطر في نفسي أن هذا السيد يقول بالنسبة
إلى العلماء الأعلام " وكلائنا " واستعظمت ذلك: ثم قلت: العلماء وكلاء على قبض حقوق
السادة وشملتني الغفلة. ثم قلت: يا سيدنا قراء تعزية الحسين عليه السلام يقرؤن
حديثا أن رجلا رأى في المنام هودجا بين السماء والأرض فسأل عمن فيه، فقيل له: فاطمة
الزهراء وخديجة الكبرى، فقال: إلى أين يريدون ؟ فقيل: زيارة الحسين عليه السلام في
هذه الليلة ليلة الجمعة، ورأى رقاعا تتساقط من الهودج، مكتوب فيها أمان من النار
لزوار الحسين عليه السلام في ليلة الجمعة، هذا الحديث صحيح ؟ فقال عليه السلام: نعم
زيارة الحسين عليه السلام في ليلة الجمعة أمان من النار يوم القيامة. قال: وكنت قبل
هذه الحكاية بقليل قد تشرفت بزيارة مولانا الرضا عليه السلام فقلت له: يا سيدنا قد
زرت الرضا علي بن موسى عليهما السلام وقد بلغني أنه ضمن لزواره الجنة، هذا صحيح ؟
فقال عليه السلام: هو الامام الضامن، فقلت: زيارتي مقبولة ؟ فقال عليه السلام: نعم
مقبولة. وكان معي في طريق الزيارة رجل متدين من الكسبة، وكان خليطا لي وشريكا في
المصرف، فقلت له: يا سيدنا إن فلانا كان معي في الزيارة زيارته مقبولة ؟ فقال: نعم،
العبد الصالح فلان بن فلان زيارته مقبولة، ثم ذكرت له جماعة من كسبة أهل بغداد
كانوا معنا في تلك الزيارة وقلت: إن فلانا وفلانا و ذكرت أسماءهم كانوا معنا،
زيارتهم مقبولة ؟ فأدار عليه السلام وجهه إلى الجهة الاخرى وأعرض عن الجواب، فهبته
وأكبرته وسكت عن سؤاله فلم أزل ماشيا معه على الصفة التي ذكرتها حتى دخلنا الصحن
الشريف ثم دخلنا الروضة المقدسة، من الباب المعروف بباب المراد، فلم يقف على باب
الرواق، ولم يقل شيئا حتى وقف على باب الروضة من عند رجلي الامام موسى
[316]
عليه السلام، فوقفت بجنبه، وقلت له: يا
سيدنا اقرء حتى أقرأ معك، فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أمير
المؤمنين، وساق على باقي أهل العصمة عليهم السلام حتى وصل إلى الامام الحسن العسكري
عليه السلام. ثم التفت إلي بوجهه الشريف، ووقف متبسما وقال: أنت إذا وصلت إلى
السلام على الامام العسكري ما تقول ؟ فقلت: أقول: السلام عليك يا حجة الله يا صاحب
الزمان، قال: فدخل الروضة الشريفة، ووقف على قبر الامام موسى عليه السلام والقبلة
بين كتفيه. فوقفت إلى جنبه، وقلت: يا سيدنا زر حتى أزور معك، فبدأ عليه السلام
بزيارة أمين الله الجامعة المعروفة فزار بها وأنا اتابعه، ثم زار مولانا الجواد
عليه السلام، ودخل القبة الثانية قبة محمد بن علي عليهما السلام ووقف يصلي فوقفت
إلى جنبه متأخرا عنه قليلا، احتراما له، ودخلت في صلاة الزيارة فخطر ببالي أن أسأله
أن يبات معي تلك الليلة لأتشرف بضيافته وخدمته، ورفعت بصري إلى جهته، وهو بجنبي
متقدما علي قليلا فلم أره. فخففت صلاتي، وقمت وجعلت أتصفح وجوه المصلين والزوار
لعلي أصل إلى خدمته، حتى لم يبق مكان في الروضة والرواق إلا ونظرت فيه، فلم أر له
أثرا أبدا، ثم انتبهت وجعلت أتأسف على عدم التنبه لما شاهدته من كراماته وآياته من
انقيادي لأمره [مع] ما كان لي من الأمر المهم في بغداد، ومن تسميته إياي مع أني لم
أكن رأيته ولا عرفته، ولما خطر في قلبي أن أدفع إليه شيئا من حق الامام عليه السلام
وذكرت له أني راجعت في ذلك المجتهد الفلاني لأدفع إلى السادة باذنه، قال لي ابتداء
منه: نعم وأوصلت بعض حقنا إلى وكلائنا في النجف الأشرف. ثم تذكرت أني مشيت معه بجنب
نهر جار تحت أشجار مزهرة متدلية على رؤوسنا، وأين طريق بغداد وظل الأشجار الزاهرة
في ذلك التاريخ، وذكرت أيضا أنه سمى خليطي في سفر زيارة مولانا الرضا باسمه، ووصفه
بالعبد الصالح، وبشرني
[317]
بقبول زيارته وزيارتي ثم إنه أعرض بوجهه
الشريف عند سؤالي إياه عن حال جماعة من أهل بغداد من السوقة كانوا معنا في طريق
الزيارة، وكنت أعرفهم بسوء العمل، مع أنه ليس من أهل بغداد، ولا كان مطلعا على
أحوالهم لولا أنه من أهل بيت النبوة والولاية، ينظر إلى الغيب من وراء ستر رقيق.
ومما أفادني اليقين بأنه المهدي عليه السلام أنه لما سلم على أهل العصمة عليهم
السلام في مقام طلب الاذن، ووصل السلام إلى مولانا الامام العسكري، التفت إلي وقال
لي: أنت ما تقول إذا وصلت إلى هنا ؟ فقلت: أقول: السلام عليك يا حجة الله يا صاحب
الزمان، فتبسم ودخل الروضة المقدسة ثم افتقادي إياه وهو في صلاة الزيارة لما عزمت
على تكليفه بأن أقوم بخدمته وضيافته تلك الليلة، إلى غير ذلك مما أفادني القطع بأنه
هو الامام الثاني عشر صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين والحمد لله رب العالمين.
وينبغي أن يعلم أن هذا الرجل والرجل المتقدم ذكره في القصة السابقة هما من السوقة،
وقد حدثاني بهذين الحديثين باللغة المصحفة التي هي لسان أهل هذا الزمان، فاللفظ
مني، مع المحافظة التامة على المعنى، فهو حديث بالمعنى وكتب أقل أهل العلم: محمد بن
أحمد بن الحسن الحسيني الكاظمي مسكنا. قلت: ثم سألته أيده الله تعالى عن اسمه
وحدثني غيره أيضا أن اسمه الحاج علي البغدادي وهو من التجار وأغلب تجارته في طرف
جدة ومكة وما والاها، بطريق المكاتبة، وحدثني جماعة من أهل العلم والتقوى من سكنة
بلدة الكاظم عليه السلام بأن الرجل من أهل الصلاح والديانة والورع، والمواظبين على
أداء الأخماس والحقوق وهو في هذا التاريخ طاعن في السن (1) أحسن الله عاقبته.
(1) يقال: طعن في السن: شاخ وهرم.
[318]
* (فائدتان مهمتان) * * (الاولى) * روى
الشيخ الطوسي في كتاب الغيبة عن الحسن بن أحمد المكتب والطبرسي في الاحتجاج مرسلا
أنه خرج التوقيع إلى أبي الحسن السمري: يا علي بن محمد السمري اسمع أعظم الله أجر
إخوانك فيك، فانك ميت ما بينك وما بين ستة أيام، فاجمع أمرك، ولا توص إلى أحد يقوم
مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره،
وذلك بعد الأمد، وقسوة القلوب وامتلاء الأرض جورا، وسيأتي من شيعتي من يدعي
المشاهدة ألا فمن ادعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة، فهو كذاب مفتر، ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (1). وهذا الخبر بظاهره ينافي الحكايات السابقة
وغيرها مما هو مذكور في البحار والجواب عنه من وجوه: الاول: أنه خبر واحد مرسل، غير
موجب علما، فلا يعارض تلك الوقائع والقصص التي يحصل القطع عن مجموعها بل ومن بعضها
المتضمن لكرامات ومفاخر لا يمكن صدورها من غيره عليه السلام، فكيف يجوز الاعراض
عنها لوجود خبر ضعيف لم يعمل به ناقله، وهو الشيخ في الكتاب المذكور كما يأتي كلامه
فيه، فكيف بغيره والعلماء الأعلام تلقوها بالقبول، وذكروها في زبرهم وتصانيفهم،
معولين عليها معتنين بها.
(1) راجع غيبة الشيخ ص 257 وقد أخرجه في
البحار باب أحوال السفراء ج 51 ص 361 عن غيبة الشيخ وكمال الدين (ج 2 ص 193).
فراجع.
[319]
الثاني: ما ذكره في البحار بعد ذكر الخبر
المزبور ما لفظه: لعله محمول على من يدعي المشاهدة مع النيابة، وإيصال الأخبار من
جانبه إلى الشيعة على مثال السفراء لئلا ينافي الأخبار التي مضت وسيأتي فيمن رآه
عليه السلام والله يعلم (1). الثالث: ما يظهر من قصة الجزيرة الخضراء، قال الشيخ
الفاضل علي بن فاضل المازندراني: فقلت للسيد شمس الدين محمد وهو العقب السادس من
أولاده عليه السلام: يا سيدي قد روينا عن مشايخنا أحاديث رويت عن صاحب الأمر عليه
السلام أنه قال: لما امر بالغيبة الكبرى: من رآني بعد غيبتي فقد كذب، فكيف فيكم من
يراه ؟ فقال: صدقت إنه عليه السلام إنما قال ذلك في ذلك الزمان لكثرة أعدائه من أهل
بيته، وغيرهم من فراعنة بني العباس، حتى أن الشيعة يمنع بعضها بعضا عن التحدث
بذكره، وفي هذا الزمان تطاولت المدة وأيس منه الأعداء، وبلادنا نائية عنهم، وعن
ظلمهم وعنائهم، الحكاية (2). وهذا الوجه كما ترى يجري في كثير من بلاد أوليائه
عليهم السلام. الرابع: ما ذكره العلامة الطباطبائي في رجاله في ترجمة الشيخ المفيد
بعد ذكر التوقيعات (3) المشهورة الصادرة منه عليه السلام في حقه ما لفظه: وقد يشكل
أمر هذا التوقيع بوقوعه في الغيبة الكبرى، مع جهالة المبلغ، ودعواه المشاهدة
المنافية بعد الغيبة الصغرى، ويمكن دفعه باحتمال حصول العلم بمقتضى القرائن،
واشتمال التوقيع على الملاحم والإخبار عن الغيب الذي لا يطلع عليه إلا الله
وأولياؤه باظهاره لهم، وأن المشاهدة المنفية أن يشاهد الامام عليه السلام ويعلم أنه
الحجة عليه السلام حال مشاهدته له، ولم يعلم من المبلغ ادعاؤه لذلك. وقال رحمه الله
في فوائده في مسألة الاجماع بعد اشتراط دخول كل من
(1) راجع ج 52 ص 151 باب من ادعى الرؤية
في الغيبة الكبرى. (2) راجع ج 52 ص 172 " باب نادر فيمن رآه عليه السلام ". (3)
ذكرها المجلسي رحمه الله في باب ما خرج من توقيعاته عليه السلام راجع ص 174 - 178
من هذا المجلد.
[320]
لا نعرفه: وربما يحصل لبعض حفظة الأسرار
من العلماء الأبرار العلم بقول الامام عليه السلام بعينه على وجه لا ينافي امتناع
الرؤية في مدة الغيبة، فلا يسعه التصريح بنسبة القول إليه عليه السلام فيبرزه في
صورة الاجماع، جمعا بين الأمر باظهار الحق والنهي عن إذاعة مثله بقول مطلق، انتهى.
ويمكن أن يكون نظره في هذا الكلام إلى الوجه الآتي. الخامس: ما ذكره رحمه الله فيه
أيضا بقوله: وقد يمنع أيضا امتناعه في شأن الخواص وإن اقتضاه ظاهر النصوص بشهادة
الاعتبار، ودلالة بعض الآثار. ولعل مراده بالآثار الوقائع المذكورة هنا وفي البحار
أو خصوص ما رواه الكليني في الكافي والنعماني في غيبته والشيخ في غيبته بأسانيدهم
المعتبرة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: لا بد لصاحب هذا الأمر من غيبة، ولا
بد له في غيبته من عزلة، وما بثلاثين من وحشة (1). وظاهر الخبر كما صرح به شراح
الأحاديث أنه عليه السلام يستأنس بثلاثين من أوليائه في غيبته، وقيل: إن المراد أنه
على هيئة من سنه ثلاثون أبدا وما في هذا السن وحشة وهذا المعنى بمكان من البعد
والغرابة، وهذه الثلاثون الذين يستأنس بهم الامام عليه السلام في غيبته لا بد أن
يتبادلوا في كل قرن إذ لم يقدر لهم من العمر ما قدر لسيدهم عليه السلام ففي كل عصر
يوجد ثلاثون مؤمنا وليا يتشرفون بلقائه.
(1) راجع الكافي في ج 1 ص 340، غيبة
النعماني ص 99، غيبة الشيخ ص 111 وقد ذكره المجلسي - رضوان الله عليه - في ج 52 ص
153 و 157، وقال: يدل على كونه عليه السلام غالبا في المدينة وحواليها وعلى أن معه
ثلاثين من مواليه وخواصه، ان مات أحدهم قام آخر مقامه. أقول: ويؤيده ما رواه الشيخ
في غيبته ص 111 عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ان
لصاحب هذا الامر غيبتين احداهما تطول حتى يقول بعضهم مات ويقول بعضهم قتل، ويقول
بعضهم ذهب، حتى لا يبقى على أمره من أصحابه الانفر يسير لا يطلع على موضعه أحد من
ولده ولا غيره الا المولى الذي يلي أمره.
[321]
وفي خبر علي بن إبراهيم بن مهزيار
الأهوازي المروي في إكمال الدين وغيبة الشيخ (1) ومسند فاطمة عليها السلام لأبي
جعفر محمد بن جرير الطبري وفي لفظ الأخير أنه قال له الفتى الذي لقيه عند باب
الكعبة، وأوصله إلى الامام عليه السلام: ما الذي تريد يا أبا الحسن ؟ قال: الامام
المحجوب عن العالم، قال: ما هو محجوب عنكم ولكن حجبه سوء أعمالكم. الخبر. وفيه
إشارة إلى أن من ليس له عمل سوء فلا شئ يحجبه عن إمامه عليه السلام وهو من الأوتاد
أو من الأبدال، في الكلام المتقدم عن الكفعمي، رحمه الله. وقال المحقق الكاظمي في
أقسام الاجماع الذي استخرجه من مطاوي كلمات العلماء، وفحاوي عباراتهم، غير الاجماع
المصطلح المعروف: وثالثها أن يحصل لأحد من سفراء الامام الغائب عجل الله فرجه، وصلى
عليه، العلم بقوله إما بنقل مثله له سرا، أو بتوقيع أو مكاتبة، أو بالسماع منه
شفاها، على وجه لا ينافي امتناع الرؤية في زمن الغيبة، ويحصل ذلك لبعض حملة
أسرارهم، ولا يمكنهم التصريح بما اطلع عليه، والاعلان بنسبة القول إليه، والاتكال
في إبراز المدعى على غير الاجماع من الأدلة الشرعية، لفقدها. وحينئذ فيجوز له إذا
لم يكن مأمورا بالاخفاء، أو كان مأمورا بالاظهار لا على وجه الافشاء أن يبرزه لغيره
في مقام الاحتجاج، بصورة الاجماع، خوفا من الضياع وجمعا بين امتثال لأمر باظهار
الحق بقدر الامكان، وامتثال النهي عن إذاعة مثله لغير أهله من أبناء الزمان، ولا
ريب في كونه حجة أما لنفسه فلعلمه بقول الامام عليه السلام، وأما لغيره فلكشفه عن
قول الامام عليه السلام أيضا غاية ما هناك أنه يستكشف قول الإمام عليه السلام بطريق
غير ثابت، ولا ضير فيه، بعد حصول الوصول إلى ما انيط به حجية الإجماع، ولصحة هذا
الوجه وإمكانه شواهد تدل عليه: منها كثير من الزيارات والآداب والأعمال المعروفة
التي تداولت بين الإمامية ولا مستند لها ظاهرا من أخبارهم، ولا من كتب قدمائهم
الواقفين على آثار
(1) ونقله المجلسي رحمه الله في ج 52 ص 9
و 32 فراجع.
[322]
الأئمة عليهم السلام وأسرارهم، ولا أمارة
تشهد بأن منشأها أخبار مطلقة، أو وجوه اعتبارية مستحسنة، هي التي دعتهم إلى إنشائها
وترتيبها، والاعتناء لجمعها وتدوينها كما هو الظاهر في جملة منها، نعم لا نضائق في
ورود الأخبار في بعضها. ومنها ما رواه والد العلامة وابن طاووس عن السيد الكبير
العابد رضي الدين محمد بن محمد الآوي - إلى آخر ما مر في الحكاية السادسة والثلاثين
(1). ومنها قصة الجزيرة الخضراء المعروفة المذكورة في البحار، وتفسير الأئمة عليهم
السلام وغيرها. ومنها ما سمعه منه علي بن طاووس في السرداب الشريف (2). ومنها ما
علم محمد بن علي العلوي الحسيني المصري في الحائر الحسيني وهو بين النوم واليقظة،
وقد أتاه الا إمام عليه السلام مكررا وعلمه إلى أن تعلمه في خمس ليال وحفظه ثم دعا
به واستجيب دعاؤه، وهو الدعاء المعروف بالعلوي المصري وغير ذلك. ولعل هذا هو الأصل
أيضا في كثير من الأقوال المجهولة القائل، فيكون المطلع على قول الامام عليه السلام
لما وجده مخالفا لما عليه الامامية أو معظمهم، ولم يتمكن من إظهاره على وجهه، وخشي
أن يضيع الحق ويذهب عن أهله، جعله قولا من أقوالهم، وربما اعتمد عليه وأفتى به من
غير تصريح بدليله لعدم قيام الأدلة الظاهرة باثباته، ولعله الوجه أيضا فيما عن بعض
المشايخ من اعتبار تلك الأقوال أو تقويتها بحسب الامكان، نظرا إلى احتمال كونها قول
الإمام عليه السلام ألقاها بين العلماء، كيلا يجمعوا على الخطاء، ولا طريق لا
لقائها حينئذ إلا بالوجه المذكور. وقال السيد المرتضى في كتاب تنزيه الأنبياء في
جواب من قال: " فإذا كان الإمام عليه السلام غائبا بحيث لا يصل إليه أحد من الخلق
ولا ينتفع به، فما الفرق
(1) راجع ص 271 - 273 مما سبق في هذا
المجلد. (2) راجع ص 302 - 306.
[323]
بين وجوده وعدمه الخ ": قلنا الجواب أول
ما نقوله: إنا غير قاطعين على أن الامام لا يصل إليه أحد، ولا يلقاه بشر، فهذا أمر
غير معلوم، ولا سبيل إلى القطع عليه الخ. وقال أيضا في جواب من قال: إذا كانت العلة
في استتار الإمام، خوفه من الظالمين، واتقاءه من المعاندين، فهذه العلة زائلة في
أوليائه وشيعته، فيجب أن يكون ظاهرا لهم: بعد كلام له - وقلنا أيضا إنه غير ممتنع
أن يكون الامام يظهر لبعض أوليائه ممن لا يخشى من جهته شيئا من أسباب الخوف، وإن
هذا مما لا يمكن القطع على ارتفاعه وامتناعه، وإنما يعلم كل واحد من شيعته حال
نفسه، ولا سبيل له إلى العلم بحال غيره. وله في كتاب المقنع في الغيبة كلام يقرب
مما ذكره هناك. وقال الشيخ الطوسي رضوان الله عليه في كتاب الغيبة في الجواب عن هذا
السؤال بعد كلام له: والذي ينبغي أن يجاب عن هذا السؤال الذي ذكرناه عن المخالف أن
نقول: إنا أولا لانقطع على استتاره عن جميع أوليائه بل يجوز أن يبرز لأكثرهم ولا
يعلم كل إنسان إلا حال نفسه، فإن كان ظاهرا له فعلته مزاحة، وإن لم يكن ظاهرا علم
أنه إنما لم يظهر له لأمر يرجع إليه، وإن لم يعلمه مفصلا لتقصير من جهته الخ (1).
وتقدم كلمات للسيد علي بن طاووس تناسب المقام خصوصا قوله مع أنه عليه السلام حاضر
مع الله جل جلاله على اليقين وإنما غاب من لم يلقه عنهم، لغيبته عن حضرة المتابعة
له، ولرب العالمين (2). وفيما نقلنا من كلماتهم وغيرها مما يطول بنقله الكتاب كفاية
لرفع الاستبعاد وعدم حملهم الخبر على ظاهره، وصرفه إلى أحد الوجوه التي ذكرناها.
(1) وقد مر نقله في ج 51 ص 196 مستوفى، عن
كتاب الغيبة للشيخ الطوسي قدس سره ص 75. (2) راجع ص 304 مما سبق.
[324]
السادس أن يكون المخفي على الأنام،
والمحجوب عنهم، مكانه عليه السلام ومستقره الذي يقيم فيه، فلا يصل إليه أحد، ولا
يعرفه غيره حتى ولده، فلا ينافي لقاءه ومشاهدته في الأماكن والمقامات التي قد مر
ذكر بعضها، وظهوره عند المضطر المستغيث به، الملتجئ إليه التي انقطعت عنه الأسباب
واغلقت دونه الأبواب. وفي دعوات السيد الراوندي ومجموع الدعوات للتلعكبري وقبس
المصباح للصهر شتي في خبر أبي الوفاء الشيرازي أنه قال له رسول الله صلى الله عليه
وآله في النوم: وأما الحجة، فإذا بلغ منك السيف للذبح، وأومأ بيده إلى الحلق،
فاستغث به فانه يغيثك، وهو غياث وكهف لمن استغاث، فقل: يا مولاي يا صاحب الزمان أنا
مستغيث بك، وفي لفظ: وأما صاحب الزمان فإذا بلغ منك السيف هنا، ووضع يده على حلقه،
فاستعن به فانه يعينك. ومما يؤيد هذا الاحتمال ما رواه الشيخ والنعماني في كتابي
الغيبة عن المفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن لصاحب هذا
الأمر غيبتين إحداهما يطول، حتى يقول بعضهم مات، ويقول بعضهم قتل، ويقول بعضهم ذهب
حتى لا يبقى على أمره من أصحابه إلا نفر يسير، لا يطلع على موضعه أحد من ولده، ولا
غيره إلا الذي [يلي] أمره (1). وروى الكليني عن إسحاق بن عمار قال أبو عبد الله
عليه السلام: للقائم غيبتان إحداهما قصيرة والاخرى طويلة: الغيبة الاولى لا يعلم
بمكانه فيها إلا خاصة شيعته، والاخرى لا يعلم بمكانه فيها إلا خاصة مواليه. ورواه
النعماني وفي لفظه بدون الاستثناء في الثاني، ورواه بسند آخر عنه عليه السلام قال:
للقائم غيبتان إحداهما قصيرة والاخرى طويلة الاولى لا يعلم بمكانه إلا خاصة [شيعته،
والاخرى لا يعلم بمكانه إلا خاصة] مواليه في دينه (2).
(1) راجع غيبة الشيخ ص 111، غيبة النعماني
ص 89، وقد أخرجه المجلسي رحمه الله في ج 52 ص 153 فراجع. (2) الكافي ج 1 ص 340،
غيبة النعماني ص 89.
[325]
وليس في تلك القصص ما يدل على أن أحدا
لقيه عليه السلام في مقر سلطنته ومحل إقامته. ثم لا يخفى على الجائس في خلال ديار
الأخبار أنه عليه السلام ظهر في الغيبة الصغرى لغير خاصته ومواليه أيضا، فالذي
انفرد به الخواص في الصغرى هو العلم بمستقره، وعرض حوائجهم عليه عليه السلام فيه،
فهو المنفي عنهم في الكبرى، فحالهم وحال غيرهم فيها كغير الخواص في الصغرى، والله
العالم. * (الثانية) * أنه قد علم من تضاعيف تلك الحكايات أن المداومة على العبادة،
والمواظبة. على التضرع والانابة، في أربعين ليلة الأربعاء في مسجد السهلة أو ليلة
الجمعة فيها أو في مسجد الكوفة أو الحائر الحسيني على مشرفه السلام أو أربعين ليلة
من أي الليالي في أي محل ومكان، كما في قصة الرمان المنقولة في البحار طريق إلى
الفوز بلقائه عليه السلام ومشاهدة جماله، وهذا عمل شائع، معروف في المشهدين
الشريفين، ولهم في ذلك حكايات كثيرة، ولم نتعرض لذكر أكثرها لعدم وصول كل واحد منها
إلينا بطريق يعتمد عليه، إلا أن الظاهر أن العمل من الأعمال المجربة، وعليه العلماء
والصلحاء والأتقياء، ولم نعثر لهم على مستند خاص وخبر مخصوص، ولعلهم عثروا عليه أو
استنبطوا ذلك من كثير من الأخبار التي يستظهر منها أن للمداومة على عمل مخصوص من
دعاء أو صلاة أو قراءة أو ذكر أو أكل شئ مخصوص أو تركه في أربعين يوما تأثير في
الانتقال والترقي من درجة إلى درجة، ومن حالة إلى حالة، بل في النزول كذلك، فيستظهر
منها أن في المواظبة عليه في تلك الأيام تأثير لإنجاح كل مهم أراده. ففي الكافي: ما
أخلص عبد الإيمان بالله وفي رواية ما أجمل عبد ذكر الله أربعين صباحا إلا زهده في
الدنيا، وبصره داءها ودواءها وأثبت الحكمة
[326]
في قلبه [وأنطق بها لسانه] (1). وفي
النبوي المروي في لب اللباب للقطب الراوندي: من أخلص العبادة لله أربعين صباحا ظهرت
ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه (2). وفي أخبار كثيرة ما حاصلها: النطفة تكون في
الرحم أربعين يوما، ثم تصير علقة أربعين يوما، ثم تصير مضغة أربعين يوما، فمن أراد
أن يدعو للحبلى أن يجعل الله ما في بطنها ذكرا سويا يدعو ما بينه وبين تلك الأربعة
أشهر. وفي الكافي أنه قيل للكاظم عليه السلام: إنا روينا عن النبي صلى الله عليه
وآله أنه قال: من شرب الخمر لم يحتسب له صلاته أربعين يوما - إلى أن قال: إذا شرب
الخمر بقي في مشاشه أربعين يوما، على قدر انتقال خلقته، ثم قال: كذلك جميع غذاء
أكله وشربه يبقى في مشاشه أربعين (3). وورد أن من ترك اللحم أربعين صباحا ساء خلقه،
لأن انتقال النطفة في أربعين يوما، ومن أكل اللحم أربعين صباحا ساء خلقه، ومن أكل
الزيت وادهن به لم يقربه الشيطان أربعين يوما، ومن شرب السويق أربعين صباحا امتلأت
كتفاه قوة، ومن أكل الحلال أربعين يوما نور الله قلبه. وفي أمالي الصدوق في خبر
بهلول النباش والتجاؤه إلى بعض جبال المدينة وتضرعه وإنابته أربعين يوما، وقبول
توبته في يوم الأربعين، ونزول الآية فيه وذهاب النبي صلى الله عليه وآله عنده،
وقراءتها عليه، وبشارته بقبول التوبة، ثم قال صلى الله عليه وآله لأصحابه: هكذا
تدارك الذنوب كما تداركها بهلول. وورد أن داود عليه السلام بكى على الخطيئة أربعين
يوما. وأحسن من الجميع شاهدا أنه تعالى جعل ميقات نبيه موسى أربعين يوما
(1) الكافي ج 2 ص 16 باب الاخلاص الرقم 6.
(2) وأخرجه السيوطي في الجامع الصغير عن حلية الاولياء كما في السراج المنير ج 3 ص
323. (3) الكافي ج 6 ص 402.
[327]
وفي النبوي أنه ما أكل وما شرب ولا نام
ولا اشتهى شيئا من ذلك في ذهابه ومجيئه أربعين يوما شوقا إلى ربه. وفي تفسير
العسكري عليه السلام كان موسى عليه السلام يقول لبني إسرائيل: إذا فرج الله عنكم،
وأهلك أعداءكم آتيكم بكتاب من عند ربكم يشمل على أوامره ونواهيه ومواعظه وعبره
وأمثاله، فلما فرج الله عنهم أمره الله عزوجل أن يأتي للميعاد ويصوم ثلاثين يوما
عند أصل الجبل، إلى أن قال: فأوحى الله إليه: صم عشرا آخر وكان وعد الله أن يعطيه
الكتاب بعد أربعين ليلة. بل ورد أن النبي صلى الله عليه وآله امر أن يهجر خديجة
أربعين يوما قبل يوم بعثته. ومن الشواهد التي تناسب المقام ما روي بالأسانيد
المعتبرة عن الصادق عليه السلام أنه قال: من دعا إلى الله تعالى أربعين صباحا بهذا
العهد كان من أنصار قائمنا فان مات قبله، أخرجه الله من قبره وأعطاه بكل كلمة ألف
حسنة، ومحي عنه ألف سيئة، وهو: اللهم رب النور العظيم، الدعاء (1). وفي إكمال الدين
في حديث حكيمة في ولادة المهدي صلوات الله عليه أنه عليه السلام لما ولد وسجد، وشهد
بالتوحيد والرسالة، وإمامة آبائه عليهم السلام قالت: فصاح أبو محمد الحسن عليه
السلام فقال: يا عمة تناوليه فهاتيه، قالت: فتناولته وأتيت به نحوه فلما مثلت بين
يدي أبيه وهو على يدي، سلم على أبيه، فتناوله الحسن عليه السلام والطير ترفرف على
رأسه، فصاح بطير منها فقال: احمله واحفظه ورده إلينا في كل أربعين يوما فتناوله
الطير وطار به في جو السماء، واتبعه سائر الطيور فسمعت أبا محمد عليه السلام يقول:
أستودعك الذي استودعته أم موسى عليه السلام فبكت نرجس فقال لها: اسكتي فان الرضاع
محرم عليه إلا من ثديك إلى أن قال: قالت حكيمة: فلما أن كان بعد أربعين يوما رد
الغلام ووجه إلي ابن أخي فدعاني فدخلت عليه فإذا أنا بصبي يمشي بين يديه إلى أن
قال: قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك
(1) أخرجه المجلسي رحمه الله في باب
الرجعة تحت الرقم 111 عن مصباح الزائر راجع ص 95 من هذا المجلد الذي بين يديك.
[328]
الصبي كل أربعين يوما إلى أن رأيته رجلا
قبل مضي أبي محمد عليه السلام الخبر (1). واعلم أنا قد ذكرنا في الفصل الأول من
المجلد الثاني من كتابنا دار السلام أعمالا مخصوصة عند المنام للتوسل إلى رؤية
النبي صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والأئمة عليهم السلام في
المنام، وأكثرها مختص بالنبي وبعضها بالوصي صلوات الله عليهما، ولعله يجري في سائر
الأئمة ما جرى لهما صلوات الله عليهما لبعض عمومات المنزلة، وبذلك صرح المحقق
الجليل المولى زين العابدين الجرفادقاني - رحمه الله - في شرح المنظومة، حيث قال:
في شرح قوله في غايات الغسل: ورؤية الامام في المنام * لدرك ما يقصد من مرام أنه
يدل عليه النبوي المروي في الاقبال في أعمال ليلة النصف من شعبان " فأحسن الطهر -
إلى أن قال: - ثم سأل الله تعالى أن يراني من ليلته يراني ". ولكن فيه مضافا إلى
استهجان خروج المورد عن البيت إلا بتكلف لا يخفى أن الظاهر بل المقطوع أن نظر السيد
- رحمه الله - إلى ما رواه الشيخ المفيد رحمه الله في الاختصاص عن أبي المغرى عن
موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سمعته يقول: من كانت له إلى الله حاجة وأراد أن
يرانا، وأن يعرف موضعه، فليغتسل ثلاث ليال يناجي بنا، فانه يرانا ويغفر له بنا، ولا
يخفى عليه موضعه، الخبر (2). قوله عليه السلام: " يناجي بنا " أي يناجي الله تعالى
بنا، ويعزم عليه ويتوسل إليه بنا أن يرينا إياه، ويعرف موضعه عندنا (3) وقيل أي
يهتم برؤيتنا، ويحدث نفسه بنا، ورؤيتنا ومحبتنا، فانه يراهم أو يسألنا ذلك. وفي
الجنة الواقية للشيخ إبراهيم الكفعمي: رأيت في بعض كتب أصحابنا
(1) أخرجه المجلسي - رحمه الله - في باب
ولادته وأحوال أمه عليه السلام راجع ج 51 ص 14، كمال الدين ج 2 ص 102. (2) راجع
الاختصاص ص 90. (3) في نسخة الاختصاص المطبوع: " وأن يعرف موضعه عند الله ".
[329]
أنه من أراد رؤية أحد من الأنبياء والأئمة
عليهم السلام أو الوالدان في نومه فليقرء: والشمس، والقدر، والجحد، والاخلاص،
والمعوذتين ثم يقرء الاخلاص مائة مرة ويصلى على النبي صلى الله عليه وآله مائة مرة،
وينام على الجانب الأيمن على وضوئه فانه يرى من يريده إنشاء الله تعالى، ويكلمهم
بما يريد من سؤال وجواب. ورأيت في نسخة اخرى هذا بعينه غير أنه، يفعل ذلك سبع ليال
بعد الدعاء الذي أوله: اللهم أنت الحي الذي الخ، وهذا الدعاء رواه السيد علي بن
طاوس في فلاح السائل، مسندا عن بعض الأئمة عليهم السلام قال: إذا أردت أن ترى ميتك،
فبت على طهر، وانضجع على يمينك، وسبح تسبيح فاطمة عليها السلام. وقال الشيخ الطوسي
في مصباحه: ومن أراد رؤيا ميت في منامه فليقل [في منامه]: اللهم أنت الحي الذي لا
يوصف، والايمان يعرف منه، منك بدأت الأشياء وإليك تعود فما أقبل منها كنت ملجأه
ومنجاه، وما أدبر منها لم يكن له ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، فأسألك بلا إله إلا
أنت، وأسألك ببسم الله الرحمن الرحيم وبحق حبيبك محمد صلى الله عليه وآله سيد
النبيين، وبحق علي خير الوصيين، وبحق فاطمة سيدة نساء العالمين، وبحق الحسن والحسين
الذين جعلتهما سيدي شباب أهل الجنة أجمعين أن تصلي على محمد وآله وأهل بيته، وأن
تريني ميتي في الحال التى هو فيها فانك تراه إنشاء الله تعالى. ومقتضى إطلاق صدر
الخبر أن يكون للداعي إذا عمل بهذه النسخة أن يبدل آخر الدعاء بما يناسب رؤية
الامام الحي والنبي الحي بل الظاهر أن يكون له ذلك إن أراد رؤية كل واحد من
الأنبياء والأئمة عليهم السلام حيا كان أو ميتا. بل في كتاب تسهيل الدواء، بعد ذكر
الدعاء المذكور، وذكر مشايخنا رضوان الله عليهم أن من أراد أن يرى أحدا من الأنبياء
أو أئمة الهدى صلوات الله عليهم فليقرء الدعاء المذكور إلى قوله أن تصلي على محمد
وآل محمد ثم يقول: أن تريني فلانا ويقرء بعده سورة والشمس، ووالليل، والقدر،
والجحد، والاخلاص
[330]
والمعوذتين، ثم يقرء مائه مرة سورة
التوحيد فكل من أراده يراه ويسأل عنه ما أراده، ويجيبه إنشاء الله. وحيث بلغ بنا
الكلام إلى هذا المقام، فالأولى أن نتبرك بذكر بعض الأعمال المختصرة للغاية
المذكورة، بناء على ما احتملناه وصرح به المحقق المذكور، وهو من أعاظم العلماء
الذين عاصرناهم. فمنها ما في فلاح السائل للسيد علي بن طاوس لرؤيا أمير المؤمنين
عليه السلام في المنام، قال: إذا أردت ذلك، فقل عند مضجعك " اللهم إني أسألك يا من
لطفه خفي، وأياديه باسطة لا تنقضي، أسألك بلطفك الخفي، الذي ما لطفت به لعبد إلا
كفي، أن تريني مولاي علي بن أبي طالب عليه السلام في منامي. وحدثني بعض الصلحاء
الأبرار طاب ثراه أنه جربه مرارا. ومنها: ما في المصباح للكفعمي وتفسير البرهان عن
كتاب خواص القرآن عن الصادق عليه السلام أن من أدمن قراءة سورة المزمل رأى النبي
صلى الله عليه وآله وسأله ما يريد وأعطاه الله كل ما يريد من الخير. ومنها ما رواه
الأول أن من قرأ [سورة] القدر عند زوال الشمس مائة مرة رأى النبي صلى الله عليه
وآله في منامه. ومنها ما في المجلد الأول من كتاب المجموع الرائق للسيد الجليل هبة
الله بن أبي محمد الموسوي المعاصر للعلامة رحمه الله أن من أدمن تلاوة سورة الجن
رأى النبي صلى الله عليه وآله وسأله ما يريد. ومنها ما فيه أن من قرء سورة الكافرون
نصف الليل من ليلة الجمعة، رأى النبي صلى الله عليه وآله. ومنها قراءة دعاء المجير
على طهارة سبعا عند النوم، بعد صوم سبعة أيام، رواه الكفعمي في جنته. ومنها قراءة
الدعاء المعروف بالصحيفة المروي في مهج الدعوات خمس مرات على طهارة.
[331]
ومنها ما رواه الكفعمي عن الصادق عليه
السلام أنه قال: من قرء سورة القدر بعد صلاة الزوال وقبل الظهر، إحدى وعشرين مرة،
لم يمت حتى يرى النبي صلى الله عليه وآله. ومنها ما في بعض المجاميع المعتبرة أن من
أراد أن يرى سيد البريات في المنام فليصل ركعتين بعد صلاة العشاء بأي سورة أراد، ثم
يقرء هذا الدعاء مائة مرة بسم الله الرحمن الرحيم يا نور النور، يا مدبر الامور،
بلغ مني روح محمد وأرواح آل محمد تحية وسلاما. ومنها ما في جنة الكفعمي عن كتاب
خواص القرآن أنه من قرء ليلة الجمعة بعد صلاة يصليها من الليل الكوثر ألف مرة، وصلى
على محمد وآل محمد ألف مرة رأى النبي صلى الله عليه وآله في نومه. تلك عشرة كاملة
وباقي الأعمال والأوراد والصلوات يطلب من كتابنا المذكور فان فيه ما تشتهيه الأنفس
وتلذ الأعين (1). ولنختم هذه المقالة الشريفة بذكر ندبة أنشأها السيد السند الصالح
الصفي إمام شعراء العراق، بل سيد الشعراء في الندب والمراثي على الاطلاق، السيد
حيدر ابن السيد سليمان الحلي، المؤيد من عند الملك العلي، وقد جمع أيده الله تعالى
بين فصاحة اللسان، وبلاغة البيان، وشدة التقوى، وقوة الإيمان، بحيث لو رآه أحد لا
يتوهم في حقه القدرة على النظم، فكيف بأعلى مراتبه. أنشأها بأمر سيد الفقهاء السيد
المهدي القزويني النزيل في الحلة في السنة التي صار عمر پاشا واليا على أهل العراق،
وشدد عليهم، وأمر بتحرير النفوس لاجراء القرعة، وأخذ العسكر من أهل القرى والأمصار
سواء الشريف فيه والوضيع والعالم فيه والجاهل، والعلوي فيه وغيره، والغني فيه
والفقير، فاشتد عليهم الأمر وعظم البلاء، وضاقت الأرض، ومنعت السماء، فأنشأ السيد
هذه الندبة المشجية فرأى واحد من صلحاء المجاورين في النجف الأشرف الحجة المنتظر
عليه السلام فقال
(1) يريد كتابه دار السلام فراجع.
[332]
له ما معناه: قد أقلقني السيد حيدر قل له:
لا يؤذيني فان الأمر ليس بيدي ورفع الله عنهم القرعة في أيامه وبعده بسنين، وهي
هذه: يا غمرة من لنا بمعبرها * موارد الموت دون مصدرها يطفح موج البلا الخطير بها *
فيغرق العقل في تصورها وشدة عندها انتهت عظما * شدائد الدهر مع تكثرها ضاقت ولم
يأتها مفرجها * فجاشت النفس من تحيرها الآن رجس الضلالة استغرق * الأرض فضجت إلى
مطهرها وملة الله غيرت فغدت * تصرخ لله من مغيرها من مخبري والنفوس عاتبة * ماذا
يؤدي لسان مخبرها لم صاحب الأمر عن رعيته * أغضى فغضت بجور أكفرها ما عذره نصب عينه
اخذت * شيعته وهو بين أظهرها يا غيرة الله لا قرار على * ركوب فحشائها ومنكرها سيفك
والضرب إن شيعتكم * قد بلغ السيف حز منحرها مات الهدى سيدي فقم وأمت * شمس ضحاها
بليل عيثرها (1) واترك منايا العدى بأنفسهم * تكثر في الروع من تعثرها لم يشف من
هذه الصدور سوى * كسرك صدر القنا بموغرها (2) وهذه الصحف محو سيفك للأ * عمار منهم
امحى لأسطرها (3) فالنطف اليوم تشتكي وهي في الأ * رحام منها إلى مصورها فالله يا
ابن النبي في فئة * ما ذخرت غيركم لمحشرها ماذا لأعدائها تقول إذا * لم تنجها اليوم
من مدمرها
(1) العيثر - وهكذا العثير - التراب
والعجاج، وما قلبت من تراب بأطراف سابع رجلك إذا مشيت لا يرى للقدم أثر غيره. وقد
عيثر القوم: إذا أثاروا العيثر. (2) أوغر صدره: أحماه من الغيظ وأوقده. (3) امحى -
بتشديد الميم - اصله: انمحى فادغم النون في الميم.
[333]
أشقة البعد دونك اعترضت * أم حجبت منك عين
مبصرها فهاك قلب قلوبنا ترها * تفطرت فيك من تنضرها كم سهرت أعين وليس سوى *
انتظارها غوثكم بمسهرها أين الحفيظ العليم للفئة * المضاعة الحق عند أفخرها تغضي
وأنت الأب الرحيم لها * ما هكذا الظن في ابن أطهرها إن لم تغثها لجرم أكبرها *
فارحم لها ضعف جرم أصغرها كيف رقاب من الجحيم بكم * حررها الله في تبصرها ترضى بأن
تسترقها عصب * لم تله عن نأيها ومزهرها إن ترض يا صاحب الزمان بها * ودام للقوم فعل
منكرها ماتت شعار الإيمان واندفنت * ما بين خمر العدى وميسرها أبعد بها خطة تزاد
لها * لا قرب الله دار مؤثرها الموت خير من الحياة بها * لو تملك النفس من تخيرها
ما غر أعداءنا بربهم * وهو مليئ بقصم أظهرها مهلا فلله من بريته * عوائد جل قدر
أيسرها فدعوة الناس إن تكن حجبت * لأنها ساء فعل أكثرها فرب جرى حشى لواحدها ! *
شكت إلى الله في تصورها توشك أنفاسها وقد صعدت * أن تحرق القوم في تسعرها وله أيد
الله تعالى ندبة اخرى تجري في هذا المجرى، تورث في العين قذي، وفي القلب شجى: أقائم
بيت الهدى الطاهر * كم الصبر فت حشى الصابر وكم يتظلم دين الا * له إليك من النفر
الجائر يمد يدا تشتكي ضعفها * لطبك في نبضها الفاتر ترى منك ناصره غائبا * وشرك
العدى حاضر الناصر فنوسع سمعك عتبا يكاد * يثيرك قبل ندا الآمر
[334]
نهزك لا مؤثرا للقعود * على وثبة الأسد
الخادر ونوقض عزمك لا بائتا * بمقلة من ليس بالساهر ونعلم أنك عما تروم * لم يك
باعك بالقاصر ولم تخش من قاهر حيث ما * سوى الله فوقك من قاهر ولا بد من أن نرى
الظالمين * بسيفك مقطوعة الدابر بيوم به ليس تبقى ضباك * على دارع الشرك والحاسر
ولو كنت تملك أمر النهوض * أخذت له اهبة الثائر وإنا وإن ضرستنا الخطوب * لنعطيك
جهد رضى العاذر ولكن نرى ليس عند الاله * أكبر من جاهك الوافر فلو نسأل الله تعجيله
* ظهورك في الزمن الحاضر لوافتك دعوته في الظهور * بأسرع من لمحة الناظر فثقف عدلك
من ديننا * قنا عجمتها يد الآطر وسكن أمنك منا حشى * غدت بين خافقتي طائر إلام وحتى
م تشكو العقام * لسيفك ام الوغى العاقر ولم تتلظى عطاش السيوف * إلى ورد ماء الطلى
الهامر (1) أما لقعودك من آخر * أثرها فديتك من ثائر وقدها يميت ضحى المشرقين *
بظلمة قسطلها المائر يردن بمن لا يغير الحمام * أو درك الوتر بالصادر وكل فتى حنيت
ضلعه * على قلب ليث شرى هامر (2) يحدثه أسمر حاذق * بزجر عقاب الوغا الكاسر بأن له
أن يسر مستميتا * لطعن العدى أوبة الظافر فيغدو أخف لضم الرماح * منه لضم المها
العاطر
(1) الهامر: الهاطل السيال. (2) من قولهم:
همر الفرس الارض: ضربها بحوافره شديدا.
[335]
اولئك آل الوغى الملبسون * عدوهم ذلة
الصاغر هم صفوة المجد من هاشم * وخالصة الحسب الفاخر كواكب منك بليل الكفاح * تحف
بنيرها الباهر لهم أنت قطب وغى ثابت * وهم لك كالفلك الدائر ظماء الجياد ولكنهم *
رؤا المثقف والباتر كماة تلقب أرماحهم * برضاعة الكبد الواغر وتسمى سيوفهم الماضيات
* لدى الروع بالأجل الحاضر فان سددوا السمر حكوا السماء * وسدوا الفضاء على الطائر
وإن جردوا البيض فالصافنات * تعوم ببحر دم زاخر فثمة طعن قنا لا تقيل * أسنتها عثرة
الغادر وضرب يؤلف بين النفوس * وبين الردى الفة القاهر ألا أين أنت أيا طالبا *
بماضي الذحول وبالغابر وأين المعد لمحو الضلال * وتجديد رسم الهدى الداثر وناشر
راية دين الاله * وناعش جد التقى العاثر ويابن العلى ورثوا كابرا * حميد المآثر عن
كابر ومدحهم مفخر المادحين * وذكرهم شرف الذاكر ومن عاقدوا الحرب أن لا تنام * عن
السيف عنهم يد الشاهر تدارك بسيفك وتر الهدى * فقد أمكنتك طلى الواتر كفى أسفا أن
يمر الزمان * ولست بناه ولا آمر وأن ليس أعيننا تستضئ * بمصباح طلعتك الزاهر على أن
فينا اشتياقا إليك * كشوق الربا للحيا الماطر عليك إمام الهدى غرما * غدا البر تلقى
من الفاخر لك الله حلمك غر النعام * فأنساهم بطشة القادر لك الله حلمك غر النعام *
فأنساهم بطشة القادر
[336]
وطول انتظارك فت القلوب * وأغضى الجفون
على عائر فكم ينحت الهم أحشاءنا * وكم تستطيل يد الجائر وكم نصب عينك يا ابن النبي
* نساط بقدر البلا الفاتر وكم نحن في كهوات الخطوب * نناديك من فمها الفاغر ولم تك
منا عيون الرجا * ء بغيرك معقودة الناظر أصبرا على مثل حز المدى * ونفحة جمر الغضا
الساغر أصبرا وهذي تيوس الضلال * قد أمنت شفرة الجازر أصبرا وسرب العدى واقع * يروح
ويغدو بلا ذاعر نرى سيف أولهم منتضى * على هامنا بيد الآخر به تعرق اللحم منا وفيه
* تشظى العظام يد الكاسر وفيه يسوموننا خطة * بها ليس يرضى سوى الكافر فنشكو إليهم
ولا يعطفون * كشكوى العقيرة للعاقر وحين البطان التقت حلقتاه * ولم نر للبغي من
زاجر (1) عججنا إليك من الظالمين * عجيج الجمال من الناحر تمت الرسالة الشريفة بيد
مؤلفها العبد المذنب المسيئ حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي في عصر يوم الأحد
الثالث عشر من شوال المكرم سنة 1302 في بلدة سر من رأى حامدا مصليا مستغفرا، اللهم
وفقه وكل المؤلفين والبانين للخير بحق محمد وآله.
(1) البطان للقتب: الحزام الذي يجعل تحت
بطن البعير ويقال: " التقت حلقتا البطان " للامر إذا اشتد، وهو بمنزلة التصدير
للرحل. (*)