بحار الانوار الجزء
77
العلامة المجلسي
[1]
بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة
الأطهار تأليف العلم العلامة الحجة فخر الأمة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي " قدس
الله سره " الجزء السابع والسبعون دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان الطبعة
الثالثة المصححة 1403 ه - 1983 م
[1]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي
هدانا إلى الصلاة لتنهانا عن الفحشاء والمنكر، وإلى ذكره الذي هو أكبر، والصلاة على
خير من صلى وكبر، وتنظف وتطهر، وبشر وأنذر، محمد وآله النجوم الانثي عشر، شفعاء
المحشر، وأفضل من مضى ومن غبر. أما بعد، فيقول الخاطئ العاثر محمد بن محمد المدعو
بباقر رزقهما الله شفاعة مواليهما في اليوم الاخر، هذا هو الجزء الثامن عشر من كتاب
بحار الأنوار، وهو يشتمل على كتابين: كتاب الطهارة وكتاب الصلاة، وقد عدلنا عن رموز
الكتب إلى التصريح بها لشدة الحاجة إلى تلك المطالب، واحتمال التصحيف والاشتباه
فيها وعلى الله توكلنا في جميع امورنا وإليه المصير.
[2]
* (كتاب الطهارة) * * " (أبواب المياه
وأحكامها) " * 1. * (باب) * * " (طهورية الماء) " * الايات: البقرة: إن الله يحب
التوابين ويحب المتطهرين (1). [الانفال: وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به
ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام (2). التوبة: فيه رجال
يحبون أن يتطهروا والله يحب المتطهرين (3)]. الفرقان: وأنزلنا من السماء ماء طهورا
(4). تفسير: الاية الاولى تدل على رجحان التطهر، وأظهر أفراده التطهر بالماء،
ويؤيده ما رواه الصدوق رضي الله عنه في الفقيه (5) قال: كان الناس يستنجون بالأحجار
فأكل رجل من الأنصار طعاما فلان بطنه فاستنجى بالمآء فأنزل
(1) البقره: 222. (2) الانفال: 11. (3)
براءة: 108 والايتان ساقطتان عن المطبوعة. (4) الفرقان: 48. (5) الفقيه ج 1 ص 20
طبعة النجف في أربع مجلدات، وطبع ايران ج 1 ص 11.
[3]
الله سبحانه " إن الله يحب التوابين ويحب
المتطهرين " فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله فخشي أن يكون قد نزل فيه أمر
يسوؤه، فلما دخل قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: هل عملت في يومك هذا شيئا ؟
قال: نعم يا رسول الله أكلت طعاما فلان بطني فاستنجيت بالماء، فقال له: أبشر، فان
الله تعالى قد أنزل فيك الاية. والمشهور بين المفسرين أن المراد التواب من الذنوب ؟
والمتطهر منها مطلقا أو التواب من الكبائر والمتطهر من الصغاير، أو التواب من
الذنوب والمتطهر من الأقذار (1) وسيأتي بعض القول فيها. وأما الاية الثانية فالمراد
من السماء إما السحاب، فان كل ما علا يطلق عليه السماء لغة، ولذا يسمون سقف البيت
سماء، وإما الفلك بمعنى أن ابتداء نزول المطر منه إلى السحاب، ومن السحاب إلى الأرض
ولا التفات إلى ما زعمه الطبيعيون في سبب حدوث المطر، فانه مما لم يقم عليه دليل
قاطع، وربما يقال: إن المراد بانزاله من السماء أنه حصل من أسباب سماوية وتصعد
أجزاء رطبة من أعماق الأرض إلى الجو فينعقد سحابا ماطرا وقد مر القول فيه في كتاب
السماء والعالم. ثم المشهور في سبب نزولها أنها نزلت في بدر بسبب أن الكفار سبقوا
المسلمين إلى الماء فاضطر المسلمون ونزلوا إلى تل من رمل سيال لا تثبت فيه أقدامهم،
وأكثرهم خائفون لقلتهم وكثرة الكفار، فباتوا تلك الليلة على
(1) ظاهر التطهير والتطهر هو ازالة
القذارات عن النفس والبدن، وكل قذارة لها طهارة مزيلة والطهارة من القذارات
المعنوية بالتوبة والتخلق بضدها، والطهارة من القذارات المادية بازالتها بالتراب أو
الماء، والسنة في الاستنجاء هي الاحجار الثلاثة الترابية. والافضل التطهير بالماء،
لانه اطهر من التراب، وانما كان أفضل لان السنة انما اتخذت في مكة والمدينة، حيث لم
يكن مصانع للماء ولا بيت الخلاء للبراز، وهذا كما قال الصادق عليه السلام أن نتف
الابط والعانة سنة لرسول الله، والافضل الطلى، حيث لم يكن في زمن الرسول صلى الله
عليه وآله داوء يطلى به. (*)
[4]
غير ماء فاحتلم أكثرهم، فتمثل لهم إبليس
وقال: تزعمون أنكم على الحق وأنتم تصلون بالجنابة وعلى غير وضوء، وقد اشتد عطشكم،
ولو كنتم على الحق ما سبقوكم إلى الماء، وإذا أضعفكم العطش قتلوكم كيف شاؤا، فأنزل
الله عليهم المطر وزالت تلك العلل، وقويت قلوبهم، ونزلت الاية. فتدل ظاهرا على
تطهير ماء المطر للحدث والخبث (1) ولعل المراد بتطهير الله إياهم توفيقهم للطهارة،
وقيل: الحكم به بعد استعمال الماء على الوجه المعتبر والمراد بقوله: " وليطهركم به
" الطهارة من النجاسة الحكمية أعني الجنابة و الحدث الأصغر أو منها ومن العينية
أيضا كالمني. ويراد برجز الشيطان (2) إما الجنابة فانها من فعله، وإما وسوسته لهم،
والربط على القلوب يراد به تشجيعها وتقويتها ووثوقها بلطف الله بهم، وقيل: إن هذا
المعنى هو المراد أيضا بتثبيت أقدامهم. وبالجملة الاية تدل على تطهير ماء المطر
للحدث والخبث في الجملة وأما الاستدلال بها على مطهرية الماء مطلقا فلا يخلو من
إشكال (3). وأما الاية الثالثة فتدل في الجملة على مدح التطهر من الأقذار لاسيما
بالماء، وقد روي عن الباقر والصادق عليهما السلام أنها نزلت في أهل قبا لجمعهم في
الاستنجاء عن الغائط بين الأحجار والماء، وروي لاستنجائهم بالماء، وقيل: ربما
(1) ليس يمن الله عزوجل بأنه نزل المطر
ليطهرهم بماء المطر لمزيته على سائر المياه، بل المنة لاجل أنهم جيئوا بالماء من
فوق رأسهم من دون أن يشقوا أنفسهم بحفر القليب وتهيئة الدلاء والرشا وغير ذلك،
والمطر من منن الله العظام، فانه يرفع بقدرته ومشيئته المياه من البحار ويركمها
سحابا يسوقه إلى حيث يشاء، فيعصره وينزل بالمطر فيتلبد الارض وينبت العشب والكلاء
والحبوب والاثمار، ثم تسيل من الوادي إلى القرار فيأخذه الناس لحاجاتهم. (2) ولعل
المراد برجز الشيطان هو الذى أمر بهجره في قوله تعالى: " والرجز فاهجر "، فيناسب
كون المراد به المنى وآثار الجنابة. (3) قد عرفت أنه لا اشكال في الاستدلال بها.
[5]
دلت على استحباب المبالغة في الاجتناب من
النجاسات، ولا يبعد فهم استحباب النورة وأمثالها، بل استحباب الكون على الطهارة
وتأييد لدلايل الاغسال المستحبة، و استحباب المبالغة في الاجتناب عن المحرمات
والمكروهات، والاجتناب عن محال الشبهات، وكل ما فيه نوع خسة ودناءة، والحرص على
الطاعات والحسنات، فانهن يذهبن السيئات، فان الطهارة إن كان لها شرعا حقيقة فهي
رافع الحدث أو المبيح للصلاة، وهنا ليست مستعملة فيه اتفاقا فلم يبق إلا معناها
اللغوي العرفي أي النزاهة والنظافة، وهي يعم الكل انتهى. وأكثر ما ذكر لا يخلو من
مناقشة كما لا يخفي. وأما الاية الرابعة فاستدل بها على طهارة مطلق الماء ومطهريته،
و اورد عليه بأنه ليس في الكلام ما يدل على العموم، وإنما يدل على أن الماء من
السماء مطهر، وبأن الطهور مبالغة في الطاهر، ولا يدل على كونه مطهرا بوجه. واجيب عن
الأول بأن ذكره تعالى ماء مبهما غير معين ووصفه بالطهورية والامتنان على العباد به،
لا يناسب حكمته تعالى ولا فائدة في هذا الإخبار ولا امتنان فيه، فالمراد كل ماء
يكون من السماء، وقد دلت آيات اخر على أن كل المياه من السماء نحو قوله تعالى: "
وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون " (1).
وقوله سبحانه: " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض (2).
(1) المؤمنون: 18. (2) الزمر: 21. ولكن
الايتين وأمثالهما لم تتضمن أن كل ماء انزلناه من السماء بل نكر الماء فقال " من
السماء ماء " والمراد به أن مياه الانهار والعيون ليس من نفس الارض تجرى وتنبع،
وانما هي ماء المطر تنزل على رؤس الوادي والجبال فيسيل في =
[6]
وعن الثاني بأن كثيرا من أهل اللغة فسر
الطهور بالطاهر في نفسه المطهر لغيره، والشيخ في التهذيب أسنده إلى لغة العرب،
ويؤيده شيوع استعماله في هذا المعنى في كثير من الأخبار الخاصية والعامية، كقول
النبي صلى الله عليه وآله: " جعلت لي الأرض مسجدا وترابها طهورا " (1) ولو أراد
الطاهر لم يثبت المزية وقوله صلى الله عليه وآله وقد سئل عن الوضوء بماء البحر " هو
الطهور ماؤه الحل ميتته " (2) ولو لم يرد كونه مطهرا لم يستتم الجواب، وقوله صلى
الله عليه وآله: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبعا (3). وقال بعضهم:
الطهور بالفتح من الأسماء المتعدية، وهو المطهر غيره، وأيده بعضهم بأنه يقال: ماء
طهور ولا يقال: ثوب طهور، ويؤيد كون الطهور في الاية بمعنى المطهر موافقتها للاية
الثانية. واحتج عليه الشيخ بأنه لا خلاف بين أهل النحو في أن اسم فعول موضوع
للمبالغة وتكرر الصفة، ألا ترى أنهم يقولون: فلان ضارب، ثم يقولون ضروب إذا تكرر
ذلك منه وكثر، قال: وإذا كان كون الماء طاهرا ليس مما يتكرر ويتزايد فينبغي في
إطلاق الطهور عليه غير ذلك، وليس بعد ذلك إلا أنه مطهر =
الانهار أو ينضب في خلال الجبال والرمال
فيسلك إلى ينابيع الارض، وهذا من عظيم المنن حيث حمل المياه من البحار إلى السماء
ثم أمطرها على الارض فسلكها في الانهار والعيون لينتفع به الناس، ولو لم يكن مطر
لغار العيون والابار وخلت الانهار " قل ان أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين "
؟. (1) تراه في أمالى الصدوق ص 130 الخصال ج 1 ص 140 المحاسن ص 365، ورواه في
المعتبر ص 158 وتراه في سنن أبى داود ج 1 ص 114. (2) تراه في المعتبرص 7، وبمضمونه
أحايث اخر راجع الكافي ج 3 ص 1، قرب الاسناد ص 84 ط حجر وفى كتبهم سنن أبى داود ج 1
ص 19. (3) الحديث متفق عليه بمضمونه عندنا، وعندهم كما في مشكاة المصابيح ص 52 ولفظ
الحديث رواه مسلم.
[7]
وفيه ما لا يخفى، وقيل: الطهور هنا اسم
آلة بمعنى ما يتطهر به كالوضوء لما يتوضؤ به، والوقود لما يتوقد به، بقرينة أن
الامتنان بها أتم حينئذ. قال في الكشاف: " طهورا " بليغا في طهارته، وعن أحمد بن
يحيى هو ما كان طاهرا في نفسه مطهرا لغيره، فان كان ما قاله شرحا لبلاغة في الطهارة
كان سديدا، ويعضده قوله تعالى: " وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به " (1) وإلا
فليس فعول من التفعيل في شئ، والطهور في العربية على وجهين: صفة و اسم غير صفة:
فالصفة ماء طهور، كقولك طاهر، والاسم كقولك لما يتطهر به طهور كالوضوء والوقود لما
يتوضأ به ويتوقد به النار، وقولهم تطهرت طهورا حسنا كقولك وضوء حسنا ذكره سيبويه،
ومنه قوله صلى الله عليه وآله: " لا صلاة إلا بطهور " أي بطهارة انتهى. واعترضه
النيشابوري بأنه حيث سلم أن الطهور في العربية على وجهين اندفع النزاع، لأن كون
الماء مما يتطهر به هو كونه مطهرا لغيره، فكأنه سبحانه قال: وأنزلنا من السماء ماء
هو آلة الطهارة، ويلزمه أن يكون طاهرا في نفسه، قال: ومما يؤكد هذا التفسير أنه
تعالى ذكره في معرض الانعام، فوجب حمله على الوصف الأكمل، وظاهر أن المطهر أكمل من
الطهارة انتهى (2). والحق أن المناقشة في كون الطهور بمعنى المطهر، وإن صحت نظرا
إلى قياس اللغة، لكن تتبع الروايات واستعمالات البلغاء يورث ظنا قويا بأن الطهور في
إطلاقاتهم المراد به المطهر، إما لكونه صفة بهذا المعنى أو اسما لما يتطهر به،،
وعلى التقديرين يثبت المرام، وسيأتي من الأخبار في هذا الكتاب ما ينبهك عليه.
(1) الانفال: 11. (2) راجع مسالك الافهام
للفاضل الجواد ج 1 ص 90.
[8]
الاخبار: 1 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن
الحسن العلوي، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن ماء
البحر أيتوضأ منه ؟ قال: لا بأس (1). 2 - محاسن البرقى: عن بعض أصحابه رفعه عن ابن
أخت الأوزاعي عن مسعدة بن اليسع، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال علي عليه
السلام: الماء يطهرو لا يطهر. ورواه عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه
السلام عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله (2): 3 - نوادر
الراوندي: باسناده، عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه
وآله مثله (3). بيان: الماء يطهر أي كل شئ حتى نفسه، إذ حذف المفعول يدل على
العموم، ولا يطهر من شئ إلا من نفسه لأن التعميم بالأول أنسب. ومن المعاصرين من ذهب
إلى ظاهر العموم (في ظاهر) الثاني وقال: لا يطهر نفسه أيضا، وقال: إن الماء لا
يتنجس من شئ حتى يطهره الماء أو شئ آخر، بل عند التغيير، النجس هو ذلك الجسم الذي
ظهر في الماء، فإذا استهلك عاد الماء إلى طهارته، وفي القول به إشكال، وإن لم يبعد
من ظواهر بعض الأخبار. وقال شيخنا البهائي قدس الله روحه: ربما يشكل حكمه عليه
السلام بأن الماء لا يطهر [فان القليل يطهر] (4) بالجاري وبالكثير من الراكد فلعله
عليه السلام أراد أن الماء يطهر غيره [ولا يطهره غيره].
(1) قرب الاسناد ص 84 ط حجر. (2) المحاسن
ص 570. (3) نوادر الراوندي ص 39. (4) زيادة من الكمبانى.
[9]
فان قلت: هذا أيضا على إطلاقه غير مستقيم،
فان البئر يطهر بالنزح وهو غير الماء ؟ قلت: مطهر ماء البئر في الحقيقة ليس هو
النزح، وإنما هو الماء النابع شيئا فشيئا وقت إخراج الماء المنزوح، فالاطلاق
مستقيم. فان قلت: الماء النجس يطهر بالاستحالة ملحا إذ ليس أدون من الكلب إذا
استحال ملحا، فقد طهر الماء غيره. قلت: فقد عدم فلم يبق هناك ماء مطهر بغيره. فان
قلت: الماء النجس إذا شربه حيوان مأكول اللحم وصار بولا فقد طهر الماء غيره من
الأجسام، من دون انعدام. قلت: كون المطهر له جوف الحيوان ممنوع، وإنما مطهره
استحالته بولا على وتيرة ما تلوناه عليك في استحالته ملحا. فان قلت: الماء القليل
النجس لو كمل كرا بمضاف لم يسلبه الاطلاق طهر عند جمع من الأصحاب، فقد طهر الماء
جسم مغاير له. قلت: يمكن أن يقال بعد مماشاتهم في طهارته بالاتمام أن المطهر هنا هو
مجموع الماء لا المضاف. 4 - المعتبر: قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: خلق الله
الماء طهورا لا ينجسه شئ ما إلا غير لونه أو طعمه أو ريحه (1). السرائر: مثله ونقل
أنه متفق على روايته (2). 5 - دعائم الاسلام: عن علي عليه السلام قال: من لم يطهره
البحر فلا طهر له (3). 6 - الهداية: للصدوق: الماء كله طاهر حتى يعلم أنه قذر.
(1) المعتبر: ص 9. (2) السرائر ص 7 و 8.
(3) دعائم الاسلام ج 1 ص 111.
[10]
7 - المقنعة: عن الباقر عليه السلام قال:
أفطر على الحلو فان لم تجده فأفطر على الماء فان الماء طهور. بيان: لعل المراد هنا
الطهور من الذنوب كما سيأتي (1). 8 - المعتبر: قال: قال النبي صلى الله عليه وآله
وقد سئل عن ماء البحر فقال: هو الطهور ماؤه الحل ميتته (2). بيان: لعل المراد
بالميتة ما لم ينحر ولم يذبح، فان السمك يحل بخروجه عن الماء من غير ذبح ونحر. 9 -
ارشاد القلوب: للديلمي عن موسى بن جعفر، عن آبائه، عن علي أمير المؤمنين عليهم
السلام أنه عليه السلام قال: في ذكر فضايل نبينا صلى الله عليه وآله وامته على
الأنبياء واممهم: إن الله سبحانه رفع نبينا صلى الله عليه وآله إلى ساق العرش فأوحى
إليه فيما أوحى: كانت الامم السالفة إذا أصابهم أذى نجس قرضوه من أجسادهم، وقد جعلت
الماء طهورا لامتك من جميع الانجاس والصعيد في الأوقات (3). بيان: لعله لم يكن الدم
نجسا في شرعهم، أو كان هذا معفوا (4).
(1) بل هو طهور للرجز - رجز الشيطان - من
باطن الامعاء، فيزيد في صحة البدن. (2) المعتبر: 7. (3) ارشاد القلوب ج 2 ص 222.
(4) لا يستلزم ذلك طهارة الدم في شرعهم أو كونه معفوا عنه، فان المراد بالقرض تمسح
خزف أو حجر أو تراب على الموضع النجس لتزول به النجاسة ويزول وينقرض الجلد الذى
نجس، وما كان يكفى لهم الغسل بالماء، وأما قرض الموضع النجس من اللباس وغير ذلك كما
وقع في سائر الاخبار، فهو خال عن الاشكال بالمرة.
[11]
2. * (باب) * * " (ماء المطر وطينه) " * 1
- قرب الاسناد: بالاسناد المتقدم، عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته
عن البيت يبال على ظهره ويغتسل من الجنابة، ثم يصيبه المطر، أيؤخذ من مائه فيتوضأ
للصلاة ؟ قال: إذا جرى فلا بأس (1). وعنه عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن رجل مر
في ماء مطر قد صبت فيه خمر فأصاب ثوبه هل يصلي فيه قبل أن يغسله ؟ قال: لا يغسل
ثوبه ولا رجليه ويصلي ولا بأس (2). وعنه عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الكنيف
يكون فوق البيت، فيصيبه المطر فيكف فيصيب الثياب أيصلي فيها قبل أن تغسل ؟ قال: إذا
جرى من ماء المطر فلا بأس [يصلي فيها خ] (3). كتاب المسائل: عن أحمد بن موسى بن
جعفر بن أبي العباس، عن أبي جعفر بن يزيد بن النضر الخراساني، عن علي بن الحسن
العلوي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام مثله (4). بيان: قوله عليه
السلام: " إذا جرى " استدل به على ما ذهب إليه الشيخ من اشتراط الجريان (5) ولم
يشترطه الأكثر، ويمكن أن يكون الاشتراط هنا لنفوذ
(1) قرب الاسناد ص 83، ط حجر. (2) قرب
الاسناد ص 83 وص 116 ط نجف. (3) قرب الاسناد ص 116 ط نجف ص 89 ط حجر. (4) راجع بحار
الانوار ج 4 ص 158 ط ك وج 10 ص 288 طبعتنا هذه. (5) والمراد بالجريان جرى ماء المطر
بحيث يذهب بعين النجاسة وأثرها إلى الميزاب ثم إلى صحن الدار، ان كان السطح متحجرا،
والى باطن السطح ان كان مطينا،
[12]
النجاسة في السطح حتى يستولي على النجاسة،
كما يدل عليه قوله: " يبال على ظهره " والظاهر أن السؤال عن الاغتسال لنجاسة المني.
والجواب عن السؤال الثاني إما مبني على عدم نجاسة الخمر كما نسب إلى الصدوق، أو على
كون المرور حال نزول المطر مع عدم التغير أو بعده مع الاستهلاك حالته، أو مع كرية
غير المتغير، وبالجملة الاستدلال به على كل من المطلبين مشكل. والجواب عن الثالث
يدل على أن ماء المطر مع الجريان مطهر، وفي اشتراط الجريان ما مر من الكلام، إذ
الكنيف بدون الجريان يتغير منه ماء المطر ويقال: وكف البيت بالفتح وكفا ووكيفا إذا
تقاطر الماء من سقفه فيه. 2 - فقه الرضا: إذا بقي ماء المطر في الطرقات ثلاثة أيام
نجس، واحتيج إلى غسل الثوب منه، وماء المطر في الصحاري يجوز الصلاة فيه طول الشتو.
3 - السرائر: من كتاب محمد بن على بن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل،
عن بعض أصحابنا، عن أبي الحسن عليه السلام في طين المطر أنه لا بأس به أن يصيب
الثوب ثلاثة أيام إلا أن يعلم أنه قد نجسه شئ بعد المطر (1). بيان: لهذه الرواية في
ساير الكتب تتمة فان أصابه بعد ثلاثة أيام غسله، وإن كان طريقا نظيفا لم يغسله (2)
واستدل به على عدم انفعال ماء المطر حال
فيطهر ظاهر السطح، في أول الجريان كما هو
قضية الحديث الاول، ثم بعد الجريان وذهاب الماء بالنجاسة من الميزاب لا بأس بالماء
المأخوذ من الميزاب فانه طاهر مطهر. واما الحديث الثالث فالمراد أن الوكوف إذا كان
من ماء المطر فلا بأس، وأما إذا كان من محل الكنيف ومخلوطا بالنجاسة، فلا يكون
طاهرا لنجاسة باطن السطح من دون أن يرى المطر، نعم إذا جرى ماء المطر من ظاهر السطح
إلى الباطن، ثم جرى في الباطن ووكف إلى الارض بحيث ذهب بجريانه وغوره بنجاسة باطن
السطح طهر بعد ذلك كله كما هو ظاهر. (1) السرائر ص 478. (2) راجع الكافي ج 3 ص 13.
[13]
التقاطر بالملاقات لحصر البأس في طين
المطر فيما إذا نجسه شئ بعد المطر، ففيما عداه لا بأس، وهو شامل لما إذا كانت الأرض
نجسة قبل المطر فيستفاد منه تطهير المطر الأرض وفيه كلام. وقال في المعالم: اشتهر
في كلام الأصحاب الحكم باستحباب إزالة طين المطر بعد ثلاثة أيام من وقت انقطاعه،
وأنه لا بأس به في الثلاثة ما لم يعلم فيه نجاسة، والأصل فيه رواية محمد بن
إسماعيل، انتهى، ويظهر من الخبر أن مع علم عدم النجاسة بل مع ظنه لا يحسن الاجتناب
قبل الثلاثة وبعدها. وقال العلامة في التحرير: لو وقع عليه في الطريق ماء ولا يعلم
نجاسته لم يجب عليه السؤال إجماعا وبنى على الطهارة. 4 - كتاب المسائل: بالاسناد،
عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن المطر يجري في المكان فيه
العذرة فيصيب الثوب أيصلي فيه قبل أن يغسل ؟ قال: إذا جرى به المطر فلا بأس (1).
بيان: يشمل القليل والكثير، فيدل على عدم انفعال القليل في حال نزول المطر ولا بد
من حمله عليه وعلى عدم التغير. ثم اعلم أن ظاهر أكثر الأخبار عدم انفعال الماء
المجتمع من المطر لا مطلق القليل فتأمل.
(1) قد طبع كتاب المسائل في البحار ج 10
من هذه الطبعة ترى نص الحديث ص 260 وفى قوله " إذا جرى به " تأييد لما قلناه ص 11 و
12.
[14]
3. * (باب) * * " (حكم الماء القليل وحد
الكثير وأحكامه) " * * " (وحكم الجارى) " * 1 - قرب الاسناد وكتاب المسائل
بالاسنادين المتقدمين، عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الدجاجة
والحمامة وأشباههن تطأ العذرة ثم تدخل في الماه أيتوضأ منه ؟ قال: لا إلا أن يكون
الماء كثيرا قدر كر [من ماء خ] (1). قال: وسألته عن الرجل يتوضأ في الكنيف بالماء
يدخل يده فيه أيتوضأ من فضله للصلاة ؟ قال: إذا أدخل يده وهي نظيفة فلا بأس، ولست
أحب أن يتعود ذلك إلا أن يغسل يده قبل ذلك (2). وسألته عن جنب أصابت يده من جنابته
فمسحه بخرقة ثم أدخل يده في غسله قبل أن يغسلها هل يجزيه أن يغتسل من ذلك الماء ؟
قال: إن وجد ماء غيره فلا يجزيه أن يغتسل به، وإن لم يجد غيره أجزأه (3). بيان:
الجواب الأول يدل على انفعال القليل، واشتراط الكرية في عدمه ردا على ابن أبي عقيل
ومن تبعه، قوله: " يتوضأ في الكنيف " أي يستنجى ويدل على انفعال القليل وإن كان
البأس أعم من النجاسة، ويدل على استحباب غسل اليد مع النظافة أيضا.
(1) قرب الاسناد ص 84 ط حجر وص 109 ط نجف
وكتاب المسائل ج 10 ص 288 من بحار الانوار. (2) قرب الاسناد ص 109 ط نجف. (3) قرب
الاسناد ص 110 ط نجف كتاب المسائل ج 10 ص 287 من البحار بلفظ غير هذا. (*)
[15]
والجواب الأخير يدل على عدم انفعال
القليل، وأن رعاية الكرية للاستحباب، وحمله على الكر بعيد جدا، ويمكن حمله على
التقية أو على أن المراد بقوله من جنابته ما يتبع الجنابة من العرق وشبهه، لا
المنى. 2 - علل الصدوق: عن أبيه، عن سعد، عن محمد بن الحسين، عن ابن يزيع عن يونس،
عن رجل من أهل المشرق، عن العيزار، عن الأحول قال: دخلت على أبي عبد الله عليه
السلام فقال: سل عما شئت فارتجت علي المسائل، فقال لي: سل ما بدالك، فقلت: جعلت
فداك الرجل يستنجي فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى، به فقال: لا بأس به، فسكت فقال:
أو تدري لم صار لا بأس به ؟ قلت: لا والله جعلت فداك فقال عليه السلام: إن الماء
أكثر من القذر (1). توضيح: قال الجوهري ارتج على القارئ - على ما لم يسم فاعله -
إذا لم يقدر على القراءة كأنه اطبق عليه، كما يرتج الباب، ولا تقل ارتج عليه
بالتشديد انتهى، ويدل على طهارة غسالة الاستنجاء مع عدم التغيير، بل يفهم من
التعليل عدم نجاسة غسالة الخبث مطلقا مع عدم التغيير. واختلف الأصحاب في غسالة
الخبث، فذهب جماعة من القدماء إلى الطهارة والأشهر النجاسة، واستثني منها غسالة
استنجاء الحدثين، فان المشهور فيها الطهارة وقيل: إنه نجس لكنه معفو وهو ضعيف،
واشترط فيه عدم التغير وعدم وقوعه على نجاسة خارجة وبعض عدم تميز أجزاء النجاسة في
الماء وبعض عدم تقدم اليد على الماء في الورود على النجاسة، وبعض عدم زيادة الوزن.
واشترط أيضا عدم كون الخارج غير الحدثين، وأن لا يخالط نجاسة الحدثين نجاسة اخرى،
وأن لا تكون متعدية، وإطلاق النص يدفع الجميع سوى الأولين والأخير مع التفاحش بحيث
لا يعد استنجاء. 3 - البصاير للصفار: عن إبراهيم بن هاشم، عن أبي عبد الله البرقي،
عن إبراهيم بن محمد، عن شهاب بن عبد ربه قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام
(1) علل الشرائع ج 1 ص 271.
[16]
وأنا اريد أن أسأله من الجنب يغرف الماء
من الحب ؟ فلما صرت عنده انسيت المسألة، فنظر إلى أبو عبد الله عليه السلام فقال:
يا شهاب لا بأس أن يغرف الجنب من الحب (1). 4 - ومنه: عن محمد بن إسماعيل، عن علي
بن الحكم، عن شهاب بن عبد ربه قال: أتيت أبا عبد الله عليه السلام أسأله فابتدأني
فقال: إن شئت فاسأل يا شهاب، و إن شئت أخبرناك بما جئت له، قلت: أخبرني جعلت فداك،
قال: جئت لتسأل عن الجنب يغرف الماء من الحب بالكوز فيصيب يده الماء ؟ قال: نعم،
قال: ليس به بأس. قال: وإن شئت سل وإن شئت أخبرتك، قال: قلت له: أخبرني جعلت فداك،
قال: جئت لتسأل عن الجنب يسهو ويغمر يده في الماء قبل أن يغسلها ؟ قلت: وذاك جعلت
فداك: قال: إذا لم يكن أصاب يده شئ فلا بأس بذاك. فسل وإن شئت أخبرتك قلت: أخبرني
قال: جئت لتسألني عن الغدير يكون في جانبه الجيفة أتوضأ أو لا ؟ قال: نعم، قال:
فتوضأ من الجانب الاخر إلا أن يغلب على الماء الريح فينتن. وجئت لتسأل عن الماء
الراكد من البئر (2) قال: فما لم يكن فيه تغيير أو ريح غالبة - قلت: فما التغيير ؟
قال: الصفرة - فتوضأ منه وكلما غلب عليه كثرة الماء فهو طاهر (3). بيان: قوله: " من
البئر " كذا في أكثر النسخ فيدل على عدم انفعال البئر بدون التغيير إلا أن يحمل على
غير النابع مجازا، وفي بعضها " من الكر " فيوافق المشهور، وذكر الصفرة على المثال.
5 - فقه الرضا: إن اغتسلت من ماء الحمام ولم يكن معك ما تغرف به
(1) بصائر الدرجات ص 236. (2) من الكر خ
ل. (3) بصائر الدرجارت ص 238.
[17]
ويداك قذرتان فاضرب يدك في الماء وقل: بسم
الله، هذا مما قال الله تبارك و تعالى: " ما جعل عليكم في الدين من حرج " (1). وقال
عليه السلام: كل غدير فيه من الماء أكثر من كر لا ينجسه ما يقع فيه من النجاسات إلا
أن يكون فيه الجيف فتغير لونه وطعمه ورائحته، فإذا غيرته لم تشرب منه، ولم تطهر
منه، واعلموا رحمكم الله أن كل ماء جار لا ينجسه شئ. بيان: المراد بالقذر الدنس غير
النجس والتسمية لجبر النجاسة الوهمية وتدارك ترك المستحب من غسل اليد قبل إدخال
القليل اضطرارا، أو هي كناية عن الشروع بلا توقف كما هو الشايع، أو المراد الاتيان
بالتسمية التي هي أول الأفعال المستحبة في الوضوء والغسل، أو المراد بالقذر النجس
فيحمل الماء على الكر. 6 - السراير: من كتاب البزنطي، عن عبد الكريم، عن أبي بصير
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجنب يجعل الركوة أو التور فيدخل أصبعه
فيها، فقال: إن كانت يده قذرة فليهرقه، وإن كان لم يصبها قذر فليغتسل به، هذا مما
قال الله عزوجل " ما جعل عليكم في الدين من حرج " (2). بيان: قال: في النهايه
الركوة إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء، وقال: التور إناء من صفر أو حجارة
كالاجانة، وقد يتوضأ منه. 7 - كشف الغمة: من كتاب الدلائل لعبد الله بن جعفر
الحميري، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: لما كان في الليلة التي وعد فيها
علي بن الحسين عليه السلام قال لمحمد: يا بني أبغني وضوء قال: فقمت فجئته بماء
فقال: لا تبغ هذا، فان فيه شيئا ميتا، قال: فخرجت فجئت بالمصباح فإذا فيه فارة
ميتة، فجئته
(1) الحج: 78. (2) السرائر: 465.
[18]
بوضوء غيره (1). البصاير: لسعد بن عبد
الله، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن سعد بن مسلم عن أبي عمران، عن أبي عبد الله
عليه السلام مثله (2). بيان: قال في النهاية: يقال: ابغني كذا بهمزة الوصل أي اطلب
لي، و أبغني بهمزة القطع أي أعني على الطلب، ومنه الحديث أبغوني حديدة أستطيب بها
بهمزة الوصل والقطع. 8 - كتاب المسائل بالاسناد المتقدم، عن علي بن جعفر، عن أخيه
موسى عليه السلام قال: سألته عن جرة ماء فيه ألف رطل وقع فيه أوقية بول، هل يصلح
شربه أو الوضوء منه ؟ قال: لا يصلح (3). 9 - مجالس الصدوق: قال: روي أن الكر هو ما
يكون ثلاثة أشبار طولا في ثلاثة أشبار [عرضا في ثلاثة أشبار عمقا (4). 10 - المقنع:
الكر: ما يكون ثلاثة أشبار طولا في عرض ثلاثة أشبار] في عمق ثلاثة أشبار. وروي أن
الكر ذراعان وشبر في ذراعين وشبر. وسئل أبو عبد الله عليه السلام عن الماء الذي لا
ينجسه شئ قال: ذراعان عمقه في ذراع وشبر سعته. وروي أن الكر ألف ومائتا رطل (5).
تحقيق وتفصيل: اعلم أن للأصحاب في معرفة الكر طرقين المقدار والأشبار، والأول ألف
(1) كشف الغمة ج 2 ص 308 ط اسلامية وص 208
ط حجر. (2) البصائر ص 483. (3) كتاب المسائل ج 10 من البحار ص 290. (4) أمالى
الصدوق ص 383. (5) المقنع ص 4.
[19]
ومائتا رطل، وظاهر المعتبر اتفاق الأصحاب
عليه، لكن اختلفوا في تعيين الأرطال فذهب الأكثر إلى أنه العراقي، وذهب علم الهدى
والصدوق إلى أنه المدني وهو رطل ونصف بالعراقي والأول أظهر، وأما الثاني فالمشهور
أنه ثلاثة أشبار ونصف في ثلاثة أشبار ونصف في ثلاثة أشبار ونصف. وذهب الصدوق وجماعة
من القميين إلى أنه ثلاثة في ثلاثة في ثلاثة يرتقي إلى سبعة وعشرين وهذا لا يخلو من
قوة، وحكي عن ابن الجنيد تحديده بما بلغ تكسيره نحوا من مائة شبر، وعن القطب
الراوندي بما بلغت أبعاده الثلاثة عشرة أشبار ونصفا ولم يعتبر التكسير، وقال
المتأخرون من أصحابنا: ولم نقف لهما على دليل. وأما خبر الذراعين في ذراع وشبر فهو
أصح الأخبار الواردة في هذا الباب رواه الشيخ بسند صحيح عن إسماعيل بن جابر (1) فلو
حملنا السعة على الطول و العرض يصير ستة وثلاثين شبرا، وهذا وإن لم يعمل به أحد من
حيث الأشبار لكنه أقرب التحديدات من التحديد بحسب المقدار كما حققته في رسالة
الأوزان ولم أر من تفطن به، وترك العمل به حينئذ أغرب ولو حملناه على الحوض المدور
يصير مضروبه ثمانية وعشرين شبرا وسبعي شبر، فيقرب من مذهب القميين، و ربما كان
الشبران زائدين على الذراع بقليل، ويؤيده أن راوي الخبرين واحد وهو إسماعيل بن جابر
والحوض المدور في المصانع والغدران التي بين الحرمين شايع، ولعل القطر بالسعة أقرب
وأنسب. وأما ذراعان وشبر في ذراعين وشبر فلم أره رواية ومذهبا إلا في هذا الكتاب
وهو أيضا إذا حملناه على الطول والعرض بأن حملنا الثاني على السعة التي تشمل الطول
والعرض أو يقال: اكتفى بذكر الجهتين عن الثالثة يصير مائة وخمسة وعشرين، ولم يقل به
أحد، ولو حملناه على الحوض المدور يصير مضروبه ثمانية وتسعين وسبعا ونصف سبع، ويقرب
من مذهب ابن الجنيد مع أنه بني الكلام على التقريب فهو يصلح أن يكون دليلا على ما
اختاره، والأصوب حمله على
(1) راجع التهذيب ج 1 ص 12 ط حجر.
[20]
الاستحباب أو التقية. 11 - كتاب المسائل:
بالاسناد المتقدم عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل
يرعف وهو يتوضأ فيقطر قطرة في إنائه هل يصلح له الوضوء منه ؟ قال: لا وسألته عن رجل
رعف فامتخط فطار بعض ذلك الدم قطرا قطرا صغارا فأصاب إناءه هل يصلح الوضوء منه ؟
قال: إن لم يكن شئ يستبين في الماء فلا بأس، و إن كان شيئا بينا فلا يتوضأ منه (1).
بيان: استدل به على ما نسب إلى الشيخ من عدم انفعال القليل بما لا يدركه الطرف من
الدم، ويمكن حمل السؤال على أن مراده أن إصابة الدم الاناء معلوم، ولكنه لا يرى في
الماء شيئا، والظاهر وصوله إلى الماء أيضا والأصل عدمه، فهل يحكم هنا بالظاهر أو
بالأصل، وهو محمل قريب. 12 - نوادر الراوندي: باسناده إلى موسى بن جعفر عن آبائه
عليهم السلام قال: قال علي عليه السلام: الماء الجاري لا ينجسه شئ. وبهذا الاسناد
قال: قال علي عليه السلام: الماء يمر بالجيف والعذرة والدم يتوضأ منه ويشرب ليس
ينجسه شئ (2). بيان: حمل على الجاري أو الكثير مع عدم التغيير والأول أظهر. 13 -
دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنين عليه السلام قال في الماء الجاري يمر بالجيف
والعذرة والدم: يتوضأ منه ويشرب، وليس ينجسه شئ ما لم يتغير أوصافه طعمه ولونه
وريحه. وعنه صلوات الله عليه أنه قال: ليس ينجس الماء شئ. وعن أبي عبد الله عليه
السلام أنه سئل عن ميضاة كانت بقرب مسجد تدخل الحائض فيها يدها أو الغلام فيها يده
قال: توضأ منها فان الماء لا ينجسه شئ.
(1) كتاب المسائل ج 10 ص 256 من البحار.
(2) نوادر الراوندي ص 39.
[21]
وعنه عليه السلام أنه سئل عن الغدير يكون
بجانب القرية يكون فيه العذرة، ويبول فيه الصبي، وتبول فيه الدابة وتروث، قال: إن
عرض بقلبك شئ منه فقل هكذا (1) وتوضأ - وأشار بيده أي حركه وأفرج بعضه عن بعض -
وقال: إن الدين ليس بضيق قال الله عزوجل: " ما جعل عليكم في الدين من حرج ". وسئل
عليه السلام عن غدير فيه جيفة فقال: إن كان الماء قاهرا لا يوجد فيه ريحها فتوضأ
(2). وسئل أيضا عن الغدير تبول فيه الدواب، وتلغ منه الكلاب، ويغتسل منه الجنب
والحائض، فقال: إن كان قدر كر لم ينجسه شئ. وسئل عن الغدير يبول فيه الدواب وتروث،
ويغتسل فيه الجنب، فقال: لا بأس إن رسول الله صلى الله عليه وآله نزل بأصحابه في
سفر لهم على غدير، وكانت دوابهم تبول فيه وتروث، فيغتسلون فيه ويتوضؤون منه
ويشربون. وعنه عليه السلام أنه قال: إذا مر الجنب بالماء وفيه الجيفة أو الميتة فان
كان قد تغير لذلك طعمه أو ريحه أو لونه فلا يشرب منه، ولا يتوضأ
(1) في المصدر المطبوع فافعل هكذا، وهو
تصحيف من المصحح، فان لفظ الحديث في سائر المجاميع أيضا كما نقله في المتن (راجع
التهذيب ج 1 ص 118 ط حجر، وج 1 ص 417 ط نجف) وقوله " فقل هكذا " " قل " فعل أمر
يعبر به عن التهيؤ للافعال والاستعداد لها كما يقال: " قال فأكل " و " قال فضرب " و
" قال فتكلم " واما " هكذا " فقيل انه اسم سمى به الفعل، فقد وقع في الحديث (سيرة
ابن هشام ج 2 ص 414): " إذ أقبل خراش بن امية مشتملا على السيف فقال هكذا عن الرجل،
ووالله ما نظن الا أنه يريد أن يفرج الناس عنه، فلما انفرجنا عنه حمل عليه فطعنه
بالسيف في بطنه " وحكى عن أبى ذر أن هكذا اسم سمى به الفعل ومعناه تنحوا عن الرجل،
وعن متعلقة بما في هكذا من معنى الفعل، لكن الظاهر أن القائل " هكذا " يشير بيديه
ما يؤدى معنى الانفراج كما فهمه الراوى. (2) دعائم الاسلام ج 1 ص 111.
[22]
ولا يتطهر منه. وعنه عن آبائه عليهم
السلام قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن الماء ترده السباع والكلاب
والبهائم فقال: لها ما أخذت بأفواهها ولكم ما بقي (1). 14 - الهداية: لا يفسد الماء
إلا ما كانت له نفس سائلة، وإذا كان الماء كرا لم ينجسه شئ، والكر ثلاثة أشبار طول،
في عرض ثلاثة أشبار، في عمق ثلثة أشبار، وإن أهل البادية سألوا رسول الله صلى الله
عليه وآله فقالوا: يا رسول الله إن حياضنا هذه تردها السباع والكلاب والبهائم، فقال
صلى الله عليه وآله: لها ما أخذت أفواهها ولكم سائر ذلك. بيان: حمل على الكثير أو
على عدم ملاقات الكلاب وأشباهها، بل الظن الغالب وهو غير معتبر في هذا الباب،
وظاهره عدم انفعال القليل (2).
(1) المصدر: ج 1 ص 112. (2) عندي أن
المراد بالورود: الشرب والكروع، والسباع والكلاب وسائر البهائم ليس يلغون في الماء
عند كروعها، والملاقات المسرية انما تكون إذا سرى من الكلب شئ من أجزائه إلى الماء
كلعاب فمه وهو الولوغ، وليس مفروضا في الحديث، فطهارة الماء وان كان قليلا (كما هو
الظاهر من حياضهم فانهم كانوا يبنون على الابار حياضا ثم يستقون من البئر دلاء بقدر
ما يحتاج دوابهم ويصبونها في الحوض) مطابق للاصل.
[23]
4. * (باب) * * " (حكم البئر وما يقع
فيها) " * 1 - قرب الاسناد: بالاسناد المتقدم، عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام
قال: سألته عن رجل يذبح شاة فاضطربت فوقعت في بئر ماء وأوداجها تشخب دما، هل يتوضأ
من تلك البئر ؟ قال: ينزح منها ما بين الثلاثين إلى الأربعين دلوا ثم يتوضأ منها
ولا بأس به (1). وسألته عن رجل ذبح دجاجة أو حمامة فوقعت من يده في بئر ماء
وأوداجها تشخب دما، هل يتوضأ من تلك البئر ؟ قال: ينزح منها ما بين الثلاثين إلى
الأربعين (2). وسألته عن رجل يستقي من بئر ماء فرعف فيها هل يتوضأ منها ؟ قال: ينزح
منها دلاء يسيرة ويتوضأ منها (3). وسألته عن بئر وقع فيها زنبيل من عذرة رطبة أو
يابسة أو زنبيل من سرقين هل يصلح الوضوء منها ؟ قال: لا بأس (4). بيان: يدل ما سوى
الجواب الأخير على وجوب النزح إن قلنا بكون الأمر وما في حكمه للوجوب، وإلا فعلى
الرجحان في الجملة. واعلم أنه لا خلاف في نجاسته بالتغيير واختلف في حكمه مع مجرد
الملاقات والأشهر أنه ينجس بالملاقات مطلقا، وذهب جماعة من الأصحاب كالعلامة وولده
إلى عدم نجاسته مطلقا، وذهب محمد بن محمد البصروي من المتقدمين إلى التفصيل والقول
بعدم النجاسة إن كان كرا، وبها إن لم يكن كرا، والزم على العلامة القول به حيث
اشترط في الجاري الكرية وفيه نظر.
(1 - 3) قرب الاسناد ص 84 ط حجر. (4) قرب
الاسناد ص 110 ط نجف.
[24]
ثم القائلون بالطهارة اختلفوا في وجوب
النزح بوقوع النجاسات المخصوصة والمشهور بينهم الاستحباب، وذهب العلامة في المنتهى
إلى الوجوب تعبدا لا للنجاسة ولم يصرح بأنه يحرم استعماله قبل النزح حتى يتفرع عليه
بطلان الوضوء والصلاة، بناء على أن النهي في العبادة مستلزم للفساد أم لا. ثم إنهم
اختلفوا في حكم الدم فالمفيد في المقنعة حكم بوجوب خمسة دلاء للقليل، وعشرة للكثير،
وقال الشيخ في النهاية والمبسوط: للقليل عشرة وللكثير خمسون، والصدوق قال بوجوب
ثلاثين إلى أربعين في الكثير، ودلاء يسيرة في القليل، وإليه ميل المعتبر والذكرى،
وهو أقوى، وقال المرتضى في المصباح في الدم ما بين الدلو الواحد إلى عشرين، وفي
ساير كتب الحديث في جواب السؤال عن الدجاجة والحمامة ينزح منها دلاء يسيرة وهو
أظهر. وفي المغرب أوداج الدابة هي عروق الحلق من المذبح، الواحد ودج وفي الصحاح
انشخب عروقه دما انفجر، وقال: الزبيل معروف فإذا كسرت شددت فقلت زبيل أو زنبيل لأنه
ليس في كلامهم فعليل بالفتح انتهى، والسرقين بكسر السين معرب سركين بفتحها. قال
الصدوق في الفقيه بعد إيراد مضمون الرواية: هذا إذا كانت في زبيل ولم ينزل منه شئ
في البئر، وربما تحمل العذرة والسرقين على ما إذا كانا من مأكول اللحم أو غير ذي
النفس، ولا يخفى بعد الوجهين، وبعد مثل هذا السؤال عن مثل علي بن جعفر رضي الله
عنه، بل ظاهر الخبر عدم انفعال البئر بمجرد الملاقات كما هو الظاهر من النصوص
القوية والله يعلم. 2 - بصائر الصفار: عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن الحكم، عن
شهاب بن عبد ربه قال: أتيت أبا عبد الله عليه السلام فقال: جئت لتسأل عن الماء
الراكد من البئر قال: فما لم يكن فيه تغيير أو ريح غالبة، قلت: فما التغيير ؟ قال:
الصفرة فتوضأ منه وكلما غلب عليه كثرة الماء فهو طاهر (1).
(1) بصائر الدرجات ص 238 ذيل حديث، وقد مر
تحت الرقم 3 في الباب 3، و
[25]
3 - فقه الرضا: ماء البئر طهور ما لم
ينجسه شئ يقع فيه وأكبر ما يقع فيه إنسان فيموت، فانزح منها سبعين دلوا وأصغر ما
يقع فيها الصعوة فانزح منها دلوا واحدا، وفيما بين الصعوة والانسان على قدر ما يقع
فيها، فان وقع فيها حمار فانزح منها كرا من الماء، فان وقع فيها كلب أو سنور فانزح
منها ثلاثين دلوا إلى أربعين، والكر ستون دلوا، وقد روي سبعة أدل. وهذا الذي وصفناه
في ماء البئر ما لم يتغير الماء فان تغير الماء وجب أن ينزح الماء كله، فان كان
كثيرا وصعب نزحه فالواجب عليه أن يكتري عليه أربعة رجال يستقون منها على التراوح من
الغدوة إلى الليل، فان توضأت منه أو اغتسلت أو غسلت ثوبا بعد ما تبين وكل آنية صب
فيه ذلك الماء غسل، وإن وقعت فيها حية أو عقرب أو خنافس أو بنات وردان فاستق للحية
أدل، وليس لسواها شئ، وإن مات فيها بعير أو صب فيها خمر فانزح منها الماء كله، وإن
قطر فيها قطرات من دم فاستق منها دلاء، وإن بال فيها رجل فاستق منها أربعين دلوا،
وإن بال صبي وقد أكل الطعام استق منها ثلاثة أدل، وإن كان رضيعا استق منها دلوا
واحدا. وكل بئر عمق مائها ثلاثة أشبار ونصف في مثلها فسبيلها سبيل الماء الجاري إلا
أن يتغير لونها وطعمها ورائحتها، فان تغيرت نزحت حتى تطيب، وإذا سقط في البئر فارة
أو طائر أو سنور وما أشبه ذلك، فمات فيها ولم يتفسخ، نزح منه سبعة أدل من دلاء هجر،
والدلو أربعون رطلا، وإن تفسخ نزح منها عشرون دلوا وروى أربعون دلوا. اللهم إلا أن
يتغير اللون والطعم والرائحة، فينزح حتى تطيب. بيان: لعل المراد بالأكبر الأكبر
بحسب النزح بالنسبة إلى ما ينزح بالدلاء أو بالاضافة إلى ما يقع فيها غالبا وفي
أكثر نسخ التهذيب بالثاء المثلثة (1) ولا خلاف بين القائلين بوجوب النزح أنه يجب
نزح سبعين بموت الانسان والمشهور بينهم
عرفت هناك أن قوله " من الكر " خ ل. (1)
التهذيب ج 1 ص 235 ط نجف
[26]
شموله للكافر أيضا، وذهب ابن إدريس إلى
نزح الجميع لموت الكافر. قوله: " على قدر ما يقع فيها " قال الوالد العلامة - رحمه
الله -: يمكن أن يكون بتخمين المكلف أو بنصهم عليهم السلام والغرض من ذكره أنه لا
ينقص من واحد ولا يزيد على السبعين، فان سئلوا عليهم السلام عنه بينوا وإلا احتاطوا
بنزح السبعين وهو أحسن من نزح الكل، ويمكن أن يكون المراد الأكبر باعتبار النزح لا
الجثة ويكون عاما في الميتة إلا ما أخرجه الدليل من الكل والكر و نحوهما انتهى
كلامه رفع مقامه. والكر للحمار هو المشهور، بل لم يظهر مخالف، وأما تحديد الكر بما
ذكر فغير معروف ولم أر به قولا ولا رواية غير هذا (3) وما ذكر في الكلب و السنور
اختاره الصدوق في المقنع، وقال بعد ذلك: وروي سبعة دلاء والمشهور أربعون فيهما، وفي
ما أشبههما، وأما حكم التغير فعلى القول بعدم نجاسة البئر وعدم وجوب النزح فاكتفوا
بالنزح حتى يزول التغير كما يدل عليه الخبر مع كرية البئر. وعلى القول بوجوب النزح
وانفعال البئر ففيه أقوال: الأول وجوب نزح الجميع، فان تعذر فالتراوح كما دلت عليه
هذه الرواية مع عدم الكرية، الثاني نزح الجميع فان تعذر فالى أن يزول التغير،
الثالث النزح حتى يزول التغير، الرابع نزح أكثر الأمرين من استيفاء المقدر وزوال
التغير، الخامس نزح أكثر
(1) وبعد قوله " والدلو أربعون رطلا "
يصير الكر ألفين وأربعمائة رطل وفى الكتاب أعنى المصدر المعروف بفقه الرضا - تحديد
الكر هكذا: والعلامة في ذلك أن تأخذ الحجر فترمى به في وسطه، فان بلغت أمواجه من
الحجر جنبى الغدير فهو دون الكر، وان لم يبلغ فهو كر لا ينجسه شئ، وقد ذكرنا مرارا
أن المصدر هو كتاب التكليف لابن أبى العزاقر الشلمغانى، ولذا لم ينقل هذا النحو من
التحديد - وان كان فسره بذلك اللغوى الكبير أبو منصور الثعالبي في كتابه: فقه اللغة
- الا من الشلمغانى، راجع في ذلك البحار ج 51 ص 375 من طبعتنا هذه.
[27]
الأمرين إن كان للنجاسة مقدر، وإلا
فالجميع، فان تعذر فالتراوح، السادس نزح الجميع فان غلب الماء اعتبر أكثر الأمرين
من زوال التغير والمقدر، السابع نزح ما يزيل التغير أولا ثم استيفاء المقدر بعده إن
كان لتلك النجاسة مقدر، وإلا فالجميع فان تعذر فالتراوح، الثامن أكثر الأمرين إن
كان لها مقدر وإلا فزوال التغير. وأما الحية فذهب كثير من الأصحاب إلى أن فيها ثلاث
دلاء، والعلامة في المختلف أسند إلى علي بن بابويه في بحث الحية القول بنزح سبع
دلاء لها. وقال في مسألة العقرب: وقال علي بن بابويه في رسالته: إذا وقعت فيها حية
أو عقرب أو خنافس أو بنات وردان، فاستق منها للحية سبع دلاء، وليس عليك فيما سواها
شئ، لكن نقل المحقق في المعتبر عبارة الرسالة بنحو آخر، وفيها موضع سبع دلاء دلوا
واحدا، وقال صاحب المعالم: وفيما عندنا من نسخة الرسالة القديمة التي عليها آثار
الصحة دلاء بدون السبع. وأما البعير فلا خلاف بين القائلين بوجوب النزح في وجوب نزح
الجميع وكذا أكثر القائلين بنجاسة البئر بالملاقات أوجبوا نزح الجميع بوقوع الخمر
مطلقا، سواء كان قليلا أم كثيرا، والصدوق في المقنع فرق بين قليله وكثيره فحكم
بوجوب عشرين دلوا لوقوع قطرة منه، ويفهم من ظاهر المعتبر الميل إليه. وأما الأربعون
لبول الرجل فهو المشهور وأما الثلاثة للصبي، فهو مختار الصدوق والمرتضى في المصباح،
وذهب الشيخان وأتباعهما إلى السبع وفي الرضيع المشهور الدلو الواحد، وقال أبو
الصلاح وابن زهرة: ينزح له ثلاث دلاء، ويدل على أن مع الكرية لا ينفعل ماء البئر
بالنجاسة، وعلى أن الكر ثلاثة أشبار ونصف كما هو المشهور. وأما الفأرة فالمشهور أنه
مع عدم التفسخ أو الانتفاخ ثلاث دلاء ومع
[28]
أحدهما السبع، وقال المرتضى في المصباح:
في الفارة سبع وقد روي ثلاث، وقال الصدوق في الفقيه فان وقع فيها فارة ولم تتفسخ
ينزح منها دلو واحد، وإذا تفسخت فسبع دلاء، ولعل رواية الأربعين إشارة إلى ما رواه
الشيخ عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن الفارة تقع في البئر
قال: إذا ماتت ولم تنتن فأربعين دلوا، وإذا تفسخت فيه ونتنت نزح الماء كله.
والمعروف بين الأصحاب في الطير السبع ويفهم من الاستبصار جواز الاكتفاء بالثلاث.
وأما السنور فلعله وقع في أحد الموضعين اشتباه من النساخ أو السبع على الوجوب
والزائد على الاستحباب. وفي الفقيه قال: في الكلب ثلاثون إلى أربعين، وفي السنور
سبع دلاء، وقال الشهيد - رحمه الله - في الذكرى: المراد بالدلو حيث تذكر ما كانت
عادية وقيل: هجرية ثلاثون رطلا، وقال الجعفي أربعون رطلا. 4 - المعتبر: عن علي بن
حديد، عن بعض أصحابنا قال: كنت مع أبي عبد الله عليه السلام في طريق مكة فصرنا إلى
بئر فاستقى غلام أبي عبد الله عليه السلام دلوا فخرج فيه فارتان، فقال أبو عبد الله
عليه السلام: أرقه قال: فاستقى آخر فخرج فيه فارة، فقال أبو عبد الله عليه السلام:
أرقه، قال: فاستقى الثالث فلم يخرج فيه شئ فقال صبه في الاناء فصبه فتوضأ منه وشرب
(1). بيان: هذا الخبر مما يدل على عدم انفعال البئر بالملاقات، والشيخ في التهذيب
(2) أورد هذا الخبر إلى قوله صبه في الاناء، وبعد الطعن في السند قال: يحتمل أن
يكون أراد بالبئر المصنع الذي فيه الماء ما يزيد مقداره على الكر فلا يجب نزح شئ
منه، ثم إنه لم يقل إنه توضأ منه بل قال: صبه في الاناء وليس في قوله صبه في الاناء
دلالة على جواز استعماله في الوضوء، ويجوز أن يكون إنما أمره بالصب في الاناء
لاحتياجهم إليه في الشرب، وهذا يجوز عندنا عند
(1) المعتبر: 11. (2) التهذيب ج 1 ص 240
وفى ط حجر ج 1 ص 68.
[29]
الضرورة انتهى. ولا يخفى أن هذا الوجه
الأخير لا يستقيم مع التتمة التي رواها في المعتبر وربما يحمل على أنه كانت الفارة
حية. 5 - السرائر: قال: الأخبار متواترة عن الأئمة الطاهرين سلام الله عليهم بأن
ينزح لبول الانسان أربعون دلوا (1). بيان: إن كان النقل بتلك العبارة كما ادعاه -
رحمه الله - فهو شامل لبول المرأة فيدل على ما اختاره من مساواة بولها لبوله في
الحكم، وألحقه جماعة بما لا نص فيه، والمحقق أوجب في المعتبر فيه ثلاثين دلوا. 6 -
المعتبر: روى الحسين بن سعيد، في كتابه عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن السنور فقال: أربعون دلوا وللكلب وشبهه
(2). بيان: أي شبهه في الجثة أو في الأوصاف أيضا كالخنزير. 7 - كتاب المسائل:
بالاسناد المتقدم، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن فارة
وقعت في بئر فاخرجت وقد تقطعت هل يصلح الوضوء من مائها ؟ قال: ينزح منها عشرون دلوا
إذا تقطعت ثم تتوضأ ولا باس. وسألته عن صبى بال في بئر هل يصلح الوضوء منها ؟ فقال:
ينزح الماء كله (3). بيان: لعل نزح العشرين في الفارة موافقا لما مر في الفقه
الرضوي، و نزح كل الماء لبول الصبي محمولان على الاستحباب، أو في الأخير على التغير
وقال سيد المحققين في المدارك: الأظهر نزح دلاء للقطرات من البول مطلقا
(1) السرائر ص 13. (2) المعتبر ص 16. (3)
كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 290.
[30]
لصحيحة ابن بزيع (1) ونزح الجميع لانصبابه
فيها كذلك لصحيحة (2) معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام في البئر يبول فيها
الصبي أو يصب فيها خمر أو بول فقال: ينزح الماء كله. 8 - الهداية: ماء البئر واسع
لا يفسده شئ وأكبر ما يقع في البئر الانسان فيموت فيها، ينزح منها سبعون دلوا،
وأصغر ما يقع فيها الصعوة ينزح منها دلوا واحد، وفيما بين الانسان والصعوة على قدر
ما يقع فيها، وإن وقع فيها ثور أو بعير أو صب فيها خمر نزح الماء كله، وإن وقع فيها
حمار نزح منها كر من ماء، وإن وقع فيها كلب أو سنور نزح منها ثلاثون دلوا إلى
أربعين دلوا، وإن وقعت فيها دجاجة أو طير نزح منها سبع دلاء، وإن وقعت فيها فارة
نزح منها دلو واحد، وإن تفسخت فسبع دلاء، وإن بال فيها رجل نزح منها أربعون دلوا
وإن بال فيها صبي قد أكل الطعام نزح منها ثلاث دلاء، فإن كان رضيعا نزح منها دلو
واحد، وإن وقعت فيها عذرة استقى منها عشرة دلاء، فان ذابت فيها فأربعون دلوا إلى
خمسين دلوا.
(1) التهذيب ج 1 ص 244 وج 1 ص 69 ط حجر.
(2) التهذيب ج 1 ص 241 وج 1 ص 68.
[31]
5. * (باب) * * " (البعد بين البئر
والبالوعة) " * 1 - قرب الاسناد: عن محمد بن خالد الطيالسي، عن العلاء، عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: سألته عن البئر يتوضأ منها القوم وإلى جانبها بالوعة ؟ قال:
إن كان بينهما عشرة أذرع، وكانت البئر التي يستقون منها يلي الوادي فلا بأس (1).
توضيح وتنقيح: اعلم أن المشهور أن البئر لا تنجس بالبالوعة، وإن تقاربتا، إلا أن
يعلم وصول نجاستها إلى الماء بناء على القول بالانفعال أو بتغيره بناء على عدمه، ثم
المشهور استحباب التباعد بينهما بمقدار خمس أذرع إن كانت البئر فوق البالوعة، أو
كانت الأرض صلبة، وإلا فسبع، ومنهم من اعتبر الفوقية بحسب الجهة - على أن جهة
الشمال أعلى - فحصلت الفوقية والتحية والتساوي بحسب الجهة، ومنهم من قسم التساوي
إلى الشرقية والغربية فتصير أقسام المسألة باعتبار صلابة الأرض ورخاوتها، وكون
البئر أعلا بسب القرار أو أسفل أو مساويا، وكونها في جهة المشرق أو المغرب أو
الجنوب أو الشمال أربعا وعشرين: فمنهم من قال: إذا كانت البئر فوق البالوعة جهة أو
قرارا أو كانت الأرض صلبة فخمس وإلا فسبع ومنهم من عكس وقال: إذا كانت البئر تحت
البالوعة جهة أو قرارا أو كانت الأرض رخوة فسبع وإلا فخمس، والفرق بين التعبيرين
ظاهر، إذ التساوي في أحدهما ملحق بالخمس، وفي الاخر بالسبع. وخالف ابن الجنيد
المشهور واختلف النقل عنه فالمشهور أنه يقول: إن
(1) قرب الاسناد ص 16 ط حجر وص 24 ط نجف.
[32]
كانت الارض رخوة والبئر تحت البالوعة،
فليكن بينهما اثنتا عشرة ذراعا، وإن كانت صلبة أو كانت البئر فوق البالوعة فليكن
بينهما سبع أذرع، وحكى صاحب المعالم عنه أنه قال في المختصر: لا أستحب الطهارة من
بئر تلي بئر النجاسة التي تستقر فيها من أعلاها في مجرى الوادي إلا إذا كان بينهما
في الأرض الرخوة اثنتا عشرة ذراعا، وفي الأرض الصلبة سبعة أذرع، فان كانت تحتها
والنظيفة أعلاها فلا بأس، وإن كانت محاذيتها في سمت القبلة فإذا كان بينهما سبعة
أذرع فلا بأس. فإذا عرفت هذا فالخبر المتقدم لا يوافق شيئا من المذاهب، ويمكن حمله
على المشهور، على مرتبة من مراتب الاستحباب والفضل، ولعل المراد بكون البئر يلى
الوادي كونها في جهة الشمال لأن مجري العيون منها، فالمراد الوادي تحت الأرض، ولا
يبعد أن يكون في الأصل أعلى الوادي، وفقا لما رواه الكليني (1) عن علي بن إبراهيم،
عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن زرارة ومحمد بن مسلم وأبي بصير قالوا: قلنا له عليه
السلام: بئر يتوضأ منها يجري البول قريبا منها أينجسها ؟ قال: فقال: إن كانت البئر
في أعلى الوادي يجري فيه البول من تحتها، وكان بينهما قدر ثلاثة أذرع أو أربعة أذرع
لم ينجس ذلك شئ، وإن كان أقل من ذلك نجسها، وإن كانت البئر في أسفل الوادي ويمر
الماء عليها وكان بين البئر وبينه تسعة أذرع لم ينجسها، وما كان أقل من ذلك فلا
يتوضأ منه. قال زرارة: فقلت له: فان كان مجرى البول بلزقها، وكان لا يلبث على الأرض
؟ فقال: ما لم يكن له قرار فليس به بأس، وإن استقر منه قليل، فانه لا يثقب الأرض
ولا قعر له حتى يبلغ البئر وليس على البئر منه بأس فيتوضأ منه إنما ذلك إذا استنقع
كله.
(1) الكافي ج 3 ص 7 و 8 ومن ط حجر الفروع
ج 1 ص 3، ورواه في التهذيب ط حجر ج 1 ص 116.
[33]
قوله عليه السلام: " في أعلى الوادي "
ظاهره الفوقية بحسب القرار، ويحتمل الجهة أيضا، والمعنى أن البئر أعلى من الوادي
الذي يجري فيه البول، وكذا قوله " في أسفل الوادي " أي أسفل من الوادي " ويمر الماء
" أي البول " عليها " أي مشرفا عليها بعكس السابق، والتعبير عن وادي البول بالماء
للاشعار بأن الوادي قد وصل إلى الماء. قوله: " فان كان مجرى البول بلزقها " الظاهر
أن السابق كان حكم ما إذا وصلت بالوعة البول الماء، وهذا الذي سأله زرارة حكم ما
إذا لم يصل إلى الماء ففصل عليه السلام فيه بأنه إذا كان كل البول أو أكثره يستقر
في مكان قريب من البئر، يلزم التباعد بالقدرين المذكورين أيضا، وإن كان لا يستقر
منه شئ أصلا أو يستقر منه شئ قليل، فانه لا يثقب الأرض بكثرة المكث " ولا قعر له "
أي لم يصل إلى الماء حتى يتصل إلى الماء بمجاريه فلا يضر قربهما. وهذا التفصيل لم
أر قائلا به، ومن استدل به من الأصحاب على مقدار البعد لم يتفطن لذلك ولم يتعرض له
والمشهور بينهم أن مع عدم بلوغ البالوعة الماء لا يستحب التباعد مطلقا ويمكن تأويله
على ما يوافق المشهور بأن يكون المراد بعدم القرار وعدم القعر عدم الوصول إلى
الماء. وقوله عليه السلام: " إنما ذلك إذا استنقع كله " أي إذا كان له منافذ ومجاري
إلى البئر فانه حينئذ يستنقع كله، ولا يخفى بعده، والتفصيل الذي يستفاد منه قريب من
التجربة والاعتبار، فان التجربة شاهدة بأنه إذا استقر بول كثير في مكان قريب من
البئر زمانا طويلا فلا محالة يصل أثره إلى البئر، وإن لم يصل إلى الماء، والله
تعالى يعلم حقايق الأحكام وحججه الكرام عليهم السلام.
[34]
6. * (باب) * * " (حكم ماء الحمام) " * 1
- قرب الاسناد: للحميري، عن محمد بن عبد الحميد وعبد الصمد بن محمد، عن حنان قال:
سمعت رجلا يقول لأبي عبد الله عليه السلام: إني أدخل الحمام في السحر، وفيه الجنب
وغير ذلك، فأقوم فأغتسل فينتضح على بعد ما أفرغ من مائهم قال: أليس هو جار ؟ قلت:
بلى، قال لا بأس به (1). بيان: قوله عليه السلام: " أليس هو جار " أي أليس الماء
جاريا من المادة إلى الحياض الصغار التي يغتسلون منها ؟ إذ الماء يمكن أن يكون
انتضح من أبدانهم إذا كانوا خارج الحوض أو من الماء المتصل بالمادة إذا كانوا داخل
الحوض، أو المعنى أليس الماء جاريا من أطراف الحوض إلى سطح الحمام، فلا يضر وثوب
الماء من سطح الحمام لاتصاله بالمادة. وفيل: المعنى أما سمعت أن حكم ماء الحمام حكم
الماء الجاري، أو أليس يجري الماء الجاري في سطح الحمام كما هو الشايع في بعض
البلاد، وقيل: يعني أن ماءهم جار على أبدانهم، فلا بأس أن ينتضح منه عليك، فلا يخفى
بعد ما سوى الأولين. 2 - قرب الاسناد، عن أيوب بن نوح، عن صالح بن عبد الله، عن
إسماعيل بن جابر، عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال: ابتدأني فقال: ماء الحمام لا
ينجسه شئ (2). بيان: فسر الأصحاب ماء الحمام بالحياض الصغار التي تكون في
(1) قرب الاسناد ص 78 ط نجف. (2) قرب
الاسناد ص 128 ط حجر وص 173 ط نجف.
[35]
الحمامات، واختلف في أنه هل يشترط كرية
المادة أم لا ؟ فقيل لا تشترط الكرية أصلا، وقيل [تشترط] كرية الأعلى والأسفل معا،
وقيل تشترط كرية الأعلى فقط وقيل: يشترط كونه أزيد من الكر. واختلف في أنه لو تنجس
الحياض الصغار هل تطهر بمجرد الاتصال أم يعتبر فيه الامتزاج ؟ وليس في هذا الخبر
ذكر المادة، وحمل عليها جمعا (1).
(1) قد مر في الحديث السابق " فأقوم
فأغتسل فينتضح على بعد ما أفرغ من مائهم " والحديث رواه الكليني أيضا في الفروع ج 1
ص 5 ط حجر وج 3 ص 14 ط الاخوندى وهكذا رواه الشيخ في التهذيب ج 1 ص 107 ط حجر،
فيظهر من لفظ الحديث مضافا إلى سائر ما ورد في المقام أن الحمامات كانت وقتئذ ذات
مخزن كبير من الماء المستحم، ينشعب منه جداول صغار إلى الحياض التى بنيت كالاجانة
يغترف الناس منها للاغتسال فكلما اغترف الناس من حوض من تلك الحياض كاسا انجر الماء
من المخزن إليه حتى يستوعبه فالمخزن هو المادة وهو ماء كثير لا ينجسه شئ. وأما
الغسالة فما كانت تجرى إليها، بل تجرى إلى بئر معدة هناك كما تراها منصوصا علهيا في
الروايات، فليس لماء الحمام بنفسه حكم يختص به، بل ماء الحمام كماء الطشت والاجانة
إذا قطر من ماء الغسالة في الطشت، اللهم الا ما عند المتأخرين من الحكم بكرية الماء
المتصل بالكر من دون امتزاج ووحدة، فتكون تلك الحياض الصغار أيضا ماؤها محكوما
بالطهارة والكرية، وأنها لا ينجسها شئ. ففى التهذيب ج 1 ص 37 باسناده عن سماعة عن
أبى عبد الله (ع) قال: إذا أصاب الرجل جنابة فأراد الغسل فليفرغ على كفيه فليغسلهما
دون المرفق ثم يدخل يده في انائه ثم يغسل فرجه ثم ليصب على رأسه ثلاث مرات ملء كفيه
ثم يضرب بكف من ماء على صدره وكف بين كتفيه ثم يفيض الماء على جسده كله، فما انتضح
من مائه في انائه بعد ما صنع ما وصفت لك فلا بأس. وبمعناه أحاديث اخر.
[36]
3 - فقه الرضا عليه السلام: إن اغتسلت من
ماء الحمام، ولم يكن معك ما تغرف به، ويداك قذرتان فاضرب يدك في الماء وقل: بسم
الله وهذا مما قال الله تبارك وتعالى: " وما جعل عليكم في الدين من حرج ". وإن
اجتمع مسلم مع ذمي في الحمام اغتسل المسلم من الحوض قبل الذمي وماء الحمام سبيله
سبيل الماء الجاري إذا كانت له مادة. بيان: لعل تقديم المسلم في الغسل على
الاستحباب لشرف الاسلام إذا كان الماء كثيرا، وإذا كان الماء قليلا فعلى الوجوب
بمعنى عدم الاكتفاء به في رفع الحدث والخبث. 4 - الهداية: وماء الحمام سبيله سبيل
الماء الجاري إذا كانت له مادة (1). 5 - المكارم: عن الباقر عليه السلام قال: ماء
الحمام لا بأس به، إذا كان له مادة. داود بن سرحان قال: قلت لأبي عبد الله عليه
السلام: ما تقول في ماء الحمام ؟ قال: هو بمنزلة الماء الجاري. محمد بن مسلم قال:
قلت لأبي عبد الله عليه السلام: الحمام يغتسل فيه الجنب وغيره أغتسل من مائه ؟ قال:
نعم، لا بأس أن يغتسل منه الجنب، ولقد اغتسلت فيه ثم جئت فغسلت رجلي وما غسلتهما
إلا مما لزق بهما من التراب. وعن زرارة قال: رأيت الباقر عليه السلام يخرج من
الحمام فيمضي كما هو لا يغسل رجله حتى يصلي (2). 6 - العلل: عن محمد بن الحسن، عن
سعد بن عبد الله، عن أحمد بن الحسن ابن فضال، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن
بكير، عن عبد الله بن أبي يعفور عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: وإياك أن
تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي والناصب لنا
أهل البيت وهو
(1) الهداية ص 14. (2) مكارم الاخلاق ص
59.
[37]
شرهم، فان الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقا
أنجس من الكلب، وإن الناصب لنا أهل البيت لأنجس منه (1). تبيين: اعلم أن الأصحاب
اختلفوا في غسالة الحمام فقال الصدوق: لا يجوز التطهر بغسالة الحمام، لأنه تجتمع
فيه غسالة اليهودي والمجوسي والمبغض لال محمد صلى الله عليه وآله وهو شرهم، وقريب
منه كلام أبيه، وقال الشيخ في النهاية: غسالة الحمام لا يجوز استعمالها على حال،
وقال ابن إدريس: غسالة الحمام لا يجوز استعمالها على حال، وهذا إجماع وقد وردت به
عن الأئمة عليهم السلام آثار معتمدة قد أجمع الأصحاب عليها لا أحد خالف فيها. وقال
المحقق: لا يغتسل بغسالة الحمام إلا أن يعلم خلوها من النجاسة ونحوه قال العلامة في
بعض كتبه، والشهيد في البيان، وليس في تلك العبارات تصريح بالنجاسة بل مقتضاها عدم
جواز الاستعمال، بل الظاهر أن الصدوق قائل بطهارتها لأنه نقل الرواية الدالة على
نفي البأس إذا أصابت الثوب (2) والعلامة في بعض كتبه صرح بالنجاسة، واستقرب في
المنتهى الطهارة، وتبعه في ذلك بعض الأصحاب والأخبار في ذلك مختلفة، وأخبار طهارة
الماء حتى يعلم نجاسته مؤيدة للطهارة مع أصل البراءة. ويمكن حمل الخبر على ما إذا
علم دخول غسالة هؤلاء الأنجاس فيها. ثم إن أكثر الأخبار الواردة في نجاستها مختصة
بالبئر التي يجتمع فيها
(1) علل الشرايع ج 1 ص 276 في حديث. (2)
ان كان المراد بالغسالة الغسالة من الغسلة المزيلة لعين النجاسة، فلا ريب في
نجاستها لانها ماء قليل حامل للخبث، وان لم تكن من الغسلة المزيلة فهى التى اختلفت
فيه كلمات الاصحاب، والظاهر نجاستها إذا كانت من الغسلات الواجبة، وطهارتها إذا
كانت من الغسلات المستحبة، فانه لا معنى للحكم بنجاسة الموضع وطهارة غسالته، ولا
للحكم بطهارة الموضع ونجاسة غسالته.
[38]
ماء الحمام كقول أبي عبد الله عليه السلام
في خبر ابن أبي يعفور (1) لا تغتسل في البئر التي تجتمع فيها غسالة الحمام فان فيها
غسالة ولد الزنا وهو لا يطهر إلى ستة آباء، وفيها غسالة الناصب وهو شرهما وكقول أبي
الحسن عليه السلام (2) لا تغتسل من البئر التى تجتمع فيها ماء الحمام فانه يسيل
فيها ما يغتسل به الجنب وولد الزنا والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم، فالحاق المياه
المنحدرة في سطح الحمام بها مما لا دليل عليه (3) ومع ورود روايات اخر دالة على
الطهارة كرواية محمد بن مسلم وزرارة (4).
(1) راجع فروع الكافي ج 1 ص 5 ط حجر وج 3
ص 14 ط الاخوندى. (2) التهذيب ج 1 ص 106 ط حجر. (3) المياه المنحدرة في سطح الحمام
انما انحدر ليجتمع في البئر، فإذا كان بعد اجتماعها وكثرتها في البئر نجسا، فكيف لا
يحكم بنجاسة المياه المنحدرة إليه ؟ (4) الروايتان سبقتا نقلا من المكارم، وتراهما
في التهذيب ج 1 ص 107 ط حجر.
[39]
7. * (باب) * * " (المضاف وأحكامه) " * 1
- فقه الرضا: كل ماء مضاف أو مضاف إليه فلا يجوز التطهير به ويجوز شربه مثل ماء
الورد، وماء القرع، ومياه الرياحين والعصير، والخل، ومثل ماء الباقلى وماء الخلوق
وغيره، مما يشبهها، وكل ذلك لا يجوز استعمالها إلا الماء القراح أو التراب (1).
بيان: جمهور الأصحاب على أن الماء المضاف لا يرفع الحدث، بل ادعى عليه الاجماع
جماعة، وخالف في ذلك الصدوق رحمه الله - فقال في الفقيه: (2) ولا بأس بالوضوء
والغسل من الجنابة، والاستياك بماء الورد (3) وحكى الشيخ
(1) فقه الرضا ص 5 (2) الفقيه ج 1 ص 6 ط
نجف. (3) روى الكليني في الكافي ج 1 ص 73 وج 1 ص 22 ط حجر عن على بن محمد عن سهل بن
زياد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبى الحسن عليه السلام قال: قلت له: الرجل
يغتسل بماء الورد ويتوضأ به للصلاة ؟ قال: لا بأس بذلك، ورواه الشيخ في التهذيب ج 1
ص 62، ثم قال: ويحتمل أن يكون المراد بماء الورد الماء الذى وقع فيه الورد، فان ذلك
يسمى ماء ورد، وان لم يكن معتصرا منه. أقول: ماء الورد انما يعمل من ماء كثير يلقى
فيه ورق الاوارد ثم يغلى تحته فيعلو البخار وبعد ما يصير ماء يجرى من الانبيق إلى
الظروف، فان كان الاعتبار بحقيقة المائية فلا بأس به فانه ماء حقيقة قد اختلط به
عناصر الورد، فزاده بهاعا، كما قد يختلط به عناصر الجيفة فينتن، ولا يخرجه عن كونه
ماء، أو يختلط به غير ذلك من العناصر و الاملاح كماء البحر الاجاج المنتن أو ماء
الكبريت، وان كان الاعتبار بعنوان اللفظ واطلاق
[40]
في الخلاف عن قوم من أصحاب الحديث منا
أنهم أجازوا الوضوء بماء الورد، و ما عليه الأكثر أقوى. وللأصحاب في إزالة النجاسة
بالمضاف قولان: أحدهما المنع وهو قول المعظم، والثاني الجواز وهو اختيار المفيد
والمرتضى، ويحكى عن ابن أبي عقيل ما يشعر بالمصير إليه أيضا إلا أنه خص جواز
الاستعمال بحال الضرورة، وعدم وجدان غيره، وظاهر العبارة المحكية عنه أنه يرى جواز
الاستعمال حينئذ في رفع الحدث أيضا حيث أطلق تجويز الاستعمال مع الضرورة والمشهور
أقوى والعمل به أولى. وقال ابن الجنيد في مختصره: لا بأس بأن يزال بالبصاق عين الدم
من الثوب (1) وظاهر هذا الكلام كون ذلك على جهة التطهير له، وجزم الشهيد بنسبة
القول بذلك إليه، وقد روى الشيخ في الموثق (2) عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله
عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: لا يغسل بالبزاق شئ غير الدم، وبسند آخر عن
غياث أيضا، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام، عن علي عليه السلام قال: لا
بأس بأن يغسل الدم بالبصاق.
العرف واللغة فهو مشكل، الا أن يثبت صحة
الخبر، فيكون واردا وسائر الادلة مورودا. (1) الظاهر من أخبار الباب بقرينة الحكم
والموضوع مص الدم من الجرح القليل بالفم وما فيه من الماء ثم مجها خارجا، لا غسل
الثوب أو البدن بالبصاق، فانه لا يسيل لعاب الفم بحيث يصب على الثوب أو البدن
الملطخ بالدم، مع أن البصاق لكونه لعابا لا يسيل لا ينفصل عن موضع النجس حتى يتطهر
وهو ظاهر، وانما جوز فعل ذلك - مع ما يجب بعد ذلك من التطهير بالماء - لان الدم
الخارج من البدن جزء من البدن لا يستقذر مصها ولو بقى من أجزائها الصغار غير
المرئية شئ في الفم لا بأس بها، وأما البول و الغائط والمنى وسائر النجاسات فليس
بهذه المثابة. (2) التهذيب ج 1 ص 120.
[41]
وقال: في المختلف بعد حكاية كلام ابن
الجنيد: إن قصد بذلك الدم النجس، وأن تلك الازالة تطهره فهو ممنوع، وإن قصد إزالة
الدم الطاهر كدم السمك وشبهه أو إزالة النجس مع بقاء المحل على نجاسته فهو صحيح،
انتهى. أقول: يحتمل أن يكون المراد زوال عين الدم عن باطن الفم. فانه لا يحتاج إلى
الغسل على المشهور، كما سيأتي، ونسب التطهير إلى البصاق لأنه تصير سببا لزوال العين
أو إزالة عين الدم المعفو عن الثوب والبدن تقليلا للنجاسة وهو قريب من الوجه الثاني
من الوجهين المتقدمين، لكن التعبير بهذا الوجه أحسن كما لا يخفى. [2 - الهداية (1)
لا بأس أن يتوضأ بماء الورد للصلاة ويغتسل به من الجنابة] (2).
(1) زيادة من النسخة المخطوطة. (2)
الهداية ص 13.
[42]
(أبواب) * " (الاسئار وبيان أقسام
النجاسات وأحكامها) " * 1. * (باب) * * " (أسئار الكفار وبيان نجاستهم) " * * "
(وحكم ما لاقوه) " * الايات: المائدة، والطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم (1).
التوبة: إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا (2). وقال
تعالى: فأعرضوا عنهم فانهم رجس (3). التفسير: ربما يستدل بالاية الاولى على طهارة
أهل الكتاب وحل ذبايحهم (4).
(1) المائدة: 5. (2) براءة: 28. (3)
براءة: 95. (4) الاية هكذا: " اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أتوا الكتاب حل
لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أتوا الكتاب " الخ
فالظاهر من الحلية جواز ابتغاء المذكورات بالبيع والشرى في الطعام وبالخطبة ثم
النكاح في المؤمنات والمحصنات، والدليل على ذلك أنه قال: " وطعامكم حل لهم " و هذا
الحكم لو كان متعلقا بالاكل وحلية الذبائح لما كان لجعله معنى، فان أهل الكتاب
[43]
وروي عن الصادق عليه السلام أنه مخصوص
بالحبوب وما لا يحتاج فيه إلى التذكية وقيل: المعنى إن طعامهم من حيث إنه طعامهم
ليس حراما عليكم، فلا ينافي تحريمه من جهة كونه مغصوبا أو نجسا أو غير مذكي، وسيأتي
تمام القول فيه. وأما الاية الثانية فأكثر علمائنا على أن المراد بالمشركين ما يعم
عباد الأصنام وغيرهم من اليهود والنصارى، فانهم مشركون أيضا لقوله تعالى: " و قالت
اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله " إلى قوله: " سبحانه و تعالى
عما يشركون " (1) والنجس بالتحريك مصدر ووقوع المصدر خبرا عن ذي
لم يؤمنوا بعد بهذا الدين وهذا القرآن
ليتبعوا حكمه بحلية طعامنا لهم، مع أن اليهود لا يأكلون الا ذبيحة أنفسهم. فالمراد
أن ما يشرونه أهل الكتاب من الطعام ويبيعونه في الاسواق يحل لكم اشتراؤها وابتياعها
كما أن تشرونه وتبيعونه في الاسواق يحل لهم ابتياعها وشراؤها، والمقصود حلية
التعامل بيننا وبينهم، وأما أن ما يبيعونه نجس أو مغصوب أو ميتة أو لحم خنزير
فالاية ليست بصدد بيانها، وانما بحثت عنها آيات اخر، مع أن المشهور عند اللغويين أن
الطعام بمعنى البر خاصة، راجع في ذلك النهاية والمصباح والمقاييس وغير ذلك (1)
براءة: 30 و 31، ولا يخفى أن الاستشهاد بها على غير محله، فان قولهم في أوصاف
الباري وسائر صفاته من الابوة وبنوة المسيح وعزير وشركهم فيها غير كونهم مسمين
بالمشركين مع أن القرآن يعد المشركين صنفا عليحدة قبال أهل الكتاب في غير آية من
الايات كما في البينة: " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين " الخ وكما في
سورة الحج: " ان الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين
أشركوا " الخ. مع أن الله عزوجل يقول في سورة ص: 159 " سبحان الله عما يصفون *
الاعباد الله
[44]
جثة إما بتقدير مضاف أو بتأويله بالمشتق
أو هو باق على المصدرية من غير إضمار طلبا للمبالغة، والحصر للمبالغة، والقصر إضافي
من قصر الموصوف على الصفة نحو إنما زيد شاعر، وهو قصر قلب أي ليس المشركون طاهرين
كما يعتقدون بل هم نجس. واختلف المفسرون في المراد بالنجس هنا فالذي عليه علماؤنا
هو أن المراد به النجاسة الشرعية، وأن أعيانهم نجسة كالكلاب والخنازير، وهو المنقول
عن ابن عباس، وقيل: المراد خبث باطنهم وسوء اعتقادهم، وقيل: نجاستهم لأنهم لا
يتطهرون من الجنابة ولا يجتنبون النجاسات (1) وقد أطبق علماؤنا على نجاسة من عدا
اليهود والنصارى من أصناف الكفار وقال أكثرهم بنجاسة هذين الصنفين أيضا، والمخالف
في ذلك ابن الجنيد وابن أبي عقيل والمفيد في المسائل الغرية. واختلف في المراد
بقوله تعالى: " فلا يقربوا المسجد الحرام " فقيل: المراد منعهم من الحج وقيل: منعهم
من دخول الحرم، وقيل: من دخول المسجد الحرام خاصة، وأصحابنا على منعهم من دخوله
ودخول كل مسجد، وإن لم تتعد نجاستهم إليه، والمراد بعامهم سنة تسع من الهجرة وهي
السنة التي بعث النبي صلى الله عليه وآله فيها أمير المؤمنين عليه السلام لأخذ سورة
براءة من أبي بكر وقراءتها على أهل الموسم فقرأها عليهم. وفي الثالثة فسر الرجس
أيضا بالنجس (2) ولعل النجاسة المعنوية هنا أظهر.
المخلصين " فقده نزه الله سبحانه عن وصف
كل واصف مسلما كان أو كافرا الا أن يكون من عباد الله المخلصين. (1) بعد ما يقول
الله عزوجل " انهم نجس فلا يقربوا المسجد " فيفرع على كونهم نجسا أن لا يقربوا
المسجد الحرام، لا ريب في نجاستهم أعيانا، والحكم بابعادهم من المسجد الحرام لما
سبق من حكم الله عزوجل لابراهيم (ع) " أن طهر بيتى للطائفين والقائمين والركع
السجود ". (2) قال الله عزوجل: " انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل
[45]
[الاخبار] 1 - المحاسن: عن الوشا، عن عبد
الله بن سنان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا بأس بكواميخ المجوس، ولا
بأس بصيدهم للسمك (1). بيان: الظاهر أن المراد بالكواميخ ما يعملونه من السمك،
ويمكن حمله على ما إذا علم إخراجهم له من الماء ولم يعلم ملاقاتهم، وإن بعد. 2 -
ومنه: عن أبيه وغيره، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود قال: سألت أبا جعفر عليه
السلام عن قول الله عزوجل: " وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم " قال: الحبوب
والبقول (2). 3 - ومنه: عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن مروان، عن سماعة قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن طعام أهل الكتاب ما يحل منه ؟ قال: الحبوب (3). ومنه:
عن عثمان بن عيسى، عن سماعة، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله (4). 4 - ومنه: عن
أبيه، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر وعبد الله بن
الشيطان فاجتنبوه " فبعد ما أثبت لها
عنوان الرجس فرع عليه وجوب الاجتناب كما فرع طرد المشركين من المسجد الحرام بعد ما
أثبت لهم عنوان النجس، فكل ما كان رجسا بتسمية القرآن كان واجب الاجتناب، وهو عبارة
اخرى عن النجاسة، فيثبت نجاسة المنافقين إذا كانوا معلومين بالنفاق، والنفاق ابطان
الكفر، فيكون الكافر نجسا، وهكذا يصح الاستدلال بقوله تعالى: " إلا أن يكون ميتة أو
دما مسفوحا أو لحم خنزير فانه رجس " المائدة: 90، حيث علل الحرمة بكون المذكورات من
الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير رجسا. (1) المحاسن ص 454 (2) المصدر نفسه ص 454
وص 584. (3 - 4) المحاسن ص 455.
[46]
طلحة قالا: قال أبو عبد الله عليه السلام
لا تأكل من ذبيحة اليهودي، ولا تأكل في آنيتهم (1). 5 - ومنه: عن اليقطيني، عن
صفوان، عن موسى بن بكر، عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام في آنية المجوس قال:
إذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء (2). 6 - قرب الاسناد: عن ابن طريف، عن ابن
علوان، عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام كان لا يرى بالصلاة
بأسا في الثوب الذي يشترى من النصارى والمجوس واليهودي قبل أن يغسل يعني الثياب
التي تكون في أيديهم فيجتنبونها (3) وليست بثيابهم التي يلبسونها (4). ومنه: بهذا
الاسناد، عن علي عليه السلام قال: كلوا طعام المجوس كله ما خلا ذبايحهم، فانها لا
تحل، وإن ذكر اسم الله تعالى عليها (5). ومنه: عن عبد الله بن الحسن العلوي، عن جده
علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يشتري ثوبا من السوق ولبيسا
لا يدري لمن كان ؟ يصلح له الصلاة فيه ؟ قال: إن كان اشتراه من مسلم فليصل فيه، وإن
كان اشتراه من نصراني فلا يصلي فيه حتى يغسله (6).
(1) المحاسن: ص 454. (2) المصدر ص 584.
(3) في النسخة المخطوطة " فيحبسونها " خ ل. ولعل المراد بالاجتناب أخذها بالجنب كما
يقال اجتنب البعير أي قادها بجنبه. (4) قرب الاسناد ص 42 ط حجر وص 57 ط نجف وفيه "
يعنى الثياب التى تكون في أيديهم وليست ثيابهم التى يلبسونها فينجسونها " وفى نسخة
الوسائل كالمتن الا أنه قرء " فيجتنبونها " " فينجسونها " وأوله بتأويل. (5) قرب
الاسناد: ص 59 ط نجف. (6) قرب الاسناد ص 126 ط نجف.
[47]
السرائر: من جامع البزنطي عن الرضا عليه
السلام مثله (1) بيان: الظاهر أن " يعني " من كلام الحميري أول به الخبر، وتجويز
أكل طعام المجوس ظاهره يشتمل ما إذا علم ملاقاتهم له بالرطوبة [كالاية، وباب
التأويل واسع، وأما النهي عن لبس الثوب فمع علم ملاقاتهم بالرطوبة] (2) فالنهي على
المشهور للحرمة وإلا فعلى الكراهة كما ذكره الشهيد في الذكرى وغيره لرواية عبد الله
بن سنان (3) عن الصادق عليه السلام أن سنانأ أتاه سأله في الذمي يعيره الثوب وهو
يعلم أنه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير ويرده عليه أيغسله ؟ قال: عليه السلام: صل
فيه ولا تغسله فانك أعرته وهو طاهر ولم تستيقن أنه تنجسه فلا بأس أن تصلى فيه حتى
تستيقن أنه نجسه وغيره من الأخبار. 7 - قرب الاسناد: بالاسناد المتقدمة، عن علي بن
جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن المسلم له أن يأكل مع المجوس في قصعة
واحدة أو يقعد معه على فراش أو في المسجد أو يصاحبه ؟ قال: لا (4). قال: وسألته عن
ثياب اليهود والنصارى ينام عليها المسلم قال: لا بأس (5). بيان: المناهي الأولة
أكثرها محمولة على الكراهة، ويشكل الاستدلال بها على النجاسة كما أن عدم البأس في
الأخير لا يدل على الطهارة. 8 - المحاسن: عن أبى القاسم عبد الرحمن بن حماد، عن
صفوان، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قوم
مسلمين حضرهم رجل مجوسي يدعونه إلى طعامهم قال: أما أنا فلا أو اكل المجوسي، وأكره
أن احرم عليكم شيئا تصنعونه في بلادكم (6).
(1) السرائر ص 465. (2) ما بين العلامتين
ساقط من طبعة الكمبانى. (3) التهذيب ج 1 ص 239 ط حجر. (4) قرب الاسناد ص 156 ط نجف.
(5) قرب الاسناد ص 118 ط حجر وص 159 ط نجف، (6) المحاسن ص 452
[48]
بيان: أي لا اجوز لكم ترك التقية في شئ
اتفق عليه أهل بلادكم من معاشرة أهل الكتاب، والحكم بطهارتهم، ويظهر منه أن الأخبار
الدالة على الطهارة محمولة على التقية، ويمكن أن يكون محمولا على الكراهة، بأن تكون
المؤاكلة في شئ لا يتعدي نجاستهم إليه. 9 - المحاسن: عن محمد بن علي، عن ابن أسباط،
عن علي بن جعفر، عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: سألته عن مؤاكلة المجوسي في قصعة
واحدة، أو أرقد معه على فراش واحد، أو في مجلس واحد. أو اصافحه ؟ فقال: لا. ورواه
أبو يوسف، عن علي بن جعفر (1). بيان: قال الشيخ البهائي قدس سره: أرقد بالنصب
باضمار " أن " لعطفه على المصدر أعني المؤاكلة. 10 - المحاسن: عن إسماعيل بن مهران،
عن محمد بن زياد، عن ابن خارجة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إني اخالط
المجوس فآكل من طعامهم ؟ قال: لا (2). 11 - ومنه: عن أبيه، عن صفوان، عن العيص قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن مؤاكلة اليهود والنصارى والمجوس، فقال: إذا أكلوا
من طعامك وتوضؤا فلا بأس (3) بيان: المراد بالوضوء هنا غسل اليد، وظاهره طهارة أهل
الكتاب (4) وأن نجاستهم عارضية، وهذا أيضا وجه جمع بين الأخبار ويمكن حمله على
الأطعمة
(1 - 3) المحاسن ص 453. (4) قد عرفت أن
الكفار وأهل الكتاب كلهم نجس أعيانهم وانما تسرى النجاسة إذا كانت الرطوبة مسرية
بالاجماع يعنى تسرى شيئا من أجزاء النجاسة إلى الملاقى، وبعد ما توضأ الكافر لا
تكون يده ذات عرق أو قراضة من جلده تسرى إلى الطعام حتى ينجسه، وقد كان المسلمون
يستخدمون سبى الكفار ويأمرونهم بالتوضى ولا يجتنبون مما يلاقى أيديهم فافهم ذلك.
[49]
الجامدة، فيكون غسل اليد على الاستحباب.
قال في المختلف: قال الشيخ في النهاية: يكره أن يدعو الانسان أحدا من الكفار إلى
طعامه فيأكل معه، فإذا دعاه فليأمره بغسل يديه، ثم يأكل معه إن شاء، وقال المفيد:
لا يجوز مؤاكلة المجوس، وقال ابن البراج: لا يجوز الأكل والشرب مع الكفار، وقال ابن
إدريس: قول شيخنا في النهاية رواية شاذة (1) أوردها شيخنا إيرادا لا اعتقادا، وهذه
الرواية مخالفة لأصول المذهب، ثم قال: والمعتمد ما اختاره ابن إدريس، ثم أجاب عن
الرواية بالحمل على ما إذا كان الطعام مما لا ينفعل بالملاقاة، كالفواكه اليابسة
والثمار والحبوب. 12 - المحاسن: عن علي بن الحكم ومعاوية بن وهب جميعا، عن زكريا بن
إبراهيم قال: كنت نصرانيا فأسلمت فقلت لأبي عبد الله عليه السلام: إن أهل بيتي على
النصرانية، فأكون معهم في بيت واحد فآكل في آنيتهم ؟ فقال لي: يأكلون لحم الخنزير ؟
قلت: لا، قال: لا بأس (2). 13 - ومنه: عن أبيه، عن صفوان، عن العيص قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن مؤاكلة اليهودي والنصراني والمجوسي، فآكل من طعامهم ؟ قال:
لا (3). 14 - ومنه: عن عدة من أصحابه، عن العلا، عن محمد قال: سألت أبا جعفر عليه
السلام عن آنية أهل الذمة: فقال: لا تأكلوا فيها إذا كانوا يأكلون فيها الميتة
والدم ولحم الخنزير (4). 15 - ومنه: عن ابن محبوب، عن العلا، عن محمد قال: سألت أبا
جعفر عليه السلام
(1) كثيرا ما ينقد ابن ادريس فتاوى الشيخ
- شيخ الطائفة - لما لا يعلم وجه الحق في فتواه. (2 و 3) المحاسن ص 453. (4)
المحاسن ص 454.
[50]
عن آنية أهل الذمة والمجوس، فقال: لا تأكل
في آنيتهم، ولا من طعامهم الذي يطبخون، ولا من آنيتهم التي يشربون فيها الخمر (1).
16 - ومنه: (2) عن أبيه، عن صفوان، عن إسماعيل بن جابر قال: قلت لأبي عبد الله عليه
السلام في طعام أهل الكتاب فقال: لا تأكله ثم سكت هنيئة ثم قال: لا تأكله ثم سكت
هنيئة ثم قال: لا تأكله ولا تتركة تقول: إنه حرام، ولكن تتركة تنزها عنه، إن في
آنيتهم الخمر ولحم الخنزير (3). بيان: قال في القاموس: " هنية " مصغر هنة أصلها
هنوة أي شئ يسير، ويروى هنيهة بابدال الياء هاء. وقال الشيخ البهائي قدس سره: ما
تضمنه هذا الحديث من نهيه عليه السلام عن أكل طعامهم أولا ثم سكوته ثم نهيه ثم
سكوته ثم أمره أخيرا بالتنزه عنه، يوجب الطعن في متنه، لاشعاره بتردده عليه السلام
فيه، وحاشاهم عن ذلك، ثم قال: لعل نهيه عليه السلام عن أكل طعامهم محمول على
الكراهة إن اريد به الحبوب ونحوها، ويمكن جعل قوله عليه السلام: لا تأكله مرتين
للاشعار بالتحريم، كما هو ظاهر التأكيد، ويكون قوله بعد ذلك: لا تأكله ولا تتركه،
محمولا على التقية بعد حصول التنبيه والاشعار بالتحريم، هذا إن اريد بطعامهم اللحوم
والدسوم وما مسوه برطوبة، ويمكن تخصيص الطعام بما عدا اللحوم ونحوها ويؤيده تعليله
عليه السلام باشتمال آنيتهم على الخمر ولحم الخنزير. وقال الشهيد الثاني - ره -
تعليل النهي فيها بمباشرتهم للنجاسات يدل على عدم نجاسة ذواتهم، إذ لو كانت نجسة لم
يحسن التعليل بالنجاسة العرضية التي قد تتفق وقد لا تتفق.
(1) المحاسن ص 454. (2) في طبعة الكمبانى
وهكذا النسخة المخطوطة: قرب الاسناد، وهو سهو. (3) المحاسن ص 454
[51]
17 - كتاب المسائل: بالاسناد المتقدم، عن
علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن أهل الذمة أنأكل في إنائهم
إذا كانوا يأكلون الميتة والخنزير ؟ قال: لا، ولا في آنية الذهب والفضة (1). قال:
وسألته عن اليهودي والنصراني يدخل يده في الماء أيتوضؤ منه للصلاة ؟ قال: لا، إلا
أن يضطر إليه (2). وسألته عن النصراني واليهودي: يغتسل مع المسلمين في الحمام ؟
قال: إذا علم أنه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام، إلا أن يغتسل وحده على الحوض
فيغسله ثم يغتسل (3). وسألته عن اليهودي والنصراني يشرب مع الدورق (4) أيشرب منه
المسلم ؟ قال: لا بأس (5). وسألته عن الصلاة على بواري النصارى واليهود التي يقعدون
عليها في بيوتهم أيصلح ؟ قال: لا يصلى عليها (6). توضيح: الجواب الأول على الطهارة
أدل منه على النجاسة، وكذا الجواب الثاني إلا أن يحمل الاضطرار على التقية أو لغير
الطهارة كالشرب، لكنه بعيد، وربما يحمل الوضوء على إزالة الوسخ وهو أبعد. وأما
الثالث فقال الشيخ البهائي زاد الله في بهائه: كان الكلام إنما هو في اغتسال
النصراني مع المسلم من حوض الحمام الناقص من الكر المنسد المادة لتنجسه بمباشرة
النصراني له. وقوله عليه السلام: " اغتسل بغير ماء الحمام " يراد به غير مائه الذي
في ذلك
(1) البحار ج 10 ص 268. (2 و 3) كتاب
المسائل البحار ج 10 ص 278. (4) الدورق الابريق الكبير له عروتان بلا بلبلة. (5)
المصدر ج 10 ص 278. (6) المصدر ج 10 ص 288.
[52]
الحوض، والضمير في قوله عليه السلام: "
إلا أن يغتسل وحده " يجوز عوده إلى النصراني أي إلا أن يكون قد اغتسل من ذلك الحوض
قبل المسلم فيغسله المسلم باجراء المادة إليه حتى يطهر، ثم يغتسل منه، ويمكن عوده
إلى المسلم أي إلا أن يغتسل المسلم من ذلك الحوض بعد النصراني. وبعض الأصحاب علل
منعه عليه السلام من اغتسال المسلم مع النصراني في هذا الحديث بأن الاغتسال معه
يوجب وصول ما يتقاطر من بدنه إلى بدن المسلم، وفيه أن هذا وحده لا يقتضي تعين الغسل
بغير ماء الحمام، وإنما يوجب تباعد المسلم عنه حال غسله، انتهى. والرابع ظاهره
طهارتهم إلا أن يحمل على ما بعد الغسل، ولا استبعاد كثيرا في مثل هذا السؤال إذ لا
يبعد مرجوحية الشرب من إناء شربوا منه، وإن كان بعد الغسل، والدورق الجرة ذات
العروة، ذكره الفيروز آبادي. والخامس ظاهره نجاستهم، ومع ذلك إما محمول على العلم
بملاقاتهم بالرطوبة مع السجود عليها، أو بناء على تغليب الظاهر على الأصل، ويمكن
حمله على الاستحباب، فلا يدل على نجاستهم. 18 - دعائم الاسلام: سئل جعفر بن محمد
عليه السلام عن ثياب المشركين يصلى فيها ؟ قال: لا (1). ورخصوا عليهم السلام في
الصلاة في الثياب التي تعملها المشركون ما لم يلبسوها أو تظهر فيها نجاسة (2). 19 -
الهداية: لا يجوز الوضوء بسؤر اليهودي والنصراني وولد الزنا والمشرك، وكل من خالف
الاسلام (3).
(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 117. (2) دعائم
الاسلام ج 1 ص 118. (3) الهداية: 14.
[53]
20 - الخرايج: روي أن يهوديا قال لعلي
عليه السلام: إن محمدا صلى الله عليه وآله قال: إن في كل رمانة حبة من الجنة، وأنا
كسرت واحدة وأكلتها كلها، فقال عليه السلام: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله وضرب
يده على لحيته فوقعت حبة فتناولها عليه السلام وأكلها وقال: لم يأكلها الكافر
والحمد لله. بيان: يدل بظاهره على طهارة أهل الكتاب أو طهارة مالا تحله الحياة من
الكفار، ويمكن حمله على أنه عليه السلام أكلها بعد الغسل أو على أنها لم تلاق لحيته
بالاعجاز، والحمل على عدم السراية بعيد.
[54]
2. (باب) * " (سؤر الكلب والخنزير والسنور
والفارة) " * * " (وأنواع السباع وحكم ما لاقته) " * * " (رطبا أو يابسا) " * 1 -
قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال:
سألته عن خنزير أصاب ثوبا وهو جاف أتصلح الصلاة فيه قبل أن يغسل ؟ قال: نعم ينضحه
بالماء، ثم يصلي فيه (1). بيان: المشهور بين الأصحاب استحباب النضح مع ملاقات الكلب
والخنزير يابسا، وقال في المعتبر: إنه مذهب علمائنا أجمع، ونقل عن ابن حمزة أنه
أوجب الرش أخذا بظاهر الأمر وهو ظاهر اختيار المفيد في المقنعة، والصدوق في كتابه
وهو أحوط. 2 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني، عن
القاسم بن يحيى، عن جده، عن الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد
الله، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: تنزهوا من قرب
الكلاب. فمن أصاب الكلب وهو رطب فليغسله، وإن كان جافا فلينضح ثوبه بالماء (2). 3 -
فقه الرضا: إن وقع كلب في الماء أو شرب منه اهريق الماء، وغسل الاناء ثلاث مرات،
مرة بالتراب ومرتين بالماء ثم يجفف. بيان: اختلف الأصحاب في كيفية تطهير الاناء من
ولوغ الكلب، فذهب
(1) قرب الاسناد ص 117 ط نجف وص 89 ط حجر.
(2) الخصال ج 2 ص 164.
[55]
الأكثر إلى غسله ثلاثا اولاهن بالتراب،
وقال في المقنعة: يغسل ثلاثا وسطاهن بالتراب، ثم يجفف وقيل: إحداهن بالتراب، وقال
في الفقيه: يغسل مرة بالتراب ومرتين بالماء كما في الرواية، وقال ابن الجنيد: يغسل
سبعا إحداهن بالتراب. ثم المشهور أن هذا الحكم مخصوص بالولوغ، وهو شربه مما في
الاناء بطرف لسانه، قالوا: وفي معناه لطعه الاناء بلسانه، فلو أصاب الاناء بيده أو
برجله كان كغيره من النجاسات، وألحق في الفقيه بالولوغ الوقوع، وذكروا أن هذا
والتجفيف لا يعلم مستندهما وهما مصر حان في الفقه الرضوي إن أمكن الاستناد إليه في
مثل هذا. 4 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى
بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن الرجل وقع ثوبه على كلب ميت قال: ينضحه بالماء
ويصلي فيه ولا بأس (1). 5 - كتاب المسائل: بالاسناد المتقدم، عن علي بن جعفر، عن
أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل أصاب ثوبه خنزير فذكر وهو في صلاته، قال:
فليمض فلا بأس وإن لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما أصاب من ثوبه إلا أن يكون فيه أثر
فيغسله (2). قال: وسألته عن الكلب والفأرة إذا أكلا من الجبن أو السمن أيؤكل ؟ قال:
يطرح ما شماه ويؤكل ما بقي (3) بيان: قال في المعالم بعد إيراد الجزء الأول من هذه
الرواية: الظاهر من الرواية عدم استناد الحكم إلى النجاسة، فبتقدير الوجوب يكون
تعبدا، وذلك لأنه أمر فيها بالمضي في الصلاة إذا كان قد دخل فيها وظاهره نفي
التنجيس.
(1) قرب الاسناد ص 94 ط حجر. (2) البحار ج
10 ص 256. (3) كتاب المسائل البحار ج 10 ص 261.
[56]
لا يقال: إن الأمر بالغسل مع وجود الأثر
ليس إلا للتنجيس، والحكم بالمضي في الصلاة إذا كان قد دخل فيها شامل له كما يشعر به
ذكر الحكمين على تقدير عدم الدخول، فلا يصلح الاستناد في نفي التنجيس حينئذ إلى
الأمر بالمضي، وإن لم يعهد في غير هذا الموضع تفاوت الحال في وجوب إزالة النجاسة مع
الامكان بالدخول في الصلاة وعدمه، فلعل ذلك من خصوصيات هذا النوع منها. لأنا نقول:
ليس في كلام السائل دلالة على علمه بحصول الأثر من الملاقات يعنى وجدان الرطوبة
المؤثرة قبل دخوله في الصلاة، ومقتضى الأصل انتفاؤها، فلذلك أمر بالمضي حينئذ، وهو
يدل على عدم وجوب التفحص، وأنه يكفي البناء على أصالة طهارة الثوب عند الشك، وهذا
الحكم مستفاد من بعض الأخبار في غير هذه النجاسة أيضا. وأما مع عدم الدخول فحيث إنه
مأمور بالنضح وجوبا أو استحبابا يحتاج إلى ملاحظة موضع الملاقاة، فإذا تبين فيه
الأثر وجب غسله، وهذا التوجيه لو لم يكن ظاهرا لكفى احتماله في المصير إليه، لما في
إثبات الخصوصية من التعسف انتهى. وربما يقال: الاستثناء قيد لمجموع الشرطيتين،
فالحكم بالمضي بعد الدخول ليس شاملا لصورة وجود الأثر. 6 - قرب الاسناد: بالسند
المتقدم، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الفأرة والكلب
إذا أكلا من الخبز وشبهه، أيحل أكله ؟ قال: يطرح منه ما أكل، ويؤكل الباقي (1).
بيان: هذا الخبر في الكتب المشهورة (2) هكذا: سألته عن الفارة و الكلب إذا أكلا من
الخبز أو شماه أيؤكل ؟ قال: يطرح ما شماه، ويؤكل
(1) قرب الاسناد ص 156 ط نجف (2) راجع
التهذيب ج 1 ص 65 و 81.
[57]
ما بقي، وقيل: لعله عليه السلام ذكر حكم
الشم مقتصرا عليه لأنه يعلم منه حكم الأكل بالأولوية. ثم اعلم أن الأصحاب اختلفوا
في سؤر الفارة، والمشهور بين المتأخرين الكراهة، وقال الشيخ في النهاية: إذا أصاب
ثوب الانسان كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب أو فارة أو وزغة وكان رطبا وجب غسل
الموضع الذي أصابته من الرطوبة وقال المفيد - رحمه الله - في المقنعة: وكذلك الحكم
في الفارة والوزغة يرش الموضع الذي مساه، إن لم يؤثرا فيه، وإن رطباه وأثرا فيه غسل
بالماء. فإذا عرفت هذا فالأمر بالطرح على المشهور أعم من الوجوب والاستحباب إذ في
الفارة الظاهر حمله على الاستحباب إلا أن يقال: في الأكل تبقى في المحل رطوبة، وهي
من فضلات ما لا يؤكل لحمه، وفيه خباثة أيضا على طريقة القوم وكذا في الشم لا ينفك
غالبا أنفه من رطوبة والظاهر سرايتها إلى المحل ولا يخفى ما فيها من التكلفات، وأما
الكلب ففي الأكل الظاهر أن الأمر على الوجوب لحصول العلم العادي بسراية النجاسة إلى
المحل، وإن احتمل تغليب الأصل في مثله، وفي الشم هذا الاحتمال أظهر وأقوى، فيحمل
على الاستحباب إلا أن يحمل على العلم بوصول الرطوبة إلى المحل. 7 - دعائم الاسلام:
عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن الكلب والفأرة يأكلان من الخبز أو يشمانه ؟ قال:
ينزع ذلك الموضع الذي أكلا منه أو شماه ويؤكل سايره (1). وعن أبي جعفر عليه الصلاة
والسلام أنه رخص فيما أكل أو شرب منه السنور (2).
(1 - 2) دعائم الاسلام ج 1 ص 122.
[58]
[8 - الهداية]: فأما الماء الاجن والذي قد
ولغ فيه الكلب والسنور فانه لا بأس بأن يتوضأ منه ويغتسل، إلا أن يوجد غيره فيتنزه
عنه (1) بيان: لعل مراده من الذي ولغ فيه الكلب ما كان كرا. 9 - قرب الاسناد: عن
السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن الصادق عن أبيه عليهما السلام، عن على عليه
السلام قال: لا بأس بسؤر الفار أن يشرب منه ويتوضأ (2). 10 - ومنه: بالاسناد
المتقدم، عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الفارة وقعت في حب دهن
فاخرجت قبل أن تموت ؟ أيبيعه من مسلم ؟ قال: نعم، ويدهن به (3). 11 - ومنه ومن كتاب
المسائل: باسنادهما عن علي، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن فارة أو كلب شربا من
زيت أو سمن، أو لبن، قال: إن كان جرة أو نحوها فلا يأكله، ولكن ينتفع به بسراج أو
نحوه، وإن كان أكثر من ذلك فلا بأس بأكله، إلا أن يكون صاحبه موسرا، يحتمل أن
يهريقه فلا ينتفع به في شئ (4). قال: وسألته عن الفارة تصيب الثوب قال: إذا لم يكن
الفارة رطبة فلا بأس، وإن كانت رطبة فاغسل ما أصاب من ثوبك والكلب بمثل ذلك (5).
بيان: قوله عليه السلام: " ولكن ينتفع به " يدل على جواز الاستصباح بالدهن المتنجس
من غير تقييد بكونه تحت السماء، وقد اعترف الأكثر بانتفاء المستند فيه، وأما تجويز
الأكل مع كثرة الدهن فلم أر قائلا به في الكلب، وحمله
(1) الهداية: 13. (2) قرب الاسناد ص 70 ط
حجر وص 92 ط نجف. (3) قرب الاسناد ص 84 ط حجر وص 150 ط نجف. (4) قرب الاسناد ص 156
ط نجف، والبحار ج 10 ص 261. (5) قرب الاسناد ص 117 ط نجف.
[59]
على الجامد بعيد جدا، لا سيما في الأخير
إلا أن يحمل اللبن على الماست، ويمكن تخصيصه بالفارة. قوله عليه السلام: " فاغسل ما
أصاب " حمل على الاستحباب على المشهور وظاهره النجاسة. 12 - مجالس الصدوق: في مناهي
النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن أكل سؤر الفأر (1). 13 - قرب الاسناد وكتاب
المسائل: بسنديهما عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن رجل مس ظهر
سنور هل يصلح له أن يصلي قبل أن يغسل يده ؟ قال: لا بأس (2). 14 - كتاب المسائل:
بسنده عن علي، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الفارة تموت في السمن والعسل
الجامد أيصلح أكله ؟ قال: اطرح ما حول مكانها الذي ماتت فيه، وكل ما بقي ولا بأس
(3). 15 - نوادر الراوندي: باسناده، عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال:
قال علي عليه السلام: بينا رسول الله صلى الله عليه وآله يتوضأ، إذ لاذبه هر البيت،
وعرف رسول الله صلى الله عليه وآله أنه عطشان فأصغى إليه الاناء حتى شرب منه الهر
وتوضأ بفضله (4). ايضاح: قال في النهاية: في حديث الهرة أنه كان يصغي لها الاناء أي
يميله ليسهل عليه الشرب منه. 16 - قرب الاسناد: بالسند المتقدم، عن علي بن جعفر، عن
أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الفارة الرطبة، قد وقعت في الماء تمشي على
الثياب،
(1) أمالى الصدوق ص 253 (2) قرب الاسناد ص
122 ط نجف وص 93 ط حجر البحار ج 10 ص 285. (3) كتاب المسائل ج 10 ص 264 من البحار.
(4) نوادر الراوندي ص 39.
[60]
أتصلح للصلاة قبل أن تغسل ؟ قال: اغسل ما
رأيت من أثرها، وما لم تره فتنضحه بالماء (1). بيان: ظاهره نجاسة الفأرة وحمل الغسل
والنضح في المشهور على الاستحباب. فائدة اعلم أن الأصحاب ذكروا في النضح مواضع:
الأول بول الرضيع، وهو على الوجوب، الثاني ملاقاة الكلب باليبوسة استحبابا على
المشهور ووجوبا على بعض الأقوال كما عرفت، الثالث ملاقاة الخنزير جافا استحبابا أو
وجوبا كما مر، الرابع حكى العلامة في المختلف عن ابن حمزة إيجاب رش الثوب من ملاقات
الكافر باليبوسة، ثم إنه استقرب الاستحباب. وقال الشيخ في النهاية: إذا أصاب ثوب
الانسان كلب أو خنزير أو ثعلب أو أرنب أو فارة أو وزغة وكان يابسا وجب أن يرش
الموضع بعينه وإن لم يتعين رش الثوب كله، وقال المفيد في المقنعة: وإذا مس ثوب
الانسان كلب أو خنزير و كانا يابسين، فليرش موضع مسهما منه بالماء وكذلك الحكم في
الفأرة والوزغة وصرح سلار في رسالته بوجوب الرش من مماسة الكلب والخنزير والفارة و
الوزغة وجسد الكافر باليبوسة، وحكى المحقق في المعتبر: أن الشيخ قال في المبسوط: كل
نجاسة أصابت الثوب وكانت يابسة لا يجب غسلها وإنما يستحب نضح الثوب. قال في
المعالم: ولا نعلم لاعتبار شئ من ذلك في غير الكلب والخنزير بالوجوب أو الاستحباب
حجة سوى ما رواه الشيخ في الصحيح، عن على بن جعفر وذكر هذه الرواية (2) وما رواه
الشيخ أيضا في الصحيح (3) عن الحلبي قال: سألت
(1) قرب الاسناد ص 116 ط نجف. (2) التهذيب
ج 1 ص 74. (3) التهذيب ج 1 ص 239.
[61]
أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة في
ثوب المجوسي فقال: يرش بالماء. ثم قال: وهذا الخبر إنما يصلح دليلا على بعض وجوه
ملاقاة الكافر باليبوسة لا مطلقا كما هو مدعاهم، ثم إن الأمر بالرش فيه محمول على
الاستحباب قطعا لوجود المعارض الدال على نفي الوجوب، كصحيح معاوية بن عمار (1) عنه
عليه السلام في الثياب السابرية يعملها المجوس ألبسها ولا أغسلها واصلي فيها ؟ قال:
نعم. الخامس ذكر الشيخان في المقنعة والنهاية رش الثوب إذا حصل في نجاسته شك،
وعبارة النهاية صريحة في الاستحباب، وأما عبارة المقنعة فمطلقة حيث قال فيها: وإذا
ظن الانسان أنه قد أصاب ثوبه نجاسة ولم يتيقن ذلك، رشه بالماء، ونص العلامة في
المنتهى والنهاية على الاستحباب، لكنه عبر عن الحكم بالنضح. وأوجب سلار الرش إذا
حصل الظن بنجاسة الثوب ولم يتيقن، والذي ورد في الأخبار النضح عند الشك في إصابة
بعض أنواع النجاسة. فروى الشيخ في الصحيح عن عبد الرحمن بن الحجاج (2): قال: سألت
أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل يبول بالليل فيحسب أن البول أصابه فلا يستيقن، فهل
يجزيه أن يصب على ذكره إذا بال ولا يتتشف ؟ قال: يغسل ما استبان أنه أصابه وينضح ما
يشك فيه من جسده أو ثيابه، ويتنشف قبل أن يتوضأ. وفي الحسن عن الحلبي (3) عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: إذا احتلم الرجل فأصاب ثوبه مني فليغسل الذي أصابه، فان
ظن أنه أصابه مني ولم يستيقن ولم ير مكانه فلينضحه بالماء.
(1) التهذيب ج 1 ص 239. (2) التهذيب ج 1 ص
119 والمراد بالتنشف الاستبراء وبالوضوء الاستنجاء. (3) التهذيب ج 1 ص 71 و 199.
[62]
وفي الحسن، عن عبد الله بن سنان (1) قال:
سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أصاب ثوبه جنابة أو دم، قال: إن كان علم أنه
أصاب ثوبه جنابة قبل أن يصلي ثم صلى فيه ولم يغسله فعليه أن يعيد ما صلى وإن كان
يرى أنه أصابه شئ فنظر فلم ير شيئا أجزأه أن ينضحه بالماء. السادس الفأرة الرطبة
ذكرها العلامة في المنتهى والنهاية والشهيد في الذكرى واستند إلى هذه الرواية. وقال
صاحب المعالم: مورد النضح في هذا الخبر كما ترى هو ما لا يرى من أثر الفأرة الرطبة
في الثوب، وأما ما يرى منه فالحكم فيه الغسل وجوبا أو استحبابا على الخلاف السابق،
ووقع في كلام جماعة إطلاق القول بالنضح من الفأرة الرطبة تبعا لعبارة العلامة في
النهاية وليس بجيد، وقد صرح في المنتهى بما قلناه، فقال: ومنها الفأرة إذا لاقت
الثوب وهي رطبة ولم ير الموضع. السابع وقوع الثوب على الكلب الميت يابسا ذكره
الشهيد في الذكرى لما مر من رواية علي بن جعفر وهي في الكتب المشهورة صحيحة (2).
الثامن المذي يصيب الثوب ذكره العلامة والشهيد قدس الله روحهما لصحيحة محمد بن مسلم
عن أحدهما عليهما السلام (3) قال: سألته عن المذي يصيب الثوب فقال: ينضحه بالماء إن
شاء، وهي مصرحة بالاستحباب. التاسع بول الدواب والبغال والحمير ذكره العلامة
والشهيد لحسنة محمد ابن مسلم (4) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أبوال
الدواب والبغال والحمير فقال: اغسله فان لم تعلم مكانه فاغسل الثوب كله، فان شككت
فانضحه.
(1) التهذيب ج 1 ص 239. (2) راجع التهذيب
ج 1 ص 78. (3) المصدر ج 1 ص 76 وص 199. (4) المصدر: ج 1 ص 195.
[63]
اقول: الظاهر أنه مبني على نجاسة تلك
الأبوال، والنضح لمكان الشك كما مر في الخامس. العاشر بول البعير والشاة ذكرا في
النهاية والذكرى لرواية عبد الرحمن ابن أبي عبد الله (1) قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن الرجل يصيبه أبوال البهايم أيغسله أم لا ؟ قال: يغسل بول الفرس
والبغل والحمار، وينضح بول البعير والشاة. الحادي عشر الثوب يصيبه عرق الجنب ذكره
في الكتابين وغيرهما لرواية أبي بصير (2) قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
القميص يعرق فيه الرجل وهو جنب، حتى يبتل القميص، فقال: لا بأس وأن أحب أن يرشه
بالماء فليفعل. ولرواية علي بن أبي حمزة (3) قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام
وأنا حاضر عن رجل أجنب في ثوبه فيعرق فيه، قال: لا أرى به بأسا، قال: إنه يعرق حتى
لو شاء أن يعصره عصره، قال: فقطب أبو عبد الله عليه السلام في وجه الرجل فقال: إن
أبيتم فشئ من ماء فانضحه به. وهما يدلان على استحباب الرش وإن احتمل الأخير الاباحة
مماشاة للسائل، حيث فهم عليه السلام عنه الميل إلى التنزه عن العرق، وهذا الاحتمال
في الأول أبعد. الثاني عشر ذو الجرح في المقعدة يجد الصفرة بعد الاستنجاء، ذكره
الشهيد في الذكرى لما رواه الكليني في الصحيح عن البزنطي (4) قال: سأل الرضا عليه
السلام
(1) المصدر ج 1 ص 70. (2) التهذيب ج 1 ص
76 (3) الكافي ج 3 ص 52 التهذيب ج 1 ص 76 (4) الكافي ج 3 ص 19 و 20.
[64]
رجل وأنا حاضر فقال: إن لي جرحا في مقعدتي
فأتوضأ وأستنجي ثم أجد بعد ذلك الندى الصفرة من المقعدة، أفاعيد الوضوء ؟ فقال: وقد
أنقيت ؟ فقال: نعم، قال: لا، ولكن رشه بالماء ولا تعد الوضوء. ورواه بطريق آخر عن
صفوان عن الرضا عليه السلام. أقول: سيأتي النضح والرش في كثير من أمكنة الصلاة في
مواضعها لم نذكرها ههنا حذرا من التكرار. تتميم قال العلامة في النهاية: مراتب
إيراد الماء ثلاثة: النضح المجرد، ومع الغلبة، ومع الجريان، قال: ولا حاجة في الرش
إلى الدرجة الثالثة قطعا و هل يحتاج إلى الثانية ؟ الأقرب ذلك، ثم قال: ويفترق الرش
والغسل بالسيلان والتقاطر، قال في المعالم: في جعله الرش مغائرا للنضع نظر، إذ
المستفاد من كلام أهل اللغة ترادفهما والعرف إن لم يوافقهم فليس بمخالف لهم، فلا
نعلم الفرق الذي استقر به من أين أخذه ؟ مع أنه في غير النهاية كثيرا ما يستدل على
الرش بما ورد بلفظ النضح وبالعكس، بل الظاهر من كلامهم وكلامه في غيره ترادف الصب
والرش والنضح. تذنيب عزى العلامة في المختلف إلى ابن حمزة إيجاب مسح البدن بالتراب
إذا أصابه الكلب والخنزير أو الكافر بغير رطوبة، وقال الشيخ في النهاية: وإن مس
الانسان بيده كلبا أو خنزيرا أو ثعلبا أو أرنبا أو فارة أو وزغة أو صافح ذميا أو
ناصبا معلنا بعداوة آل محمد صلى الله عليه وآله وجب غسل يده إن كان رطبا، وإن كان
يابسا مسحه بالتراب. وقال المفيد: وإن مس جسد الانسان كلب أو خنزير أو فارة أو وزغة
وكان يابسا مسحه بالتراب، ثم قال: وإذا صافح الكافر ولم يكن في يده رطوبة
[65]
مسحها ببعض الحيطان أو التراب. وقال الشيخ
في المبسوط: كل نجاسة أصابت الثوب أو البدن وكانت يابسة لا يجب غسلها، وإنما يستحب
مسح اليد بالتراب أو نضح الثوب (1) ولا نعرف للمسح بالتراب وجوبا أو استحبابا وجها،
كما اعترف به كثير من المحققين، وقد ذكر العلامة في المنتهى استحبابه من ملاقاة
البدن للكلب أو الخنزير باليبوسة، بعد حكمه بوجوب الغسل، مع كون الملاقاة برطوبة،
ثم ذكر الحجة على إيجاب الغسل، وقال بعد ذلك: أما مسح الجسد فشئ ذكره بعض الأصحاب
ولم يثبت.
(1) المبسوط ج 1 ص 38 الطبعة الحديثة.
[66]
3. * " (باب) " * * " (سؤر المسوخ والجلال
وآكل الجيف) " * 1 - العلل: عن علي بن أحمد بن محمد، عن محمد الأسدي، عن محمد بن
أحمد ابن إسماعيل العلوي، عن علي بن الحسين العلوي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى،
عن أبيه جعفر بن محمد عليهم السلام قال: المسوخ ثلاثة عشر: الفيل والدب والأرنب،
والعقرب، والضب، والعنكبوت، والدعموص، والجري، والوطواط والقرد، والخنزير، والزهرة،
وسهيل. قيل: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله ما كان سبب مسخ هؤلاء ؟ قال: أما
الفيل فكان رجلا جبارا لوطيا لا يدع رطبا ولا يابسا، وأما الدب فكان رجلا مؤنثا
يدعو الرجال إلى نفسه، وأما الأرنب فكانت امرأة قذرة لا تغتسل من حيض ولا غير ذلك،
وأما العقرب فكان رجلا همازا لا يسلم منه أحد، وأما الضب فكان رجلا أعرابيا يسرق
الحاج بمحجنه (1). وأما العنكبوت فكانت امرأة سحرت زوجها، وأما الدعموص فكان رجلا
نماما يقطع بين الأحبة، وأما الجرى فكان رجلا ديوثا يجلب الرجال على حلائله، وأما
الوطواط فكان رجلا سارقا يسرق الرطب من رؤوس النخل، وأما القردة فاليهود اعتدوا في
السبت، وأما الخنازير فالنصارى حين سألوا المائدة فكانوا بعد نزولها أشد ما كانوا
تكذيبا، وأما سهيل فكان رجلا عشارا باليمن، وأما الزهرة فانها كانت امرأة تسمى
ناهيد وهي التي تقول الناس أنه افتتن بها هاروت وماروت (2). 2 - وروى أيضا في
العلل، عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن
(1) المحجن: العصا المنعطفة الرأس
كالصولجان. (2) علل الشرايع ج 2 ص 172 تحت الرقم 2.
[67]
إسماعيل بن مهران، عن محمد بن الحسن
زعلان، عن أبي الحسن عليه السلام قال: المسوخ اثنى عشر صنفا وذكر فيه الزنبور، وترك
العنكبوت والدعموص (1). 3 - وروى أيضا فيه، عن علي بن عبد الله الوراق، عن سعد بن
عبد الله، عن عباد بن سليمان، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن الرضا عليه السلام
وذكر فيه الخفاش والفأرة والبعوض والقملة والوزغ والعنقاء (2). 4 - وروى أيضا فيه
وفي المجالس (3) عن ماجيلويه، عن محمد العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن
الحسين بن أبي الخطاب، عن علي بن أسباط عن علي بن جعفر، عن مغيرة، عن الصادق، عن
آبائه عليهم السلام قال: المسوخ من بني آدم ثلاثة عشر صنفا منهم القردة، والخنازير،
والخفاش، والضب والدب والفيل، والدعموص، والجريث، والعقرب، وسهيل، وقنفذ، والزهرة،
والعنكبوت (4). 5 - وفي البصائر (5) والاختصاص عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد
عن الحسن بن علي، عن كرام، عن عبد الله بن طلحة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام
عن الوزغ فقال: هو رجس وهو مسخ، فإذا قتلته فاغتسل (6). اقول: قد مرت أخبار المسوخ
مفصلا مع أحكامها وأحوالها في كتاب السماء والعالم. واعلم أن الأصحاب اختلفوا في
أسئار ما عدا الخنزير من أنواع المسوخ،
(1) علل الشرايع ج 2 ص 171 تحت الرقم 1.
(2) المصدر ج 2 ص 172 تحت الرقم 3. (3) لا يوجد في أمالى الصدوق وهو في الخصال ج 2
ص 88. (4) علل الشرايع ج 2 ص 173. تحت الرقم 4. (5) بصائر الدرجات ص 103 ط حجر وص
353 ط تبريز، وتراه في الكافي ج 8 ص 232. (6) الاختصاص ص 301.
[68]
فذهب الشيخ إلى نجاستها، وهو المحكي عن
ابن الجنيد وسلار وابن حمزة والأشهر والأظهر الطهارة، واستوجه المحقق فيها الكراهة،
خروجا من خلاف من قال بالنجاسة. وأما الجلال فهو المغتذي بعذرة الانسان محضا إلى أن
نبت عليه لحمه واشتد عظمه، بحيث يسمى في العرف جلالا، قبل أن يستبرئ بما يزيل الجلل
وآكل الجيف من الطيور أي ما من شأنه ذلك فالمشهور كراهة سؤرهما مع خلو موضع
الملاقات من عين النجاسة، والشيخ في المبسوط منع من سؤر آكل الجيف وفي النهاية من
سؤر الجلال، وربما يناقش في الكراهة أيضا وهو في محله. و أطلق العلامة وغيره كراهة
سؤر الدجاج، وعلل بعدم انفكاك منقارها غالبا من النجاسة، وحكي في المعتبر عن الشيخ
في المبسوط أنه قال: يكره سور الدجاج على كل حال. فائدة مهمة قال العلامة في
النهاية: لو تنجس فم الهرة بسبب كأكل فأرة وشبهه ثم ولغت في ماء قليل ونحن نتيقن
نجاسة فمها فالاقوى النجاسة لأنه ماء قليل لاقى نجاسة، والاحتراز يعسر عن مطلق
الولوغ لا عن الولوغ بعد تيقن نجاسة الفم، ولو غابت عن العين واحتمل ولوغها في ماء
كثير أو جار لم ينجس، لأن الاناء معلوم الطهارة، فلا حكم بنجاسته بالشك. قيل: وهذا
الكلام مشكل، لأنا إما أن نكتفي في طهر فمها بمجرد زوال عين النجاسة، أو نعتبر فيه
ما يعتبر في تطهير المتنجسات من الطرق المعهودة شرعا فعلى الأول لا حاجة إلى اشتراط
غيبتها، وعلى الثاني - وهو الذي يظهر من كلامه الميل إليه - ينبغي أن لا يكتفي
بمجرد الاحتمال، لا سيما مع بعده، بل يتوقف الحكم بالطهارة على العلم بوجود سببها
كغيره. والظاهر أن الضرورة قاضية بعدم اعتبار ذلك شرعا، وعموم الأخبار يدل
[69]
على خلافه، فان إطلاق الحكم بطهارة سؤر
الهر فيها من دون الاشتراط بشئ مع كون الغالب فيه عدم الانفكاك من أمثال هذه
الملاقاة، دليل على عدم اعتبار أمر آخر غير ذهاب العين، ولو فرضنا عدم دلالة
الأخبار على العموم فلا ريب أن الحكم بتوقف الطهارة في مثلها على التطهير المعهود
شرعا منفي قطعا، والواسطة بين ذلك وبين زوال العين يتوقف على الدليل، ولا دليل. وقد
اكتفى في المنتهى بزوال العين عن فمها فقال بعد أن ذكر كراهة سؤر آكل الجيف، وبين
وجهه: وهكذا سؤر الهرة وإن أكلت الميتة وشربت، قل الماء أو كثر، غابت عن العين أو
لم تغب، لعموم الأحاديث المبيحة، وحكى ما ذكره في النهاية عن بعض أهل الخلاف. وقال
الشيخ في الخلاف: إذا أكلت الهرة فأرة ثم شربت من الاناء فلا بأس بالوضوء من سؤرها،
وحكى عن بعض العامة أنه قال: إن شربت قبل أن تغيب عن العين لا يجوز الوضوء به، ثم
قال الشيخ: والذي يدل على ما قلناه إجماع الفرقة على أن سؤر الهرة طاهر ولم يفصلوا
انتهى. وبالجملة مقتضى الأخبار المتضمنة لنفى البأس عن سؤر الهرة وغيرها من السباع
طهارتها بمجرد زوال العين، لأنها لا تكاد تنفك عن النجاسات خصوصا الهرة فان العلم
بمباشرتها للنجاسة متحقق في أكثر الأوقات ولولا ذلك للزم صرف اللفظ الظاهر إلى
الفرد النادر، بل تأخير البيان عن وقت الحاجة كما ذكره بعض المحققين. وقد قطع جمع
من المتأخرين بطهارة الحيوان غير الادمى بمجرد زوال العين وهو حسن للأصل، وعدم ثبوب
التعبد بغسل النجاسة عنه، ولا يعتبر فيه الغيبة، وأما الادمى فقد قيل إنه يحكم
بطهارته بغيبته زمانا يمكن فيه إزالة النجاسة، واستشكله بعض المحققين وقال: الأصح
عدم الحكم بطهارته بذلك إلا مع تلبسه بما يشترط فيه الطهارة عنده، على تردد في ذلك
أيضا، والله يعلم.
[70]
4. * " (باب) " * * " (سؤر العظاية والحية
والوزغ واشباهها) " * * " (مما ليست له نفس سائلة) " * 1 - قرب الاسناد (1) وكتاب
المسائل بالاسنادين المتقدمين عن على بن جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن
العظاية والحية والوزغة تقع في الماء فلا تموت أيتوضأ منه للصلاة ؟ قال: لا بأس.
قال: وسألته عن العقرب والخنفساء أشباههن تموت في الجرة أو الدن أيتوضأ منه للصلاة
؟ قال: لا بأس (2). بيان: قال في القاموس: العظاية دويبة كسام أبرص انتهى، ولعله
نوع من الوزغ والمشهور بين الأصحاب كراهة سؤر الوزغ والعقرب، وما ماتتا فيه، وربما
قيل بالمنع أيضا، وقال في التذكرة: إن الكراهة من حيث الطب لا لنجاسة الماء وفيه
قوة، وقال الشيخ في النهاية: لا يجوز استعمال ما وقع فيه الوزغ وإن خرج حيا، وكذا
قال الصدوق ره. وأما الحية فقال الشيخ في النهاية وأتباعه بكراهة سؤرها، وقيل: بعدم
الكراهة لهذه الرواية. وأما عدم نجاسة الماء بموت الخنفساء وأشباهها مما لا نفس له
أي الدم الذي يسيل من العرق، فقال في المعتبر: إنه لا ينجس بالموت عند علمائنا
أجمع، ونحوه قال في المنتهى. 2 - فقه الرضا: إن وقع في الماء وزغ اهريق ذلك الماء،
وإن وقع فيه فارة أو حية اهريق الماء، وإن دخل فيه حية وخرجت منه صبت من ذلك الماء
ثلاث أكف
(1) قرب الاسناد ص 84 ط حجر وص 109 ط نجف.
(2) كتاب المسائل ج 10 ص 288 من البحار.
[71]
واستعمل الباقي وقليله وكثيره بمنزلة
واحدة. وإن وقعت فيه عقرب أو شئ من الخنافس وبنات وردان والجراد كل ما ليس له دم
فلا بأس باستعماله والوضوء منه، مات أو لم يمت (1). بيان: لعل صب الأكف محمول على
الاستحباب لرفع استقذار النفس وأما تقليل أثر السم فتأثير مثل ذلك فيه محل تأمل،
ويحتمل أن يكون لمحض التعبد. 3 - وروى هذا المضمون الشيخ في التهذيب (2) عن، هارون
بن حمزة الغنوى عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الفارة والعقرب وأشباه
ذلك يقع في الماء فيخرج حيا هل يشرب من ذلك الماء ويتوضأ ؟ قال: يسكب منه ثلاث
مرات، وقليله وكثيره بمنزلة واحدة، ثم يشرب منه ويتوضأ منه، غير الوزغ، فانه لا
ينتفع بما يقع فيه. وقال في حياة الحيوان: بنات وردان هي دويبة تتولد من الأماكن
الندية وأكثر ما تكون في الحمامات والسقايات، ومنها الأسود والأحمر والأبيض والأصهب
وإذا تكونت تسافدت وباضت بيضا مستطيلا. 4 - نوادر الراوندي: عن عبد الواحد بن
إسماعيل الرويانى عن محمد بن الحسن التيمى، عن سهل بن أحمد الديباجي، عن محمد بن
محمد بن الأشعث، عن موسى بن إسماعيل بن موسى، عن أبيه، عن جده، عن موسى بن جعفر، عن
آبائه عليهم السلام قال: قال على عليه السلام: ما لا نفس له سائلة إذا مات في
الادام فلا بأس بأكله (3).
(1) فقه الرضا: 5. (2) التهذيب ج 1 ص 68،
الاستبصار ج 1 ص 13. (3) نوادر الراوندي ص 50.
[72]
5. * (باب) * * " (سؤر ما لا يؤكل لحمه من
الدواب وفضلات الانسان) " * 1 - قرب الاسناد: بالسند المتقدم، عن علي بن جعفر، عن
أخيه عليه السلام قال: سألته عن فضل ماء البقرة والشاة والبعير أيشرب منه ويتوضأ ؟
قال: لا بأس به (1). 2 - فقة الرضا: قال: إن شرب من الماء دابة أو حمار أو بغل أو
شاة أو بقرة فلا بأس باستعماله والوضوء منه، ما لم يقع فيه كلب أو وزغ أو فارة (2).
وقال: سألت العالم عليه السلام عما يخرج من منخري الدابة إذا نخرت فأصاب ثوب الرجل
قال: لا بأس، ليس عليك أن تغسل (3). بيان: في القاموس نخر ينخر وينخر نخيرا مد
الصوت في خياشيمه، والمنخر بفتح الميم والخاء وبكسرهما وبضمهما، وكمجلس وملمول
الأنف. 3 - كتاب المسائل بالاسناد المتقدم عن على بن جعفر، عن أخيه موسى عليه
السلام قال: سألته عن فضل الفرس والبغل والحمار أيشرب منه ويتوضأ للصلاة ؟ قال: لا
بأس (4). نقل مذاهب لتوضيح المطالب اعلم أن في تبعية السؤر للحيوان في الطهارة
خلافا فذهب أكثر الأصحاب كالفاضلين والشهيدين وجمهور المتأخرين إلى طهارة سؤر كل
حيوان طاهر، وحكاه المحقق في المعتبر عن المرتضى في المصباح، وهو اختيار الشيخ في
الخلاف والنهاية إلا أنه استثنى في النهاية سؤر ما أكل الجيف من الطير، وذكر المحقق
أن
(1) قرب الاسناد ص 84 ط حجر. (2) فقه
الرضا ص 5... (3) فقه الرضا ص 288. (4) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص
[73]
المرتضى استثنى الجلال في المصباح. وقال
ابن الجنيد: لا ينجس الماء بشرب ما اكل لحمه من الدواب والطيور وكذلك السباع وإن
ماسته بأبدانها، ما لم يعلم بما ماسه نجاسة، ولم يكن جلالا وهو الاكل للعذرة، ولم
يكن أيضا كلبا ولا خنزيرا ولا مسخا، وظاهر الشيخ في التهذيب المنع من سؤر ما لا
يؤكل لحمه، وكذا في الاستبصار إلا أنه استثنى منه الفأرة، ونحو البازي والصقر من
الطيور، وذهب في المبسوط إلى نجاسة سؤر ما لا يؤكل لحمه من الحيوان الانسى عدا ما
لا يمكن التحرز منه كالفأرة والحية والهرة وطهارة سؤر الطاهر من الحيوان الوحشي
طيرا كان أو غيره. وحكى العلامة عن ابن إدريس أنه حكم بنجاسة ما يمكن التحرز عنه
مما لا يؤكل لحمه من الحيوان الحضر غير الطير، والأشهر أظهر. 4 - قرب الاسناد: عن
الحسن بن ظريف عن الحسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه
السلام سئل عن البزاق يصيب الثوب قال: لا بأس به (1). بيان: ظاهره جواز الصلاة في
الفضلات الطاهرة من الانسان، وإن كان من غير المصلي، وسيأتي تمام القول فيه في كتاب
الصلاة إنشاء الله. 5 - الهداية: وكل ما يؤكل لحمه فلا بأس بالوضوء مما شرب منه.
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: كل شئ يجتر فسؤره حلال ولعابه حلال (2).
(1) قرب الاسناد ص 42 ط حجر (2) الهداية ص
13 و 14، والاجترار: اعادة المأكول من الجوف إلى الفم لاعادة مضغه.
[74]
[أبواب النجاسات والمطهرات وأحكامها] (1)
1. * (باب) * * " (نجاسة الميتة وأحكامها وحكم الجزء المبان من الحى والاجزاء) " *
* " (الصغار المنفصلة عن الانسان وما يجوز) " * * " (استعماله من الجلود) " * 1 -
قرب الاسناد: عن الطيالسي عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: سأله سعيد الأعرج وأنا
حاضر عن الزيت والسمن والعسل تقع فيه الفأرة فتموت كيف يصنع به ؟ قال: أما الزيت
فلا تبعه إلا لمن تبين له، فيبتاع للسراج، فأما للأكل فلا وأما السمن إن كان ذائبا
فهو كذلك وإن كان جامدا والفارة في أعلاه، فيؤخذ ما تحتها وما حولها، ثم لا بأس به،
والعسل كذلك إن كان جامدا (2). 2 - ومنه باسناده عن على بن جعفر عن أخيه عليه
السلام قال: سألته عن حب دهن ماتت فيه فارة، قال: لا تدهن به، ولا تبعه من مسلم
(3). قال: وسألته عن الرجل يتحرك بعض أسنانه، وهو في الصلاة، هل يصلح له أن ينزعها
ويطرحها ؟ قال: إن كان لا يجد دما فلينزعه وليرم به وإن كان دمى فلينصرف (4). قال:
وسألته عن الرجل يكون به الثالول أو الجرح هل يصلح له وهو في صلاته أن يقطع الرأس
الثالول أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه ؟ قال: إن لم يتخوف أن يسيل الدم فلا
بأس، وإن تخوف أن يسيل الدم فلا يفعل، وإن فعل فقد نقض من ذلك الصلاة، ولا ينقض
الوضوء (5).
(1) ما بين العلامتين زيادة من المخطوطة.
(2) قرب الاسناد ص 60 (3) قرب الاسناد ص 112 ط حجر وص 150 ط نجف. (4) قرب الاسناد ص
114 ط نجف. (5) المصدر ص 115 ط نجف.
[75]
توضيح: الجواب الأول يدل على نجاسة الميتة
في الجملة، وعلى عدم جواز بيع الدهن المتنجس إلا بعد البيان للاستصباح، سواء كان
تحت السماء أو تحت السقف (1) كما هو الأظهر، وستأتي تلك الأحكام مفصلة. قوله " كذلك
إن كان جامدا " يفهم منه عدم جواز بيع المايع، وإن كان فيه فائدة محللة، وهو الظاهر
من كلام الأصحاب: إذ لم يجوزوا بيع الدبس النجس للنحل ونحوه، وفي دليلهم نظر،
والتقييد في الجواب الثاني حيث قال " لا تبعه من مسلم " يدل على جواز البيع من غير
المسلم، وقد دلت عليه أخبار تأتي في كتاب البيع. والجواب الثالث يعطي باطلاقه على
عدم نجاسة القطعة التي تنفصل غالبا مع السن، وأنه لا يصدق عليهما القطعة ذات العظم،
إما لعدم صدق القطعة عرفا عليهما، أو عدم كون السن عظما. والجواب الرابع يدل على
عدم نجاسة الأجزاء الصغار المنفصلة من الانسان. قال العلامة في المنتهى: الأقرب
طهارة ما ينفصل من بدن الانسان من الأجزاء الصغيرة من البثور والثالول وغيرهما،
لعدم إمكان التحرز عنها، فكان عفوا دفعا للمشقة، وأكثر المحققين من المتأخرين لم
يستجودوا هذا التعليل، و قال بعضهم: والتحقيق أنه ليس لما يعتمد عليه من أدلة نجاسة
الميتة وأبعاضها وما في معناها من الأجزاء المبانة من الحي دلالة على نجاسة نحو هذه
الأجزاء التي تزول عنها أثر الحياة في حال اتصالها بالبدن، فهي على أصل الطهارة
وأومأ - رحمه الله - في النهاية إلى هذه الرواية، واستدل بها على الطهارة أيضا من
حيث إطلاق نفي الباس عن مس هذه الأجزاء في حال الصلاة، فانه يدل على عدم الفرق بين
كون المس برطوبة ويبوسة، إذ المقام مقام تفصيل كما يدل عليه اشتراط
(1) انما نهى عن الاستصباح تحت السقف،
لانه يوجب نجاسة السقف، فان دخان الدهن له دسومة، فإذا كان الدهن نجسا كان دخانه
أيضا نجسا.
[76]
نفي البأس بانتفاء تخوف سيلان الدم، فلو
كان مس تلك الأجزاء مقتضيا للتنجيس ولو على بعض الوجوه، لم يحسن الاطلاق، بل كان
اللايق البيان كما وقع في خوف السيلان. 3 - فقه الرضا: روي لا ينجس الماء إلا ذو
نفس سائلة أو حيوان له دم (1). وقال: إن مس ثوبك ميتا فاغسل ما أصاب، وإن مسست ميتة
فاغسل يديك وليس عليك غسل، وإنما يجب عليك ذلك في الانسان وحده (2). بيان: قوله: "
أو حيوان " الترديد باعتبار اختلاف لفظ الرواية، و قوله عليه السلام: " فاغسل ما
أصاب " يحتمل أن يكون المعنى فاغسل ما أصاب ثوبك من الميت من رطوبة أو نجاسة، لكن
قوله: " إن مسست ميتة " ظاهره وجوب غسل اليد مع اليبوسة، أيضا كما اختاره العلامة،
ويمكن حمله على الرطوبة أو على الاستحباب مع اليبوسة. 4 - المحاسن: عن ابن أسباط،
عن علي بن جعفر، عن أخيه قال: سألته عن ركوب جلود السباع قال: لا بأس ما لم يسجد
عليها (3). ومنه: عن عثمان بن عيسى، عن سماعة قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن
جلود السباع، فقال: اركبوا ولا تلبسوا شيئا منها تصلون فيه (4). بيان: الخبران
يدلان على كون السباع قابلة للتذكية، بمعنى إفادتها جواز الانتفاع بجلدها لطهارته،
كما هو المشهور بين الأصحاب، بل قال الشهيد - ره - أنه لا يعلم القائل بعدم وقوع
الذكاة عليها، سوى الكلب والخنزير واستشكال الشهيد الثاني - رحمه الله - وبعض
المتأخرين في الحكم بعد ورود
(1) فقه الرضا ص 5 (2) فقه الرضا ص 18 س 3
و 36 متفرقا. (3) المحاسن ص 629. (4) المصدر نفسه ص 629.
[77]
النصوص المعتبرة، وعمل القدماء والمتأخرين
بها لاوجه له، وأما عدم جواز السجود عليها، والصلاة فيها فسيأتي في محله. 5 -
السرائر: عن جامع البزنطي عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن رجل يكون له الغنم
يقطع من الياتها وهي أحياء أيصلح له أن ينتفع بما قطع ؟ قال: نعم يذيبها ويسرج بها،
ولا يأكلها ولا يبيعها. قال محمد بن إدريس: لا يلتفت إلى هذا الحديث، لأنه من نوادر
الأخبار والاجماع منعقد على تحريم الميتة والتصرف فيها بكل حال إلا أكلها للمضطر
غير الباغي والعادي (1). قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر،
عن أخيه موسى عليه السلام مثله (2). بيان: ما ذكره ابن إدريس هو المشهور بين
الفقهاء وقال الشهيد الثاني - رحمه الله - في المسالك: الذي جوزوه من الاستصباح
بالدهن النجس مختص بما إذا كان الدهن متنجسا بالعرض، فلو كان نفسه نجاسة كأليات
الميتة والمبانة من الحي لم يصح الانتفاع به مطلقا، لاطلاق النهي عن استعمال
الميتة، ونقل الشهيد عن العلامة - رحمه الله - جواز الاستصباح به تحت السماء، ثم
قال: و هو ضعيف. أقول: الجواز عندي أقوى، لدلالة الخبر الصحيح المؤيد بالأصل على
الجواز، وضعف حجة المنع إذ المتبادر من تحريم الميتة تحريم أكلها كما حقق في موضعه،
والاجماع ممنوع والله يعلم. 6 - كتاب المسائل (3) لعلى بن جعفر، عن أخيه موسى عليه
السلام قال: سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميت، هل يصلح الصلاة فيه قبل أن
يغسله ؟ قال:
(1) السرائر: 469. (2) قرب الاسناد ص 115
ط حجر. (3) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 255.
[78]
ليس عليه غسله، فليصل فيه فلا بأس. قال:
وسألته عن الماشية تكون لرجل فيموت بعضها أيصلح له بيع جلودها ودباغها ويلبسها ؟
قال: لا، وإن لبسها فلا يصلي فيها (1). بيان: الجواب الأول محمول على ما إذا كان
الحمار والثوب يابسين، أو على ما إذا وقع الثوب على شعره، وأما قوله " وإن لبسها "
ففيه إيهام لجواز اللبس في غير الصلاة ويمكن أن يجعل مؤيدا لمذهب ابن الجنيد، حيث
ذهب إلى أن الدباغ مطهر لجلد الميتة، ولكن لا يجوز الصلاة فيه، ونسب إلى الشلمغايي
أيضا (2) بل ظاهر الصدوق في الفقيه أيضا ذلك، لكن لم يصرح بالدباغ ولا يبعد حمل
كلامه عليه، والمشهور عدم جواز الاستعمال مطلقا وهو أحوط. 7 - نوادر الراوندي:
باسناده المتقدم عن موسى بن جعفر، عن آبائه، عليهم السلام قال: سئل علي عليه السلام
عن قدر طبخت فإذا فيها فارة ميتة، فقال: يهراق المرق ويغسل اللحم وينقى ويؤكل (3).
وسئل عليه السلام عن سفرة وجدت في الطريق فيها لحم كثير وخبز كثير وبيض وفيها سكين،
فقال: يقوم ما فيها ثم يؤكل، لأنه يفسد، فإذا جاء طالبها غرم له، فقالوا له: يا
أمير المؤمنين لا نعلم أسفرة ذمي هي أم سفرة مجوسي، فقال: هم في سعة من أكلها ما لم
يعلموا (4).
(1) المصدر نفسه ج 10 ص 264. (2) قال في
الكتاب التكليف المشهور بفقة الرضا (ع) (ص 41) كل شئ حل أكل لحمه فلا بأس بلبس جده
الذكى وصوفه وشعره ووبره وريشه وعظامه، وان كان الصوف والوبر والشعر والريش من
الميتة وغير الميتة بعد ما يكون مما أحل الله أكله فلا بأس به، وكذلك الجلد فان
دباغته طهارته، إلى أن قال: وزكاة الحيوان ذبحه وزكاة الجلود الميتة دباغته. (3 -
4) نوادر الراوندي ص 50.
[79]
وسئل عن الزيت يقع فيه شئ له دم، فيموت،
فقال: يبيعه لمن يعمله صابونا (1). بيان: السؤال الأول رواه الشيخ عن السكوني (2)
عن أبي عبد الله عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن قدر طبخت وإذا في
القدر فارة، قال: يهراق مرقها ويغسل اللحم ويؤكل، وعمل به الأصحاب. والسؤال الثاني
أيضا رواه الشيخ عن السكوني (3) عنهما عليهما السلام وفيه إشكال إذ على المشهور لا
يجوز استعمال ما يشترط فيه الذبح إلا إذا اخذ من سوق المسلمين أو علم بالتذكية،
والأصل عندهم عدمها وظاهر هذا الخبر وكثير من الأخبار جواز أخذ اللحم المطروح،
والجلد المطروح لا سيما إذا انضمت إليه قرينة تورث الظن بالتذكية، وسيأتي تمام
القول فيه. وأما السؤال الثالث فيدل على جواز استعمال الدهن المتنجس لغير الاستصباح
من المنافع المعتبرة شرعا، قال في المسالك: وقد ألحق بعض الأصحاب ببيعها للاستصباح
بيعها ليعمل صابونا أو ليدهن بها الأجرب ونحو ذلك، ويشكل بأنه خروج عن مورد النص
المخالف للأصل، فان جاز لتحقق المنفعة فينبغي مثله في المايعات النجسة التي ينتفع
بها كالدبس للنحل ونحوه انتهى. أقول: الجواز لا يخلو من قوة للاصل، وعموم الأدلة،
وذكر الاسراج والاستصباح في الروايات لا يدل على الحصر، بل يمكن أن يكون الغرض بيان
الفائدة والانتفاع بذكر أظهر فوائده وأشيعها، كما أن تخصيص المنع بالأكل فيها لا
يدل على الحصر، وما الزم علينا نلتزمه، إذ لم يثبت الاجماع على خلافه.
(1) نوادر الراوندي ص 51. (2) التهذيب ج 9
ص 86 ط نجف، وهكذا في الكافي ج 6 ص 261. (3) التهذيب ج 2 ص 365 ط حجر، الكافي ج 6 ص
297 وج 2 ص 164 ط حجر.
[80]
8 - دعائم الاسلام: سئل الصادق عليه
السلام عن فارة وقعت في سمن، قال: إن كانت جامدا القيت وما حولها، واكل الباقي، وإن
كان مايعا فسد كله، ويستصبح به. قال وسئل أمير المؤمنين عليه السلام عن الدواب تقع
في السمن والعسل و اللبن والزيت فتموت فيه، قال: إن كان ذائبا اريق اللبن والعسل
واستسرج بالزيت والسمن. وقال في الخنفساء والعقرب والصرار وكل شئ لا دم له يموت في
طعام: لا يفسده، وقال في الزيت: يعمله الصابون إن شاء. وقالوا: عليهم السلام إذا
خرجت الدابة حية ولم تمت في الادام لم ينجس ويؤكل، وإذا وقعت فيه فماتت لم يؤكل ولم
يبع ولم يشتر (1). وعنهم عليهم السلام عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه اتي
بجفنة فيها أدام فوجدوا فيها ذبابا فأمر به فطرح، وقال: سموا الله وكلوا، فان هذا
لا يحرم شيئا (2). وعن علي عليه السلام أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله
يقول: لا ينتفع من الميتة باهاب ولا عظم ولا عصب (3). وعن الصادق عليه السلام عن
آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله قال: الميتة نجس و إن دبغت (4).
وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه سئل عن جلود الغنم يختلط الذكي منها بالميتة
ويعمل منها الفراء قال: إن لبستها فلا تصل فيها، وإن علمت أنها ميتة فلا تشترها ولا
تبعها، وإن لم تعلم اشتر وبع (5).
(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 122. (2) في
المصدر: " بجفنة قد أدمت " وفيه: " سموا عليه الله ". (3) المصدر ص 126. (4 و 5)
دعائم الاسلام ج 1 ص 126.
[81]
بيان: صرار الليل طويئره صغيرة تصيح
بالليل (1) وقد أجمع علماؤنا على طهارة ميتة غير ذي النفس كما حكاه جماعة ودلت عليه
أخبار، والاهاب الجلد ما لم يدبغ. 9 - الهداية: لا يفسد الماء إلا ما كانت له نفس
سائلة (2).
(1) هو الجدجد، واسمه شبيه بصوته أكبر من
الجندب، قيل وبعض العرب يسميه الصدى. (2) الهداية ص 13.
[82]
2. * ((باب)) * * " (حكم ما يؤخذ من سوق
المسلمين) " * * " (ويوجد في أرضهم) " * 1 - قرب الاسناد: عن أحمد بن محمد بن عيسى،
عن البزنطي، عن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الخفاف يأتي الرجل السوق ليشتري
الخف لا يدري ذكي هو أم لا ما تقول في الصلاة فيه، وهو لا يدري ؟ قال: نعم أنا
أشتري الخف من السوق واصلي فيه، وليس عليكم المسألة (1). 2 - ومنه: بهذا الاسناد
قال: سألته عن الجبة الفراء يأتي الرجل السوق من أسواق المسلمين فيشتري الجبة لا
يدري أهي ذكية أم لا يصلي فيها ؟ قال: نعم إن أبا جعفر عليه السلام كان يقول: إن
الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالتهم، إن الدين أوسع من ذلك، إن علي بن أبي طالب عليه
السلام كان يقول: إن شيعتنا في أوسع مما بين السماء إلى الأرض، أنتم مغفور لكم (2).
3 - السرائر: نقلا من كتاب البزنطي قال: سألته عن رجل يشتري ثوبا من السوق لبيسا لا
يدري لمن كان، يصلح له الصلاة فيه ؟ قال: إن كان اشتراه من مسلم فليصل فيه، وإن كان
اشتراه من نصراني فلا يلبسه ولا يصلي فيه حتى يغسله (3). قرب الاسناد: عن عبد الله
بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام مثله (4). 4 - ومنه: عن
محمد بن عيسى والحسن بن ظريف وعلي بن إسماعيل كلهم
(1 و 2) قرب الاسناد ص 170 ط حجر وص 227 ط
نجف. (3) السرائر ص 469. (4) قرب الاسناد ص 96 ط حجر.
[83]
عن حماد بن عيسى قال: سمعت أبا عبد الله
عليه السلام يقول: كان أبي يبعث بالدراهم إلى السوق فيشترى بها جبنا فيسمي ويأكل
ولا يسأل عنه (1). بيان: قد ظهر من تلك الأخبار وغيرها أن ما يباع في أسواق
المسلمين من الذبايح واللحوم والجلود والأطعمة حلال طاهر، لا يجب الفحص عن حاله ولا
أعرف فيه خلافا بين الأصحاب، ولافرق في ذلك عندهم بين ما يوجد بيد معلوم الاسلام أو
مجهوله، ولا في المسلم بين من يستحل ذبيحة الكتابي أم لا، عملا بعموم الأدلة.
واعتبر العلامة في التحرير كون المسلم ممن لا يستحل ذبايح أهل الكتاب والأول أظهر،
والظاهر أن المراد بسوق المسلمين ما كان المسلمون فيه أغلب وأكثر، كما روي في
الموثق (2) عن إسحاق بن عمار عن الكاظم عليه السلام أنه قال: إذا كان الغالب عليه
المسلمين فلا بأس، وربما يفسر بما كان حاكمهم مسلما وقد يحال على العرف، والظاهر أن
العرف أيضا يشهد بما ذكرنا.
(1) قرب الاسناد ص 11 ط حجر وص 15 ط نجف.
(2) التهذيب ج 1 ص 241 ط حجر، ولفظه قال: لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما
صنع في أرض الاسلام، قلت: فان كان فيها غير أهل الاسلام ؟ قال: إذا كان الغالب
عليها المسلمين فلا بأس.
[84]
3. * (باب) * * " (نجاسة الدم وأقسامه
وأحكامه) " * 1 - السراير: نقلا من كتاب البزنطي، عن عبد الله بن عجلان، عن أبي
جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل به القرح لا يزال يدمي كيف يصنع ؟ قال: يصلي
وإن كانت الدماء تسيل (1). ومنه: عن البزنطي، عن العلاء، عن محمد بن مسلم قال: قال:
إن صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها ولا حبس دمها، يصلي ولا يغسل ثوبه في
اليوم أكثر من مرة (2). بيان: لا خلاف في العفو عن دم القروح والجروح في الجملة،
واختلف في تعيين الحد الموجب للترخص، فقيل بالعفو عنه مطلقا إلى أن يبرأ سواء شقت
إزالته أم لا، وسواء كانت له فترة ينقطع فيها أم لا، واختاره أكثر المحققين من
المتأخرين، واعتبر بعضهم سيلان الدم دائما، وبعضهم السيلان في جميع الوقت (3) أو
تعاقب الجريات على وجه لا تتسع فتراتها لأداء الفريضة، ومنهم من ناط العفو بحصول
المشقة، وأوجب في المنتهى إبدال الثوب مع الامكان والأول لا يخلو من قوة. وقوله
عليه السلام: " وإن كانت الدماء تسيل " ظاهر الدلالة على أولوية الحكم في صورة عدم
السيلان، وربما يتوهم من قوله: " فلا يزال يدمي " أن الحكم مفروض فيما هو دائم
السيلان، ورد بأنه ليس معنى لا يزال يدمي أن جريانها متصل دائما بل معناه أن الدم
يتكرر خروجها منه، ولو حينا بعد حين، فإذا قيل فلان
(1) لم نجده في المطبوع من السرائر. (2)
السرائر ص 469. (3) أي وقت الصلاة.
[85]
لا يزال يتكلم بكذا فكان معناه عرفا أنه
يصدر منه ذلك وقتا بعد وقت، لا أنه دائمي. ويستفاد من بعض الروايات أنه لا يجب
إبدال الثوب، ولا تخفيف النجاسة ولا عصب موضع الدم، بحيث يمنعه من الخروج، وظاهر
الشيخ في الخلاف أنه إجماعي بين الطائفة، فما ورد في الخبر الثاني يمكن حمله على
الاستحباب. ثم إنه ذكر العلامة في عدة من كتبه أنه يستحب لصاحب القروح و الجروح غسل
ثوبه في كل يوم مرة كما يدل عليه هذا الخبر، ويدل عليه أيضا رواية سماعة قال: سألته
عن الرجل به القروح أو الجروح فلا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه، قال: يصلي ولا
يغسل ثوبه إلا كل يوم مرة فانه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة (1). وعلل الاستحباب
بضعف السند، وغفلوا عن هذا الخبر الصحيح الذي نقله ابن إدريس من كتاب البزنطي
والأحوط العمل به. 2 - السراير: نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن إبراهيم بن
هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه، عن آبائه
عليهم السلام: كان لا يرى بأسا بدم ما لم يدك يكون في الثوب، فيصلي فيه الرجل يعني
دم السمك (2). توضيح وتنقيح: اعلم أن الدم لا يخلو إما أن يكون دم ذي النفس أم لا
فان كان دم ذي النفس فلا يخلو إما أن يكون دما مسفوحا أي خارجا من العرق بقوة أم
لا، وعلى الثاني فلا يخلو إما أن يكون دما متخلفا في الذبيحة أم لا، والأول ينقسم
بحسب أحوال المذبوح إلى مأكول اللحم وغيره، وإن لم لم يكن دم ذي النفس، فلا يخلو من
أن يكون دم سمك أو غيره، فههنا أقسام ستة:
(1) التهذيب ج 1 ص 73 ط حجر. (2) السرائر
ص 477.
[86]
الأول الدم المسفوح، ولا ريب في نجاسته.
الثاني الدم المتخلف بعد الذبح في حيوان مأكول اللحم والظاهر أنه حلال طاهر بغير
خلاف يعرف. الثالث الدم المتخلف في حيوان غير مأكول اللحم وظاهر الأصحاب الحكم
بنجاسته، لعدم استثنائهم له عن الدم المحكوم بالنجاسة، قال صاحب المعالم: و تردد في
حكمه بعض من عاصرناه من مشايخنا، وينشأ التردد من إطلاق الأصحاب الحكم بنجاسة الدم
مما له نفس مدعين الاتفاق عليه، وهذا بعض أفراده، ومن ظاهر قوله تعالى " أو دما
مسفوحا " حيث دل على حل غير المسفوح وهو يقتضي طهارته، ثم ضعف الثاني بوجوه لا تخلو
من قوة، وقال: عموم ما دل على تحريم الحيوان الذي هو دمه يتناوله، وحل الدم مع حرمة
اللحم أمر مستبعد جدا لا سيما مع ظهور الاتفاق بينهم على التحريم. الرابع ما عدا
المذكورات من الدماء التي لا تخرج بقوة من عرق، ولا لها كثرة وانصباب، لكنه له نفس،
فظاهر الأصحاب الاتفاق على نجاسته، ويستفاد ذلك أيضا من بعض الأخبار، وظاهر المعتبر
والتذكرة نقل الاجماع عليه، و يتوهم من عبارة بعض الأصحاب طهارته وهو ضعيف، ولعل
كلامهم مؤول. الخامس دم السمك والظاهر أن طهارته إجماعي بين الأصحاب كما نقله جماعة
كثيرة منهم، وربما فهم من كلام الشيخ في المبسوط نجاسته وعدم وجوب إزالته، ولعل
كلامه مؤول كما يفهم من ساير كتبه، وهذا الخبر من جملة ما استدل به على طهارته،
وأما حل دم السمك فالمشهور حله، ويظهر من عبارة بعض الأصحاب التوقف فيه والحل أقوى.
السادس دم غير السمك مما لا نفس له، وقد نقل جماعة من الأصحاب الإجماع على طهارة دم
كل حيوان لا نفس له، وربما فهم من كلام الشيخ و بعض الأصحاب النجاسة مع العفو عن
إزالته، وهو ضعيف، وكلامهم قابل للتأويل.
[87]
3 - الهداية: وأما الدم إذا أصاب الثوب
فلا بأس بالصلاة فيه، ما لم يكن مقداره مقدار درهم واف، وهو ما يكون وزنه درهما
وثلثا، وما كان دون الدرهم الوافي فقد يجب غسله، ولا بأس بالصلاة فيه، ودم الحيض
إذا أصاب الثوب فلا تجوز الصلاة فيه قليلا كان أو كثيرا [ولا بأس بدم السمك في
الثوب أن يصلي فيه قليلا كان أو كثيرا] (1). 4 - فقه الرضا عليه السلام: إن أصاب
ثوبك دم فلا بأس بالصلاة فيه، ما لم يكن مقدار درهم واف، والوافي ما يكون وزنه
درهما وثلثا، وما كان دون الدرهم الوافي فلا يجب عليك غسله، ولا بأس بالصلاة فيه،
وإن كان الدم حمصة فلا بأس بأن لا تغسله إلا أن يكون دم الحيض فاغسل ثوبك منه، ومن
البول والمنى قل أم كثر، وأعد منه صلاتك علمت به أم لم تعلم. وقد روي في المنى إذا
لم تعلم من قبل أن تصلي فلا إعادة عليك، ولا بأس بدم السمك في الثوب أن تصلي فيه
قليلا كان أم كثيرا (2). 5 - وأروي عن العالم عليه السلام أن قليل الدم وكثيره إذا
كان مسفوحا سواء، و ما كان رشحا، أقل من مقدار درهم، جازت الصلاة فيه، وما كان أكثر
من درهم غسل. وروي في دم الدماميل يصيب الثوب والبدن أنه قال: يجوز فيه الصلاة
وأروي أنه لا يجوز. 6 - وأروي أنه لا بأس بدم البعوض والبراغيث، وأروي ليس دمك مثل
دم غيرك، ونروي قليل البول والغائط والجنابة وكثيرها سواء لا بد من غسله إذا علم به
فإذا لم يعلم به أصابه أم لم يصبه رش على موضع الشك الماء، فان تيقن أن في ثوبه
نجاسة ولم يعلم في أي موضع من الثوب غسله كله (3). تحقيق وتفصيل: اعلم أن العفو عما
دون الدرهم، نقل جماعة من
(1) الهداية ص 15 وما بين العلامتين زيادة
من المخطوطة. (2) فقه الرضا ص 6. (3) فقه الرضا ص 41.
[88]
الأصحاب عليه الاجماع، إلا أنه يلوح من
كلام ابن أبي عقيل نوع مخالفة فيه، حيث حكى عنه في المختلف أنه قال: إذا أصاب ثوبه
دم فلم يره حتى صلى فيه، ثم رآه بعد الصلاة وكان الدم على قدر الدينار غسل ثوبه،
ولم يعد الصلاة وإن كان أكثر من ذلك أعاد الصلاة، ولو رآه قبل صلاته أو علم أن في
ثوبه دما ولم يغسله حتى صلى غسل ثوبه قليلا كان الدم أو كثيرا وقد روي أنه لا إعادة
عليه، إلا أن يكون أكثر من مقدار الدينار. وكذا نقلوا الاجماع على عدم العفو عما
زاد على الدرهم، واختلفوا فيما كان بقدر الدرهم، فذهب الأكثر إلى وجوب إزالته، ونقل
عن المرتضى وسلار القول بالعفو عنه، والازالة أحوط، مع أن إجمال معنى الدرهم وعدم
انضباطه مما ينفي فائدة هذا الخلاف، إذ لم يثبت حقيقة شرعية فيه، وكلام الأصحاب
مختلف في تفسيره وتحديده، فالمشهور بينهم أن الدرهم الوافي المضروب من درهم وثلث
وبعضهم وصفه بالبغلي. وقال المحقق: هو نسبة إلى قرية بالجامعين، وضبطه جماعة بفتح
العين وتشديد اللام، وقال ابن إدريس شاهدت درهما من تلك الدراهم تقرب سعته من سعة
أخمص الراحة، وهو ما انخفض منها، وقال في الذكرى: هو باسكان الغين منسوب إلى رأس
البغل ضربه الثاني في ولايته بسكة كسروية، وزنه ثمانية دوانيق، وعن ابن الجنيد سعته
كعقد الابهام الأعلى. ثم إن المشهور بين الأصحاب عدم الفرق في العفو بين الثوب
والبدن، و ربما يستشكل في البدن لورود أكثر الروايات في الثوب، وقوله " والوافي -
إلى قوله: علمت به أم لم تعلم " ذكره الصدوق في الفقيه، وفيه " وان كان الدم دون
حمصة " وهو أظهر (1).
(1) أقول: الاصل في ذلك قوله تعالى " قل
لا أجد فيما أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه الايكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم
خنزير " الانعام: 145 وقد نزل بمكة المكرمة، وما نزل بعدها في المدينة من قوله
تعالى " حرمت عليكم الميتة والدم ولحم
[89]
ويحتمل أن يكون المراد في الأول السعة
وهنا الوزن، أو المراد بالأول ما إذا لطخ به الثوب أو البدن، وبالثاني ما إذا اجتمع
وارتفع وحصل له حجم، أو يراد بالأول الثوب وبالثاني الدم الخارج من البدن. ويؤيد
الأخير بل الثاني أيضا ما رواه الشيخ عن مثنى بن عبد السلام (1) عن
الخنزير " ونحوها يشير بالالف واللام إلى
ما ذكر قبلا في سورة الانعام، فالدم إذا كان مسفوحا كان محرما وإذا لم يكن مسفوحا
لم يكن محرما. والتحريم في اللغة هو المنع المطلق الشامل من جميع الجهات حتى مسه
واصابته كالحمى، فيستفاد من هذا العموم وجوب الاجتناب من الدم المسفوح إذا أصاب
الثوب و الجسد، وعدم الاجتناب منه إذا لم يكن مسفوحا. والمسفوح هو المسفوك باندقاق،
فدم الشاة عند ذبحها مسفوح باندقاق وهو نجس محرم غير معفو ولو قدر أبرة وما بقى في
جوفها حلال طاهر ولو كان أكثر من حمصة و دم الرعاف لا يكون الا مندفقا، فانه
بانفجار العرق بامتلائه من الدم، وأقله قطرة مسفوحة يتلطخ به باطن الانف ويخرج منه
قدر الابر ونحوه، فهذا الدم قليله وكثيره سواء كدم الحيض سواء، وأما إذا لم يكن من
انفجار العرق، بل كان جرحا أو قرحا في باطن الانف، فرش منه الدم فهو طاهر شرعا، ومن
تطهر منه تطهر لاجل استقذاره. وهكذا الدم المسفوح من سائر العروق إذا اندفق وأقله
قطرة مسفوحة، ما دام رطبا تكون قدر حمصة، وان وقعت على ثوب أو غيره صارت كالدرهم
سعة. فالاعتبار كما رواه الشلمغانى - وقد اجيز لنا العمل بما رواه - تحت الرقم 5
بالسفح وعدمه، فإذا كان الدم مسفوحا وأقله لا يكون الا قطرة فهو نجس سواء كان ما
تلطخ به الجسد أو الثوب أقل من درهم أو أكثر، أصاب الرطب منه قدر حمصة أو أكثر، وما
لم يكن مسفوحا بل كان رشا كان طاهرا سواء تلطخ به الثوب والجسد أقل من درهم أو أكثر
أصاب الرطب منه دون الحمصة أو أكثر، فاعتبار الدرهم والحمصة في الروايات لاجل تشخيص
الدم الطاهر من غيره والفرق بين الرش والسفح فافهم ذلك. (1) التهذيب ج 1 ص 72 ط
حجر.
[90]
أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له:
إني حككت جلدي فخرج منه دم فقال: إذا اجتمع منه قدر حمصة فاغسله، وإلا فلا والوجه
الأول ذكره السيد في المدارك وقال: الظاهر أن المراد بقدر الحمصة قدرها وزنا لاسعة،
وهو يقرب من سعة الدرهم، ولا يخفى ما فيه، إذ يمكن أن يلطخ بقدر الحمصة من الدم
تمام الثوب، ولا ندري أي شي أراد بقربه من سعة الدرهم. وأما استثناء دم الحيض، وأنه
لا يعفى عن قليله وكثيره فهو مقطوع به، في كلام الأصحاب، واستندوا إلى رواية أبي
سعيد عن أبي بصير (1) قال: لا تعاد الصلاة من دم لم تبصره إلا دم الحيض، فان قليله
وكثيره إن رآه وإن لم يره سواء، وقالوا ضعف سنده منجبر بعمل الأصحاب، وألحق الشيخ
به دم الاستحاضة والنفاس، والراوندي دم نجس العين، وفي الجميع نظر. وأما الاعادة مع
العلم وعدمه، فهو باطلاقه مخالف للمشهور، ولساير الأخبار، وظاهر الخبر اختصاص الحكم
بدم الحيض، ولم أر ذلك في كلامهم وسيأتي الكلام فيه، والفرق بين المسفوح والرشح غير
معهود في الروايات، و لا يمكن إثباته بهذا الخبر. وقوله: " وأروي أنه لا يجوز "
لعله محمول على ما إذا لم تعسر إزالته. والفرق بين دمه ودم غيره أيضا مخالف للمشهور
ويمكن أن يكون مبنيا على أنه جزء من حيوان لا يؤكل لحمه. 7 - كتاب المسائل:
بالاسناد المتقدم، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الدمل
يسيل منه القيح كيف يصنع ؟ قال: إن كان غليظا أو فيه خلط من دم فاغسله كل يوم مرتين
غدوة وعشية، ولا ينقض ذلك الوضوء، وإن أصاب ثوبك قدر دينار من الدم فاغسله، ولا تصل
فيه حتى تغسله (2).
(1) التهذيب ج 1 ص 73. (2) راجع البحار ج
10 ص 279. (*)
[91]
ايضاح: ما ذكره من غسل القيح الغليظ، لعله
محمول على الاستحباب، بل ما فيه خلط من الدم أيضا كما عرفت، وحكى المحقق عن الشيخ
أنه حكم بطهارة الصديد والقيح، ثم قال: وعندي في الصديد تردد أشبهه النجاسة، لأنه
ماء الجرح يخالطه يسير دم، ولو خلا من ذلك لم يكن نجسا، وخلافنا مع الشيخ يؤل إلى
العبارة لأنه يوافق على هذا التفصيل. ثم قال: أما القيح فان مازجه دم، نجس
بالممازج، وإن خلا من الدم كان طاهرا، لا يقال: هو مستحيل عن الدم، لأنا نقول: لا
نسلم أن كل مستحيل عن الدم لا يكون طاهرا كاللحم واللبن، انتهى. وأما تقدير المعفو
من الدم بالدينار فهو موافق لما حكيناه سابقا عن ابن أبي عقيل والدرهم والدينار
متقاربان سعة. 8 - كتاب المسائل: بالاسناد، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه
السلام قال: سألته عن قدر فيها ألف رطل ماء فطبخ فيها لحم ووقع فيها وقية دم، هل
يصلح أكله ؟ قال: إذا طبخ فكل فلا بأس (1). بيان: ذهب الشيخ في النهاية إلى أنه إذا
وقع قليل من دم كالا وقية فما دون في القدر وهي تغلى على النار حل مرقها إذا ذهب
الدم بالغليان، ونحوه قال المفيد إلا أنه لم يقيد الدم بالقليل، واستند إلى صحيحة
سعيد الأعرج عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن قدر فيها جزور وقع فيها قدر أوقية
من دم أيؤكل ؟ قال: نعم، قال: النار تأكل الدم (2)، ومثله روى زكريا بن آدم عن
الرضا عليه السلام (3). وذهب ابن إدريس والمتأخرون إلى بقاء المرق على نجاسته، وفي
المختلف حمل الدم على ما ليس بنجس كدم السمك وشبهه، واورد عليه أن التعليل بأن
(1) المصدر ج 10 ص 290. (2) الكافي ج 6 ص
235 ط الاخوندى، الفقيه ج 3 ص 216 ط نجف. (3) التهذيب ج 1 ص 79.
[92]
الدم تأكله النار يأبى عن ذلك، إذ لو كان
طاهرا لعلل بطهارته، ولو قيل بأن الدم الطاهر يحرم أكله فتعليله بأكل النار ليذهب
التحريم وإن لم يكن نجسا، ففيه أن استهلاكه في المرق إن كفى في حله لم يتوقف على
النار، وإلا لم تؤثر النار في حله انتهى. أقول: يمكن أن يحمل التقييد بالغليان على
الاستحباب لرفع استقذار النفس، وإن كان القول بالحل مطلقا لا يخلو من قوة. 9 -
دعائم الاسلام: عن الباقر عليه السلام والصادق عليه السلام أنهما قالا في الدم يصيب
الثوب: يغسل كما تغسل النجاسات، ورخصا في النضح اليسير منه، ومن سائر النجاسات، مثل
دم البراغيث وأشباهه قالا: فإذا تفاحش غسل (1). ايضاح: اختلف الأصحاب في وجوب إزالة
الدم المتفرق على الثوب أو البدن إذا كان بحيث لو جمع بلغ الدرهم فقال ابن إدريس
الأحوط للعبادة وجوب إزالته و الأقوى والأظهر في المذهب عدم الوجوب، ونحوه قال في
المبسوط والشرايع والنافع، وقال في النهاية: لا تجب إزالته ما لم يتفاحش وهو خيرة
المعتبر، و قال سلار وابن حمزة: تجب إزالته، واختاره العلامة في جملة من كتبه، و
الأول أقوى. وقال في المعتبر: ليس للتفاحش تقدير شرعي وقد اختلف أقوال الفقهاء فيه،
فبعض قدره بالشبر وبعض بما يفحش في القلب، وقدره أبو حنيفة بربع الثوب، والوجه أن
المرجع فيه إلى العادة، لأنها كالامارة الدالة على المراد باللفظ، إذا لم يكن له
تقدير انتهى. ثم اعلم أن الرواية تدل على أن الرشح من غير الدم أيضا معفو، كما قال
به بعض الأصحاب، وهو خلاف المشهور والأحوط الازالة قال في المختلف: قال ابن إدريس:
قال بعض أصحابنا: إذا ترشش على الثوب أو البدن مثل رؤوس الأبر من النجاسات فلا بأس
بذلك، والصحيح وجوب إزالتها قليلة كانت أو كثيرة
(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 117.
[93]
وهو الأقوى عندي. ثم قال: وقال السيد
المرتضى في جواب المسائل الناصرية: نجاسة الخمر أغلظ من ساير النجاسات، لأن الدم
وإن كان نجسا فقد ابيح لنا أن نصلي في ثوب إذا كان فيه دون قدر الدرهم، والبول قد
عفى عنه فيما ترشش عند الاستنجاء كرؤوس الابر، والخمر لم يعف عنه في موضع أصلا. 4.
* (باب) * * " (نجاسة الخمر وساير المسكرات) " * * " (والصلاة في ثوب اصابته) " *
الايات: المائدة: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من
عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون (1). تفسير: المشهور أن الخمر موضوع للمسكر
المأخوذ من عصير العنب بحسب اللغة. وروي عن ابن عباس المراد به جميع الأشربة
المسكرة، ويدل عليه كثير من أخبار أهل البيت عليهم السلام. والميسر القمار،
والأنصاب أحجار أصنام كانوا ينصبونها للعبادة، ويذبحون عندها، والأزلام هي القداح
التي كانوا يستقسمون بها وسيأتي تفاصيل تلك الأمور في محالها، وقال في القاموس:
الرجس بالكسر القذر والمأثم، وكل ما استقذر من العمل، والعمل المؤدي إلى العذاب "
من عمل الشيطان " لأنه نشأ من تسويله وتزيينه، وهو صفة أو خبر آخر " فاجتنبوه " أي
ما ذكر أو تعاطيها أو الرجس
(1) المائدة: 90.
[94]
أو عمل الشيطان أو كل واحد منها " لعلكم
تفلحون " بسبب الاجتناب. ثم اعلم أن المشهور بين الأصحاب نجاسة الخمر، وساير
المسكرات المايعة، بل نسب إلى أكثر أهل العلم حتى حكي عن المرتضي رضي الله عنه أنه
قال: لا خلاف بين المسلمين في نجاسة الخمر إلا ما يحكى عن شذاذ لا اعتبار بقولهم،
وعن الشيخ - رحمه الله - أنه قال: الخمر نجسة بلا خلاف، وقال في المختلف: الخمر وكل
مسكر والفقاع والعصير إذا غلا قبل ذهاب ثلثيه بالنار أو من نفسه نجس، ذهب إليه أكثر
علمائنا كالشيخ المفيد، والشيخ أبي جعفر، والسيد المرتضى وسلار وابن إدريس. وقال
ابن أبي عقيل: من أصاب ثوبه أو جسده خمر أو مسكر لم يكن عليه غسلهما لأن الله تعالى
إنما حرمهما تعبدا لا لأنهما نجسان وقال الصدوق في المقنع والفقيه: لا بأس بالصلاة
في ثوب أصابه خمر لأن الله تعالى حرم شربها ولم يحرم الصلاة في ثوب أصابته. وعزي في
الذكرى إلى الجعفي وفاق (1) الصدوق وابن أبي عقيل. واستدل القائلون بالنجاسة بعد
الاجماع بالاية بوجهين: أحدهما أن الوصف بالرجاسة وصف بالنجاسة، لترادفهما في
الدلالة، والثاني أنه أمر بالاجتناب (2) وهو موجب للتباعد المستلزم للمنع من
الاقتراب بجميع الأنواع
(1) في طبعة الكمبانى (وقال) وهو تصحيف.
(2) أقول: الظاهر من قوله تعالى: " انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس " الخ
أي كل واحد منها رجس من عمل الشيطان، ثم قوله تعالى: بعدها " فاجتنبوه " يرجع ضمير
المفرد إلى كل واحد مما ذكر فالمعنى أن الخمر رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه، الميسر
رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه، وهكذا، ويظهر من ترتيب وتفريع قوله تعالى " فاجتنبوه
" أن الخمر وسائر ما ذكر يجب الاجتناب منه لانه رجس من عمل الشيطان فكون الخمر نجسا
بالمعنى الاصطلاحي ليس يستدل بلفظ الرجس من الاية حتى يقال
[95]
لأن معنى اجتنابها كونه في جانب غير
جانبها، فيستلزم المنع من أكله و ملاقاته وتطهير المحل بازالته، ولا معنى للنجس إلا
ذلك، ذكرهما المحقق والعلامة. ورد الأول بأن الرجس لا نسلم أنه مرادف للنجس، وقول
الشيخ في التهذيب: الرجس هو النجس بلا خلاف لا حجة فيه، لأن أهل اللغة لم يذكروا
النجس في معناه، بل ذكروا له معاني اخرى لا تقرب منه أيضا، سوى ما ذكروا من القذر،
والظاهر أنه ليس النجس المصطلح بل هو ما يستقذره الطبع، مع أن في الآية الكريمة وقع
خبرا عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام جميعا في الظاهر. فلا يخلو إما أن يقدر
مضاف محذوف ليصح حمله على الجميع، مثل التعاطي ونحوه وعلى هذا ظاهر أنه لا يصح جعله
بمعنى النجس، بل لا بد من حمله على معنى آخر مثل المأثم، لأنه من بعض معانيه، أو
العمل المستقذر أو القذر الذي يعاف منه العقول، كما يوجد في كلام جماعة من
المفسرين، أو يقال: إن المراد أن كل واحد رجس، وحينئذ لا يصح الحمل على النجس، وإلا
يلزم استعمال اللفظ في معنييه الحقيقيين، بل الحقيقي والمجازي، أو يجعل الرجس
المذكور خبرا عن الخمر فقط، ويقدر لكل من الأمور الاخر خبر آخر، وعلى هذا أيضا لا
يصح حمل الرجس على النجس، لأن القرينة على التقدير دلالة المذكور عليه، ولو حمل
الرجس على النجس يلزم أن يكون المقدر كذلك ولو فرض جواز الاكتفاء في الدلالة بمجرد
الاشتراك في اللفظ، وإن لم يكن المعنى في الجميع واحدا، فلا ريب أنه المرجوح
بالنسبة إلى الاحتمالات السابقة، ولا أقل من التساوي، وعلى هذا كيف يستقيم
الاستدلال.
انه مشترك لفظي، بل بما تفرع عليه من وجوب
الاجتناب وقوله تعالى " فاجتنبوه " بالنسبة إلى الخمر، له اطلاق من حيث الشرب وغيره
من أنواع الاقتراب كالبيع والشراء والاتخاذ والاصابة فافهم ذلك.
[96]
والثاني بأن المتبادر من الاجتناب من كل
شئ الاجتناب عما يتعارف في الاقتراب منه، مثلا المتعارف من اقتراب الخمر الشرب منه،
وفي اقتراب الميسر اللعب به، وفي اقتراب الانصاب عبادتها، فعلى هذا يكون الأمر
بالاجتناب عن الخمر المتبادر منه الاجتناب عن شربه، لا الاجتناب من جميع الوجوه،
كما يقولون: إن " حرمت عليكم الميتة " لا إجمال فيه، إذ المتبادر تحريم أكلها. 1 -
قرب الاسناد: عن أحمد بن عبد الله ابني محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الخمر والنبيذ والمسكر يصيب ثوبي أغسله أو
اصلي فيه ؟ قال: صل فيه إلا أن تقذره فتغسل منه موضع الأثر إن الله تبارك وتعالى
إنما حرم شربها (1). 2 - علل الصدوق: عن أبيه، عن سعد، عن محمد بن الحسين وعلي بن
إسماعيل ويعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز قال: قال بكير، عن أبي جعفر عليه
السلام، وأبو الصباح وأبو سعيد والحسن النبال، عن أبي عبد الله عليه السلام قالوا:
قلنا لهما: إنا نشتري ثيابا يصيبها الخمر وودك الخنزير عند حاكتها، أنصلي فيها قبل
أن نغسلها ؟ قال: نعم لا بأس بها، إنما حرم الله أكله وشربه، ولم يحرم لبسه ومسه
والصلاة فيه (2). بيان: الودك بالتحريك دسم اللحم، ودهنه الذي يستخرج منه. 3 - قرب
الاسناد: عن محمد بن الوليد، عن ابن بكير قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام
وأنا عنده عن المسكر والنبيذ يصيبان الثوب قال: لا بأس به (3). 4 - ومنه: باسناده،
عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن رجل مر في ماء مطر قد صب فيه
خمر فأصاب ثوبه، هل يصلي فيه قبل أن يغسله ؟
(1) قرب الاسناد ص 76 ط حجر ص 100 ط نجف.
(2) علل الشرايع ج 2 ص 46. (3) قرب الاسناد ص 80 ط حجر ص 105 ط نجف.
[97]
قال: لا يغسل ثوبه ولا رجليه، ويصلي ولا
بأس (1). قال: وسألته عليه السلام عن رجل مر بمكان قد رش فيه خمر قد شربته الأرض
وبقي نداه أيصلي فيه ؟ قال: إن أصاب مكانا غيره فليصل فيه، وإن لم يصب فليصل ولا
بأس (2). 5 - ومنه ومن كتاب المسائل: قال: سألته عن النضوح يجعل فيه النبيذ أيصلح
أن تصلي المرأة وهو في رأسها ؟ قال: لا حتى تغتسل منه (3). قال: وسألته عن الطعام
يوضع على سفرة أو خوان قد أصابه الخمر أيؤكل عليه ؟ قال: إذا كان الخوان يابسا فلا
بأس (4). 6 - فقه الرضا: لا بأس أن تصلي في ثوب أصابه خمر، لأن الله حرم شربها، ولم
يحرم الصلاة في ثوب أصابه، وإن خاط خياط ثوبك بريقه وهو شارب الخمر، إن كان يشرب
غبا فلا بأس، وإن كان مدمنا للشرب كل يوم فلا تصل في ذلك الثوب حتى يغسل، ولا تصل
في بيت فيه خمر محصور في آنية (5). 7 - كتاب المسائل: بالاسناد المتقدم عن علي بن
جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الكحل يصلح أن يعجن بالنبيذ ؟ قال:
لا (6). أقول: سيأتي بعض الأخبار المناسبة لهذا الباب في باب الاواني. تبيين: اعلم
أن الخبر الأول يدل على جواز الصلاة في ثوب أصابته الخمر وظاهره الطهارة، وإن أمكن
أن تكون نجسة معفوا عنها، وحمله القائلون بالنجاسة على التقية، واورد عليه أنه لا
تقية فيه إذ أكثر علماء العامة أيضا على نجاسة الخمر، واجيب بأن التقية لعلها من
السلاطين، إذ سلاطين ذلك الوقت
(1) قرب الاسناد ص 83 ط حجر و 116 ط نجف.
(2) قرب الاسناد ص 119 ط نجف. (3) قرب الاسناد ص 101 ط حجر، المسائل في البحار ج 10
ص 269. (4) قرب الاسناد ص 156 ط نجف. (5) فقه الرضا ص 38. (6) البحار ج 10 ص 269.
[98]
كانوا يزاولون الخمر، ولا يجتنبون عنها،
فلعل الحكم بالنجاسة كان شاقا عليهم لتضمنه شناعة لهم وإزراء بهم، ورد بأنهم عليهم
السلام لو كانوا يتقون في ذلك لكانت تقيتهم في الحكم بالحرمة أوجب وأهم مع أنهم
عليهم السلام كانوا يبالغون في ذلك كل المبالغة حتى أنهم حكموا بأن مدمن الخمر
كعابد وثن، إلى غير ذلك من التهديدات والتشديدات. فان قلت: الحرمة لما كانت صريحة
في القرآن المجيد، وكانت من ضروريات الدين، فالحكم بها لا فساد فيه، إذ لا لأحد أن
ينكر على من حكم بها، قلت: أصل حرمتها وإن كان كذلك لكن عظم حرمتها وكونها بالغة
إلى ما بلغت من المراتب التي في أحاديثنا ليس في صريح القرآن، ولا من ضروريات
الدين، فكان ينبغي أن يتقوا فيه، فترك التقية في ذلك والتقية في الحكم بالنجاسة
بعيد جدا، بل الأظهر حمل أخبار النجاسة على التقية أو على الاستحباب. وبالجملة لولا
الشهرة العظيمة والاجماع المنقول لكان القول بالجواز متجها ولا ريب أن الأحوط العمل
بالمشهور. والخبر الثاني أظهر في الدلالة على الطهارة، لكنه يدل على طهارة ودك
الخنزير أيضا، ولم يقل به أحد، وإن كان ظاهر الصدوق - رحمه الله - القول بجواز
الصلاة فيه أيضا حيث قال في كتاب علل الشرايع: " باب علة الرخصة في الصلاة في ثوب
أصابه خمر وودك الخنزير " فانه وإن لم يكن صريحا في الطهارة لكنه صريح في جواز
الصلاة فيه، ويمكن حمل الخبر على ما إذا ظن ملاقات الحاكة لها بالخمر وودك الخنزير،
وإن لم يعلم ذلك، فان تلك الظنون غير معتبرة في النجاسة، وإلا لزم الاجتناب من جميع
الأشياء، لا سيما ما يجلب من بلاد الكفر من الثياب والأدوية والأطعمة، كما روى
الشيخ في الصحيح (1) عن معاوية بن عمار قال: " سألت أبا عبد الله عليه السلام عن
الثياب السابرية يعملها المجوس
(1) التهذيب ج 1 ص 139 ط حجر. (*)
[99]
وهم أخباث، وهم يشربون الخمر ونساؤهم على
تلك الحال ألبسها ولا أغسلها و اصلي فيها ؟ قال: نعم " فالمراد بقوله عليه السلام "
ولم يحرم لبسه ومسه والصلاة فيه " عدم التحريم إذا ظن ذلك ولم يعلم ولا يخفى بعده.
والخبر الثالث أيضا ظاهره الطهارة ويمكن حمله على عدم البأس بلبس الثوب والتمتع به،
لا طهارته وجواز الصلاة فيه. والخبر الرابع أيضا ظاهر الدلالة على الطهارة، ويمكن
حمله على أن صب الخمر كان قبل وقوع المطر [وبعده قد طهر المكان فلا بأس بأن يصيب
ماء المطر] (1) حينئذ أو على أن صب الخمر في الماء كان في أثناء التقاطر، وكذا
إصابة ماء المطر الثوب أيضا كان في أثنائه، أو على أن ماء المطر لعله كان كرا، أو
على أن القليل لا ينجس بملاقاة النجاسة. وجواب السؤال الثاني من علي بن جعفر أظهر
في الطهارة، ويدل على استحباب التنزه عنها مع الامكان، ويمكن حمله على نفي البأس في
الصلاة في ذلك المكان، مع عدم السجود عليها، وعدم ملاقاته بالرطوبة، بأن تكون
النداوة نداوة لا تسري. لا يقال: لا حاجة إلى السؤال حينئذ، لأنه يجوز أن يتوهم أنه
لا يصح الصلاة في مكان أصابته الخمر، وإن لم يلاق برطوبة، كما ورد أنه لا يصلي في
بيت فيه خمر، لكنه بعيد، وترك الاستفصال مع قيام الاحتمال دليل العموم. وجوابا
السؤال الثالث والرابع ظاهران في النجاسة، وإن أمكن حملهما على الاستحباب أو
التقية، كما عرفت. وأما ما في الفقه فالنهي مع الإدمان ظاهره الكراهة بقرينة سابقه،
والنهي عن الصلاة في بيت فيه خمر فالمشهور أنه على الكراهة، وظاهر الصدوق الحرمة
وخبر التبيذ ظاهره الكراهة. مع أنه على تقدير الحرمة أيضا لا يدل على النجاسة.
(1) ما بين العلامتين ساقط من المطبوعة
الاولى.
[100]
8 - دعائم الاسلام: سئل الصادق عليه
السلام عن الشراب الخبيث يصيب الثوب قال: يغسل (1). وسئل عن السفرة والخوان يصيبه
الخمر أيؤكل عليه ؟ قال: إن كان يابسا قد جف فلا بأس به (2). 5. * (باب) * * "
(نجاسة البول والمنى وطريق تطهيرهما) " * * (وطهارة الوذى وأخواتها) " * 1 - قرب
الاسناد: بالاسناد المتقدم، عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن جنب
أصابت يده من جنابته فمسحه بخرقة، ثم أدخل يده في غسله قبل أن يغسلها هل يجزيه أن
يغتسل من ذلك الماء ؟ قال: أن وجد ماء غيره فلا يجزيه أن يغتسل به، وإن لم يجد غيره
أجزأه (3). قال: وسألته عن الفراش يصيبه الاحتلام كيف يصنع به ؟ قال: اغسله ! فان
لم تفعل فلا تنام عليه، حتى ييبس، فان نمت عليه وأنت رطب الجسد فاغسل ما أصاب من
جسدك، فان جعلت بينك وبينه ثوبا فلا بأس (4). قال: وسألته عن أكسية المرعزى والخفاف
ينقع في البول أيصلي فيها ؟ قال: إذا غسلت في الماء فلا بأس (5).
(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 117. (2) دعائم
الاسلام ج 1 ص 122. (3) قرب الاسناد ص 110 ط حجر. (4) قرب الاسناد ص 118 ط حجر وص
158 ط نجف (5) قرب الاسناد ص 116 ط نجف.
[101]
بيان: قد مر الكلام في السؤال الأول (1)
وقال في القاموس: المرعزى ويمد إذا خفف، وقد تفتح الميم في الكل: الزغب الذي تحت
شعر العنز. 2 - علل الصدوق: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم عن
النوفلي، عن السكوني، عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام قال:
لبن الجارية وبولها يغسل منه الثوب، قبل أن تطعم، لأن لبنها يخرج من مثانة امها،
ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب ولا بوله، قبل أن يطعم، لأن لبن الغلام يخرج من
المنكبين والعضدين (2). المقنع [والهداية]: مرسلا مثله (3). بيان: قال العلامة -
رحمه الله - في المختلف: المشهور أن بول الرضيع قبل أن يأكل الطعام نجس، لكن يكفي
صب الماء عليه، من غير عصر، حتى أن السيد المرتضى - رحمه الله - ادعى الاجماع
للعلماء على نجاسته، وقال ابن الجنيد: بول البالغ وغير البالغ من الناس نجس، إلا أن
يكون غير البالغ صبيا ذكرا فان بوله ولبنه ما لم يأكل اللحم ليس بنجس، والمعتمد
الأول. لنا أنه بول آدمي فكان نجسا كالبالغ، وما رواه الشيخ في الحسن عن الحلبي
(9)، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن بول الصبي قال: تصب عليه الماء فان كان
قد أكل فاغسله غسلا. احتج ابن الجنيد بما رواه السكوني وأورد هذه الرواية، ثم أجاب
بأن انتفاء الغسل لا يستلزم انتفاء الصب، ثم قال: الظاهر من كلام ابن الجنيد غسل
الثوب من لبن الجارية وجوبا للرواية السابقة، والحق عندي ما ذهب إليه الأكثر من
طهارته، وحمل الرواية على الاستحباب.
(1) راجع الباب 3 ص 14 فيما سبق. (2) علل
الشرايع ج 1 ص 278. (3) المقنع ص 3، الهداية: 15 (4) التهذيب ج 1 ص 71
[102]
3 - علل الصدوق: عن أبيه، عن محمد بن
يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير، عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن المذي قال: ما هو والنخامة إلا سواء (1). 4 - ومنه: عن
محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي
عمير، عن ابن اذينة، عن بريد قال: سألت أحدهما عليهما السلام عن المذي فقال: لا
ينقض الوضوء، ولا يغسل منه ثوب ولا جسد إنما هو بمنزلة البصاق والمخاط (2). بيان:
يدل الخبران على طهارة المذي مطلقا وهو المشهور بين الأصحاب وخالف ابن الجنيد فحكم
بنجاسة ما خرج عقيب شهوة، وقال: ولو غسل من جميعه كان أحوط، واستدل برواية حملت على
الاستحباب جمعا. 5 - العلل: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن
حريز، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن سال من ذكرك شئ من مذي أو وذي
وأنت في الصلاة فلا تقطع الصلاة، ولا تنقض له الوضوء، وإن بلغ عقبك، إنما ذلك
بمنزلة النخامة. وكل شئ خرج منك بعد الوضوء فانه من الحبائل أو من البواسير، فليس
بشئ فلا تغسله من ثوبك، إلا أن تقذره (3). 6 - ومنه: بهذا الاسناد عن حريز قال:
سألت أبا جعفر عليه السلام عن المذي يسيل حتى يبلغ الفخذ، قال: لا يقطع صلاته، ولا
يغسله من فخذه، لأنه لم يخرج من مخرج المني إنما هو بمنزلة النخامة (4) 7 - فقه
الرضا عليه السلام: لا تغسل ثوبك ولا إحليلك من مذي ووذي، فانهما بمنزلة البصاق
والمخاط، فلا تغسل ثوبك إلا مما يجب عليك في خروجه إعادة الوضوء، وإن أصابك بول في
ثوبك فاغسله من ماء جار مرة، ومن ماء راكد
(1) علل الشرائع ج 1 ص 280. (2) علل
الشرائع ج 1 ص 279. (3 - 4) المصدر ج 1 ص 279.
[103]
مرتين، ثم اعصره، وإن كان بول الغلام
الرضيع فتصب عليه الماء صبا، وإن كان قد أكل الطعام فاغسله، والغلام والجارية سواء.
وقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: لبن الجارية تغسل منه الثوب قبل أن
تطعم وبولها، لأن لبن الجارية يخرج من مثانة امها ولبن الغلام لا يغسل منه الثوب
ولا من بوله قبل أن يطعم، لأن لبن الغلام يخرج من المنكبين والعضدين (1). بيان:
قوله عليه السلام: من " ماء جار " لعل ذكر الجاري على المثال، و اريد به الأعم منه
ومن الكر، والمراد بالراكد القليل الراكد، فيوافق المشهور من عدم وجوب العدد في
الكر والجاري، ويؤيده ما رواه الشيخ في الصحيح (2) عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن الثوب يصيبه البول قال: اغسله في المركن مرتين، فان غسلته
في ماء جار فمرة واحدة. والمركن - بكسر الميم وإسكان الراء وفتح الكاف - الاجانة
التي يغسل فيها الثياب، وذهب الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد إلى اعتبار التعدد في
الراكد دون الجاري، وهو موافق لرواية الفقه، قوله " وبولها " الظاهر تقديم قوله "
وبولها " على قوله " قبل أن تطعم " لأن أكلها الطعام إنما يؤثر في البول لا في
اللبن، و هكذا روي فيما مر، وربما يقال باعتبار العطف قبل القيد ليتعلق القيد بهما.
8 - السرائر: من كتاب البزنطي قال: سألته عن البول يصيب الجسد، قال: صب عليه الماء
مرتين، فانما هو ماء. وسألته عن الثوب يصيبه البول، قال: اغسله مرتين (3). بيان:
الفرق بين الصب والغسل في البدن والثوب إما باعتبار العصر في الثاني، وعدمه في
الأول كما فهمه الأكثر، أو باعتبار إكثار الماء حتى ينفذ في
(1) فقه الرضا ص 6. (2) التهذيب ج 1 ص 71.
(3) السرائر ص 465.
[104]
أعماق الثوب، وعدم اعتبار ذلك في البدن،
وعلى الأول يدل على تعدد العصر كما سيأتي. قوله " فانما هو ماء " أي لا يبقى له أثر
في البدن حتى يحتاج إلى دلك لازالته. 9 - كتاب المسايل: بالسند المتقدم عن علي بن
جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون له الثوب وقد أصابه
الجنابة فلم يغسله هل يصلح النوم فيه ؟ قال: يكره (1). قال: وسألته عن الرجل يعرق
في الثوب يعلم أن فيه جنابة كيف يصنع ؟ هل يصلح له أن يصلي قبل أن يغسله ؟ قال: إذا
علم أنه إذا عرق أصاب جسده من تلك الجنابة التي في الثوب فليغسل ما أصاب من جسده من
ذلك، وإن علم أنه قد أصاب جسده ولم يعرف مكانه فليغسل جسده كله (2). بيان: لعل
كراهة النوم لاحتمال تلوث سائر الجسد. 10 - الملهوف: للسيد بن طاووس، عن ام الفضل
زوجة العباس أنها جاءت بالحسين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فبال على ثوبه،
فقرصته فبكى، فقال: مهلا يا ام الفضل فهذا ثوبي يغسل، وقد أوجعت ابني (3). بيان: في
القاموس القرص أخذك لحم إنسان باصبعك حتى تؤلمه انتهى. والمراد بالغسل هنا الصب، مع
أنه يحتمل أن يكون ذلك بعد أكل الطعام. 11 - نوادر الراوندي: باسناده عن موسى بن
جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال علي عليه السلام: بال الحسن والحسين عليهما
السلام على ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله قبل أن يطعما فلم يغسل بولهما من ثوبه
(4). بيان: عدم الغسل لا ينافي الصب وسيأتي تفصيل القول في ذلك في باب ما يلزم في
تطهير البدن وغيره.
(1 و 2) البحار ج 10 ص 272. (3) الملهوف
على قتلى الطفوف ص 12. (4) نوادر الراوندي ص 39.
[105]
12 - دعائم الاسلام: عن الصادق، عن آبائه
عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في البول يصيب الثوب، قال: يغسل
مرتين. وقال الصادق عليه السلام في بول الصبي: يصب عليه الماء حتى يخرج من الجانب
الاخر. وعن علي عليه السلام قال في المني يصيب الثوب: يغسل مكانه، فان لم يعرف
مكانه وعلم يقينا أنه أصاب الثوب غسله كله ثلاث مرات، يفرك في كل مرة ويغسل ويعصر
(1). بيان: لعل الثلاث مع حقية الرواية محمول على ما إذا لم يذهب بدونه كما هو
الغالب. تذييل قال الكراجكي في كنز الفوائد: إن قال قائل: ما الدليل على نجاسة
المني ؟ قيل له: نقل الشيعة له بأسرهم على كثرتهم واستحالة التواطوء منهم، والخبر
يتواتر بنقل بعضهم، وقد روى جميعهم ما ذكرناه عن سلفهم عن أئمتهم صلوات الله عليهم
عن رسول الله صلى الله عليه وآله جدهم، وفي هذا الدليل غنى عن غيره. وبعد ذلك فقد
استدل بما روي عن عمار بن ياسر - ره - أنه قال: رآني رسول الله صلى الله عليه وآله
وأنا أغسل من ثوبي موضعا فقال لي: ما تصنع يا عمار ؟ فقلت: يا رسول الله صلى الله
عليه وآله تنخمت نخامة فكرهت أن تكون في ثوبي فغسلتها، فقال لي: يا عمار هل نخامتك
ودموع عينيك وما في أداوتك إلا سواء، إنما يغسل الثوب من البول أو الغايط أو المني.
ووجوب غسل الثوب منه، لأن رسول الله صلى الله عليه وآله أضاف الطاهر إلى الطاهر،
والنجس إلى النجس. فلو كان المني طاهرا لا يغسل الثوب منه لأضافه إلى ما ميزه
بالطهارة، ولم يخلطه بما قد علم منه النجاسة التي أوجب غسل الثوب منها في الشريعة.
فان قال السائل: خبركم هذا الذي رويتموه عن عمار غير سالم لأنه قد عارضه * (هامش)
(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 117.
[106]
خبر عائشة وقولها إن رسول الله صلى الله
عليه وآله كان يصلي وأنا أفرك الجنابة من ثوبه، وفي صلاة النبي صلى الله عليه وآله
بها وهي في ثوبه دلالة على طهارتها. قيل له: هذا خبر غير صحيح، لما روي من أن رسول
الله صلى الله عليه وآله كان له بردان معزولان للصلاة لا يلبسهما إلا فيها، وكان
يحث امته على النظافة ويأمرهم بها، وإن من المحفوظ عنه في ذلك قوله " إن الله يبغض
الرجل القاذورة " فقيل له: وما القاذورة يا رسول الله ؟ قال: الذي يتأنف به جليسه.
ومن يكون هذا قوله وأمره، لا يجلس والمني في ثوبه فضلا عن أن يصلي وهو فيه، وليس
يشك العاقل في أن المني لو لم يكن من الأنجاس المفترض إماطتها لكان من الأوساخ التي
يجب التنزه عنها، وفيما صح عندنا من اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وآله في
النظافة وكثرة استعماله للطيب على ما أتت به الرواية دلالة على بطلان خبر عائشة.
وشئ آخر وهو أن عمارا رحمة الله عليه وقد أجمعت الامة على صحة إيمانه واتفقت على
تزكيته، وعائشة قد اختلف فيها وفي إيمانها، ولم يحصل الاتفاق على تزكيتها، فالأخذ
بما رواه عمار - ره - أولى. وشئ آخر، وهو أن خبر عمار يحظر الصلاة في ثوب فيه مني
أو يغسل، وخبر عائشة يبيح ذلك، والمصير إلى الحاظر من الخبرين أولى وأحوط في الدين.
وشئ آخر وهو أن عمارا حفظ قولا عن رسول الله صلى الله عليه وآله رواه، وعائشة لم
تحفظ في هذا قولا وإنما أخبرت عن فعلها، وقد يجوز أن تكون توهمت أن في ثوبه جنابة
أو رأت شيئا شبهته بها، هذا مع تسليمنا لخبرها فروت بحسب ظنها. ثم يقال للخصم: إذا
كانت الجنابة عندك طاهرة تجوز الصلاة فيها، فلم فركتها عائشة، واجتهدت في قلعها ؟
وألا تركتها كما تركها عندكم رسول الله صلى الله عليه وآله وصلى فيها ؟
[107]
6. (باب) * * " (أحكام ساير الابوال
والارواث والعذرات) " * * (ورجيع الطيور) * 1 - قرب الاسناد: عن سندي بن محمد، عن
أبي البختري عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا
بأس ببول ما اكل لحمه (1). 2 - ومنه عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى، عن ابن
محبوب، عن ابن رئاب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الروث يصيب ثوبي وهو
رطب، قال: إن لم تقذره فصل فيه (2). 3 - ومنه ومن كتاب المسائل بالسندين المتقدمين
عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الدابة تبول فيصيب بولها المسجد
أو الحايط أيصلي فيه قبل أن يغسل ؟ قال: إذا جف فلا بأس (3). 4 - قرب الاسناد: عن
علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الثوب يوضع في مربط الدابة على
بولها أو روثها ؟ قال: إن علق به شئ فليغسله، وإن أصابه شئ من الروث والصفرة التي
تكون معه فلا تغسله من صفرة (4). قال: وسألته عن الرجل يرى في ثوبه خرء الحمام أو
غيره هل يصلح له
(1) قرب الاسناد ص 72 ط حجر وص 95 ط نجف.
(2) قرب الاسناد ص 100 ط نجف وص 76 ط حجر. (3) قرب الاسناد ص 94 ط حجر: بحار
الانوار ج 10 ص 286. (4) قرب الاسناد ص 118 ط حجر، وص 158 ط نجف.
[108]
أن يحكه وهو في صلاته ؟ قال: لا بأس (1).
5 - ومنه ومن كتاب المسائل عنه عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الدقيق يقع فيه
خرء الفار هل يصلح أكله إذا عجن مع الدقيق ؟ قال: إذا لم تعرفه فلا بأس، وإن عرفته
فلتطرحه من الدقيق (2). بيان: قوله: " إذا لم تعرفه " أي لم تعلم دخوله في الدقيق،
بل تظن ذلك، وظاهره الحل مع الاستهلاك، وعدم تمييز العين، ولم أربه قائلا. 6 -
السراير: نقلا من كتاب البزنطي عن المفضل، عن محمد الحلبي قال: قلت للصادق عليه
السلام: أطأ على الروث الرطب، قال: لا بأس أنا والله ربما وطئت عليه ثم اصلي ولا
أغسله (3). 7 - العياشي: عن زرارة، عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن أبوال
الخيل والبغال والحمير، قال: فكرهها، فقلت: أليس لحمها حلالا ؟ قال: فقال: أليس قد
بين الله لكم " والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون " (4) و قال في
الخيل: " والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة " (5) فجعل للأكل الأنعام التي قص
الله في الكتاب، وجعل للركوب الخيل والبغال والحمير، وليس لحومها بحرام ولكن الناس
عافوها (6). بيان: فيها " دفء " أي ما يدفا به فيقي البرد " ومنافع " أي نسلها
ودرها وظهورها " ومنها تأكلون " أي تأكلون ما يؤكل منها كاللحوم والشحوم والألبان
وعاف الطعام أو الشراب يعافه ويعيفه عيافة وعيافا بكسرهما: كرهه فلم يشربه،
(1) قرب الاسناد ص 117 ط نجف و 89 ط حجر.
(2) قرب الاسناد ص 156 ط نجف، البحار ج 10 ص 276. (3) السرائر ص 465 ذيل حديث. (4)
النحل: 5. (5) النحل: 7. (6) تفسير العياشي ج 2 ص 255.
[109]
ويظهر منه وجه جمع بين الأخبار، بأن يكون
المراد بالمأكول ما اعد للأكل و ما شاع أكله. 8 - المختلف: نقلا من كتاب عمار بن
موسى، عن الصادق عليه السلام قال: خرؤ الخطاف لا بأس به، هو مما يؤكل لحمه، ولكن
كره أكله لأنه استجار بك وأوى إلى منزلك، وكل طير يستجير بك فأجره (1). بيان: اختلف
الأصحاب في حرمة الخطاف وكراهته، وهذا الخبر مما استدل به على عدم التحريم، وفيه
إشعار بنجاسة خرء ما لا يؤكل لحمه من الطيور. 9 - كتاب المسائل: عن علي بن جعفر
قال: سألته عليه السلام عن الثوب يقع في مربط الدابة على بولها وروثها كيف يصنع ؟
قال: إن علق به شئ فليغسله وإن كان جافا فلا بأس (2). 10 - السرائر: نقلا من كتاب
محمد بن علي بن محبوب، عن موسى بن عمر، عن بعض أصحابه، عن داود الرقي قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عن بول الخشاشيف يصيب ثوبي فأطلبه فلا أجده، قال: اغسل ثوبك
(3). 11 - العلل: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن
أحمد بن محمد السياري، عن أبي يزيد القسمي - وقسم حي من اليمن بالبصرة - عن أبي
الحسن الرضا عليه السلام أنه سأله عن جلود الدارش التي يتخذ منها الخفاف، فقال: لا
تصل فيها، فانها تدبغ بخرء الكلاب (4). 12 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه
موسى عليه السلام قال: سألته عن الطين يطرح فيه السرقين يطين به المسجد والبيت،
أيصلى فيه ؟ قال:
(1) المختلف ص 172. (2) البحار ج 10 ص
260. (3) السرائر ص 478. (4) علل الشرائع ج 2 ص 33.
[110]
لا بأس (1). 13 - نوادر الراوندي: باسناده
عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: سئل علي بن أبي طالب عليه السلام عن
الصلاة في الثوب الذي فيه أبوال الخفافيش ودماء البراغيث، قال: لا بأس (2). [14 -
كتاب عاصم بن حميد، عن محمد بن مسلم قال: كنت جالسا مع أبي جعفر عليه السلام وناضح
لهم في جانب الدار، قد اعلف الخبط وهو هائج، قال: وهو يبول ويضرب بذنبه، إذ مر جعفر
عليه السلام وعليه ثوبان أبيضان، قال: فنضح عليه فملأ ثيابه وجسده، فاسترجع، فضحك
أبو جعفر عليه السلام، وقال: يا بني ليس به بأس. بيان: الخبط - بالتحريك - من علف
الابل، والهائج: الفحل يشتهي الضراب] (3). وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي نقلا
من جامع البزنطي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خرؤ كل شئ يطير
وبوله لا بأس به. 15 - دعائم الاسلام: سئل الصادق عليه السلام عن خرء الفار تكون في
الدقيق، قال: إن علم به اخرج منه، وإن لم يعلم فلا بأس به (4).
(1) البحار ج 10 ص 261. (2) لم نجده في
النوادر المطبوع، وقد أخرجه العلامة النوري في المستدرك ج 1 ص 160، أيضا، فراجع.
(3) ما بين العلامتين أضفناه من النسخة المخطوطة، ومطبوعة الكمبانى خالية عنه. (4)
دعائم الاسلام ج 1 ص 122.
[111]
تنقيح وتوضيح: أجمع علماء الاسلام على
نجاسة البول والغايط مما لا يؤكل لحمه، سواء كان من الانسان أو غيره إذا كان ذا نفس
سائلة، قاله في المعتبر. وقد وقع الخلاف في موضعين: أحدهما رجيع الطير، فذهب الصدوق
وابن أبي عقيل والجعفي إلى طهارته مطلقا وقال الشيخ في المبسوط: بول الطيور و ذرقها
كلها طاهر إلا الخشاف، وقال في الخلاف: ما اكل فذرقه طاهر، وما لم يؤكل فذرقه نجس.
وبه قال أكثر الأصحاب. ومما استدل به على الطهارة ما مر من سؤال علي بن جعفر، عن
الرجل يرى في ثوبه خرء الحمام أو غيره - وفي التهذيب خرء الطير أو غيره - هل يصلح
له أن يحكه وهو في صلاته (1) وقوله عليه السلام: " لا بأس به " لأن ترك الاستفصال
مع قيام الاحتمال يفيد العموم، واورد عليه بأنه إنما تسلم دلالة ترك الاستفصال على
العموم فيما إذا كان الغرض متعلقا بهذا الحكم، كما إذا قيل خرء الطير لا بأس به من
غير تفصيل كان الظاهر العموم، وأما إذا لم يكن الغرض متعلقا به كما فيما نحن فيه،
فلا، إذ ظاهر أن الغرض من السؤال أن حك شئ من الثوب ينافي الصلاة أم لا، وذكر خرء
الطير من باب المثال، وفي مثل هذا المقام إذا اجيب بأنه لا بأس، ولم يفصل الكلام في
الطير بأنه مما يؤكل لحمه أو لا، لا يدل على أن خرء الطير مطلقا طاهر، والأقوى عندي
طهارة ذرق الطير مطلقا وفي البول إشكال والاحتياط الاجتناب من الجميع. وثانيهما بول
الرضيع قبل أن يأكل الطعام والمشهور أنه نجس، ونقل فيه المرتضى الاجماع، وقال ابن
الجنيد: بول البالغ وغير البالغ نجس إلا أن يكون غير البالغ صبيا ذكرا، فان بوله
ولبنه ما لم يأكل اللحم ليس بنجس، واحتج بما مر من رواية السكوني وهي لا تقوم حجة
له كما لا يخفي.
(1) التهذيب ج 1 ص 244 ط حجر.
[112]
وأما البول والروث من كل حيوان يؤكل لحمه،
فهما طاهران لا نعلم فيه خلافا إلا في موضعين: الأول في أبوال الدواب الثلاث
وأرواثها والمشهور طهارتها على كراهة، وعن ابن الجنيد القول بالنجاسة وإليه ذهب
الشيخ في النهاية وطهارة الأرواث ظاهرة بحسب الأخبار، وتعارضها في الأبوال يقتضي
التحرز عنها رعاية للاحتياط. وثانيهما ذرق الدجاج والأشهر الأقرب طهارته، وأما
الجلال من الحيوان وهو ما اغتذى بعذرة الانسان محضا إلى أن يسمى في العرف جلالا
فذرقه نجس إجماعا، قاله في المختلف. أقول: سيأتي بعض الأخبار في باب حكم ما لاقى
نجسا (1).
(1) سيأتي تحت الرقم 20 ص 127.
[113]
7. * (باب) * * " (ما اختلف الأخبار
والأقول في نجاسته) " * الايات: الحديد: وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس
(1). تفسير: " وأنزلنا الحديد " قيل أي أنشأناه وأحدثناه، وقيل أي هيانا من النزل
وهو ما يتهيأ للضيف، وعن ابن عباس أنه انزل مع آدم من الحديد
(1) الحديد: 25، وتمام الاية هكذا " ولقد
أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا
الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ان الله قوى
عزيز " قال الطبرسي: قوله: " وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب " معطوف على قوله "
ليقوم الناس بالقسط " أي ليعاملوا بالعدل وليعلم الله نصرة من ينصره موجودا وجهاد
من جاهد مع رسوله موجودا، وقوله: " بالغيب " أي بالعلم الواقع بالاستدلال والنظر من
غير مشاهدة بالبصر. أقول: لو كان قوله تعالى " وليعلم الله " معطوفا على قوله "
ليقوم الناس بالقسط " كان المعنى: وأنزلنا مع النبيين الكتاب والميزان ليعلم الله
من ينصره ورسله بالغيب، وظاهر أن التعليل غير مناسب، بل هو معطوف على مقدر كما في
غير واحد من الايات الكريمة منها قوله تعالى " وليكون من الموقنين " الانعام: 75 في
قصة اراءة ابراهيم ملكوت السموات والارض. والمعنى أنا أنزلنا الحديد فيه بأس شديد
أي صلابة تقاوم كل بأس فإذا اتخذ منه الجنن والدروع دافع كل بأس في غيره من الالات
الحجرية والخشبية، وإذا اتخذ منه السيف والعمود والقناة لم يقم في مقابله غيره، ومن
ذلك يعرف أن الله عز وجل انما =
[114]
العلاوة وهي السندان، والكلبتان، والمطرقة
" فيه بأس شديد " أي يمتنع به ويحارب به " ومنافع للناس " يعني ما ينتفعون به في
معاشهم، مثل السكين والفأس والأبرة وغيرها مما يتخذ من الحديد من الالات، وفيه
دلالة على طهارته إذ أكثر انتفاعاته موقوفة عليها. 1 - قرب الاسناد: بالاسناد
المتقدم، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل أخذ من شعره
ولم يمسحه بالماء، ثم يقوم فيصلي ؟ قال: ينصرف فيمسحه بالماء ولا يعيد صلاته تلك
(1).
ألهم البشر صنعة السلاح ليدفعوا بذلك عن
مجتمعهم وحوزتهم ويذبوا من أنفسهم شر كل ذى شر كما قال عزوجل في داود النبي (ع) وقد
كان ملكا نبيا: " وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد "، " وعلمناه صنعة
لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم " وفيه أيضا منافع للناس في صلاح معايشهم كلما رقى
المجتمع استفاد منه أكثر و أكثر من السكين والفاس - إلى السكك الحديدية وغير ذلك.
فانما أنزلنا الحديد كذلك (ذا بأس شديد) ليتخذ الناس منه آلات الحرب ويدافعوا عن
أنفسهم ويذبوا الاشرار والمفسدين عن حوزتهم " وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب "
بنصرة الدين والذب عن حرمات الله وقتل من سب الله ورسوله وأوصياءه نصرة لهم بالغيب
" ان الله قوى عزيز " ينصر من نصره ويعز من عزه. فهذا تجويز للحرب وقتل من عاند
الله ورسوله، والنصرة بالغيب أوضح مصاديقه قتل من سب الله ورسوله وهجاه أو أحدا من
أوصيائه، وليس في قوله تعالى " فيه بأس شديد " معنى النجاسة ولا الكراهة، ولم يستند
الائمة الاطهار في الحكم بنجاسته إلى تلك الاية الشريفة بل الوجه فيه أن له خبثا
يجب الاجتناب عنه كسائر الاخباث، ومن اختتم بخاتم حديد يعرف وجه ذلك من سواد انملته
ولذلك قال صلى الله عليه وآله " ما طهرت كف فيها خاتم حديد " ولذلك كان لا يرى قطع
البطيخ بالسكين بل كان يكسره ويأكله، لان السكين إذا لم يلبس عليه ما يمنع عن
خباثته كما يعمل اليوم ويسمونه بالاستيل، يتحلل الحديد في ماء البطيخ ثم يؤل خبثا،
فافهم ذلك. (1) قرب الاسناد ص 91 ط حجر. (*)
[115]
توضيح: ذكر جماعة من الاصحاب منهم الشيخ
والعلامة أنه يستحب لمن قص أظفاره بالحديد أو أخذ من شعره أو حلق أن يمسح الموضع
بالماء، وأسندوا في ذلك إلى رواية عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل
إذا قص أظفاره بالحديد أو جز من شعره، أو حلق قفاه، فان عليه أن يمسحه بالماء قبل
أن يصلي، سئل: فان صلى ولم يمسح من ذلك بالماء ؟ قال: يعيد الصلاة، لأن الحديد نجس.
وقال الشيخ في الاستبصار (2) بعد إيراد هذه الرواية: أنه خبر شاذ مخالف للأخبار
الكثيرة، وما يجري هذا المجرى لا يعمل عليه، وذكر قبل ذلك أن الوجه حمله على ضرب من
الاستحباب، ويؤيد الاستحباب صحيحة (3) زرارة عن أبي جعفر عليه السلام وصحيحة (4)
سعيد الأعرج عن أبي عبد الله عليه السلام الدالتان على عدم لزوم المسح بالماء. 2 -
كتاب المسائل: بالاسناد عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن
الحايض قال: يشرب من سؤرها ولا يتوضأ منها (5). 3 - السرائر: نقلا من كتاب محمد بن
علي بن محبوب، عن العباس، عن عبد الله بن المغيرة، عن رفاعة، عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: إن سؤر الحائض لا بأس به أن تتوضأ منه، إذا كانت تغسل يديها (6). بيان:
اختلف الأصحاب في سؤر الحايض فقال الشيخ في النهاية: يكره استعمال سؤر الحايض إذا
كانت متهمة، فان كانت مأمونة فلا بأس، وفي المبسوط أطلق كراهة سؤرها، وكذا المرتضى
في المصباح وكذا ابن الجنيد، واختار
(1) التهذيب ج 1 ص 120 ط حجر. (2)
الاستبصار ج 1 ص 48. (3 - 4) التهذيب ج 1 ص 99 (5) البحار ج 10 ص 265. (6) السرائر
ص 477.
[116]
الفاضلان والشهيدان مختار النهاية وهو
أظهر جمعا بين الأخبار. ثم ما ذكر في الرواية الاولى من الفرق بين الشرب والوضوء،
ورد في كثير من الأخبار مثل ما رواه في التهذيب عن الحسين بن أبي العلا قال: سألت
أبا عبد الله عليه السلام عن الحايض يشرب من سؤرها ؟ قال: نعم ولا يتوضأ منه (1).
وعن أبي هلال قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: المرأة الطامث اشرب من فضل شرابها
ولا احب أن تتوضأ منه (2). وعن عنبسة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اشرب من
سؤر الحايض ولا تتوضأ منه (3). وأكثر الأصحاب أطلقوا كراهة سؤر الحائض، وقد عرفت
مما أوردنا من الأخبار اختصاص الكراهة بالوضوء، فالقول به لا يخلو من قوة كما
اختاره بعض المحققين من المتأخرين، وألحق الشهيد في البيان بالحائض بناء على ما
اختاره من التقييد بالتهمة كل متهم واستحسنه بعض من تأخر عنه وفيه نظر. 4 - علل
الصدوق: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم عن النوفلي، عن السكوني، عن
الصادق، عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام قال: لبن الجارية وبولها يغسل
منه الثوب قبل أن تطعم، لأن لبنها يخرج من مثانة امها، ولبن الغلام لا يغسل منه
الثوب ولا بوله، قبل أن يطعم، لأن لبن الغلام يخرج من المنكبين والعضدين (4).
المقنع والهداية: مرسلا مثله (5). الراوندي في نوادره: باسناده عن موسى بن جعفر، عن
آبائه، عن
(1) التهذيب ج 1 ص 63. (2) الاستبصار ج 1
ص 10. (3) الكافي ج 3 ص 10. (4) علل الشرايع ج 1 ص 278. (5) المقنع ص 3، الهداية ص
15.
[117]
علي عليهم السلام مثله وزاد في آخره فيجوز
فيه الرش (1). فقه الرضا: روي عن أمير المؤمنين عليه السلام وذكر مثله (2). وقال:
إن عرقت في ثوبك وأنت جنب، وكانت الجنابة من الحلال فتجوز الصلاة فيه وإن كانت
حراما فلا تجوز الصلاة فيه حتى تغسل (3). 5 - المناقب: لابن شهر آشوب من كتاب
المعتمد في الاصول للشيخ المفيد - ره - قال علي بن مهزيار: وردت العسكر وأنا شاك في
الامامة، فرأيت السلطان قد خرج إلى الصيد في يوم من الربيع إلا أنه صائف والناس
عليهم ثياب الصيف و على أبي الحسن لبادة وعلى فرسه تجفاف لبود (4) وقد عقد ذنب
الفرسة، والناس يتعجبون منه ويقولون ألا ترون إلى هذه المدنى، وما قد فعل بنفسه ؟
فقلت في نفسي: لو كان إماما ما فعل هذا، فلما خرج الناس إلى الصحراء لم يلبثوا أن
ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلا ابتل حتى غرق بالمطر وعاد عليه السلام وهو
سالم من جميعه. فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الامام، ثم قلت: اريد أن أسأله عن
الجنب إذا عرق في الثوب فقلت في نفسي إن كشف وجهه فهو الامام، فلما قرب مني كشف
وجهه، ثم قال: إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام لا تجوز الصلاة فيه، وإن
كان جنابته من حلال فلا بأس، فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة (5).
(1) نوادر الراوندي ص 62. (2) فقه الرضا ص
6. (3) فقه الرضا ص 4. (4) اللبادة بالضم - ما يلبس من اللبود وقاية من المطر وفى
عبارة اخرى قباء من لبود، والتجفاف من اللبود سترة تلبسه الفرس عند الحرب كأنه درع،
ومثله ما يلبسه الادمى لذلك، ويقال له بالفارسية " برگستوان ". (5) مناقب آل أبى
طالب ج 4 ص 414.
[118]
6 - ووجدت: في كتاب عتيق من مؤلفات قدماء
أصحابنا أظنه مجموع الدعوات لمحمد بن هارون بن موسى التلعكبري رواه عن أبي الفتح
غازي بن محمد الطرائفي، عن علي بن عبد الله الميموني، عن محمد بن علي بن معمر، عن
علي ابن يقطين بن موسى الأهوازي عنه عليه السلام مثله. وقال: إن كان من حلال
فالصلاة في الثوب حلال، وإن كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام. بيان: قال
الفيروزآبادي كل شعر أو صوف متلبد لبد ولبدة ولبدة والجمع ألباد ولبود، واللبادة
كرمانة ما يلبس من اللبود للمطر، وقال: التجفاف بالكسر آلة للحرب يلبسه الفرس
والانسان ليقيه في الحرب، ولعل المراد هنا ما يلقى على السرج وقاية من المطر. 6 -
الذكرى: روى محمد بن همام باسناده إلى إدريس بن يزدان الكفرتوثي أنه كان يقول
بالوقف فدخل سر من رأى في عهد أبي الحسن عليه السلام فأراد أن يسأله عن الثوب الذي
يعرق فيه الجنب أيصلى فيه ؟ فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره إذ حركه أبو الحسن
عليه السلام بمقرعة وقال: إن كان من حلال فصل فيه وإن كان من حرام فلا تصل فيه (1).
8 - دعائم الاسلام: رخصوا عليهم السلام في عرق الجنب والحائض يصيب الثوب، وكذلك
رخصوا في الثوب المبلول يلصق بجسد الجنب والحائض (2). 9 - [الهداية: لا بأس بالوضوء
من فضل الحائض والجنب] (3). 10 - قرب الاسناد: عن السندي بن محمد، عن أبي البختري،
عن جعفر ابن محمد، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: كان يغتسل من الجنابة ثم
يستدفئ بامرأته
(1) الذكرى: 14. (2) دعائم الاسلام ج 1 ص
117. (3) الهداية: 13 وقد كان ساقطا من طبعة الكمبانى.
[119]
وإنها لجنب (1). توضيح وتنقيح: قال
الفيروزآبادى: الدفء بالكسر وقد يحرك نقيض حدة البرد، وظاهره طهارة عرق الجنب، ولا
خلاف في طهارة عرق الجنب من الحلال وإنما الخلاف في الجنب من الحرام. قال علي بن
بابويه في رسالته: إن عرقت في ثوبك وأنت جنب، وكانت الجنابة من حلال فحلال الصلاة
فيه، وإن كانت من حرام فحرام الصلاة فيه ونحوه ذكره ولده في الفقيه، وابن الجنيد في
المختصر، على ما نقل عنه، والشيخ في الخلاف. وقال في النهاية: لا بأس بعرق الحايض
والجنب في الثوب واجتنابه أفضل، إلا أن تكون الجنابة من حرام، فانه يجب غسل الثوب
إذا عرق فيه. وذهب ابن إدريس وأكثر المتأخرين إلى الطهارة مطلقا، والشيخ في التهذيب
جمع بين الأخبار بحمل أخبار المنع على ما إذا كان من حرام، ولم يذكر له شاهدا فلذا
بالغ في الطعن عليه من تأخر عنه، وقد ظهر مما أسلفنا من الأخبار عذر الشيخ في ذلك،
ومع ذلك فالمسألة لا تخلو من إشكال، والاحتياط في مثله مما لا يترك. وقال في
المنتهى: لا فرق يعني في الحكم بنجاسة العرق المذكور على القول بها بين أن يكون
الجنب رجلا أو امرأة، ولا بين أن تكون الجنابة من زنا أو لواط أو وطي بهيمة أو وطي
ميتة، وإن كانت زوجة، وسواء كان مع الجماع إنزال أم لا والاستمناء باليد كالزنا.
أما لو وطئ في الحيض أو الصوم فالأقرب طهارة العرق فيه، وفي المظاهرة إشكال، قال:
ولو وطئ الصغير أجنبية وألحقنا به حكم الجنابة بالوطي، ففي نجاسة عرقه إشكال ينشأ
من عدم التحريم في حقه. اقول: ما قر به في الوطي في الحيض والصوم لا يخلو من نظر
لشمول الأخبار لهما.
(1) قرب الاسناد ص 64 ط حجر وص 85 ط نجف
وفيه يستدنى بدل يستدفئ.
[120]
تذنيب نذكر فيه بعض ما اختلف الاصحاب في
نجاسته الأول: قال في المعالم: قال ابن الجنيد في المختصر - بعد أن حكم بوجوب غسل
الثوب من عرق الجنب من حرام: وكذلك عندي الاحتياط إن كان جنبا من حلم، ثم عرق في
ثوبه، قال: ولا نعرف لهذا الكلام وجها، ولا رأينا له فيه رفيقا. الثاني عزى الشيخ
في المبسوط إلى بعض أصحابنا القول بنجاسة القئ و المشهور بين علمائنا طهارته، وورد
في بعض الروايات الأمر بغسله، وحمل على الاستحباب لورود الرواية بعدم البأس. الثالث
اختلف الأصحاب في عرق الابل الجلالة والمشهور الطهارة، وذهب المفيد في المقنعة
والشيخ في النهاية، وابن البراج وجماعة إلى أنه تجب إزالته و قد ورد في الصحيح (1)
والحسن (2) الأمر بالغسل، والأحوط عدم الترك وحملهما أكثر الأصحاب على الاستحباب من
غير معارض معارض. الرابع حكم السيد وابن إدريس بنجاسة ولد الزنا وسؤره، والأشهر
الطهارة. الخامس لبن الصبية، وقد مر الكلام فيه. السادس ما يتولد في النجاسات كدود
الحش وصراصره، واحتمل بعضهم نجاسته والمشهور الطهارة. السابع ما لا تحله الحياة من
نجس العين والمشهور النجاسة، ويعزى إلى السيد القول بالطهارة، والأشهر أقوى.
(1) التهذيب ج 1 ص 75. (2) الكافي ج 6 ص
250 و 251.
[121]
الثامن نجاسة من عدا الشيعة الامامية من
فرق أهل الخلاف، فالمشهور الطهارة، ونسب إلى السيد القول بنجاسة غير المؤمن مطلقا
وإلى ابن إدريس من لم يعتقد الحق عد المستضعف. التاسع ذهب جماعة إلى نجاسة كلب
الماء، وذهب الأكثر إلى الطهارة ولعله أقوى، ويتفرع عليه طهارة الدواء المشهور بجند
بيدستر (1) ونجاسته إذ الظاهر أنه خصية كلب الماء، والأقوى عندي حرمته وطهارته،
والاجتناب منه أحوط.
(1) جند معرب " گند " من الفارسية ومعناه
الخصية " وبيدستر " حيوان ذو حياتين في البحر والبر، يسمونه الكلب.
[122]
8. * (باب) * * " (حكم المشتبه بالنجس،
وبيان أن الاصل) " * * " (الطهارة وغلبته على الظاهر) " * 1 - قرب الاسناد: بالسند
المتقدم عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الفأرة الرطبة وقد وقعت
في الماء تمشي على الثياب أيصلح الصلاة فيها قبل أن تغسل ؟ قال: اغسل ما رأيت من
أثرها، وما لم تره فتنضحه بالماء (1). وسألته عليه السلام عن الفأرة والدجاجة
والحمامة وأشباههن تطا العذرة ثم تطا الثوب أيغسل ؟ قال: إن كان استبان من أثرهن شئ
فاغسله، وإلا فلا بأس (2). قال: وسألته عن الكنيف يصب فيه الماء فينضح على الثياب
ما حاله ؟ قال: إذا كان جافا فلا بأس (3). بيان: قوله: " فاغسله " أي جميع الثوب أو
ما اشتبه فيه، أو ما استبان من الأثر، والأخير أظهر. فان قيل: على الأخير ينافي ما
سيأتي من وجوب غسل ما اشتبه فيه النجاسة قلنا: ظاهر الأخبار وأقوال الأصحاب أن غسل
ما اشتبه فيه، إنما يجب إذا علم وصول النجاسة إلى المحل، ولم يعلم محلها أصلا، لا
فيما إذا علم بعضه وشك
(1) قرب الاسناد ص 116 ط نجف. (2) قرب
الاسناد ص 117. (3) قرب الاسناد ص 158 ط نجف.
[123]
في البقية فان ظاهر الأخبار الكثيرة،
وكلام الأصحاب الاكتفاء بغسل ما علم وصول النجاسة إليه. قوله: " إذا كان جافا "
إنما قيد به لأن مع الجفاف لا يعلم وصول النجاسة إليه غالبا، وإن حصل الظن القوي
بالنجاسة، وأما مع العلم بالنجاسة فلا فرق بين الجفاف وغيره، والظاهر أن هذا من
المواضع التي غلب فيه الأصل على الظاهر. 2 - فقه الرضا: وإن كان معه إناءان وقع في
أحدهما ما ينجس الماء ولم يعلم في أيهما ؟ يهرقهما جميعا، وليتيمم (1). ونروي أن
قليل البول والغائط والجنابة وكثيرها سواء، لا بد من غسله إذا علم به، فإذا لم يعلم
به أصابه أم لم يصبه، رش على موضع الشك الماء، فان تيقن أن في ثوبه نجاسة ولم يعلم
في أي موضع على الثوب غسل كله. ونروي أن بول ما لا يجوز أكله في النجاسة ذلك حكمه،
وبول ما يؤكل لحمه فلا بأس به (2). بيان: يدل على وجوب الاجتناب من الاناءين
المشتبه الطاهر منهما بالنجس كما ذهب إليه الأصحاب، ولا يعلم فيه خلاف، وأوجب جماعة
من الأصحاب منهم الصدوقان والشيخان إهراقهما، إلا أن كلام الصدوقين ربما أشعر
باختصاص الحكم بحال إرادة التيمم وظاهر النصوص الوجوب. وقال المحقق: الأمر بالاراقة
محتمل لأن يكون كناية عن الحكم بالنجاسة وهو غير بعيد، ولو أصاب أحد الاناءين جسم
طاهر فهل يجب اجتنابه فيه أم لا ؟ فيه وجهان أظهرها الثاني، ومقتضى النص وكلام
الأصحاب وجوب التيمم والحال هذه إذا لم يكن متمكنا من الماء الطاهر مطلقا وقد يخص
ذلك بما إذا لم يمكن الصلاة بطهارة متيقنة بهما، كما إذا أمكن الطهارة بأحدهما
والصلاة
(1) فقه الرضا: 5 (2) فقه الرضا ص 41.
[124]
ثم تطهير الأعضاء مما لاقاه ماء الوضوء
والوضوء بالاخر، وهو خروج عن مقتضى النصوص. 3 - علل الصدوق: عن أبيه، عن علي بن
إبراهيم، عن أبيه، عن حماد عن حريز، عن زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنه
أصاب ثوبي دم من الرعاف أو غيره أو شئ من مني، فعلمت أثره إلى أن اصيب ماء فأصبت
الماء وحضرت الصلاة ونسيت أن بثوبي شيئا، فصليت، ثم إني ذكرت بعد، قال: تعيد الصلاة
وتغسله، قال: قلت: فان لم أكن رأيت موضعه وقد علمت أنه قد أصابه فطلبته ولم أقدر
عليه، فلما صليت وجدته، قال: تغسله وتعيد. [قلت: فان ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن
ذلك، فنظرت فلم أر شيئا ثم طلبت فرأيته فيه بعد الصلاة ؟ قال: تغسله ولا تعيد
الصلاة] (1). قال: قلت: ولم ذاك ؟ قال: لأنك كنت على يقين من نظافته، ثم شككت فليس
ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا، قلت: فاني قد علمت أنه قد أصابه ولم أدر أين
هو فأغسله ؟ قال: تغسل من ثوبك الناحية التي ترى أنه أصابها حتى تكون على يقين من
طهارته، قال: قلت: هل علي إن شككت في أنه أصابه شئ أن أنظر فيه فأقلبه ؟ قال: لا
ولكنك إنما تريد بذلك أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك. قال: قلت: فاني رأيته في ثوبي
وأنا في الصلاة، قال: تنقض الصلاة و تعيد إذا شككت في موضع منه، ثم رأيته فيه، وإن
لم تشك ثم رأيته رطبا قطعت وغسلته ثم بنيت على الصلاة، فانك لا تدري لعله شئ وقع
عليك، فليس لك أن تنقض بالشك اليقين (2). بيان: قوله عليه السلام: " ولكنك " أي لا
يلزمك النظر، وإن فعلت فانما تفعل لتذهب الشك عن نفسك، لا لكونه واجبا. قوله عليه
السلام: " إذا شككت " أي إنما تعيد الصلاة إذا علمت قبل الصلاة إصابة النجس وشككت
في خصوص موضعه، ثم رأيت في أثناء الصلاة، فهو عامد
(1) ما بين العلامتين ساقط من الكمبانى.
(2) علل الشرايع ج 2 ص 49.
[125]
يلزمه استيناف الصلاة قطعا أو ناس يلزمه
الاستيناف على المشهور، أو المعنى أنه شك قبل الصلاة في أنه هل أصابته نجاسة أم لا،
ثم قصر في الفحص ورآها في أثناء الصلاة فتكون الاعادة للتقصير أو سواء قصر أو لم
يقصر، ويكون ذكر الشك لحصول العلم بأن النجاسة كانت قبل الصلاة بقرينة قوله " وإن
لم تشك ثم رأيته رطبا " فيدل على أن الجاهل إذا رأى النجاسة في أثناء الصلاة وعلم
بتقدمها يستأنف كما قيل، والمشهور عدم الاعادة. قوله عليه السلام: " لعله شئ اوقع
عليك " أي الان ولم تتيقن سبقه حتى يلزمك الاستيناف. 4 - السراير: نقلا من كتاب
محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد عن محمد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن أبي
الحسن عليه السلام في طين المطر أنه لا بأس به أن يصيب الثوب ثلاثة أيام إلا أن
يعلم أنه قد نجسه شئ بعد المطر، و إن أصابه بعد ثلاثة أيام غسله، وإن كان الطريق
نظيفا لم يغسله (1) 5 - كتاب المسائل: بالاسناد المتقدم عن علي بن جعفر، عن أخيه
موسى عليه السلام قال: سألته عن الدود يقع من الكنيف على الثوب أيصلى فيه ؟ قال: لا
بأس إلا أن ترى أثرا فتغسله (2). ومنه: قال: سألته عليه السلام عن الرجل يمر
بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفى عليه من العذرة فيصيب ثوبه ورأسه أيصلي قبل أن
يغسله ؟ قال: نعم ينفضه ويصلي فلا بأس (3). بيان: عدم البأس في الأول لغلبة الأصل
على الظاهر، وفي الثاني لذلك أو لأن ما يبقى من ذلك في الثوب في حكم الأثر ولا تجب
إزالته. أقول: قد مر بعض الأخبار المناسبة في باب العذرات وغيره.
(1) السرائر ص 478. (2) البحار ج 10 ص
278. (3) البحار ج 10 ص 270.
[126]
تتميم نفعه عميم اعلم أنه إذا اشتبه موضع
النجاسة فلا يخلو إما أن يكون في ثوب واحد أم لا، فان كان في ثوب واحد يجب غسل كل
موضع يحتمل كونها فيه، ولو قام الاحتمال في الثوب كله وجب غسله كله، ولا خلاف فيه
كما عرفت. وإن كان في ثياب متعددة أو غيرها فلا يخلو إما أن يكون محصورا أم لا وعلى
الثاني لا أثر للنجاسة ويبقى كل واحد من الأجزاء التي وقع الاشتباه فيها باقيا على
أصل الطهارة، وعلى الأول فالظاهر من كلام جماعة من الأصحاب أنه لا خلاف في وجوب
اجتناب ما حصل فيه الاشتباه، ولم يذكروا عليه حجة، ولعل حجتهم الاجماع إن ثبت. ثم
على تقدير وجوب الاجتناب هل يكون بالنسبة إلى ما يشترط فيه الطهارة حتى إذا كان ماء
أو ترابا لم تجز الطهارة به، ولو كان ثوبا لم تجز الصلاة فيه أو يصير بمنزلة النجس
في جميع الأحكام، حتى لو لاقاه جسم طاهر تعدى حكمه إليه ؟ فيه قولان أولهما لا يخلو
من قوة كما اختاره جماعة من المتأخرين. وفي تحقيق معنى المحصور إشكال فجماعة منهم
جعلوا المرجع فيه العرف و مثلوا له بالبيت والبيتين، ولغير المحصور بالصحراء، وذكر
بعضهم أنه يمكن جعل المرجع في صدق الحصر وعدمه إلى حصول الحرج والضرر بالاجتناب عنه
وعدمه. وربما يفسر غير المحصور بما يعسر حده وحصره، ولا شاهد في المقام من جهة
النص، ولا يظهر من اللغة والعرف ذلك، وفي ألفاظ الفقهاء اختلاف في التمثيل، فبعضهم
مثلوه بالبيت والبيتين، وبعضهم بالبيتين والثلاثة وتحقيق الحكم فيه لا يخلو من
إشكال.
[127]
9. * ((باب)) * * " (حكم ما لاقى نجسا
رطبا أو يابسا) " * 1 - المحاسن: عن أبيه، عن ابن أبي نجران، عن حماد، عن حريز، عن
زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: المؤمن لا ينجسه شئ (1). بيان:
لعل المعنى أنه لا ينجسه شئ إذا كان يابسا أو نجاسة لا تزول بالماء كالكافر، وهذا
جزء خبر رواه في الكافي عن علي بن إسماعيل، عن الفضل ابن شاذان، عن حماد، عن حريز،
عن زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنما الوضوء حد من حدود
الله، ليعلم الله من يطيعه ومن يعصيه ؟ وإن المؤمن لا ينجسه شئ إنما يكفيه مثل
الدهن (2). فالمعنى أنه لا ينجسه شئ من الأحداث بحيث يحتاج في إزالته إلى صب الماء
الزايد على الدهن كما في النجاسات الخبثية، بل يكفي أدنى ما يحصل به الجريان، وهذه
إحدى مفاسد تبعيض الحديث فانه تفوت به القراين ويصير سببا لسوء الفهم فافهم. 2 -
قرب الاسناد: باسناده عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن
الفأرة والدجاجة والحمامة وأشباههن تطا العذرة، ثم تطا الثوب أيغسل ؟ قال: إن كان
استبان من أثرهن شئ فاغسله، وإلا فلا بأس (3).
(1) المحاسن ص 133. (2) الكافي ج 3 ص 21،
ورواه في التهذيب ج 1 ص 38 ط حجر، وعلل الشرايع ج 1 ص 264. (3) قرب الاسناد ص 117 ط
نجف.
[128]
قال: وسألته عن الرجل يمشي في العذرة وهي
يابسة فتصيب ثوبه ورجيله هل يصلح له أن يدخل المسجد فيصلي ولا يغسل ما أصابه ؟ قال:
إذا كان يابسا فلا بأس (1). 3 - ومنه ومن كتاب المسائل: بسنديهما عن علي بن جعفر،
عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن المكان يغتسل فيه من الجنابة أو يبال فيه
أفيصلح أن يفرش فيه ؟ قال: نعم، يصلح ذلك إذا كان جافا (2). 4 - دعائم الاسلام:
رخصوا صلوات الله عليهم في مس النجاسة اليابسة الثوب والجسد، إذا لم يعلق بهما شئ
منها كالعذرة اليابسة والكلب والخنزير والميتة (3). 5 - كتاب عاصم بن حميد: عن أبي
اسامة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: الرجل يجنب وعليه قميصه، تصيبه
السماء فتبل قميصه وهو جنب، أيغسل قميصه ؟ قال: لا. بيان: محمول على عدم إصابة
المني الثوب، أو عدم نجاسة البدن. أقول: أوردنا بعض الأخبار في باب الميتة وباب
الكلب والخنزير وغيرهما.
(1) قرب الاسناد ص 94 ط حجر. (2) قرب
الاسناد ص 121 ط حجر والبحار ج 10 ص 270. (3) دعائم الاسلام ج 1 ص 117.
[129]
10. ((باب)) * " (ما يلزم في تطهير البدن
والثياب وغيرها) " * 1 - قرب الاسناد وكتاب المسائل: بسنديهما عن علي بن جعفر، عن
أخيه عليه السلام قال: سألته عن الفراش يكون كثير الصوف فيصيبه البول كيف يغسل ؟
قال: يغسل الظاهر ثم يصب عليه الماء في المكان الذي أصابه البول حتى يخرج من جانب
الفراش الاخر (1). قال: وسألته عن رجل استاك أو تخلل فخرج من فمه الدم أينقض ذلك
الوضوء ؟ قال: لا، ولكن يتمضمض (2). قال: وسألته عن الرجل يصب من فيه الماء يغسل به
الشئ يكون في ثوبه وهو صائم ؟ قال: لا بأس (3). بيان: تحقيق الكلام في هذا الخبر
يتوقف على بيان امور: الأول ما يعتبر في إزالة النجاسة عن الثوب وظاهر البدن،
فالمشهور بين الأصحاب أنه يعتبر في إزالة نجاسة البول عن الثوب بالماء القليل غسله
مرتين، و اكتفى بعضهم بالمرة، والأول أقوى، كما مر في خبر البزنطي في باب البول
(4). والأكثر على عدم الفرق بين الثوب والبدن في الحكم المذكور، ومنهم
(1) قرب الاسناد ص 158 ط نجف و 118 ط حجر.
(2) قرب الاسناد ص 108 ط نجف وص 83 ط حجر. (3) قرب الاسناد ص 103 ط حجر. (4) رواه
من السرائر ص 465.
[130]
من فرق بينهما، واكتفى في البدن بالمرة
والأول لا يخلو من رجحان، وظاهر جماعة من الأصحاب طرد التعدد المذكور في غير الثوب
والبدن مما يشبههما، فيعتبر الغسلتان فيما يمكن إخراج الغسالة منه بالعصر من
الأجسام المشبهة بالثوب والصب مرتين فيما لا مسام له بحيث ينفذ فيه الماء، كالخشب
والحجر، واستثنى البعض من ذلك الاناء كما سيأتي، والاقتصار في التعدد على مورد النص
لعله أقوى كما هو مذهب بعض الأصحاب، ومنهم من اكتفى في التعدد بالانفصال التقديري
ومنهم من اعتبر الانفصال حقيقة وهو أحوط بل أقرب. وهل يعتبر التعدد إذا وقع المغسول
في الماء الجاري أو الراكد الكثير ؟ فيه قولان: والأحوط اعتبار التعدد، وإن كان
ظاهر بعض الأخبار العدم والمشهور بين الأصحاب توقف طهارة الثياب وغيرها مما يرسب
فيه الماء على العصر إذا غسل بالماء القليل، وهو أحوط والظاهر من كلام بعضهم وجوب
العصر مرتين فيما يجب غسله كذلك. واكتفى بعضهم بعصر بين الغسلتين، وبعضهم بعصر واحد
بعد الغسلتين، و الأول أحوط، وأكثر المتأخرين على اختصاص وجوب العصر بالقليل وسقوطه
في الكثير، وذهب بعضهم إلى عدم الفرق، والأقرب عدم اشتراط الدلك، وشرطه بعضهم في
إزالة النجاسة عن البدن. ويكفي الصب في بول الرضيع ولا تعتبر انفصال الماء عن ذلك
المحل، و الحكم معلق في الرواية على صبي لم يأكل، وكذا في كلام الشيخ وغيره، و يحكى
عن ابن إدريس تعليق الحكم بالحولين، وذكر جماعة من المتأخرين أن المراد بالرضيع من
لم يغتذ بغير اللبن كثيرا بحيث يزيد على اللبن أو يساويه و لم يتجاوز الحولين، وقال
المحقق: لا عبرة بما يلعق دواء أو في الغذاء في الندرة، والأشهر اختصاص الحكم
المذكور بالصبي وأما نجاسة غير البول إذا وصلت إلى غير الأواني، ففي وجوب تعدد
الغسل خلاف، والأحوط ذلك. ثم اعلم أن أكثر الأصحاب اعتبروا الدق والتغميز فيما يعسر
عصره، قال
[131]
في المنتهى لو كان المنجس بساطا أو فراشا
يعسر عصره غسل ما ظهر في وجهه، ولو سرت النجاسة في أجزائه وجب غسل الجميع، واكتفى
بالتقليب والدق عن العصر. ثم أورد ما رواه إبراهيم بن أبي محمود في الصحيح قال: قلت
للرضا عليه السلام الطنفسة والفراش يصيبهما البول كيف يصنع به وهو ثخين كثير الحشو
؟ قال: يغسل ما ظهر منه في وجهه (1) وحمله على ما إذا لم تسر النجاسة في أجزائه.
واستشهد بما روي عن إبراهيم بن عبد الحميد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن
الثوب يصيبه البول فينفذ من الجانب الاخر، وعن الفرو وما فيه من الحشو، قال: اغسل
ما أصاب منه، ومس الجانب الاخر، فان أصبت مس شئ منه فاغسله وإلا فانضحه بالماء (2).
واستدل بعض المتأخرين بالرواية الثانية على وجوب الدق والتغميز، وليس من الدلالة في
شئ، بل يدل على خلافه، وخبر علي بن جعفر ظاهر الدلالة على عدم اعتبارهما، فالقول
بعدم الوجوب قوى، وإن كان الأحوط رعايته. ثم المشهور في كلام المتأخرين أن ما لا
يمكن إخراج الغسالة منه كالتراب لاسبيل إلى طهارته بالماء القليل، وقال الشيخ في
الخلاف: إذا بال على موضع من الأرض فتطهيرها أن يصب الماء عليه حتى يكاثره ويغمره
ويقهره، فيزيل لونه وطعمه وريحه، فإذا زال حكمنا بطهارة المحل، وطهارة الماء الوارد
عليه ولا يحتاج إلى نقل التراب، ولا قطع المكان، واستدل عليه بنفي الحرج وبرواية
الذنوب ولا يخلو من قوة كما سنثسير إليه في شرح الأخبار الدالة عليه. الثاني
المشهور بين الأصحاب أنه يكفي في طهر البواطن كالفم والأنف زوال عين النجاسة عنها
بل لا يعلم في ذلك خلاف، ويدل عليه رواية عمار (3) الساباطي قال: سئل أبو عبد الله
عليه السلام عن رجل يسيل من أنفه الدم هل عليه أن يغسل باطنه ؟
(1) التهذيب ج 1 ص 71 ط حجر. (2) الكافي ج
3 ص 55. (3) التهذيب ج 1 ص 119.
[132]
يعني جوف الأنف، فقال: إنما عليه أن يغسل
ما ظهر منه، فالمضمضة في هذه الرواية محمولة على الاستحباب، والأحوط أن لا يتركها.
الثالث قوله " يصب من فيه الماء " ينبغي حمله على ما إذا لم يصر مضافا كما هو
الغالب، وروى العلامة في المنتهى هذه الرواية، ثم قال: إنها موافقة للمذهب لأن
المطلوب للشارع هو الازالة بالماء، وذلك حاصل في الصورة المذكورة و خصوصية الوعاء
الذي يحوي الماء غير منظور إليها. 2 - دعائم الاسلام: قالوا صلوات الله عليهم: كل
ما يغسل منه الثوب يغسل منه الجسد إذا أصابه (1). 3 - الهداية: الثوب إذا أصابه
البول غسل بما جار مرة، وإن غسل بماء راكد فمرتين، ثم يعصر، وبول الغلام الرضيع يصب
عليه الماء صبا، وإن كان قد أكل الطعام غسل، والغلام والجارية في هذا سواء (2). 4 -
معاني الاخبار: عن محمد بن هارون الزنجاني، عن علي بن عبد العزيز عن أبي عبيد
القاسم بن سلام، عن هيثم، عن يونس، عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وآله اتي
بالحسن بن علي عليهما السلام فبال فاخذ، فقال: لا تزرموا ابني، ثم دعا بماء فصبه
عليه. قال الصدوق - رحمه الله - قال الأصمعي: الازرام القطع، يقال للرجل إذا قطع
بوله: قد أزرمت بولك، وأزرمه غيره إذا قطعه، وزرم البول نفسه إذا انقطع (3). أقول:
ويدل على الاكتفاء بالصب في بول الرضيع، إذ ظاهر تلك الأحوال يدل على كونه عليه
السلام رضيعا. 5 - المقنع: روي في امرأة ليس لها إلا قميص واحد، ولها مولود يبول
(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 118. (2)
الهداية: 14. (3) معاني الاخبار: 211.
[133]
عليها، أنها تغسل القميص في اليوم مرة
(1). بيان: ذكر الشيخ والمتأخرون عنه أن المرأة المربية للصبى إذا كان لها ثوب واحد
يكتفي بغسل ثوبها في اليوم مرة واحدة، وأكثرهم عمموا الحكم بالنسبة إلى الصبية أيضا
كما هو ظاهر الخبر، وبعضهم خصوا بالصبي نظرا إلى أن المتبادر من المولود هو الصبي.
وذهب جماعة من المتأخرين إلى أن نجاسة البدن غير معفو عنها في الصورة المذكورة، وإن
قلنا بالعفو عن نجاسة الثوب. وألحق العلامة بالمربية المربي، وفيه نظر، وفي إلحاق
الغايط بالبول أيضا إشكال، والظاهر من كلام الشهيد عدم الفرق، ووجه بأنه ربما كني
عن الغايط بالبول، كما هو قاعدة لسان العرب في ارتكاب الكناية فيما يستهجن التصريح
به، وليس بشئ، فان التجربة شاهدة بعسر التحرز عن إصابة البول دون غيره، فلا بعد في
كون الحكم مقصورا عليه، ومجرد الاحتمال لا يكفي لاثبات التسوية. وقد ذكر الأصحاب أن
المراد باليوم هنا ما يشمل الليلة، وليس ببعيد لدلالة فحوى الكلام، وإن كان لفظ
اليوم لا يتناوله حقيقة، وفي الثياب المتعددة المحتاج إليها لدفع البرد ونحوه إشكال
والعلامة في النهاية قرب وجوب الغسل هنا، فلا يكفي الصب مرة واحدة، وإن كفى في بوله
قبل أن يطعم الطعام عند كل نجاسة، ولا يخلو من قوة لظاهر النص، وذكر كثير من
الأصحاب استحباب جعل غسل الثوب آخر النهار، لتوقع الصلوات الأربع في حال الطهارة،
واحتمل بعضهم وجوبه.
(1) المقنع ص 3.
[134]
11. * ((باب)) * * " (أحكام الغسالات) " *
1 - مجالس ابن الشيخ: عن محمد بن محمد بن مخلد، عن محمد بن عمرو الرزاز عن حامد بن
سهل، عن أبي غسان، عن شريك، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن ميمونة زوجة رسول
الله صلى الله عليه وآله قال: أجنبت أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله فاغتسلت من
جفنة، وفضلت فيها فضلة -، فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله فاغتسل منها، فقلت: يا
رسول الله صلى الله عليه وآله إنها فضلة مني أو قالت اغتسلت، فقال: ليس الماء جنابة
(1). بيان: قد عرفت سابقا اختلاف الأصحاب في غسالة الخبث، واستثنائهم ماء
الاستنجاء، وأن المشهور في غيره النجاسة، وادعى المحقق في المعتبر والعلامة في
المنتهى الاجماع على أن غساله الخبث، وإن قيل بطهارتها لا يرتفع بها الحدث وظاهر
كلام الشهيد في الدروس أن بجواز رفع الحدث به قائلا. والماء القليل المستعمل في رفع
الحدث الأصغر طاهر مطهر بلا خلاف، والمستعمل في رفع الحدث الأكبر طاهر إجماعا، وفي
جواز رفع الحدث به ثانيا خلاف فذهب الصدوقان والشيخان وجماعة إلى العدم، وأكثر
المتأخرين على الجواز، ونقلوا الاجماع على جواز إزالة الخبث به، وربما يوهم كلام
بعضهم الخلاف فيه أيضا. وأما المستعمل في الأغسال المندوبة، فادعوا الاجماع على أنه
باق على تطهيره، ولو تقاطر الماء من رأسه أو جانبه الأيمن فأصاب المأخوذ منه، قال
(1) أمالى الطوسى ج 2 ص 6.
[135]
العلامة لم يجز استعماله في الباقي عند
المانعين من المستعمل، لأنه يصير بذلك مستعملا، وقال في المعالم - ونعم ما قال: فيه
نظر، فان الصدوق - رحمه الله - من جملة المانعين، وقد قال في الفقيه: وإن اغتسل
الجنب فنزى الماء من الأرض فوقع في الاناء أوسال من بدنه في الاناء فلا بأس به، وما
ذكره منصوص في عدة أخبار وقد ذكر الشيخ في التهذيب جملة منها، ولم يتعرض لها بتأويل
أورد أو بيان معارض مع تصريحه فيه بالمنع من المستعمل، وفي ذلك إيذان بعدم صدق
الاستعمال به عنده أيضا. ثم اعلم أن ما ذكر في هذا الخبر ليس من الغسالة في شئ بل
هو فضلة الغسل، وقال المحقق في المعتبر، لا بأس أن يستعمل الرجل فضل وضوء المرأة
إذا لم يلاق نجاسة عينية، وكذا الرجل لما ثبت من بقائه على التطهير انتهى، وليس
يعرف فيه بين الأصحاب خلاف، بل ادعى الشيخ في الخلاف عليه إجماع الفرقة وإنما خالف
فيه بعض العامة فقال: بكراهة فضل المرأة إذا خلت به. ثم قال الشيخ في الخلاف: وروى
ابن مسكان (1) عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: أيتوضأ الرجل بفضل
المرأة ؟ قال: نعم، إذا كانت تعرف الوضوء وتغسل يدها، قبل أن تدخلها الاناء. وكأن
الشيخ أخذها من كتاب ابن مسكان، لأنها ليست في كتب الحديث المشهورة، والعلامة سوى
في هذا الحكم بين فضل الوضوء والغسل، ولم يتعرض الشيخ ولا المحقق لفضل الغسل. وقال
الصدوق في المقنع والفقيه: ولا بأس أن تغتسل المرأة وزوجها من إناء واحد، ولكن
تغتسل بفضله، ولا يغتسل بفضلها، وقد وردت أخبار كثيرة في اشتراك الرجل والمرأة في
الغسل، وسيأتي بعضها، وهذا الخبر يدل على جواز اغتسال الرجل بفضل المرأة لكنه عامي.
2 - العلل: عن أبيه، عن سعد، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل
(1) الخلاف ج 1 ص.
[136]
عن ابن بزيع، عن يونس، عن رجل من أهل
المشرق، عن العيزار، عن الأحول قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال: سل
عما شئت، فارتجت علي المسائل فقال لي: سل عما بدالك، فقلت: جعلت فداك الرجل يستنجي
فيقع ثوبه في الماء الذي استنجى به، فقال: لا بأس به، فسكت، فقال: أو تدري لم صار
لا بأس به ؟ قلت: لا والله جعلت فداك، فقال عليه السلام: إن الماء أكثر من القذر
(1). 3 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه عليه
السلام قال: سألته عن الرجل يغتسل فوق البيت فيكف فيصيب الثوب مما يقطر، هل تصلح
الصلاة فيه قبل أن يغسل ؟ قال: لا يصلي فيه حتى يغسله (2). بيان: لعله محمول على
الاستحباب أو على إزالة المني مع الغسل. 4 - البصائر: للصفار، عن محمد بن إسماعيل،
عن علي بن الحكم، عن شهاب بن عبد ربه قال: أتيت أبا عبد الله عليه السلام فقال: سل
وإن شئت أخبرتك، قلت: أخبرني ! قال: جئت لتسألني عن الجنب، يغتسل فيقطر الماء من
جسمه في الاناء أو ينضح الماء من الأرض، فيقع في الاناء ؟ قلت: نعم جعلت فداك قال:
ليس بهذا بأس كله (3). 5 - فقه الرضا عليه السلام: إن اغتسلت من ماء في وهدة وخشيت
أن يرجع ما تصب عليك، أخذت كفا فصببت على رأسك، وعلى جانبيك كفا كفا ثم امسح بيدك
وتدلك بدنك (4). 6 - محاسن البرقى: عن ابن العزرمى، عن حاتم بن إسماعيل، عن أبي عبد
الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام عن علي عليه السلام أنه كان يشرب وهو قائم،
ثم شرب
(1) علل الشرايع ج 1 ص 271، وقد مر مع شرح
ص 15. (2) قرب الاسناد ص 116 ط نجف. (3) بصائر الدرجات ص 238. (4) فقه الرضا ص 4.
[137]
من فضل وضوئه وهو قائم، ثم قال: رأيت رسول
الله صلى الله عليه وآله صنع هكذا (1). 7 - الذكرى والمعتبر: عن العيص بن القاسم
قال: سألته عن رجل أصابته قطرة من طشت فيه وضوء، فقال: إن كان من بول وقذر فليغسل
ما أصابه (2). 8 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر عن أخيه
موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصيب الماء في الساقية مستنقعا فيتخوف أن
يكون السباع قد شربت منه، يغتسل منه للجنابة ويتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره
؟ والماء لا يبلغ صاعا للجنابة، ولا مدا للوضوء، وهو متفرق وكيف يصنع ؟ قال: إذا
كانت كفه نظيفة فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة، و لينضحه خلفه، وكفا أمامه، وكفا عن
يمينه، وكفا عن يساره، فان خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات ثم مسح جلده به، فان
ذلك يجزيه إنشاء الله و إن كان للوضوء غسل وجهه، ومسح يده على ذراعيه، ورأسه
ورجليه، وإن كان الماء متفرقا يقدر على أن يجمعه جمعه، وإلا اغتسل من هذا وهذا، وإن
كان في مكان واحد وهو قليل لا يكفيه لغسله، فلا عليه أن يغتسل ويرجع الماء فيه فان
ذلك يجزيه إنشاء الله (3). بيان: أقول: روى الشيخ في التهذيب والاستبصار (4) هذا
الخبر عن أحمد ابن محمد، عن موسى بن القاسم الجبلي وأبي قتادة، عن علي بن جعفر، عن
أبي الحسن الأول عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصيب الماء في ساقية أو مستنقع
أيغتسل من الجنابة أو يتوضأ منه للصلاة إذا كان لا يجد غيره، والماء لا ييلغ
(1) المحاسن ص 580. وفيه: فالتفت إلى
الحسن عليه السلام وقال: بأبى أنت وامى يا بنى انى رأيت جدك رسول الله صلى الله
عليه وآله صنع هكذا. (2) الذكرى: 9، المعتبر: 22. (3) قرب الاسناد ص 84 ط حجر، و
110 ط نجف. (4) التهذيب ج 1 ص 104 الاستبصار ج 1 ص 15.
[138]
صاعا للجنابة ولا مدا للوضوء، وهو متفرق
فكيف يصنع ؟ وهو يتخوف أن تكون السباع قد شربت منه ؟ فقال: إذا كانت يده نظيفة إلى
آخر ما مر أقول: هذا الحديث من متشابهات الأخبار، ومعضلات الاثار، وهو يتضمن أسؤلة
أربعة: الأول الخوف من أن تكون السباع شربت منه، الثاني أنه لا يبلغ مدا للوضوء،
وصاعا للغسل، وتفوت سنة الاسباغ، الثالث أنه يخاف أن ترجع الغسالة إلى الماء في
أثناء الغسل فيفسد بقية الغسل صحة أو كمالا، الرابع أنه متفرق ولا يكفي كل واحد
منها لغسله. فظهر الجواب عن الأول ضمنا بعدم البأس وعن الثاني أيضا بعدم البأس
للضرورة، وعن الرابع بأنه إن أمكن جمعها جمعها وإلا غسل رأسه مثلا من موضع، ويمينه
من موضع، ويساره من موضع، ولا بأس بهذه الفاصلة. وأما الجواب عن الثالث فيمكن أن
يوجه بوجوه: الأول أن يكون المراد رش الأرض التي يغتسل عليها، ليكون تشر بها للماء
أسرع، فينفذ الماء المنفصل عن أعضائه في أعماقها قبل وصوله إلى الماء الذي يغترف
منه. واورد عليه بأن رش الأرض بالماء قبل الغسل يوجب سرعة جريان غسالته عليها لقلة
تشربها حينئذ للغسالة. فيحصل نقيض ما هو المطلوب. واجيب بأن التجربة شاهدة بأنك إذا
رششت أرضا منحدرة شديدة الجفاف ذات غبار بقطرات من الماء، فانك تجد كل قطرة تلبس
غلافا ترابيا وتتحرك على سطح تلك الأرض على جهة انحدارها حركة ممتدة امتدادا يسيرا
قبل أن تنفذ في أعماقها ثم تغوض فيها، بخلاف ما إذا كان في الأرض نداوة قليلة، فان
تلك القطرات تغوص في أعماقها ولا تتحرك على سطحها بقدر تحركها على سطح الجافة، فظهر
أن الرش محصل للمطلوب لا مناقض له. الثاني أن المراد ترطيب الجسد وبل جوانبه بالأكف
الأربع قبل الغسل ليجري ماء الغسل عليه بسرعة، ويكمل الغسل قبل وصول الغسالة إلى
ذلك الماء. واعترض عليه بأن سرعة جريان ماء الغسل على البدن، مقتض لسرعة
[139]
تلاحق أجزاء الغسالة وتواصلها، وهو يعين
على سرعة الوصول إلى الماء. واجيب بأن انحدار الماء من أعالي البدن إلى أسافله أسرع
من انحداره على الأرض المائلة إلى الانخفاض، لأنه طالب للمركز على أقرب الطرق،
فيكون انفصاله عن البدن أسرع من اتصاله بالماء الذي يغترف منه، هذا إذا لم تكن
المسافة بين مكان الغسل وبين الماء الذي يغترف منه قليلة جدا، فلعله كان في كلام
السائل ما يدل على ذلك، كذا ذكره الشيخ البهائي قدس الله لطيفه. والأظهر في جواب
السؤال الأخير أن يقال: مع يبوسة البدن تنفصل القطرات منه وتطفر، وتصل إلى الماء
بخط مستقيم، يتخيل وتر الزاوية قائمة تحدث من قامة المغتسل وسطح الأرض إلى الماء،
ومع الرطوبة يميل الماء إلى جنسه ويجري على البدن حتى يصل إلى الأرض ثم يجري منه
إلى أن يصل إلى الماء وظاهر أن ضلعي المثلث أطول من ضلع واحد، كما بين في العشرين
من المقالة الاولى من الاصول. ويؤيد أحد هذين الوجهين ما رواه الشيخ في التهذيب (1)
عن الحسين بن سعيد عن ابن سنان، عن ابن مسكان قال: حدثني صاحب لي ثقة أنه سأل أبا
عبد الله عليه السلام عن الرجل ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل
وليس معه إناء، والماء في وهدة، فان هو اغتسل رجع غسله في الماء، كيف يصنع ؟ قال:
ينضح بكف بين يديه وكفا من خلفه وكفا عن يمينه وكفا عن شماله، ثم يغتسل والغسل بكسر
العين وضمها الماء الذي يغتسل به. الثالث أن يكون المنضوح أيضا البدن لكن لا لعدم
عود الغسالة إلى الماء بل لترطيب البدن قبل الغسل، لئلا ينفصل عنه ماء الغسل كثيرا،
فلا يفي بغسله لقلة الماء، وهذا مجرب.
(1) التهذيب ج 1 ص 118، الاستبصار ج 1 ص
15، ورواه في السرائر ص 465 عن نوادر البزنطى.
[140]
الرابع أن يكون المنضوح الأرض، أيضا لعدم
عود ماء الغسل، لكن لا لعدم جواز استعمال الغسالة، بل لتطهير الأرض مما يتوهم فيه
من النجاسة. الخامس أن يكون المنضوح البدن للغسل، لا لتمهيد الغسل، فالمراد أنه إذا
كاء الماء قليلا يجوز أن يكتفى بأقل من صاع وبأربع أكف، فإذا نضح كل كف على جانب من
الجوانب الأربع يمكن أن يحصل أقل الجريان، فيكون الأربع لغسل البدن فقط بدون الرأس
ولا يخلو من بعد. السادس أن يكون المنضوح الأرض، لكن لا لما ذكر سابقا، بل لرفع ما
يستقذر منه الطبع، من الكثافات المجتمعة على وجه الماء بأن يأخذ من وجه الماء أربع
أكف وينضح على الارض، أو يأخذ مما يليه وينضح على الجانب الاخر من الماء، فيكون
المنضوح الماء، ويمكن أن يعد هذا وجها سابعا. ويؤيده على الوجهين ما رواه الشيخ
والكليني في الحسن (1) عن الكاهلي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إذا
أتيت ماء وفيه قلة فانضح عن يمينك و عن يسارك وبين يديك وتوضأ. والشيخ في الموثق عن
أبي بصير (2) قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أنا نسافر فربما بلينا بالغدير من
المطر يكون إلى جانب القرية فيكون فيه العذرة ويبول فيه الصبي، وتبول فيه الدابة
وتروث، فقال: إن عرض في قلبك منه شئ فقل هكذا - يعني أفرج الماء بيدك - ثم توضأ فان
الدين ليس بمضيق، فان الله عزوجل يقول: " ما جعل عليكم في الدين من حرج " لكن حمل
أكثر الأخبار على هذا المعنى لا يخلو من بعد. قوله عليه السلام: " غسل رأسه " إنما
حكم بغسل الرأس أي صب الماء عليه ثلاث مرات لأن ما يصب على الرأس يجري على البدن
وينفعه، وقوله عليه السلام: " ثم مسح جلده " يدل على إجزاء المسح من الغسل عند قلة
الماء، وهو مخالف
(1) الكافي ج 3 ص 3، التهذيب ج 1 ص 1 ص
116. (2) راجع شرح الحديث ص 21 في الذيل.
[141]
للمشهور. نعم ذهب ابن الجنيد إلى وجب غسل
الرأس ثلاثا والاجتزاء بالدهن في بقية البدن، ويمكن حمله على حصول مسمى الجريان،
لكن في الوضوء هذا الحمل أبعد، وآخر الحديث يدل على أن الجنب إذا لم يجد من الماء
إلا ما يكفيه لبعض أعضائه غسل ذلك البعض به وغسل البعض الاخر بغسالته، وأنه لا يجوز
له ذلك إلا مع قلة الماء كما يدل عليه مفهوم الشرط، وإن أمكن حمله على الفضل
والكمال، ولنذكر بعض ما ذكره الأصحاب في هذا الخبر. قال في المعالم: قال الصدوق في
من لا يحضره الفقيه: فان اغتسل الرجل في وهدة وخشي أن يرجع ما ينصب عنه إلى الماء
الذي يغتسل منه أخذ كفا وصبه أمامه، وكفا عن يمينه، وكفا عن يساره، وكفا من خلفه
واغتسل منه، وذكر نحو ذلك في المقنع، وقال أبوه في رسالته: وإن اغتسلت من ماء في
وهدة وخشيت أن يرجع ما ينصب عنك إلى المكان الذي تغتسل فيه، أخذت له كفا وصببته عن
يمينك، وكفا عن يسارك وكفا [خلفك، وكفا] أمامك و اغتسلت منه. وقال الشيخ في
النهاية: متى حصل الانسان عند غدير أو قليب: ولم يكن معه ما يغترف به الماء لوضوئه،
فليدخل يده فيه، ويأخذ منه ما يحتاج إليه، وليس عليه شئ، وإن أراد الغسل للجنابة
وخاف إن نزل إليها فساد الماء (1) فليرش عن يمينه ويساره وأمامه وخلفه، ثم ليأخذ
كفا كفا من الماء فليغتسل به. والأصل فيما ذكروه روايات وردت بذلك، منها صحيحة علي
بن جعفر، ومنها رواية ابن مسكان وذكر الروايتين المتقدمتين.
(1) الظاهر أن مراده رحمه الله أنه إذا
خاف فساد الماء بالنزول إليها فإذا اغتسل خارجا ورجع ماء الغسل إلى الماء يعود
الفساد فليرش جوانبه لئلا يعود غسالة ازالة المنى أو غسالة الغسل إلى الماء، فينطبق
على ما ذكره غيره، ولا يحتاج إلى ارتكاب سائر التكلفات. منه عفى عنه. كذا وجدناه
بخطه قدس سره في هامش المخطوطة. (*)
[142]
ثم قال: ونقل الفاضلان (1) في المعتبر
والمنتهى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي أنه روى في جامعه عن عبد الكريم عن
محمد بن ميسر (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن الجنب ينتهي إلى الماء
القليل والماء في وهدة فان هو اغتسل رجع غسله في الماء كيف يصنع ؟ قال: ينضح بكف
بين يديه، وكف خلفه وكف عن يمينه، وكف عن شماله ويغتسل. ولا يخفى أن متعلق النضح
المذكور في الأخبار وكلام الأصحاب هنا لا يخلو عن خفاء، وكذا الحكمة فيه، وقد حكى
المحقق - رحمه الله - في ذلك قولين أحدهما أن المتعلق الأرض، والحكمة اجتماع
أجزائها فتمنع سرعة انحدار ما ينفصل عن البدن إلى الماء، والثاني أن متعلقه بدن
المغتسل، والغرض منه بله ليتعجل الاغتسال قبل انحدار المنفصل عنه، وعوده إلى الماء،
وعزى هذا القول إلى الصهرشتى، واختاره الشهيد في الذكرى إلا أنه جعل الحكمة فيه
الاكتفاء بترديده عن إكثار معاودة الماء، ورجح في البيان القول الأول. والعبارة
المحكية عن رسالة ابن بابويه ظاهرة فيه أيضا حيث قال فيها " أخذت له كفا " الخ
والضمير في قوله " له " عائد إلى المكان الذي يغتسل فيه، لأنه المذكور قبله في
العبارة، وليس المراد به محل الماء كما وقع في عبارة ابنه، حيث صرح بالعود إلى
الماء الذي يغتسل منه، وكان تركه للتصريح بذلك اتكال على دلالة لفظ الرجوع إليه،
فالجار في قوله " إلى المكان " متعلق بينصب، وصلة ترجع غير مذكورة لدلالة المقام
عليها. ويحكى عن ابن إدريس إنكار القول الأول مبالغا فيه، ومحتجا بأن اشتداد الأرض
برش الجهات المذكورة موجب لسرعة نزول ماء الغسل، وله وجه غير أنه ليس يمتنع في بعض
الأرضين أن يكون قبولها لابتلاع الماء مع الابتلال
(1) هما العلامة الحلى والمحقق الحلى. (2)
راجع المعتبر: 22، ومثله في السرائر ص 465 كما مر.
[143]
أكثر، ثم إنه يرد على القول الثاني أن
خشية العود إلى الماء مع تعجل الاغتسال، ربما كانت أكثر، لأن الاعجال موجب لتلاحق
الأجزاء المنفصلة عن البدن من الماء، وذلك أقرب إلى الجريان والعود، ومع الابطاء
يكون تساقطها على سبيل التدريج، فربما بعدت بذلك من الجريان كما لا يخفى. وأما ما
ذكره الشهيد من أن الفائدة هي الاكتفاء بترديده عن إكثار معاودة الماء، ففيه إشعار
بأنه جعل الغرض من ذلك التحرز من تقاطر ماء الغسل عن بعض الأعضاء المغسولة في الماء
الذي يغتسل منه عند المعاودة، وقد عرفت تصريح بعض المانعين من المستعمل بعدم تأثير
مثله، ودلالة الأخبار أيضا عليه، فالظاهر أن محل البحث هنا هو رجوع المنفصل عن بدن
المغتسل بأجمعه إلى الماء، أو عن أكثره، وعلى كل حال فالخطب في هذا عند من لا يرى
المنع من المستعمل سهل، لأن الأخبار الواردة بذلك محمولة على الاستحباب عنده، كما
ذكره العلامة في المنتهى، مقربا له بما رواه الشيخ في الحسن عن عبد الله بن يحيى
الكاهلي وذكر ما مر. ووجه التقريب على ما يؤذن به سوق كلامه، أن الاتفاق واقع على
عدم المنع من المستعمل في الوضوء، فالأمر بالنضح له في هذا الحديث محمول على
الاستحباب عند الكل، فلا بعد في كون الأوامر الواردة في تلك الأخبار كذلك ويمكن
المناقشة فيه من حيث شيوع إطلاق الوضوء في الأخبار على الاستنجاء (1) فلا يبعد
إرادته هنا من الرواية، ومعه يفوت التقريب، ولكن الحاجة ليست داعية إليه، فان حمل
أخبار الباب على الاستحباب، بعد القول بعدم المنع من المستعمل، متعين. ويؤيده أن
أصح ما في الأخبار رواية علي بن جعفر، وآخرها صريح في
(1) لا يخفى أنه لا ينفع الحمل على
الاستنجاء في ذلك، إذ غسالته أيضا طاهرة. الا أن يحمل الاستنجاء على ازالة المنى،
وفيه ما فيه، منه عفى عنه، كذا وجدناه بخطه قدس سره في هامش المخطوطة.
[144]
عدم تأثير عود ما ينفصل من ماء الغسل،
وأنه مع قلة الماء بحيث لا يكفي للغسل يجزي ما يرجع منه إليه. إذا عرفت هذا فاعلم
أن كلام الشيخ هنا على ما حكيناه عن النهاية لا يخلو عن إشكال، فان ظاهره كون
المحذور في الفرض المذكور هو فساد الماء بنزول الجنب إليه، واغتساله فيه، ولا ريب
أن هذا يزول بالأخذ من الماء والاغتسال خارجه، وفرض إمكان الرش يقتضي إمكان الأخذ،
فلا يظهر لحكمه بالرش حينئذ وجه. وقد أوله المحقق في المعتبر فقال: اعلم أن عبارة
الشيخ لا تنطبق على الرش إلا أن يجعل في " نزل " ضمير ماء الغسل، ويكون التقدير
وخشي إن نزل ماء الغسل فساد الماء، وإلا بتقدير أن يكون في ؟ ؟ ؟ ضمير المريد، لا
ينتظم المعنى، لأنه إن أمكنه الرش لا مع النزول ؟ ؟ ؟ ؟ من غير نزول، وهذا الكلام
حسن، وإن اقتضى كون المرجع غير مذكور صريحا، فان محذوره هين بالنظر إلى ما يلزم على
التقدير الاخر، خصوصا بعد ملاحظة كون الغرض بيان الحكم الذي وردت به النصوص، فانه
لا ربط للعبارة به على ذلك التقدير. هذا، وفي بعض نسخ النهاية " وخاف أن ينزل إليها
فساد الماء " على صيغة المضارع، فالاشكال حينئذ مرتفع، لأنه مبني على كون العبارة
عن النزول بصيغة الماضي، وجعل إن مكسورة الهمزة شرطية، وفساد الماء مفعول خشي، و
فاعل نزل الضمير العائد إلى المريد، وعلى النسخة التي ذكرناها يجعل أن مفتوحة
الهمزة مصدرية، وفساد الماء فاعل ينزل، والمصدر المأول من أن ينزل مفعول خشي،
وفاعله ضمير المريد. وحاصل المعنى أنه مع خشيته نزول فساد الماء المنفصل عن بدن
المغتسل إلى المياه التي يريد الاغتسال منها، وذلك بعود الماء الذي اغتسل به إليها
فان المنع المتعلق به يتعدى إليها بعوده فيها، وهو معنى نزول الفساد إليها: فيجب
الرش حينئذ حذرا من ذلك الفساد، وهذا عين كلام باقي الجماعة، ومدلول
[145]
الأخيار، فلعل الوهم في النسخة التي وقع
فيها لفظ الماضي، فان حصول الاشتباه في مثله وقت الكتابة ليس بمستبعد (1).
(1) أقول: ولكن حق الكلام في غسالة الوضوء
والغسل - بالضم - اعني ما ينفصل عن الاعضاء حين غسلها - بالفتح - أنه لا يجوز
استعمالها ثانيا، لا في الوضوء ولا في الغسل الا غسالة الوضوء في رفع الحدث الاكبر
عند الاضطرار، والدليل على هذا حكم العقل المتفرع على حكم الشرع جزما. توضيحه أن
الله عزوجل قال في الوضوء " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى
المرافق " الاية، ولا يصدق الغسل لغة وعرفا - كما يؤيده الاخبار - الا بارسال الماء
على العضو المغسول والدلك باليد ليزول ما على العضو المغسول من القذر والوسخ أو أي
شئ رأى الشارع وجوده مانعا فأوجب ازالته بالماء فلاجل اعتبار الدلك عرفا ولغة لا
يجوز الوضوء ارتماسا، ولاجل ايجاب الازالة بانفصال الغسالة لا يجوز استعمالها مرة
ثانية، فانه عبارة اخرى عن التلطخ وتلوث الوجه واليدين بما وجب ازالته قبلا، واعادة
اللوث القذر الذى كان مانعا من دخول الصلاة معه ثانيا، وهل هذا الا نقض الوضوء ؟.
وهكذا الكلام في غسالة الحدث الاكبر - الجنابة والحيض - بل الخطب فيهما أكثر وأكثر
حيث يقول الله عزوجل في الجنابة: " وإن كنتم جنبا فاطهروا " فعبر عن الغسل بالتطيهر
المؤذن بنوع نجاسة في بدن الجنب، وقال عزوجل في الحائض " حتى يطهرن فإذا تطهرن
فآتوهن من حيث أمركم الله " فجعل الغسل بعد الطهارة عن الدم تطهيرا لبدن الحائض،
والتطهير انما يؤذن عن وجود قذارة ولو لم نشاهدها. فكيف يعقل ويتصور أن يكون العبد
ممتثلا لقوله تعالى " فاطهروا " وهو يعيد القذارة التى كانت على بدنه في المرة
الاولى أو بدن رجل آخر سابقا، بل هو لعب بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله،
حيث زاد اللوث على اللوث وجعل فعله ذلك دينا وامتثالا لامره تعالى بالتطهير
والتطهر. نعم - إذا لم يجد ماء غير غسالة الوضوء، وكان جنبا أو حائضا جاز استعمالها
[146]
أقول: إنما أطنبت الكلام في شرح هذا
الخبر، لتكرره في الاصول، ودورانه على الألسن، واشتباهه على المتقدمين والمتأخرين،
ولا تكاد تجد في كتاب أجمع مما أوردنا إلا من أخذ منا والله الموفق.
في رفعهما، فانه رفع للقذارة في الجملة
بقدر الامكان. ومن ذلك - أعنى حكم الفطرة - ايجاب الائمة الاطهار في فتاواهم
القدسية أن يغسل المتطهر يديه قبل الوضوء والغسل، فان اليدين محكومتان بوجوب الغسل
- بالفتح - في ضمن الوضوء والغسل، واليدان وسيلتان لامتثال الامر، فان اغتراف الماء
وارساله إلى العضو المغسول ودلكه حتى يزيل القذر المانع ويحصل استباحة الدخول في
الصلاة لا يكون الا باليدين - خصوصا في الوضوء. فإذا لم يغسل المكلف يديه قبلا كان
غسل وجهه باليدين أو باليد اليمنى مثلا لوثا للوجه بقذارة اليدين، ولوثا لليد
اليمنى بقذارة اليسرى وبالعكس، ومن اغترف لغسل الجنابة باليدين ويداه غير مغسولتان
بعد، فقد صب على رأسه وبدنه ماء قد تلوث بما أوجب الشارع ازالته بالماء، لكن إذا لم
يقدر على كأس يغترف به ويغسل يديه أولا، فلا بأس، فان الدين ليس بمضيق كما هو مفاد
الاخبار، فان غسله هذا وان كان غير كامل، لكنه رفع للقذارة في الجملة. ولا يذهب
عليك أن هذا في الغسل والوضوء بالماء القليل، وأما إذا كان الماء كثيرا جاريا سائلا
من فوق وأراد الوضوء والغسل فله وجه آخر، سنتكلم عليه انشاء الله تعالى في موضعه.
[147]
12. (باب) * " (تطهير الارض والشمس وما
تطهرانه) " * * " (والاستحالة والقدر المطهر منها) " * 1 - مجالس الصدوق: عن محمد
بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن
الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن إسماعيل الجعفي عن أبي جعفر
عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا
الخبر (1). الخصال: عن ابن الوليد، عن الصفار وسعد بن عبد الله معا، عن أحمد ابن
محمد بن عيسى وأحمد بن محمد بن خالد البرقي معا عن محمد البرقي، عن محمد بن سنان،
عن أبي الجارود، عن ابن جبير، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله مثله (2).
2 - معاني (3) الاخبار والخصال: عن محمد بن علي بن الشاه، عن محمد بن جعفر
البغدادي، عن أبيه، عن أحمد بن السخت، عن محمد بن الأسود، عن أيوب ابن سليمان، عن
أبي البختري، عن محمد بن حميد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر
(1) أمالى الصدوق ص 130. (2) الخصال ج 1 ص
140 والمراد بالطهور: ما يتطهر به من الاحداث بالتيمم ومن الاخباث لبعض الاشياء
كباطن القدم والخف ومخرج النجو في الاستنجاء بالاحجار والمدر - منه قدس سره في كتاب
النبوة الباب 11 باب فضائله وخصائصه وما امتن الله به على عباده -. (3) معاني
الاخبار ص 51 في حديث.
[148]
ابن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه
وآله قال: قال الله تعالى: جعلت لك ولامتك الأرض كلها مسجدا وترابها طهورا. الخبر
(1). أقول: قد مضى هذا المضمون بأسانيد أخري في كتاب النبوة (2). 3 - قرب الاسناد:
عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن
البواري يبل قصبها بماء قذر، أتصلح الصلاة عليها إذا يبست ؟ قال: لا بأس (3). 4 -
ومنه عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن الصادق، عن أبيه عليه السلام عن علي
عليهم السلام أنه كان لا يرى بأسا أن يطرح في المزارع العذرة (4). 5 - المحاسن: عن
أبي سعيد الادمي قال: حدثني من رأى أبا الحسن عليه السلام يأكل الكرات من المشارة،
يعني الدبرة، يغسله بالماء ويأكله (5). بيان: في الصحاح المشارة الدبرة التي في
المزرعة وهي بالفارسية كردو (6). 8 - المحاسن: عن داود بن أبي داود، عن رجل رأى أبا
الحسن عليه السلام بخراسان يأكل الكراث في البستان كما هو، فقيل: إن فيه السماد،
فقال: لا يعلق به منه شئ (7). بيان: قال في النهاية: في حديث عمر: أن رجلا كان يسمد
أرضه بعذرة الناس، فقال: أما يرضى أحدكم حتى يطعم الناس ما يخرج منه ؟ السماد ما
يطرح
(1) الخصال ج 2 ص 48، وتراه في العلل ج 1
ص 122. (2) راجع كتاب النبوة باب معاني أسماء النبي صلى الله عليه وآله وباب اثبات
المعراج ومعناه وكيفيته وصفته وما جرى فيه ج 18 ص 282 - 409 من طبعتنا هذه. (3) قرب
الاسناد ص 127 ط نجف (4) قرب الاسناد ص 90 ط نجف. (5) المحاسن ص 511. (6) كذا في
المخطوطة وفى برهان قاطع كردر كصرصر. (7) المحاسن ص 512، وبعده: وهو جيد للبواسير.
[149]
في اصول الزرع والخضر من العذرة والزبل،
ليجود نباته، انتهى. قوله عليه السلام " لا يعلق به منه شئ " إما مبني على
الاستحالة، أو على أنه لا يعلم ملاقات شئ منه للنابت، فالغسل في الخبر السابق محمول
على النظافة و الاستحباب. 7 - المحاسن: عن إبراهيم بن عقبة الخزاعي، عن يحيى بن
سليمان قال: رأيت أبا الحسن الرضا عليه السلام بخراسان في روضة وهو يأكل الكراث إلى
قوله: قلت: فانه يسمد، فقال: لا يعلق به شئ (1). 8 - ومنه: عن أيوب بن نوح، عن أحمد
بن الفضل، عن وضاح التمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من أكثر أكل
الهندباء أيسر، قال: قلت له: إنه يسمد، قال: لا تعدل به شيئا (2). 9 - مجالس الشيخ:
عن هلال بن محمد الحفار، عن إسماعيل بن علي الدعبلي، عن أبيه، عن الرضا عليه
السلام، عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما من صباح
إلا وتقطر على الهندباء قطرة من الجنة، فكلوه ولا تنفضوه (3). أقول: سيأتي مثلها
بأسانيد في أبوابها إنشاء الله (4). 10 - فقه الرضا عليه السلام: ما وقعت الشمس
عليه من الأماكن التي أصابها شئ من النجاسة من البول وغيرها طهرتها، وأما الثياب
فلا يتطهر إلا بالغسل (5). 11 - السرائر: من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي،
عن
(1) المحاسن ص 513. (2) المحاسن ص 510.
(3) أمالى الطوسى ج 1 ص 373 (4) سيأتي في ج 64 وهو من أجزاء المجلد الرابع عشر. (5)
فقه الرضا: 41.
[150]
المفضل، عن محمد الحلبي قال: قلت لأبي عبد
الله عليه السلام: إن طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه، فربما مررت فيه وليس علي
حذاء فيلصق برجلي من نداوته، فقال: أليس تمشي بعد ذلك في أرض يابسة ؟ قلت: بلى،
قال: فلا بأس إن الأرض يطهر بعضها بعضا. قلت: فأطا على الروث الرطب قال: لا بأس أما
والله ربما وطئت عليه ثم اصلي ولا أغسله (1). 12 - ارشاد القلوب: عن موسى بن جعفر،
عن آبائه عليهم السلام عن أمير - المؤمنين عليه السلام قال: قال الله تعالى لنبيه
ليلة المعراج: كانت الامم السالفة إذا أصابهم أذى نجس قرضوه من أجسادهم، وقد جعلت
الماء طهورا لامتك من جميع الأنجاس والصعيد في الأوقات. الخبر (2) 13 - كتاب
المسائل: باسناده، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الجص
يطبخ بالعذرة، أيصلح أن يجصص به المسجد ؟ قال عليه السلام: لا بأس (3). 14 - ومنه
ومن قرب الاسناد: عنه عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الخمر يكون أوله خمرا ثم
يصير خلا أيوكل ؟ قال: نعم، إذا ذهب سكره فلا بأس (4). 15 - كتاب عاصم بن حميد: عن
أبي عبيدة الحذاء قال: دخلت الحمام فلما خرجت دعوت بماء وأردت أن أغسل قدمي، قال:
فزبرني أبو جعفر عليه السلام ونهاني عن ذلك، وقال: إن الأرض ليطهر بعضها بعضا.
(1) السرائر ص 465. (2) ارشاد القلوب ج 2
ص 222، وقد مر في ص 10 مما تقدم. (3) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 261.
(4) كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 270، قرب الاسناد ص 155 ط نجف.
[151]
16 - دعائم الاسلام: قالوا عليهم السلام
في المتطهر إذا مشى على أرض نجسة ثم على طاهرة طهرت قدميه. 17 - وقالوا عليهم
السلام: في الأرض تصيبها النجاسة لا يصلى عليها إلا أن تجففها الشمس وتذهب بريحها،
فانها إذا صارت كذلك ولم يوجد فيها عين النجاسة ولا ريحها طهرت (1). 18 - توحيد
المفضل: برواية ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: فاعتبر بما ترى من ضروب
المآرب في صغير الخلق وكبيره، وبما له قيمة وبما لا قيمة له، وأخس من هذا وأحقره
الزبل والعذرة التي اجتمعت فيه الخساسة والنجاسة معا، وموقعها من الزروع والبقول
والخضر أجمع الموقع الذي لا يعدله شئ حتى أن كل شئ من الخضر لا يصلح ولا يزكو إلا
بالزبل والسماد الذي يستقذره الناس ويكرهون الدنو منه الخبر (2). بيان: الزبل
بالكسر السرقين وفي القاموس السماد السرقين برماد، وفي النهاية هو ما يطرح في اصول
الزرع والخضر من العذرة والزبل ليجود نباته. ثم اعلم أن تحقيق المطالب التي تضمنتها
تلك الأخبار، يتوقف على بيان امور. الاول:: أن القوم عدوا من المطهرات الشمس،
والمشهور بين المتأخرين أنها تطهر ما تجففه من البول وشبهه من النجاسات التي لا جرم
لها، بأن تكون مايعة أو كان لها جرم لكن ازيل بغير المطهر، وبقي لها رطوبة، وإنما
تطهره إذا كان في الأرض أو البواري أو الحصر أو ما لا ينقل عادة كالأبنية
والنباتات. وقيل باختصاص الحكم المذكور بالبول، وقيل باختصاصه بالأرض و البواري
والحصر، ومنهم من اعتبر الخصوصيتين، ومنهم من قال: لا يطهر المحل، ولكن يجوز السجود
عليه، والمسألة قوية الاشكال، وإن كان الأظهر
(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 118. (2) توحيد
المفضل المطبوع في البحار ج 3 ص 136.
[152]
مع اعتبار الخصوصيتين الطهارة، والأحوط صب
الماء قبل التجفيف كما يدل عليه بعض الأخبار. والمشهور أن الجفاف الحاصل بغير الشمس
لا يوجب الطهارة، خلافا للشيخ في الخلاف، حيث قال الأرض إذا أصابتها نجاسة مثل
البول وما أشبهه وطلعت عليها الشمس أوهبت عليها الريح حتى زالت عين النجاسة، فانها
تطهر، ويجوز السجود عليها والتيمم بترابها، وإن لم يطرح عليها الماء انتهى، وقالوا
يطهر الباطن بتجفيف الشمس مع اتصاله بالظاهر، أما مع الانفصال كوجهي الحايط إذا
كانت النجاسة فيها غير خارقة فتختص الطهارة بما صدق عليه الاشراق. إذا عرفت هذا،
فاعلم أن رواية علي بن جعفر ظاهرها أن جواز الصلاة لمحض الجفاف إما لأنه يطهر
بالجفاف مطلقا، أو لأنه لا يشترط الطهارة في محل الصلاة، مطلقا، أو بالحمل على ما
عدا الجبهة، ان ثبت الاجماع على اشتراط طهارة موضع الجبهة. أو دليل آخر، وحملها
الأكثر على الجفاف بالشمس. وأما رواية الفقه فتدل على الطهارة بالشمس لكن في خصوص
الأماكن. الثاني أنهم عدوا من المطهرات الاستحالة، وهي أنواع: الأول ما أحالته
النار وصيرته رمادا من الأعيان النجسة والمشهور فيه الطهارة وتردد فيه المحقق في
الشرايع، والطهارة أقوى، ويدل عليه رواية الجص إذ المتبادر من العذرة عذرة الانسان.
ورواه الشيخ قال: سأل الحسن بن محبوب (1) أبا الحسن عليهما السلام عن الجص يوقد
عليه بالعذرة وعظام الموتى، ثم يجصص به المسجد، أيسجد عليه ؟ فكتب إليه بخطه: إن
الماء والنار قد طهراه. وقال والدي العلامة قدس الله روحه: الظاهر أن مراد السائل
أن الجص ينجس بملاقاة النجاسة له غالبا أو أنه يبقى رماد النجس فيه، وأنه ينجس
المسجد بالتجصيص، أو أنه يسجد عليه ولا يجوز السجود على النجس.
(1) التهذيب ج 1 ص 202.
[153]
والجواب يمكن أن يكون باعتبار عدم النجاسة
بالملاقات، وإن كان الظاهر ذلك تغليبا للأصل، ويكون المراد بالتطهير التنظيف، أو
باعتبار تقدير النجاسة فان الماء والنار مطهران له إما باعتبار توهم السائل كون
الرماد النجس معه، فانه صار بالاستحالة طاهرا، ويكون الماء علاوة للتنظيف، فان مثل
هذا الماء يطهر النجاسة الموهومة كما ورد عنهم عليهم السلام استحباب صب الماء على
الأرض التي يتوهم نجاستها، أو باعتبار تقدير نجاسة الجص بالملاقاة فان النار مطهرة
له بالاستحالة، ويكون هذا القدر من الاستحالة كافيا، ويكون تنظيف الماء علاوة أو
يقال: إن هذا المقدار من الماء كاف للتطهير، وتكون الغسالة طاهرة كما هو ظاهر الخبر
أو أن الماء والنار هما معا مطهران لهذه النجاسة، ولا استبعاد فيه، وهذا المعنى
أظهر، وإن لم يقل به أحد فيما وصل إلينا انتهى. والشيخ في الخلاف استدل للطهارة
بهذا الخبر، واعترض عليه المحقق بأن الماء الذي يمازج الجص هو ما يجبل به، وذاك لا
يطهره باجماعنا، و النار لم تصيره رمادا، وقد اشترط صيرورة النجاسة رمادا، وصيرورة
العظام و العذرة رمادا بعد الحكم بنجاسة الجص غير مؤثرة في طهارته، ثم قال: ويمكن
أن يستدل باجماع الناس على عدم التوقي من دواخن السراجين النجسة، فلو لم يكن طاهرا
بالاستحالة لتورعوا منه. وقد اقتفى العلامة أثره في الكلام على الخبر، فقال: إن في
الاستدلال به إشكالا من وجهين أحدهما أن الماء الممازج هو الذي يجبل به وذاك غير
مطهر إجماعا، والثاني أنه حكم بنجاسة الجص ثم بتطهيره، قال: وفي نجاسته بدخان
الأعيان النجسة إشكال انتهى. وقد عرفت مما نقلنا من الوالد قدس سره جواب الاعتراضات
إذ يمكن أن يجاب بأن مراد السائل أن العذرة الموقدة على الجص تختلط به، وغرضه
استعلام حالها بعد الاحراق فانها لو كانت نجسة لزم نجاسة المختلط بها لملاقاتها له
برطوبة الماء الممتزج فأجاب عليه السلام بأن الماء والنار قد طهراه، بأن يكون
[154]
المراد بالطهارة المسندة إلى الماء معناها
اللغوي، لأن الماء يفيد الجص نوع نظافة توجب إزالة النفرة الحاصلة من اشتماله على
العذرة والعظام المحرقة، وهذا غير مناف لارادة المعنى الشرعي في تطهير النار، إذ لا
مانع من الجمع بين المعنى الحقيقي والمجازي إذا دلت القرينة عليه، ويحتمل أن يراد
فيهما المعنى المجازي وتكون الطهارة الشرعية مستفادة مما علم من الجواب ضمنا. وقال
الشيخ البهائي - رحمه الله -: يمكن أن يراد بالماء في كلامه عليه السلام ماء المطر
الذي يصيب أرض المسجد المجصصة بذلك الجص، إذ ليس في الحديث أن ذلك المسجد كان مسقفا
وأن المراد يوقد عليه بحيث تختلط به تلك الأعيان كأن يوقد بها من فوقه مثلا لكن
يبقى إشكال آخر، وهو أن النار إذا طهرته أولا فكيف يحكم بتطهير الماء له ثانيا. ثم
أجاب بأن غرض الامام عليه السلام أنه ورد على ذلك الجص أمران مطهران هما الماء
والنار، فلم يبق ريب في طهارته، ولا يلزم من ورود المطهر الثاني التأثير في التطهير
انتهى. ثم اعلم أن مورد الحديث وكلام كثير من الأصحاب استحالة عين النجاسة وعمم
بعضهم الحكم بحيث يتناول المتنجس أيضا، تعويلا على القياس بالطريق الاولى، وفيه
نظر. الثاني: الدخان المستحيل من الأعيان النجسة والمشهور الطهارة، ويعزى إلى بعضهم
نقل الاجماع عليه، وتردد في طهارته المحقق في الشرايع، وينسب إلى الشيخ في المبسوط
القول بنجاسة دخان الدهن النجس معللا بأنه لا بد من تصاعد بعض أجزائه قبل إحالة
النار لها بواسطة السخونة، وفي التعليل تأمل. وقال العلامة في النهاية بعد الحكم
بطهارة الدخان مطلقا للاستحالة كالرماد: إنه لو استصحب شيئا من أجزاء النجاسة
باعتبار الحرارة المقتضية للصعود، فهو نجس ولهذا نهي عن الاستصباح بالدهن النجس تحت
الضلال، وفيه أيضا نظر كما عرفت.
[155]
الثالث ألحق بعضهم بالرماد الفحم محتجا
بزوال الصورة والاسم، وتوقف فيه بعضهم وهو في محله. الرابع اختلف الأصحاب في طهارة
الطين النجس إذا أحالته النار خزفا أو آجرا فذهب الشيخ في الخلاف، والعلامة في
النهاية وموضع من المنتهى، والشهيد في البيان إلى طهارته، وتوقف المحقق في المعتبر،
والعلامة في موضع آخر من المنتهى، وجزم جماعة من المتأخرين بعدم طهارته، وربما
يستدل على الطهارة بالرواية المتقدمة، فان التغيير الحاصل في الجص ليس بأكثر منه في
الاجر، وقد عرفت ما فيه، ومع التسليم ففيه ما فيه. الخامس إذا استحالت الأعيان
النجسة ترابا أو دودا فالمشهور بين الأصحاب الطهارة، وهو قول الشيخ في موضع من
المبسوط، ويعزى إليه في المبسوط قول آخر بالنجاسة في الاستحالة بالتراب، وتردد
المحقق في ذلك، وتوقف العلامة في التذكرة والتحرير والقواعد في الاستحالة ترابا،
وجزم بالطهارة في الاستحالة دودا، والأول أقرب للعمومات الدالة على طهورية التراب
وغيرها. وقال في المعتبر: لو كانت النجاسة رطبة ومازجت التراب، فقد نجس، فلو
استحالت النجاسة بعد ذلك وامتزجت بقيت الأجزاء الترابية على النجاسة، و المستحيلة
أيضا لاشتباهها بها وحسنه جماعة من المتأخرين، وربما كان في قولهم عليهم السلام "
الأرض يطهر بعضها بعضا " دلالة على الطهارة. السادس إذا عجن العجين بالماء النجس ثم
خبز لم يطهر على الأشهر، وقال الشيخ في الاستبصار وفي موضع من النهاية بالطهارة،
والروايات في ذلك مختلفة ففي بعضها يباع ممن يستحل أكل الميتة (1) وفي بعضها يدفن
ولا يباع (2).
(1) كما عن حفص بن البخترى، عن أبى عبد
الله (ع) راجع التهذيب ج 1 ص 117، الاستبصار ج 1 ص 16. (2) وهو مرسلة ابن أبى عمير،
عن أبى عبد الله عليه السلام كما في المصدرين المذكورين.
[156]
وفي بعضها أكلت النار ما فيه (1) وفي
بعضها إذا أصابته النار فلا بأس بأكله (2) ويمكن الجمع بحمل الأولين على ما إذا علم
قبل الطبخ، وأولهما على الجواز وثانيهما على الاستحباب والأخيرين على ما إذا علم
بعد الخبز أو الأخيرين على ما إذا لم يعلم النجاسة بل يظن، أو على ماء البئر بناء
على عدم انفعاله بالنجاسة، كما يدل عليه الأخير منهما، والأحوط الاجتناب، والشبهة
الواردة في البيع ممن يستحل الميتة ببطلان بيع النجس، أو المعاونة على الاثم، فليس
هنا مقام تحقيقها وحلها. السابع اختلف الأصحاب في طهارة الخنزير إذا وقع في المملحة
واستحال ملحا والعذرة إذا وقع في البئر فصار حمأة، وذهب المحقق في المعتبر والعلامة
في جملة من كتبه إلى عدم حصول الطهارة بذلك، وتوقف في التذكرة والقواعد والأكثر على
الطهارة كما هو الاقوى. الثامن من باب الاستحالة المطهرة استحالة النطفة حيوانا
طاهرا، والماء النجس بولا لحيوان مأكول اللحم، والغذاء النجس روثا أو لبنا لمأكول
اللحم والدم النجس قيحا أو جزء من حيوان لا نفس له، والعذرة نباتا أو فاكهة والظاهر
أنه لا خلاف في شئ من ذلك، ويدل عليه خبر أبي البختري (3). ومنه استحالة الخمر خلا
ولو بعلاج، وقد نقل العلامة اتفاق علماء الاسلام عليه إذا كانت استحالته من قبل
نفسه، والأخبار في هذا الباب كثيرة ومنها ما مر من رواية علي بن جعفر (4) وفي بعض
الأخبار المنع مما لم يكن من
(1) أيضا مرسلة ابن أبى عمير عن أبى عبد
الله عليه السلام كما في التهذيبين. (2) التهذيب ج 1 ص 117، الاستبصار ج 1 ص 16 عن
أحمد بن محمد بن عبد الله بن زبير عن جده. (3) مر تحت الرقم 5 في هذا الباب. (4) مر
تحت الرقم 13.
[157]
قبل نفسه وحملها (1) الشيخ على الاستحباب،
ويطهر العصير على تقدير نجاسته باستحالته خلا عندهم كالخمر أو بذهاب ثلثيه، ولم
تثبت نجاسته، والمعروف بينهم أنه يطهر بطهارة العصير أيدي مزاوليه وثيابهم، وآلات
الطبخ، والخطب عندنا فيه أيسر، لقولنا بالطهارة. التاسع قال في المنتهى: البخار
المتصاعد من الماء النجس إذا اجتمع منه نداوة على جسم صقيل تقاطر فهو نجس، إلا أن
يعلم تكونه من الهواء كالقطرات الموجودة على طرف إناء في أسفله جمد نجس، فانها
طاهرة انتهى، ويمكن أن يقال: الحكم بالطهارة غير متوقف على العلم بالتكون من
الهواء، بل يكفي فيه احتمال ذلك. الثالث: (2) عد من المطهرات الأرض فان المشهور
أنها تطهر باطن النعل والقدم والخف، سواء كان إزالة النجاسة بالمشي أو بالدلك،
وسواء كان على التراب أو الحجر أو الرمل، وتوقف بعض الأصحاب في القدم، ولا وجه له
لاشتمال الأخبار عليه أيضا، ولا يشترط جفاف النجاسة قبل الدلك، ولا أن يكون لها
جرم، فلو كان أسفل القدم أو النعل متنجسا بنجاسة غير مرئية كالبول اليابس طهر بمجرد
المشي على الأرض، خلافا لبعض العامة، واعتبار طهارة الأرض أحوط. وربما يستفاد من
كلام ابن الجنيد الاكتفاء بمسحها بكل طاهر، وإن لم يكن أرضا وهو بعيد، وظاهر كلامه
اشتراط كون الأرض التي يمشي عليها خمس عشرة ذراعا لرواية حملت على الغالب من زوال
النجاسة بالمشي في تلك المسافة، وفي اشتراط جفافها قولان أحوطهما ذلك، وفي رواية
الحلبي (3) دلالة
(1) راجع التهذيب ج 9 ص 118 ط نجف، ولفظه
عن أبى بصير عن أبى عبد الله (ع) قال: سئل عن الخمر يجعل فيها الخل، فقال: لا، الا
ما جاء من قبل نفسه. (2) في مطبوعة الكمبانى: العاشر، وهو سهو. (3) راجع الكافي ج 3
ص 38، وقد مر.
[158]
عليه، وإن احتمل أن يكون المراد باليبوسة
عدم الرطوبة التي مر ذكرها أي رطوبة البول، واستشكل تطهير الوحل والقول بالتطهير
غير بعيد. وقوله عليه السلام في هذا الخبر: " يطهر بعضها بعضا " يمكن أن يكون معناه
أن الأرض يطهر بعضها، وهو المماس لأسفل النعل والقدم أو الطاهر منها، بعض الأشياء،
وهو النعل والقدم، ويحتمل أن يكون المراد أن أسفل القدم والنعل إذا تنجس بملاقات
بعض الأرض النجسة، يطهره البعض الاخر الطاهر إذا مشى عليه، فالمطهر في الحقيقة ما
ينجس بالبعض الاخر، وعلقه بنفس البعض مجازا ذكرهما سيد المحققين في المدارك (1).
(1) أقول: روى ابن ادريس في السرائر 465
من نوادر أحمد بن محمد بن أبى نصر البزنطى عن المفضل بن عمر عن محمد الحلبي عن أبى
عبد الله (ع) قال: قلت له: ان طريقي إلى المسجد في زقاق يبال فيه، فربما مررت فيه
وليس على حذاء فيلصق برجلي من نداوته فقال: أليس تمشى بعد ذلك في أرض يابسة ؟ قلت:
بلى قال: فلا بأس ان الارض يطهر بعضها بعضا الحديث. ومثله أحاديث أخر رواها في
الكافي ج 3 ص 38 و 39، وظاهر لفظ الحديث " يطهر بعضها بعضا " أن الارض يطهر بعضها
بعضها الاخر إذا كان نجسا وليس هذا ببدع بعد ما كانت الارض - وهو ما نسيمه
بالفارسية خاك - طهورا للقذارات، كما في اكتفاء الجنب بالتراب ومسحه بالوجه واليدين
عن الغسل. ولو لم يكن رافعا للقذارة مستبيحا للدخول في الصلاة، لما حكم الشارع
بكفاية التيمم، مع أنه باشتراطه الطهارة حكم بأن فاقد الطهورين لا يصح دخوله في
الصلاة ولا يصلى. ومعنى أن الارض يطهر بعضها بعضا، أن الاجزاء الترابية تجفف
وتستهلك النجاسات في نفسها لكونها طهورا، وإذا نجس بعضها ثم اختلط أو مسح ببعضها
الطاهر، صارت كلها طاهرة كما أن الماء يطهر بعضها بعضا: فإذا استهلك عين النجس في
الارض ولم ير لها أثر حكم بطهارة الكل، كالماء سواء، فإذا كانت الارض طهورا لنفسها
من القذارات المتلطخة بها كانت طهورا للقذارات المتلطخة بباطن القدم والخف والعصا
أيضا من دون فرق
[159]
وقال في المعالم نحوا من الوجه الأخير،
حيث قال: المراد أن النجاسة الحاصلة في أسفل القدم وما هو بمعناه بملاقاة الأرض
المتنجسة على الوجه المؤثر يطهر بالمسح في محل آخر من الأرض، فسمي زوال الأثر
الحاصل من الأرض تطهيرا لها، كما تقول: مطهر للبول، بمعنى أن مزيل للأثر الحاصل منه
وعلى هذا يكون الحكم المستفاد من الحديث المذكور وما في معناه مختصا بالنجاسة
المكتسبة من الأرض المتنجسة انتهى. أقول: يمكن أن يكون هذا إشارة إلى أنه بمحض
المسح على الأرض لا يذهب الأثر الحاصل من الأرض السابقة مطلقا بل يبقى فيه بعض
الأجزاء من الأرض المتنجسة فتلك الأجزاء تطهرها الأرض الطاهرة، فلا ينافي عموم
الحكم لورود تلك العبارة في مقامات اخرى. وقال في الحبل المتين: لعل المراد بالأرض
ما يشمل نفس الأرض وما عليها من القدم والنعل والخف انتهى، وقيل: الوجه في هذا
التطهير انتقال النجاسة بالوطي عليها من موضع إلى آخر مرة بعد اخرى، حتى يستحيل ولا
يبقى منها شئ. تذنيب ذكر الشيخ - ره - في الخلاف أن في أصحابنا من قال بأن الجسم
الصقيل كالسيف والمرآة والقوارير إذا أصابته نجاسة كفى في طهارته مسح النجاسة منه
وعزي إلى المرتضى اختياره ثم قال: ولست أعرف به أثرا، وذكر أن عدم طهارته بدون غسله
بالماء هو الظاهر وعليه الأكثر وهو أظهر.
لكنه يعتبر فيها ذهاب أثر العين وهو ظاهر.
وأما أن الارض يرادف معنى خاك بالفارسية فسنتلكم عليه انشاء الله في أبحاث التيمم.
[160]
13. * (باب) * * " (أحكام الاواني
وتطهيرها) " * 1 - قرب الاسناد وكتاب المسائل: بسنديهما عن علي بن جعفر، عن أخيه
عليه السلام قال: سألته عن الشراب في الاناء يشرب فيه الخمر قدح عيدان أو باطية قال
إذا غسله فلا بأس (1). 2 - قال: وسألته عن دن الخمر يجعل فيه الخل أو الزيتون أو
شبهه قال: إذا غسل فلا بأس (2). بيان: قال الفيروز آبادي: الباطية (3) الناجود،
وقال: الناجود الخمر و إناؤها، ويظهر من الخبر أنه نوع خاص من الاناء، وقال أيضا:
الدن الراقود العظيم أو أطول من الحب أو أصغر منه له عسعس لا يقعد إلا أن يحفر له.
3 - الخصال: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن
محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن خالد بن جرير، عن أبي الربيع الشامي عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: سألته عن النبيذ قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن
كل مسكر، وكل مسكر حرام، قلت: فالظروف التى تصنع فيها
(1) قرب الاسناد ص 116 ط حجر وص 155 ط
نجف، كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 270. (2) قرب الاسناد ص 155 ط نجف وص
116 ط حجر. (3) نقل عن أبى عمرو أنها اناء من الزجاج يملا من الشراب يوضع بين الشرب
يغترفون منه.
[161]
قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن
الدباء والمزفت والحنتم والنقير، قلت: وما ذاك قال: الدباء القرع، والمزفت الدنان،
والحنتم جرار الاردن، والنقير خشبة كان أهل الجاهلية ينقرونها حتى يصير لها أجواف
ينبذون فيها، وقيل إن الحنتم الجرار الخضر (1). معاني الاخبار: عن أبيه، عن سعد بن
عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن محبوب مثله (2). بيان: قال الجوهري: الدباء بضم
الدال المهملة ثم الباء المشددة الممدودة القرع، والواحد دباءة، وفي النهاية إنه
نهى عن المزفت من الأوعية، هو الاناء الذي يطلى بالزفت، وهو نوع من القار، ثم انتبذ
فيه انتهى. وإنما فسر عليه السلام بالدنان لأن في الدن مأخوذ كون داخله مطليا
بالقار، لأنهم فسروا الدن بالراقود، والراقود بدن طويل الاسفل كهيئة الاردبة يسيع
داخله بالقار، وفي القاموس الحنتم: الجرة الخضراء، والاردن بضمتين وشد الدال كورة
بالشام، وفي النهاية أنه نهي عن النقير والمزفت النقير أصل النخلة ينقر وسطه ثم
ينبذ فيه التمر ويلقى عليه الماء ليصير نبيذا مسكرا، والنهي واقع على ما يعمل فيه
لا على اتخاذ النقير فيكون على حذف المضاف، تقديره عن نبيذ النقير، وهو فعيل بمعنى
مفعول انتهى. أقول: أخطأ في التأويل، بل الظاهر أنه نهى عن استعمال الظرف بعد ما
عمل فيه النبيذ كما ستعرف. 4 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه
السلام قال: سألته عن حب الخمر أيجعل فيه الخل والزيتون أو شبهه ؟ قال: إذا غسل فلا
بأس (3).
(1) الخصال ج 1 ص 120. (2) معاني الاخبار
ص 224. (3) البحار ج 10 ص 270.
[162]
تبيين المشهور بين الأصحاب أن أواني الخمر
كلها قابلة للتطهير من أثر النجاسة سواء في ذلك الصلب الذي لا ينشف كالصفر والرصاص
والحجر والمغضور (1) وغير الصلب كالقرع والخشب والخزف غير المغضور، إلا أنهم قالوا:
يكره استعمال [غير الصلب، ونسب إلى ابن الجنيد وابن البراج القول بعدم جواز
استعمال] (2) هذا النوع، غسل أو لم يغسل، والقول بالكراهة أقوى جمعا بين الأخبار.
(1) هو الصحفة المتخذة من الغضار وهو
الطين الحر الاخضر اللازب، أو هو المطلية به، قال السمعاني في الانساب: الغضائري
نسبة إلى الغضار وهو الاناء الذى يؤكل فيه نسب جماعة إلى عملها. (2) ما بين
العلامتين ساقط من الكمبانى زيادة من المخطوطة.
[163]
(أبواب) * * " (آداب الخلا والاستنجاء) "
* 1. (باب) * * " (علة الغايط ونتنه وعلة نظر الانسان) " * * " (إلى سفله حين
التغوط وعلة الاستنجاء) " * 1 - علل الصدوق: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن
إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهم السلام
قال: سألته عن الغائط فقال: تصغير لابن آدم، لكي لا يتكبر وهو يحمل غايطه معه (1).
2 - ومنه: عن علي بن أحمد بن محمد، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن سهل بن
زياد، عن عبد العظيم الحسني قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أسأله عن
علة الغايط ونتنه، قال: إن الله عزوجل خلق آدم عليه السلام وكان جسده طيبا وبقي
أربعين سنة ملقى تمر به الملائكة، فنقول: لأمر ما خلقت، وكان إبليس يدخل فيه ويخرج
من دبره فلذلك صار ما في جوف آدم منتنا خبيثا
(1) علل الشرايع ج 1 ص 261.
[164]
غير طيب (1). 3 - ومنه: عن محمد بن الحسن،
عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن إبراهيم بن هاشم، عن أبي جعفر، عن داود
الحمار، عن العيص بن أبي مهينة قال: شهدت أبا عبد الله عليه السلام وسأله عمرو بن
عبيد فقال: ما بال الرجل إذا أراد أن يقضي حاجته إنما ينظر إلى سفليه وما يخرج من
ثم ؟ فقال: إنه ليس أحد يريد ذلك إلا وكل الله عزوجل به ملكا يأخذ بعنقه ليريه ما
يخرج منه أحلال أم حرام ؟ (2). بيان: قوله عليه السلام " أحلال " أي ليتفكر أن ما
أكله كان حراما فصار إلى ما رأى وبقي عليه وزره أم حلال فلم يبق وزر كما رواه في
الفقيه، قال: كان علي عليه السلام يقول: ما من عبد إلا وبه ملك موكل يلوي عنقه حتى
ينظر إلى حدثه ثم يقول له الملك: يا ابن آدم ! هذا رزقك، فانظر من أين أخذته، وإلى
ما صار ؟ فعند ذلك ينبغي للعبد أن يقول " اللهم ارزقني الحلال، وجنبني الحرام "
(3). 4 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن صالح بن السندي،
عن جعفر بن بشير، عن صالح الحذاء، عن أبي اسامة قال: كنت عند أبي عبد الله عليه
السلام فسأله رجل من المغيرية عن شئ من السنن ؟ فقال: ما شئ يحتاج إليه أحد من ولد
آدم إلا وقد جرت فيه من الله ومن رسوله سنة، عرفها من عرفها وأنكرها من أنكرها،
فقال: فما السنة في دخول الخلاء ؟ قال: تذكر الله وتتعوذ بالله من الشيطان، وإذا
فرغت قلت: " الحمد لله على ما أخرج مني من الأذى في يسر منه وعافية " قال الرجل:
فالانسان يكون على تلك الحال ولا يصبر حتى ينظر إلى ما يخرج منه ؟ فقال: إنه ليس في
الأرض آدمي إلا ومعه ملكان موكلان به، فإذا كان على تلك الحال ثنيا رقبته ثم قالا:
يا ابن آدم انظر إلى ما كنت تكدح له في
(1 و 2) علل الشرايع ج 1 ص 261. (3)
الفقيه ج 1 ص 16 و 17.
[165]
الدنيا إلى ما هو صائر ؟ (1). بيان:
الثني: العطف والإمالة، والكدح: العمل والسعي. أقول: قد مضى بعض ما يناسب الباب في
باب الكبر (2). 5 - مصباح الشريعة: قال الصادق عليه السلام: سمي المستراح مستراحا
لاستراحة الأنفس من أثقال النجاسات، واستفراغ الكثيفات والقذر فيها، والمؤمن يعتبر
عندها أن الخالص من طعام الدنيا كذلك تصير عاقبتها، فيستريح بالعدول عنها وتركها،
ويفرغ نفسه وقلبه عن شغلها، ويستنكف عن جمعها وأخذها استنكافه عن النجاسة والغائط
والقذر. ويتفكر في نفسه المكرمة في حال، كيف تصير ذليلة في حال ؟ ويعلم أن التمسك
بالقناعة والتقوى يورث له راحة الدارين، وأن الراحة في هوان الدنيا والفراغ من
التمتع بها، وفي إزالة النجاسة من الحرام، والشبهة، فيغلق عن نفسه باب الكبر بعد
معرفته إياها، ويفر من الذنوب ويفتح باب التواضع والندم والحياء، ويجتهد في أداء
أوامره، واجتناب نواهيه، طلبا لحسن المآب، وطيب الزلف، ويسجن نفسه في سجن الخوف
والصبر والكف عن الشهوات، إلى أن يتصل بأمان الله تعالى في دار القرار ويذوق طعم
رضاه، فان المعول [على] ذلك، وما عداه لا شئ (3). 6 - العلل: عن عبد الواحد بن محمد
بن عبدوس، عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان فيما روى من العلل عن الرضا
عليه السلام قال: فان قال: فلم صار الاستنجاء فرضا ؟ قيل: لأنه لا يجوز للعبد أن
يقوم بين يدي الجبار، وشئ من ثيابه وجسده نجس. قال الصدوق - ره - غلط الفضل، وذلك
لأن الاستنجاء به ليس بفرض وإنما هو سنة (4).
(1) علل الشرايع ج 1 ص 262. (2) راجع ج 73
ص 179 - 237. (3) مصباح الشريعة: 8. (4) علل الشرايع ج 1 ص 245.
[166]
أقول: لم يقيد الاستنجاء بالماء حتى يرد
عليه ما أورده الصدوق - ره - مع أنه يمكن تخصيصه بالمتعدي، أو يكون المراد فرد
الواجب التخييري إلا أن يكون مراده أنه لم يثبت وجوبه بالقرآن، حتى يكون فرضا بعرف
الحديث، وهذا أيضا لا وجه له، لاستعمال الفرض في غير ذلك كثيرا في عرف الحديث أيضا،
ولعل اعتراضه مبني على أن الفضل قد أدخل بين الخبر من كلامه أيضا. فان قيل: اعتراضه
على السؤال ؟ قلت: تقريره عليه السلام كاف لعدم الجرأة على الاعتراض (1).
(1) أقول: رواه الصدوق في عيون الاخبار ج
2 ص 99 - 121، وموضع النص المذكور ص 105، لكنه أسقط هذا السؤال وجوابه.
[167]
2. * (باب) * * " (آداب الخلاء) " * 1 -
ثواب الاعمال والخصال (1) للصدوق، عن علي بن أحمد بن موسى عن محمد بن أحمد بن علي
الأسدي، عن موسى بن عمران النخعي، عن النوفلي عن حفص بن غياث، عن الصادق، عن آبائه
عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أربعة يؤذون أهل النار على ما
بهم من الأذي: أحدهم رجل يجر أمعاءه فيقول أهل النار: ما بال الأ بعد قد آذانا على
ما بنا من الأذى ؟ فيقال: إن الأبعد كان لا يبالي أين أصاب البول من جسده الخبر
(2). بيان: قال في النهاية: فيه أن رجلا جاء فقال: إن الأبعد قد زنا، معناه
المتباعد من الخير والعصمة، يقال: بعد بالكسر فهو باعد: أي هلك، والبعد الهلاك،
والأبعد الخائن أيضا. 2 - علل الصدوق: عن علي بن حاتم، عن أحمد بن زياد الهمداني عن
المنذر بن محمد، عن الحسين بن محمد، عن علي بن القاسم، عن أبي خالد، عن زيد بن علي،
عن أبيه، عن جده، عن علي عليهم السلام قال: عذاب القبر يكون في النميمة، والبول،
وعزب الرجل عن أهله (3). 3 - ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد
بن عيسى
(1) الحديث لا يوجد في الخصال، وانما يوجد
في الامالى، وأخرجه عن " ثو " " ولى " في ج 75 ص 249 تماما راجعه. (2) ثواب الاعمال
ص 221 أمالى الصدوق ص 346. (3) علل الشرايع ج 1 ص 291.
[168]
عن علي بن حديد وابن أبي نجران معا، عن
حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا تحتقرن بالبول، ولا
تتهاونن به، ولا بالصلاة الخبر (1). 4 - ومنه: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد
بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد الأشعري، عن علي بن إسماعيل، عن صفوان، عن ابن
مسكان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله أشد
الناس توقيا عن البول، كان إذا أراد البول يعمد إلى مكان مرتفع أو مكان من الأمكنة
يكون فيه التراب الكثير كراهة أن ينضح عليه البول (2). بيان: قوله " يكون فيه
التراب الكثير " استدل به على كراهة البول في الأرض الصلبة كما ذكره الأصحاب. 5 -
الخصال (3) والمجالس: للصدوق - رحمه الله - عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن سعد بن
عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن الحسن القرشي عن سليمان بن جعفر
البصري، عن عبد الله بن الحسين بن زيد، عن أبيه، عن الصادق عن آبائه عليهم السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله كره لكم أربعا وعشرين خصلة ونهاكم
عنها: كره البول على شط نهر جار، وكره أن يحدث الرجل تحت شجرة قد أينعت أو نخلة قد
أينعت يعني أثمرت الخبر (4) بيان: يدل على كراهة البول في شطوط الأنهار، والمشهور
كراهة البول والغايط في المشارع وشطوط الأنهار ويظهر من بعض الأخبار رؤس الابار،
وكذا قالوا بكراهتهما تحت الأشجار المثمرة واختلفوا في أن المراد المثمر بالفعل أو
ما من شأنها ذلك، بناء على أنه لا يعتبر في صدق المشتق بقاء مبدء الاشتقاق، و
(1) علل الشرايع ج 2 ص 45. (2) علل
الشرايع ج 1 ص 264. (3) الخصال ج 2 ص 102. (4) أمالى الصدوق ص 181.
[169]
ظاهر هذا الخبر وغيره المثمرة بالفعل. وفي
القاموس: ينع الثمر كمنع وضرب ينعا وينعا وينوعا بضمهما حان قطافه، كأينع، واليانع
الأحمر، والثمر الناضج كالينيع انتهى، ونسبة الايناع إلى الشجرة على المجاز أي
أينعت ثمرتها أو شبه عليه السلام أثمار الشجرة بايناع الثمرة ولعل التفسير مبني على
الثاني، لكن لا يعلم كونه من المعصوم، إذ يمكن أن يكون من الرواة. 6 - مجالس
الصدوق: في مناهي النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى أن يبول رجل تحت شجرة مثمرة، أو
على قارعة الطريق، ونهى أن يبول أحد في الماء الراكد فانه منه يكون ذهاب العقل،
ونهى أن يبول الرجل، وفرجه باد للشمس أو للقمر، و قال: إذا دخلتم الغايط فتجنبوا
القبلة (1). بيان: قال في النهاية: فيه نهى عن الصلاة في قارعة الطريق، هي وسطه، و
قيل أعلاه، والمراد به ههنا نفس الطريق ووجهه انتهى، وكراهة البول والغايط في الطرق
النافذة مطلقا مقطوع به في كلام الأصحاب، وكذا البول في الماء الراكد وأما الجاري
فقيل بكراهته لكنه أخف كراهة، وظاهر كثير من الأخبار عدم الكراهة، ومنهم من ألحق
الغائط بالبول بالطريق الاولى، وفيه نظر. ويدل على المنع من استقبال قرصي الشمس
والقمر في وقت البول، والحق به الغايط واستدبارهما أيضا كما يظهر من بعض الأخبار في
الهلال والمشهور بين الأصحاب تحريم استقبال القبلة واستدبارها حال التخلي مطلقا
سواء كان في الصحاري أو الأبنية وقال ابن الجنيد: يستحب إذا أراد التغوط في الصحراء
أن يتجنب استقبال القبلة، ولم يتعرض للاستدبار، ونقل عن سلار الكراهة في البنيان
ويلزم منه الكراهة في الصحاري أيضا أو التحريم. وقال في المقنعة: ولا تستقبل القبلة
ولا تستدبرها ثم قال بعد ذلك: فان دخل دارا قد بني فيها مقعد الغايط على استقبال
القبلة واستدبارها لم يكره (هامش) * (1) أمالى الصدوق: 253 و 254 في حديث طويل.
[170]
الجلوس عليه، وإنما يكره ذلك في الصحارى
والمواضع الذي يتمكن فيها من الانحراف عن القبلة. أقول: ويظهر من أخبار العامة أن
الأخبار الموهومة للجواز محمولة على التقية. 7 - الخصال: عن حمزة بن محمد العلوي،
عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن النوفلي، عن السكوني، عن الصادق عليه السلام، عن
آبائه عليهم السلام قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يتغوط على شفير بئر
يستعذب منه، أو نهر يستعذب منه أو تحت شجرة عليها ثمرها (1). مجالس الشيخ: عن
الحسين بن عبيد الله، عن التلعكبري، عن ابن عقدة عن يعقوب بن يوسف، عن الحصين بن
مخارق، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام مثله (2). بيان: قال في النهاية: فيه أنه
خرج يستعذب الماء أي يطلب الماء العذب ويدل على أن الكراهة مشروطة بكون الثمرة على
الشجرة، وإن أمكن أن يكون حينئذ أشد كراهة. 8 - الخصال: فيما أوصى به النبي صلى
الله عليه وآله إلى علي عليه السلام: يا علي ثلاث يتخوف منهن الجنون: التغوط بين
القبور، والمشي في خف واحد، والرجل ينام وحده (3). مشكوة الانوار: نقلا من المحاسن
عن الكاظم عليه السلام مثله (4). 9 - الخصال: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد
بن أبي القاسم عن محمد بن علي القرشي، عن محمد بن زياد البصري، عن عبد الله بن عبد
الرحمن
(1) الخصال ج 1 ص 48 (2) أمالى الطوسى ج 2
ص 262. (3) الخصال ج 1 ص 62. (4) مشكاة الانوار: 319.
[171]
المدايني عن ثابت بن أبي صفية الثمالي، عن
ثور بن سعيد، عن أبيه، عن سعيد ابن علاقة عن أمير المؤمنين عليه السلام ؟ قال:
البول في الحمام يورث الفقر (1). 10 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد
بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن مالك بن عيينة، عن حبيب السجستاني، عن الباقر
عليه السلام قال: إن لله عزوجل ملائكة وكلهم بنبات الأرض من الشجر والنخل، فليس من
شجرة ولا نخلة إلا ومعها من الله عزوجل ملك يحفظها، وما كان فيها، ولو لا أن معها
من يمنعها لأكلها السباع وهوام الأرض إذا كان فيها ثمرها. قال: وإنما نهى رسول الله
صلى الله عليه وآله أن يضرب أحد من المسلمين خلاءه تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت لمكان
الملائكة الموكلين بها، قال: ولذلك يكون الشجر والنخل انسا إذا كان فيه حمله، لأن
الملائكة تحضره (2). بيان: انسا بالضم مصدر بمعنى المفعول وربما يقرأ بمضتين جمع
الأنوس من الكلاب، وهو ضد العقور، ولا يخفى بعده، وفي القاموس الحمل ثمر الشجر
ويكسر أو الفتح لما بطن من ثمره، والكسر لما ظهر، أو الفتح لما كان في بطن أو على
رأس شجرة، والكسر لما على ظهر أو رأس، أو ثمر الشجر بالكسر ما لم يكسر ويعظم فإذا
كثر فبالفتح. 11 - معاني الاخبار: عن محمد بن أحمد السناني، عن محمد بن جعفر
الأسدي، عن موسى بن عمران النخعي، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن محمد ابن حمران،
عن أبيه، عن أبى خالد الكابلي قال: قيل لعلي بن الحسين عليه السلام أين يتوضأ
الغرباء قال: يتقون شطوط الأنهار، والطرق النافذة، وتحت الأشجار المثمرة، ومواضع
اللعن، قيل له: وما مواضع اللعن ؟ فقال: أبواب الدور (3).
(1) الخصال ج 2 ص 94 في حديث. (2) علل
الشرايع ج 1 ص 263 في حديث (3) معاني الاخبار ص 368.
[172]
بيان: قوله: " أين يتوضأ " المراد به
التغوط أو الأعم منه ومن البول والتخصيص بالغريب لأن البلدي يكون له مكان معد لذلك
غالبا، قوله عليه السلام: " أبواب الدور " يمكن أن يكون ذكر هذا على المثال ويكون
عاما في كل ما يتأذى به الناس ويلعنون صاحبه كما هو ظاهر اللفظ. 12 - الاحتجاج: روي
أنه دخل أبو حنيفة المدينة ومعه عبد الله بن مسلم فقال له: يا أبا حنيفة إن ههنا
جعفر بن محمد من علماء آل محمد صلى الله عليه وآله فاذهب بنا نقتبس منه علما، فلما
أتيا إذا هما بجماعة من شيعته ينتظرون خروجه أو دخولهم عليه: فبينما هم كذلك إذ خرج
غلام حدث فقام الناس هيبة له، فالتفت أبو حنيفة فقال: يا ابن مسلم من هذا ؟ قال:
هذا موسى ابنه، قال: والله لأجبهنه بين يدي شيعته، قال: مه لن تقدر على ذلك، قال:
والله لأفعلنه ثم التفت إلى موسى عليه السلام فقال: يا غلام أين يضع الغريب حاجته
في بلدتكم هذه ؟ قال: يتوارى خلف الجدار، ويتوقى أعين الجار، وشطوط الأنهار، ومسقط
الثمار، ولا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها، فحينئذ يضع حيث شاء الخبر (1). بيان: قال
الجوهري: جبهته صككت جبهته، وجبهته بالمكروه إذا استقبلته به. 13 - العلل: عن أبيه،
عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تشرب وأنت قائم، ولا تطف بقبر، ولا تبل في ماء
نقيع، فانه من فعل ذلك فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه، ومن فعل فأصابه شئ من ذلك، لم
يكد يفارقه إلا أن يشاء الله (2). بيان: قوله عليه السلام: " ولا تطف بقبر " استدل
به على كراهة الدوران حول القبور، وأظن أن المراد بالطواف هنا الحدث بقرينة المقام
وشواهد اخرى:
(1) الاحتجاج: 211. (2) علل الشرايع ج 1 ص
268.
[173]
منها أنه روي هذا الخبر عن محمد بن مسلم
بسندين وفي أحدهما هذه العبارة وفي الاخر مكانه التخلي على القبر، فقد روى الكليني
عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن العلا، عن محمد بن مسلم، عن
أبي جعفر عليه السلام قال: من تخلى على قبر، أو بال قائما، أو بال في ماء قائم أو
مشى في حذاء واحد، أو شرب قائما، أو خلا في بيت وحده، أو بات على غمر فأصابه شئ من
الشيطان لم يدعه إلا أن يشاء الله، وأسرع ما يكون الشيطان إلى الانسان وهو على بعض
هذه الحالات (1). وعن عدة من أصحابه، عن سهل، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن
صفوان، عن العلا، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السلام أنه قال: لا تشرب و أنت
قائم، ولا تبل في ماء نقيع، ولا تطف بقبر، ولا تخل في بيت وحدك، ولا تمش بنعل
واحدة، فان الشيطان أسرع ما يكون إلى العبد إذا كان على بعض هذه الأحوال وقال: إنه
ما أصاب أحدا شئ على هذه الحال فكاد أن يفارقه إلا أن يشاء الله (2). والطوف بهذا
المعنى شايع ومذكور في الحديث واللغة، قال الفيروزآبادي: طاف: ذهب ليتغوط، وقال
الجزري الطوف الحدث من الطعام، ومنه الحديث نهى عن متحدثين على طوفهما، أي عند
الغايط، ومنه الحديث لا يصلى أحدكم وهو يدافع الطوف، وفي ناظر عين الغريبين اطاف
يطاف: قضى حاجته (3). 14 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن الفضل بن عامر،
عن البجلي، عمن ذكره، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: طول
(1) الكافي ج 6 ص 533. (2) الكافي ج 6 ص
534. (3) قد تعرض المؤلف قدس سره لذلك الحديث في كتاب المزار وشرحه شرحا مفيدا،
راجع ج 100 ص 126 - 128 من هذه الطبعة.
[174]
الجلوس على الخلاء يورث البواسير (1). 15
- الخصال: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي عن السكوني، عن الصادق
عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: البول
قائما من غير علة من الجفاء، والاستنجاء باليمين من الجفاء (2). بيان: الجفاء البعد
عن الشئ، وترك الصلة والبر، وغلظ الطبع، ولعل المراد هنا البعد عن الاداب، ولا خلاف
في كراهة البول قائما، والاستنجاء باليمين إلا إذا كانت اليسار معتلة. 16 - الخصال:
عن حمزة بن محمد العلوي، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن
السكوني، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال علي عليه السلام: سبعة لا
يقرؤون القرآن: الراكع، والساجد، وفي الكنيف، و في الحمام، والجنب، والنفساء
والحايض (3). بيان: اعلم أن أكثر الأصحاب حكموا بكراهة الكلام بغير ذكر الله، و آية
الكرسي وحكاية الأذان، والأخبار في قراءة القرآن مختلفة، ففي بعضها التجويز مطلقا،
وفي بعضها المنع مطلقا كهذا الخبر، وفي الصحيح أنه سأل عمر بن يزيد (4) أبا عبد
الله عليه السلام عن التسبيح في المخرج، وقراءة القرآن فقال: لم يرخص في الكنيف
أكثر من آية الكرسي، ويحمد الله أو آية " الحمد الله رب العالمين ". ويمكن الجمع
بالقول بالكراهة فيما سوى آية الكرسي والحمد لله رب العالمين أو فيهما بخفة
الكراهة، ويمكن حمل أخبار المنع على التقية.
(1) علل الشرايع ج 1 ص 264. (2) الخصال ج
1 ص 28. (3) الخصال ج 2 ص 10. (4) التهذيب ج 1 ص 100 ط حجر الفقيه ج 1 ص 19 ط نجف.
[175]
10 - العلل (1) والعيون: عن الحسين بن
أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن إبراهيم بن هاشم وغيره، عن
صفوان بن يحيى، عن الرضا عليه السلام أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن
يجيب الرجل أحدا وهو على الغايط أو يكلمه حتى يفرغ (2). 18 - العلل: عن محمد بن
أحمد السناني، عن حمزة بن القاسم العلوي عن جعفر بن محمد بن مالك، عن جعفر بن
سليمان، عن سليمان بن مقبل قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: لأي علة يستحب
للانسان إذا سمع الأذان أن يقول كما يقول المؤذن، وإن كان على البول والغايط ؟ قال:
إن ذلك يزيد في الرزق (3). 19 - ومنه: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن
الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم قال: قال عليه
السلام: يا ابن مسلم لا تدعن ذكر الله عزوجل على كل حال، فلو سمعت المنادي ينادي
بالاذان وأنت على الخلاء فاذكر الله عزوجل وقل كما يقول (4). 20 - ومنه: عن علي بن
أحمد بن محمد، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن موسى بن عمران النخعي، عن عمه
الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبيه، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد
الله عليه السلام: لا تتكلم على الخلاء فان من تكلم على الخلاء لم تقض له حاجة (5).
21 - ومنه: بهذا الاسناد، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن سمعت
الأذان وأنت على الخلاء، فقل مثل ما يقول المؤذن ولا تدع ذكر الله عز و جل في تلك
الحال، لأن ذكر الله حسن على كل حال. ثم قال عليه السلام: لما ناجى الله عز وجل
موسى بن عمران عليه السلام قال موسى:
(1) علل الشرايع ج 1 ص 268. (2) عيون
الاخبار ج 1 ص 274. (3) علل الشرايع ج 1 ص 269 و 270. (4 و 5) علل الشرايع ج 1 ص
269.
[176]
يا رب أبعيد أنت مني فاناديك ؟ أم قريب
فاناجيك ؟ فأوحى الله عزوجل إليه: يا موسى أنا جليس من ذكرني، فقال موسى عليه
السلام: يا رب إني أكون في حال اجلك أن أذكرك فيها قال: يا موسى اذكرني على كل حال
(1). بيان: لم تقض له حاجة أي الحاجة المخصوصة أو مطلقا والثاني أظهر. التوحيد (2)
والعيون: عن الحسين بن محمد الاشناني، عن علي بن مهرويه القزويني، عن داود بن
سليمان الفراء، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: إن موسى بن عمران عليه السلام لما ناجى ربه عزوجل قال يا رب أبعيد إلى آخر ما
مر (3). 22 - ثواب الاعمال: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن
السكوني، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه
السلام إذا تكشف أحدكم لبول أو غير ذلك، فليقل " بسم الله " فان الشيطان يغض بصره
عنه حتى يفرغ (4). بيان: يحتمل أن يكون غض البصر كناية عن عدم التعرض لوسوسته. 23 -
محاسن البرقى: عن أبيه، عن الحارث بن مهران، عن عمرو بن جميع قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: من بال حذاء القبلة ثم ذكر فانحرف عنها إجلالا للقبلة، وتعظيما
لها، لم يقم من مقعده حتى يغفر له (5). 24 - ومنه: عن عثمان بن عيسى، عن أبى بصير،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن جل عذاب القبر في البول (6).
(1) علل الشرايع ج 1 ص 269. (2) التوحيد ص
377 ط مكتبة الصدوق راجعه. (3) عيون الاخبار ج 1 ص 127. (4) ثواب الاعمال ص 15 (5)
المحاسن ص 54. (6) المحاسن ص 78.
[177]
ثواب الاعمال: عن أبيه، عن سعد بن عبد
الله، عن أحمد بن محمد، عن عثمان ابن عيسى مثله (1). 25 - فقه الرضا عليه السلام:
إذا دخلت الغائط فقل: " أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم "
فإذا فرغت فقل: " الحمد لله الذي أماط عني الأذى، وهناني طعامي وعافاني (2) الحمد
لله الذي يسر المساغ، وسهل المخرج وأماط الأذى ". واذكر الله عند وضوئك وطهرك، فانه
يروى أن من ذكر الله عند وضوئه طهر جسده كله، ومن لم يذكر اسم الله على وضوئه طهر
من جسده ما أصابه الماء. فإذا فرغت فقل: " اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من
المتطهرين، والحمد لله رب العالمين " (3). بيان: قال في النهاية: فيه " أعوذ بك من
الرجس النجس " الرجس القذر، وقد يعبر به عن الحرام، والفعل القبيح، والعذاب،
واللعنة، والكفر والمراد في الحديث الأول، قال الفراء: إذا بدؤا بالنجس، ولم يذكروا
معه الرجس فتحوا النون والجيم، وإذا بدؤا بالرجس ثم أتبعوه النجس كسروا النون
وأسكنوا الجيم. وقال: الخبيث ذو الخبث في نفسه، والمخبث الذي أعوانه خبثاء كما يقال
للذي فرسه ضعيف مضعف، وقيل: هو الذي يعلمهم الخبث ويوقعهم فيه، و إن جعلت نون
الشيطان أصلية كان من الشطن بمعنى البعد أي بعد عن الخير،
(1) ثواب الاعمال ص 205. (2) زاد هناك في
الفقيه [من البلوى] وهو الظاهر راجع ج 1 ص 20 وقد اختلط على مطبوعة الكمبانى متن
الكتاب بما ذكر في هامش أصل المؤلف قدس سره تذكرة وحاشية ولفظه هكذا " فقيه: من
البلوى ". (3) كتاب التكليف: 3
[178]
أو الحبل الطويل كأنه طال في الشر، وإن
جعلتها زائدة كانت من شاط يشيط إذا هلك أو من استشاط غضبا إذا احتد في غضبه والتهب،
والأول أصح. والرجيم لأنه مرجوم بالكواكب لئلا يصعد إلى السماء أو رجيم يوم انزل من
السماء، أو مرجوم بلعنة الله والملائكة والمؤمنين، والاماطة الابعاد، و الأذى كل ما
يؤذي، والمراد هنا الفضلات المحتبسة في البطن، والهنيئ ما أتاك من غير مشقة. وفي
الفقيه " وعافاني من البلوى " والمساغ مصدر ميمي يقال ساغ الشراب سوغا وسواغا: سهل
مدخله، وكأن هذا للشراب كما أن الأول للطعام، والمراد بالطهر الغسل أو الاستنجاء،
وكذا الفراغ يحتمل الفراغ من الاستنجاء، بل هو الظاهر من سياق الكتاب، ولذا ذكرنا
ههنا. 26 - السرائر: من مشيخة الحسن بن محبوب، عن إبراهيم الكرخي، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثلاثة ملعون، ملعون من فعلهن:
المتغوط في ظل النزال، والمانع الماء المنتاب، والساد الطريق المسلوك (1). المقنع:
مرسلا مثله (2). بيان: ظل النزال الظل المعد لنزول القوافل، كموضع ظل شجرة أو جبل
أو نحو ذلك، والمنتاب إما اسم مفعول صفة للماء، أي الماء الذي يردون عليه بالنوبة،
أو الماء الذي يأخذونه على التناوب، أو اسم فاعل فيكون مفعولا ثانيا لمانع، قال
الجوهري: انتاب فلان القوم انتيابا أتاهم مرة بعد اخرى. وسد الطريق إما بادخاله في
ملكه، أو بقطعه بالسرقة، أو أخذ العشور أو غيره: أو الظلم عليهم بأي وجه كان، ثم
المشهور في الأول الكراهة، ويمكن
(1) السرائر: 473. (2) المقنع: 3.
[179]
القول في بعض أفراده بالحرمة، كما إذا كان
وقفا عليهم، فان التصرف في الوقف على غير الجهة التي وقف عليها غير جائز، وفي غير
هذه الصورة وأمثالها أيضا لا يبعد القول بالحرمة، لتضمنه لضرر عظيم على المسلمين
عند نزولهم في الليالي وغيرها، وعلى القول بالكراهة لا ينافيها لفظ اللعن: فانه
البعد من رحمة الله، ويحصل بفعل المكروه كما يحصل بالحرام. 27 - فلاح السائل:
باسناده إلى أحمد ومحمد ابني أحمد بن علي [بن سعيد الكوفيين، عن أحمد بن محمد بن
سعيد، عن يحيى بن زكريا، عن الحسن ابن علي] (1) بن أبي حمزة البطائني، عن أبيه
والحسين بن أبي العلا معا، عن أبى بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا دخلت
؟ ؟ المخرج وأنت تريد الغائط فقل: " بسم الله وبالله وأعوذ بالله من الرجس النجس
الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم " فإذا فرغت فقل: " الحمد لله الذي أماط
عني الأذى، وأذهب عني الغائط، وهنأني وعافاني، والحمد لله الذي يسر المساغ، وسهل
المخرج و أمضى (2) الأذى (3). 28 - ومنه: باسناده، عن علي بن محمد بن يوسف، عن جعفر
بن محمد بن مسرور، عن أبيه، عن محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي، عن عبد الرحمن
بن أبي هاشم، عن أبي خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن عمرو بن عبيد
وواصل ابن عطا وبشير الرحال سألوا أبا عبد الله عليه السلام عن حد الخلاء إذا دخله
الرجل، فقال: إذا دخل الخلاء قال: " بسم الله " فإذا جلس يقضي حاجته قال: " اللهم
أذهب عني الأذى وهنئني طعامي " فإذا قضى حاجته قال: " الحمد لله الذي أماط عني
الأذى، وهنأني طعامي ". ثم قال: إن ملكا موكلا بالعباد إذا قضى أحدهم الحاجة، قلب
عنقه
(1) ما بين العلامتين سقط عن مطبوعة
الكمبانى. (2) أماط خ ل. (3) فلاح السائل: 49.
[180]
فيقول: يا ابن آدم ألا نتظر إلى ما خرج من
جوفك ؟ فلا تدخله إلا طيبا، وفرجك فلا تدخله في الحرام (1). 29 - مصباح الشيخ: إذا
أراد أن يتخلى لقضاء الحاجة والدخول إلى الخلاء، فليغط رأسه، ويدخل رجله اليسرى قبل
اليمنى، وليقل " بسم الله وبالله أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان
الرجيم " وليقل إذا استنجى " اللهم حصن فرجي، واستر عورتي، وحرمهما على النار،
ووفقني لما يقربني (2) منك يا ذا الجلال والاكرام " ثم يقوم من موضعه ويمر يده على
بطنه ويقول: " الحمد لله الذي أماط عني الأذى، وهنأني طعامي وشرابي، وعافاني من
البلوى ". فإذا أراد الخروج من الموضع الذي تخلى فيه، أخرج رجله اليمنى قبل اليسرى،
فإذا خرج قال: " الحمد لله الذي عرفني لذته، وأبقى في جسدي قوته، وأخرج عني أذاه،
يا لها نعمة ! يا لها نعمة ! يا لها نعمة لا يقدر القادرون قدرها ". توضيح: قال
الفراء: أصل اللهم يا الله امنا بالخير، أي اقصدنا به فخفف لكثرة دورانه على
الألسن، والأكثر على أن أصله يا الله فحذفت حرف النداء وعوض عنه الميم المشددة في
آخره، ورد الشيخ الرضي كلام الفراء بأنه يقال اللهم لا تؤمهم بالخير، وأورد عليه
الشيخ البهائي وغيره بأنه لا منافاة بين امنا بالخير ولا تؤمهم بالخير، واجيب بأنه
يمكن أن يكون مراده أنا ما سمعنا هذا الكلام من العرب إلا خاليا عن العطف، ولو كان
الأصل يا الله امنا بالخير لكان الأفصح بعده ولا تؤمهم بالخير بالعطف لعدم تحقق شئ
من أسباب الفصل، ويمكن أن يجاب بأن وجوب عطف إحدى الجملتين المتناسبتين على الاخرى
فيما إذا كانت الجملتان مذكورتين حقيقة، وكون ما نحن فيه من هذا القبيل محل تأمل.
والأظهر أن يقال: إن مراده أنه يقال: اللهم لا تؤمنا بالخير وهو يدل
(1) المصدر ص 49 و 50. (2) لما يرضيك عنى
خ ل.
[181]
على ما ينافي ما ذهب إليه الفراء، للزوم
رجوع الكلام حينئذ إلى طلب النقيضين والتعبير عن أمثال هذه العبارات الدالة على أمر
غير لايق بالمتكلم بعنوان الغيبة، وإن كان في الأصل موضوعا على التكلم، شايع مستعمل
في التنزيل والأخبار وكلام الفصحاء، كما قال تعالى: " أن لعنة الله عليه إن كان من
الكاذبين " (1) وقوله: " وأن غضب الله عليها إن كان من الصادقين " (2) وأمثاله أكثر
من أن تحصى. قوله: " حصن فرجي " في بعض النسخ بعده " وأعفه " كما في سائر الروايات
وتحصين الفرج وإعفافه هو صونه عن الحرام، كما ذكره الجوهري، فعطف الاعفاف عليه
تفسيرى، ويمكن أن يكون التحصين من المحرمات، والاعفاف من المكروهات، والشبهات.
والعورة العيوب لأنها في اللغة كل ما يستحى منه، والضمير في " حرمهما " يحتمل عوده
إلى الفرج والعورة، نظرا إلى اختلاف اللفظين، بناء على أن المراد بالعورة أيضا
الفرج، وعلى ما ذكرنا راجع إلى الفرجين بقرينة المقام، أو يرتكب تجوز في إسناد
التحريم إلى العورة، وربما يقرأ " عورتي " بالياء المشددة على صيغة التثنية فلا
إشكال، وفي أكثر نسخ الحديث " وحرمني ". وفسر الجلال بصفات القهر، والاكرام بصفات
اللطف، أو الجلال بالسلبية والاكرام بالثبوتية، أو الجلال الاستغناء المطلق،
والاكرام الفضل العام. قوله عليه السلام: " لذته " الضمائر الثلاثة راجعة إلى
الطعام بقرينة المقام " يا لها نعمة " " يا " حرف تنبيه أو حرف نداء، واللام
للتعجب، نحويا للماء ويا للدواهي، والضمير في " لها " مبهم يفسره قوله: نعمة، على
نحو ما قيل في ربه رجلا أو راجع إلى النعم المذكورات أو إلى مادل عليه المقام من
النعم، ونعمة منصوب على التمييز والتنوين للتفخيم، أي يا قوم تعجبوا أو تنبهوا
لنعمة عظيمة
(1) النور: 7. (2) النور: 9.
[182]
لا يقدر القادرون قدرها أي لا يطيق
المقدرون تقديرها، أولا يعظمونها حق تعظيمها، على وزان قوله تعالى: " وما قدروا
الله حق قدره " (1) أي ما عظموا الله حق تعظيمه، ويظهر من بعض الأخبار تكرير قوله:
" لا يقدر القادرون قدرها " أيضا ثلاثا. 30 - مشكوة الانوار: نقلا من المحاسن عن
الباقر عليه السلام قال: من تخلى على قبر أو بال قائما أو بال في ماء قائما أو مشى
في حذاء واحد أو شرب قائما أو خلا في بيت واحدا أو بات على غمر فأصابه شئ من
الشيطان لم يدعه إلا أن يشاء الله وأسرع ما يكون الشيطان إلى الانسان وهو على بعض
هذه الحالات (2). وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ترك الكلام في الخلاء يزيد في
الرزق (3). 31 - تفسير النعماني: عن علي عليه السلام في قوله عزوجل: " قل للمؤمنين
يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم " (4) معناه لا ينظر أحدكم إلى فرج
أخيه المؤمن أو يمكنه من النظر إلى فرجه، ثم قال: " قل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن
ويحفظن فروجهن " أي مما يلحقهن من النظر كما جاء في حفظ الفروج فالنظر سبب إيقاع
الفعل من الزنا وغيره (5). 32 - المقنع: سئل أبو الحسن الرضا عليه السلام ما حد
الغائط ؟ فقال: لا تستقبل القبلة، ولا تستدبرها، ولا تستقبل الريح ولا تستدبرها
(6). 33 - مجالس الشيخ (7) والمكارم: في وصية النبي صلى الله عليه وآله لأبي ذر
(1) الانعام: 91 (2) مشكاة الانوار ص 318.
(3) مكشاة الانوار ص 129 في حديث. (4) النور 30 و 31. (5) تفسير النعماني المطبوع
في البحار ج 93 ص 51، وتراه في الكتاب المعروف بالمحكم والمتشابه ص 64. (6) المقنع:
3. (7) أمالى الطوسى ج 2 ص 147.
[183]
قال: يا أبا ذر استحي من الله فاني والذي
نفسي بيده لأظل حين أذهب إلى الغائط متقنعا بثوبي استحياء من الملكين اللذين معي.
يا أبا ذر أتحب أن تدخل الجنة ؟ قلت: بلى يا رسول الله صلى الله عليه وآله قال:
فاقصر الأمل، واجعل الموت نصب عينك، واستحي من الله حق الحياء (1). بيان: المشهور
بين الأصحاب استحباب تغطية الرأس في الخلاء، والذي يظهر من الأخبار والتعليلات
الواردة فيها وفي كلام بعض الأصحاب أنه يستحب التقنيع بأن يسدل على رأسه ثوبا يقع
على منافذ الرأس، ويمنع وصول الرائحة الخبيثة إلى الدماغ، وإن كان متعمما (2) وهذا
أظهر وأحوط.
(1) مكارم الاخلاق ص 546. (2) قال الشيخ
المفيد في المقنعة ص 3، وترى نصه في التهذيب ج 1 ص 24 ط نجف: ومن أراد الغائط
فليرتد موضعا يستتر فيه عن الناس بالحاجة، وليغط رأسه ان كان مكشوفا ليأمن بذلك من
عبث الشيطان ومن وصول الرائحة الخبيثة إلى دماغه، وهو سنة من سنن النبي صلى الله
عليه وآله وفيه اظهار الحياء من الله تعالى لكثرة نعمه على العبد وقلة الشكر منه ".
أقول: لم يكن يعرف في عهد النبي صلى الله عليه وآله وبعده بقليل في جزيرة العرب لا
في مكة ولا مدينة مصانع يختزن فيها الماء في الدار، ولا بيت الخلاء للبراز، فكانوا
عند الحاجة يبرزون من الدار ويطوفون هكذا وهكذا ليرتادوا خلوة من الناس ويتخلون،
وربما وجد الرجل خلوة وقعد للغائط، وإذا رجل أو امرءة طلع من جانب يمر عليه، فيراه
ويعرفه فيخجل استحياء منه. ولذلك كان صلوات الله وسلامه عليه يرتاد لغائطه، وإذا
كان مع أصحابه ذهب فأبعد حتى لا يراه أحد ولا يجلس معذلك الا بعد أن يغطى رأسه
بردائه أو غير ذلك، ولذلك قالوا: انه صلى الله عليه وآله ما رئى على غائط قط، وقصته
مع غورث بن الحارث المحاربي في غزوة ذات الرقاع معروفة حيث خرج رسول الله صلى الله
عليه وآله ليقضى حاجته فجعل بينه وبين أصحابه الوادي. =
[184]
34 - محاسن البرقى: عن القاسم بن محمد، عن
المنقري، عن حماد بن عثمان أو حماد بن عيسى، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال
لقمان لابنه: إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم إلى أن قال: وإذا أردت قضاء حاجتك،
فأبعد المذهب في الأرض (1). بيان: يدل على استحباب الذهاب في الأرض، ولعله ليستر
بدنه عن الناس كما ذكره الأصحاب، ويدل عليه ساير الأخبار. 35 - مجمع البيان: عن أبي
عبد الله عليه السلام في وصف لقمان عليه السلام قال: لم يره أحد من الناس على بول
ولا غائط ولا اغتسال لشدة تستره وتحفظه في أمره. ثم قال - ره -: وقيل: إن مولاه دخل
المخرج فأطال الجلوس فناداه لقمان إن طول الجلوس على الحاجة يفجع الكبد، ويورث منه
الباسور، ويصعد الحرارة
فهذا سنة النبي صلى الله عليه وآله في ذاك
العهد، ووجهه معلوم، فليستن بسنته صلى الله عليه وآله من كان له حاجته في الصحارى
والبرارى والجبال والاكام، وأما في بيت الخلاء وهو مستور من الجوانب الست كما هو
المعهود الان فلا معنى لذلك، ولا خجل ولا استحياء، الا إذا كان البيت منتابا
عموميا. وإذا خرج الرجل واجهه بعض معاريفه حين خروجه من بيت الخلاء فيخجل - ان كان
هناك خجل - فليستتر رأسه ووجهه بردائه لئلا يعرفه الناس. وأما ما رواه الشيخ دليلا
على ما ذكره المفيد ص 24 من التهذيب باسناده عن على ابن أسباط أو رجل عنه عمن رواه
[عن زرارة] خ ل. عن أبى عبد الله (ع) أنه كان يعمله إذا دخل الكنيف: يقنع رأسه
ويقول سرا في نفسه " بسم الله وبالله " فليس فيه دلالة، فان الكنيف ليس الا بمعنى
الحظيرة، كما هو اليوم معمول في بعض البلدان والقرى، وهو عبارة عن حيطان قصيرة حول
مبرز البئر بحيث إذا قعد المتخلى لا يراه أحد، أو قد يرى رأسه أحيانا، فالتخلي في
هذه الكنف كالتخلي في البراري والجبال والاودية، يستحب الاخذ بسنة النبي صلى الله
عليه وآله لمن كان مستحيا، كما فعل الصادق (ع). (1) المحاسن ص 375.
[185]
إلى الرأس، فاجلس هونا، وقم هونا. قال:
فكتب حكمته على باب الحش (1). بيان: في النهاية: الهون: الرفق واللين والتثبت، ومنه
الحديث احبب حبيبك هونا ما أي حبا مقتصدا لا إفراط فيه، وفي القاموس: هان هونا سهل،
و قال: الحش مثلثة المخرج، لأنهم كانوا يقضون حوائجهم في البساتين. 36 - شرح
النفلية: للشهيد الثاني عن النبي صلى الله عليه وآله أنه لم ير على بول ولا غائط.
قال: وقال عليه السلام: من أتى الغائط فليستتر (2). 37 - كشف الغمة: عن جنيد بن عبد
الله قال: نزلنا النهروان، فبرزت عن الصفوف، وركزت رمحي، ووضعت ترسي، واستترت من
الشمس، فاني لجالس إذ ورد علي أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أخا الأزد ! معك
طهور ؟ قلت: نعم، فناولته الأداوة فمضى حتى لم أره وأقبل وقد تطهر فجلس في ظل الترس
الحديث (3). 38 - العلل: عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن العمركي، عن علي بن جعفر، عن
أخيه موسى بن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: أوحى الله إلى موسى عليه السلام: يا
موسى لا تفرح بكثرة المال، ولا تدع ذكري على كل حال، فان كثرة المال تنسي الذنوب،
وإن ترك ذكري يقسي القلوب (4). 39 - الخصال: عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عن
الحسين بن إسحاق، عن علي بن مهزيار، عن فضالة، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن أبي عبد
الله عليه السلام مثله (5).
(1) مجمع البيان ج 8 ص 317. (2) شرح
النفلية ص 17. (3) كشف الغمة ج 1 ص 381 وص 80 ط حجر. (4) علل الشرايع ج 1 ص 77. (5)
الخصال ج 1 ص 20
[186]
40 - قرب الاسناد: عن هارون بن مسلم، عن
مسعدة بن صدقة، عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال: كان أبي يقول: إذا عطس أحدكم
وهو على خلاء فليحمد الله في نفسه (1). بيان: " في نفسه " أي من غير أن يتكلم به أو
سرا جمعا بينه وبين مادل على استثناء التحميد بل مطلق الذكر. 41 - الخصال: عن محمد
بن علي ما جيلويه، عن محمد بن يحيى، عن أبي سعيد الادمي، عن الحسن بن الحسين
اللؤلؤي، عن محمد بن سعيد بن غزوان، عن إسماعيل ابن أبي زياد، عن الصادق، عن آبائه
عليهم السلام، عن علي عليه السلام قال: طول الجلوس على الخلاء يورث الباسور (2).
بيان: في القاموس الباسور علة معروفة، والجمع البواسير. 42 - عيون الاخبار: عن محمد
بن علي بن شاه، عن أبي بكر بن عبد الله النيشابوري، عن عبد الله بن أحمد الطائي، عن
أبيه. وعن أحمد بن إبراهيم الخوري عن إبراهيم بن مروان، عن جعفر بن محمد بن زياد،
عن أحمد بن عبد الله الهروي. وعن الحسين بن محمد الأشناني، عن علي بن محمد بن
مهرويه، عن داود بن سليمان كلهم عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام، عن الحسين بن علي
عليهما السلام أنه دخل المستراح فوجد لقمة ملقاة، فدفعها إلى غلام له، فقال له: يا
غلام اذكرني بهذه اللقمة إذا خرجت، فأكلها الغلام، فلما خرج الحسين عليه السلام
قال: يا غلام اللقمة ! قال: أكلتها يا مولاي، قال: أنت حر لوجه الله. قال له رجل:
أعتقته يا سيدي ؟ قال: نعم سمعت جدى رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من وجد
لقمة فمسح منها أو غسل منها ثم أكلها لم تستقر في جوفه إلا أعتقه الله من النار،
ولم أكن أستبعد رجلا أعتقه الله من النار (3).
(1) قرب الاسناد ص 50 ط نجف. (2) الخصال ج
1 ص 12. (3) عيون الاخبار ج 2 ص 43.
[187]
ورواه في صحيفة الرضا باسناده مثله (1).
بيان: رواه في الفقيه (2) مرسلا عن أبي جعفر الباقر عليه السلام ولا تنافي بينهما
لا مكان صدوره عنهما عليهما السلام وفي الفقيه دخل أبو جعفر عليه السلام فوجد لقمة
خبز في القذر فأخذها وغسلها ودفعها إلى مملوك كان معه إلى آخر الخبر. واستدل به على
كراهة الأكل في الخلاء، وإلا لما أخر عليه السلام الأكل مع شدة اهتمامه بذلك.
والقذر بمعنى الوسخ أو النجس، فان كانا يا بسين فالغسل على الاستحباب وعلى الثاني
لو كان رطبا فيمكن أن يكون الغسل في الجاري ومثله على المشهور والترديد في هذا
الخبر إما على التخيير استحبابا بناء على عدم النجاسة، أو المسح على عدم النجاسة،
والغسل على النجاسة، فيدل إطلاقه على جواز الغسل بالقليل ولا ينافيه ما يدل على عدم
جواز تطهير العجين، والأمر بدفنه أو طرحه أو بيعه ممن يستحل الميتة، إذ الفرق
بينهما بين، إذ لا يصل الماء إلى أجزاء العجين، و إن وصل يصير مضافا بخلاف الخبز،
لا سيما يابسه، فانه يصل الماء إلى الأجزاء التي وصلت إليها النجاسة. قال في
التذكرة: العجين النجس إذا مزج بالماء الكثير حتى صار رقيقا و تخلل الماء جميع
أجزائه طهر، وظاهره في النهاية والمنتهى عدم قبوله للتطهير بالماء، وقال في
المنتهى: الصابون إذا انتقع في الماء النجس والسمسم والحنطة إذا انتقعا كان حكمها
حكم العجين، يعني في عدم قبول التطهير بالماء، ثم قوى قبولها للطهارة إذا غسلت
مرارا ثم تركت حتى تجف. وذكر بعض المحققين في توجيه الأخبار الموهمة لعدم تطهير
العجين: السر فيه توقف تطهيره بالماء على الممازجة والنفوذ في أجزائه، بحيث يستوعب
كل ما أصابه الماء النجس، إذ المفروض في الأخبار عجنه بماء نجس، وفي ذلك
(1) صحيفة الرضا (ع) ص 31. (3) فقيه من لا
يحضره الفقيه ج 1 ص 18.
[188]
من المشقة والعسر ما لا يخفى، فلذا وقع
العدول عنه إلى الوجهين المذكورين انتهى. ثم إن الخبر يدل على مرجوحية استخدام أهل
الفضل والصلاح في الجملة. أقول: وقد مر بعض الاداب في الباب السابق. 43 - كتاب
المسائل: بالاسناد عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل
يجامع ويدخل الكنيف وعليه خاتم فيه ذكر الله، أو شئ من القرآن، أيصلح ذلك ؟ قال: لا
(1). 44 - نوادر الراوندي: عن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني، عن محمد بن الحسن
التميمي، عن سهل بن أحمد الديباجي، عن محمد بن محمد بن الأشعث، عن موسى ابن إسماعيل
بن موسى، عن أبيه، عن جده موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وآله: البول في الماء القائم من الجفاء (2). وبهذا الاسناد قال: قال
علي عليه السلام: علمني رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخلت الكنيف أن أقول: "
اللهم إني أعوذ بك من الخبيث المخبث النجس الرجس الشيطان الرجيم " (3). وبهذا
الاسناد قال: قال الباقر عليه السلام: قال أبي علي بن الحسين عليهما السلام: يا بني
اتخذ ثوبا للغايط، فانى رأيت الذباب يقعن على الشئ الرقيق ثم يقعن علي، قال: ثم
أتيته فقال: ما كان للنبي ولا لأصحابه إلا ثوب واحد (4). وبهذا الاسناد قال: نهى
رسول الله صلى الله عليه وآله أن يطمح الرجل ببوله من السطح
(1) البحار ج 10 ص 286، وتراه في قرب
الاسناد ص 121 ط حجر. (2) نوادر الراوندي ص 40. (3) نوادر الراوندي ص 53. (4) نوادر
الراوندي ص 53، وزاد بعده: فرفضه
[189]
في الهواء، ونهى أن يبول الرجل وفرجه باد
للقبلة (1). توضيح: لعل قوله عليه السلام أخيرا: " ما كان للنبي صلى الله عليه وآله
" لبيان كون ما ذكره أولا على الاستحباب والفضل، لا على الوجوب، أو على الاختيار و
السهولة، لا العسر والاضطرار، والمراد بالرقيق المايع، والأظهر عدم الحكم بنجاسة
الثوب بظهور بقاء النجاسة رطبة على الذباب، إذ الأصل عدم علوق شئ من النجاسة، فلا
بد من العلم به، وبقاء الرطوبة، وإن كان موافقا للأصل، لكنه معارض بأصالة طهارة
الثوب، وتبقى أصالة براءة الذمة من التكليف بأحكام النجاسة حينئذ. قال الشهيد قدس
سره في الذكرى: لو طارت الذبابة عن النجاسة إلى الثوب أو الماء فعند الشيخ عفو،
واختاره المحقق في الفتاوى لعسر الاحتراز، ولعدم الجزم ببقائها لجفافها بالهواء،
قال: وهو يتم في الثوب دون الماء، ونوقش في ذلك بأن المتقضي لعدم تمام الحكم في
الماء موجود في الثوب من رطوبته، فلا يستقيم إطلاق القول فيه، مع أنه على ما هو
المشهور من الاكتفاء بزوال العين في الحيوان لا وجه للفرق أصلا. والتطميح في البول
هو أن يرمي به في الهواء من موضع مرتفع كما يدل عليه هذه الرواية وغيرها، وأما ما
يوهمه كلام بعض اللغويين من أن المراد به البول إلى جهة الفوق فهو غير مراد، ويرد
عليه إشكال، وهو أنه مناف لما مر وذكره الأصحاب من استحباب ارتياد مكان مرتفع
للبول، ويمكن الجمع بينهما بأن يقال: المستحب ارتفاع يسير يؤمن معه من النضح وعود
البول، والمكروه ما يخرج عن هذا الحد، ويكون ارتفاعا كثيرا، ثم إنه على هذا التقدير
هل البول في البلاليع العميقة هكذا حكمه أم لا ؟ محل إشكال، والقول بعدم الكراهة لا
يخلو من قوة. 45 - نقل من خط الشهيد - رحمه الله -: عن النبي صلى الله عليه وآله
قال: كان نوح
(1) نوادر الراوندي ص 54 وفيه " يطيح "
بدل " يطمح " (*)
[190]
كبير الأنبياء إذا قام من الحاجة قال: "
الحمد لله الذي أذاقني طعمه، وأبقى في جسدي منفعته، وأخرج عني أذاه ومشقته ". 46 -
الخصال: عن علي بن أحمد بن موسى، عن أحمد بن يحيى بن زكريا عن بكر بن عبد الله بن
حبيب، عن ابن عبيد، عن هدية بن خالد القيسي، عن مبارك بن فضالة، عن الأصبغ بن نباتة
قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام للحسن ابنه: يا بني ألا اعلمك أربع خصال تستغني
بها عن الطب ؟ فقال: بلى يا أمير المؤمنين قال: لا تجلس على الطعام إلا وأنت جائع،
ولا تقم على الطعام إلا وأنت تشتهيه وجود المضغ، وإذا نمت فاعرض نفسك على الخلاء،
فإذا استعملت هذا استغنيت عن الطب (1). دعوات الراوندي: عنه عليه السلام مثله. 47 -
عدة الداعي: روى الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا بأس بذكر الله وأنت
تبول، فان ذكر الله حسن على كل حال، ولا تسأم من ذكر الله. وعنه عليه السلام فيما
اوحي إلى موسى عليه السلام: يا موسى لا تفرح بكثرة المال، ولا تدع ذكري على كل حال،
فان كثرة المال تنسي الذنوب، وإن ترك ذكري يقسي القلوب. وعن أبي حمزة، عن أبي جعفر
عليه السلام قال: مكتوب في التوراة التي لم تغير أن موسى سأل ربه فقال: إلهي يأتي
علي مجالس اعزك واجلك أن أذكرك فيها، فقال: يا موسى إن ذكري على كل حال حسن (2). 48
- الهداية: السنة في دخول الخلاء أن يدخل الرجل رجله اليسرى قبل اليمني، ويغطي
رأسه، ويذكر الله عزوجل، ولا يجوز التغوط على شطوط الأنهار، والطرق النافذة، وأبواب
الدور، وفئ النزال، وتحت الأشجار
(1) الخصال ج 1 ص 109. (2) عدة الداعي ص
186
[191]
المثمرة، ولا يجوز البول في جحر ولا ماء
راكد، ولا بأس بالبول في ماء جار، ولا يجوز أن يطمح الرجل ببوله في الهواء، ولا
يجوز أن يجلس للبول والغائط مستقبل القبلة ولا مستدبرها، ولا مستقبل الهلال ولا
مستدبره (1). ويكره الكلام والسواك للرجل وهو على الخلاء. وروي أن من تكلم على
الخلاء لم تقض حاجته، والسواك على الخلاء، يورث البخر، وطول الجلوس على الخلاء يورث
الباسور. وعلى الرجل إذا فرغ من حاجته أن يقول: " الحمد لله الذي أماط عني الأذى،
وهنأني الطعام، وعافاني من البلوى " ولا بأس بذكر الله على الخلاء لأن ذكر الله حسن
على كل حال، ومن سمع الاذان وهو على الخلاء، فليقل كما يقول المؤذن. ولا يجوز أن
يبول الرجل قائما من غير علة، لأنه من الجفاء، ويكره للرجل أن يدخل الخلاء ومعه
مصحف فيه القرآن، أو درهم عليه اسم الله، إلا أن يكون في صرة، ولا يجوز أن يدخل
الخلاء ومعه خاتم عليه اسم الله، فإذا دخل وهو عليه فليحوله عن يده اليسرى إذا أراد
الاستنجاء. فإذا أراد الخروج من الخلاء فليخرج رجله اليمنى قبل اليسرى، ويمسح يده
على بطنه، وهو يقول: " الحمد لله الذي عرفني لذته، وأبقى قوته في جسدي وأخرج عني
أذاه، يالها نعمة ! " ثلاث مرات (2). 49 - وجدت: بخط الشيخ محمد بن علي الجباعي،
نقلا من جامع البزنطي عن أبي بصير عن الباقر عليه السلام قال: لا تشرب وأنت قائم،
ولا تنم وبيدك ريح الغمر ولا تبل في الماء، ولا تخل على قبر، ولا تمش في نعل واحدة
فان الشيطان أسرع ما يكون [إلى الانسان] ظ على بعض هذه الأحوال، وقال: ما أصاب أحدا
على هذه الحال فكاد يفارقه إلا أن يشاء الله.
(1) الهداية: 15. (2) المصدر نفسه ص 16.
[192]
50 - الخصال: للصدوق، عن أبيه، عن سعد بن
عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن
أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: قال
أمير المؤمنين عليه السلام لا يبولن الرجل من سطح في الهواء، ولا يبولن في ماء جار،
فان فعل ذلك فأصابه شئ فلا يلومن إلا نفسه، فان للماء أهلا وللهواء أهلا (1). وقال
عليه السلام: إذا بال أحدكم فلا يطمحن ببوله، ولا يستقبل ببوله الريح (2). وقال
عليه السلام: لا تبل على المحجة، ولا تتغوط عليها (3). وقال عليه السلام: لا تعجلوا
الرجل عند طعامه حتى يفرغ، ولا عند غائطه حتى يأتي على حاجته (4). 51 - دعائم
الاسلام: روينا عن أهل البيت عليهم السلام أنهم أمروا بستر العورة، وغض البصر عن
عورات المسلمين ونهوا المؤمن أن يكشف عورته، وإن كان بحيث لا يراه أحد. وإن بعضهم
صلوات الله عليهم نزل إلى الماء وعليه إزار ولم ينزعه، فقيل له: قد نزلت في الماء
واستترت به فانزعه ! قال: فكيف بساكن الماء. ونهوا عن الكلام في حال الحدث والبول،
وأن يرد سلام من سلم عليه وهو في تلك الحالة (5). ورووا أن رسول الله صلى الله عليه
وآله كان إذا دخل الخلاء تقنع وغطى رأسه ولم يره أحد، وأنه كان إذا أراد قضاء حاجة
في السفر أبعد ما شاء، واستتر. وقالوا: من فقه الرجل ارتياد مكان الغائط والبول
والنخامة، يعنون عليهم السلام
(1) الخصال ج 2 ص 156 في حديث الاربعمائة.
(2) الخصال: ج 2 ص 157 في حديث الاربعمائة. (3) المصدر ج 2 ص 169. (4) المصدر ج 2 ص
163. (5) دعائم الاسلام ج 1 ص 103.
[193]
أن لا يكون ذلك بحيث يراه الناس. وروينا
عن بعضهم عليهم السلام أنه أمر بابتناء مخرج في الدار فأشاروا إلى موضع غير مستتر
من الدار، فقال: يا هؤلاء أن الله عزوجل لما خلق الانسان خلق مخرجه في أستر موضع
منه، وكذا ينبغي أن يكون المخرج في أستر موضع في الدار. وعنهم صلوات الله عليهم أن
رسول الله صلى الله عليه وآله قال: البول في الماء القائم من الجفاء، ونهي عنه وعن
الغائط فيه، وفي النهر، وعلى شفير البئر يستعذب من مائها، وتحت الشجرة المثمرة،
وبين القبور، وعلى الطرق والأفنية، وأن يطمح الرجل ببوله من المكان العالي، ومن
استقبال القبلة واستدبارها في حال الحدث والبول، وأن يبول الرجل قائما وأمر بالتوقي
من البول والتحفظ منه ومن النجاسات كلها. ورخصوا في البول والغايط في الانية.
وروينا عن علي عليه السلام أنه كان إذا دخل المخرج لقضاء الحاجة قال: " بسم الله
اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث الشيطان الرجيم " فإذا خرج قال: " الحمد
لله الذي عافاني في جسدي، والحمد لله الذي أماط عني الأذى ". وعن أبي عبد الله جعفر
بن محمد عليه السلام أنه قال: إذا دخلت المخرج: فقل: " بسم الله وبالله أعوذ بالله
من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم اللهم كما أطعمتنيه في عافية فأخرجه
مني في عافية " فإذا فرغت فقل: " الحمد لله الذي أماط عني الأذي وهنأني طعامي
وشرابي " (1). 52 - توحيد المفضل: برواية محمد بن سنان عنه، عن أبي عبد الله عليه
السلام أنه قال: اعتبر الان يا مفضل بعظم النعمة على الانسان في مطعمه ومشربه، و
تسهيل خروج الأذى، أليس من خلق التقدير في بناء الدار أن يكون الخلافي
(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 104 و 105.
[194]
أستر موضع منها، فهكذا جعل الله سبحانه
المنفذ المهيأ للخلاء من الانسان في أستر موضع منه، ولم يجعله بارزا من خلفه، ولا
ناشرا من بين يديه، بل هو مغيب في موضع غامض من البدن، مستور محجوب، يلتقي عليه
الفخذان، وتحجبه الاليتان بما عليهما من اللحم، فيواريانه فإذا احتاج الانسان إلى
الخلاء، جلس تلك الجلسة ألفى ذلك المنفذ منه منصبا مهيا لانحدار السفل، فتبارك من
تظاهرت آلاؤه ولا تحصى نعماؤه (1). 53 - العلل: لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم
قال: أول حد من حدود الصلاة هو الاستنجاء، وهو أحد عشر، لابد لكل الناس من معرفتها
وإقامتها، وذلك من آداب رسول الله صلى الله عليه وآله. فإذا أراد البول والغايط فلا
يجوز له أن يستقبل القبلة بقبل ولا دبر، و العلة في ذلك أن الكعبة أعظم آية لله في
أرضه وأجل حرمه فلا تستقبل بالعورتين القبل والدبر، لتعظيم آية الله وحرم الله وبيت
الله. ولا يستقبل الشمس والقمر، لأنهما آيتان من آيات الله ليس في السماء أعظم
منهما لقول الله تعالى: " وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل " (2) و هو
السواد الذي في القمر " وجعلنا آية النهار مبصرة " الاية وعلة اخرى أن فيها نورا
مركبا فلا يجوز أن يستقبل بقبل ولا دبر إذ كانت من آيات الله، وفيها نور من نور
الله. ولا يستقبل الريح لعلتين إحداهما أن الريح يرد البول، فيصيب الثوب وربما لم
يعلم الرجل ذلك، أو لم يجد ما يغسله، والعلة الثانية أن مع الريح
(1) توحيد المفضل المطبوع في البحار ج 3 ص
76 من طبعتنا هذه وقال المؤلف في بيانه: ألفى أي وجد، وقوله " منصبا " اما من
الانصباب كناية عن التدلى أو من باب التفعيل من النصب قال الفيروز آبادى: نصب الشئ
وضعه ورفعه ضد، كنصبه فانتصب وتنصب. (2) أسرى: 12.
[195]
ملكا فلا يستقبل بالعورة. ولا يتوضأ على
شط نهر جار، والعلة في ذلك أن في الأنهار سكانا من الملائكة. ولا في ماء راكد،
والعلة فيه أنه ينجسه ويقذره، فيأخذ المحتاج منه فيتوضأ منه، ويصلي به ولا يعلم، أو
يشربه أو يغتسل به. ولا بين القبور، والعلة فيه أن المؤمنين يزورون قبورهم فيتأذون
به. ولا في فيئ النزال لأنه ربما نزله الناس في ظلمة الليل فيظلوا فيه ويصيبهم ولا
يعلموا. ولا في أفنية المساجد أربعون ذراعا في أربعين ذراعا لأنها حرم ولها حريم،
لقول الصادق عليه السلام: حريم المساجد أربعون ذراعا في أربعين ذراعا. ولا تحت شجرة
مثمرة لقول الصادق عليه السلام ما من ثمرة ولا شجرة ولا غرسة إلا ومعها ملك يسبح
الله ويقدسه ويهلله فلا يجوز ذلك لعلة الملك الموكل بها ولئلا يستخف بما أحل الله.
ولا على الثمار لهذه العلة. ولا على جواد الطريق والعلة فيه أنه ربما وطئه الناس في
ظلمة الليل. ولا في بيت يصلى فيه، والعلة فيه أن الملائكة لا يدخلون ذلك البيت،
فهذه حدود الاستنجاء وعللها. 54 - فلاح السائل: باسناده، عن هارون بن موسى
التلعكبري رضوان الله عليه عن أحمد بن محمد بن سعيد، عن يحيى بن زكريا بن شيبان، عن
الحسن بن علي بن أبي حمزة البطائني، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: إذا دخلت إلى المخرج وأنت تريد الغائط فقل " بسم الله وبالله أعوذ
بالله من الخبيث المخبث الرجس النجس الشيطان الرجيم، إن الله هو السميع العليم "
(1). 55 - جنة الامان: رأيت في بعض كتب أصحابنا أن رجلا جاء إلى النبي
(1) فلاح السائل ص 49.
[196]
صلى الله عليه وآله وشكى إليه الشدة
والعسر والحزن في جميع الأحوال، و كثرة الهموم، وتعسر الرزق، فقال صلى الله عليه
وآله: لعلك تستعمل ميراث الهموم ؟ فقال: وما ميراث الهموم ؟ قال: لعلك تتعمم من
قعود، أو تتسرول من قيام، أو تقلم أظفارك بسنك، أو تمسح وجهك بذيلك، أو تبول في ماء
راكد، أو تنام منبطحا على وجهك الخبر (1). 56 - مجموع الدعوات: لا بن التلعكبري في
حديث عن الصادق عليه السلام في نقش الحديد الصيني قال: واحذر عليه من النجاسة
والزهومة، ودخول الحمام والخلاء الخبر.
(1) أخرجه المؤلف العلامة في ج 76 ص 323،
راجعه.
[197]
3. " (باب) " * * " (آداب الاستنجاء
والاستبراء) " * 1 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى
اليقطيني عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن
أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من نقش
على خاتمه اسم الله عزوجل فليحو له عن اليد التي يستنجي بها في المتوضأ. وقال عليه
السلام: الاستنجاء بالماء البارد يقطع البواسير (1). بيان: يفهم منه جواز استصحاب
الخاتم في الخلاء، وإنما يلزم تحويله عند الاستنجاء عن اليد التي يستنجي بها، ويدل
بعض الأخبار على المنع من الاستصحاب مطلقا وهو أحوط، والتحويل مع عدم التلوث على
الاستحباب كما هو المشهور، ومعه على الوجوب، بل يكفر فاعله لو فعله بقصد الاهانة،
والحق باسم الله أسماء الأنبياء والأئمة إذا كتب بقصد اسمهم، لعموم ما يدل على لزوم
تعظيمهم عليهم السلام. 2 - الخصال: عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عن علي بن
إبراهيم عن أبيه، عن عمرو بن عثمان، عن الحسين بن مصعب، عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: جرت في البراء بن معرور الأنصاري ثلاث من السنن أما اولاهن فان الناس
كانوا يستنجون بالأحجار فأكل البراء بن معرور الدبا فلان طبعه، فاستنجى بالماء،
فأنزل الله عزوجل فيه " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " (2)
(1) الخصال ج 2 ص 156. (2) البقرة: 222.
[198]
فجرت السنة في الاستنجاء بالماء، فلما
حضرته الوفاة كان غائبا عن المدينة فأمر أن يحول وجهه إلى رسول الله صلى الله عليه
وآله وأوصى بالثلث من ماله، فنزل الكتاب بالقبلة وجرت السنة بالثلث (1). 3 - العلل:
عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين، عن عبد الرحمن بن أبي هاشم، عن
أبي خديجة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان الناس يستنجون بثلاثة أحجار،
لأنهم كانوا يأكلون البسر، فكانوا يبعرون بعرا، فأكل رجل من الأنصار الدبا فلان
بطنه، فاستنجى بالماء فبعث إليه النبي صلى الله عليه وآله. قال: فجاء الرجل وهو
خائف أن يكون قد نزل فيه أمر يسوؤه في استنجائه بالماء، فقال له: عملت في يومك هذا
شيئا ؟ فقال: نعم يا رسول الله صلى الله عليه وآله إني والله ما حملني على
الاستنجاء بالماء إلا أني أكلت طعاما فلان بطني، فلم تغن عني الحجارة شيئا فاستنجيت
بالماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: هنيئا لك، فان الله عزوجل قد أنزل فيك
آية فأبشر " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين " فكنت أول من صنع هذا، أول
التوابين وأول المتطهرين (2). تفسير العياشي: عن أبي خديجة مثله (3). ايضاح: قال
والدي قدس الله روحه: ذكر التوابين مع المتطهرين في هذا المقام يمكن أن يكون لاظهار
شرف التطهير كأنه تعالى يقول: إني احب المتطهرين كما احب التوابين، فان محبة الله
للتوابين بمنزلة لا يمكن وصفها ويمكن أن يكون حصلت له توبة أيضا في ذلك اليوم مع
التطهر، ويمكن أن يكون بالمعنى اللغوي أي الرجوع، فانه لما رجع عن الاكتفاء
بالاحجار إلى ضم الماء
(1) الخصال ج 1 ص 90. (2) علل الشرائع ج 1
ص 271. (3) تفسير العياشي ج 1 ص 109 و 110.
[199]
أو إلى التبديل بالماء لله تعالى فكأنه
رجع إليه. قوله صلى الله عليه وآله: " أول التوابين " أي في هذا الفعل أو مطلقا
وتكون الأولية بحسب الكمال والشرف، أو بالنسبة إلى الأنصار أو في ذلك اليوم، والأول
أظهر. 4 - العلل: عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن هارون بن مسلم، عن
مسعدة بن زياد، عن أبي عبد الله عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال
لبعض نسائه: مري نساء المؤمنين أن يستنجين بالماء ويبالغن، وفانه مطهرة للحواشي
ومذهبة للبواسير (1). بيان: قال الشهيد رفع الله درجته في الأربعين: الحواشي جمع
حاشية، وهي الجانب أي مطهرة لجوانب المخرج، والمطهرة بفتح الميم وكسرها والفتح أولى
موضوعة في الأصل للأدواة وجمعها مطاهر، ويراد بها المطهرة أي المزيلة للنجاسة، مثل
السواك مطهرة للفم أي مزيلة لدنس الفم. والبواسير جمع باسور وهي علة تحدث في
المقعدة وفي الأنف أيضا والمراد ههنا هو الأول، والمعنى أنه يذهب البواسير. واستدل
به الشيخ أبو جعفر على وجوب الاستنجاء، ويمكن تقرير الدلالة من وجهين: الأول أن
الأمر بالأمر أمر عند بعض الاصوليين، والأمر للوجوب، وفيهما كلام في الاصول، الثاني
من قوله " مطهرة " فقد قلنا إن المراد بها المزيلة للنجاسة وإزالة النجاسة واجبة
فيكون الاستنجاء واجبا. ثم إذا وجب الاستنجاء على النساء وجب على الرجال لقوله صلى
الله عليه وآله: حكمي على الواحد حكمي على الجماعة (2) ولعدم فصل السلف بين
المسئلتين انتهى. أقول: يرد على الوجه الثاني أنه إذا ثبت وجوب الازالة فلا حاجة
إلى هذا الخبر، وإلا فلا يتم، إذ غاية ما يظهر منه أن الماء مطهر، وأما أن التطهير
(1) علل الشرايع ج 1 ص 271. (2) راجع ج 2
ص 472 من هذه الطبعة.
[200]
واجب فلا، وعلى تقدير التسليم، إنما يتم
إذا ثبت الانحصار وهو ممنوع فتأمل. 5 - تفسير على بن ابراهيم: قوله تعالى: " وضرب
الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله
فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " (1) قال: نزلت في قوم كان لهم
نهر يقال له: الثرثار، وكانت بلادهم خصبة كثيرة الخير (2) وكانوا يستنجون بالعجين
ويقولون: هو ألين، لنا فكفروا بأنعم الله، واستخفوا بنعمة الله، فحبس الله عليهم
الثرثار، فجدبوا حتى أحوجهم الله إلى ما كانوا يستنجون به، حتى كانوا يتقاسمون عليه
(3). بيان: " يتقاسمون عليه " أي يحلفون أو يقسمون أو يقرعون عليه في القاموس
تقاسما تحالفا، والمال اقتسماه بينهم. 6 - العيون (4) والمجالس: للصدوق، عن أبيه،
عن سعد بن عبد الله، عن البرقي، عن محمد بن علي الكوفي، عن الحسن بن أبي العقبة، عن
الحسين بن خالد قال: قلت للرضا عليه السلام: الرجل يستنجى وخاتمه في أصبعه، ونقشه "
لا إله إلا الله " فقال: أكره ذلك له، فقلت: جعلت فداك أو ليس كان رسول الله صلى
الله عليه وآله و كل واحد من آبائك يفعل ذلك، وخاتمه في أصبعه ؟ قال: بلى، ولكن
اولئك يتختمون في اليد اليمنى، فاتقوا الله وانظروا لأنفسكم (5). مكارم الاخلاق: من
كتاب اللباس للعياشي، عن الحسين بن خالد مثله بتغيير قد أوردناه في أبواب الخواتيم
(6).
(1) النحل: 112. (2) فبطروا حتى كانوا خ
ل. (3) تفسير القمى ص 366. (4) عيون الاخبار ج 2 ص 55. (5) أمالى الصدوق ص 273. (6)
مكارم الاخلاق ص 103، ومن راجع ج 79 كتاب الزى والتجمل عرف أن أبواب الخواتيم من
البحار لم يصل الينا.
[201]
7 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن،
عن جده علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يجامع ويدخل الكنيف،
وعليه الخاتم فيه ذكر الله أو الشئ من القرآن، أيصلح ذلك ؟ قال: لا (1). ومنه: عن
السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: كان نقش خاتم
أبي محمد بن علي عليه السلام " العزة لله جميعا " كان في يساره يستنجي بها، وكان
نقش خاتم علي عليه السلام " الملك لله " وكان في يده اليسرى يستنجي بها (2). بيان:
الظاهر أنه محمول على التقية، كما حمله الشيخ في التهذيب (3) وقال: لأن راويه عامى
متروك العمل بما يختص بروايته، ثم قال: على أن ما قدمناه من آداب الطهارة وليس من
واجباتها. أقول: ويؤيد الحمل على التقية أنهم عليهم السلام كانوا لا يتختمون بغير
اليمين إلا في التقية، وذكروا أنه من علامات المؤمنين. 8 - الخصال: عن أبيه، عن علي
بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن الصادق عليه السلام عن آبائه
عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: البول قائما من غير علة من
الجفاء، والاستنجاء باليمين من الجفاء (4). 9 - ثواب الاعمال: للصدوق، عن أبيه، عن
سعد بن عبد الله، عن أحمد ابن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن أبي بصير، عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: إن عذاب القبر من البول (5).
(1) قرب الاسناد ص 121 ط حجر. (2) قرب
الاسناد ص 72 ط حجر. (3) التهذيب ج 1 ص 10 ط حجر وص 32 ط نجف. (4) الخصال ج 1 ص 28،
وقد مر في الباب السابق. (5) ثواب الاعمال ص 205، وفيه " ان جل عذاب القبر " كما مر
في الباب السابق تحت الرقم 24 منه ومن المحاسن.
[202]
10 - المحاسن: عن أبيه، عن عبد الله بن
المغيرة، عن عمرو بن شمر قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إني لألعق
أصابعي من المآدم حتى أخاف أن يرى خادمي أن ذلك من جشع، وليس ذلك كذلك، إن قوما
افرغت عليهم النعمة وهم أهل الثرثار، فعمدوا إلى مخ الحنطة فجعلوه خبزا هجائا
فجعلوا ينجون به صبيانهم حتى اجتمع من ذلك جبل. قال: فمر رجل صالح على امرأة وهي
تفعل ذلك بصبي لها، فقال: ويحكم اتقوا الله لا تغير ما بكم من نعمة، فقالت: كأنك
تخوفنا بالجوع ؟ أما ما دام ثرثارنا يجري فانا لا نخاف الجوع، قال: فأسف الله عزوجل
وضعف لهم الثرثار، وحبس عنهم قطر السماء ونبت الأرض، قال: فاحتاجوا إلى ما في
أيديهم فأكلوا ثم احتاجوا إلى ذلك الجبل، فان كان ليقسم بينهم بالميزان (1). ايضاح:
قال الجوهري: الجشع محركة أشد الحرص وأسوؤه، قوله: " هجائا " كذا فيما رأينا من نسخ
الكافي (2) والمحاسن، وفي القاموس: هجأ جوعه كمنع هجأ وهجوءا سكن وذهب، والطعام
أكله، وبطنه ملأه وهجي كفرح التهب جوعه، والهجأة كهمزة الأحمق انتهى فيحتمل أن يكون
بالتشديد صفة للخبز أي صالحا لرفع الجوع أو أن يكون بالتخفيف مصدرا أي فعلوا ذلك
حمقا وسفاهة، ولا يبعد أن يكون تصحيف هجانا أي خيارا جيادا كما روي عن أمير
المؤمنين عليه السلام " هذا جناي وهجانه فيه " (3).
(1) المحاسن ص 586. (2) الكافي ج 6 ص 301،
راجعه. (3) وحكى عن الطريحي أنه ضبط كلمة " هجائا " منجاء، وجعله اسم آلة من نجا
ينجو، وجعل قوله " ينجون به صبيانهم " تفسيرا لذلك، وعندي أن كلها حسن وليس به،
والصحيح أنه مصحف " هجانا " والهجان جمع الهجين: الذى لم يدرك ولم يبلغ بعد
كالهاجنة للصبية تزوج قبل بلوغها، والنخلة تحمل صغيرة، فوصف الخبز بالهجان يفيد =
[203]
قوله: ينجون لعله على بناء التفعيل بمعني
السلب، نحو قولهم: قردت البعير أي أزلت قراده، وقال في القاموس: الثرثار نهر أو واد
كبير بين سنجار وتكريت وقال: الأسف محركة شدة الحزن، أسف كفرح وعليه غضب. قوله عليه
السلام: " وضعف لهم الثرثار " أي جعله ضعيفا والمشهور في هذا المعنى الاضعاف لا
التضعيف، ويمكن أن يقرأ على بناء المجرد أو على بناء التفعيل بمعنى التكثير أي زاد
في الماء وذهب ببركة السماء، ليعلموا أن الرزق ليس بالماء، بل بفضل رب السماء،
ولعله أظهر، ويدل الخبر على عدم جواز الاستنجاء بالخبز وظاهر المنتهى الاجماع على
تحريم الاستنجاء بمطلق المطعوم، لكنه في التذكرة احتمل الكراهة والعجب أنهم استدلوا
بوجوه ضعيفة، ولم يستدلوا بهذه الأخبار، ويمكن أن يستدل في أكثرها بالاسراف أيضا.
11 - المحاسن: عن محمد بن علي، عن الحكم بن مسكين، عن عمرو بن شمر قال: قال قال أبو
عبد الله عليه السلام: إني لألعق أصابعي حتى أرى أن خادمي سيقول: ما أشره مولاي ؟
ثم قال: تدري لم ذاك ؟ فقلت: لا، فقال: إن قوما كانوا على نهر الثرثار فكانوا قد
جعلوا من طعامهم شبه السبائك ينجون به صبيانهم فمر رجل متوكئ على عصا فإذا امرأة
أخذت سبيكة من تلك السبائك تنجي بها صبيها، فقال لها: اتقي الله فان هذا لا يحل،
فقالت: كأنك تهددني بالفقر أما ما جرى الثرثار فاني لا أخاف الفقر.
أنها اخرجت من التنور قبل أن تخبز كاملا
بحيث تكون لينة، كما مر في خبر على بن ابراهيم تحت الرقم 5 " أنهم " كانوا يستنجون
بالعجين ويقولون هو ألين لنا " ويحتمل ان يكون مصحفا عن العجان وعجان أيضا جمع
عجين، كما وقع في هذا التفسير، لكن العجين اليابس غير لين، الا إذا كان المراد ما
اختبز لا باشتداد. ومن المحقق أنهم كانوا يخبزون تلك العجان أو الهجان شبه الانملة
الكبيرة رأسها، ولذلك وقع التعبير عنها بالتماثيل كما سيجئ عن العياشي تحت الرقم
16، أو بالسبائك جمع السبيكة كما يأتي بعد هذا الحديث.
[204]
قال: فأجرى الله الثرثار أضعف ما كان
عليه، وحبس عنهم بركة السماء، فاحتاجوا إلى الذي كانوا ينجون به صبيانهم، فقسموه
بينهم بالوزن قال: ثم إن الله عزوجل رحمهم فرد عليهم ما كانوا عليه (1). 12 - ومنه:
عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن أبي عيينة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن قوما
وسع عليهم في أرزاقهم حتى طغوا فاستخشنوا الحجارة فعمدوا إلى النقي فصنعوا منه
كهيئه الأفهار في مذاهبهم (2) فأخذهم الله بالسنين فعمدوا إلى أطعمتهم، فجعلوها في
الخزائن فبعث الله على ما في خزائنهم ما أفسد حتى احتاجوا إلى ما كانوا يستنظفون به
في مذاهبهم، فجعلوا يغسلونه و يأكلونه (3). بيان: النقي بفتح النون وكسر القاف
وتشديد الياء هو الخبز المعمول من لباب الدقيق، قال: في النهاية فيه يحشر الناس يوم
القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي يعني الخبز الحواري، وهو الذي نخل مرة بعد
مرة، وقال: الفهر الحجر ملء الكف، وقيل هو الحجر مطلقا وفي القاموس الفهر بالكسر
الحجر قدر ما يدق به الجوز أو ما يملؤ به الكف، والجمع أفهار وفهور، وقال: المذهب
المتوضأ. 13 - تفسير العياشي: عن جميل قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:
كان الناس يستنجون بالحجار والكرسف ثم أحدث الوضوء، وهو خلق حسن فأمر به رسول الله
صلى الله عليه وآله وأنزل الله في كتابه " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين "
(4).
(1) المحاسن ص 587. (2) المذاهب جمع مذهب
بمعنى الكنيف والمتوضأ ومنه قولهم " مثل مذهبكم وقذره مثل مذهبكم وقدره ". (3)
المحاسن: ص 588 في حديث. (4) تفسير العياشي. ج 1 ص 109.
[205]
14 - ومنه: عن الحلبي، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: سألته عن قول الله تعالى: " فيه رجال يحبون أن يتطهروا " (1) قال:
الذين يحبون أن يتطهروا نظف الوضوء، وهو الاستنجاء بالماء، قال: قال: نزلت هذه
الاية في أهل قبا (2). وفي رواية ابن سنان عنه عليه السلام قال: قلت له: ما ذلك
الطهر ؟ قال: نظف الوضوء، إذا خرج أحدهم من الغائط، فمدحهم الله بتطهرهم (3). بيان:
الحجار بالكسر أحد جموع الحجر، والمراد بالوضوء في المواضع الاستنجاء. 15 -
السرائر: نقلا من كتاب حريز قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: رجل بال ولم يكن
معه ماء، فقال: يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات، وينتر طرفه، فان خرج بعد ذلك شئ
فليس عليه شئ من البول، ولكنه من الحبائل (4). تبيين أقول: روى في الكافي (5) هذا
الحديث عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم، عنه عليه
السلام وفيه فليس من البول. والخبر يحتمل وجوها الأول أن يكون المراد بالطرف في
الموضعين الذكر وفي الحديث نقي الطرفين، وفسر بالذكر واللسان، وقال الجوهري: قال
ابن الأعرابي: قولهم: لا يدري أي طرفيه أطول ؟ طرفاه لسانه وذكره، فيكون إشارة إلى
عصرين العصر من المقعدة إلى الذكر، ونتر أصل الذكر، لكن لا يدل على تثليث الأخير،
ولا يبعد أن يكون التثليث على الفضل والاستحباب. الثاني أن يكون المراد بالطرف في
الموضعين الجانب، ويكون الضميران راجعين إلى الذكر أي يعصر من المقعدة إلى رأس
الذكر فيكون العصران داخلين فيه، والمراد بالأخير عصر رأس الذكر، فيدل على العصرات
الثلاث التي ذكرها الأصحاب.
(1) براءة: 108. (2 و 3) تفسير العياشي ج
2 ص 112. (4) السرائر: 472، والمراد بالحبائل حبائل الشيطان ليؤذى ويوسوس.
[206]
الثالث أن يكون المراد بالأول عصر الذكر،
وبالثاني عصر رأس الذكر [ويضعف الأخيرين أن النتر هو الجذب بقوة لا مطلق العصر وهو
لا يناسب عصر راس الذكر] (1) مع أنه لا يظهر من سائر الأخبار هذا العصر، قال في
النهاية: فيه إذا بال أحدكم فلينتر ذكره ثلاث نترات: النتر جذب فيه جفوة وقوة
انتهى. ثم اعلم أن الشيخ روى هذا الخبر (2) نقلا من الكافي (3) وفيه يعصر أصل ذكره
إلى ذكره ويروى عن بعض مشايخنا رحمهم الله أنه قرأ ذكره بضم الذال وسكون الكاف
وفسره بطرف الذكر لينطبق على الوجه الثاني من الوجوه المذكورة، و يخدشه أن اللغويين
قالوا: ذكرة السيف حدته وصرامته، والظاهر منه أن المراد به المعنى المصدري لا
الناتي من طرفه. وبقي ههنا إشكال آخر وهو أنه ما الفائدة في التقييد بعدم وجدان
الماء. والجواب أنه مجرب بأنه مع عدم الاستنجاء بالماء يتوهم خروج البول ساعة بعد
ساعة بل يكون خروجه دريرة البول أكثر كما ذكر العلامة في المنتهى أن الاستنجاء
بالماء يقطع دريرة البول. ففايدة الاستبراء هنا أنه إن خرج بعده شئ أو توهم خروجه
لا يضره ذلك أما من حيث النجاسة فلأنه غير واجد للماء، وأما من حيث الحدث فانه لا
يحتاج إلى تجديد التيمم ولا قطع الصلاة، وقيل: يحتمل أن يكون وجه التخصيص أن يكون
الراوي عالما بأنه مع وجدان الماء إذ استبرأ وغسل المحل فلا بأس بما يخرج بعد ذلك،
ولكنه لم يعلم الحال في حال العدم ولا يخفى ما فيه. وقال في الحبل المتين: الحبائل
يراد بها عروق في الظهر ولم نجده في كتب اللغة نعم قال في القاموس: الحبل عرق في
الظهر، وقال: الحبال في الذكر عروقه، وكأنه جمع الحبل على غير القياس.
(1) ما بين العلامتين ساقط عن الكمبانى.
(2) الكافي ج 3 ص 19. (3) التهذيب ج 1 ص 9 ط حجر وص 28 ط نجف.
[207]
16 - تفسير العياشي: عن حفص بن سالم، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: إن قوما كانوا في بني إسرائيل يؤتى لهم من طعامهم
حتى جعلوا منه تماثيل مدرة كانت في بلادهم يستنجون بها، فلم يزل الله بهم حتى
اضطروا إلى التمائيل يتبعونها ويأكلونها، وهو قول الله (1) " ضرب الله مثلا قرية
كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس
الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " (2). 17 - ومنه: عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إن أهل قرية ممن كان قبلكم كان الله قد أوسع عليهم حتى طغوا، فقال
بعضهم لبعض: لو عمدنا إلى شئ من هذه النقي فجعلناه نستنجي به كان ألين علينا من
الحجارة، قال: فلما فعلوا ذلك، بعث الله على أرضهم دواب أصغر من الجراد، فلم يدع
لهم شيئا خلقه الله إلا أكله من شجر أو غيره فبلغ بهم الجهد إلى أن أقبلوا إلى الذي
كانوا يستنجون به فأكلوه، وهي القرية التي قال الله: " ضرب الله مثلا قرية كانت
آمنة مطمئنة " إلى قوله " بما كانوا يصنعون " (3). 18 - السرائر: من كتاب المشيخة
لمحمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن موسى بن القاسم، عن علي بن جعفر، عن
أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل ذكر وهو في صلاته أنه لم يستنج من الخلاء،
قال: نعم، ينصرف ويستنجي من الخلاء، ويعيد الصلاة، وإن ذكره وقد فرغ من صلاته أجزأه
ذلك ولا إعادة عليه. قال محمد بن إدريس: الواجب عليه الاعادة على كل حال، لأنه عالم
بالنجاسة ونسيها (4).
(1) النحل: 112. (2 و 3) تفسير العياشي ج
2 ص 273 (4) السرائر: 477.
[208]
ومن الكتاب المذكور: عن الهيثم بن أبي
مسروق، عن الحكم بن مسكين، عن سماعة قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: إني
أبول ثم أتمسح بالأحجار فيجئ مني البلل ما يفسد سراويلي، قال: ليس به بأس (1). 19 -
الهداية: إذا أراد الاستنجاء مسح بأصبعه من عند المقعدة إلى الأنثيين ثلاث مرات،
فإذا صب الماء على يده للاستنجاء فليقل " الحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله
نجسا " ويبدأ بذكره ويصب علبه من الماء مثلي ما عليه من البول يصبه مرتين، هذا أدنى
ما يجزي ثم يستنجي من الغائط ويغسل حتى ينقى ماثم، ولا يجوز للرجل أن يستنجي بيمينه
إلا إذا كانت بيساره علة، ولا يجوز له أن يدخل الخلاء ومعه خاتم عليه اسم الله، فان
دخل وهو عليه فليحوله عن يده اليسرى إذا أراد الاستنجاء (2). 20 - العلل: عن محمد
بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن إسماعيل ابن مرار، عن يونس بن عبد
الرحمان، عن زرعة، عن سماعة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام إذا دخلت الغائط
فقضيت الحاجة فلم تهرق الماء ثم توضأت ونسيت أن تستنجي، وذكرت بعد ما صليت، فعليك
الاعادة، فان كنت أهرقت الماء فنسيت أن تغسل ذكرك حتى صليت، فعليك إعادة الوضوء
والصلاة، وغسل ذكرك لأن البول مثل البراز (3). ايضاح قوله عليه السلام: " مثل
البراز " أي في إعادة الصلاة، وإن اختلفا في إعادة الوضوء، والأظهر أنه " ليس مثل
البراز " كما في أكثر نسخ التهذيب (4) والكافي (5)
(1) السرائر: 477 (2) الهداية: 16. (3)
علل الشرايع ج 2 ص 267. (4) التهذيب ج 1 ص 14 ط حجر وص 50 ط نجف. (5) الكافي ج 3 ص
19.
[209]
وقرأ الشيخ حسين بن عبد الصمد مثل البران
بالنون وقال: إناء يوضع فيه الماء أي مثله في أنه لا يطهر إلا بالماء ولا يخفى ما
فيه. وأما إعادة الوضوء مع ترك استنجاء البول، ناسيا فقد حمله الشيخ على الاستحباب،
والمشهور عدم وجوب الاعادة، ويظهر من الصدوق الوجوب. وأما إعادة الصلاة فالمشهور في
ناسي استنجاء البول والغايط الاعادة في الوقت وخارجه، والأخبار مختلفة فيهما، وقال
في المختلف: المشهور أن من ترك الاستنجاء ناسيا حتى صلى أعاد صلاته في الوقت
وخارجه، وقال ابن الجنيد: إذا ترك غسل البول ناسيا تجب الاعادة في الوقت ويستحب
بعده، وقال ابن بابويه: من صلى وذكر بعد ما صلى أنه لم يغسل ذكره، فعليه أن يغسل
ذكره ويعيد الوضوء والصلاة، ومن نسي أن يستنجي من الغايط حتى صلى لم يعد الصلاة
انتهى. والذي يقوى عندي في نسيان الاستنجاء من البول ما هو المشهور، ومن الغائط ما
ذهب إليه الصدوق - رحمه الله - والاحتياط ظاهر. 21 - السرائر: من جامع البزنطي قال:
سألته عن البول يصيب الجسد قال: صب عليه الماء مرتين، فانما هو ماء (1). 22 - نوادر
الراوندي: عن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني، عن محمد بن الحسن التميمي، عن سهل بن
أحمد الديباجي، عن محمد بن محمد بن الأشعث، عن موسى بن إسماعيل بن موسى، عن أبيه،
عن جده موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه
وآله: من بال فليضع أصبعه الوسطى في أصل العجان ثم ليسلها ثلاثا (2). وبهذا الاسناد
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الاستنجاء باليمين من
(1) السرائر ص 465. (2) نوادر الراوندي ص
39.
[210]
الجفاء (1). وبهذا الاسناد قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وآله: أتاني جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد كيف ننزل عليكم
وأنتم لا تستاكون ولا تستنجون بالماء، ولا تغسلون براجمكم (2). وبهذا الاسناد قال:
كان النبي صلى الله عليه وآله إذا بال نتر ذكره ثلاث مرات (3). بيان: قال في
النهاية: " العجان " الدبر، وقيل: ما بين القبل والدبر وفي القاموس العجان ككتاب
الإست، والقضيب الممدود من الخصية إلى الدبر، وفي النهاية فيه: من الفطرة غسل
البراجم هي العقد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيه الوسخ الواحدة برجمة. 23 - دعوات
الراوندي: روى ابن عباس أن عذاب القبر ثلاثة أثلاث: ثلث للغيبة، وثلث للنميمة، وثلث
للبول. 24 - مجالس الصدوق: في خبر مناهي النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى أن
يستنجي الرجل بالروث والرمة (4). بيان: قال في النهاية: في حديث الاستنجاء أنه نهى
رسول الله صلى الله عليه وآله عن الاستنجاء بالروث والرمة، والرميم العظم البالى،
ويجوز أن يكون الرمة جمع الرميم، وفي القاموس الرمة بالكسر العظام البالية،
والمشهور عدم جواز الاستنجاء بالعظم والروث، فظاهر المنتهى أنه إجماعي لكنه في
التذكرة احتمل الكراهة، والأشهر أنه لو استنجى بهما يطهر المحل به، وقيل بعدم
الإجزاء، والأول أقوى.
(1) نوادر الراوندي ص 40. (2) المصدر نفسه
ص 40. (3) نوادر الراوندي ص 54. (4) أمالى الصدوق ص 254، ورواه في الفقيه ج 4 ص 3.
[211]
25 - دعائم الاسلام: نهوا عن الاستنجاء
بالعظام والبعر، وكل طعام وأنه لا بأس بالاستنجاء بالحجارة والخرق والقطن وأشباه
ذلك (1). وعن الصادق عليه السلام قال: قال علي عليه السلام: لا يكون الاستنجاء إلا
من غائط أو بول أو جنابة، وليس من الريح استنجاء (2). وعن علي عليه السلام قال:
الاستنجاء بالماء في كتاب الله وهو قوله " إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين "
(3) وهو خلق كريم (4).
(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 105. (2) دعائم
الاسلام ج 1 ص 106، وفيه " أو جنابة أو مما يخرج غير الريح فليس من الريح استنجاء
واجب ". (3) البقرة: 222. (4) المصدر نفسه، وفيه: الاستنجاء بالماء بعد الحجارة في
كتاب الله ".
[212]
أبواب الوضوء 1. (باب) * " (ما ينقض
الوضوء وما لا ينقضه) " * 1 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن
جعفر عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن رجل استاك أو تخلل فخرج من فمه الدم أينقض
ذلك الوضوء ؟ قال: لا، ولكن يتمضمض (1). قال: وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يستدخل
الدواء ويصلي وهو معه، وهل ينقض الوضوء ؟ قال: لا ينقض الوضوء، ولا يصلي حتى يطرحه
(2). بيان: يدل على عدم نقض خروج الدم للوضوء، ولا خلاف فيه بيننا، وعلى عدم نقض
الحقنة إدخالا وإخراجا إذ ظاهر الخبر عدم النقض بالأخير أيضا كما لا يخفى على
المتأمل، ولا خلاف فيه أيضا إلا من ابن الجنيد فانه ذهب إلى أن الحقنة من النواقض،
والظاهر أن مراده خروجها. 2 - قرب الاسناد: بالسند المتقدم، عن علي بن جعفر، عن
أخيه عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يقطع راس الثألول أو بعض جرحه في الصلاة ؟
(1) قرب الاسناد ص 83 ط حجر، وص 108 ط
نجف. (2) قرب الاسناد ص 88 ط حجر وص 115 ط نجف.
[213]
قال: إن تخوف أن يسيل الدم فلا يفعل، وإن
فعل فقد نقض من ذلك الصلاة ولا ينقض الوضوء (1). قال: وسألته عن رجل كان في صلاته
فرماه رجل فشجه فسال الدم، هل ينقض ذلك وضوءه ؟ فقال: لا ينقض الوضوء، ولكنه يقطع
الصلاة (2). 3 - ومنه ومن كتاب المسائل: باسنادهما عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه
السلام قال: سألته عن رجل يكون في صلاته فيعلم أن ريحا قد خرجت، ولا يجد ريحها ولا
يسمع صوتها، قال: يعيد الوضوء والصلاة، ولا يعتد بشئ مما صلى إذا علم ذلك يقينا
(3). قال: وسألته عن رجل وجد ريحا في بطنه فوضع يده على أنفه، وخرج من المسجد
متعمدا حتى أخرج الريح من بطنه، ثم عاد إلى المسجد فصلى، ولم يتوضأ هل يجزيه ذلك ؟
قال: لا يجزيه حتى يتوضأ ولا يعتد بشئ مما صلى (4). بيان: يدل الجواب الأول على أن
الريح ناقضة، وإن لم يجد ريحها ولم يسمع صوتها كما هو ظاهر الأصحاب، ويعارضه بعض
الروايات مثل ما رواه الشيخ في الصحيح (5) عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله
عليه السلام: إن الشيطان بنفخ في دبر الانسان حتى يخيل إليه أنه قد خرج منه ريح،
ولا ينقض وضوءه إلا ريح يسمعها أو يجد ريحها وروى مثله (6) عن عبد الرحمن بن أبي
عبد الله عنه عليه السلام والأولى حملهما على الشك كما سيأتي في فقه الرضا عليه
السلام.
(1 و 2) قرب الاسناد ص 88 ط حجر ص 155 ط
نجف وفيه، أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه قال (ع): ان لم يتخوف أن يسيل الدم
فلا بأس وان تخوف الخ. (3 و 4) قرب الاسناد ص 121 ط نجف وص 92 ط حجر، المسائل ج 10
ص 284 من بحار الانوار. (5 - 6) التهذيب ج 1 ص 99 ط حجر، الكافي ج 3 ص 36.
[214]
ثم الظاهر أن الريح محمولة على ما إذا
خرجت من الموضع المعتاد، وأما الريح الخارج من الذكر فقد نسب إلى بعض الأصحاب القول
بالنقص وهو ضعيف وذهب المحقق والعلامة إلى نقص الريح الخارجة من قبل المرأة، وعدم
النقض أقوى لما عرفت. 4 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد،
عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن محمد بن سماعة، عن ابن مسكان، عن أبي بصير المرادي،
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الحجامة والقئ وكل دم سائل فقال: ليس
فيه وضوء، إنما الوضوء مما خرج من طرفيك اللذين أنعم الله بهما عليك. قال الصدوق -
ره -: يعني من بول أو غايط أو ريح أو مني (1). توضيح: يحتمل أن يكون المراد صنف
المخاطب من الذكور أو نوعه ليشتمل الاناث أيضا، وعلى التقديرين الحصر إضافي بالنسبة
إلى ما يخرج من الانسان، أو ما تعده العامة ناقضا وليس بناقض، بقرينة السؤال، فلا
يرد النقض بالنوم وأشباهه (2) وفي إلحاق الصدوق - رحمه الله - المني نظر إذ ليس فيه
الوضوء، ولعله حمل " إنما الوضوء " على أن المعنى إنما نقض الوضوء، ولا يخفى ما
فيه. 5 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني عن القاسم
بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا خالط النوم القلب وجب الوضوء (3).
7 - ومنه: عن أحمد بن محمد بن الهيثم وأحمد بن الحسن القطان ومحمد ابن أحمد السناني
والحسين بن إبراهيم المكتب وعبد الله بن محمد الصائغ وعلي بن
(1) الخصال ج 1 ص 19. (2) بل النوم أمارة
حصول الناقض وليس هو بناقض. (3) الخصال ج 2 ص 165.
[215]
عبد الله الوراق كلهم، عن أحمد بن يحيى بن
زكريا القطان، عن بكر بن عبد الله بن حبيب، عن تميم بن بهلول، عن أبي معاوية، عن
الأعمش، عن الصادق عليه السلام قال: لا ينقض الوضوء إلا البول والريح والنوم
والغائط والجنابة (1). 7 - العيون: عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري، عن
علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام فيما كتب للمأمون
من شرائع الدين قال: لا ينقض الوضوء إلا غايط أو بول أو ريح أو نوم أو جنابة (2).
بيان: لعل المراد في الخبرين حصر نواقض الذكر فيما ذكر، وظاهرهما عدم انتقاض الوضوء
بالاغماء ونحوه مما يزيل العقل، لكن أكثر الأصحاب نقلوا الاجماع على كونها ناقضة
(3) قال في المنتهى: كل ما غلب على العقل من إغماء أو جنون أو سكر أو غيره ناقض لا
نعرف فيه خلافا بين أهل العلم انتهى، وما استدلوا به من النصوص فهي غير دالة على
مطلوبهم، فالعمدة الاجماع إن ثبت، وأما مس الميت فلم يثبت كونه ناقضا للوضوء ولا
كون الغسل منه شرطا في شئ من العبادات فلا حاجة إلى جعل الحصر إضافيا. 8 - العيون:
عن جعفر بن نعيم بن شاذان، عن عمه، عن محمد بن شاذان عن الفضل بن شاذان، عن ابن
بزيع، عن الرضا عليه السلام قال: قال أبو جعفر عليه السلام: لا ينقض الوضوء إلا ما
خرج من طرفيك اللذين جعلهما الله لك، أو قال: اللذين أنعم الله بهما عليك (4).
(1) الخصال ج 2 ص 151. (2) عيون الاخبار ج
2 ص 123. (3) أقول: الاغماء والجنون والسكر كالنوم يوجب استرخاء وكاء السنة، و كلها
أمارة فطرية على نقض الوضوء بالريح، لا أنها نواقض في عرض ما يخرج من الاسفلين
ولذلك لم تذكر في كتاب الله عزوجل في عداد النواقض. (4) عيون الاخبار ج 2 ص 18 في
حديث.
[216]
ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن
محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن إبراهيم بن أبي محمود، عن الرضا عليه السلام قال:
سألته عن القئ والرعاف و المدة والدم أينقض الوضوء ؟ قال: لا، لا ينقض شيئا (1). 9
- وعنه عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سهل عن زكريا بن آدم
قال: سألت الرضا عليه السلام عن الناسور فقال: إنما ينقض الوضوء ثلاث: البول
والغائط والريح (2). بيان: الناسور علة في المآقي، وعلة في حوالي المقعدة، وعلة في
اللثة، ذكرها الفيروز آبادي. 10 - العلل: للصدوق: عن أبيه ومحمد بن الحسن بن الوليد
معا، عن محمد بن يحيى العطار، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن محمد بن اورمة، عن
أحمد بن محمد بن أبي نصر وعبد الرحمن بن أبي نجران معا عن مثنى الحناط، عن منصور
ابن حازم، عن سعيد بن أحمد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
توضأوا مما يخرج منكم، ولا تتوضأوا مما يدخل، فانه يدخل طيبا ويخرج خبيثا (3).
ومنه: عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي ابن فضال، عن
عبد الله بن بكير، عن عمر بن حنظلة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المذي
قال: ما هو والنخامة إلا سواء (4). ومنه: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن
الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن اذينة، عن بريد قال:
سألت أحدهما عليه السلام عن المذي فقال: لا ينقض الوضوء، ولا يغسل منه ثوب ولا جسد،
إنما
(1 - 2) عيون الاخبار ج 2 ص 22. (3) علل
الشرايع ج 1 ص 267 و 268. (4) علل الشرايع ج 1 ص 280.
[217]
هو بمنزلة البصاق والمخاط (1). ومنه: عن
أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز عن زرارة، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إن سال من ذكرك شئ من مذي أو وذي وأنت في الصلاة، فلا تقطع
الصلاة، ولا تنقض له الوضوء، وإن بلغ عقبك، إنما ذلك بمنزة النخامة، وكل شئ خرج منك
بعد الوضوء فانه من الحبايل أو من البواسير، فليس بشئ فلا تغسله من ثوبك إلا أن
تقذره (2). ومنه: بالاسناد المتقدم، عن حريز قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن
المذي يسيل حتى يبلغ الفخذ، قال: لا يقطع صلاته ولا يغسله من فخذه، لأنه لم يخرج من
مخرج المني إنما هو بمنزلة النخامة (3). بيان: ما دلت عليه الأخبار السالفة من عدم
انتقاض الوضوء بالقئ والرعاف والمدة والدم، مما لا خلاف فيه ظاهرا بين الأصحاب،
وأما ما يخرج من الاحليل غير المني والبول فهي ثلاثة: المذي والودى بالدال المهملة
والوذي بالذال المعجمة. فأما المذي فهو ما يخرج عقيب الملاعبة والتقبيل كما في
الصحاح والقاموس والمشهور عدم انتقاض الوضوء به مطلقا، وابن الجنيد قال بنقضه إذا
خرج عقيب شهوة، وقد يشعر كلام الشيخ في التهذيب بنقضه إذا كان كثيرا خارجا عن
المعتاد قاله على سبيل الاحتمال للجمع بين الأخبار، والأظهر ما ذهب إليه الأكثر و
ما ذهب إليه ابن الجنيد فلا نعرف له معنى، إذ الظاهر من كلام أهل اللغة وغيرهم لزوم
كون المذي عقيب شهوة. ويؤيده ما رواه الشيخ باسناده عن ابن رباط، عن بعض أصحابنا،
عن أبي - عبد الله عليه السلام قال: يخرج من الاحليل المني والمذي والودي والوذي
أما المني فهو الذي تسترخي له العظام ويفتر منه الجسد وفيه الغسل، وأما المذي يخرج
من الشهوة ولا شئ فيه -.
(1 - 3) علل الشرايع ج 1 ص 279.
[218]
وأما الودي فهو الذي يخرج بعد البول، وأما
الوذي فهو الذي يخرج من الأدواء ولا شئ فيه. (1) فالتفصيل الذي قال به لا يطابق
كلام اللغويين ولا صريح الخبر. وأما الودي بالمهملة فهو ماء ثخين يخرج عقيب البول
واتفق أصحابنا على عدم النقض به، وأما الوذي بالمعجمة فلم يذكر فيما عندنا من كتب
اللغة معنى مناسب له، وقد مر تفسيره في الخبر، والأدواء جمع الداء، ولعل المعنى ما
يخرج بسبب الأمراض، وفي بعض نسخ الاستبصار (2) الأوداج ولعل المراد به مطلق العروق،
وإن كان في الأصل لعرق في العنق، وقال الصدوق في الفقيه: الوذي ما يخرج عقيب المني.
وعلى التقادير عدم الانتقاض به معلوم للحصر المستفاد من الأخبار السالفة، وغيرها،
ومن كلام الأصحاب. 11 - فقه الرضا عليه السلام: لا تغسل ثوبك إلا مما يجب عليك في
خروجه إعادة الوضوء، ولا تجب عليك إعادة إلا من بول أو مني أو غائط أو ريح تستيقنها
فان شككت في ريح أنها خرجت منك أم لم تخرج، فلا تنقض من أجلها الوضوء إلا أن تسمع
صوتها أو تجد ريحها، وإن استيقنت أنها خرجت منك فأعد الوضوء سمعت وقعها أم لم تسمع،
شممت ريحها أم لم تشم. ولا ينقض الوضوء إلا ما خرج من الطرفين، ولا ينقض القئ
والقلس و الرعاف والحجامة والدماميل والقروح وضوءا، وان احتقنت أو حملت الشياف فليس
عليك إعادة الوضوء، فان خرج منك مما احتقنت أو احتملت من الشياف وكانت بالثفل فعليك
الاستنجاء والوضوء، وإن لم يكن فيها ثفل فلا استنجاء عليك ولا وضوء، وإن خرج منك حب
القرع وكان فيه ثفل فاستنج وتوضأ، وإن لم يكن فيه ثفل فلا وضوء عليك ولا استنجاء.
وكل ما خرج من قبلك ودبرك من دم أو قيح أو صديد وغير ذلك فلا
(1) التهذيب ج 1 ص 7 ط حجر ص 20 ط نجف.
(2) الاستبصار ج 1 ص 47.
[219]
وضوء عليك ولا استنجاء، إلا أن يخرج منك
بول أو غايط أو ريح أو مني، ولا بأس أن تصلي بوضوء واحد صلوات الليل والنهار، ما لم
تحدث (1). وإن كنت أهرقت الماء فتوضأت ونسيت أن تستنجى حتى فرغت من صلاتك ثم ذكرت
فعليك أن تستنجى ثم تعيد الوضوء والصلاة (2). وليس عليك وضوء من مس الفرج، ولا من
مس القرد والكلب والخنزير ولا من مس الذكر، ولا من مس ما يؤكل من الزهومات وضوء
عليك (3). توضيح: قال الجوهري: قال الخليل: القلس ما خرج من الحلق ملء الفم أو دونه
وليس بقئ، فان عاد فهو القئ والمشهور بين الأصحاب عدم انتقاض الوضوء بمس الفرج
ظاهره وباطنه، وبالتقبيل مطلقا. وقال ابن الجنيد - على ما نقل عنه: من قبل بشهوة
للجماع ولذة في المحرم نقض الطهارة والاحتياط إذا كانت في محلل إعادة الوضوء، وقال
أيضا: من مس ما انضم عليه الثقبتان نقض وضوءه، ومس ظهر الفرج من الغير إذا كان
بشهوة فيه الطهارة واجبة في المحلل والمحرم احتياطا، ومس باطن الفرجين من الغير
ناقض للطهارة من المحلل والمحرم. وقال الصدوق - رحمه الله - في الفقيه: إن مس الرجل
باطن دبره أو باطن إحليله فعليه أن يعيد الوضوء، وإن كان في الصلاة قطع الصلاة
وتوضأ وأعاد الصلاة، وان فتح إحليله أعاد الوضوء والصلاة (4) والأظهر عدم نقض شئ من
ذلك، والأخبار الدالة على نقضها محمولة على التقية (5) وبعضهم حملوها على
الاستحباب.
(1) فقه الرضا ص 1. (2 و 3) فقه الرضا ص
3. (4) راجع الفقيه ج 1 ص 39. (5) روى الشيخ في التهذيب ج 1 ص 13 و 99 ط حجر وص 45
و 348 ط نجف (*)
[220]
وقال الجوهري: الزهم بالضم الشحم، والزهمة
الريح المنتنة، والزهم بالتحريك مصدر قولك زهمت يدي بالكسر من الزهومة فهي زهمة أي
دسمة. 12 - تفسير العياشي: عن أبي مريم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: ما تقول في
الرجل يتوضأ ثم يدعو الجارية فتأخذ بيده حتى ينتهى إلى المسجد، فان من عندنا يزعمون
أنها الملامسة، فقال: لا والله، ما بذاك بأس، وربما فعلته، وما يعني بهذا أي "
لامستم النساء " (1) إلا المواقعة دون الفرج (2). بيان: الضمير في قوله عليه
السلام: " ربما فعلته " عايد إلى اللمس المدلول عليه بالملامسة، مع أن في المصدر
اتساعا في ذلك، قوله: " أي لا مستم " في بعض النسخ " أو لا مستم " كما في التهذيب
(3) فهو في محل جر بالبدلية من اسم الاشارة، قوله عليه السلام: " دون الفرج " أي
عند الفرج، بقرينة أن في التهذيب في الفرج. 13 - العياشي: عن منصور بن حازم، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: اللمس الجماع (4). [ومنه: عن الحلبي عنه عليه السلام
قال: هو الجماع] ولكن الله ستير يحب الستر، فلم يسم كما تسمون (5).
باسناده عن عمار بن موسى عن أبى عبد الله
(ع) قال: سئل عن الرجل يتوضأ ثم يمس باطن دبره قال: نقض وضوءه وان مس باطن احليله
فعليه أن يعيد الوضوء، وان كان في الصلاة قطع الصلاة ويتوضأ ويعيد الصلاة، وان فتح
احليله أعاد الوضوء وأعاد الصلاة. أقول: لعل وجه النقض أن باطن الدبر والاحليل
متلطخ بالخبث الناقض، ولا فرق بين خروجه إلى البراز وبين ابرازه باليد، فمن فتح
دبره أو احليله باليد فقد أبرز إلى الخارج ما هناك من الخبث الناقض فيجب عليه اعادة
الوضوء. (1) النساء: 43، المائدة: 6. (2) تفسير العياشي ج 1 ص 243. (3) التهذيب ج 1
ص 7 ط حجر. (4 و 5) تفسير العياشي ج 1 ص 243 وما بين العلامتين ساقط من الكمبانى.
[221]
ومنه: عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: سأله قيس بن رمانة قال: أتوضأ ثم أدعوا الجارية فتمسك بيدي فأقوم فاصلي
أعلى وضوء ؟ فقال: لا، قال: فانهم يزعمون أنه اللمس، قال: لا والله، ما اللمس إلا
الوقاع يعني الجماع ثم قال: قد كان أبو جعفر عليه السلام بعد ما كبر يتوضأ ثم يدعو
الجارية فتأخذ بيده فيقوم فيصلي (1). توضيح: قوله: " إنه اللمس " أي اللمس الذي
ذكره الله في قوله: " أو لامستم النساء " وتفسير الملامسة في الاية بالجماع منقول
عن الأئمة الهدى بطرق متكثرة وقد نقل الخاص والعام عن ابن عباس أنه كان يقول: إن
الله حيي كريم يعبر عن مباشرة النساء بملامستهن، وذهب الشافعي إلى أن المراد مطلق
اللمس لغير محرم وخصه مالك بما كان عن شهوة، وأما أبو حنيفة فقال: المراد الوطي لا
المس. 14 - العياشي: عن بكير بن أعين قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام قوله " يا
أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلوة " (2) ما معنى إذا قمتم ؟ قال: إذا قمتم من
النوم، قلت: ينقض النوم الوضوء ؟ قال: نعم، إذا كان نوم يغلب على السمع فلا يسمع
الصوت (3). 15 - ومنه: عن بكير بن أعين، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله
عزوجل: " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى
المرافق " قلت: ما عنى بها ؟ قال: من النوم (4). بيان: هذان الخبران يهدمان بنيان
استدلال القوم بوجوب الوضوء لكل قائم إلى الصلاة، إلا ما أخرجه الدليل وسيأتي
الكلام فيه.
(1) تفسير العياشي ج 1 ص 243. (2)
المائدة: 6. (3) تفسير العياشي ج 1 ص 297. (4) تفسير العياشي ج 1 ص 298.
[222]
16 - السرائر: من كتاب محمد بن علي بن
محبوب، عن الحسين بن سعيد عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة قال: سألته عن القلس وهي
الجشاءة يرتفع الطعام من جوفه وهو صائم من غير أن يكون تقيأ، وهو قائم في الصلاة،
قال: لا ينقض ذلك وضوءه الحديث (1). أقول: ما مر من الأخبار الدالة على أن أمير
المؤمنين عليه السلام أنشد الشعر في الخطبة تدل على عدم نقضه للوضوء. 17 - مجمع
البيان: عن علي عليه السلام في قوله تعالى: " أو لامستم النساء " أن المراد به
الجماع خاصة (2). 18 - كتاب المسائل: عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل
يلاعب المرأة أو يجردها أو يقبلها فيخرج منه الشئ ما عليه ؟ قال: إن جاءت الشهوة،
وخرج بدفق، وفتر لخروجه فعليه الغسل، وإن كان إنما هو شئ لا يجد له شهوة ولا فترة
فلا غسل عليه ويتوضأ للصلاة (3). 19 - المحاسن: عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن
الحسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الوضوء بعد الطعام،
فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأكل، فجاء ابن ام مكتوم وفي يد رسول
الله صلى الله عليه وآله كتف يأكل منها، فوضع ما كان في يده منها، ثم قام إلى
الصلاة ولم يتوضأ، فليس فيه طهور (4). ومنه: عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران
قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن أكل لحما أو شرب لبنا هل عليه وضوء ؟ قال:
لا قد أكل رسول الله صلى الله عليه وآله كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ (5). ومنه: عن
أبيه، عن حماد بن عيسى، عن يعقوب بن شعيب، عن أبي بصير
(1) السرائر ص 477. (2) مجمع البيان ج 3 ص
52. (3) البحار ج 10 ص 272. (4 و 5) المحاسن ص 427.
[223]
قال: سالت أبا عبد الله عليه السلام
أيتوضأ من ألبان الابل ؟ قال: لا، ولا من الخبز واللحم (1). ومنه: عن أبيه، عن
صفوان بن يحيى وعبد الله بن المغيرة، عن محمد بن سنان مثله (2). ومنه: عن ابن
العزرمي، عن حاتم بن إسماعيل المديني، عن جعفر، عن أبيه عن الحسين بن علي، عن زينب
بنت ام سلمة قالت: اتي رسول الله صلى الله عليه وآله بكتف شاة فأكل منها وصلى ولم
يمس ماء (3). ومنه: عن جعفر بن محمد، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله عليه السلام
عن أبيه عن علي بن الحسين عليهم السلام عن زينب بنت ام سلمة، عن ام سلمة أن رسول
الله صلى الله عليه وآله اتي بكتف شاة وأكل منها، ثم أذن الموذن بالعصر، فصلى ولم
يمس ماء (4). ومنه: عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد
قال: سالت أبا عبد الله عليه السلام هل يتوضأ من الطعام أو شرب اللبن ؟ قال: لا
(5). بيان: الظاهر أن المراد بالوضوء في هذه الأخبار وضوء الصلاة لا غسل اليد (6)
وإن كان البرقي - ره - أوردها في آداب الأكل، وبالجملة تدل على
(1 - 5) المحاسن ص 427. (6) بل الظاهر أن
المراد بالوضوء: التوضى من الغمر، وانما كان يتوضأ صلى الله عليه وآله أحيانا عن
الغمر إذا قام للصلاة لاجل طول لبث الغمر على يده، والغمر إذا طال على اليد أو سائر
البدن اجتمع عليه الشياطين وقد قال تعالى عزوجل: " والرجز فاهجر " يعنى رجز الشيطان
وأما إذا لم يلبث الغمر فلا يجب ذلك كما وقع في هذه الاحاديث أن رسول الله صلى الله
عليه وآله أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ. وأما الجمهور فتوهموا أن المراد بالتوضى
في هذه الاحاديث الوضوء للصلاة فبعضهم أخذ بما رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله
عليه وآله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: توضؤوا مما مست النار،
رواه مسلم كما في مشكاة المصابيح ص 40، وبعضهم أخذ بما رواه ابن عباس قال: ان رسول
الله أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ، وهو عندهم حديث متفق عليه.
[224]
عدم انتقاض الوضوء بأكل ما مسته النار ردا
على بعض المخالفين القائلين به، ولا خلاف بيننا في عدم الانتقاض. والمشهور بين
المخالفين أيضا ذلك، قال في شرح السنة بعد أن روى عن ابن عباس أن رسول الله صلى
الله عليه وآله أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ: هذا متفق على صحته، وأكل ما مسته
النار لا يوجب الوضوء، وهو قول الخلفاء الراشدين، وأكثر أهل العلم من الصحابة
والتابعين ومن بعدهم. وذهب بعضهم إلى إيجاب الوضوء منه، كان عمر بن العزيز يتوضأ من
السكر واحتجوا بما روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: توضؤوا
مما مسته النار، ولو من ثور أقط والثور القطعة من الأقط، وهذا منسوخ عند عامة أهل
العلم، وقال جابر: كان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وآله ترك الوضوء مما
غيرت النار. وذهب جماعة من أهل الحديث إلى إيجاب الوضوء عن أكل لحم الابل خاصة وهو
قول أحمد وإسحاق لرواية حملت على غسل اليد والفم للنظافة. 20 - نوادر الراوندي:
باسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال علي عليه السلام إن النبي
صلى الله عليه وآله قبل زب الحسين بن علي عليهما السلام كشف عن اربيته (1) وقام
فصلى من غير أن يتوضأ (2). وبهذا الاسناد قال: سئل علي عليه السلام أن رجلا قلم
أظافيره وأخذ شاربه أو حلق رأسه بعد الوضوء، قال: لا بأس لم يزده ذلك إلا طهارة
(3). وبهذا الاسناد قال: إن عليا عليه السلام رعف وهو في الصلاة بالناس، فأخذ بيد
رجل فقدمه ثم خرج فتوضأ فلم يتكلم ثم جاء فبنى على صلاته، ولم يزد على ذلك (4).
(1) الاربية: أصل الفخذ، وكان أربوة لكنهم
استثقلوا التشديد على الواو، وقالوا اربية. (2) نوادر الراوندي ص 40. (3) نوادر
الراوندي ص 45، وفيه " سئل عن رجل ". (4) المصدر نفسه.
[225]
وروي أيضا أن عليا عليه السلام قال: من
رعف وهو في الصلاة فلينصرف وليتوضأ وليستأنف الصلاة (1). وبهذا الاسناد قال: قال
علي عليه السلام: كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وآله
لمكان فاطمة ابنته، لأنها كانت عندي، فقلت لأبي ذر سله ! فسأله فقال النبي صلى الله
عليه وآله: يغسل طرف ذكره وانثييه، ويتوضأ وضوء الصلاة (2). وبهذا الاسناد عن علي
عليه السلام قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله بعد أن أمرت المقداد يسأله يقول
ثلاثة أشياء: مني ووذى ومذي، فأما المذي فالرجل يلاعب امرأته فمذي، ففيه الوضوء،
وأما الوذي فهو الذي يتبع البول الماء الغليظ شبه المني ففيه الوضوء، وأما المني
فهو الماء الدافق الذي يكون منه الشهوة ففيه الغسل (3). بيان: " الزب " بالضم الذكر
والاربية كاثفية أصل الفخذ، أو ما بين أعلاه وأسفل البطن، ويدل الأول على أن مس
الذكر لا يبطل الوضوء، والوضوء في الثالث والرابع محمول على إزالة النجاسة حملا على
المعنى اللغوي، والبناء في الثالث محمول على عدم الاستدبار والكلام (4) والاستيناف
في الرابع على ما إذا صدر واحد منهما، أو الفعل الكثير على المشهور، والوضوء في
المذي والوذى إما محمول على التقية أو على الاستحباب كما عرفت (5).
(1 - 3) نوادر الراوندي ص 45. (4) بل
الوجه في ذلك أن كل ما غلب الله على العبد فالله أولى له بالعذر، والرجل إذا مضى في
صلاته مع شرائط الصحة، ثم فاجأه في الاثناء الرعاف وهو مانع عن المضى في الصلاة
شرعا، كان على الله أن يقبل ما مضى من صلاته، وكان عليه أن ينصرف إلى تحصيل الطهارة
المانعة عن الصلاة، وليس معناه الا الابتناء، نعم إذا فعل من منافيات الصلاة ما لم
يلزمه ولم يغلب عليه الله كان ذلك بمنزلة الانصراف عن الصلاة رأسا، فلا وجه
للابتناء وهو ظاهر. (5) بل يحمل على التوضى من الخبث للعرف الشايع في صدر الاسلام،
فان وضوء الصلاة أيضا انما سمى وضوءا لمبالغتهم في غسل الوجه واليدين رغبة في اطاعة
أمر الله عزوجل بأحسن الوجوه.
[226]
21 - نهج البلاغة: قال أمير المؤمنين عليه
السلام: العين وكاء السه (1). قال السيد - رضي الله عنه - وهذه من الاستعارات
العجيبة كأنه شبه السه بالوعاء، والعين بالوكاء، فإذا اطلق الوكاء لم ينضبط الوعاء،
وهذا القول في الأظهر الأشهر من كلام النبي صلى الله عليه وآله (2) وقد رواه قوم
لأمير المؤمنين عليه السلام وذكر ذلك المبرد في كتاب المقتضب في باب اللفظ بالحروف،
وقد تكلمنا على هذه الاستعارة في كتابنا الموسوم بمجازات الاثار النبوية (3). بيان:
قال في النهاية: الوكاء الخيط الذي يشد به الصرة، والكيس و غيرهما، ومنه الحديث:
العين وكاء السه، جعل البقظة للاست كالوكاء للقربة كما أن الوكاء يمنع ما في القربة
أن يخرج كذلك اليقظة تمنع الاست أن يحدث إلا باختيار، وكنى بالعين عن اليقظة، لأن
النائم لا عين له يبصر به، والسه حلفة الدبر وهو من الاست وأصلها سته بوزن فرس،
وجمعها أستاه كأفراس، فحذف الهاء وعوض عنها الهمزة، فقيل إست، فإذا رددت إليها
الهاء وهي لامها وحذفت العين التي هي التاء انحذفت الهمزة التي جئ بها عوض الهاء
فتقول: سه بفتح السين، ويروى في الحديث وكاء الست بحذف الهاء وإثبات العين،
والمشهور الأول انتهى.
(1) نهج البلاغة تحت الرقم 466 من قسم
الحكم. (2) روى عن على (ع) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: وكاء السه
العينان فمن نام فليتوضأ رواه أبو داود، وروى أن النبي صلى الله عليه وآله قال:
انما العينان وكاء السه فإذا نامت العين استطلق الوكاء، رواه الدارمي. راجع في ذلك
مشكاة المصابيح ص 41. (3) المجازات النبوية 178، ولفظه ومن ذلك قوله عليه السلام: "
العين وكاء السه فإذا نامت العين استطلق الوكاء " وهذه من أحسن الاستعارات والسه
اسم للسته قال الشاعر: شأتك قعين غثها وسمينها * وأنت السه السفلى إذا دعيت نصر (*)
[227]
وقال ابن أبي الحديد: ويروى العينان وكاء
السه، وقد جاء في تمام الخبر في بعض الروايات: فإذا نامت العينان استطلق الوكاء
(1). 22 - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام أن الوضوء لا يجب
إلا من حدث، وأن المرء إذا توضأ صلى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلوات ما لم يحدث أو
ينم أو يجامع أو يغم عليه، أو يكون منه ما يجب منه إعادة الوضوء (2). ومنه مرسلا عن
أمير المؤمنين والباقر والصادق صلوات الله عليهم قالوا: الذي ينقض الوضوء الغايط
والبول والريح والنوم الغالب إذا كان لا يعلم ما يكون منه، فأما من خفق خفقة وهو
يعلم ما يكون منه ويحسه ويسمع، فذاك لا ينقض وضوءه (3). ولم يروا من الحجامة ولا من
الفصد ولا من القئ ولا من الدم أو الصديد أو القيح، ولا من القبلة ولا من المس ولا
من مس الذكر ولا الفرج ولا الانثيين ولا مس شئ من الجسد ولا من أكل لحوم الابل ولا
من شرب اللبن، ولا من أكل ما مسته النار، ولا في قص الأظفار ولا أخذ الشارب ولا حلق
الرأس وإذا مس جلدك الماء فحسن (4). ويتمضمض من تقيأ ويصلي إذا كان متوضئا قبل ذلك،
ومن أكل اللحوم
فكأنه عليه السلام شبه السه بالوعاء وشبه
العين بالوكاء فإذا نامت العين انحل صرار السه كما أنه إذا زال الوكاء وسع بما فيه
الوعاء، الا أن حفظ العين للسته على خلاف حفظ الوكاء للوعاء فان العين إذا أشرجت لم
تحفظ ستهها والاوكية إذا حللت لم تضبط أوعيتها ومن الناس من ينسب هذا الكلام إلى
أمير المؤمنين على عليه السلام وقد ذكره محمد بن يزيد المبرد في الكتاب المقتضب في
باب اللفظ بالحروف، وفى الاظهر الاشهر أنه للنبى صلى الله عليه وآله. (1) شرح النهج
ج 4 ص 507. (2) دعائم الاسلام ج 1 ص 101. (3 - 4) دعائم الاسلام ج 1 ص 102 باقتباس
واختلاط.
[228]
أو الألبان أو ما مسته النار فان غسل من
مس ذلك يديه فهو حسن مرغب فيه مندوب إليه، وإن صلى ولم يغسلهما لم تفسد صلاته (1).
وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه اتي بكتف جزور مشوية وقد أذن بلال
فأمره فأمسك هنيئة حتى أكل منها وأكل معه أصحابه، ودعا بلبن إبل ممذوق (2) له فشرب
منه وشربوا ثم قام فصلى ولم يمس ماء (3). بيان: الممذوق اللبن الممزوج بالماء. 23 -
الهداية: لا ينتقض الوضوء إلا مما يخرج من الطرفين من بول أو غائط أو ريح أو مني،
وما سوى ذلك من مذي ووذي وقئ وقلس ورعاف و حجامة ودماميل وجروج وقروح وغير ذلك فانه
لا ينقض الوضوء (4). 24 - كتاب عاصم بن حميد: عن سالم بن أبي الفضل قال: سألت أبا
عبد الله عليه السلام عما ينقض الوضوء فقال: ليس ينقض الوضوء إلا ما أنعم الله به
عليك من طرفيك من الغايط والبول. 25 - كتاب عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: سألت
العبد الصالح عليه السلام عن الرجل يخفق وهو جالس في الصلاة، قال: لا بأس بالخفقة
ما لم يضع جبهته على الأرض أو يعتمد على شئ. بيان: لعل محمول على التقية أو على عدم
ذهاب حس السمع والبصر.
(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 102. (2) في
المصدر، فمذق. وهو الاصح، والمراد باللبن الماست. (3) دعائم الاسلام ص 102. (4)
الهداية ص 18.
[229]
2. * (باب) * * " (علل الوضوء وثوابه
وعقاب تركه) " * 1 - مجالس الصدوق: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي
القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن علي بن الحسين البرقي، عن ابن جبلة، عن
معاوية بن عمار، عن الحسن بن عبد الله، عن أبيه، عن جده الحسن ابن علي عليه السلام
قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسأله أعلمهم عن مسائل،
فكان فيما سأله: أخبرني لأي شئ توضأ هذه الجوارح الأربع وهي أنظف المواضع في الجسد
؟. قال النبي صلى الله عليه وآله: لما أن وسوس الشيطان إلى آدم، ودنا آدم من الشجرة
ونظر إليها، ذهب ماء وجهه، ثم قام وهو أول قدم مشت إلى خطيئة، ثم تناول بيده ثم
مسها فأكل منها فطار الحلي والحلل عن جسده، ثم وضع يده على ام رأسه وبكى. فلما تاب
الله عزوجل عليه فرض الله عز وجل عليه وعلى ذريته الوضوء على هذه الجوارح الأربع:
وأمره أن يغسل الوجه لما نظر إلى الشجرة، وأمره بغسل الساعدين إلى المرفقين لما
تناول منها، وأمره بمسح الرأس لما وضع يده على رأسه، وأمره بمسح القدمين لما مشى
إلى الخطيئة، ثم سن على امتي المضمضة لتنقي القلب من الحرام، والاستنشاق لتحرم
عليهم رائحة النار ونتنها قال اليهودي: صدقت يا محمد فما جزاء عاملها ؟ قال النبي
صلى الله عليه وآله: أول ما يمس الماء يتباعد عنه الشيطان، وإذا تمضمض نور الله
قلبه ولسانه بالحكمة، فإذا استنشق آمنه الله من النار، ورزقه رايحة الجنة، فإذا غسل
وجهه بيض الله وجهه يوم تبيض فيه وجوه وتسود فيه وجوه، وإذا غسل ساعديه حرم الله
عليه أغلال النار، و
[230]
إذا مسح رأسه مسح الله عنه سيئاته، وإذا
مسح قدميه أجازه الله على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، قال: صدقت يا محمد (1).
بيان: قوله صلى الله عليه وآله " لتنقى القلب " أي يذهب أثر الحرام من القلب، فينور
الله قلبه ولسانه بالحكمة كما سيأتي. العلل: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن علي بن
الحسين السعد آبادي عن أحمد بن محمد البرقي، عن أبيه، عن فضالة، عن الحسين بن أبي
العلا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جاء نفر - إلى قوله: لما مشى إلى الخطيئة
(2). المحاسن: عن أبيه مثله (3). العلل: لمحمد بن علي بن إبراهيم مرسلا مثله. 2 -
مجالس الصدوق: عن الحسين بن علي بن أحمد الصايغ، عن أحمد ابن محمد بن عقدة
الهمداني، عن جعفر بن عبيد الله، عن الحسن بن محبوب، عن علي ابن رئاب، عن محمد بن
قيس، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتى رجل النبي صلى الله عليه وآله فسأله عن ثواب
الوضوء والصلاة، فقال صلى الله عليه وآله: اعلم أنك إذا ضربت يدك في الماء و قلت: "
بسم الله " تناثرت الذنوب التي اكتسبتها يداك، فإذا غسلت وجهك تناثرت الذنوب التي
اكتسبتها عيناك بنظرهما وفوك بلفظه، فإذا غسلت ذراعيك تناثرت الذنوب عن يمينك
وشمالك، فإذا مسحت رأسك وقدميك تناثرت الذنوب التي مشيت إليها على قدميك، فهذا لك
في وضوئك (4). أقول: تمامه في كتاب الحج (5).
(1) أمالى الصدوق ص 115. (2) علل الشرايع
ج 1 ص 265. (3) المحاسن ص 323. (4) أمالى الصدوق ص 328. (5) راجع ج 99 ص 3 - 5.
[231]
3 - العيون (1) والعلل: عن محمد بن علي
ماجيلويه، عن عمه، عن محمد ابن علي الكوفي، عن محمد بن سنان، عن الرضا عليه السلام
فيما كتب إليه من العلل قال: علة الوضوء التي صار من أجلها غسل الوجه والذراعين،
ومسح الرأس و الرجلين، فلقيامه بين يدي الله عزوجل، واستقباله إياه بجوارحه
الظاهره، و ملاقاته بها الكرام الكاتبين: فغسل الوجه للسجود والخضوع، وغسل اليدين
ليقلبهما ويرغب بهما و يرهب ويتبتل، ومسح الرأس والقدمين لأنهما ظاهران مكشوفان
يستقبل بهما في حالاته، وليس فيهما من الخضوع والتبتل ما في الوجه والذراعين (2).
بيان: الرغبة أن تبسط يديك وتظهر باطنهما، والرهبة أن تبسط يديك وتظهر ظهرهما،
والتبتل تحريك السبابة اليسرى ترفعها في السماء وتضعها كما روي في الصحيح (3)
والتقليب يشملها مع تحريك السبابة اليمنى يمينا وشمالا ويسمى بالتضرع، ورفع اليدين
للتكبير والوضع في مواضعهما في الركوع والسجود وساير الأحوال. 4 - ثواب الاعمال: عن
محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن عمرو بن
عثمان، عن صباح الحذاء، عن سماعة قال: قال أبو الحسن موسى عليه السلام: من توضأ
للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في نهاره، ما خلا الكبائر، ومن توضأ
لصلاة الصبح كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته ما خلا الكبائر (4)
ايضاح: لا يقال: مع اجتناب الكبائر الصغاير مكفرة بالاية الكريمة (5)
(1) عيون الاخبار ج 2 ص 89 (2) علل
الشرايع ج 1 ص 265. (3) راجع ج 2 ص 479 من الكافي ص 369 معاني الاخبار. (4) ثواب
الاعمال ص 17 (5) الاية هي قوله تعالى: " ان تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم
سيئاتكم
[232]
فأي فائدة للوضوء ؟ لأنا نقول: يحتمل أن
يكون تكفير الصغاير بسبب الوضوء مختصا بمن لم يجتنب الكبائر (1) وربما يقال: لعل
لكل منهما مدخلا في التكفير ولا يخفى ما فيه. 5 - معاني الاخبار: عن محمد بن موسى
بن المتوكل، عن محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس معا عن محمد بن أحمد بن يحيى
الأشعري، عن أحمد بن محمد عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثمانية لا تقبل لهم صلاة: العبد الابق حتى يرجع
إلى مولاه، والناشز عن زوجها وهو عليها ساخط، ومانع الزكاة، وتارك الوضوء، والجارية
المدركة تصلي بغير خمار، وإمام قوم يصلي بهم وهم له كارهون والزبين. قالوا: يا رسول
الله وما الزبين ؟ قال: الرجل يدافع البول والغايط. والسكران، فهؤلاء ثمانية لا
تقبل لهم صلاة (2). بيان: ظاهر الأخبار أن القبول غير الاجزاء، واختلف في معناهما،
فقيل القبول هو استحقاق الثواب، والاجزاء الخلاص من العقاب، وقيل: القبول [كثرة
الثواب والاجزاء بدونه قلة، والظاهر أن المراد بعدم القبول] (3) هنا
وندخلكم مدخلا كريما " وللمؤلف العلامة في
ج 6 ص 42 من هذه الطبعة بيان، وهكذا في ج 79 ص 3، ولنا في الذيل ج 79 ص 10 - 12 بحث
في ذلك من شاءه فليراجع. (1) بل الوجه فيه أن الحسنات يذهبن السيئات، والسيئات هي
الصغائر، والحسنات الصلوات الخمس كما يأتي في محله، فالمعنى أن كل صلاة إذا صليت في
وقته كانت مكفرة لما صدر من المصلى من صغائر الذنوب والسيئات قبل ذلك، الا أن ذلك
التكفير يعجل في صلاة المغرب والصبح فإذا توضأ لصلاتهما كفر ما بينهما، وأما من لا
يصلى فلا يكفر ذنوبه أصلا لان ترك الصلاة كبيرة في نفسها، بل هو بمنزلة الكفر. (2)
معاني الاخبار ص 404، ورواه في الخصال ج 2 ص 38 المحاسن ص 12. (3) ما بين العلامتين
ساقط من الكمبانى.
[233]
أعم من عدم الصحة وعدم الكمال، ففي تارك
الوضوء والمصلية بغير خمار و السكران الأول وفي الباقي الثاني، وقال في النهاية:
الزبن الدفع، ومنه الحديث لا يقبل الله صلاة الزبين، وهو الذي يدافع الأخبثين وهو
بوزن السجين هكذا رواه بعضهم والمشهور بالنون وقال في الزاء والنون: فيه لا يصلين
أحدكم وهو زنين أي حاقن، يقال: زن يزن أي حق فقطر، وقيل: هو الذي يدافع الأخبثين
معا، ومنه الحديث لا يقبل الله صلاة العبد الابق ولا صلاة الزنين. 6 - عقاب الاعمال
(1) والعلل: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد ابن الحسن الصفار، عن السندي بن
محمد، عن صفوان بن يحيى، عن صفوان ابن مهران، عن أبي عبد الله عليه الصلاة والسلام
قال: اقعد رجل من الأخيار في قبره فقيل له: إنا جالدوك مائة جلدة من عذاب الله،
فقال: لا اطيقها، فلم يزالوا به حتى انتهوا إلى جلدة واحدة، فقالوا ليس منها بد،
فقال: فبما تجلدونيها ؟ قالوا: نجلدك لأنك صليت يوما بغير وضوء، ومررت على ضعيف فلم
تنصره، قال: فجلدوه جلدة من عذاب الله عزوجل، فامتلأ قبره نارا (2). المحاسن: عن
محمد بن علي، عن ابن أبي نجران، عن صفوان مثله (3) بيان: في العلل وعقاب الأعمال "
رجل من الأخيار " بالخاء المعجمة و الياء المثناة التحتانية، وفي المحاسن والفقيه
(4) الأحبار بالحاء المهملة والباء الموحدة فعلى الأول المراد كونه خيرا عند الناس
أو في سائر أعماله، وعلى الثاني علماء اليهود.
(1) راجع ص 202 من ثواب الاعمال. (2) علل
الشرايع ج 1 ص 291. (3) المحاسن ص 78. (4) رواه في الفقيه مرسلا راجع ج 1 ص 35 ط
نجف.
[234]
ويدل الخبر على حرمة الصلاة بغير وضوء
ووجوب نصرة الضعفاء مع القدرة، وعلى سؤال القبر وعذابه، وأنه يسأل فيه عن بعض
الفروع أيضا كما دلت عليه أخبار اخر، وقد مر الكلام فيه في المجلد الثالث (1). 7 -
العيون (2) والعلل عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس، عن علي بن محمد بن قتيبة، عن
الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام. فان قال: لم أمر بالوضوء وبدأ به ؟ قيل: لأن
يكون العبد طاهرا إذا قام بين يدي الجبار في مناجاته إياه، مطيعا له فيما أمره،
نقيا من الأدناس و النجاسة، مع ما فيه من ذهاب الكسل، وطرد النعاس، وتذكية الفؤاد
للقيام بين يدي الجبار. فان قال: فلم وجب ذلك على الوجه واليدين، والرأس والرجلين ؟
قيل: لأن العبد إذا قام بين يدي الجبار، فانما ينكشف من جوارحه، ويظهر ما وجب فيه
الوضوء، وذلك أنه بوجهه يستقبل ويسجد ويخضع، وبيده يسأل ويرغب ويرهب ويتبتل، وبرأسه
يستقبل في ركوعه وسجوده، وبرجليه يقوم ويقعد. فان قيل: فلم وجب الغسل على الوجه
واليدين، والمسح على الرأس و الرجلين ولم يجعل غسلا كله، ولا مسحا كله ؟ قيل: لعلل
شتى: منها أن العبادة العظمى إنما هي الركوع والسجود، وإنما يكون الركوع والسجود
بالوجه واليدين، لا بالرأس والرجلين. ومنها أن الخلق لا يطيقون في كل وقت غسل الرأس
والرجلين، يشتد ذلك عليهم في البرد، والسفر، والمرض، والليل والنهار، وغسل الوجه
(1) راجع ج 6 ص 202 - 208 باب أحوال
البرزخ والقبر وعذابه وسؤاله. (2) عيون الاخبار ج 2 ص 104.
[235]
واليدين أخف من غسل الرأس والرجلين، وإنما
وضعت الفرائض على قدر أقل الناس طاقة من أهل الصحة، ثم عم فيها القوى والضعيف ومنها
أن الرأس و الرجلين ليس هما في كل وقت باديان وظاهران (1) كالوجه واليدين، لموضع
العمامة والخفين وغير ذلك. فان قال: فلم وجب الوضوء مما خرج من الطرفين خاصة، ومن
النوم دون ساير الأشياء ؟ فقيل: لأن الطرفين هما طريق النجاسة، وليس للانسان طريق
تصيبه النجاسة من نفسه إلا منهما، فامروا بالطهارة عندما تصيبهم تلك النجاسة من
أنفسهم، وأما النوم فان النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كل شئ منه واسترخى، فكان
أغلب الأشياء كلها فيما يخرج منه، فوجب عليه الوضوء بهذه العلة. فان قالوا: فلم لم
يؤمروا بالغسل من هذه النجاسة كما امروا بالغسل من الجنابة ؟ قيل: لأن هذا شئ دائم
غير ممكن للخلق الاغتسال منه كلما يصيب ذلك ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، والجنابة
ليس هي أمرا دائما إنما هي شهوة يصيبها إذا أراد، ويمكنه تعجيلها وتأخيرها للأيام
الثلاثة والأقل والأكثر، وليس هاتيك هكذا (2). توضيح: قوله عليه السلام: " ليس هما
في كل وقت " أي لا يحصل فيهما من الدنس و القذر ما يحصل في الوجه واليدين، لكونهما
غالبا باديين، قوله عليه السلام: " فكان أغلب
(1) كذا في النسخ: والرفع فيهما على الغاء
ليس من العمل بمعنى فرض دخولها على الجملة الاسمية " هما باديان " ويظهر من طبعة
الكمپانى أنه صحح " باديين وظاهرين " وهو الاشبه بقواعد العلم، على نحو قوله (ع): "
ليس هي أمرا دائما " فيما يأتي من لفظ الحديث. (2) علل الشرايع ج 1 ص 244 و 245
وفيه " وليس ذانك " وفى العيون " وليس ذلك ".
[236]
الأشياء " أي فكان النوم أغلب الأشياء في
احتمال خروج النجاسة أي أغلب أحوال الانسان، أو المراد بالأشياء الأعضاء بقرينة
قوله كل شئ منه أي أغلب الأشياء في الاسترخاء الأعضاء التي تخرج منها النجاسة، أو
المراد بالأشياء الاحتمالات أي أغلب الاحتمالات في حال الخروج فتكون كلمة " ما "
مصدرية، ولعل الأول أظهر. 8 - المناقب: لابن شهر آشوب: روي أن شاميا سأل علي بن
الحسين عليه السلام عن بدو الوضوء فقال قال الله تعالى لملائكته: " إني جاعل في
الأرض خليفة " (1) الاية فخافوا غضب ربهم فجعلوا يطوفون حول العرش كل يوم ثلاث
ساعات من النهار، يتضرعون، قال: فأمرهم أن يأتوا نهرا جاريا يقال له الحيوان تحت
العرش فيتوضأوا (2). 9 - تفسير الامام عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله: مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، ولا يقبل الله
صلاة بغير طهور (3). بيان: رواه في الكافي (4) عن أبي عبد الله عليه السلام عن
النبي صلى الله عليه وآله وفيه " افتتاح الصلاة " أي أول شرائطه ومقدماته، أو لأنه
لاشتراطها به كالجزء منها، أو عند الشروع في الوضوء إلى إتمام الصلاة يكتب له
ثوابها، وكذا المفتاح أو هو كناية عن الاشتراط أي لا يفتح الصلاة إلا به " وتحريمها
التكبير " أي لا يحرم محرمات الصلاة إلا به، ولا يحل المحرمات إلا بالتسليم، وظاهره
الوجوب وسيأتى القول فيه. 10 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن
محمد، عن الحسين ابن سعيد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبى جعفر عليه الصلاة
والسلام
(1) البقرة: 30. (2) المناقب ج 4 ص 160.
(3) تفسير الامام 239. (4) الكافي ج 3 ص 69.
[237]
قال: لا تعاد الصلاة إلا من خمسة: الطهور،
والوقت، والقبلة، والركوع والسجود (1). بيان: الطهور الطهارة من الحدث، أو الأعم
منه ومن الخبث، وفي الاخلال بالأول يلزم الاعادة مطلقا، وفي الثاني إذا كان عامدا
مطلقا في الوقت وخارجه سواء كان عالما بالحكم أو جاهلا واستشكل بعض المحققين قضاء
الجاهل، وإذا كان ناسيا الاعادة مطلقا أيضا على قول جماعة أو في الوقت خاصة على
الأشهر بين المتأخرين. وقيل: بعدم الاعادة مطلقا ولا يخلو من قوة، بحمل أخبار
الاعادة على الاستحباب، وإذا كان جاهلا ولم يعلم إلا بعد الفراغ، فالأشهر عدم
الاعادة مطلقا وقيل: يعيد في الوقت خاصة، وفيه قول نادر بوجوب القضاء أيضا والأول
أقوى. 11 - دعائم الاسلام: روينا عن علي عليه السلام عن رسول الله صلى الله عليه
وآله أنه قال: يحشر الله عزوجل امتي يوم القيامة بين الامم غرا محجلين من آثار
الوضوء (2). ومنه عن علي عليه السلام أنه قال: الطهر نصف الايمان (3). وعنه عليه
السلام أنه قال: من أحسن الطهور ثم مشى إلى المسجد فهو في صلاة ما لم يحدث (4).
ومنه: عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: لاصلاة إلا بطهور (5). وعن أبي عبد
الله جعفر بن محمد صلوات الله عليه أنه قال: لا يقبل الله صلاة إلا بطهور (6).
(1) الخصال ج 1 ص 137. (2 - 6) دعائم
الاسلام ج 1 ص 100.
[238]
12 - نوادر الراوندي: باسناده عن موسى بن
جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الوضوء نصف
الايمان (1). بيان: لعل المعنى أنه نصف الصلاة لشدة مدخليته في صحتها، وقد سمى الله
الصلاة إيمانا (2) في قوله سبحانه " وما كان الله ليضيع إيمانكم " كما مر (3). 13 -
المحاسن: عن عبد العظيم الحسني قال: قال أبو جعفر عليه السلام: لا صلاة إلا بطهور.
أقول: سيأتي بعض العلل في باب علل الصلاة.
(1) نوادر الراوندي: 40. (2) أقول: بل
الظاهر أن المراد بالايمان هو تصديق النبي صلى الله عليه وآله عند تحويل القبلة حيث
كان صعبا عليهم لكونه متضمنا لتخطئة قبلتهم الاولى ولذلك ارتد بعض المسلمين حينذاك
كما قال عزوجل في صدر الاية " سيقول السفهاء ما وليهم عن قبلتهم التى كانوا عليها "
إلى قوله " وما جعلنا القبلة التى كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب
على عقبيه وان كانت لكبيرة الا على الذين هدى الله ". (3) راجع باب تحول القبلة ج
19 ص 195 - 202 من هذه الطبعة الحديثة، و الاية في سورة البقرة: 143.
[239]
3 - * (باب) * * " (وجوب الوضوء وكيفيته
وأحكامه) " * الايات: المائدة: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا
وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين (1). الواقعة: إنه
لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون (2). تفسير: قيل إقباله جل شأنه
بالخطاب بهذا الأمر يتضمن تنشيط المخاطبين والاعتناء بشأن المأمور به، وجبر كلفة
التكليف بلذة المخاطبة، ثم إن قلنا باختصاص كلمة " يا " بنداء البعيد كما هو
الأشهر، فالنداء بها للبعد البعيد بين مقامي عز الربوبية وذل العبودية، أو لتنزيل
المخاطبين ولو تغليبا منزلة البعداء للانهماك في لوازم البشرية، وإن كان سبحانه
أقرب إلينا من حبل الوريد، أو لما يتضمنه هذا النداء من تفخيم المخاطب به، والإشارة
إلى رفعة شأنه بالايماء إلى أننا بمراحل عن توفية حقه، وحق ما شرع لأجله. ولفظة "
أي " لما كانت وصلة إلى نداء أمثال هذه المعارف، أعطيت حكم المنادى، ووصفت بالمقصود
بالنداء، وتوسيط ها التنبيه بينهما تعويض عما استحقه من المضاف إليه، وتأكيد
للخطاب، وقد كثر النداء بيا أيها الذين آمنوا في القرآن المجيد، لما فيه من وجوه
التأكيد بالايماء إلى التفخيم، وتكرار الذكر والابهام أولا ثم الايضاح ثانيا.
(1) المائدة: 6 (2) الواقعة: 77 - 79.
[240]
والإتيان بحرف التنبيه وتعليق الحكم على
الوصف المشعر بالعلية الباعث على الترغيب في الامتثال، وتخصيص الخطاب بالمؤمنين،
لأنهم هم المتهيؤن للامتثال، وإلا فالكفار عندنا مخاطبون بفروع العبادات، على أن
المصر على عدم الايتمار بالشئ لا يحسن أمره بما هو من شروطه ومقدماته. والقيام إلى
الصلاة قيل اريد به إرادته والتوجه إليه إطلاقا للملزوم على لازمه، أو المسبب على
سببه، إذا فعل المختار تلزمه الارادة، ويتسبب عنها كقوله تعالى " فإذا قرأت القرآن
" (1) وقيل المراد بالقيام إليها قصدها، والعلاقة ما مر من اللزوم أو السببية، وقيل
معنى القيام إلى الشئ قصده وصرف الهمة إلى الاتيان به، فلا تجوز، وقيل المراد
القيام المنتهي إلى الصلاة. قال الشيخ البهائي قدس سره: والقولان الأخيران وإن سلما
عن التجوز لكن أولهما لم يثبت في اللغة، وثانيهما لا يعم جميع الحالات، فالمعتمد
الأول وكيف كان، فالمعنى إذا قمتم محدثين، وأما ما نقل من أن الوضوء كان فرضا على
كل قائم إلى الصلاة وإن كان على وضوء (2) ثم نسخ بالسنة فلم يثبت عندنا، مع أنه
خلاف ما هو المشهور من أنه لا منسوخ في المائدة. وقال جماعة من الأصحاب: الوجه
مأخوذ من المواجهة فالاية إنما تدل على وجوب غسل ما يواجه به منه، وقال والدي قدس
سره: بل الأمر بالعكس، فان المواجهة مشتقة من الوجه. ولما كانت اليد تطلق على ما
تحت الزند، وعلى ما تحت المرفق، وما تحت المنكب، بين سبحانه غاية المغسول منها كما
تقول لغلامك: اخضب يدك إلى الزند
(1) النحل: 98. (2) - توهموا أن للاية
الشريفة اطلاقا بالنسبة إلى من قام إلى الصلاة، سواء كان متوضئا قبل ذلك لصلاة اخرى
ماضية أو لم يكن متوضئا، وليس بصحيح، والا لوجب أن يكون الخروج من الصلاة - التى
توضأ هذا الوضوء لها - ناقضا لذاك الوضوء كما أن الخروج من الغائط ناقض له، وهو كما
ترى.
[241]
وللصيقل اصقل سيفي إلى القبضة، وليس في
الاية الكريمة دلالة على ابتداء الغسل بالأصابع وانتهائه بالمرفق، كما أنه ليس في
هاتين العبارتين دلالة على ابتداء الخاضب والصيقل بأصابع اليد وطرف السيف، فهي
مجملة (1). ولا سيما إذا جعلت لفظة " إلى " فيها بمعنى " مع "، كما في بعض التفاسير
على أن الاية الشريفة هي التى تكفلت لبيان
الوضوء وكيفيته، ومعلوم أن الوضوء قبل نزولها لم يكن مفروضا، وان كان مسنونا ؟ ؟
أسوة بالنبي صلى الله عليه وآله. فشأن الاية أنه يفرض المكلفين من دون وضوء ثم
يأمرهم بالتوضى ويجعله شرطا للدخول في الصلاة، فكل من أراد الدخول في الصلاة بعد
نزول الاية كان شرطا عليه أن يتوضأ، وأما من توضأ بعد نزولها ولم يحدث بأحد
النواقض، فهو واجد للوضوء، والتوضى بعده مجددا تحصيل للحاصل. نعم ظاهر قوله تعالى:
" إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا " الخ الاتيان بالوضوء لاجل الصلاة والقيام إليها،
كما يقال، إذا أردت أن تلقى الامير فخذ أهبتك، وإذا أردت أن تلقى الاسد فخذ حذرك "
فمن كان توضأ لمس كتابة القرآن أو الكون على الطهارة أو للنوم أو للجماع مثلا لا
يصح له الدخول في الصلاة، لانه لم يمتثل فرض هذه الاية ومنه والنية أعنى ارادة
الصلاة والتوجه لها، وسيأتى مزيد الكلام فيه. (1) أقول: بل هي مطلقة تشمل أنحاء
الغسل: 1 - الابتداء بالمرفق ثم الاعلى فالاعلى بحيث ينفصل الغسالة من الاصابع. 2 -
الابتداء برؤس الاصابع ثم الاسفل والاسفل حتى ينفصل الغسالة من المرفق، والخطب في
تعسر الابتداء برؤس الاصابع ثم الاسفل فالاسفل. 3 - الغسل من دون رعاية الاعلى
فالاعلى، والاسفل فالاسفل، بأن يجمع بين النوعين المذكورين فتارة يدلك من المرفق
إلى الاصابع وتارة من الاصابع إلى المرفق - ويعبر عنه برد الشعر -. 4 و 5 - غسل
الكفين من الاصابع إلى الزند ثم غسل الساعد من المرفق إلى الزند وعكسه.
[242]
فالاستدل بها على وجوب الابتداء بالأصابع
استدلال واه لاحتمالها كلا الأمرين ونحن إنما عرفنا وجوب الابتداء بالمرفق من فعل
أئمتنا عليهم السلام. على أن ابن هشام ذكر في طي ما ذكر من أغلاط المعربين: الحادي
عشر قوله تعالى " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق " فان المتبادر تعلق إلى
باغسلوا وقد رده بعضهم بأن ما قبل الغاية لا بد أن يتكرر قبل الوصول إليها تقول
ضربته
6 و 7 - غسل الساعد من المرفق إلى الزند
ثم غسل الكفين من الاصابع إلى الزند وعكسه. 8 - رش اليدين إلى المرفق ثم دلكه هكذا:
ذاهبا وجائيا، ثم غمصه في الماء ليتحقق الغسل ويذهب بالدرن المانع. ومن دقق النظر،
يمكن له أن يتصور أنحاء أخرى غير ما ذكرناه، وهكذا في غسل الوجه وهو ذات أبعاض،
ومسح الرأس والقدمين كما سيأتي الكلام فيه. ولكن أحسن الوجوه اللائق بمقام الربوبية
وأسهلها من حيث الطبع وأكملها من حيث النظافة والذهاب بالدرن الموافق لطبع الماء
المطهر وجريانه، هو الوجه الاول وهو الغسل: الاعلى فالاعلى - سواء كان غسل الوجه أو
اليدين أو تمام البدن في الغسل، بأن يرسل الماء في الوضوء إلى أعلى الوجه ويمر يده
ماسحا من الاعلى إلى الاسفل حتى يوافق غسله ومسحه طبع الماء من حيث نزوله وميله إلى
الارض فيتوافقان معا، وينفصل الغسالة من الذقن وينزل إلى الارض، كما هو دأب جميع
البشر في غسل الوجه، المسلم وغيره. ثم يرسل الماء إلى أعلى المرفق ويمسح بيده من
الاعلى إلى الاسفل موافقا لجريان الماء وطبعه حتى يذهب بالدرن المانع، وينفصل
الغسالة من الاصابع، وهذا هو النحو المتعارف المطبوع لكل أحد، سوى أهل السنة من
المخالفين، خالفوا فطرتهم المجبولة قسرا لاجل فتوى فقهائهم الجهال حيث توهموا أن "
إلى " في الاية تفيد وجوب الابتداء من الاصابع والانتهاء إلى المرافق وليس كذلك، لا
عرفا كما بينه المؤلف العلامة قدس سره وهو على محله، ولالغة كما ستعرفه من كلام ابن
هشام.
[243]
إلى أن مات، ويمتنع قتلته إلى أن مات،
وغسل اليد لا يتكرر قبل الوصول إلى المرفق، لأن اليد شاملة لرؤوس الأنامل والمناكب
وما بينهما. قال: والصواب تعلق إلى باسقطوا محذوفا ويستفاد من ذلك دخول المرافق في
الغسل، لأن الإسقاط قام الاجماع على أنه ليس من الأنامل بل من المناكب وقد انتهى
إلى المرفق، والغالب أن ما بعد إلى يكون غير داخل، بخلاف حتى وإذا لم يدخل في
الاسقاط بقي داخلا في المأمور بغسله انتهى (1). والحمد لله الذي أظهر الحق على لسان
أعدائه، ألا ترى كيف اعترف هذا الفاضل الذي هو من أفاخم علماء العربية، وأجلة أفاضل
أهل الضلالة، بما يستلزم الحق المبين، والحمد لله رب العالمين. وقد روي عن الصادق
عليه السلام أن الاية نزلت هكذا " وأيديكم من المرافق " (2). والمرافق جمع مرفق
بكسر أوله وفتح ثالثه، أو بالعكس، وهو مجمع
(1) راجع مغنى اللبيب الباب الخامس في ذكر
الجهات التى يدخل الاعتراض على المعرب من جهتها ص 533 ط مصر وزاد بعده: وقال بعضهم:
الايدى في عرف الشرع اسم للاكف فقط، بدليل آية السرقة، وقد صح الخبر باقتصاره صلى
الله عليه وآله في التيمم على مسح الكفين، فكان ذلك تفسيرا للمراد بالايدي في آية
التيمم، قال، وعلى هذا فالى غاية للغسل، لا للاسقاط، قلت، وهذا ان سلم فلابد من
تقدير محذوف أيضا أي: ومدوا الغسل إلى المرافق، إذ لا يكون غسل ما وراء الكف غاية
للكف. اقول: الاستدلال بآية السرقة على أن المراد بالكفين في عرف الشرع هو الاكف
ليس على محله، فان آية السرقة لم يبين حد القطع وانما بين في السنة المختلف فيها
بين أهل البيت وغيرهم من المخالفين، وقد قيل بالقطع من المرفق أيضا بدليل آية
الوضوء ولعل ابن هشام لاجل مدخولية قوله واستدلاله قال: " وهذا ان سلم ". (2) راجع
الكافي ج 3 ص 28 حديث الهيثم بن عروة التميمي عن أبى عبد الله (ع) وسيجئ في طى
أخبار الباب روايات أخر.
[244]
عظمي الذراع والعضد سمي بذلك لأنه يرتفق
به في الاتكاء ونحوه، ولا دلالة في الاية على إدخاله في غسل اليد، ولا على إدخال
الكعب في مسح الرجل لخروج الغاية تارة ودخولها اخرى ومجئ " إلى " بمعنى " مع " كما
في قوله تعالى " ويزدكم قوة إلى قوتكم " (1) وقوله " من أنصاري إلى الله " (2) لا
ينفع فنحن إنما استفدنا إدخال المرفق في الغسل من فعل أئمتنا عليهم السلام (3) وقد
أطبق جماهير الأمة أيضا على دخوله، ولا يخالف فيه إلا شرذمة شاذة من العامة لا يعتد
بهم. وأما الكعبان فالمشهور بين علمائنا عدم دخولهما في المسح، وليس في رواياتنا
تصريح بدخولهما فيه، بل في بعضها إشعار بعدمه، وأما العامة فقد أدخلوهما في الغسل،
والباء في قوله: " برؤسكم " حملها العامة على مطلق الالصاق (4) ومن ثم
(1) هود: 52. (2) آل عمران: 52، الصف: 14.
(3) لا يدل فعل أئمتنا عليهم الصلاة والسلام على دخول المرفق في المغسول فان اللازم
ارسال الماء من أعلى المغسول، ولا يمكن ذلك، الا بارسال الماء من أعلى المرفق ومسحه
باليد إلى الاسفل، فغسل المرفق في الوضوءات البيانية من باب المقدمية كغسل اليدين
قبل الشروع في الوضوء والغسل، وقد سبق الكلام فيه في ص 146. (4) وعندي أن الباء
للاستعلاء وهو المعنى العاشر مما ذكره ابن هشام في المغنى واستشهد بقوله تعالى: "
من ان تأمنه بقنطار " بدليل قوله تعالى: هل آمنكم عليه الا كما أمنتكم على أخيه "
وبقوله " وإذا مروا بهم يتغامزون " بدليل قوله تعالى: " و انكم لتمرون عليهم " وقول
الشاعر: " أرب يبول الثعلبان برأسه " بدليل تمامه " لقد هان من بالت عليه الثعالب
". وانما قلت انها للاستعلاء، فان المسح يتعدى إلى الممسوح بنفسه، وفيه معنى
الالصاق الحقيقي، فلو جعلنا الباء للالصاق أيضا لكان لغوا، كما لا يخفى. على أن
معنى الالصاق - وهو الذى اقتصر عليه سيبويه، معنى لا يفارق الباء في كل
[245]
أوجب بعضهم مسح كل الرأس، واكتفى بعضهم
ببعضه، وأما عند الامامية فالباء عندهم للتبعيض (1) كما تدل عليه أخبارهم (2) ولا
يلتفت إلى إنكار بعض المخالفين مجي الباء للتبعيض، لاعتراف فحول علمائهم بمجيئه
كالفيروز آبادى وهو من أفاخم اللغويين الذين يعتمدون عليهم في جل أحكامهم، حيث قال
في
معانيه فلا وجه لذكره عليحدة لانه معنى
ضمنى يستفاد من وصلة الفعل إلى مفعوله بسبب الباء، أو بنفسه، لا أنه معنى خاص
بالباء، وقولهم في الالصاق الحقيقي " أمسكت بزيد " فقد ضمن أمسكت معنى تعلقت، وهو
ظاهر لمن تأمل، وقولهم في الالصاق المجازى " مررت بزيد " فالباء للاستعلاء، كما في
قوله تعالى: " وإذا مروا بهم يتغامزون " فانه ضمن معنى الاشراف وقوله: أرب يبول
الثعلبان برأسه. فالمعنى امسحوا على رؤسكم وعلى أرجلكم إلى الكعبين، وانما قيد
الارجل بقوله " إلى الكعبين " لان الرجل يشمل الساقين والفخذين أيضا فقيده إلى
الكعبين ليعلم أن المسح الواجب يكون على ظهر الرجل ولا يجاوز الكعبين إلى الساقين،
كما قيد اليدين في قوله: " اغسلوا وجوهكم وأيديكمم إلى المرافق " ليعلم أن الغسل لا
يجاوز المرافق إلى العضدين. (1) بل التبعيض انما يفهم بقرينة ذكر الباء، لا أن
الباء نفسها للتبعيض، أما في الاية الكريمة " وامسحوا برؤسكم وأرجلكم " فلانها بعد
ما كانت بمعنى الاستعلاء كان المعنى: امسحوا على رؤسكم وأرجلكم، فيكفى في مصداقه
مسح ما من دون استيعاب الرأس والرجلين، والا لقال عزوجل " امسحوا رؤسكم وأرجلكم "
ليشمل بظاهره تمام الرأس والرجلين إلى الكعبين، وأما في قوله تعالى " عينا يشرب بها
عباد الله " وقد استشهدوا بها لمجيئ الباء للتبعيض، فالظاهر أنها للسببية، ضمن
الشرب معنى الرى، والمعنى: عينا يروى بها عباد الله إذا شربوا منها شربة، وهكذا
الكلام في البيتين اللتين استشهد بهما على ما سيجيئ. (2) سيأتي متن الاحاديث، وفيها
" أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء " وليس ذلك بصريح في أن الباء للتبعيض كما هو
ظاهر.
[246]
سياق معاني الباء: وللتبعيض " عينا يشرب
بها عباد الله " (1) " وامسحوا برؤسكم " انتهى (2). وقال ابن هشام في ترجمة الباء:
الحادية عشر للتبعيض أثبت ذلك الأصمعي والفارسي والقتيبي وابن مالك، قيل:
والكوفيون، وجعلوا منه " عينا يشرب بها عباد الله " وقوله " شربن بماء البحر ثم
ترفعت "..... (3) وقوله....: " شرب النزيف ببرد ماء الحشرج " (4) قيل: ومنه "
وامسحوا برؤسكم " انتهى (5). ويكفى لنا ما صدر عن أئمتنا عليهم السلام في ذلك فانهم
أفصح العرب قد أقربه المخالف والمؤالف من أهل اللسان، فلا يلتفت إلى انكار سيبويه
بعد ذلك مجئ الباء في كلام العرب للتبعيض في سبعة عشر موضعا من كتابه مع أن شهادته
في ذلك شهادة نفي وهي غير مقبولة، بل شهادة المدعي وهي غير مسموعة، مع أنها معارضة
باصرار الأصمعي على مجيئها له في نظمهم ونثرهم، وهو أشد أنسا بكلامهم، و أعرف
بمقاصدهم من سيبويه المعاند للحق وأهله. ووافق ابن جني سيبويه في ذلك، وما ذكر بعض
مشايخنا من عد قول ابن جني موافقا لمذهب ابن مالك فهو سهو، لتصريح الرضي بما ذكرنا.
وأما قوله سبحانه " وأرجلكم " فالقراء السبعة قد اقتسموا قراءتي نصب الأرجل وجرها
على التناصف، فقرأ الكسائي، ونافع، وابن عامر، و حفص عن عاصم، بنصبها، وحمزة وابن
كثير وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم
(1) الانسان: 6. (2) القاموس ج 4 ص 408،
آخر الكتاب. (3) صدر بيت وبعده كما في المصدر: متى لجج خضر لهن نئيج. (4) عجز بيت
وصدره كما في المصدر: فلثمت فاها آخذا بقرونها. (5) راجع ص 105 من مغنى اللبيب، ط
مصر: لكنه قال بعد ذلك، والظاهر أن الباء فيها للالصاق وقد مر الكلام فيه.
[247]
بجرها (1). واختلفت الامة في مسح الرجلين
وغسلهما في الوضوء، فقال فرقة بالمسح وهم كافة أصحابنا الامامية، ونقل الشيخ في
التهذيب أن جماعة من العامة يوافقوننا على المسح أيضا إلا أنهم يقولون باستيعاب
القدم ظهرا وبطنا، ومن القائلين بالمسح ابن عباس، وكان يقول: الوضوء غسلتان
ومسحتان، من باهلني باهلته، ووافقه أنس بن مالك وعكرمة والشعبي وجماعة من التابعين،
وقد نقل علماء العامة من المفسرين وغيرهم أنه موافق لقول الامام محمد بن علي الباقر
عليه السلام وقول آبائه الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين. وقال طائفة بالغسل، وهو
مذهب أصحاب المذاهب الأربعة، وقال
(1) أقول: الاية الشريفة من المحكمات التى
نزلت بلسان عربي مبين: تبين كيفية الوضوء، وتجعله شرطا للدخول في الصلاة بحيث إذا
لم يكن متوضئا لم يجز له الدخول في الصلاة، فمن البديهى - وهو الواجب على الحكيم
تعالى عند ارادة البيان - ألا تكون الاية نازلة الا بقراءة واحدة تبين كيفية الوضوء
من دون اختلاف وتنازع، ولو كانت - على ما زعموا - نازلة بقراءتين تختلفان معنا،
للزم التعمية عند البيان، وانقلب المحكم متشابها ذو وجوه والوان، وفيه اخلال بالغرض
من فرض الوضوء وباختلاله يختل الصلاة حيث جعل الوضوء شرطا للدخول فيها واستباحتها،
مع أن الصلاة عمود الدين. فإذا لابد وأن تكون احدى القراءتين مدخولة مزعومة، ولا
تكون الاقراءة النصب فانها خارجة عن طبع الكلام، مخالفة لقواعد النظم شاذة عن
الاسلوب الحكيم وهى معذلك موجب للتعمية والاضلال، حيث عمى عليهم أن " أرجلكم "
بالنصب هل هي معطوفة على المغسول أو الممسوح، ولعمري انها قراءة تابعة لفتوى
الجمهور، شايعة لامر امامهم عمر حيث أمر بغسل الرجلين، لا أنها قراءة متبعة. وأما
قراءة الجر، فهى قراءة - لو لم تكن سنة متبعة - للزم القراءة بها اتباعا للاسلوب
الحكيم، وقواعد النظم السليم، كما ستعرف وجه ذلك بوضوح انشاء الله تعالى.
[248]
داود والناصر للحق وجم غفير من الزيدية
بالجمع بين الغسل والمسح، قالوا: قد ورد الكتاب بالمسح، والسنة بالغسل، فوجب العمل
بهما معا، وذهب الحسن البصري وأبو علي الجبائي ومحمد بن جرير الطبري إلى التخيير
بينهما. فإذا عرفت هذا فاعلم أن الماسحين حملوا قراءة النصب على العطف على محل
الرؤوس كما تقول: مررت بزيد وعمرا بالعطف على محل زيد، لأنه مفعول به (1) والعطف
على المحل شايع في كلام العرب، مقبول عند النحاة وأما قراءة الجر فلا حاجة لهم إلى
توجيهها إذ ظهورها في المسح غني عن البيان. والغاسلون حملوا قراءة النصب على عطف
الأرجل على الوجوه أو على إضمار عامل آخر تقديره " واغسلوا أرجلكم " كما أضمروا
العامل في قول الشاعر: " علفتها تبنا وماء باردا " قوله: " متقلدا سيفا ورمحا ".
واضطربوا في توجيه قراءة الجر فقال بعضهم: إن الأرجل فيها معطوفة على الأيدي، وإنما
جرت لمجاورة المجرور أعني الرؤوس نحو قولهم: " جحر ضب خرب.
(1) وليس بصحيح، فان مررت لازم لا يتعدى
إلى زيد ولا إلى عمرو الا بالباء الذى هو للتعدية والالصاق، ولا يصح نصب " عمرا "
الا بالعطف على المحل، وأما المسح فهو متعد بنفسه من دون آلة، ويصح أن يقال "
امسحوا أرجلكم " فلو كان النصب صحيحا لزم اضمار عامل آخر، والا للزم عطف المنصوب
على المجرور، ولو كان العامل مقدرا لم ينهض قرينة على أنه هو " اغسلوا " أو هو "
امسحوا " فان اضمار العامل يستلزم كون الكلام مقطوعا عما قبله كما في قراءة الرفع،
فاحتمال الغسل والمسح يكون على سواء وهو التعمية عند البيان. ولو قيل بأن المقدر هو
" امسحوا " للزم استيعاب الرجلين إلى الكعبين بالمسح، و لا يقول به الشيعة، ولو قيل
بأنه هو " اغسلوا " للزم التناقض بين القراءتين وورد عليهم ما أورده، المؤلف
العلامة في المتن فلابد من الغاء قراءة النصب كما مر، لانها خارج عن الاسلوب
الحكيم.
[249]
وقال آخرون: هي معطوفة على الرؤوس والاية
مقصورة على الوضوء الذي يمسح فيه الخفان، وليس المراد بها بيان كيفية مطلق الوضوء.
ولم يرتض الزمخشري في الكشاف شيئا من الوجهين، واخترع وجها آخر حيث قال: فان قلت:
فما تصنع بقراءة الجر ودخول الأرجل في حكم المسح ؟ قلت: الأرجل من بين الأعضاء
الثلاثة المغسولة تغسل بصب الماء عليها، فكانت مظنة للاسراف المذموم المنهي عنه،
فعطفت على الرابع الممسوح لا لتمسح، و لكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء
عليها، وقيل: " إلى الكعبين " فجئ بالغاية إماطة لظن ظان يحسبها ممسوحة، لأن المسح
لم تضرب له غاية في الشريعة انتهى. وأما الجامعون بين الغسل والمسح فهم يوافقون
الامامية في استفادة المسح من الاية على كل من القرائتين، وأما المخيرون فرئيسهم
أعني الحسن لم يقرأ بنصب الأرجل ولا بجرها، وإنما قرأها بالرفع على تقدير وأرجلكم
مغسولة أو ممسوحة، وباقيهم وافقوا الامامية على ما استفادوه من الاية. ومن وفقه
الله لسلوك جادة الانصاف، ومجانبة جانت الاعتساف، لا يعتريه ريب في أن الاية
الكريمة ظاهرة في المسح، شديدة البعد عن إفادة الغسل، وأن ما تمحله الغاسلون في
توجيه قراءة النصب من عطف الأرجل على الوجوه يوجب خروج الكلام عن حلية الانتظام،
لصيرورته بذلك من قبيل قول القائل " ضربت زيدا وعمرا وأكرمت خالدا وبكرا " بجعل
بكرا معطوفا على زيد لقصد الاعلام بأنه مضروب لا مكرم، ولا يخفى أن مثل هذا الكلام
في غاية الاستهجان عند أهل اللسان، فكيف يجنح إليه أو تحمل الاية عليه. وأما ما
تكلفوه من تقدير " واغسلوا " فلا يخفى ما فيه، فان التقدير خلاف الأصل، وإنما يحسن
ارتكابه عند عدم المندوحة عنه، وفد عرفت أن العطف على المحل طريق واضح، ومذهب راجح.
وأما المحملان اللذان حملوا عليهما قراءة الجر، فهما بمراحل عن جادة السداد، أما
الحمل على أن المراد تعليم مسح الخفين، فلا يخفى ما فيه من
[250]
البعد، ولهذا أعرض عنه المحققون من
المفسرين إذ لم يجر للخفين ذكر، ولا دلت عليهما قرينة، وليس الغالب بين العرب
لبسهما، وسيما أهل مكة والمدينة زادهما الله شرفا، فكيف يقتصر سبحانه في ابتداء
كيفية الوضوء على تعليم كيفية وضوء لابس الخفين فقط، ويترك وضوء من سواه، وهو
الغالب الأهم. وأما الحمل على جر الجوار، فأول ما فيه أن جر الجوار ضعيف جدا حتى أن
أكثر أهل العربية أنكروه، ولم يعولوا عليه، ولهذا لم يذكره صاحب الكشاف في توجيه
قراءة الجر وتمحل لها وجها آخر. وأيضا فان المجوزين له إنما جوزوه بشرطين: الأول
عدم تأديته إلى الالتباس على السامع، كما في المثال المشهور إذ الخرب إنما يوصف به
الجحر لا الضب، والثاني أن لا يكون معه حرف العطف، والشرطان مفقودان في الاية
الكريمة، أما الأول فلأن تجويز جر الجوار هنا يؤدي إلى التباس حكم الأرجل لتكافؤ
احتمالي جرها بالجوار المقتضي لغسلها، وبالعطف على الأقرب المقتضي لمسحها. فان قلت:
إنما يجئ اللبس لو لم تكن في الاية قرينة على أنها مغسولة لكن تحديدها بالغاية
قرينة على غسلها، إذ المناسب عطف ذي الغاية على ذي الغاية لا على عديمها، وتناسب
المتعاطفين أمر مرغوب فيه في فن البلاغة. قلت: هذه القرينة معارضة بقرينة اخرى،
دالة على كونها ممسوحة، و هي المحافظة على تناسب الجملتين المتعاطفتين فانه سبحانه
لما عطف في الجملة الاولى ذا الغاية على غير ذي الغاية، ناسب أن يكون العطف في
الجملة الثانية أيضا على هذه الوتيرة، وعند تعارض القرينتين يبقى اللبس بحاله. وأما
الشرط الثاني فأمره ظاهر. فان قلت: قد جاء الجر بالجوار في قوله تعالى " وحور عين "
(1) في
(1) سورة الواقعة: 23 - 17 والايات هكذا:
يطوف عليهم ولدان مخلدون * بأكواب وأباريق * وكاس من معين * لا يصدعون عنها ولا
ينزفون * وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون * وحور عين كامثال اللؤلؤ
المكنون.
[251]
قراءة حمزة والكسائي مع أن حرف العطف هناك
موجود، وليست معطوفة على " أكواب " بل على " ولدان " لأنهن طائفات بأنفسهن وجاء
أيضا في قول الشاعر: فهل أنت إن ماتت أتانك راحل * إلى آل بسطام بن قيس فخاطب بعطف
خاطب على راحل، وجره بجوار قيس. قلنا: أما الاية الكريمة فليس جر " حور عين " فيها
بالجوار، كما ظننت بل إنما هو بالعطف على " جنات " أي هم في جنات ومصاحبة حور عين،
أو على أكواب إما لأن معنى " يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب ": ينعمون بأكواب، كما
في الكشاف وغيره، أو لأنه يطاف بالحور عليهم مثل ما يجاء بسراري الملوك إليهم كما
في تفسير الكواشي وغيره، ودعوى كونهن طائفات بأنفسهن لا مطافا بهن لم يثبت بها
رواية، ولا يشهد بها دراية. وأما البيت فبعد تسليم كونه من قصيدة مجرورة القوافي
(1) فلا نسلم كون لفظة خاطب إسم الفاعل، لجواز كونها فعل أمر أي فخاطبني وأجبني عن
سؤالي وإن سلمنا ذلك فلا نسلم كونها مجرورة لكثرة الاقواء في شعر العرب العرباء حتى
قل أن يوجد لهم قصيدة سالمة عنه، كما نص عليه الادباء فلعل هذا منه، وإن سلمنا
كونها مجرورة بالجوار، فلا يلزم من وقوع جر الجوار مع العطف في الشعر جوازه في غيره
[إذ يجوز في الشعر لضرورة الوزن أو القافية ما لا يجوز في غيره] (2). وأما المحمل
الثالث الذي تمحله صاحب الكشاف، فلا يخفى ما فيه من التعسف الشديد، والتمحل البعيد،
ومن ذا الذي قال بوجوب الاقتصاد في غسل الرجلين ؟ وأي إسراف يحصل بصب الماء عليها ؟
ومتى ينتقل المخاطبون بعد عطفها على الرؤوس الممسوحة وجعلها معمولة لفعل المسح إلى
أن المراد غسلها
(1) حيث نسب إلى جرير ولم يثبت، ونقل
الجصاص في أحكام القرآن ج 2 ص 422 أن بعده: فنل مثلها في مثلهم أو فلمهم * على
دارمي بين ليلى وغالب (2) زيادة من المخطوطة ساقطة من الكمبانى.
[252]
غسلا يسيرا مشابها للمسح ؟ وهل هذا إلا
مثل أن يقول القائل: أكرمت زيدا وعمروا وأهنت خالدا وبكرا، فهل يفهم أهل اللسان من
كلامه هذا إلا أنه أكرم الأولين وأهان الاخرين ؟ ولو قال لهم: إني لم أقصد من عطف
بكر على خالد أني أهنته، وإنما قصدت أني أكرمته إكراما حقيرا قريبا من الاهانة،
لأكثروا ملامه، وزيفوا كلامه، وحكموا بأنه خارج عن اسلوب كلام الفصحاء. وأما
التأييد الذي ذكره فهو أعجب وأغرب، لأنه إن أراد أن مطلق المسح لم تضرب له غاية في
الشريعة، ولم ترد به الاية الكريمة، فهو عين المتنازع بين فرق الاسلام، وإن أراد أن
مسح الرأس لم تضرب له غاية فأين القرينة حينئذ على أن الأرجل مغسولة. وأعجب من ذلك
أنه لشدة اضطرابه قد ناقض نفسه في كلامين ليس بينهما إلا أسطر قلائل، حيث قال عند
قوله تعالى: " فاغسلوا وجوهكم " فان قلت: هل يجوز أن يكون الأمر شاملا للمحدثين
وغيرهم: لهولاء على وجه الوجوب. و لهؤلاء على وجه الندب ؟ قلت: لا، لأن تناول
الكلمة لمعنيين مختلفين من باب الالغاز والتعمية، ثم إنه حمل قوله تعالى: " وامسحوا
برؤوسكم " على ما هو أشد إلغازا وأكثر تعمية من أكثر الألغار والمعميات، وجوز تناول
الكلمة لمعنيين مختلفين، إذ المسح من حيث وروده [على الرؤس يراد به المسح الحقيقي
ومن حيث وروده] (1) على الأرجل يراد به الغسل القريب من المسح، وما حمله على هذا
التعسف مع غاية فضله إلا التعصب، أعاذنا الله منه. فائدة قيل: إن الظاهر من الاية
الكريمة وجوب الوضوء على كل من قام إلى الصلاة (2) حتى المتطهرين أيضا لدلالة كلمة
إذا على العموم عرفا، مع أن حمله ههنا على الاهمال يجعل الكلام خاليا عن الفائدة
المعتد بها، وهو لا يناسب كلام
(1) ما بين العلامتين ساقط عن الكمبانى.
(2) قد عرفت وجه الكلام في ذلك في ص 241.
[253]
الحكيم، لكن الاجماع واقع على وجوب الوضوء
على المحدثين فقط. قال في المنتهى: إذا توضأ لنافلة جاز أن يصلي بها فريضة، وكذا
يصلي بوضوء واحد ما شاء من الصلوات، وهو مذهب أهل العلم، خلافا للظاهرية انتهى.
فقال بعضهم: إن الحكم كان في الابتداء كذلك، وكان الوضوء واجبا عند كل صلاة على
المتطهر والمحدث، لكن قد نسخ، وضعف باتفاق الجمهور على أن الاية ثابتة لا نسخ فيها،
وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أن المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا
حلالها، وحرموا حرامها (1) وعدم ظهور ناسخ، و اعتبار الحدث في التيمم الذي هو بدل
منه في الاية. وقال بعضهم: إن الأمر للندب لأن تجديد الوضوء عند كل صلاة مستحب كما
يشهد به الأخبار، وضعف أيضا بأنه غير موافق لقرينه الذي هو " فاطهروا " لأنه للوجوب
قطعا وبأن الندب بالنسبة إلى الجميع غير معقول لثبوت الوجوب على بعض البتة، إلا أن
يقال: الاستحباب ينسحب إلى العموم والشمول، و فيه بعد. وقيل بحمله على الرجحان
المطلق، ويكون الندب بالنسبة إلى المتوضئين، والوجوب بالنسبة إلى المحدثين، وفيه
أيضا لزوم عدم الموافقة، ولزوم عموم المجاز، أو الاشتراك الذي هو إما غير جايز أو
بعيد جدا، فالأولى أن يقال: إن الاية مخصصة بالمحدثين، لا بأن يكون المراد من الذين
آمنوا: المحدثين، بل بابقائه على العموم، وتقدير إن كنتم محدثين في نظم الكلام.
فيصير المعنى حينئذ: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فان كنتم محدثين
بالحدث الأصغر فتوضؤا، وإن كنتم جنبا فاغتسلوا، وإن لم تقدروا على
(1) راجع كتاب القرآن من البحار ج 92 ص
273 - 274 من هذه الطبعة، و رواه في الدر المنثور ج 2 ص 252 وقال الرازي في تفسيره:
أجمع المفسرون على أن هذه السورة لا منسوخ فيها، الا قوله تعالى: " لا تحلوا شعائر
الله ".
[254]
الماء وكنتم محدثين بالحدث الأصغر أو
الأكبر فتيمموا فيوافق القرائن و ويطابق النظائر. هذا بالنظر إلى ظاهر الاية مع قطع
النظر عن الخبر، وقد مر في الخبر أن المراد بالقيام القيام من النوم فلا إشكال،
فيكون وجوب الوضوء بغير حدث النوم مستفادا من الأخبار، كما أن وجوب الغسل بغير
الجنابة مستفاد من محل آخر، وأهل البيت أدرى بما نزل عليهم من غيرهم. وأما الاية
الثانية: فقوله تعالى: " إنه لقرآن " (1) جواب للقسم في قوله سبحانه " فلا أقسم
بمواقع النجوم " ومعنى كونه كريما أنه كثير النفع، لتضمنه اصول العلوم المهمة من
أحوال المبدء والمعاد، واشتماله على ما فيه صلاح معاش العباد، أو لأنه يوجب عظيم
الأجر لتاليه ومستمعه، والعامل بأحكامه، أو أنه جليل القدر بين الكتب السماوية
لامتيازه عنها بأنه معجز باق على ممر الدهور والأعصار. وقوله: " في كتاب مكنون " أي
مصون، وهو اللوح المحفوظ، وقيل: هو المصحف الذي بأيدينا، والضمير في " لا يمسه "
يمكن عوده إلى القرآن، و إلى الكتاب المكنون، على كل من تفسيريه، واستدل بالأول على
منع المحدث من مس خط المصحف، وبثاني شقي الثاني على المنع من مس ورقه، بل لجلده
أيضا فأما مس خط المصحف فقال الشيخ في المبسوط بكراهته ونسب العلامة في المختلف
القول بالكراهة إلى ابن إدريس وابن البراج أيضا وحرمه الشيخ في التهذيب والخلاف،
وبه قال أبو الصلاح والمحقق والعلامة، وهو الظاهر من كلام الصدوق في الفقيه. واحتج
القائلون بالتحريم بهذه الاية وقالوا إن قوله تعالى " لا يمسه " لا يمكن أن يكون
محمولا على الخبرية والنفي، وإلا يلزم الكذب، فلا بد من حمله على الانشاء والنهي،
وظاهر النهي التحريم، واورد عليه بأنه موقوف على إرجاع
(1) الواقعة: 76.
[255]
الضمير إلى القرآن وهو ممنوع، لجواز رجوعه
إلى الكتاب كما جوزه بعض المفسرين، بل هو أقرب، لقربه، ويكون المعنى أنه لا يطلع
على الكتاب المكنون أي المستور المصون إما عن الناس أو عن التغيير والتبديل، أو
الغلط أو التضييع، والمراد به اللوح المحفوظ كما قاله المفسرون، " إلا " الملائكة "
المطهرون " من الكدورات الجسمانية، وأدناس المعاصي. وقد يضعف هذا الاحتمال بوجوه:
أحدها أن قوله تعالى " لا يمسه " حينئذ يكون تأكيد المكنون، والتأسيس أولى، وبما
ذكر من الاحتمالات في معنى المكنون يظهر الجواب عنه. وثانيها أن سياق الكلام لاظهار
شرف القرآن وفضيلته، لا اللوح، وفيه أن ثبوته في اللوح الذي لا يمسه إلا المطهرون
شرف وفضيلة له، ألا ترى إلى قوله عزوجل " في كتاب مكنون " فان كان كونه في كتاب
مكنون شرفا وفضيلة فهذا أيضا شرف وفضل بالطريق الاولى، وإن لم يكن ذلك شرفا فقد بطل
مبنى الاعتراض، من أن سياق الكلام لإظهار شرف القرآن وفضله كما لا يخفى. وثالثها أن
قوله تعالى بعد هذه الاية متصلا بها " تنزيل من رب العالمين " صفة للقرآن لا الكتاب
لأنه المنزل دونه، وقوله سبحانه " كريم " و " في كتاب مكنون " أيضا صفة له، فينبغي
أن يكون " لا يمسه " أيضا صفة له، وإلا لم يحسن التوسيط، وفيه أنه إذا كان " لا
يمسه " صفة لمكنون، يكون من جملة متعلقات الصفة الثانية ومتمماتها، فكان مجموع هذا
الكلام صفة واحدة، فلا يكون توسيطا مخلا بحسن الكلام وبلاغته، ألا يرى إلى توسيط
مكنون مع أنه صفة للكتاب. ورابعها أنه يلزم حينئذ ارتكاب المجاز في المس، وهو ظاهر،
وكذا في المطهر لأن الطهارة حقيقة شرعية في الوضوء وهو خلاف الأصل، وفيه أنا لا
نسلم أن الحمل على الحقيقة مطلقا أولى من الحمل على المجاز، ألا يرى أن علماء
البلاغة أطبقوا على أن المجاز أبلغ من الحقيقة، وأيضا ثبوت الحقايق الشرعية ممنوع،
ومع تسليمه لا نسلم أن حقيقة الطهارة الوضوء، بل يجوز أن
[256]
يكون انتفاء الحدث أو الخبث، ولا شك في
تحقق هذا المعنى في الملائكة، وأيضا ارتكاب المجاز في حمل الخبر على الانشاء كما
ارتكبتم في الاستدلال ليس بأولى من ارتكاب هذين المجازين، إلا أن يقال إنه مجاز
واحد، وهذان مجازان. ثم على تقدير تسليم رجوع الضمير إلى القرآن نقول: إن دلالتها
على المطلوب أيضا غير تام إذ يجوز أن يكون اتصافه بأنه لا يمسه إلا المطهرون
باعتبار أصله الذي في اللوح كما أن اتصافه بفي كتاب مكنون أيضا كذلك. وأيضا يجوز أن
يكون المراد والله أعلم أنه لا يعلم حقايقه ودقايقه وبطونه وأسراره إلا المطهرون من
الذنوب، وهم أصحاب العصمة الذين نزلت فيهم آية التطهير عليهم السلام وعن جنيد:
المطهرون أسرارهم عما سوى الله. وفي بعض التفاسير عن محمد بن الفضل: المراد لا يقرء
القرآن، إلا موحد وعن الحسين بن الفضل لا يعلم تفسيره وتأويله إلا المطهرون من
الكفر والنفاق. وأما حديث لزوم مجازية المس والطهارة حينئذ فقد عرفت جوابه، على أنه
على تقدير حمل المس على حقيقته، وثبوت الحقايق الشرعية، وحمل الطهارة على حقيقتها،
لا نسلم أن الطهارة حقيقة شرعا في رفع الحدث الأصغر أو جميع الأحداث، إذ يجوز أن
يكون حقيقة في رفع كل حدث، وكذا في رفع الخبث أيضا فحينئذ يجوز أن يكون المراد
بالمطهرين المطهرين من الحدث الأكبر أو النحاسة. ثم لو سلم أن المراد الطهارة من
الحدث الأصغر أو جميع الأحداث، فلا نسلم أن النهي ههنا للتحريم، وما يقال: إن ظاهر
النهي التحريم، فعلى تقدير تسليمه إنما يسلم فيما يكون بصريح صيغة النهي فقط، لا
فيما يكون نفيا مستعملا بمعنى النهي أيضا، والقول بأن التحريم أقرب المجازات إلى
النفي ممنوع. نعم روى الشيخ في التهذيب (1) بسند فيه جهالة عن إبراهيم بن عبد
الحميد عن أبي الحسن عليه السلام قال: المصحف لا تمسه على غير طهر، ولا جنبا، ولا
تمس خيطه
(1) التهذيب ج 1 ص 35 ط حجر.
[257]
ولا تعلقه إن الله يقول " لا يمسه " إلا
المطهرون " لكن ظاهر الرواية الكراهة، لاشتماله على النهي عن التعليق، وقد نقل في
المنتهى الاجماع على عدم حرمته، و أما مس الجلد والورق للمحدث، فلم أر قائلا فيه
بالحرمة، نعم استحبوا الوضوء لحمل المصحف وسيأتي حكم الجنب في بابه إنشاء الله
تعالى. 1 - العلل: لمحمد بن علي بن إبراهيم معنى " إلى المرافق " من المرافق والفرض
من الوضوء مرة واحدة والمرتان احتياط. 2 - الهداية: الوضوء مرة وهو غسل الوجه
واليدين، ومسح الراس والقدمين، ولا يجوز أن يقدم شيئا على شئ يبدء بالأول فالأول
كما أمر الله عز وجل، ومن توضأ مرتين لم يوجر، ومن توضأ ثلاثا فقد أبدع، ومن غسل
الرجلين فقد خالف الكتاب والسنة، ولا يجوز المسح على العمامة والجورب، ولا تقية في
ثلاثة أشياء: في شرب المسكر، والمسح على الخفين، ومتعة الحج. وحد الوجه الذي يجب أن
يوضأ ما دارت عليه الوسطى والإبهام، وحد اليدين إلى المرفقين، وحد الرأس مقدار أربع
أصابع من مقدمه، والمسح على الرجلين إلى الكعبين. فإذا توضأت المرأة ألقت قناعها من
موضع مسح رأسها في صلاة الغداة والمغرب وتمسح عليه، ويجزيها في سائر الصلوات أن
تدخل أصبعها فتمسح على رأسها من غير أن تلقي قناعها، ولا بأس أن يصلي الرجل بوضوء
واحد صلوات الليل والنهار كلها ما لم يحدث (1). 3 - كتاب الغايات: لجعفر بن أحمد
القمي باسناده، عن جعفر بن محمد قال: إن الله تعالى ضمن لكل إهاب أن يرده إلى جلده
يوم القيامة، وإن أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى وضوءه على جلد غيره. 4 - قرب
الاسناد: عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن أبي جرير الرقاشى قال: قلت لأبي الحسن
موسى عليه السلام: كيف أتوضأ للصلاة ؟ قال: فقال:
(1) الهداية: 15 و 16.
[258]
لا تعمق في الوضوء، ولا تلطم وجهك بالماء
لطما، ولكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحا (1) وكذلك فامسح بالماء على
ذراعيك ورأسك و قدميك (2). بيان: " لا تعمق " أي باكثار الماء أو بالمبالغة كثيرا
في إيصال الماء زائدا عن الاسباغ المطلوب، وفي بعض النسخ " لا تغمس " أي بأن تدخل
وجهك ويديك في الماء فانه خلاف المعهود من فعلهم عليهم السلام والمشهور أنه ترك
للسنة، ويصح - الوضوء لتحقق الغسل، والنهي عن اللطم بالماء على الكراهة، وما ورد من
الأمر به يمكن حمله على الجواز، أو على الناعس والبردان، لإشعار الرواية به وعمل به
والد الصدوق - رحمه الله - فقال باستحباب ضرب الوجه بالماء. قوله: " مسحا " أي مع
المسح بعد صب الماء لإيصاله إلى الأعضاء وكذا في اليدين، وأما الابتداء بالأعلى في
الوجه فالمشهور وجوبه، وقال المرتضى وابن إدريس باستحبابه، والأحوط العمل بالمشهور.
5 - قرب الاسناد: عن محمد بن عيسى، عن يونس قال: أخبرني من رأى أبا الحسن الأول
عليه السلام بمنى وهو يمسح ظهر قدمه من أعلى القدم إلى الكعب ومن الكعب إلى أعلى
القدم (3).
(1) يدل على عدم جواز الارتماس في الوضوء
خصوصا على نسخة " لا تغمس " كما هو الظاهر، وقوله " مسحا " يريد به الدلك، فان
المسح والدلك هو الفرق بين الرش والغسل. (2) قرب الاسناد ص 129 ط حجر وص 175 ط نجف.
(3) قرب الاسناد ص 126 ط حجر وص 171 ط نجف، ورواه في التهذيب ج 1 ص 16، الكافي ج 3
ص 31، وبعده: ويقول الامر في مسح الرجل موسع، من شاء مسح مقبلا ومن شاء مسح مدبرا،
فانه من الامر الموسع انشاء الله، أقول: وجه التخيير هو اطلاق الاية حيث تبين حد
الممسوح، وهو ظهر القدم إلى الكعبين، ولم يبين كيفية المسح ولكن الاوفق بالطبع
المسح مقبلا - سواء كان في الرأس أو القدمين وسيجئ تعيينه في الروايات.
[259]
بيان: المراد بأعلى القدم إلا رؤوس
الاصابع، لأنها أعلى بالنسبة إلى ساير أجزاء القدم عند وضعها على الأرض للمسح، أو
المراد به الكعب بالمعنى المشهور وهو العظم الناتئ في ظهر القدم، وبالكعب المفصل،
وعلو الكعب باعتبار ارتفاعه على ساير أجزاء ظهر القدم، فالمراد بالمسح من أعلى
القدح المسح من رؤوس الأصابع أيضا ويكون الابتداء إضافيا أو المراد من جهته وكذا في
الانتهاء ويحتمل العكس أيضا بأن يكون المراد بأعلى القدم المفصل وبالكعب الناتئ،
وتوجيهه مما ذكرنا ظاهر. ثم إنه يمكن أن يكون المراد أنه عليه السلام كان يمسح تارة
هكذا، وتارة هكذ، أو أنه عليه السلام كان يمسح ظهر القدم وبطنه تقية، والمشهور بين
أصحابنا جواز مسح الرأس والرجلين مقبلا ومدبرا وبعضهم أوجبوا الاقبال كالسيد
والصدوق كما هو الظاهر من كلامهما، وابن إدريس أوجب في الرجلين بخلاف الرأس و الشيخ
جوز في المبسوط في الرأس وفي النهاية في الرجلين مدبرا، والاحتياط مسلك النجاة. 6 -
قرب الاسناد: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد البزنطي قال: سألت الرضا
عليه السلام عن المسح على القدمين كيف هو ؟ فوضع كفه على الأصابع فمسحهما إلى
الكعبين، فقلت: جعلت فداك لو أن رجلا قال بأصبعين من أصابعه هكذا ! قال: لا: إلا
بكفه (1). بيان: القول هنا بمعنى الفعل، قال في النهاية: العرب تجعل القول عبارة عن
جميع الأفعال، وتطلقه على غير الكلام واللسان، فتقول: قال بيده أي أخذه، وقال برجله
أي مشى، وقال بثوبه أي رفعه، وكل ذلك على المجاز والاتساع انتهى. وظاهر الخبر وجوب
الاستيعاب طولا وعرضا، وكونه بجميع الكف و لم يقل به أحد من الأصحاب فيما رأينا،
إلا ما يظهر من الصدوق في الفقيه، بل
(1) قرب الاسناد ص 162 ط حجر، 216 ط نجف.
[260]
نقلوا الاجماع على عدم وجوب الاستيعاب
العرضي والمشهور وجوب الاستيعاب الطولي ولو بخط غير مستقيم، بل يظهر من بعضهم
الاتفاق عليه، وظاهر كثير من الأخبار الاكتفاء بالمسمى. 7 - قرب الاسناد وكتاب
المسائل: باسنادهما عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن رجل يكون
على غير وضوء فيصيبه المطر حتى يغسل رأسه ولحيته، ويديه ورجليه، يجزيه ذلك عن
الوضوء ؟ قال: إن غسله فان ذلك يجزيه (1). بيان: حمله الشيخ - رحمه الله - (2) على
ما إذا غسل أعضاءه بالترتيب بأن ينوي فيغسل بما ينزل عليه من ماء المطر وجهه ثم
ذراعه الأيمن ثم الأيسر ثم يمسح رأسه ورجليه ببقية النداوة، ويخطر بالبال أنه يحتمل
أن يكون المراد به إيقاع الغسل بدلا من الوضوء (3) فيكون مؤيدا لاستحباب الغسل
دائما والاكتفاء
(1) قرب الاسناد ص 84 ط حجر، ص 109 ط نجف،
كتاب المسائل ج 10 ص 283 من البحار. (2) رواه في التهذيب ج 1 ص 102 ط حجر. (3) لكن
في لفظ السؤال " يصيبه المطر حتى يغسل رأسه ولحيته ويديه ورجليه " وهذا ظاهر في
أعضاء الوضوء على أن لفظ الوضوء في قوله " يجزيه ذلك عن الوضوء " بالفتح لا الضم
بقرينة ذكر المطر، والمراد أنه هل يجب على المتوضئ صب الماء بيده غرفة أو يكفى
انصباب الماء من السماء قطرات. فأجاب بأنه ان أصابه المطر بحيث غسله، وهو الانصباب
بشدة جاز الاكتفاء به، و ان لم يكن بهذه المثابة، بل كان كالبلل، لا يجزيه عن ماء
الوضوء فانه لا يصدق عليه الغسل، لعدم انفصال الغسالة منه، بل هو أشبه بالتدهين
والنضح. ولفظ الحديث في كتاب المسائل هكذا: سألته عن الرجل يكون على غير وضوء
فيصيبه المطر حتى يسيل من رأسه وجبهته ويديه ورجليه، هل يجزيه ذلك من الوضوء ؟ قال:
ان غسله فهو يجزيه، ويتمضمض ويستنشق.
[261]
بالأغسال المندوبة عن الوضوء، كما قيل
بهما، ولعله أظهر مما حمله عليه الشيخ والله يعلم. 8 - الخصال: عن أحمد بن الحسن
القطان، عن الحسن بن علي السكري عن محمد بن زكريا الجوهري، عن جعفر بن محمد بن
عمارة، عن أبيه عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: المرأة تبدأ بالوضوء
بباطن الذراع، والرجل بظاهره، ولا تمسح كما يمسح الرجال، بل عليها أن تلقي الخمار
عن موضع مسح رأسها في صلاة الغداة والمغرب، وتمسح عليه، وفي ساير الصلوات تدخل
أصبعها فتمسح على رأسها من غير أن تلقي عنها خمارها (1). بيان: ما اشتمل عليه الخبر
من بدأة الرجل بظاهر الذراعين، والمرأة بباطنهما ورد في عدة روايات وفي أكثرها بلفظ
الفرض (2) والمشهور الاستحباب وربما يظهر من الصدوق (3) والكليني (4) في كتابيهما
الوجوب، والأحوط عدم الترك. ثم اعلم أنه عبر جماعة من المتأخرين عن هذا الحكم هكذا:
يستحب بدأة الرجل بظاهر ذراعيه في الغسلة الاولى وبباطنهما في الثانية عكس المرأة،
ولا دلالة في الخبر على هذا التفصيل، بل الظاهر الاطلاق لهما فيهما، كما عبر به عنه
أكثر القدماء، نعم لا يبعد أن يكون ما ذكروه داخلا في إطلاق الخبر. ثم اعلم أن
المشهور في مسح الرأس اجزاء مسماه، وحكموا باستحباب قدر
(1) الخصال ج 2 ص 141. (2) عن محمد بن
اسماعيل بن بزيع عن أبى الحسن الرضا عليه السلام قال: فرض الله على النساء في
الوضوء للصلاة أن يبتدئن بباطن أذرعهن وفى الرجل بظاهر الذراع، رواه الشيخ في
التهذيب ج 1 ص 21 ط حجر. (3) راجع الفقيه ج 1 ص 30 ط نجف. (4) راجع الكافي ج 3 ص 29
حيث أخرجه في باب حد الوجه الذى يغسل، والذراعين وكيف يغسل.
[262]
ثلاث أصابع مضمومة، والظاهر من كلام
الصدوق في الفقيه والشيخ في النهاية الوجوب: قال الصدوق: وحد مسح الرأس أن تمسح
بثلاث أصابع مضمومة من مقدم الرأس، وحد مسح الرجلين أن تضع كفيك على أطراف أصابع
رجليك وتمدهما إلى الكعبين، وقال في النهاية: المسح بالرأس لا يجوز أقل من ثلاث
أصابع مضمومة مع الاختيار، فان خاف البرد من كشف الرأس أجزأ مقدار أصبع واحدة ونسب
إلى المرتضى أيضا القول بالوجوب. وأما الفرق المذكور بين الرجل والمرأة وتفصيل
الصلوات فقد ذكرهما الصدوق في الفقيه، وظاهره الوجوب، وبعض الأصحاب حملوا كلامه على
الاستحباب قال في الذكرى: يستحب للمرأة وضع القناع في وضوء الغداة والمغرب، لأنه
مظنة التبذل، وتمسح بثلاث أصابع ويجوز في غيرهما إدخال الأصبع تحت القناع وتجزي
الأنملة، قاله الصدوق والمفيد انتهى. ولعل السر في ذلك سهولة إلقاء القناع عليها في
هذين الوقتين أو أنها تكشف في المغرب للنوم، وفي الغداة لم تلبسه بعد، وغالبا لا
تحتاج إلى الوضوء لصلاة العشاء أو لظلمة هذين الوقتين، فلا ينافي سترها المطلوب.
وعلى كل حال الظاهر استحباب الحكم وقد روي في الصحيح (1) عن زرارة، عن أبي جعفر
عليه السلام أنه قال: المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدمه قدر ثلاث أصابع،
ولا تلقي عنها خمارها، ولعل المراد ثلاث أصابع من طول الرأس، فلا ينافي المسح بأصبع
واحدة. 9 - العيون: فيما كتب الرضا عليه السلام للمأمون من شرايع الدين: ثم الوضوء
كما أمر الله عزوجل في كتابه: غسل الوجه واليدين إلى المرفقين، ومسح الرأس والرجلين
مرة واحدة، وإن مسح على الخفين فقد خالف الله تعالى و رسوله، وترك فريضته وكتابه
(2).
(1) راجع التهذيب ج 1 ص 21، الكافي ج 3 ص
30. (2) عيون الاخبار ج 2 ص 122.
[263]
بيان: قوله عليه السلام: " مرة واحدة "
لعله متعلق بالغسل والمسح معا ولا خلاف بيننا في عدم جواز المسح على الخفين إلا مع
التقية أو الضرورة. 10 - قرب الاسناد: بالاسناد المتقدم عن علي بن جعفر، عن أخيه
عليه السلام قال: سألته عن رجل توضأ فغسل يساره قبل يمينه، كيف يصنع ؟ قال: يعيد
الوضوء من حيث أخطأ، يغسل يمينه ثم يساره، ثم يمسح رأسه و رجليه (1). بيان: " يغسل
يمينه " أي إذا لم يغسلها، وربما يقال: يغسل يمينه مرة اخرى، لأن اليمين المغسولة
بعد اليسار في حكم العدم، ولا يخفى وهنه، ولا خلاف بين علمائنا في اشتراط الترتيب
بأن يغسل الوجه ثم اليد اليمنى، ثم اليسرى ثم يمسح الرأس ثم الرجلين، وإنما الخلاف
في الترتيب بين الرجلين. 11 - الاحتجاج: في مكاتبة الحميري أنه كتب إلى الناحية
المقدسة و سأل عن المسح على الرجلين يبدأ باليمنى أو يمسح عليهما جميعا ؟ فخرج
التوقيع يمسح عليهما جميعا معا، فان بدأ بأحدهما قبل الاخرى، فلا يبدأ إلا باليمين
(2). بيان: المشهور أنه لا ترتيب بين الرجلين حتى قال ابن إدريس: لا أظن أحدا منا
يخالفنا في ذلك، ويحكى عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل وسلار وابني بابويه وجوب تقديم
اليمنى، وعن بعض الأصحاب جواز المعية خاصة (3) كما هو مدلول هذا الخبر، والأحوط
العمل بالترتيب، وإن كان استحبابه أقوى. 12 - معاني الاخبار: عن أبيه، عن عبد الله
بن جعفر الحميري، عن أحمد ابن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى،
عن منصور بن حازم عن إبراهيم بن معرض قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إن أهل
الكوفة يروون عن علي عليه السلام أنه كان بالكوفة فبال حتى رغا، ثم توضأ ثم مسح على
نعليه، ثم قال:
(1) قرب الاسناد ص 83 ط حجر. (2) الاحتجاج
ص 275. (3) ووجهه ذكر الرجلين بصيغة التثنية في القرآن العزيز.
[264]
هذا وضوء من لم يحدث ؟ فقال: نعم، قد فعل
ذلك، قال: قلت: فأي حدث أحدث من البول ؟ فقال: إنما يعني بذلك التعدي في الوضوء: أن
يزيد على حد الوضوء (1). بيان: قال الفيروز آبادي: رغوة اللبن مثلثة زبده، ورغا
اللبن وأرغى ورغى صارت له رغوة، وأرغى البائل صارت لبوله رغوة. 13 - العلل: عن
أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن الحسن بن علي الكوفي عن عبد الله بن جبلة، عن رجل، عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الرجل ليعبد الله أربعين سنة وما يطيعه في الوضوء
(2). ومنه: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد ابن
الحسين بن أبي الخطاب، عن الحكم بن مسكين، عن محمد بن مروان قال: قال أبو عبد الله
عليه السلام: تأتي على الرجل ستون أو سبعون سنة، ما يقبل الله منه صلاة، قال: قلت:
فكيف ذاك ؟ قال: لأنه يغسل ما أمر الله بمسحه (3). بيان: ربما يستدل بأمثاله على
كون أو امر القرآن للوجوب، وقد يستدل به على أنه إذا حصل الجريان في المسح يبطل
الوضوء، وهو مبني على كون الغسل والمسح حقيقتين متباينتين وهو ممنوع، بل الظاهر أن
بينهما عموما و خصوصا من وجه، وإن كان الأحوط رعاية عدم الجريان. 14 - العلل: عن
أبيه، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن المعلى بن محمد عن الحسن بن علي الوشا، عن
حماد بن عثمان، عن حكم بن حكيم قال: سألت
(1) معاني الاخبار ص 248، وبعضهم حمل مسحه
عليه السلام على نعليه، على التقية وليس به، فان النعال كانت يومئذ قطعة جلد سعة
القدم، تلوى جوانبه، وتغرز مغارز حولها ويجعل فيها الشراك، فإذا لبس جذب الشراك ثم
عقدها بالساق، ويعرف عندنا اليوم به چارق، وقد كان يعرف بالتاسومة، وهو أيضا فارسي
بمعنى ما جعل فيه تسمة وهو شراك النعل، فلم يكن لها ظهر كالخفاف حتى يكون المسح
عليه. (2 - 3) علل الشرائع ج 1 ص 273.
[265]
أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي من
الوضوء الذراع والرأس، قال: يعيد الوضوء إن الوضوء يتبع بعضه بعضا (1). بيان: "
يعيد الوضوء " أي جميعه من جفاف الوجه، أو من حيث يحصل الترتيب مع عدم الجفاف. 16 -
العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن الحسين ابن سعيد، عن
فضالة، عن سماعة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا توضأت بعض
وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوؤك، فأعد وضوءك فان الوضوء لا يبعض (2). بيان قوله:
" حتى يبس وضوؤك " ظاهره جفاف الجميع، واعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا في اشتراط
الموالاة، وإنما الخلاف في معناها، فقال بعضهم: هي أن لا يؤخر بعض الأعضاء عن بعض
بمقدار ما يجف ما تقدمه، وهو خيرة الشيخ والمرتضى وجم غفير، وقال بعضهم: هي أن
يتابع بين غسل الأعضاء ولا يفرق إلا لعذر، وهو أيضا قول الشيخ المرتضى والعلامة في
بعض كتبه. ثم إن بعض القائلين بالقول الأخير صرحوا بأن الاخلال بالموالاة بهذا
المعنى لا يبطل الوضوء، وإن كان حراما مع الاختيار ما لم يجف الأعضاء، ويفهم ظاهرا
من كلام الشيخ في المبسوط أن مجرد الاخلال بهذا المعنى يبطل الوضوء وإن لم يجف حال
الاختيار، وأما حال الاضطرار فيراعى الجفاف. ثم إن الجفاف المراعى في صحة الوضوء
وعدمها هل هو جفاف جميع الأعضاء المتقدمة على العضو المفرق أو بعض ما تقدمه أو
العضو السابق، ظاهر الأكثر الأول وصرح ابن الجنيد بالثاني، وظاهر المرتضى وابن
إدريس الثالث. 15 - قرب الاسناد: عن محمد بن علي بن خلف العطار، عن حسان المدايني
(1 - 2) علل الشرائع ج 1 ص 274.
[266]
قال: سألت جعفر بن محمد عليه السلام عن
المسح على الخفين، فقال: لا تمسح، ولا تصل خلف من يمسح (1). 17 - مجالس أبي علي بن
الشيخ: عن الشيخ، عن المفيد، عن علي ابن محمد بن حبيش، عن الحسن بن علي الزعفراني،
عن إبراهيم بن محمد الثقفي عن عبد الله بن محمد بن عثمان، عن علي بن محمد بن أبي
سعيد، عن فضيل بن الجعد عن أبي إسحاق الهمداني قال: كان فيما كتب أمير المؤمنين
عليه السلام لمحمد بن أبي بكر: وانظر إلى الوضوء فانه من تمام الصلاة، تمضمض ثلاث
مرات واستنشق ثلاثا، واغسل وجهك ثم يدك اليمنى ثم اليسرى ثم امسح رأسك ورجليك، فاني
رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يصنع ذلك، واعلم أن الوضوء نصف الايمان (2).
مجالس المفيد: عن ابن حبيش مثله (3). بيان: استحباب تثليث المضمضة والاستنشاق مشهور
بين المتأخرين، و اعترف بعضهم بأنه لا شاهد له، وهذا الخبر يدل عليه. 18 - العلل:
عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي
بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد عن علي قال: سألت أبا عبد الله
عليه السلام عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا قال: يعيد، ألا ترى أنه لو بدأ بشماله
قبل يمينه في الوضوء أراه أن يعيد الوضوء (4). بيان: ظاهره أن الترتيب الذكري يجب
متابعته، وإن احتمل أن يكون الغرض محض تشبيه الحكم بالحكم. 19 - الخصال: عن أحمد بن
محمد بن الهيثم وأحمد بن الحسن القطان ومحمد بن أحمد السنانى وحسين بن إبراهيم
المكتب وعبد الله بن محمد الصايغ
(1) قرب الاسناد ص 76 ط حجر، ص 99 ط نجف.
(2) أمالى الطوسى ج 1 ص 29. (3) أمالى المفيد ص 164. (4) علل الشرايع ج 2 ص 269 باب
النوادر خاتمة الكتاب تحت الرقم: 18.
[267]
وعلي بن عبد الله الوراق كلهم عن أحمد بن
يحيى بن زكريا القطان، عن بكر ابن عبد الله بن حبيب، عن تميم بن بهلول، عن أبي
معاوية، عن الأعمش، عن الصادق عليه السلام قال: هذه شرايع الدين لمن تمسك بها وأراد
الله هداه: إسباغ الوضوء كما أمر الله عزوجل في كتابه الناطق: غسل الوجه واليدين
إلى المرفقين ومسح الرأس والقدمين إلى الكعبين مرة مرة، ومرتان جايز، ولا ينقض
الوضوء إلا البول والريح والنوم والغايط والجنابة، ومن مسح على الخفين فقد خالف
الله ورسوله وكتابه، ووضوؤه لم تتم. وصلاته غير مجزية (1) 20 - الخصال: عن جعفر بن
محمد بن بندار، عن أبي العباس الحمادي عن أبي مسلم الكجي، عن عبد الله بن عبد
الوهاب، عن عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن معاوية بن قرة، عن ابن عمر أن
رسول الله صلى الله عليه وآله توضأ مرة مرة (2). 21 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن
محمد بن محمد بن مخلد، عن عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي، عن يحيى بن أبي
طالب، عن عبد الرحمن ابن علقمة، عن عبد الله بن المبارك، عن سفيان، عن إسماعيل بن
أبي خالد، عن زياد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا توضأ بدأ
بميامنه (3). بيان: استدل به على وجوب الابتداء باليمين في الرجلين، ويرد عليه أن
الخبر ضعيف عامي، ولا دلالة فيه على الوجوب. 22 - المحاسن: عن أبيه، عن ابن أبي
عمير، عن هشام، عن أبي عمير العجمي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا عمر
تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له، والتقية في كل شئ إلا في شرب
النبيذ، والمسح على
(1) الخصال ج 2 ص 151. (2) الخصال ج 1 ص
16. (3) أمالى الطوسى ج 1 ص 397.
[268]
الخفين (1). ومنه: عن أبيه، عن خلف بن
حماد، عن عمرو بن شمر، عن جابر قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: كيف اختلف أصحاب
النبي صلى الله عليه وآله في المسح على الخفين ؟ فقال: كان الرجل منهم يسمع من
النبي صلى الله عليه وآله الحديث فيغيب عن الناسخ ولا يعرفه فإذا أنكر ما خالف ما
في يديه كبر عليه تركه، وقد كان الشئ ينزل على رسول الله صلى الله عليه وآله يعمل
به زمانا ثم يؤمر بغيره فيأمر به أصحابه وامته حتى قال الناس: يا رسول الله صلى
الله عليه وآله إنك تأمرنا بالشئ حتى إذا اعتدناه وجرينا عليه أمرتنا بغيره، فسكت
النبي صلى الله عليه وآله عنهم، فأنزل عليه " قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما
يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلى وما أنا إلا نذير مبين " (2). 23 - فقه
الرضا عليه السلام: إياك أن تبعض الوضوء، وتابع بينه كما قال الله تبارك وتعالى:
ابدء بالوجه ثم اليدين ثم بالمسح على الرأس والقدمين، فان فرغت من بعض وضوئك وانقطع
بك الماء من قبل أن تتمه ثم اوتيت بالماء فأتمم وضوءك إذا كان ما غسلته رطبا،
فانكان قد جف فأعد الوضوء، وإن جف بعض وضوئك قبل أن تتم الوضوء من غير أن ينقطع عنك
الماء فامض على ما بقي جف وضوؤك أو لم يجف وضوؤك. وإن كان عليك خاتم فدوره عند
وضوئك، فان علمت أن الماء لا يدخل تحته فانزع، ولا تمسح على عمامة ولا قلنسوه ولا
على خفيك فانه أروي عن العالم عليه السلام " لا تقية في شرب الخمر، ولا المسح على
الخفين " ولا تمسح على جوربك إلا من عذر أو ثلج تخاف على رجليك (3). وقال عليه
السلام: لا تقدم المؤخر من الوضوء، ولا تؤخر المقدم، لكن تضع
(1) المحاسن ص 259. (2) المحاسن ص 299،
والاية في سورة الاحقاف: 19. (3) فقه الرضا ص 1.
[269]
كل شئ على ما امرت أولا فأولا (1) ونروي
أن جبرئيل عليه السلام هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله بغسلين ومسحين: غسل
الوجه والذراعين بكف كف، ومسح الرأس والرجلين بفضل الندوة التي بقيت في يديك من
وضوئك، فصار الذي كان يجب على المقيم غسله في الحضر واجبا على المسافر أن يتيمم
لاغير، صارت الغسلتان مسحا بالتراب، وسقطت المسحتان اللتان كانتا بالماء للحاضر لا
غيره (2). ويجزيك من الماء في الوضوء مثل الدهن تمر به على وجهك وذراعيك أقل من ربع
مد وسدس مد أيضا ويجوز بأكثر من مد وكذلك في غسل الجنابة مثل الوضوء سواء، وأكثرها
في الجنابة صاع، ويجوز غسل الجنابة بما يجوز به الوضوء إنما هو تأديب وسنن حسنة،
وطاعة آمر لمأمور ليثيبه عليه، فمن تركه فقد وجب له السخط فأعوذ بالله منه (3).
ايضاح: قوله عليه السلام: " أن تبعض الوضوء " أي تخل بالموالات حتى تجف بعض
الأجزاء، ثم تغسل بقيتها فلا تجتمع الأعضاء على الرطوبة، وقد صرح بهذا المعني في
كثير من الأخبار، والمراد بالمتابعة الترتيب لا الموالات كما فهمه أكثر الأصحاب،
ويدل عليه أيضا كثير من الأخبار، و صرح الشهيد بما ذكرنا. وقوله: " فان فرغت - إلى
قوله: جف وضوؤك أولم يجف " أورده الصدوق بعينه في الفقيه نقلا عن والده في رسالته
إليه، ويدل على أن مع عدم الفصل لا يضر الجفاف وهو غير بعيد، وحمله بعض الأصحاب على
الضرورة ولا ضرورة فيه. وقال الشهيد - رحمه الله - في الذكرى بعد نقل تلك العبارة
من كلام علي ابن بابويه: ولعله عول على ما رواه حريز عن أبي عبد الله عليه السلام
كما أسنده ولده في كتاب مدينة العلم، وفي التهذيب وقفه على حريز قال: قلت: إن جف
الأول
(1 - 3) فقه الرضا ص 3.
[270]
من الوضوء قبل أن أغسل الذي يليه ؟ قال:
إذا جف أو لم يجف فاغسل ما بقي. وحمله في التهذيب على جفافه بالريح الشديدة والحر
العظيم أو على التقية قلت: التقية هنا أنسب، لأن في تمام الحديث " قلت: وكذلك غسل
الجنابة ؟ قال: هو بتلك المنزلة وابدء بالرأس ثم أفض على ساير جسدك، قلت: فان كان
بعض يوم ؟ قال: نعم " وظاهر هذه السماواة بين الوضوء والغسل، فكما أن الغسل لا
يعتبر فيه الريح الشديدة والحر كذلك الوضوء ثم قال - رحمه الله -: فروع: الأول ظاهر
ابن بابويه أن الجفاف لا يضر مع الولاء، والأخبار الكثيرة بخلافه، مع إمكان حمله
على الضرورة انتهى. أقول: لم نطلع على ما يدل من الأخبار على خلافه. 24 - صحيفة
الرضا: باسناد الطبرسي عنه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وآله: إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة، وامرنا باسباغ الوضوء، وأن لا ننزي
حمارا على عتيقة ولا نمسح على خف (1). 25 - خرايج الراوندي: روي أن علي بن يقطين
كتب إلى موسى بن جعفر عليه السلام: اختلف في المسح على الرجلين، فان رأيت أن تكتب
ما يكون عملي عليه فعلت، فكتب أبو الحسن عليه السلام: الذي آمرك به أن تمضمض ثلاثا،
وتستنشق ثلاثا، وتغسل وجهك ثلاثا، وتخلل شعر لحيتك ثلاثا، وتغسل يديك ثلاثا، و تمسح
ظاهر اذنيك وباطنهما، وتغسل رجليك ثلاثا، ولا تخالف ذلك إلى غيره، فامتثل أمره وعمل
عليه. فقال الرشيد احب أن أستبرء أمر علي بن يقطين، فانهم يقولون إنه رافضي،
والرافضة يخففون في الوضوء فباطئه (2) بشئ من الشغل في الدار حتى
(1) صحيفة الرضا (ع) ص 5. (2) فباطئه من
البطء، أي أخره كما سيجئ عن المؤلف قدس سره، وقد مر في ج 48 ص 137 من تاريخ الامام
موسى بن جعفر عليه السلام فناطه بشئ من الشغل، وهو الموافق لنسخة الارشاد، واعلام
الورى: 293 وهكذا المصدر المطبوع ومعنى ناطه: أي علقه، وفى مطبوعة الكمبانى فباطنه
والمعنى: ساره وصافاه بذلك. (*)
[271]
دخل وقت الصلاة فوقف الرشيد وراء حايط
الحجرة بحيث يرى علي بن يقطين ولا يراه هو، وقد بعث إليه بالماء للوضوء، فتوضأ كما
أمره موسى عليه السلام فقام الرشيد وقال: كذب من زعم أنك رافضي وورد على علي بن
يقطين كتاب موسى بن جعفر عليه السلام: من الان توضأ كما أمر الله: اغسل وجهك مرة
فريضة، والاخرى إسباغا، واغسل يديك من المرفقين كذلك وامسح مقدم رأسك وظاهر قدميك
من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما يخاف عليك (1). ارشاد المفيد قال: وروى محمد بن
إسماعيل، عن محمد بن الفضل وذكر مثله (2) مع زيادات اوردناها في باب معجزاته عليه
السلام (3). بيان: فباطئه أي أخره. 26 - السرائر: مما أخذه من كتاب أحمد بن محمد بن
أبي نصر البزنطي، عن عبد الكريم الخثعمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته
عن الوضوء فقال: ما كان وضوء علي عليه السلام إلا مرة مرة (4). ومنه: عن البزنطي،
عن المثنى، عن زرارة وأبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام مثل حديث جميل في الوضوء
(5) إلا أنه في حديث المثنى وضع يده
(1) الخرائج والجرائح ص 203. (2) ارشاد
المفيد ص 275. (3) راجع ج 48 ص 38. (4) السرائر: 465. (5) روى الكليني عن على بن
ابراهيم عن محمد بن عيسى عن يونس بن عبد الرحمان عن أبان وجميل عن زرارة قال: حكى
لنا أبو جعفر عليه السلام وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله فدعا بقدح فأخذ كفا من
ماء فأسدله على وجهه ثم مسح وجهه من الجانبين جميعا ثم أعاد يده اليسرى في الاناء
فأسدلها على يده اليمنى، ثم مسح جوانبها، ثم أعاد اليمنى في الاناء فصبها على
اليسرى، ثم صنع بها كما صنع باليمنى، ثم مسح بما بقى في يده رأسه ورجليه ولم يعدهما
في الاناء.
[272]
في الاناء فمسح رأسه ورجليه، واعلم أن
الفضل في واحدة واحدة، ومن زاد على الاثنين لم يؤجر (1). تبيين: اعلم أن المشهور
بين الأصحاب استحباب تثنية الغسلات، وادعى ابن إدريس الاجماع عليه وخالف فيه الصدوق
- رحمه الله - وقال بعدم الاستحباب، وهو الظاهر من كلام الكليني، ومن كلام ابن أبي
نصر (2) ويظهر من بعضهم عدم الاستحباب فقط، ومن بعضهم التحريم، ولا خلاف عندنا في
حرمة الثالثة. ثم إن الأخبار مختلفة في الثانية، فالأكثر جمعوا بينها بحمل ما دل
على التثنية على الاستحباب (3) والصدوق رحمه الله جمع بينها بحمل أخبار التثنية على
التجديد (4) والكليني حمل المرتين على من لم تكفه الواحدة (5) وبعض مشايخنا حمل
المرتين على الغرفتين (6) والمرة على الغسلة الواحدة، وربما تحمل أخبار
(1) السرائر: 465. (2) قالا بعد ذكر
الحديث " ما كان وضوء على عليه السلام الا مرة مرة ": هذا دليل على أن الوضوء انما
هو مرة مرة لانه عليه السلام كان إذا ورد عليه أمران كلاهما لله طاعة أخذ بأحوطهما
وأشدهما على بدنه، راجع الكافي ج 3 ص 27. (3) ولنا كلام في ذلك سيأتي تحت الرقم 51
انشاء الله. (4) وسيتعرض المؤلف العلامة قدس سره للبحث عن ذلك في الباب الاتى باب
ثواب اسباغ الوضوء تحت الرقم 14. (5) زاد بعد كلامه السابق، وان الذى جاء عنهم
عليهم السلام أنه قال: الوضوء مرتان، أنه هو لمن لم يقنعه مرة واستزاده، فقال:
مرتان، ثم قال: ومن زاد على مرتين لم يؤجر، وهذا أقصى غاية الحد في الوضوء الذى من
تجاوزه أثم ولم يكن له وضوء، وكان كمن صلى الظهر خمس ركعات، ولو لم يطلق عليه
السلام في المرتين لكان سبيلهما سبيل الثلاث. (6) يظهر ذلك من الشيخ الحر العاملي
قدس سره في الوسائل، حيث عنون الباب
[273]
الاثنتين اثنتين على الغسلتين والمسحتين
ولا يخفى أن الاكتفاء بالغرفة الواحدة والغسلة الواحدة أقرب إلى الاحتياط الذي هو
سبيل المتقين، وأبعد من عمل المخالفين ورواياتهم، فانهم رووا في صحاحهم عن عبد الله
بن زيد أن النبي صلى الله عليه وآله توضأ مرتين مرتين، وما في الخبر من وضع اليد في
الاناء للمسح محمول على التقية، فان المشهور عدم جواز أخذ الماء الجديد للمسح إلا
عند الضرورة الشديدة ونسب إلى ابن الجنيد تجويز أخذ الماء الجديد عند جفاف اليد
مطلقا. 27 - العياشي: قال: روى زرارة بن أعين وأبو حنيفة عن أبي بكر بن حزم قال:
توضأ رجل فمسح على خفيه، فدخل المسجد فصلى، فجاء علي عليه السلام فوطأ على رقبته،
فقال: ويلك تصلي على غير وضوء ؟ فقال: أمرني عمر بن الخطاب قال: فأخذ بيده فانتهى
به إليه فقال: انظر ما يروي هذا عليك ؟ ورفع صوته، فقال: نعم أنا أمرته، إن رسول
الله صلى الله عليه وآله مسح، قال: قبل المائدة أو بعدها ؟ قال: لا أدري قال: فلم
تفتي وأنت لا تدري ؟ سبق الكتاب الخفين (1). 28 - ومنه: عن الميسر بن ثوبان قال:
سمعت عليا عليه السلام يقول: سبق الكتاب الخفين والخمار (2). 29 - ومنه: عن زرارة
وبكير ابني أعين قالا: سألنا أبا جعفر عليه السلام عن وضوء رسول الله صلى الله عليه
وآله فدعا بطست أو تور فيه ماء، فغمس كفه اليمنى فغرف بها
هكذا " باب اجزاء الغرفة الواحدة في
الوضوء وحكم الثانية والثالثة ". (1 - 4) تفسير العياشي ج 1 ص 297. أقول: والظاهر
من الاخبار - خصوصا بقرينة هذا وأمثاله، أن كيفية الوضوء قبل نزول آية المائدة، ؟
كانت على غير ما دلت هي عليه، فلعل النبي صلى الله عليه وآله كان يتوضأ قبل ذلك
ثلاثا ثلاثا ويمسح أذنيه ورأسه تماما مقبلا ومدبرا ليمسح عنه الغبار ويغسل الرجلين
إذا كانتا مغبرتين ويمسحهما إذا كانتا نظيفتين من الغبار، وقد يمسح على الخف في
الاسفار وذلك بوحى وتعليم من جبرئيل أو آية نسخت تلاوتها بآية المائدة وانسيت كما
قال عزوجل " سنقرئك فلا تنسى الا ما شاء الله ".
[274]
غرفة فصبها على جبهته، فغسل وجهه بها، ثم
غمس كفه اليسرى فأفرغ على يده المينى، فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكف لا يردها
إلى المرفق، ثم غمس كفه اليمنى فأفرغ بها على ذراعه الأيسر من المرفق، وصنع بها كما
صنع باليمنى ومسح رأسه بفضل كفيه وقدميه، لم يحدث لها ماء جديدا، ثم قال: ولا يدخل
صلى الله عليه وآله أصابعه تحت الشراك. قالا: ثم قال: إن الله يقول " يا أيها الذين
آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق " (1) فليس له أن
يدع شيئا من وجهه إلا غسله، وأمر بغسل اليدين إلى المرفقين، فليس ينبغي له أن يدع
من يديه إلى المرفقين شيئا إلا غسله، لأن الله يقول: " اغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى
المرافق " ثم قال: " وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين " فإذا مسح بشئ من رأسه أو
بشئ من قدميه ما بين أطراف الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه. قالا: قلنا: أصلحك
الله أين الكعبان ؟ قال: ههنا يعني المفصل دون عظم الساق فقلنا: هذا ما هو ؟ قال:
من عظم الساق، والكعب أسفل من ذلك، فقلنا: أصلحك الله فالغرفة الواحدة تجزي للوجه
وغرفة للذراع ؟ قال: نعم إذا بالغت فيهما فالثنتان تأتيان على ذلك كله (2). ومنه:
عن زرارة عنه عليه السلام في قول الله عزوجل " يا أيها الذين آمنوا " الاية قال:
فليس له أن يدع شيئا من وجهه إلا غسله، وساقه نحو ما مر إلى قوله: دون عظم الساق
(3). ايضاح: الطست يروى بالمهملة والمعجمة وفي النهاية التور إناء من صفر أو حجارة
كالاجانة، قد يتوضأ منه انتهى، والترديد إما من الراوي أو منه عليه السلام للتخيير
بين الاتيان بأيهما تيسر ويدل على عدم كراهية تلك الاستعانة. وما قيل من أنه لبيان
الجواز أو لأنه لم يكن وضوء حقيقيا فلا يخفى
(1) المائدة: 6. (2 و 3) تفسير العياشي ج
1 ص 298 و 299.
[275]
بعدهما عن مقام البيان. وربما يفهم منه
استحباب كون الاناء مكشوفة الرأس، ويدل على رجحان الاغتراف لغسل الأعضاء وباليمين
لغير اليمين، فأما غسل اليمين فذهب المفيد وجماعة إلى استحباب الأخذ له باليمين،
وإدارة الماء إلى اليسار وظاهر هذه الرواية وغيرهما عدمه، وحمل على عدم الوجوب.
ويمكن حمل أخبار الادارة على ما إذا لم يكن الاناء مكشوفة الرأس لكن عمدة ما استدل
به على الادارة هذه الرواية على ما رواها في التهذيب (1) فانها فيه هكذا " ثم غمس
كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى " والاناء فيها مكشوفة
الرأس. وفي الكافي كما هنا. (2) وبالجملة إثبات استحباب الادارة لا يخلو من إشكال.
قوله: " لا يردها إلى المرفق " يمكن أن يكون المراد نفي ابتداء الغسل من الأصابع،
كما تفعله المخالفون، أو أنه في إثناء الغسل لا يرد يده إلى المرفق بل كان يرفع يده
ثم يضعها على المرفق وينزلها. ثم إن الخبر يدل على ما هو المشهور من وجوب البدأة
بالأعلى في الوجه واليدين، وذهب السيد وابن إدريس وجماعة إلى الاستحباب، والأحوط
الابتداء بالأعلى فيهما، ويدل على أن المسح إنما يكون ببقية البلل، ولا خلاف بين
علمائنا في جوازه خلافا لأكثر العامة، وكذا لا خلاف في وجوب المسح بالبقية وعدم
جواز الاستيناف عند بقاء النداوة على اليد، وأما عند جفاف اليد فالمشهور عدم جواز
الاستيناف أيضا بل تؤخذ من اللحية ونحوها، لو كانت بها بلة، ويستأنف الوضوء لو جفت
هذه المواضع أيضا، نعم جوزوا في حال الضرورة كافراط الحر. أو الريح الشديدة مثلا،
بحيث لا يقدر على المسح بالبقية، أن يستأنف ماء جديدا.
(1) التهذيب ج 1 ص 21 و 22 ط حجر، وص 56 و
76 ط نجف. (2) الكافي ج 3 ص 25 و 26.
[276]
ونقل عن ابن الجنيد ما يدل بظاهره على
جواز الاستيناف عند جفاف اليد مطلقا سواء وجد بللا على اللحية ونحوها أم لا، وسواء
كان في حال الضرورة أولا، وما نسب إليه من جواز المسح بالماء الجديد مطلقا، فلا يدل
عليه كلامه. وقوله عليه السلام: " ولا يدخل أصابعه تحت الشراك " يدل على عدم وجوب
الاستيعاب العرضي، إن حملنا النعل على العربي، والطولي أيضا إن حملناه على البصري
وأمثاله. قوله عليه السلام: " ما بين أطراف الكعبين " في التهذيب " ما بين الكعبين
" قوله عليه السلام: " دون عظم الساق " لفظة " دون " إما بمعنى تحت، أو بمعنى عند،
أو بمعني غير. واعلم أن الكعب يطلق على معان أربعة: الأول العظم المرتفع في ظهر
القدم، الواقع في ما بين المفصل والمشط. الثاني المفصل بين الساق والقدم. الثالث
عظم مائل إلى الاستدارة واقع في ملتقى الساق والقدم له زائدتان في أعلاه، تدخلان في
حفيرتي قصبة الساق، وزائدتان في أسفله تدخلان في حفرتي العقب، وهو ناتئ في وسط ظهر
القدم، أعني وسطه العرضي لكن نتوؤه غير ظاهر لحس البصر، لارتكاز أعلاه في حفرتي
الساق، وقد يعبر عنه بالمفصل أيضا، إما بالمجاورة، أو من قبيل تسمية الحال باسم
المحل. والرابع أحد الناتئين عن يمين القدم وشماله، وهذا هو الذي حمل أكثر العامة
الكعب في الاية عليه، وأصحابنا مطبقون على خلافه، وأما الثلاثة الاول فكلامهم لا
يخرج عنها، فالأول ذكره عميد الرؤساء وبه صرح المفيد - رحمه الله - والثاني ذكره
جماعة من أهل اللغة وهذه الرواية ظاهرة فيه، وهو ظاهر كلام ابن الجنيد، والثالث هو
الذي يكون في رجل البقر والغنم أيضا، وربما يلعب به
[277]
الناس، وهو الذي بحث عنه علماء التشريح.
وقال الشيخ البهائي - رحمه الله -: وهو الكعب على التحقيق عند العلامة - رحمه الله
- وعبر عنه في بعض كتبه بحد المفصل، وفي بعضها بمجمع الساق و القدم، وفي بعضها
بالناتئ وسط القدم، وفي بعضها بالمفصل، وصب عبارات الأصحاب عليه وشنع عليه من تأخر
عنه ونسبوه إلى خرق الاجماع. وأجاب الشيخ المتقدم ذكره قدس الله روحه عن تشنيعاتهم
في كتبه، واختار مذهبه، وادعى أن ظاهر الأخبار والأقوال معه، ولكن الظاهر من الأكثر
هو المعنى الأول، ونسب العامة أيضا هذا القول إلى الشيعة، والأخبار مختلفة وعلى
القول بعدم وجوب الاستيعاب الطولي الأمر هين، والأحوط المسح إلى المفصل خروجا عن
الخلاف. قوله عليه السلام: " إذا بالغت فيهما " وفي التهذيب فيها أي إذا بالغت في
أخذ الماء بها، بأن ملأتها منه بحيث لا تسع معه شيئا، أو إذا بالغت في غسل العضو
بها بامرار اليد ليصل ماؤها إلى كل جزء، وقوله عليه السلام: " والثنتان " أي
الغرفتان تكفيان في استيعاب العضو بدون مبالغة. ثم الظاهر أن " غرفة للذراع "
المراد بها غرفة لكل ذراع، ولا يبعد أن يكون المراد غرفة واحدة للذراعين معا، وعلى
الأول يدل على استحباب الغرفتين لا الغسلتين. 30 - العياشي: عن زرارة قال: قلت لأبي
جعفر عليه السلام: حد الوجه الذي ينبغي أن يوضأ، الذي قال الله عزوجل ؟ فقال: الوجه
الذي أمر الله عزوجل بغسله، الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه ولا ينقص منه: إن زاد
عليه لم يؤجر، وإن نقص منه أثم، ما دارت [عليه] السبابة الوسطى والابهام من قصاص
الشعر إلى الذقن، وما جرت عليه الاصبعان من الوجه مستديرا فهو من الوجه، وما سوى
ذلك فليس من الوجه، قلت: الصدغ ليس من الوجه ؟ قال: لا (1). (هامش) * (1) تفسير
العياشي ج 1 ص 299، وللحديث ذيل سيأتي الاشارة إليه.
[278]
ايضاح: هذا الخبر مروي في الفقيه (1) بسند
صحيح وفي التهذيب بحسن لا يقصر عن الصحيح (2) وقوله: " الذي قال الله " نعت بعد نعت
للوجه، وقوله: " لا ينقص منه " إما معطوف على لا ينبغي، أو على " يزيد " فعلى الأول
لا نافية وعلى الثاني زائدة لتأكيد النفي، واحتمال كون " لا " ناهية، ويكون معطوفا
على الموصول وصفة للوجه بتأويل مقول في حقه، لا يخفى بعده وركاكته. وجملة الشرط
والجزاء في قوله: " إن زاد عليه لم يوجر " صلة بعد صلة للموصول، كما جوز التفتازاني
في قوله سبحانه: " فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين " (3)
كون جملة " اعدت " صلة ثانية للتي ويحتمل أن يكون هذه الشرطية مع المعطوف عليها
مفسرة لقوله " لا ينبغي لأحد " وأن تكون معترضة بين المبتدء والخبر. والجار
والمجرور، في قوله عليه السلام: " من قصاص الشعر " إما متعلق بقوله: " ودارت " أو
صفة مصدر محذوف، أو حال عن الموصول الواقع خبرا عن الوجه، وهو " ما " إن جوزنا
الحال عن الخبر، أو حال عن الضمير المجرور العائد إلى الموصول، على تقدير وجود "
عليه " ولفظة " من " فيه ابتدائية، " وإلى الذقن " مثله على التقادير. ولفظة " من "
في قوله: " من الوجه " بيان كما قيل، والأظهر أن كلمة " من " تبعيضية أي مما يحتمل
كونه وجها ويتوهم كونه من الوجه و " مستدبرا " إما حال عن الوجه أو عن ضمير عليه،
أو عن الموصول إن جوز، وإما صفة مصدر محذوف، ويحتمل أن يكون تمييزا عن نسبة جرت إلى
فاعلها، أي ما جرت الاصبعان عليه بالاستدارة، مثله في قولهم: " لله دره فارسا "
وجملة " ما جرت " وقعت
(1) الفقيه ج 1 ص 28 ط نجف. (2) التهذيب ج
1 ص 15 ط حجر ص 54 ط نجف الاخوندى، الكافي ج 3 ص 28 ط طهران الاخوندى. (3) البقرة:
24.
[279]
مؤكدة لسابقها إن كانت لفظة " من " في
قوله: " من قصاص " إبتدائية لتحديد الوجه على ما هو الظاهر أو مؤسسة ومن ابتدائية
للغسل على ما قيل، وضماير " منه وعليه " كلها راجعة إلى الوجه. قوله: " ما دارت
عليه السبابة الوسطى " في نسخ التهذيب " والوسطى " وفي الفقيه " عليه الوسطى " بدون
السبابة، ولعله الصواب، إذ زيادة السبابة لا فائدة لها ظاهرا، وعلى هذه النسخة اطلق
السبابة على الوسطى مجازا، وربما يتكلف على نسخة التهذيب بأن المراد التخيير بين ما
دارت عليه السبابة والابهام والوسطى والابهام، أو يكون أحدهما للحد الطولى والاخر
للحد العرضي، فالطولي ما دارت عليه السبابة والابهام، لأن ما بين القصاص إلى الذقن
بقدره غالبا، والعرضي ما دارت عليه الوسطى والابهام، وحينئذ يكون قوله: " من قصاص
شعر الرأس إلى الذقن " تماما للحدين معا كما قيل، ولعل الأظهر أن ذكر السبابة وقع
استطرادا إذ قلما ينفك عن الوسطى في الدوران (1).
(1) الوجه في اللغة ما يبدو للناظر ويعتبر
فيه الوجاهة والملاحة، ويصدق به اسوداد الوجه وابيضاضه كما قال تعالى " يوم تسود
وجوه وتبيض وجوه " وقال " وإذا بشر أحدهم بالانثى ظل وجهه مسودا " فعلى هذا لا يصدق
الوجه الا على البشرة التى لا شعر عليها من الجبهة والجبينين وما تحتها من حر الوجه
إلى الذقن، وهو الذى يدور عليه الابهام والوسطى مستديرا كما حده عليه الصلاة
والسلام. ولهذا يخرج الصدغان من الوجه، فان الصدغ مستور بالشعر المتدلى عليه خلقه،
وما تحته من العذار أيضا مستور بالخط العارض، وهو الحد الذى ينتهى إليه الوجه عرضا،
ولذلك نفسه إذا نبتت اللحية على الفكين وكانت بحيث تستر وجه الخد، خرج الموضع عن
كونه وجها، ولم يلزم غسله في الوضوء كالحاجبين، الا أنه يجب امرار اليد على ظاهر
اللحية لينفصل الغسالة عنها، ولو كانت طويلة جدا. روى الشيخ في التهذيب ج 1 ص 104
في الصحيح عن زرارة قال: قلت له: أرأيت ما كان تحت الشعر، قال: كل ما أحاط به الشعر
فليس للعباد أن يغسلوه، ولا يبحثوا عنه
[280]
ثم اعلم أن قوله: " لا ينبغي لأحد أن يزيد
عليه " مع قوله: " إن زاد عليه لم يؤجر " يحتمل وجوها: أحدها أن يكون " لا ينبغي "
محمولا على الكراهة كما هو الظاهر من إطلاقه في الأخبار وكلام القوم، لا سيما
واقترن به قوله: " إن زاد عليه لم يؤجر " باعتبار أنه أتى بالمأمور به مع زيادة
لغوا، ويحمل على أنه لم يفعل الزيادة بقصد كونه مأمورا به، وإلا لكان تشريعا حراما،
إما الفعل أو القصد كما فصل في كلام القوم. الثاني أن يحمل على الحرمة بأن فعله
بقصد كونه مأمورا به، فيكون تشريعا والثالث أن يكون المراد أعم من الحرمة والكراهة،
باعتبار الفردين المذكورين. وكذا قوله: " إن نقص أثم " يحتمل وجوها: الأول أن يكون
الإثم و العقاب باعتبار الاكتفاء بذلك الوضوء الذي ترك فيه المأمور به، لكون وضوئه
وصلاته باطلين واكتفى بهما، فيأثم ويعاقب على تركهما، الثاني أن يكون باعتبار كون
هذا الوضوء وهذه الصلاة تشريعا فيأثم على فعلهما، وإن لم يكتف بهما، الثالث أن يحمل
على الأعم منهما. والقصاص مثلثة القاف: منتهى شعر الرأس حيث يؤخذ بالمقص. من مقدمه
ومؤخره، وقيل: هو منتهى منبته من مقدمه وهو المراد هنا، ولا خلاف بين علماء الاسلام
في أن ما يجب غسله في الوضوء من الوجه ليس خارجا عن المسافة التي هي من قصاص شعر
الرأس إلى طرف الذقن طولا ومن وتد الاذن إلى الوتد عرضا إلا من الزهري حيث ذهب إلى
أن الاذنين من الوجه يغسلان معه. لكنهم اختلفوا في حده، فمنهم من حده بأنه من
القصاص إلى الذقن طولا وما دارت عليه الابهام والوسطى عرضا، وهو المشهور بين
الأصحاب، بل كاد أن
ولكن يجرى عليه الماء، ورواه الصدوق في
الفقيه ج 1 ص 28، ولفظه " فليس للعباد أن يطلبوه ولا يبحثوا عنه ". وروى الكليني في
الصحيح عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السلام قال: سألته عن الرجل يتوضأ، أيبطن
لحيته ؟ قال: لا، وسيجئ عن العياشي وغيره ما يدل عليه.
[281]
يكون اجماعا، وادعى العلامة في المنتهى
والمحقق في المعتبر أنه مذهب أهل البيت عليهم السلام. ومن جملة ما استدلوا به عليه
هذه الرواية، لكنهم اختلفوا في معناها، فالأكثر ذهبوا إلى أن قوله عليه السلام: "
ما دارت عليه الابهام والوسطى " بيان لعرض الوجه، وقوله عليه السلام: " من قصاص شعر
الرأس إلى الذقن " لطوله وقوله عليه السلام: " وما جرت عليه الاصبعان " الخ تأكيد
لبيان العرض. وحملها الشيخ البهائي قدس الله روحه على معنى آخر وادعى في بعض حواشيه
أن هذا يستفاد من كلام بعض أصحابنا المتقدمين، فانهم حددوا الوجه بما حواه الابهام
والوسطى، ولم يخصوا ذلك بالعرض كما فعل المتأخرون، ونقل في المختلف مثله عن ابن
الجنيد، وما حمل الخبر عليه هو أن كلا من طول الوجه وعرضه ما اشتمل عليه الابهام
والوسطى، بمعنى أن الخط الواصل من القصاص إلى طرف الذقن وهو مقدار ما بين الاصبعين
غالبا إذا فرض ثبات وسطه وادير على نفسه فيحصل شبه دائرة فذلك المقدار هو الذي يجب
غسله. قال في الحبل المتين: وذلك لأن الجار والمجرور في قوله: " من قصاص شعر الرأس
" إما متعلق بقوله " دارت " أو صفة مصدر محذوف، والمعنى أن الدوران يبتدئ من القصاص
منتهيا إلى الذقن، وإما حال من الموصول الواقع خبرا عن الوجه، إن جوزناه، والمعنى
أن الوجه هو القدر الذي دارت عليه الأصبعان، حال كونه من القصاص إلى الذقن، فإذا
وقع طرف الوسطى مثلا على قصاص الناصية، وطرف الابهام على آخر الذقن، ثم اثبت وسط
انفراجهما ودار طرف الوسطى مثلا على الجانب الأيسر إلى أسفل ودار طرف الابهام على
الجانب الأيمن إلى فوق تمت الدائرة المستفادة من قوله: " مستديرا " وتحقق ما نطق به
قوله: " ما جرت عليه الأصبعان مستديرا فهو من الوجه " انتهى كلامه رفع الله مقامه.
وأنت خبير بأنه - رحمه الله - وإن دقق في إبداء هذا الوجه لكن الظاهر
[282]
أن حمل الرواية عليه بعيد جدا، وقد بسط -
رحمه الله - القول في ذلك في كتبه بذكر مرجحات كثيرة لما اختاره، وإيراد اعتراضات
على ما فهمه القوم لا يرد أكثرها تركناها حذرا من الاطالة من غير طائل. وأما ما دل
عليه الخبر من عدم دخول الصدغ في الوجه الذي يجب غسله فمما ذهب إليه أصحابنا، إلا
الراوندي على ما نقل عنه في الذكرى، ولنحقق معنى الصدغ. قال الفيروز آبادي: الصدغ
بالضم ما بين العين والاذن والشعر المتدلي على هذا الموضع، ونحوه قال الجوهري وقال
بعض الفقهاء: هو المنخفض الذي ما بين أعلا الاذن وطرف الحاجب، وقال في المنتهى: هو
الشعر الذي بعد انتهاء العذار المحاذي لرأس الاذن وينزل عن رأسها قليلا، وقال في
الذكرى: هو ما حاذي العذار. فإذا عرفت هذا فاعلم أنه من فسر الصدغ بما بين العين
والاذن فلا ريب في أنه يدخل بعضه بين الاصبعين بالادارة بكل من الوجهين، وإن اريد
به الموضع الذي عليه الشعر، وهو ما فوق العذار، فلا يدخل بينهما شئ منه على شئ من
الوجهين، فما ذكره الشيخ البهائي قدس سره من أن هذا أحد الوجوه المرجحة لما حققه،
لا وجه له عند التحقيق، فيمكن أن يحمل الصدغ الذي وقع في كلام زرارة وكلامه عليه
السلام على المعنى الثاني الذي فسر به العلامة والشهيد نور الله ضريحهما، وقد عرفت
أنه لا يشتمل شيئا منه الاصبعان ويمكن حمل الصدغ الذي في كلام الراوندي على البعض
الذي لا شعر عليه، ويشمله الاصبعان، لئلا يكون مخالفا للرواية وإجماع الأصحاب،
ويمكن أن يكون الصدغ الذي في الرواية محمولا على المعنى الأول ويكون نفيه عليه
السلام رفعا للايجاب الكلي أي ليس الصدغ من الوجه بل بعضه خارج وبعضه داخل، والأول
أظهر. 31 - العياشي: عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت: كيف يمسح الرأس ؟
قال: إن الله يقول: " وامسحوا برؤسكم " فما مسحت من رأسك فهو
[283]
كذا، ولو قال: " امسحوا رؤسكم " لكان عليك
المسح بكله (1) بيان: " فهو كذا " أي داخل في المأمور به. 32 - العياشي: عن صفوان
قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قول الله: " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى
المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين " فقال: قد سأل رجل أبا الحسن عليه
السلام عن ذلك، فقال: سيكفيك أو كفتك سورة المائدة يعني المسح على الرأس والرجلين،
قلت: فانه قال: " اغسلوا أيديكم إلى المرافق " فكيف الغسل ؟ قال: هكذا أن يأخذ
الماء بيده اليمنى فيصبه في اليسرى ثم يفضه على المرفق، ثم يمسح إلى الكف، قلت له:
مرة واحدة ؟ فقال: كان يفعل ذلك مرتين، قلت: يرد الشعر ؟ قال: إذا كان عنده آخر فعل
وإلا فلا (2). بيان: قوله عليه السلام: " فيصبه في اليسرى " يدل على رجحان إلادارة،
قوله عليه السلام: " إذا كان عنده آخر " أي ممن يتقيه من المخالفين، ورد الشعر
الغسل منكوسا، والاحتمال الاخر هنا بعيد إلا أن يتحقق التقية به أيضا مع الابتداء
بالأعلى في بعض الأحيان. 33 - العياشي: عن ميسر، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
الوضوء واحدة، قال: ووصف الكعب في ظهر القدم (3). بيان: هذا الحديث كالصريح في أن
الكعب هو الناتئ في ظهر القدم، و قال الشيخ البهائي قدس سره: الأخبار المتضمنة لكون
الكعب في ظهر القدم لا يخالف كونه العظم الواقع في المفصل، فان الكعب بهذا المعنى
واقع في ظهر القدم خارج عنه، على أن قول ميسر أنه عليه السلام وصف الكعب في ظهر
القدم يعطي أن الامام ذكر للكعب أوصافا ليعرفه الراوي بها، ولو كان الكعب بهذا
الارتفاع المحسوس المشاهد، لم يحتج إلى الوصف، بل كان ينبغي أن يقول: هو هذا.
(1 - 3) تفسير العياشي ج 1 ص 300.
[284]
وقال أيضا: ليس المراد بظهر القدم خلاف
باطنه، بل ما ارتفع منه كما يقال لما ارتفع وغلظ من الأرض: ظهر، ولا يخفى ما فيهما
من التكلف. 34 - العياشي: عن عبد الله بن سليمان، عن أبي جعفر عليه السلام قال:
قال: ألا أحكي لكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قلنا: بلى، فأخذ كفا من ماء
فصبه على وجهه، ثم أخذ كفا آخر فصبه على ذراعه الأيمن، ثم أخذ كفا آخر فصبه على
ذراعه الأيسر، ثم مسح رأسه وقدميه، ثم وضع يده على ظهر القدم ثم قال: إن هذا هو
الكعب، وأشار بيده إلى العرقوب -: وليس بالكعب. وفي رواية اخرى عنه عليه السلام
قال: إلى العرقوب، ثم قال: إن هذا هو الظنبوب وليس بالكعب (1). بيان: رواه في
التهذيب (2) عن ميسر، عن أبي جعفر عليه السلام وفيه " ثم وضع يده على ظهر القدم ثم
قال هذا هو الكعب قال: وأومأ بيده إلى أسفل العرقوب ثم قال: أن هذا هو الظنبوب "
وقال في القاموس: العرقوب عصب غليظ فوق عقب الانسان، ومن الدابة في رجلها بمنزلة
الركبة في يدها، وقال: الظنبوب حرف الساق من القدم أو عظمه أو حرف عظمه، وهذا أيضا
كالصريح في الكعب بالمعنى المشهور وما نفاه أخيرا هو الذي يقوله المخالفون. 35 -
العياشي: عن علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن قول الله: " يا
أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة " إلى قوله " إلى الكعبين " فقال: صدق الله،
قلت: جعلت فداك كيف يتوضأ ؟ قال: مرتين مرتين قلت: يمسح ؟ قال: مرة مرة، قلت: من
الماء مرة ؟ قال: نعم قلت: جعلت فداك، فالقدمين ؟ قال: اغسلهما غسلا (3). بيان:
الأمر بالغسل تقية أو اتقاء، وقوله: " من الماء " أيضا الظاهر أنه
(1) تفسير العياشي ج 1 ص 300. (2) التهذيب
ج 1 ص 21 ط حجر. (3) تفسير العياشي ج 1 ص 301.
[285]
تقية، وأن أمكن حمله على أن المراد ماء
الوضوء الذي بقي في الكف. 36 - العياشي: عن محمد بن أحمد الخراساني رفع الحديث قال:
أتى أمير المؤمنين عليه السلام رجل فسأله عن المسح على الخفين، فأطرق في الأرض مليا
ثم رفع رأسه فقال: يا هذا إن الله تبارك وتعالى أمر عباده بالطهارة، وقسمها على
الجوارح، فجعل للوجه منه نصيبا، وجعل لليدين منه نصيبا، وجعل للرأس منه نصيبا، وجعل
للرجلين منه نصيبا، فان كانتا خفاك من هذه الأجزاء فامسح عليهما (1). 37 - ومنه: عن
غالب بن الهذيل قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله: " وامسحوا " برؤسكم
وأرجلكم " على الخفض هي أم على الرفع (2) ؟ فقال: هي على الخفض (3). 37 - ومنه: عن
عبد الله خليفة أبي العريف الهمداني قال: قام ابن الكوا إلى علي عليه السلام فسأله
عن المسح على الخفين، فقال: بعد كتاب الله تسألني ؟ قال الله تعالى: " يا أيها
الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم " إلى قوله تعالى: " إلى الكعبين "
ثم قام إليه ثانية فسأله، قال له مثل ذلك ثلاث مرات كل ذلك يتلو عليه هذه الاية
(4). 39 - ومنه: عن الحسن بن زيد، عن جعفر بن محمد عليه السلام أن عليا خالف القوم
في المسح على الخفين على عهد عمر بن الخطاب، قالوا: رأينا النبي صلى الله عليه وآله
يمسح على الخفين، قال: فقال علي عليه السلام: قبل نزول المائدة أو بعدها ؟ فقالوا:
لا ندري، قال: ولكني أدري، إن النبي صلى الله عليه وآله ترك المسح على الخفين حين
نزلت المائدة، ولأن أمسح على ظهر حمار أحب إلى من أن أمسح على الخفين
(1) تفسير العياشي ج 1 ص 301. (2) رواه
الشيخ في التهذيب ج 1 ص 70 ط نجف وص 20 ط حجر، وفيه النصب بدل الرفع وممن قرء
بالرفع الحسن البصري. (3 - 4) تفسير العياشي ج 1 ص 301. (*)
[286]
وتلا هذه الاية " يا أيها الذين آمنوا إذا
قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى
الكعبين " (1) بيان: يدل على أن المسح على الخفين كان قبل نزول المائدة فنسخ بها.
40 - معرفة الرجال: للكشي عن حمدويه وإبراهيم، عن محمد بن إسماعيل الرازي، عن أحمد
بن سليمان، عن داود الرقي قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: جعلت
فداك كم عدة الطهارة ؟ فقال: ما أوجبه الله فواحدة وأضاف إليها رسول الله صلى الله
عليه وآله واحدة لضعف الناس، ومن توضأ ثلاثا ثلاثا فلا صلاة له. أنا معه في ذا حتى
جاء داود بن زربى، وأخذ زاوية من البيت فسأله عما سألته في عدة الطهارة، فقال له:
ثلاثا ثلاثا من نقص عنه فلا صلاة له، قال: فارتعدت فرائصي وكاد أن يدخلني الشيطان،
فأبصر أبو عبد الله عليه السلام إلى وقد تغير لوني فقال: اسكن يا داود ! هذا هو
الكفر، أو ضرب الأعناق. قال: فخرجنا من عنده، وكان ابن زربي إلى جوار بستان أبي
جعفر المنصور وكان قد القي إلى أبي جعفر أمر داود بن زربي وأنه رافضي يختلف إلى
جعفر ابن محمد عليه السلام فقال أبو جعفر: إني مطلع على طهارته، فان هو توضأ وضوء
جعفر ابن محمد فاني لأعرف طهارته حققت عليه القول وقتلته، فاطلع وداود يتهيأ للصلاة
من حيث لا يراه فأسبغ داود بن زربي الوضوء ثلاثا ثلاثا كما أمره أبو عبد الله فما
تم وضوءه حتى بعث إليه أبو جعفر المنصور فدعاه. قال: فقال داود: فلما أن دخلت عليه
رحب بي وقال: يا داود قيل فيك شئ باطل، وما أنت كذلك قد اطلعت على طهارتك، وليس
طهارتك طهارة الرافضة فاجعلني في حل، وأمر له بمائة ألف درهم. قال: فقال داود
الرقي: لقيت أنا داود بن زربي عند أبي عبد الله عليه السلام فقال
(1) تفسير العياشي ج 1 ص 302
[287]
له داود بن زربي: جعلني الله فداك حقنت
دماءنا في دار الدنيا، ونرجو أن ندخل بيمنك وبركتك الجنة، فقال أبو عبد الله عليه
السلام: فعل الله ذلك بك وباخوانك من جميع المؤمنين. فقال أبو عبد الله عليه السلام
لداود بن زربي: حدث داود الرقي بما مر عليكم حتى تسكن روعته، فقال: فحدثته بالأمر
كله، فقال أبو عبد الله عليه السلام: لهذا أفتيته لأنه كان أشرف على القتل من يد
هذا العدو، ثم قال: يا داود بن زربي توضأ مثنى مثنى، ولا تزدن عليه، فانك إن زدت
عليه فلا صلاة لك (1). بيان: قوله عليه السلام: " هذا هو الكفر " أي إنكارك لهذا إن
كان للتكذيب وعدم الاعتقاد بامامتي فهو الكفر، وإن كنت تترك التقية ولا تعملها مع
الاعتقاد بامامتي فهو موجب لأن تقتل وتقتل وجماعة بسببك. 41 - الكشى: عن محمد بن
نصير، عن محمد بن عيسى، عن يونس قال: قلت لحريز يوما: يا أبا عبد الله كم يجزيك أن
تمسح من شعر رأسك في وضوئك للصلاة ؟ قال: بقدر ثلاث أصابع، وأومأ بالسبابة والوسطى
والثالثة، وكان يونس يذكر عنه فقها كثيرا (2). بيان: يدل على أن حريزا كان يرى
المسح بمقدار ثلاث أصابع واجبا ويحتمل أن يكون مراده الإجزاء في الفضل. 42 - فهرست
النجاشي: عن أبي الحسين التميمي، عن ابن عقدة، عن علي بن قاسم البجلي، عن علي بن
إبراهيم المعلى، عن عمر [بن محمد] بن عمر ابن علي بن الحسين، عن عبد الرحمن بن محمد
بن عبيد الله بن [علي بن] أبي رافع [عن أبيه] وكان كاتب أمير المؤمنين عليه السلام
أنه كان يقول: إذ توضأ أحدكم
(1) رجال الكشى ص 263 - 265. (2) رجال
الكشى ص 285. ورواه في ص 329 وزاد بعده: ويزعم حريز أن ذلك رواية، وكان يونس يذكر
عنه فقها كثيرا.
[288]
للصلاة فليبدء باليمين قبل الشمال من جسده
(1). 43 - العلل: عن أبيه ومحمد بن الحسن بن الوليد معا، عن سعد بن عبد الله عن
محمد بن عيسى بن عبيد، عن ابن أبي عمير ومحمد بن سنان معا من الصباح المزني وسدير
الصيرفي ومحمد بن النعمان وعمر بن اذينة، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل
في وصف المعراج عن النبي صلى الله عليه وآله قال: قال ربي عزوجل: يا محمد مد يدك
فيتلقاك ما يسيل من ساق عرشي الأيمن، فنزل الماء فتلقيته باليمين، فمن أجل ذلك أول
الوضوء باليمنى. ثم قال: يا محمد خذ ذلك الماء فاغسل به وجهك - وعلمه غسل الوجه -
فانك تريد أن تنظر إلى عظمتي وأنت طاهر، ثم اغسل ذراعيك اليمين واليسار - وعلمه ذلك
- فانك تريد أن تتلقى بيديك كلامي، وامسح بفضل ما في يديك من الماء رأسك ورجليك إلى
كعبيك - وعلمه المسح برأسه ورجليه - وقال: إني اريد أن أمسح رأسك، وابارك عليك،
فأما المسح على رجليك فاني اريد أن اوطئك موطئا لم يطأه أحد قبلك، ولا يطأه أحد
غيرك، فهذا علة الوضوء (2). أقول: سيأتي تمامه بأسانيد في كتاب الصلاة. 44 - العلل:
عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة ومحمد
بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إنما الوضوء حد من حدود الله، ليعلم الله من
يطيعه ومن يعصيه ؟ وإن المؤمن لا ينجسه شئ، وإنما يكفيه مثل الدهن (3). بيان: أي
أعضاؤه لا تنجس بشئ من الأحداث نجاسة خبثية حتى يحتاج في إزالتها إلى صب ماء زايد
على ما يشبه الدهن، كما هو الواقع في أغلب النجاسات الخبثية، وحمل الدهن في المشهور
على أقل مراتب الجريان. وقال الشهيد في الذكرى: وإنما حملنا الدهن على الجريان
توفيقا بينه
(1) رجال النجاشي ص 5. (2) علل الشرايع ج
2 ج ص 5. (3) علل الشرائع ج 1 ص 264.
[289]
وبين مفهوم الغسل، ولأن أهل اللغة قالوا:
دهن المطر الأرض إذا بلها بلا يسيرا وقيد الشيخان - رحمهما الله - إجزاء الدهن
بالضرورة، من برد أو عوز الماء لرواية (1) محمد الحلبي عن الصادق عليه السلام "
أسبغ الوضوء إن وجدت ماء، وإلا فانه يكفيك اليسير " ولعلهما أرادا به ما لا جريان
فيه أو الأفضلية كمنطوق الرواية انتهى. 46 - العلل: بالاسناد المتقدم عن زرارة قال:
قلت لأبي جعفر عليه السلام: ألا تخبرني من أين علمت وقلت: إن المسح ببعض الرأس وبعض
الرجلين ؟ فضحك ثم قال: يا زرارة، قاله رسول الله صلى الله عليه وآله، ونزل به
الكتاب من الله، لأن الله عزوجل يقول: " فاغسلوا وجوهكم " فعرفنا أن الوجه كله
ينبغي له أن يغسل، ثم قال: " وأيديكم إلى المرافق " ثم فصل بين الكلامين فقال: "
وامسحوا برؤسكم " فعرفنا حين قال برؤسكم أن المسح ببعض الرأس لمكان الباء. ثم وصل
الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه، فقال: " وأرجلكم إلى الكعبين " فعرفنا حين
وصلها بالرأس أن المسح على بعضها. ثم فسر ذلك رسول الله للناس فضيعوه ثم قال: " فلم
تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم " فلما وضع [الوضوء] عمن لم
يجد الماء، أثبت مكان الغسل مسحا، لأنه قال: " بوجوهكم " ثم وصل بها " وأيديكم " ثم
قال: " منه " أي من ذلك التيمم، لأنه علم أن ذلك أجمع لم يجر على الوجه، لأنه يعلق
من ذلك الصعيد ببعض الكف، ولا يعلق ببعضها، ثم قال: " ما يريد الله ليجعل عليكم في
الدين من حرج " والحرج الضيق (2). العياشي: عن زرارة مثله (3). تبيين: قوله: " من
أين علمت وقلت " الظاهر أنهما بصيغة الخطاب.
(1) التهذيب ج 1 ص 39 ط حجر. (2) علل
الشرايع ج 1 ص 264 و 265. (3) تفسير العياشي ج 1 ص 299، ذيل حديث مر صدرها تحت
الرقم 30.
[290]
فيظر منه سوء أدب منه بالنسبة إلى الامام
عليه السلام وهو ينافي علو شأنه، ولعله كان أمثال هذا في بدو استبصاره، لأنه كان
أولا من فضلاء العامة، ويمكن أن يقال: المعنى أخبرني عن مستند علمك وقولك من الكتاب
والسنة الذي تستدل به على المخالفين المنكرين لامامتك، حتى أحتج أنا أيضا عليهم به
عند المناظرة (1). وقرأ بعض مشايخنا قدس الله أرواحهم الفعلين بصيغة التكلم فمعناه
أخبرني بمستند علمي ودليل قولي، فاني جازم بالمدعى، غير عالم بدليله من غير جهة
قولك لأحتج به على العامة. وضحكه عليه السلام إما من تقرير زرارة المطلب الذي لا
خدشة فيه، بما يوهم سوء الأدب لقلة علمه بآداب الكلام، أو للتعجب منه أو من
المخالفين بأنهم إلى الان لم يفهموا كلام الله مع ظهوره في التبعيض، أو من تعصبهم
وإنكارهم عنادا مع علمهم بدلالة الاية، أو من تبهيمه فيما بعد بقوله: يا زرارة الخ.
(1) لما كانت المسألة خلافية فتوى وقراءة،
وتشاجر فيها الفريقان - حتى اليوم - لكونها مبتلى بها في اليوم والليلة مرات عديدة،
ورأى أن الامام عليه السلام يحكم ويفتى بوجوب مسح الرأس والرجلين، ويقول ببطلان
الوضوء إذا غسل الرجلين. مع ما اشتهر عنهم عليهم السلام " أن كل شئ نقوله فهو في
كتاب الله عزوجل "، " ما من أمر يختلف فيه اثنان الا وله اصل في كتاب الله لكن لا
تبلغه عقول الرجال "، " والله ما نقول بأهوائنا ولا نقول برأينا ولا نقول الا ما
قال ربنا، اصول عندنا نكنزها كما يكنز هؤلاء ذهبهم وفضتهم " وغير ذلك. استفهم
متضرعا مستدعيا أن يعرف وجه هذا الفتوى من القرآن العزيز، ولم يتحتم عليه أن يجيبه،
فقال: " ألا تخبرني من أين علمت وقلت ان المسح ببعض الرأس وبعض الرجلين " فهذا سؤال
على محله ولذلك تبسم الامام عليه الصلاة والسلام، ولو لم يسئله هو - و هو فقيه
الاصحاب - فمن الذى يسأله عن ذلك، كما لم يسأله أحد غيره، ولو لم يسأل عن ذلك، لما
وصل الينا الوجه في ذلك، ولما عرفنا أن الباء للاستعلاء، والمسح يكون على مقدمه
وعلى ظهر الرجلين كما عرفت وجه البحث في ذلك.
[291]
قوله عليه السلام " فعرفنا أن الوجه " لأن
الوجه حقيقة في الجميع، والأصل في الاطلاق الحقيقة، وكذا القول في اليدين، مع أن
التحديد بالغاية يؤيد الاستيعاب. قوله عليه السلام: " ثم فصل بين الكلامين " أي
غاير بينهما بادخال الباء في الثاني دون الأول، أو بتغيير الحكم لأن الحكم في الأول
الغسل وفي الثاني المسح والأول أظهر، ويدل على أن الباء للتبعيض، وما قيل من أنه
لعل منشأ الاستدلال محض تغيير الاسلوب، لا كون الباء للتبعيض فلا يخفى بعده. قوله
عليه السلام: " ثم وصل " أي عطف الرجلين على الرأس من غير تغيير في الاسلوب كما عطف
اليدين على الوجه، فكما أن المعطوف في الأول في حكم المعطوف عليه في الغسل
والاستيعاب. فكذا المعطوف في الثانية في حكم المعطوف عليه في المسح والتبعيض. قوله:
" فلما وضع " أي حكم الوضوء والغسل، وفي بعض النسخ " فلما وضع الوضوء " كما في ساير
كتب الحديث (1) وفيها " بعض الغسل " موضع " مكان الغسل " فتخصيص الوضوء، لأنه أهم،
ولأن المقصود بيان أنه جعل بعض الأعضاء المغسولة في الوضوء ممسوحا، ويحتمل أن يكون
المراد بالوضوء المعنى اللغوي فيشمل الوضوء والغسل الشرعيين. وحمل عليه السلام كلمة
" من " أيضا في الاية على التبعيض كما اختاره الزمخشري وأرجع الضمير إلى التيمم
بمعنى المتيمم به، وقوله: " لأنه علم " تعليل لقوله: " قال " أي علم أن ذلك التراب
الذي مسه الكفان حال الضرب عليه لا يلصق بأجمعه بالكفين، فلا يجري جميعه على الوجه
أي وجهه، ومنهم من جعله تعليلا لقوله أثبت أي جعل بعض المغسول ممسوحا حيث قال: "
بوجوهكم " بالباء التبعيضية، لأنه تعالى علم أن التراب الذي يعلق باليد لا يجري على
كل
(1) راجع الفقيه ج 1 ص 57، الكافي ج 3 ص
30، التهذيب ج 1 ص 17 ط حجر ص 61 ط نجف.
[292]
الوجه واليدين، لأنه يعلق ببعض اليد دون
بعض، وربما يقال: إنه تعليل لقوله: " قال بوجوهكم " وهو قريب من الثاني. وسيأتي
تمام القول في ذلك في تفسير آية التيمم إنشاء الله. 46 - العلل: عن أبيه، عن علي بن
إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:
من تعدى في الوضوء كان كناقضه (1). بيان: " كناقضة " في بعض النسخ بالضاد المجعمة،
وفي بعضها بالمهملة قال السيد الداماد قدس سره: الأصوب باهمال الصاد من نقصه ينقصه
نقصا، فذلك منقوص وهو ناقص إياه، ومنه في التنزيل الكريم " نصيب غير منقوص " (2) لا
من نقض ينقض نقضا فهو ناقض. 47 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن
عيسى اليقطيني عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن
مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ليس في شرب
المسكر والمسح على الخفين تقية (3). بيان: هذا مخالف لما هو المشهور من عموم
التقية، والايات والأخبار الدالة عليه، وورد في كثير من الأخبار هكذا " ثلاثة لا
أتقي فيهن أحدا: شرب المسكر والمسح على الخفين ومتعة الحج (4). وقال الشيخ - رحمه
الله - في الاستبصار (5) بعد إيراده: فلا ينافي الخبر
(1) علل الشرايع ج 1 ص 264. (2) هود: 109،
ولفظه " وانا لموفوهم نصيبهم غير منقوص ". (3) الخصال ج 2 ص 157. (4) راجع الكافي ج
3 ص 32، التهذيب ج 1 ص 103 ط حجر ص 362 ط نجف فقيه من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 30 ط
نجف. (5) الاستبصار ج 1 ص 39.
[293]
الأول لوجوه: أحدها أنه أخبر عن نفسه أنه
لا يتقي فيه أحدا ويجوز أن يكون إنما أخبر بذلك لعلمه بأنه لا يحتاج إلى ما يتقي
فيه في ذلك، ولم يقل لا تتقوا أنتم فيه أحدا وهذا وجه ذكره زرارة بن أعين (1)
والثاني أن يكون أراد لا أتقي فيه أحدا في الدنيا بالمنع من جواز المسح عليهما دون
الفعل، لأن ذلك معلوم من مذهبه، فلا وجه لاستعمال التقية فيه. والثالث أن يكون
المراد لا أتقي فيه أحدا إذ لم يبلغ الخوف على النفس والمال، وإن لحقه أدنى مشقة
احتمله، وإنما تجوز التقية في ذلك عند الخوف الشديد على النفس والمال انتهى. وربما
يقال في شرب المسكر: لأنه لا يستلزم عدم الشرب القول بالحرمة فيمكن أن يسند الترك
إلى عذر آخر، وفي المسح لأن الغسل أولى منه، و يتحقق التقية به، وفي الحج لأن
العامة يستحبون الطواف والسعي للقدوم فلم يبق إلا التقصير ونية الاحرام بالحج،
ويمكن إخفاؤهما، ويمكن أن يقال: الوجه في الجميع وجود المشارك في العامة. وقال في
الذكرى: يمكن أن يقال: هذه الثلاث لا يحتاج فيها إلى التقية غالبا، لأنهم لا ينكرون
متعة الحج وأكثرهم يحرم المسكر، ومن خلع خفيه، وغسل رجليه، فلا إنكار عليه، والغسل
أولى منه عند انحصار الحال فيهما انتهى. ولا يخفى أن بعض الوجوه المتقدمة لا يجري
في هذا الخبر فتدبر (2). 48 - كشف الغمة: قال: ذكر علي بن إبراهيم بن هاشم وهو من
أجل
(1) نقله في الكافي ذيل الخبر. (2) راجع
بيان الخبر وشرحه في كتاب العشرة باب التقية والمداراة ج 75 ص 423 و 424 من هذه
الطبعة.
[294]
رواة أصحابنا في كتابه عن النبي وذكر
حديثا في ابتداء النبوة يقول فيه: فنزل عليه جبرئيل وأنزل عليه ماء من السماء فقال
له: يا محمد قم توضأ للصلاة فعلمه جبرئيل الوضوء على الوجه واليدين من المرفق، ومسح
الرأس والرجلين إلى الكعبين (1). 49 - كتاب الطرف: للسيد بن طاووس، باسناده عن عيسى
بن المستفاد عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله
قال لعلي وخديجة عليهما السلام لما أسلما: إن جبرئيل عندي يدعو كما إلى بيعة
الاسلام، ويقول لكما: إن للاسلام شروطا أن تقولا نشهد أن لا إله إلا الله إلى أن
قال: وإسباغ الوضوء على المكاره: الوجه واليدين والذراعين ومسح الرأس والرجلين إلى
الكعبين، وغسل الجنابة في الحر والبرد، وإقام الصلاة، وأخذ الزكاة من حلها ووضعها
في وجهها، وصوم شهر رمضان، والجهاد في سبيل الله، والوقوف عند الشبهة إلى الامام،
فانه لا شبهة عنده، الحديث (2). 50 - وعنه عن موسى بن جعفر، عن أبيه عليهما السلام
أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال للمقداد وسلمان وأبي ذر: أتعرفون شرايع
الاسلام ؟ قالوا: نعرف ما عرفنا الله ورسوله، فقال: هي أكثر من أن تحصى، أشهدوني
على أنفسكم بشهادة أن لا إله إلا الله، إلى أن قال: وأن القبلة قبلتي شطر المسجد
الحرام لكم قبلة، وأن علي بن أبي طالب عليه السلام وصي محمد وأمير المؤمنين، وأن
مودة أهل بيته مفروضة واجبة. مع إقام الصلاة، وايتاء الزكاة، والخمس وحج البيت،
والجهاد في سبيل الله، وصوم شهر رمضان، وغسل الجنابة، والوضوء الكامل على الوجه و
اليدين والذراعين إلى المرافق، والمسح على الرأس والقدمين إلى الكعبين لا على خف
ولا على خمار، ولا على عمامة، إلى أن قال: فهذه شروط الاسلام
(1) كشف الغمة ج 1 ص 116 و 117. (2) كتاب
الطرف: 5.
[295]
وقد بقي أكثر (1). 52 - البصائر: لسعد بن
عبد الله، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب و الحسن بن موسى الخشاب ومحمد بن عيسى،
عن علي بن أسباط، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الصمد بن بشير، عن عثمان بن زياد
أنه دخل على أبي عبد الله عليه السلام فقال له رجل: إني سألت أباك عن الوضوء فقال:
مرة مرة، فما تقول ؟ فقال: إنك لن تسألني عن هذه المسألة إلا وأنت ترى أني اخالف
أبي توضأ ثلاثا وخلل أصابعك (2).
(1) كتاب الطرف: 13. (2) بصائر الدرجات
لسعد بن عبد الله الاشعري: 94. أقول: اختلف الاحاديث وهكذا كلمات الاصحاب في أن
الوضوء مرة مرة حد محدود لا يجوز التعدي عنه كما عرفت من الصدوق أو المرة فرض
والثانية سنة، والثالثة بدعة محرمة، كما هو المشهور بين الاصحاب، أو المرة فرض
والاثنتان بعدها سنة ومن زاد على ذلك فقد أساء وتعدى وظلم كما رواه النسائي وابن
ماجة وابن داود بمعناه، وعليه فتوى الجمهور ؟. أما قول الجمهور، فلعلهم نظروا إلى
سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله حيث كان يبالغ في الامتثال ويأخذ بالحائطة
لدينه، وكلما فرض الله عزوجل شيئا وأطلقه، زاد رسول الله صلى الله عليه وآله فيه
مرتين، فرض الله عزوجل ركعات الفرض وسن رسول الله صلى الله عليه وآله ضعفيه فرض
الله عزوجل صيام شهر رمضان وسن رسول الله صلى الله عليه وآله ضعفيه، فرض الله عزوجل
صلاة الجمعة بكيفية مخصوصة، وزاد رسول الله ضعفيه في العيدين، أمر الله عزوجل بقوله
" سبح اسم ربك الاعلى " فجعله رسول الله في السجدة وزاد عليه مرتين وهكذا في ذكر
الركوع وغيره إلى ما شاء الله. فرض الله عزوجل عليه اجتناب الرجز - رجز الشيطان -
فقال " والرجز فاهجر " وبالغ رسول الله في امتثاله فغسل يديه ثلاثا وتمضمض ثلاثا
واستنشق ثلاثا وقال فان الشيطان يبيت على خيشوم النائم، وهكذا السنة في الاستنجاء
والغسل من الخبث، والغسل من الجنابة والحيض والنفاس والوضوء من الغمر وغير ذلك.
[296]
بيان: " أني اخالف أبي " أي للتقية.
لكن الحق أن هذه السنة ما كانت لتجرى في
الوضوء، لانها تجرى في الاوامر المطلقة التى لم تبين كيفيتها في ضمن الامر بها، كما
في قوله تعالى: " والرجز فاهجر " و قوله عزوجل: " وان كنتم جنبا فاطهروا " وأما في
الوضوء وقد بين كيفيته بصريح القرآن العزيز غسل فغسل ثم مسح فمسح فالظاهر بل
المعلوم قطعا أن هذه الكيفية بترتيبها وموالاتها غسل الوجه وبعده غسل اليدين ثم مسح
الرأس والرجلين معتبرة في حد نفسها، ولذلك وجب الترتيب والموالاة. ولو قلنا ان
الاية ليست بصدد بيان الكيفية وأنها أو امر أربعة غسل وغسل ومسح و مسح منفردا
منعزلا بعضها عن بعض لما وجب الترتيب ولا الموالاة، ولما عرف صدر الاسلام وبعده إلى
الان بعنوان الوضوء، أمرا واحدا ذا أجزاء. وهكذا الامر في التيمم وهو أمر واحد ذو
أجزاء من ضرب اليدين بالتراب ومسح الوجه واليدين كما سيجئ تفصيله في محله، لكن
مسألة التيمم غير خلافية بحمد الله، ولم يقولوا فيه بالمسح ثلاث مرات، كما لم
يقولوا في مسح الوضوء ! فإذا ثبت أن الوضوء معلوم كيفيته بالقرآن العزيز كانت
الكيفية محدودة متبعة لا يجوز لاحد أن يتجاوزها " ومن يتعد حدود الله فأولئك هم
الظالمون ". وأما الاحاديث الواردة من طرق أهل السنة، فالذي رواه ابن عباس قال:
توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله مرة مرة لم يزد على هذا، رواه البخاري على ما في
مشكاة المصابيح ص 46، فهو المتبع، لانه حبر الامة يعرف من القرآن مالا يعرفه
الاخرون، ولا يحابى عن عثمان حيث كان يتوضأ ثلاثا ثلاثا ويقول: هذا وضوء رسول الله
!. وأما الاحاديث الواردة من طرق أهل البيت فمن بين مصرح أن رسول الله صلى الله
عليه وآله وهكذا وصيه على أمير المؤمنين عليه السلام كان يتوضأ مرة مرة، وبين ظاهر
هو كالصريح أن وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله كانت مرة مرة كما هو قضية
الوضوءات البيانية. فلا مخالفة بين السنة المقطوعة من طرق الفريقين وبين مفاد
القرآن العزيز، وهو أن الوضوء انما هو مرة مرة، ولكن لا يذهب عليك أن ذلك بعد غسل
اليدين قبل الوضوء
[297]
52 - ارشاد المفيد: عن مخول بن إبراهيم،
عن قيس بن الربيع قال: سألت أبا إسحاق (1) عن المسح على الخفين فقال أدركت الناس
يمسحون حتى لقيت رجلا من بني هاشم لم أر مثله قط محمد بن علي بن الحسين، فسألته عن
المسح فنهاني عنه وقال: لم يكن علي أمير المؤمنين يمسح، وكان يقول: سبق الكتاب
المسح على الخفين، قال: فما مسحت منذ نهاني عنه (2). 53 - تفسير النعماني: قال: قال
أمير المؤمنين عليه السلام: إن الله فرض الوضوء على عباده بالماء الطاهر وكذلك
الغسل من الجنابة، فقال تعالى: " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة " إلى
قوله تعالى " فتيمموا صعيدا طيبا " فالفريضة من الله عزوجل الغسل بالماء عند وجوده،
لا يجوز غيره، والرخصة
كما عرفت وجه ذلك في ص 146. نعم في بعض
الروايات أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتوضأ مرتين مرتين وسيجئ نقلها في
الذيل، لكنها محمولة على التقية أيضا لما روى عن عبد الله بن زيد أن النبي صلى الله
عليه وآله توضأ مرتين مرتين رواه البخاري كما في المشكاة ص 46. وقد كان عبد الله بن
زيد بن عاصم راوية لوضوء رسول الله صلى الله عليه وآله حاكية له، قيل له: كيف كان
رسول الله يتوضأ ؟ فدعا بوضوء فأفرغ على يديه، فغسل يديه مرتين مرتين، ثم مضمض
واستنثر ثلاثا ثلاثا ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين ثم
مسح رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر: بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما
حتى رجع إلى المكان الذى بدأ منه، ثم غسل رجليه، رواه مالك والنسائي. وكيف كان، لو
لم يثبت الا هذا الحديث من البصائر وما يشبهه من الاحاديث التى تدير الامر بين
الوضوء مرة مرة، أو التقية والوضوء ثلاثا ثلاثا لكفى من حيث الانتهاض لنفى الوضوء
مرتين مرتين كما لا يخفى. (1) يعنى أبا اسحاق السبيعى التابعي الثقة. (2) ارشاد
المفيد: 247، وبعده: قال قيس بن الربيع: وما مسحت أنا منذ سمعت أبا اسحاق.
[298]
فيه إذا لم يجد الماء الطاهر التيمم
بالتراب من الصعيد الطيب (1). 54 - دعائم الاسلام: روينا عن جعفر بن محمد صلوات
الله عليه وعلى آبائه الطاهرين أن الوضوء لا يجب إلا من حدث، وأن المرء إذا توضأ
صلى بوضوئه ذلك ما شاء من الصلوات ما لم يحدث، أو ينم أو يجامع أو يغم عليه أو يكون
منه ما يجب منه إعادة الوضوء (2). 55 - نوادر الراوندي: عن عبد الواحد بن إسماعيل،
عن محمد بن الحسن التميمي، عن سهل بن أحمد الديباجي، عن محمد بن محمد بن الأشعث، عن
موسى ابن إسماعيل بن موسى، عن أبيه، عن جده موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام
قال: قالت عائشة: لأن شلت يدي أحب إلى من أن أمسح على الخفين (3). وبهذا الاسناد
قال: نشد عمر بن الخطاب من رأى رسول الله صلى الله عليه وآله مسح على خفيه إلا قام
فقام ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فشهدوا أنهم رأوا رسول الله صلى
الله عليه وآله مسح على الخفين، فقال علي عليه السلام: أقبل نزول المائدة أم بعده ؟
قالوا لا ندري، فقال علي عليه السلام: ولكني أدري إنه لما نزل سورة المائدة رفع (4)
المسح فلأن أمسح على ظهر حمار أحب إلى من أن أمسح على خفي (5). 56 - مجالس الشيخ:
عن الحسين بن عبيد الله، عن التلعكبري، عن محمد بن علي بن معمر، عن محمد بن صدقة،
عن الكاظم، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه آله: إنا أهل
بيت لا نمسح على خفافنا (6).
(1) تفسير النعماني المطبوع في البحار ج
93 ص 28. (2) دعائم الاسلام ج 1 ص 101. (3) نوادر الراوندي ص 50، وفيه " لئن
تبتريدى ". (4) في المصدر المطبوع: رفع المسح ووضع الغسل، وفى كتاب الجعفريات على
ما في المستدرك ج 1 ص 49 " رفع المسح ورفع الغسل " والمراد واضح. (5) نوادر
الراوندي ص 46. (6) أمالى الطوسى ج 2 ص 260.
[299]
57 - أقول: وجدت بخط الشيخ محمد بن علي
الجبعي نقلا من خط الشهيد قدس الله روحهما: روى أبو عمر الزاهد في كتاب فائت
الجمهرة قال: والكعب اختلف الناس فيه، فأخبرني أبو نصر عن الأصمعي قال: قال: هو
الناتئ في أسفل الساق عن يمين وشمال، قال: وأخبرني سلمة عن الفراء قال: هو في مشط
الرجل، قال هكذا برجله، قال أبو العباس: فهذا الذي يسميه الأصمعي الكعب هو عند
العرب النجم، قال: وأخبرني سلمة عن الفراء عن الكسائي قال: قعد محمد بن علي بن
الحسين عليهم السلام في مجلس كبير فقال لهم: ما الكعبان ؟ قال: فقالوا: هكذا فقال
عليه السلام: ليس هو هكذا، ولكنه هكذا،، وأشار إلى مشط رجله، فقالوا له: إن الناس
يقولون هكذا، فقال: لا، هذا قول الخاصة، و ذاك قول العامة (1). 58 - كنز الكراجكى:
قال: روى المخالفون أنه قام النبي صلى الله عليه وآله بحيث يراه أصحابه ثم توضأ
فغسل وجهه وذراعيه ؟ ومسح برأسه ورجليه. 59 - ومنه: روى المخالفون أن أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب عليه السلام قال للناس في الرحبة: ألا أدلكم على وضوء رسول الله
صلى الله عليه وآله ؟ قالوا: بلى، فدعا بقعب فيه ماء، فغسل وجهه وذراعيه، ومسح على
رأسه ورجليه، وقال: هذا وضوء من لم يحدث حدثا. ثم قال الكراجكي: فان قال الخصم: ما
مراده بقوله: " من لم يحدث حدثا " وهل هذا إلا دليل على أنه كان على وضوء قبله ؟
قيل له: مراده بذلك أن هذا الوضوء الصحيح الذي كان يتوضأه رسول الله صلى الله عليه
وآله، وليس هو وضوء من غير وأحدث في الشريعة ما ليس فيها، ويدل عليه أنه قصد أن
يريهم فرضا يعولون عليه، ويقتدون به فيه، ولو كان على وضوء قبل ذلك لكان يعلمهم
الفرض الذي هم أحوج إليه. 60 - ومنه: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ما نزل القرآن
إلا بالمسح.
(1) نقله العلامة النوري في المستدرك ج 1
ص 45 عن الذكرى.
[300]
وقال ابن عباس: نزل القرآن بغسلين ومسحين.
61 - ومنه: روى أبان بن عثمان، عن ميسر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ألا أحكي لك
وضوء رسول الله صلى الله عليه وآله ثم انتهى إلى أن قال: فمسح رأسه وقدميه ثم وضع
يده على ظهر القدم ثم قال: هذا هو الكعب. 61 - دعائم الاسلام: قوله تعالى " وأرجلكم
إلى الكعبين " بالكسر قراءة أهل البيت (1) ولذلك قال أبو جعفر عليه السلام وقد سئل
عن المسح على الرجلين فقال: به نطق الكتاب (2). وقال: لما أوجب الله عزوجل التيمم
على من لم يجد الماء، جعل التيمم مسحا على عضوي الغسل، وهما الوجه واليدان، وأسقط
عضوي المسح وهما الرأس والرجلان (3). وقال جعفر بن محمد: التقية ديني ودين آبائي،
إلا في ثلاث: في شرب المسكر والخمر، والمسح على الخفين، وترك الجهر ببسم الله
الرحمن الرحيم. وقال عليه السلام: لا تجوز الصلاة خلف من يرى المسح على الخفين لأنه
يصلي على غير الطهارة (4).
(1) في المصدر المطبوع: ثم أمروا بعد ذلك
بالمسح على الرجلين وهو قول الله عزوجل " فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق
وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين على قراءة من قرأ " وأرجلكم " خفضا، فجعل ذلك
نسقا على مسح الرأس، وهى قراءة أهل البيت صلوات الله عليهم ومن وافقهم من قراء
العامة ولذلك الخ. (2 - 3) دعائم الاسلام ج 1 ص 108. (4) دعائم الاسلام ج 1 ص 110.
[301]
* 4 " (باب) " * * " (ثواب اسباغ الوضوء
وتجديده، والكون) " * * " (على طهارة، وبيان أقسام الوضوء وأنواعه) " * 1 - مجالس
الصدوق: عن علي بن أحمد بن موسى، عن محمد بن جعفر الأسدي، عن سهل بن زياد، عن عبد
العظيم الحسني، عن أبي الحسن العسكري عليه السلام قال: لما كلم الله عزوجل موسى
عليه السلام قال: إلهي ما جزاء من أتم الوضوء من خشيتك ؟ قال: أبعثه يوم القيامة
وله نور بين عينيه يتلألأ (1). 2 - ومنه: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن
أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن عبد الله
بن إبراهيم الغفاري، عن عبد الرحمن، عن عمه، عن عبد العزيز بن على، عن سعيد بن
المسيب عن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا أدلكم على
شئ يكفر الله به الخطايا، ويزيد في الحسنات ؟ قيل: بلى يا رسول الله صلى الله عليه
وآله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى هذه المساجد، وانتظار الصلاة
بعد الصلاة. وما منكم أحد يخرج من بيته متطهرا فيصلي الصلاة في الجماعة مع المسلمين
ثم يقعد ينتظر الصلاة الاخرى إلا والملائكة تقول: " اللهم اغفر له، اللهم ارحمه "
فإذا قمتم إلى الصلاة فاعدلوا صفوفكم وأقيموها، وسدوا الفرج، و إذا قال إمامكم:
الله اكبر، فقولوا: الله أكبر، وإذا ركع فاركعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده،
فقولوا: اللهم ربنا لك الحمد، إن خير الصفوف صف
(1) أمالى الصدوق ص 126.
[302]
الرجال المقدم وشرها المؤخر (1). بيان:
إسباغ الوضوء كماله والسعي في إيصال الماء إلى أجزاء الأعضاء ورعاية الاداب
والمستحبات فيه من الأدعية وغيرها، والمكاره: الشدايد كالبرد وأمثاله. 3 - معاني
الاخبار (2) والخصال: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد ابن الحسن الصفار، عن
أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن هارون بن الجهم، عن ثوير بن أبي فاختة،
عن أبي جميلة، عن سعد بن طريف، عن أبى جعفر عليه السلام قال: ثلاث كفارات: إسباغ
الوضوء في السبرات، والمشى بالليل والنهار إلى الصلوات، والمحافظة على الجماعات
(3). بيان: تمامه في باب المنجيات (4) وقال في النهاية: السبرات: جمع سبرة بسكون
الباء وهي شدة البرد. 4 - الخصال: عن محمد بن علي بن شاه، عن أحمد بن محمد بن
الحسين عن أحمد بن خالد الخالدي، عن محمد بن أحمد التميمي، عن أنس بن محمد أبي
مالك، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: فيما أوصى به النبي
صلى الله عليه وآله إلى علي عليه السلام ثلاث درجات: إسباغ الوضوء في السبرات،
وانتظار الصلاة بعد الصلاة والمشي بالليل والنهار إلى الجماعات (5). أقول: قد مر
مثله أيضا مرسلا (6).
(1) أمالى الصدوق ص 194. (2) معاني
الاخبار ص 314 في حديث. (3) الخصال ج 1 ص 42، ومثله في المحاسن ص 4. (4) راجع ج 70
ص 5 - 7 من هذه الطبعة. (5) الخصال ج 1 ص 42. (6) مر في ج 70 ص 6 وهو ذيل هذا
الحديث ولفظه: وفى حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه لما سئل في المعراج:
فيما اختصم الملأ الاعلى ؟ قال: في الدرجات
[303]
5 - ومنه: عن أنس أنه قال: قال النبي صلى
الله عليه وآله: يا أنس أسبغ الوضوء تمر على الصراط مر السحاب (1). 6 - العيون: عن
محمد بن علي بن شاه، عن أبي بكر بن عبد الله النيسابوري عن عبد الله بن أحمد
الطائي، عن أبيه. وعن أحمد بن إبراهيم الخوزي، عن إبراهيم بن مروان، عن جعفر بن
محمد الفقيه، عن أحمد بن عبد الله الشيباني. وعن الحسين بن محمد الأشناني، عن علي
بن محمد بن مهرويه القزويني، عن داود بن سليمان الفراء كلهم عن الرضا، عن آبائه
عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنا أهل البيت لا تحل لنا
الصدقة، وامرنا باسباغ الوضوء، وأن لا ننزي حمارا على عتيقة (2). 7 - الخصال: عن
أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطينى عن القاسم ابن يحيى، عن الحسن
بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: قال
أمير المؤمنين عليه السلام: الوضوء بعد الطهور عشر حسنات فتطهروا (3). المحاسن: في
رواية ابن مسلم مثله (4). 8 - ثواب الاعمال: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن محمد بن
يحيى العطار عن محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري، عن علي بن أبي الصقر، عن أبي قتادة،
عن الرضا عليه السلام قال: تجديد الوضوء لصلاة العشاء يمحو " لا والله " و " بلي
والكفارات، قال: فنوديت: وما الدرجات ؟
فقلت: اسباغ الوضوء في السبرات، والمشى إلى الجماعات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة،
وولايتي وولاية أهل بيتى حتى الممات، قال الصدوق: والحديث طويل قد أخرجته مسندا على
وجهه في كتاب اثبات المعراج. (1) الخصال ج 1 ص 85. (2) عيون الاخبار ج 2 ص 29،
ومثله في صحيفة الرضا عليه السلام ص 25. (3) الخصال ج 2 ص 160. (4) المحاسن ص 47.
[304]
والله " (1). بيان: أي إثم الحلف بهما
كاذبا أو منقصة الحلف صادقا أيضا. 9 - ثواب الاعمال: عن محمد بن موسى بن المتوكل،
عن علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد
بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من جدد وضوءه لغير
حدث جدد الله توبته من غير استغفار (2). 10 - المحاسن: عن أبيه، عن النوفلي، عن
السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من
أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، و أدى زكاته، وكف غضبه، وسجن لسانه، واستغفر لذنبه، وأدى
النصيحة لأهل بيت نبيه فقد استكمل حقايق الايمان، وأبواب الجنة مفتحة له (3). ومنه:
عن موسى بن القاسم، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عن النبي صلى الله عليه
وآله مثله (4). ثواب الاعمال: عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن العمركي، عن علي بن
جعفر مثله (5). أمالى الصدوق: عن أحمد بن زياد بن جعفر، عن علي بن إبراهيم، عن
أبيه، عن نصر بن علي الجهضمي، عن علي بن جعفر مثله (6). 11 - فقه الرضا عليه
السلام: لا صلاة إلا باسباغ الوضوء (7) 12 - مجالس الشيخ المفيد: عن أحمد بن محمد
بن الحسن بن الوليد،
(1 - 2) ثواب الاعمال ص 17. (3) المحاسن ص
11. (4) المحاسن ص 290. (5) ثواب الاعمال ص 25. (6) أمالى الصدوق: 200. (7) فقه
الرضا ص 2.
[305]
عن أبيه، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن
محمد بن أورمة، عن إسماعيل بن أبان، عن ربيع بن بدر، عن أبي حاتم، عن أنس بن مالك
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أنس أكثر من الطهور يزيد الله في عمرك،
وإن استطعت أن تكون بالليل والنهار على طهارة فافعل، فانك تكون إذا مت على طهارة
شهيدا (1). بيان: يدل على ما ذكره الأصحاب من استحباب الوضوء للكون على طهارة لكن
الخبر ضعيف عامي وسيأتي ما هو أقوى منه، ولعلها مع انضمام الشهرة بين الأصحاب تصلح
مستندا للاستحباب، لكن الأحوط عدم الاكتفاء به في الصلاة. 13 - كشف الغمة: نقلا من
دلايل الحميري، عن الوشا قال: قال فلان ابن محرز: بلغنا أن أبا عبد الله عليه
السلام كان إذا أراد أن يعاود أهله للجماع توضأ وضوء الصلاة، فاحب أن تسأل أبا
الحسن الثاني عن ذلك، قال الوشا: فدخلت عليه فابتدأني من غير أن أسأله فقال: كان
أبو عبد الله عليه السلام إذا جامع وأراد أن يعاود توضأ للصلاة، وإذا أراد أيضا
توضأ للصلاة، فخرجت إلى الرجل فقلت: قد أجابني عن مسئلتك من غير أن أسأله (2).
بيان: يدل على استحباب الوضوء للجماع بعد الجماع، والمشهور أنه إنما يستحب للمحتلم
الذي أراد الجماع، والرواية صحيحة ولا بأس بالعمل بها ولم أرمن تعرض له. 14 -
المحاسن: عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة بن مهران قال: كنت عند أبي الحسن
عليه السلام وصلى الظهر والعصر بين يدي، وجلست عنده
(1) في مطبوعة الكمبانى " مجالس ابن الشيخ
" وهو تصحيف، وقد أخرجه الحر العاملي عن أمالى المفيد: فقط، وأخرج المؤلف العلامة
في ج 76 ص 3 شطرا منه عن أمالى المفيد أيضا فقط، راجع ص 46 في ط وص 38 في ط آخر.
(2) كشف الغمة ج 3 ص 136.
[306]
حتى حضرت المغرب، فدعا بوضوء فتوضأ
للصلاة، ثم قال: لي توضأ، فقلت: جعلت فداك أنا على وضوء، فقال: وإن كنت على وضوء !
إن من توضأ للمغرب كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في يومه، إلا الكبائر، ومن
توضأ للصبح كان وضوؤه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته، إلا الكبائر (1).
تحقيق: لا شبهة في استحباب التجديد بعد أن صلى بالأول، وأما بدونه فقد قطع في
التذكرة بالاستحباب، لاطلاق الأوامر من غير تقييد، وتوقف الشهيد في الذكرى، ولعل
الأحوط الترك، وإن كان الجواز أقوى، ويمكن أن يقال مع الفصل الكثير الذي يحتمل طرو
الحدث بعده، وعدم تذكره، يتحقق التجديد عرفا، مع أن فيه نوعا من الاحتياط، ولم أر
هذا التفصيل في كلام القوم. ثم إنه هل يستحب التجديد لكل ثالثة ورابعة إلى غير ذلك،
أم يختص بالثانية ؟ المشهور الأول كما ذكره العلامة في المختلف، والصدوق - رحمه
الله - في الفقيه (2) حمل الأخبار الواردة بتكرار الوضوء مرتين، وأن من زاد لم
(1) المحاسن ص 312، وقد ترك حكم الصبح كما
في المقنع ص 3، لكنه مذكور في الكافي ج 3 ص 70 بهذا السند، وقد مر عن ثواب الاعمال
ص 231 فيما سبق مع بيان. (2) قال في الفقيه ج 1 ص 25 بعد ما ذكر أن الوضوء مرة مرة
ونقل الاحاديث في ذلك: وأما الاخبار التى رويت في أن الوضوء مرتين مرتين فأحدها
باسناد منقطع يرويه أبو جعفر الاحول ذكره عن رواه عن أبي عبد الله عليه السلام قال:
فرض الله الوضوء واحدة واحدة، ووضع رسول الله صلى الله عليه وآله للناس اثنتين
اثنتين، وهذا على جهة الانكار، لا على جهة الاخبار كانه يقول عليه السلام: حد الله
حدا فتجاوزه رسول الله صلى الله عليه وآله وتعداه ؟ وقد قال الله " ومن يتعد حدود
الله فقد ظلم نفسه ". وقد روى أن الوضوء حد من حدود الله ليعلم الله من يطيعه ومن
يعصيه، وأن المؤمن
[307]
يؤجر، على التجديد، فيكون التجديد ثانيا
عنده بدعة، لكن لم يظهر أن المراد التجديد ثانيا وإن كان لصلاة ثالثة حتى يخالف
المشهور أو التجديد ثانيا لصلاة واحدة وقال في المختلف: إن كان مراده الأول فقد
خالف المشهور، وإن كان الثاني لم أقف فيه على نص انتهى. ثم اعلم أن الذي ذكره
الأكثر: استحباب الوضوء بعد الوضوء، ولم يتعرضوا للوضوء بعد الغسل كغسل الجنابة، مع
ورود الأخبار بكون الوضوء بعده بدعة، والظاهر أنه إذا صلى بينهما يستحب التجديد
لشمول بعض الأخبار له، كرواية أمير المؤمنين عليه السلام المتقدمة وغيرها،
والمتبادر من أخبار كونه بدعة أنه إنما يكون بدعة إذا وقع بلا فاصلة، ولعل الاحتياط
في الترك. 15 - ثواب الاعمال: عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد عن
السندي، عن محمد بن كردوس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من تطهر ثم أوى
لا ينجسه شئ، وانما يكفيه مثل الدهن، وقال
الصادق عليه السلام من تعدى في وضوئه كان كناقضه. وفى ذلك حديث آخر باسناد منقطع
رواه عمرو بن أبى المقدام قال: حدثنى من سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: انى
لاعجب ممن يرغب أن يتوضأ اثنتين اثنتين، وقد توضأ رسول الله صلى الله عليه وآله
اثنتين اثنتين فان النبي صلى الله عليه وآله كان يجدد الوضوء لكل فريضة، ولكل صلاة.
أقول: ويظهر من قوله " فان النبي " أن ذلك من تتمة الخبر وعلى ذلك ابتنى كلامه فيما
يأتي " فمعنى هذا الحديث " الخ كما سيأتي، ولكن الشيخ الحر العاملي جعله حديثا
مرسلا عليحدة ! فتحرر. ثم قال الصدوق ره: فمعنى هذا الحديث هو أنى لاعجب ممن يرغب
عن تجديد الوضوء، وقد جدده النبي صلى الله عليه وآله، والخبر الذى روى أن " من زاد
على مرتين لم يؤجر " يؤكد ما ذكرته، ومعناه أن تجديده بعد التجديد لا أجر له
كالاذان من صلى الظهر والعصر باذان واقامتين أجزأه ومن أذن للعصر كان أفضل، والاذان
الثالث بدعة لا أجر له، وكذلك ما روى أن مرتين أفضل معناه التجديد، وكذلك ما روى في
مرتين انه اسباغ.
[308]
إلى فراشه، بات وفراشه كمسجده الحديث (1).
المحاسن: عن محمد بن علي، عن علي بن الحكم بن مسكين، عن محمد بن كردوس مثله (2).
بيان: أي يكتب له مادام نائما ثواب الكون في المسجد أو ثواب الصلاة. 16 - ومنه: عن
حفص بن غياث، عن الصادق عليه السلام قال: من تطهر ثم أوى إلى فراشه بات وفراشه
كمسجده، فان ذكر أنه ليس على وضوء فتيمم من دثاره كائنا ما كان، لم يزل في صلاة ما
ذكر الله عزوجل (3). أقول: وقد مضت الأخبار في ذلك في آداب النوم (4) وسيأتي بعضها
في باب التيمم. 17 - مجالس الصدوق: عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عن علي ابن
إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن مرازم بن حكيم، عن الصادق جعفر بن محمد
عليهما السلام أنه قال: عليكم باتيان المساجد، فانها بيوت الله في الأرض ومن أتاها
متطهرا طهره الله من ذنوبه وكتب من زواره الحديث (5). أقول: سيأتي في باب المساجد
عن الصادق عليه السلام أنه قال: مكتوب في التوراة أن بيوتي في الأرض المساجد، فطوبى
لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي (6). 18 - ارشاد القلوب، وأعلام الدين للديلمي
قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: يقول الله تعالى: من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني،
ومن أحدث وتوضأ [ولم يصل ركعتين فقد جفاني، ومن أحدث وتوضأ] (7) وصلى ركعتين ودعاني
(1) ثواب الاعمال ص 18. (2 - 3) المحاسن ص
47 في حديث. (4) راجع ج 76 ص 181 - 183، من هذه الطبعة الحديثة. (5) أمالى الصدوق ص
216. (6) راجع ثواب الاعمال ص 26. (7) ما بين العلامتين ساقط من الكمبانى.
[309]
ولم اجبه فيما سألني من امور دينه ودنياه،
فقد جفوته، ولست برب جاف (1). 19 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه أنه سأله
عن الرجل يحل له أن يكتب القرآن في الألواح والصحيفة، وهو على غير وضوء ؟ قال: لا
(2). بيان: ظاهره عدم جواز كتابة القرآن بغير وضوء، ولم يقل به أحد، و إنما اختلفوا
في المس كما عرفت، وربما يستدل له بهذا الخبر بالطريق الأولى أو لأن، العلة فيه
استلزامه اللمس، وكلاهما في محل المنع، ويمكن حمله على الكراهة، لورود رواية معتبرة
بتجويز كتابة الحائض التعويذ الذي لا ينفك غالبا عن الايات وإن كان الأحوط الترك
لصحة الرواية في ساير الكتب (3). 20 - مجمع البيان: عن الباقر عليه السلام في قوله
تعالى: " لا يمسه إلا المطهرون " (4) قال: من الأحداث والجنابات، وقال: لا يجوز
للجنب والحائض والمحدث مس المصحف (5). 21 - مجالس الصدوق (6) والعلل: عن أبي سعيد
الخدري في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام قال: يا علي إذا حملت
امرأتك فلا تجامعها إلا و أنت على وضوء، فانه إن قضي بينكما ولد يكون أعمى القلب
بخيل اليد (7) 2 - المحاسن: عن أبيه، عن فضالة، عن الحسين بن أبي العلا، عن أبي -
عبد الله عليه السلام قال: أول صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وآله في السماء
بين يدي الله تبارك
(1) ارشاد القلوب ص 73. (2) راجع البحار ج
10 ص 277. (3) رواه الشيخ في التهذيب ج 1 ص 35 ط حجر. (4) الواقعة: 79. (5) مجمع
البيان ج 9 ص 226. (6) أمالى الصدوق ص 339 وتمام الحديث في ج 103 ص 280 - 283 راجعه
ان شئت. (7) علل الشرائع ج 2 ص 203.
[310]
وتعالى مقابل عرشه جل جلاله، أوحى إليه
وأمره أن يدنو من صاد، ويتوضأ وقال: أسبغ وضوءك، وطهر مساجدك، وصل لربك. قلت له:
وما الصاد ؟ قال: عين تحت ركن من أركان العرش، اعدت لمحمد صلى الله عليه وآله، ثم
قرأ أبو عبد الله عليه السلام " ص والقرآن ذي الذكر " فتوضأ منها وأسبغ وضوءه تمام
الخبر (1). 23 - العلل: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن
محمد بن علي الكوفي، عن صباح الحذاء، عن إسحاق بن عمار، عنه عليه السلام مثله (2).
وسيأتي تمامها في كتاب الصلاة. 24 - فلاح السائل للسيد وكنز الفوايد للكراجكى:
قالا: سأل رجل الصادق عليه السلام فقال: أخبرني بما لا يحل تركه، ولا تتم الصلاة
إلا به، فقال أبو - عبد الله عليه السلام: لا تتم الصلاة إلا لذي طهر سابغ. 25 -
مجالس المفيد: باسناده عن الحسن البصري قال: لما قدم علينا أمير المؤمنين علي بن
أبي طالب عليهما السلام البصرة، مربي وأنا أتوضأ، فقال: يا غلام أحسن وضوءك يحسن
الله إليك، ثم جازني الحديث (3). 26 - تحف العقول: عن أمير المؤمنين عليه السلام
قال: الوضوء بعد الطهر عشر حسنات فتطهروا (4). 27 - دعائم الاسلام: عن النبي صلى
الله عليه وآله قال: بنيت الصلاة على أربعة أسهم: سهم إسباغ الوضوء، وسهم للركوع،
وسهم للسجود، وسهم للخشوع (5).
(1) المحاسن ص 323. (2) علل الشرايع ج 2 ص
23. (3) مجالس المفيد ص 77. (4) تحف العقول في حديث الاربعمائة ص 105 س 4 ط
الاسلامية. (5) دعائم الاسلام ج 1 ص 100
[311]
ومنه: عن نوف الشامي قال: رأيت عليا عليه
السلام يتوضأ وكأني أنظر إلى بصيص الماء على منكبيه، يعني من إسباغ الوضوء (1).
ومنه: عن علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من لم يتم
وضوءه وركوعه وسجوده وخشوعه فصلاته خداج (2). وعنه عليه السلام أنه قال: سمعت رسول
الله صلى الله عليه وآله يقول: ألا أدلكم على ما يكفر الذنوب والخطايا ؟ إسباغ
الوضوء عند المكاره، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلك الرباط (3): وعنه عليه السلام
أنه كان يجدد الوضوء لكل صلاة يبتغي بذلك الفضل، و صلى يوم فتح مكة الصلوات كلها
بوضوء واحد (4). توضيح: البصيص البريق، وفي النهاية فيه: كل صلاة ليست فيها قراءة
فهي خداج، الخداج النقصان، وهو مصدر على حذف المضاف أي ذات خداج ويكون قد وصفها
بالمصدر نفسه مبالغة كقوله: فانما هي إقبال وإدبار (5) وقال فيه: إسباغ الوضوء على
المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط، الرباط
في الأصل الاقامة على جهاد العدو بالحرب، وارتباط الخيل وإعدادها، فشبه به ما ذكر
من الأفعال الصالحة والعبادة، قال القتيبي: أصل المرابطة أن يربط الفريقان خيولهم
في ثغر كل منهما معد لصاحبه، فسمي المقام في الثغور رباطا، ومنه قوله عليه السلام "
فذلكم الرباط " أي إن المواظبة على الطهارة والصلاه والعبادة كالجهاد في سبيل الله،
فيكون الرباط مصدر رابطت أي لازمت. وقيل: الرباط ههنا اسم لما يربط به الشئ أي يشد،
يعني أن هذه الخلال
(1 - 4) دعائم الاسلام ج 1 ص 100. (5)
البيت من قصيدة للخنساء ترثى بها أخاه صخرا منها: فما عجول على بو تطيف به * قد
ساعدتها على التحنان أظآر ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت * فانما هي اقبال وادبار
[312]
تربط صاحبها عن المعاصي وتكفه عن المحارم
انتهى. ولعل ما روينا من إرجاع اسم الاشارة إلى خصوص الانتظار أربط وأنسب فلا تغفل.
28 - نوادر الراوندي: باسناده المتقدم، عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام
قال: قال علي عليه السلام: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله إذا بالوا توضؤا
أو تيمموا مخافة أن تدركهم الساعة (1). 29 - دعوات الراوندي: قال رسول الله صلى
الله عليه وآله: إذا غضب أحدكم فليتوضأ. بيان: لا يبعد أن يراد به غسل اليد. 30 -
أعلام الدين للديلمي: عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من
توضأ ثم خرج إلى المسجد فقال حين يخرج من بيته " بسم الله الذي خلقني فهو يهديني "
هداه الله للايمان الخبر. 31 - عدة الداعي لابن فهد: قال الصادق عليه السلام: لقارئ
القرآن بكل حرف يقرؤه في الصلاة قائما مائة حسنة، وقاعدا خمسون حسنة، ومتطهرا في
غير الصلاة خمس وعشرون حسنة، وغير متطهر عشر حسنات (2). 32 - مجالس الشيخ (3)
ومكارم الاخلاق: فيما أوصى به النبي صلى الله عليه وآله أبا ذر قال: يا أبا ذر
إسباغ الوضوء على المكاره من الكفارات (4). فائدة: ذكر الأصحاب استحباب الوضوء
للصلاة والطواف المندوبين، وللتجديد، والتأهب للصلاة الفريضة قبل دخول وقتها
ليوقعها في أول الوقت
(1) نوادر الراوندي ص 39. (2) عدة الداعي
ص 211، وتراه في ثواب الاعمال ص 91. (3) أمالى الطوسى ج 2 ص 138 - 156، ولم نجد
موضع النص فيه. (4) مكارم الاخلاق ص 548.
[313]
ولما لا يشرط فيه الطهارة من مناسك الحج
وصلاة الجنازة، ولنوم الجنب، و أكله، ولذكر الحايض، وتغسيل الجنب الميت، وجماع
الغاسل إذا كان جنبا ولمس كتابة القرآن إذا لم يكن واجبا، وقراءته، وحمله، ودخول
المساجد وزيارة قبور المؤمنين، والكون على طهارة، ولمن يدخل الميت قبره، ولطلب
الحوائج، وللنوم، وجماع المحتلم قبل الغسل، وجماع المرأة الحامل، و وطي جارية بعد
وطي اخرى، ووضوء الميت قبل غسله، ولحصول المذي والرعاف والقئ، والتخليل المخرج للدم
إذا كرههما الطبع، والخارج من الذكر بعد الاستبراء، والزيادة على أربعة أبيات شعر
باطل، والقهقهة في الصلاة عمدا، والتقبيل بشهوة، ومس الفرج، وبعد الاستنجاء بالماء
للمتوضي قبله ولو كان قد استجمر. وقد ورد في جميعها روايات إلا ما شذ، لكن بعضها
ضعيفة وبعضها محمولة على التقية كالرعاف والقئ والتخليل والشعر والقهقهة والتقبيل
ومس الفرج، ولتفصيل القول فيها محل آخر.
[314]
5. * (باب) * * " (التسمية والادعية
المستحبة عند) " * * " (الوضوء وقبله وبعده) " * 1 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن
عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن
أبي بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين
عليه السلام: لا يتوضأ الرجل حتى يسمي: يقول قبل أن يمس الماء: " بسم الله اللهم
اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين " فإذا فرغ من طهوره قال: " أشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " فعندهما يستحق المغفرة
(1). المحاسن: في رواية ابن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام عن أمير المؤمنين
عليه السلام مثله (2). 2 - العلل: عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن
أحمد بن يحيى الأشعري، عن محمد بن إسماعيل، عن علي بن الحكم، عن داود العجلي، عن
أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال: يا أبا محمد من توضأ فذكر اسم
الله طهر جميع جسده، وكان الوضوء إلى الوضوء كفارة لما بينهما من الذنوب، ومن لم
يسم لم يطهر من جسده إلا ما أصابه الماء (3). 3 - ثواب الاعمال: عن جعفر بن محمد بن
مسرور، عن الحسين بن محمد
(1) الخصال ج 2 ص 165. (2) المحاسن ص 46.
(3) علل الشرايع ج 1 ص 273.
[315]
ابن عامر، عن عمه عبد الله بن عامر، عن
محمد بن إسماعيل مثله (1). ومنه عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن
الصفار، عن معاوية ابن حكيم، عن عبد الله بن المغيرة، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي
عبد الله عليه السلام قال: من ذكر اسم الله على وضوئه فكأنما اغتسل (2). المقنع:
مرسلا مثله (3). 4 - المحاسن: عن محمد بن أبي المثنى، عن محمد بن حسان، عن محمد بن
جعفر عن أبيه عليه السلام قال: من ذكر اسم الله على وضوئه طهر جسده كله، ومن لم
يذكر اسم الله على وضوئه طهر من جسده ما أصابه الماء (4). بيان: لعل المعنى أن مع
التسمية له ثواب الغسل، أو أنه يغفر له ما عمل بجميع الجوارح من السيئات، وإلا يغفر
له ما فعل بجوارح الوضوء فقط أو أن الطهارة المعنوية التي تحصل بسبب الطهارة وتصير
سببا لقبول العبادة و كما لها تحصل مع التسمية للجميع، ومع عدمها لخصوص أعضاء
الوضوء، وهو قريب من الأول، ويؤيدهما خبر ابن مسكان. 5 - فقه الرضا: قال عليه
السلام: أيما مؤمن قرأ في وضوئه " إنا أنزلناه في ليلة القدر " خرج من ذنوبه كيوم
ولدته امه (5). 6 - العياشي: عن أبي الحسن علي بن محمد عليه السلام أن قنبرا مولى
أمير - المؤمنين ادخل على الحجاج بن يوسف، فقال له: ما الذي كنت تلي من أمر علي بن
أبي طالب ؟ قال: كنت اوضيه، فقال له: ما كان يقول: إذا فرغ من وضوئه ؟ قال: كان
يتلو هذه الاية " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب
(1) ثواب الاعمال ص 15. (2) ثواب الاعمال
ص 16. (3) المقنع ص 3. (4) المحاسن ص 46. (5) فقه الرضا ص 2، س 6.
[316]
كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم
بغتة فإذا هم مبلسون * فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " (1)
فقال الحجاج: كان يتأولها علينا ؟ فقال: نعم، فقال: ما أنت صانع إذا ضربت علاوتك ؟
قال: إذا أسعد وتشقى فأمر به (2). بيان: العلاوة بالكسر أعلى الرأس والقدم، والمراد
هنا الأول. 7 - تفسير الامام: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: مفتاح الصلاة
الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، لا يقبل الله تعالى صلاة بغير طهور،
ولا صدقة من غلول، وإن أعظم طهور الصلاة التي لا يقبل الصلاة إلا به ولا شيئا من
الطاعات مع فقده موالاة محمد، وأنه سيد المرسلين، وموالاة علي وأنه سيد الوصيين
ومولاة أوليائهما، ومعاداة أعدائهما. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن العبد
إذا توضأ فغسل وجهه، تناثرت عنه ذنوب وجهه، وإذا غسل يديه إلى المرفقين تناثرت ذنوب
يديه، وإذا مسح رأسه تناثرت عنه ذنوب رأسه، وإذا مسح رجليه أو غسلهما للتقية تناثرت
عنه ذنوب رجليه. وإذا قال في أول وضوئه " بسم الله الرحمن الرحيم " طهرت أعضاؤه
كلها من الذنوب، وإن قال في آخر وضوئه أو غسله للجنابة: " سبحانك اللهم وبحمدك أشهد
أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، وأشهد أن محمدا عبدك ورسولك وأشهد أن عليا
وليك وخليفتك بعد نبيك على خلقك، وأن أولياءه خلفاؤك وأوصياءه أوصياؤك " تحاتت عنه
ذنوبه كلها كما تحات ورق الشجر، وخلق الله بعدد كل قطرة من قطرات وضوئه أو غسله
ملكا يسبح الله ويقدسه ويهلله و يكبره، ويصلي على محمد وآله الطيبين، وثواب ذلك
لهذا المتوضئ. ثم يأمر الله بوضوئه وبغسله فيختم عليه بخواتيم رب العزة، ثم يرفع
تحت العرش حيث لا تتناوله اللصوص، ولا يلحقه السوس، ولا تفسده الأعداء، حتى يرد
عليه ويسلم إليه، أو فرما هو أحوج وأفقر ما يكون إليه فيعطى بذلك في
(1) الانعام: 44. (2) تفسير العياشي ج 1 ص
359.
[317]
الجنة ما لا يحصيه العادون، ولا يعيه
الحافظون، ويغفر الله له جميع ذنوبه حتى تكون صلاته نافلة، فإذا توجه إلى مصلاه
ليصلي قال الله عزوجل لملائكته: يا ملائكتي ألا ترون إلى عبدي هذا، قد انقطع عن
جميع الخلائق إلى وأمل رحمتي وجودي ورأفتي ؟ أشهد كم أني أخصه برحمتي وكراماتي (1).
أقول: تمامه في باب فضل الصلاة. بيان: في النهاية تحاتت عنه الذنوب تساقطت، وقوله:
" عليه أوفر " حال عن فاعلي يرد ويسلم، وقوله: " أحوج وأفقر " حالان من الضميرين في
عليه وإليه، أي يرد ويسلم إليه الوضوء والغسل، أي ثوابهما في نهاية الوفور والكمال
في حال يكون هو في غاية الاضطرار والافتقار إلى الثواب. قوله " نافلة " أي زيادة لا
يحتاج إليه في غفران الذنوب. 8 - المكارم: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا
توضأ أحدكم أو شرب أو أكل أو لبس وكل شئ يصنعه، ينبغي له أن يسمي، فان لم يفعل كان
للشيطان فيه شرك (2). 9 - جامع الاخبار: قال الباقر عليه السلام: من قرأ على أثر
وضوئه آية الكرسي مرة أعطاه الله ثواب أربعين عاما، ورفع له أربعين درجة، وزوجه
الله أربعين حوراء (3). وقال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي إذ توضأت فقل: " بسم
الله اللهم إني أسألك تمام الوضوء، وتمام الصلاة، وتمام رضوانك، وتمام مغفرتك "
فهذا زكاة الوضوء (4). بيان: قال في الفقيه (5) زكاة الوضوء أن يقول المتوضي: "
اللهم إني
(1) تفسير الامام: 239. (2) مكارم الاخلاق
ص 117. (3) جامع الاخبار ص 53. (4) جامع الاخبار ص 76. (5) فقيه من لا يحضره الفقيه
ج 1 ص 32.
[318]
أسألك تمام الوضوء، وتمام الصلاة، وتمام
رضوانك والجنة " فهذا زكاة الوضوء. وظاهر رواية المتن كون الدعاء بعد الوضوء،
ويحتمل قبله أيضا، وإطلاق الزكاة عليه إما باعتبار نمو التطهير، أو زيادته وكماله
بسببه، أو باعتبار أنه سبب لقبول الوضوء والصلاة، كما أن الزكاة سبب لقبول الصلاة
والصوم. 10 - المحاسن: عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن العلاء بن الفضيل، عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: إذا توضأ أحدكم ولم يسم كان للشيطان في وضوئه شرك، فان أكل
أو شرب أو لبس وكل شئ صنعه ينبغي له أن يسمي عليه، وإن لم يفعل كان للشيطان فيه شرك
(1). وعن محمد بن سنان، عن حماد، عن ربعي، عن الفضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام
مثله (2). وعن محمد بن عيسى، عن العلا، عن الفضيل، عن أبي عبد الله عليه السلام
مثله (3). 11 - ومنه: عن ابن فضال، عن أبي جميلة، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله
عليه السلام قال: إذا توضأ أحدكم أو أكل أو شرب أو لبس لباسا ينبغي أن يسمي عليه،
فان لم يفعل كان للشيطان فيه شرك (4). 12 - ثواب الاعمال (5) ومجالس الصدوق (6)
وفلاح السائل: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن
حسان عن عمه عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: بينا أمير
المؤمنين ذات
(1) المحاسن ص 430. (2) المحاسن ص 432. (3
و 4) المحاسن ص 433. (5) ثواب الاعمال ص 16. (6) أمالى الصدوق ص 331.
[319]
يوم جالس مع ابن الحنفية، إذ قال: يا محمد
ائتني باناء ماء أتوضأ للصلاة، فأتاه محمد باناء، فأكفى بيده اليمنى على يده
اليسرى، ثم قال: " بسم الله والحمد لله الذي جعل الماء طهورا ولم يجعله نجسا " قال:
ثم استنجى (1) فقال " اللهم حصن فرجي وأعفه، واستر عورتي وحرمني على النار " قال:
ثم تمضمض فقال: " اللهم لقني حجتي يوم ألقاك وأطلق لساني بذكرك " ثم استنشق فقال: "
اللهم لا تحرم علي ريح الجنة، واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وطيبها ". قال: ثم غسل
وجهه فقال: " اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه
الوجوه " ثم غسل يده اليمنى فقال: " اللهم أعطني كتابي بيميني، والخلد في الجنان
بيساري، وحاسبني حسابا يسيرا " ثم غسل يده اليسرى فقال: " اللهم لا تعطني كتابي
بشمالي، ولا من وراء ظهري ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي، وأعوذ بك من مقطعات النيران
".
(1) قد عرفت فيما سبق أن المصانع
والمتوضئات لم يكن في ذاك العهد، وكانوا عند الحاجة يذهبون ويطوفون ليرتادوا موضع
خلوة، فان كانت معهم أداوة ماء ومطهرة تطهروا واستنجوا والا تمسحوا بالتراب، فإذا
وجدوا ماءا استنجوا من البول وجوبا و من الغائط ندبا، ولذلك تراه عليه السلام بعد
ما كان جالسا مع أصحابه دعا بماء وطهر يديه ثم استنجى من البول، ثم تمضمض واستنشق
وتوضأ وضوء الصلاة. وانما يجب الاستنجاء من البول بالماء لان البول من جنس الماء
الذى هو من ألطف العناصر، فلا يزول بالتراب الذى هو أكثف منه، بل يزول بالماء الذى
هو أطهر منه مادة فقط. مع أن التراب كلما مسح بالبول الذى هو على رأس الحشفة صار
طينا نجسا وخرج عن كونه مطهرا، وإذا نشف البول بتمسح الاحجار، فليس هناك بول حتى
يطهره التراب، بل يبقى رأس الحشفة متلطخا بالتراب النجس، وييبس البول على رأس
الحشفة من دون ازالة كاملة، نعم، ينفع مسح التراب للتنشيف لئلا يتجاوز وينجس الثياب
وسائر الاعضاء المجاورة.
[320]
ثم مسح رأسه فقال: " اللهم غشني برحمتك
وبركاتك وعفوك " ثم مسح رجليه فقال: " اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه
الأقدام، واجعل سعيي فيما يرضيك عني يا أرحم الراحمين ". ثم رفع رأسه فنظر إلى محمد
فقال عليه السلام: يا محمد من توضأ مثل وضوئي، و قال مثل قولي، خلق الله عزوجل من
كل قطرة ملكا يقدسه ويسبحه ويكبره ويكتب الله عزوجل له ثواب ذلك إلى يوم القيامة.
المحاسن: عن محمد بن علي بن حسان مثله (1). فقه الرضا: يروى أن أمير المؤمنين عليه
السلام ذات يوم قال لابنه محمد ابن الحنفية وذكر مثله (2). المقنع مرسلا مثله (3).
العلل: لمحمد بن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن جده، عن عبد الله بن المغيرة، عن عبد
الرحمن بن كثير مثله. ولنوضح هذا الخبر المتكرر في أكثر اصول الأصحاب، وهو مع كونه
في أكثرها مختلف اختلافا كثيرا، ففي المقنع " اللهم غشني برحمتك، وأظلني تحت عرشك،
يوم لا ظل إلا ظلك " وفي المصباح للشيخ " واستر عورتي، وحرمهما على النار، ووفقني
لما يقر بني منك يا ذا الجلال والاكرام " وفيه " وأطلق لساني بذكرك " وفي بعض النسخ
" وشكرك " وفيه " اللهم لا تحرمني طيبات الجنان واجعلني ممن يشم ريحها وروحها
وريحانها وطيبها " وفي بعض النسخ بعد قوله: " حسابا يسيرا ": " واجعلني ممن ينقلب
إلى أهله مسرورا " وفي بعضها بعد قوله: " كتابي بشمالي " " ولا من وراء ظهري " وفي
بعضها " من مقطعات
(1) المحاسن ص 45. (2) فقه الرضا ص 1 و 2.
(3) المقنع ص 2
[321]
[مفظعات] النيران " وفيه بعد قوله: " فيما
يرضيك عني " يا ذا الجلال والاكرام ". وفي التهذيب (1) كما في المتن إلا أن فيه:
بذكراك، وفي الفقيه (2) " بسم الله وبالله، والحمد لله " وفيه " بذكرك وشكرك " وفيه
" لا تعطني كتابي بيساري ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي، وأعوذ بك ربي من مقطعات
النيران " وفي بعض النسخ " النار " وفي التهذيب " اللهم ثبتني على الصراط " وفي
الكافي (3) " الحمد لله الذي " بدون التسمية، وفيه " وحرمها على النار " وفيه " ممن
يشم ريحها و طيبها وريحانها " وفيه دعاء المضمضة هكذا " اللهم أنطق لساني بذكرك،
واجعلني ممن ترضى عنه " وفي دعاء غسل اليمنى " اللهم أعطني كتابي بيميني والخلد
بيساري " بدون التتمة، والباقي موافق للمتن. قوله عليه السلام: " بينا أمير
المؤمنين عليه السلام " أصل بينا بين فاشبعت الفتحة وقفا فصارت ألفا يقال: بينا
وبينما، ثم اجري الوصل مجرى الوقف، وابقيت الألف المشبعة وصلا مثلها وقفا، وهما
ظرفا زمان بمعنى المفاجات، ويضافان إلى جملة من فعل وفاعل، ومبتدأ وخبر، ويحتاجان
إلى جواب يتم به المعنى، والأفصح في جوابهما أن لا يكون فيه إذ وإذا، وقد جاء في
الجواب كثيرا تقول: بينا زيد جالس دخل عليه عمرو، وإذ دخل عليه وإذا دخل عليه، على
ما ذكره الجوهري لكن دخول إذ في كلامه عليه السلام على تقدير صحة الخبر وضبطه يدل
على كونه أفصح. و " بينا " هنا مضاف إلى جملة ما بعده، وهي " أمير المؤمنين جالس "
و اقحم بين جزئي الجملة الظرف المتعلق بالخبر، وقدم عليه توسعا. وأما كلمة " ذات "
فقد قال الشيخ الرضي - رضي الله عنه - في شرح الكافية: وأما ذا وذات وما تصرف
منهما، إذا اضيفت إلى المقصود بالنسبة فتأويلها قريب من التأويل المذكور، إذ معنى "
جئت ذا صباح " أي وقتا صاحب هذا الاسم فذا من
(1) التهذيب ج 1 ص 15 ط حجر ص 53 ط نجف.
(2) الفقيه ج 1 ص 26 و 27. (3) الكافي ج 3 ص 70 و 71.
[322]
الأسماء الستة، وهو صفة موصوف محذوف، وكذا
" جئته ذات يوم " أي مدة صاحبة هذا الاسم، واختصاص ذا بالبعض وذات بالبعض الاخر
يحتاج إلى سماع. وأما ذا صبوح وذا غبوق، فليس من هذا الباب، لأن الصبوح والغبوق
ليسا زمانين، بل ما يشرب فيهما، فالمعنى جئت زمانا صاحب هذا الشراب، فلم يضف المسمى
إلى اسمه انتهى. وقيل: إن ذا وذات في أمثال هذه المقامات مقحمة بلا ضرورة داعية
إليها بحيث يفيدان معنى غير حاصل قبل زيادتهما مثل كاد في قوله تعالى: " وما كادوا
يفعلون " (1) والاسم في " بسم الله " على بعض الأقوال. وظرف المكان المتأخر أعني "
مع " متعلق بجالس أيضا واختلف في إذا الفجائية هذه هل هي ظرف مكان أو ظرف زمان أو
غيرهما، فذهب المبرد إلى الأول والزجاج إلى الثاني، وبعض إلى أنها حرف بمعنى
المفاجاة، أو حرف زائد وعلى القول بأنها ظرف مكان قال ابن جني: عاملها الفعل الذي
بعدها، لأنها غير مضافة إليه، وعامل بينا وبينما محذوف يفسره الفعل المذكور، فمعنى
الفقرة المذكورة في الحديث: قال أمير المؤمنين عليه السلام بين أوقات جلوسه يوما من
الأيام مع محمد ابن الحنفية، وكان ذلك القول في مكان جلوسه وقال: شلوبين إذ مضافة
إلى الجملة، فلا يعمل فيها الفعل، ولا في بينا وبينما، لأن المضاف إليه لا يعمل في
مضاف، ولا فيما قبله، وإنما عاملها محذوف يدل عليه الكلام وإذ بدل من كل منهما،
ويرجع الحاصل إلى ما ذكرنا على قول ابن جني، وقيل: العامل ما يلي بين، بناء على
أنها مكفوفة عن الاضافة إليه، كما يعمل تالي اسم الشرط فيه، والحاصل حينئذ: أمير
المؤمنين عليه السلام جالس مع محمد بين أوقات يوم من الأيام في مكان قوله: يا محمد
الخ، وقيل " بين " خبر لمبتدء محذوف وهو المصدر المسبوك من الجملة الواقعة بعد إذ،
والمال حينئذ أن بين أوقات جلوسه عليه السلام مع ابنه
(1) البقرة: 71. (*)
[323]
قوله يا محمد إلى آخره، ثم حذف المبتدأ
مدلولا عليه بقوله قال يا محمد الخ وعلى قول الزجاج وهو كون إذا ظرف زمان يكون
مبتدأ مخرجا عن الظرفية، خبره بينا وبينما، فالمعنى حنيئذ وقت قول أمير المؤمنين
عليه السلام حاصل بين أوقات جلوسه يوما من الأيام مع محمد ابن الحنفية. قول ائتني
يدل على أن طلب إحضار الماء ليس من الاستعانة المكروهة، وقال الجوهري: كفأت الاناء
كببته وقلبته فهو مفكوء، وزعم ابن الأعرابي إلى أن أكفأته لغة انتهى، ويظهر من
الخبر أن أكفأته لغة فصيحة إن صح الضبط وفي الكافي فصبه. قوله عليه السلام " بيده
اليمنى " كذا في النسخ الفقيه والكافي وبعض النسخ التهذيب وفي أكثرها بيده اليسرى
على يده اليمنى، وعلى كلتا النسختين الإكفاء إما للاستنجاء أو لغسل اليد قبل
إدخالها الاناء، والأول أظهر، ويؤيده استحباب الاستنجاء باليسرى على نسخة الأصل،
وعلى الاخرى يمكن أن يقال: الظاهر أن الاستنجاء باليسرى إنما يتحقق بأن تباشر
اليسرى العورة وأما الصب فلا بد أن يكون باليمني في استنجاء الغايط، وأما في
استنجاء البول، فان لم تباشر اليد العورة فلا يبعد كون الأفضل الصب باليسار، وإن
باشرتها، فالظاهر أن الصب باليمين أولى. قوله عليه السلام " بسم الله " أي أستعين
أو أتبرك باسمه تعالى " طهورا " أي مطهرا كما يناسب المقام، ولأن التأسيس أولى من
التأكيد على بعض الوجوه " ولم يجعل نجسا " أي متأثرا من النجاسة أو بمعناه، فانه لو
كان نجسا لم يمكن استعماله في إزالة النجاسة، ولعل كلمة ثم في المواضع منسلخة عن
معنى التراخي كما قيل في قوله تعالى: " ثم أنشأناه خلقا آخر " (1). والمضمضة تحريك
الماء في الفم كما ذكره الجوهري، والتلقين التفهيم وهو سؤال منه تعالى أن يلهمهم في
يوم لقائه ما يصير سببا لفكاك رقابهم من النار
(1) المؤمنون: 14.
[324]
كما قال سبحانه " يوم تأتي كل نفس تجادل
عن نفسها " (1) وقرئ بتخفيف النون من التلقي كما قال تعالى: " ولقاهم نضرة وسرورا "
(2) والأول أظهر وإن كان في الأخير لطف. ويوم اللقاء إما يوم القيامة والحساب، أو
يوم الدفن والسؤال أو يوم الموت وفي الأخير بعد، ويحتمل الأعم وإطلاق اللسان إما
عبارة عن التوفيق للذكر مطلقا أو عدم اعتقاله عند معاينة ملك الموت وأعوانه، والأول
أعم وأظهر، و يدل الخبر على استحباب تقديم المضمضة على الاستنشاق، وتأخير دعاء كل
منهما عنه كما هو المشهور في الكل، وذهب الشيخ في المبسوط إلى عدم جواز تأخير
المضمضة عن الاستنشاق، وقال في الذكرى: هذا مع قطع النظر عن اعتقاد شرعية التأخير
أما معه فلا شك في تحريم الاعتقاد لا عن شبهة، وأما الفعل فالظاهر لا، انتهى
والاستنشاق اجتذاب الماء بالأنف وأما الاستنثار فلعله مستحب آخر، ولا يبعد كونه
داخلا في الاستنشاق عرفا. ويشم بفتح الشين من باب علم، ويظهر من الفيروز آبادي أنه
يجوز الضم، فيكون من باب نصر، والريح الرائحة، وقال الجوهري: الروح نسيم الريح
ويقال أيضا: يوم روح أي طيب، و " روح وريحان " (3) أي رحمة ورزق وأول الدعاء
استعاذة من أن يكون من أهل النار، فانهم لا يشمون ريح الجنة حقيقة ولا مجازا. وبياض
الوجه وسواده إما كنايتان عن بهجة السرور والفرح، وكآبة الخوف والخجلة، أو المراد
بهما حقيقة السواد والبياض، وفسر بالوجهين قوله تعالى: " يوم تبيض وجوه وتسود وجوه
" (4) ويمكن أن يقرء قوله: تبيض وتسود
(1) النحل: 111. (2) الانسان: 11. (3)
الواقعة: 89. (4) آل عمران: 106.
[325]
على مضارع الغائب من باب الافعلال،
فالوجوه مرفوعة فيهما بالفاعلية، وأن يقرء بصيغة المخاطب من باب التفعيل مخاطبا
إليه تعالى فالوجوه منصوبة فيهما على المفعولية كما ذكره الشهيد الثاني رفع الله
درجته والأول هو المضبوط في كتب الدعاء، المسموع عن المشايخ الأجلاء. ثم الظاهر أن
التكرير للالحاح في الطلب والتأكيد فيه، وهو مطلوب في الدعاء، فانه تعالى يحب
الملحين في الدعاء، ويمكن أن يكون الثانية تأسيسا على التنزل فان ابيضاض الوجوه
تنور فيها زايدا على الحالة الطبيعية، فكأنه يقول إن لم تنورها فأبقها على الحالة
الطبيعية ولا تسودها. والكتاب كتاب الحسنات، وإعطاؤه باليمين علامة الفلاح يوم
القيامة، كما قال تعالى: " فأما من اوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا و
ينقلب إلى أهله مسرورا " (1) وقوله عليه السلام: " والخلد في الجنان بيساري " يحتمل
وجوها: الأول أن المراد بالخلد الكتاب المشتمل على توقيع كونه مخلدا في الجنان على
حذف المضاف، وباليسار اليد اليسرى، والباء صلة لأعطني كما روي عن أمير المؤمنين
عليه السلام أنه قال: يعطى كتاب أعمال العباد بأيمانهم، وبراءة الخلد في الجنان
بشمائلهم، وهو أظهر الوجوه. والثاني أن المراد باليسار اليسر خلاف العسر كما قال
تعالى: " وسنيسره لليسرى " (2) فالمراد هنا طلب الخلود في الجنة، من غير أن يتقدمه
عذاب النار وأهوال يوم القيامة، أو سهولة الأعمال الموجبة له. الثالث أن يراد
باليسار مقابل الاعسار أي اليسار بالطاعات أي أعطني الخلد في الجنان بكثرة طاعاتي،
فالباء للسببية، فيكون في الكلام إيهام التناسب، وهو الجمع بين المعنيين المتباينين
بلفظين لهما معنيان متناسبان كما قيل في قوله تعالى:
(1) الانشقاق: 9. (2) الليل: 7.
[326]
" والشمس والقمر بحسبان * والنجم والشجر
يسجدان " (1) فان المراد بالنجم ما ينجم من الأرض، أي يظهر ولا ساق له كالبقول،
وبالشجر ما له ساق فالنجم بهذا المعنى وإن لم يكن مناسبا للشمس والقمر، لكنه بمعنى
الكواكب يناسبهما وهذا الوجه مع لطفه لا يخلو من بعد. الرابع أن الباء للسببية أي
أعطني الخلد بسبب غسل يساري، وعلى هذا فالباء في قوله بيميني أيضا للسببية، ولا
يخفى بعده، لا سيما في اليمين، لأن إعطاء الكتاب مطلقا ضروري وإنما المطلوب الاعطاء
باليمين الذي هو علامة الفائزين، وقال الشهيد الثاني قدس الله روحه في قوله: "
وحاسبني حسابا يسيرا " لم يطلب دخول الجنة بغير حساب، هضما لمقامه واعترافا
بتقصيره، عن الوصول إلى هذا القدر من القرب، لأنه مقام الأصفياء بل طلب سهولة
الحساب تفضلا من الله تعالى وعفوا عن المناقشة بما يستحقه، وتحرير الحساب بما هو
أهله وفيه مع ذلك اعتراف بحقية الحساب، مضافا إلى الاعتراف بأخذ الكتاب، وذلك بعض
أحوال يوم الحساب. وقوله عليه السلام: " اللهم لا تعطني كتابي بشمالي " إشارة إلى
قوله سبحانه: " فأما من اوتي كتابه بشماله فسوف يدعو ثبورا ويصلى سعيرا " (2)
وقوله: " ولا من وراء ظهري ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي " إشارة إلى ما روي من أن
المجرمين يعطى كتابهم من وراء ظهورهم بشمائلهم، حال كونها مغلولة إلى أعناقهم. وقال
الجزري: المقطع من الثياب كل ما يفصل ويخاط من قميص و غيره، وما لا يقطع منه كالازر
والأردية، وقيل: المقطعات لا واحد لها فلا يقال للجبة القصيرة مقطعة ولا للقميص
مقطع، وإنما يقال لجملة الثياب القصار: مقطعات، والواحد ثوب انتهى، وهذه إشارة إلى
قوله تعالى: " قطعت لهم ثياب من
(1) الرحمن: 5. (2) الانشقاق: 11.
[327]
نار " (1) فاما أن تكون جبه وقميصا حقيقة
من النار، كالرصاص والحديد أو تكون كناية عن لصوق النار بهم كالجبة والقميص، ولعل
السر في كون ثياب النار مقطعات أو التشبيه بها، كونها أشد اشتمالا على البدن من
غيرها، فالعذاب بها أشد. وفي بعض النسخ " مفظعات " بالفاء والظاء المعجمة، جمع
المفظعة بكسر الظاء من فظع الأمر بالضم فظاعة، فهو فظيع، أي شديد شنيع، وهو تصحيف،
والأول موافق للاية الكريمة حيث يقول: " فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار ".
والتغشية: التغطية، والبركة: النماء والزيادة، وقال في النهاية في قولهم: وبارك على
محمد وآل محمد أي أثبت له وأدم ما أعطيته من التشريف والكرامة، و هو من برك البعير
إذا ناخ في موضع فلزمه، وتطلق البركة أيضا على الزيادة و الأصل الأول انتهى، ولعل
الرحمة بالنعم الاخروية أخص كما أن البركة بالدنيوية أنسب، كما يفهم من موارد
استعمالهما، ويحتمل التعميم فيهما. وقال الوالد قدس سره: يمكن أن يكون الرحمة عبارة
عن نعيم الجنة وما يوصل إليها، والبركات عن نعم الدنيا الظاهرة والباطنة، من
التوفيقات للأعمال الصالحة والعفو، والخلاص من غضب الله وما يؤدي إليه. قوله: " من
كل قطرة " أي بسببها أو من عملها، بناء على تجسم الأعمال والتسبيح والتقديس
مترادفان بمعنى التنزيه، ويمكن تخصيص التقديس بالذات والتسبيح بالصفات، والتكبير
بالأفعال وقوله عليه السلام " إلى يوم القيمة " إما متعلق بيكتب، أو يخلق أو بهما
أو بالأفعال الثلاثة على التنازع. وإنما أطنبنا الكلام في تلك الرواية لكثرة رجوع
الناس إليها، وكثرة جدواها واشتهارها وتكررها في الاصول. 13 - دعائم الاسلام: عن
علي عليه السلام أنه قال: ما من مسلم يتوضأ فيقول
(1) الحج: 19.
[328]
عند وضوئه: " سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن
لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين
" إلا كتب في رق وختم عليها ثم وضعت تحت العرش حتى تدفع إليه بخاتمها يوم القيامة
(1). وعن جعفر بن محمد أنه قال: إذا أردت الوضوء فقل: " بسم الله على ملة رسول الله
صلى الله عليه وآله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله صلى الله عليه وآله (2). 14 - اختيار السيد بن الباقي والبلد الامين: روي أن
من قرأ بعد إسباغ الوضوء إنا أنزلناه في ليلة القدر، وقال: " اللهم إني أسئلك تمام
الوضوء، وتمام الصلاة، وتمام رضوانك، وتمام مغفرتك " لم تمر بذنب قد أذنبه إلا محته
(3). 15 - الاختيار: قال أمير المؤمنين عليه السلام لأبي ذر: إذا نزل بك أمر عظيم
في دين أو دنيا، فتوضأ وارفع يديك وقل: يا الله سبع مرات فانه يستجاب لك. 16 - كتاب
جعفر ابن محمد بن شريح: عن حميد بن شعيب، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام
قال: إذا توضأ أحدكم أو أكل أو شرب أو لبس ثوبا وكل شئ يصنع، ينبغي أن يسمي عليه،
فان هو لم يفعل كان الشيطان فيه شريكا.
(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 105. (2) دعائم
الاسلام ج 1 ص 106. (3) البلد الامين ص 3.
[329]
6. * (باب) * * " (التولية والاستعانة
والتمندل) " * 1 - مجالس الصدوق: عن الحسين بن محمد بن يحيى العلوي، عن جده يحيى بن
الحسن بن جعفر، عن عبد الله بن محمد، عن عبد الرزاق قال: جعلت جارية لعلي بن الحسين
عليه السلام تسكب الماء عليه وهو يتوضأ للصلاة، فسقط الابريق من يد الجارية على
وجهه فشجه، فرفع علي بن الحسين عليه السلام رأسه إليها، فقالت الجارية: إن الله
عزوجل يقول: " والكاظمين الغيظ " (1) فقال: قد كظمت غيظي قالت: " والعافين عن الناس
" قال لها " قد عفى الله عنك، قالت: " والله يحب المحسنين " قال: اذهبي فأنت حرة
(2). بيان: صب الماء عليه إما للضرورة، أو لبيان الجواز. 2 - الخصال: عن أبيه، عن
علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن
آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خلتان (3) لا احب أن
يشاركني فيهما أحد: وضوئي فانه من صلاتي، وصدقتي فانها من يدي إلى يد السائل، فانها
تقع في يد الرحمن (4). العياشي: عن السكوني مثله (5).
(1) آل عمران: 134. (2) أمالى الصدوق ص
121. (3) خصلتان خ ل. (4) الخصال ج 1 ص 18. (5) تفسير العياشي ج 2 ص 108.
[330]
3 - العلل: عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن
محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حماد، عن
إبراهيم بن عبد الحميد، عن شهاب بن عبد ربه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان
أمير المؤمنين عليه السلام إذا توضأ لم يدع أحدا يصب عليه الماء قال: لا احب أن
اشرك في صلاتي أحدا (1). المقنع: مرسلا مثله (2). 4 - ثواب الاعمال: عن أبيه، عن
سعد بن عبد الله، عن سلمة بن الخطاب عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن علي بن معلى، عن
إبراهيم بن محمد بن حمران، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من توضأ
وتمندل كتبت له حسنة، ومن توضأ ولم يتمندل حتى يجف وضؤوه كتبت له ثلاثون حسنة (3).
5 - المحاسن: عن إبراهيم بن محمد الثقفي مثله (4). 6 - ومنه: عن أبيه عمن ذكره، عن
عبد الله بن سنان قال: سألت أبا - عبد الله عليه السلام عن التمندل بعد الوضوء،
فقال: كان لعلي عليه السلام خرقة في المسجد ليست إلا للوجه يتمندل بها (5). ومنه:
عن علي بن الحكم، عن أبان بن عثمان، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه
السلام مثله (6). 7 - ومنه: بهذا الاسناد قال: كانت لعلي عليه السلام خرقة يعلقها
في مسجد بيته لوجهه إذا توضأ يتمندل بها (7). 8 - ومنه: عن الحسن بن علي الوشا، عن
محمد بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان لأمير المؤمنين عليه السلام
خرقة يمسح بها وجهه إذا توضأ للصلاة ثم يعلقها على وتد ولا يمسها غيره (8).
(1) علل الشرايع ج 1 ص 264. (2) المقنع ص
2 ط حجر. (3) ثواب الاعمال ص 17. (4 - 8) المحاسن ص 429.
[331]
9 - ومنه: عن أبيه، عن علي بن النعمان، عن
منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد الله عليه الصلاة والسلام عن الرجل يمسح وجهه
بالمنديل قال: لا بأس به (1). توضيح: ذهب الشيخ وجماعة من الأصحاب إلى كراهية
التمندل بعد الوضوء، ونقل عن ظاهر المرتضى عدم الكراهة وهو أحد قولي الشيخ ثم
اختلفوا فقال بعضهم: هو المسح بالمنديل، فلا يلحق به غيره وبعضهم عبر عنه بمسح
الأعضاء، وجعله بعضهم شاملا للمسح بالمنديل والذيل دون الكم، وبعضهم ألحق به
التجفيف بالشمس والنار وهو ضعيف. والذي يظهر لي أنه لما اشتهر بين بعض العامة كأبي
حنيفة وجماعة منهم نجاسة غسالة الوضوء، وكانوا يعدون لذلك منديلا يجففون به أعضاء
الوضوء ويغسلون المنديل، فلذا نهوا عن ذلك، وكانوا يتمسحون بأثوابهم ردا عليهم، كما
روي عن مروان بن مسلم (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: توضأ للصلاة ثم مسح
وجهه بأسفل قميصه، ثم قال: يا إسماعيل افعل هكذا، فاني هكذا أفعل (3). فيمكن حمل
تلك الأخبار على التقية أو أنه لم يكن بقصد الاجتناب عن الغسالة أو أنه كان لبيان
الجواز. 10 - الخرايج للراوندي: عن الحسن بن سعيد، عن عبد العزيز، عن أبى عبد الله
عليه السلام أنه قال له: ضع لي ماء أتوضأ به الحديث (4).
(1) المحاسن ص 429. (2) التهذيب ج 1 ص 101
ط حجر. (3) والذى عندي أن الغسل في الوضوء لطرد الشياطين عن الوجه واليدين
والمبالغة في طردهم بالتسمية لقوله تعالى: " وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا على
أدبارهم نفورا " فعلى هذا الاولى أن لا يتمندل حذرا من أن يعلق بيده الشياطين التى
توطن في المنديل وان كان مأمونا من ذلك فلا بأس به. (4) الخرائج ص 234.
[332]
11 - ارشاد المفيد: قال: دخل الرضا عليه
السلام يوما والمأمون يتوضأ للصلاة والغلام يصب على يده الماء، فقال: لا تشرك يا
أمير المؤمنين بعبادة ربك أحدا فصرف المأمون الغلام وتولى تمام الوضوء بنفسه (1).
6. * (باب) * * " (سنن الوضوء وآدابه من غسل اليد) " * * " (والمضمضة والاستنشاق
وما ينبغى) * * " (من المياه وغيرها) " * 1 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن،
عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن المضمضة والاستنشاق، قال: ليس
بواجب، وإن تركهما لم يعدلهما صلاة (2). قال: وسألته عن الرجل يتوضأ في الكنيف
بالماء يدخل يده فيه أيتوضأ من فضله للصلاة ؟ قال: إذا أدخل يده وهي نظيفة فلا بأس،
ولست احب أن يتعود ذلك إلا أن يغسل يده قبل ذلك (3). أقول: قد مضى في باب علل
الوضوء عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إذا تمضمض نور الله قلبه ولسانه
بالحكمة، فإذا استنشق آمنه الله من النار ورزقه رائحة الجنة (4). 2 - العلل: عن
محمد بن الحسن بن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن
(1) ارشاد المفيد ص 295. (2 - 3) قرب
الاسناد ص 83 ط حجر ص 109 ط نجف. (4) راجع ص 229 فيما سبق.
[333]
أبان، عن الحسين بن سعيد، عن محمد بن
سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن عبد الكريم بن عتبة قال: سألته عن الرجل
يستيقظ من نومه ولم يبل يدخل يده في الاناء قبل أن يغسلها قال: لا، لأنه لا يدرى
أين باتت يده فيغسلها (1). بيان: هذا الخبر رواه المخالفون بأسانيد عن أبي هريرة
(2) عن النبي صلى الله عليه وآله وفي بعض رواياتهم حتى يغسلهما ثلاثا، وقال في شرح
السنة بعد إيراد الخبر: فلو غمس يده في الاناء ولم يعلم بها نجاسة يكره، ولا يفسد
الماء عند أكثر أهل العلم. وقال أحمد: إذا قام من نوم الليل يجب غسل اليدين لأنه
صلى الله عليه وآله قال: لا يدري أين باتت، والبيتوتة عمل الليل، ولأنه لا ينكشف
بالنهار كتكشفه بالليل و لا يتوهم وقوع يده على موضع النجاسة بالنهار ما يتوهم
بالليل، وقال إسحاق: يجب غسل اليدين سواء قام من نوم الليل أو من نوم النهار، قال:
وفيه إشارة إلى أن الأخذ بالوثيقة والاحتياط في العبادة أولى، وفيه دليل على الفرق
بين
(1) علل الشرايع ج 1 ص 267. (2) رواه في
مشكاة المصابيح ص 45، وقال متفق عليه، وفى بعض الحواشى عليه: روى النووي عن الشافعي
وغيره: أن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالحجارة، وبلادهم حارة، فإذا ناموا عرقوا، فلا
يؤمن أن تطوف يده على موضع النجاسة أو على بثرة أو قملة والنهى عن الغمس قبل غسل
اليد مجمع عليه، لكن الجماهير على أنه نهى تنزيه لا تحريم فلو غمس لم يفسد الماء
ولم يأثم الغامس. وفى شرح السنة: علق النبي صلى الله عليه وآله غسل اليدين بالامر
الموهوم، وما علق بالموهوم لا يكون واجبا، فأصل الماء واليدين على الطهارة، فحمل
الاكثرون هذا الحديث على الاحتياط، وذهب الحسن البصري والامام أحمد في احدى
الروايتين إلى الظاهر، وأوجب الغسل وحكم بنجاسة الماء، كذا نقله الطيبى. وقال
الشمنى عن عروة بن الزبير وأحمد بن حنبل وداود أنه يجب على المستيقظ من نوم الليل
غسل اليدين لظاهر الحديث، ولنا أن النوم ان كان حدثا كالبول، وان كان سببا للحدث
فهو كالمباشرة وكل ذلك لا يوجب غسل اليدين قبل ادخالهما الاناء عندهم.
[334]
ورود النجاسة على الماء القليل، وورود
الماء على النجاسة. 3 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى
اليقطيني عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن
أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: المضمضة والاستنشاق
سنة، وطهور للفم والأنف (1). 4 - مجالس ابن الشيخ: بالسند المتقدم فيما كتب أمير
المؤمنين عليه السلام إلى محمد بن أبي بكر: وانظر إلى الوضوء فانه من تمام الصلاة،
تمضمض ثلاث مرات، واستنشق ثلاثا، واغسل وجهك ثم يدك اليمنى، ثم اليسرى ثم امسح رأسك
ورجليك، فاني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يصنع ذلك واعلم أن الوضوء نصف
الايمان (2) بيان: قد مر أن هذا سند تثليث المضمضة والاستنشاق، لكن رأيت في كتاب
الغارات هذا الخبر، وفيه تثليث غسل ساير الأعضاء أيضا، وهذا مما يضعف الاحتجاج. 5 -
العلل: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم،
عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عمن أخبره، عن أبي بصير عن أبي جعفر وأبي عبد الله
عليهما السلام أنهما قالا: المضمضة والاستنشاق ليسا من الوضوء لأنهما من الجوف (3).
بيان: يدل على ما ذهب إليه ابن أبي عقيل من أن المضمضة والاستنشاق ليسا بفرض ولا
سنة والمعروف بين الأصحاب استحبابهما، واول بأنهما ليسا من فرايض الوضوء، ويمكن أن
يكون المراد أنهما ليسا من الأجزاء المسنونة بل من السنن المتقدمة على الوضوء
كالسواك.
(1) الخصال ج 2 ص 156. (2) أمالى الطوسى ج
1 ص 29. (3) علل الشرايع ج 1 ص 271
[335]
6 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن أبي
محمد الفحام، عن عمه عمرو بن يحيى، عن كافور الخادم قال: قال لي الامام علي بن
محمد: اترك لي السطل الفلاني في الموضع الفلاني لأتطهر منه للصلاة، وأنفذني في
حاجة، وقال: إذا عدت فافعل ذلك ليكون معدا إذا تأهبت للصلاة، واستلقى عليه السلام
لينام، وانسيت ما قال لي وكانت ليلة باردة. فحسست به وقد قال إلى الصلاة وذكرت أنني
لم أترك السطل فبعدت عن الموضع خوفا من لومه، وتألمت له حيث يشقى بطلب الاناء،
فناداني نداء مغضب فقلت: إنا لله أيش عذري أن أقول: نسيت مثل هذا. ولم أجد بدا من
إجابته، فجئت مرعوبا فقال: يا ويلك أما عرفت رسمي أنني لا أتطهر إلا بماء بارد
فسخنت لي ماء وتركته في السطل ؟ فقلت: والله يا سيدي ما تركت السطل ولا الماء، قال:
الحمد لله، والله لا تركنا رخصة، ولا رددنا منحة، الحمد لله الذي جعلنا من أهل
طاعته ووفقنا للعون على عبادته، إن النبي صلى الله عليه وآله كان يقول: إن الله
يغضب على من لا يقبل رخصه (1). 7 - العلل: عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن
الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن
أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الماء الذي
تسخنه الشمس لا تتوضأوا به ولا تغسلوا ولا تعجنوا، فانه يورث البرص (5). ايضاح: يدل
على ما هو المشهور من كراهة استعمال الماء المسخن بالشمس في الامور المذكورة بل نقل
الشيخ في الخلاف الاجماع عليه، في الجملة، لكن اشترط في الحكم القصد إلى ذلك وصرح
بالتعميم في المبسوط وأطلق في النهاية كما هو ظاهر هذه الرواية، وكذا أكثر الأصحاب،
واحتمل العلامة في النهاية اشتراط
(1) أمالى الطوسى ج 1 ص 303 و 304. (2)
علل الشرائع ج 1 ص 266.
[336]
كونه في الأواني المنطبعة غير الذهب
والفضة واتفاقه في البلاد المفرطة الحرارة ثم احتمل التعميم وهو أظهر. وظاهر هذا
الخبر عدم الفرق بين أن يكون في الانية وغيرها في حوض أو نهر أو ساقية، لكن العلامة
في النهاية والتذكرة حكى الاجماع على نفي الكراهة في غير الانية، وهل يشترط القلة
في الماء ؟ وجهان، واختلف الأصحاب فيه. وألحق بعضهم بالطهارة ساير الاستعمالات،
واقتصر في الذكرى على استعماله في الطهارة والعجين، وفاقا للصدوق، وهو حسن اقتصارا
على مورد النص و احتمل في التذكرة بقاء الكراهة لو زال التشميس، وتبعه الشهيد
وجماعة والظاهر اختصاص الكراهة بالاختيار، وأما القول بالكراهة فلوجود المعارض.
وليس معنى كونه مورثا للبرص أنه يحصل بمجرد استعمال واحد، ولا يتخلف حتى يستدل به
على التحريم، بل الظاهر أن المراد به أن مداومته مظنة ذلك، والله يعلم. 8 - ثواب
الاعمال (1) والعلل: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد ابن الحسن الصفار، عن
العباس بن معروف، عن إسماعيل بن همام، عن محمد بن سعيد بن غزوان، عن السكوني، عن
ابن جريح، عن عطا، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: افتحوا
عيونكم عند الوضوء لعلها لا ترى نار جهنم (2). المقنع: مرسلا مثله (3). 9 - نوادر
الراوندي: باسناده، عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى
الله عليه وآله: أشربوا أعينكم الماء عند الوضوء، لعلها لا ترى نارا حامية (4).
(1) ثواب الاعمال ص 17. (2) علل الشرائع ج
1 ص 266. (3) المقنع ص 3. (4) نوادر الراوندي ص 39.
[337]
دعائم الاسلام: عن النبي صلى الله عليه
وآله مثله (1). بيان: قال في الدروس: يستحب فتح العين عند الوضوء، وذهب إليه الصدوق
والشيخ في الخلاف ادعى الاجماع منا على عدم وجوبه ولا استحبابه وظاهر الأصحاب أن
مرادهم مجرد فتحها استظهارا لغسل نواحيها لا مع غسلها أيضا لأنه مضرة عظيمة كادت أن
تكون حراما، وروي أن ابن عمر كان يفعله فعمي لذلك (2) لكن ظاهر الخبر الثاني
استحباب إيصال الماء إلى داخل العين، ويمكن حمله على ما يصل أحيانا عند الفتح إليه
لا المبالغة في ذلك، أو المراد غسل الأشفار ولا يبعد حمل الخبرين على التقية لكون
الأول عاميا، والثاني غير صحيح السند، ونسبة القول باستحبابه إلى الشافعي، ويمكن
حمل الخبر الأول على المجاز، أي بالغوافي إيصال الماء إلى أجزاء الأعضاء. 9 -
العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن معاوية بن حكيم، عن
(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 100. (2) روى أنه
صلى الله عليه وآله كان قبل أن يتوضأ يستاك ثم يتمضمض ثم يستنشق وليس فيها أنه صلى
الله عليه وآله فتح أجفان عينه وأشرب داخل العين، ولعله صلى الله عليه وآله رأى بعض
العامة كما رأيت كثيرا من الناس يغمضون أجفانهم ويشدون عليها بحيث تغيب أشفارهم تحت
أسرة الاجفان، فلا يجرى الماء عند ارساله من أعلى الجبهة إلى الاشفار ومنبتها، ولا
تصل إليها اليد عند مسحها عن الغسالة، فأمر بأن يفتحوا أسرة الاجفان والا فداخل
العين أنظف من أن يغسل بالماء: خلق الله فيها غددا تنفجر منها الطهور تغسل العين
حينا فحينا عن الادناس وتذهب برجز الشيطان وتدفع غسالتها إلى قناة معدة في المآقى
تجرى إلى الانف، ولولا هذا الطهور وقناة الغسالة لاتى الشيطان على العين وجلائها
وصحتها. على أن مقتضى الفطرة أن لا يصل إلى داخل العين شئ من المواد الخارجية ماء
كان أو غبارا، ولذلك ينطبق الاجفان بالطبع من دون ارادة عند هجوم شئ عليها، و هذا
دليل على ان رش باطنها واشرابها فعل مرغوب عنه، ولذلك يوجب الفساد وخروج المدة
والقيح عنها، كما ابتليت به وقتا ما.
[338]
عبد الله بن المغيرة، عن رجل، أبي عبد
الله عليه السلام قال: إذا توضأ الرجل فليصفق وجهه بالماء، فانه إن كان ناعسا فزع
واستيقظ، وإن كان البرد فزع فلم يجد البرد (1). أقول: قد مر في باب صفة الوضوء، عن
موسى بن جعفر عليه السلام أنه قال: لا تلطم وجهك بالماء لطما (2) ومر وجه الجمع
بينهما وأنه ذهب والد الصدوق رحمهما الله إلى استحباب التصفيق لهذا الخبر. 10 -
ثواب الاعمال: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن النوفلي، عن
السكوني، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
ليبالغ أحدكم في المضمضة والاستنشاق، فانه غفران لكم ومنفرة للشيطان (3). 11 -
المحاسن: عن أبيه، عن محمد بن إسماعيل رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: قال
النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: عليك بالسواك لكل وضوء (4) مكارم
الاخلاق: مرسلا مثله (5) 12 - المحاسن: عن ابن محبوب، عن عمرو بن أبي المقدام، عن
محمد بن مروان، عن أبي جعفر عليه السلام في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي
عليه السلام: عليك بالسواك لكل صلاة (6). ومنه: عن أبيه، عن علي بن النعمان، عن
الصنعاني رفعه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام في وصيته:
عليك بالسواك عند كل وضوء، وقال بعضهم:
(1) علل الشرائع ج 1 ص 266. (2) راجع ص
258 فيما سبق. (3) ثواب الاعمال ص 18 و 19، (4) المحاسن ص 17 في حديث. (5) مكارم
الاخلاق ص 53. (6) المحاسن ص 561.
[339]
لكل صلاة (1). ومنه: عن أبيه، عن صفوان،
عن معلى بن عثمان، عن معلى بن خنيس قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن السواك
بعد الوضوء ؟ فقال: الاستياك قبل أن يتوضأ، قلت: أرأيت إن نسي حتى يتوضأ ؟ قال:
يستاك ثم يتمضمض ثلاث مرات (2). بيان: يشكل الاستدلال به على استحباب تثليث المضمضة
مطلقا. 13 - المحاسن: عن جعفر بن محمد، عن عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا توضأ الرجل وسوك ثم قام
فصلى وضع الملك فاه على فيه، فلم يلفظ شيئا إلا التقمه، وزاد بعضهم: فان لم يستك
قام الملك جانبا يستمع إلى قراءته (3). بهذا الاسناد عن أبي عبد الله، عن آبائه
عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ركعتان بسواك أفضل من سبعين
ركعة بغير سواك (4) مكارم الاخلاق: عن الباقر والصادق عليهما السلام مثله (5). 14 -
المحاسن: عن الحسن بن علي بن فضال، عن غالب، عن رفاعة، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: صلاة ركعتين بسواك أفضل من أربع ركعات بغير سواك (6). 15 - المكارم: عن النبي
صلى الله عليه وآله قال: إذا لبستم وتوضأتم فابدؤا بميامنكم (7) 16 - مصباح
الشريعة: قال الصادق عليه السلام: إن أردت الطهارة والوضوء
(1 - 4) المحاسن ص 561. (5) مكارم الاخلاق
ص 53. (6) المحاسن ص 562. (7) مكارم الاخلاق 117.
[340]
فتقدم إلى الماء تقدمك إلى رحمة الله، فان
الله قد جعل الماء مفتاح قربته ومناجاته، ودليلا إلى بساط خدمته، فكما أن رحمته
تطهر ذنوب العباد، كذلك النجاسات الظاهرة يطهرها الماء، لا غير، قال الله عزوجل: "
وهو الذي أرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته وأنزلنا من السماء ماء طهورا " (1) وقال
عزوجل: " وجعلنا من الماء كل شئ حي " (2) وكما أحيا به كل شئ من نعيم الدنيا كذلك
برحمته وفضله جعله حياة القلوب والطاعات. وتفكر في صفاء الماء ورقته وطهوره وبركته،
ولطيف امتزاجه بكل شئ، واستعمله في تطهير الأعضاء التي أمرك الله بتطهيرها، وأت
بآدابه وفرائضه وسننه، فان تحت كل واحدة منها فوايد كثيرة، وإذا استعملتها بالحرمة
انفجرت لك عيون فوائده عن قريب. ثم عاشر خلق الله كامتزاج الماء بالأشياء يؤدي إلى
كل شئ حقه، ولا يتغير عن معناه، معتبرا لقول رسول الله صلى الله عليه وآله: " مثل
المؤمن الخالص كمثل الماء " وليكن صفوتك مع الله تعالى في جميع طاعاتك، كصفوة الماء
حين أنزله من السماء، وسماه طهورا، وطهر قلبك للتقوى واليقين عند طهارة جوارحك
بالماء (3). 17 - العلل: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن
ميمون، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لولا أن
أشق على امتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة (4). المحاسن: عن جعفر بن محمد، عن ابن
القداح، عن أبي عبد الله عليه السلام
(1) الفرقان: 48. (2) الانبياء، 30. (3)
مصباح الشريعة ص 9. (4) علل الشرايع ج 1 ص 277.
[341]
مثله (1). بيان: أي لو لا أن أصير شاقا
على امتي أو أصير سببا لأن يقعوا في المشقة لأمرتهم بالأمر الوجوبي بالسواك مع كل
صلاة، قال في القاموس: شق عليه الأمر شقا ومشقة صعب، وعليه أوقعه في المشقة وفي
النهاية فيه: لو لا أن أشق على امتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة، أي لو لا أن أثقل
عليهم من المشقة وهي الشدة انتهى. واستدل به على أن الأمر للوجوب، وفيه أنظار
مذكورة في كتب الاصول. 18 - العلل: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عمن ذكره،
عن عبد الله بن حماد، عن أبي بكر بن أبي سمال، قال: قال أبو عبد الله عليه السلام:
إذا قمت بالليل فاستك، فان الملك يأتيك فيضع فاه في فيك، فليس من حرف تتلوه وتنطق
به إلا صعد به إلى السماء، فليكن فوك طيب الريح (2). 19 - قرب الاسناد (3) ومكارم
الاخلاق: عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يستاك بيده إذا
قام في الصلاة صلاة الليل، و هو يقدر على السواك قال: إذا خاف الصبح فلا بأس (4).
20 - الخصال: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري، عن
الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن الحسن بن علي بن يوسف عن معاذ الجوهري، عن عمرو بن
جميع باسناده رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله قال: السواك فيه عشر خصال: مطهرة
للفم، مرضات للرب، يضاعف الحسنات سبعين
(1) المحاسن ص 561. (2) علل الشرائع ج 1 ص
277. (3) قرب الاسناد ص 125 ط نجف. (4) مكارم الاخلاق ص 53.
[342]
ضعفا، وهو من السنة، ويذهب بالحفر، ويبيض
الأسنان، ويشد اللثة، ويقطع البلغم، ويذهب بغشاوة البصر، ويشهي الطعام (1). ومنه:
عن أبيه، عن محمد العطار، عن الأشعري، عن اللؤلؤي، عن الحسن بن علي بن يوسف، عن
معاذ الجوهري، عن عمرو بن جميع يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله قال: في السواك
اثنتا عشرة خصلة: مطهرة للفم، ومرضات للرب، ويبيض الأسنان، ويذهب بالحفر (2) ويقل
البلغم، ويشهي الطعام، ويضاعف الحسنات، وتصاب به السنة، وتحضره الملائكة، ويشد
اللثة، وهو يمر بطريقة القرآن، وركعتين بسواك أحب إلى الله عزوجل من سبعين ركعة
بغير سواك (3). بيان: قد مر مثله بأسانيد في باب السواك (4) وقال الجوهري تقول: في
أسنانه حفر وقد حفرت تحفر حفرا مثال كسر يكسر كسرا [إذا فسدت اصولها] قال يعقوب: هو
سلاق في اصول الأسنان قال: ويقال: أصبح فم فلان محفورا، وبنو أسد تقول: في أسنانه
حفر - بالتحريك - وقد حفرت مثال تعب تعبا، وهي أردء اللغتين. والسلاق تقشر في اصول
الأسنان، واللثة بالتخفيف ما حول الأسنان، وأصلها لثي، والهاء عوض عن الياء، والجمع
لثاة ولثى. 21 - ثواب الاعمال: محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن
الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قال أبو جعفر عليه السلام: لو يعلم الناس ما في السواك لأ باتوه
(1) الخصال ج 2 ص 60. (2) الحفر - محركة -
سلاق في اصول الاسنان، أو صفرة تعلوها، ولعله هي آكلة الاسنان من الشياطين تحفر
السن كالجحر. (3) الخصال ج 2 ص 80. (4) راجع ج 76 ص 129.
[343]
معهم في لحافهم (1). بيان: قال الوالد قدس
سره: الظاهر منه تأكده لصلاة الليل، أو بعد النوم مطلقا، أو المراد أنهم لو علموا
فضله لا ستاكوا في اللحاف حتى يناموا أو كلما انتبهوا استاكوا والأول أظهر. 22 -
المحاسن: عن أبي سمينة، عن إسماعيل بن أبان الحناط، عن أبي عبد الله عليه السلام
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: نظفوا طريق القرآن، قيل: يا رسول الله وما
طريق القرآن ؟ قال: أفواهكم، قيل: بماذا ؟ قال: بالسواك (2). ومنه عن يحيى بن
إبراهيم بن أبي البلاد، عن أبيه، عن إسحاق بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه
السلام: إني لاحب للرجل إذا قام بالليل أن يستاك وأن يشم الطيب، فان الملك يأتي
الرجل إذا قام بالليل حتى يضع فاه على فيه، فما خرج من القرآن من شئ دخل جوف ذلك
الملك (3). 23 - مكارم الاخلاق: كان النبي صلى الله عليه وآله إذا استاك استاك
عرضا، وكان عليه السلام يستاك كل ليلة ثلاث مرات مرة قبل نومه، ومرة إذا قام من
نومه إلى ورده، ومرة قبل خروجه إلى صلاة الصبح، وكان يستاك بالأراك (4) أمره بذلك
جبرئيل عليه السلام (5). وقال عليه السلام: السواك شطر الوضوء (6). وقال النبي صلى
الله عليه وآله: لو لا أن أشق على امتي لأمرتهم بالسواك عند وضوء
(1) ثواب الاعمال ص 18. (2) المحاسن ص
558. (3) المحاسن ص 559. (4) شجر ينبت في بلاد العرب يستاك بقضبانه بعد ما يجعل
رأسه كالفرشة وبما فيه من ملوحة وحموضة ومرارة يطيب النكهة. (5) مكارم الاخلاق ص
41. (6) المكارم ص 53 س 2.
[344]
كل صلاة (1). وفي وصية النبي صلى الله
عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام: عليك بالسواك، وإن استطعت أن لا تقل منه
فافعل، فان كل صلاة تصليها بالسواك تفضل على التي تصليها بغير سواك أربعين يوما
(2). 24 - المقنع: صلاة تصليها بسواك أفضل عند الله من سبعين صلاة تصليها بلا سواك
وكان النبي صلى الله عليه وآله يستاك لكل صلاة، وقال في وصيته لأمير المؤمنين عليه
السلام: عليك بالسواك عند وضوء كل صلاة، وروي أنه قال: إن أفواهكم طرق القرآن
فطهروها بالسواك (3). 25 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام
قال: سألته عن الرجل يبول في الطست يصلح له الوضوء فيها ؟ قال: إذا غسلت بعد بوله
فلا بأس (4). 26 - أعلام الدين للديلمي: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن
أفواهكم طرق القرآن، فطيبوها بالسواك، فان صلاة على أثر السواك، خير من خمس وسبعين
صلاة بغير سواك. 27 - دعوات الراوندي: قال النبي صلى الله عليه وآله: التشويص
بالابهام والمسبحة عند الوضوء سواك، والدعاء عند السواك " اللهم ارزقني حلاوة
نعمتك، وأذقني برد روحك، وأطلق لساني بمناجاتك، وقربني منك مجلسا، وارفع ذكري في
الأولين، اللهم ياخير من سئل، ويا أجود من أعطى، حولنا مما نكره إلى ما تحب وترضى،
وإن كانت القلوب قاسية، وإن كانت الأعين جامدة، وإن كنا أولى بالعذاب، فأنت أولى
بالمغفرة، اللهم أحيني في عافية وأمتني
(1) المكارم ص 53 س 18. (2) المكارم ص 54.
(3) المقنع ص 3 ط حجر ص 8 ط قم. (4) البحار ج 10 ص 280.
[345]
في عافية ". بيان: قال في النهاية: فيه:
إنه كان يشوص فاه بالسواك أي يدلك أسنانه وينقيها وقد قيل: هو أن يستاك من سفل إلى
علو وأصل الشوص الغسل وفي القاموس: الشوص الدلك باليد، ومضغ السواك والاستنان به،
أو الاستياك من أسفل إلى علو. قوله: " في الأولين " أي كما رفعت ذكر الصلحاء من
الأولين فارفع ذكري معهم " وإن " في قوله: " وإن كنا أولى " يحتمل الوصلية وعدمها.
28 - دعائم الاسلام: عن أبي جعفر عليه السلام قال: خرج رسول الله صلى الله عليه
وآله يوما على أصحابه فقال: حبذا المتخللون، قيل: يا رسول الله وما هذا التخلل ؟
قال: التخلل في الوضوء بين الأصابع والأظافير والتخلل من الطعام، فليس شئ أثقل على
ملكي المؤمن أن يريا شيئا من الطعام في فيه وهو قائم يصلي (1). 29 - الهداية: فأما
الماء الذي تسخنه الشمس: فانه لا يتوضأ به ولا يغتسل ولا يعجن به، لأنه يورث البرص،
وأما الماء الاجن (2) فانه لا بأس بأن يتوضأ منه ويغتسل، إلا أن يوجد غيره فيتنزه
عنه (3). والمضمضة والاستنشاق ليسا من الوضوء، وهما سنة لا سنة الوضوء، لأن الوضوء
فريضة كله، ولكنهما من الحنيفية التي قال الله عز وجل لنبيه: " واتبع ملة إبراهيم
حنيفا " (4) وهي عشر سنن: خمس في الرأس، وخمس في الجسد. فأما التي في الرأس:
فالمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وقص الشارب والفرق لمن طول شعر رأسه، وروي أن من لم
يفرق شعره فرقه الله يوم القيامة
(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 123. (2) زاد
بعده في المصدر: والذى قد وقع فيه الكلب والسنور. (3) الهداية: 13 ط قم. (4)
النساء: 125.
[346]
بمنشار من نار، وأما التي في الجسد:
فالاستنجاء، والختان، وحلق العانة، وقص الأظافير، ونتف الإبطين (1). وقال النبي صلى
الله عليه وآله: افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلها لا ترى نار جهنم (2). وقال النبي
صلى الله عليه وآله: السواك شطر الوضوء، وكان أبو الحسن عليه السلام يستاك بماء
الورد، وفي السواك اثنتا عشرة خصلة: هو من السنة، ومطهرة للفم، و مجلاة للبصر،
ويرضي الرحمن، ويبيض الأسنان، ويذهب بالحفر، ويشد اللثة، ويشهي الطعام، ويذهب
بالبلغم، ويزيد في الحفظ، ويضاعف الحسنات و تفرح به الملائكة (3). 30 - فلاح
السائل: من كتاب اللؤلؤيات قال: كان الحسن بن علي عليهما السلام إذا توضأ تغير
لونه، وارتعدت مفاصله، فقيل له في ذلك، فقال: حق لمن وقف بين يدي ذي العرش أن يصفر
لونه، وترتعد مفاصله، وروي نحو هذا الحديث عن مولانا الحسن عليه السلام يعقوب بن
نعيم بن قرقارة من أعيان أصحاب الرضا عليه السلام في كتاب الامامة. وروي أن مولانا
زين العابدين عليه السلام كان إذا شرع في طهارة الصلاة اصفر وجهه، وظهر عليه الخوف.
31 - جامع الاخبار:: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يجوز صلاة امرئ حتى يطهر
خمس جوارح: الوجه، واليدين، والرأس، والرجلين بالماء، والقلب بالتوبة (4).
(1) الهداية: 17. (2) الهداية: 18. (3)
المصدر نفسه، وقد رواه مسندا في الخصال ج 2 ص 80، ثواب الاعمال ص 18. (4) جامع
الاخبار ص 76.
[347]
32 - عدة الداعي: كان أمير المؤمنين عليه
السلام إذا أخذ في الوضوء تغير وجهه من خيفة الله، وكان الحسن إذا فرغ من وضوئه
تغير لونه، فقيل له في ذلك، فقال: حق على من أراد أن يدخل على ذي العرش أن يتغير
لونه، ويروى مثل هذا عن زين العابدين عليه السلام. 33 - أسرار الصلاة للشهيد الثاني
قدس سره: كان علي بن الحسين عليه السلام إذا حضر للوضوء اصفر لونه، فيقال له: ما
هذا الذي يعتورك عند الوضوء ؟ فيقول: ما تدرون بين يدي من أقوم ؟
[348]
8. ((باب)) * " (مقدار الماء للوضوء
والغسل) " * * " (وحد المد والصاع) " * 1 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن
العلوي، عن جده، عن علي ابن جعفر، عن أخيه قال: سألته عن الرجل يصيب الماء في
الساقية مستنقعا فيتخوف أن تكون السباع قد شربت منه، يغتسل منه للجنابة ويتوضأ منه
للصلاة إذا كان لا يجد غيره ؟ والماء لا يبلغ صاعا للجنابة، ولا مدا للوضوء، وهو
متفرق، كيف يصنع ؟ قال: إذا كانت كفه نظيفة فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة، ولينضحه
خلفه وكفا أمامه، وكفا عن يمينه، وكفا عن يساره، فان خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث
مرات، ثم مسح جلده به، فان ذلك يجزيه إنشاء الله تعالى. وإن كان للوضوء غسل وجهه،
ومسح يده على ذراعيه، ورأسه ورجليه، وإن كان الماء متفرقا يقدر على أن يجمعه جمعه
وإلا اغتسل من هذا وهذا وإن كان في مكان واحد وهو قليل لا يكفيه لغسله فلا عليه أن
يغتسل ويرجع الماء فيه، فان ذلك يجزيه إنشاء الله تعالى (1). أقول: قد مر شرح الخبر
بأجزائه في الأبواب السابقة (2). 2 - معاني الاخبار: عن أبيه ومحمد بن الحسن بن
الوليد معا، عن أحمد ابن إدريس ومحمد بن يحيى العطار معا، عن أحمد بن يحيى الأشعري،
عن جعفر ابن إبراهيم بن محمد الهمداني - قال: وكان معنا حاجا - قال: كتبت إلى أبي
(1) قرب الاسناد ص 110 ط نجف. (2) راجع ص
137 فيما سبق.
[349]
الحسن عليه السلام على يد أبي " جعلت فداك
إن أصحابنا اختلفوا في الصاع، بعضهم يقول: الفطرة بصاع المدينة، وبعضهم يقول: بصاع
العراق، فكتب إلى: الصاع ستة أرطال بالمدني وتسعة أرطال بالعراقي قال: وأخبرني
فقال: بالوزن يكون ألفا ومائة وسبعين وزنا (1) 3 - ومنه: بهذا الاسناد، عن الأشعري،
عن محمد بن عبد الجبار، عن أبي القاسم الكوفي أنه جاء بمد وذكر أن ابن أبي عمير
أعطاه ذلك المد وقال: أعطانيه فلان رجل من أصحاب أبي عبد الله وقال: أعطانيه أبو
عبد الله عليه السلام وقال: هذا مد النبي صلى الله عليه وآله: فعيرناه فوجدناه
أربعة أمداد، وهو قفيز وربع بقفيزنا هذا (2). بيان: في القاموس عير الدنانير وزنها
واحدا بعد واحد. 4 - تحف العقول: عن أبي محمد عليه السلام قال: من تعدى في الوضوء
كان كناقصه (3). 5 - فقه الرضا: قال: يجزيك من الماء في الوضوء مثل الدهن تمر به
على وجهك وذراعيك، أقل من ربع مد وسدس مد أيضا ويجوز أكثر من مد وكذلك في غسل
الجنابة مثل الوضوء سواء وأكثرها في الجنابة صاع، ويجوز غسل الجنابة بما يجوز به
الوضوء إنما هو تأديب وسنن حسنة وطاعة آمر لمأمور ليثيبه عليه، فمن تركه فقد وجب له
السخط، فأعوذ بالله منه (4). وقال عليه السلام: أدنى ما يجزيك من الماء ما تبل به
جسدك مثل الدهن، وقد اغتسل رسول الله صلى الله عليه وآله وبعض نسائه بصاع من ماء
(5).
(1) معاني الاخبار ص 249، ورواه في العيون
ج 1 ص 309 و 310. (2) المصدر نفسه. (3) تحف العقول ص 520 ط الاسلامية. (4) فقه
الرضا ص 3. (5) فقه الرضا ص 4.
[350]
بيان: قوله: " فمن تركه " أي استخفافا أو
ترك القول به وأنكره. 6 - كتاب سليم بن قيس: عن أمير المؤمنين عليه السلام فيما عد
من بدع عمر قال: وفي تغييره صاع رسول الله صلى الله عليه وآله ومده، وفيهما فريضة
وسنة، فما كانت زيادته إلا سوءا لأن المساكين في كفارة اليمين والظهار بهما يعطون،
وما يجب في الزرع، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اللهم بارك لنا في مدنا
وصاعنا، لا يحولون بينه وبين ذلك لكنهم رضوا وقبلوا ما صنع الحديث (1). 7 - معاني
الاخبار للصدوق: عن أبيه ومحمد بن الحسن بن الوليد معا عن أحمد بن إدريس ومحمد بن
يحيى العطار معا، عن محمد بن أحمد بن يحيى الأشعري عن علي بن محمد، عن رجل، عن
سليمان بن حفص المروزي قال: قال أبو الحسن عليه السلام: الغسل صاع من ماء، والوضوء
مد، وصاع النبي صلى الله عليه وآله خمسة أمداد، والمد وزن مائتين وثمانين درهما،
والدرهم وزن ستة دوانيق والدانق ستة حبات، والحبة وزن حبتي شعير من أوساط الحب لا
من صغاره ولا من كباره (2). بسط كلام لا بد منه في تحقيق المقام اعلم أن الأخبار
اختلفت في تحديد الصاع والمد، ونقلوا الاجماع من الخاصة والعامة على أن الصاع أربعة
أمداد، والمشهور أن المد رطلان وربع بالعراقي، فالصاع تسعة أرطال به، والمد رطل
ونصف بالمدني فالصاع ستة أرطال به، بل الشيخ ادعى عليه الاجماع، وذهب ابن أبي نصر
من علمائنا إلى أن المد رطل وربع، والرطل العراقي على المشهور أحد وتسعون مثقالا،
ومائة وثلاثون درهما، لأنهم اتفقوا على أن عشرة دراهم وزن سبعة مثاقيل، والمثقال
الشرعي هو الدينار الصيرفي المشهور، والدينار ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي، والدرهم
على المشهور ستة دوانيق، والدانق وزن ثمان حبات من أوسط
(1) كتاب سليم ص 119 ط نجف. (2) معاني
الاخبار ص 249.
[351]
حب الشعير. فظهر أن هذا الخبر يخالف
المشهور بوجوه: الأول في عدد الأمداد، وقد عرفت اتفاقهم على الأربعة، ويدل عليه
أخبار صحاح كصحيحة الحلبي (1) وصحيحة عبد الله بن سنان (2) وصحيحة زرارة (3). ويؤيد
هذا الخبر في عدد الأمداد ما رواه الشيخ في الموثق (4) باسناده عن سماعة قال: سألته
عن الذي يجزي من الماء للغسل ؟ فقال: اغتسل رسول الله صلى الله عليه وآله بصاع
وتوضأ بمد. وكان الصاع على عهده خمسة أمداد، وكان المد قدر رطل وثلاث أواق. لكن فيه
إجمال من جهة الرطل، لاشتراكه بين العراقي الذي عرفت وزنه وبين المدني الذي هو رطل
ونصف بالعراقي، وبين المكي الذي هو رطلان بالعراقي، ومن جهة الأوقية أيضا إذ تعلق
على أربعين درهما، وعلى سبعة مثاقيل لكن الأول أشهر في عرف الحديث وفي عرف الأطباء
عشرة مثاقيل وخمسة أسباع درهم، كما ذكره الجوهري والمطرزي وغيرهما، وعلى التقادير
لا ينطبق على شئ من التقديرات نعم لو حمل الرطل على المدني والاوقية على سبعة
مثاقيل يقرب من الصاع المشهور. الثاني في تقدير المد، فانه على المشهور مائتا درهم
واثنان وتسعون درهما ونصف درهم، وعلى هذا الخبر مائتان وثمانون درهما. الثالث في
عدد حبات الدانق فانها على المشهور ثمان حبات، وعليه اثنتا عشرة حبة. الرابع في
مقدار الصاع إذ الصاع على المشهور ألف ومائة وسبعون درهما
(1 - 2) التهذيب ج 1 ص 371 ط حجر ج 4 ص 81
ط نجف. (3) التهذيب ج 1 ص 38 ط حجر ج 1 ص 136 ط نجف. (4) التهذيب ج 1 ص 136 ط نجف ص
38 ط حجر.
[352]
وما في هذا الخبر إذا حسب على الدراهم
المشهورة يصير ألفين ومائة درهم. الخامس في مقدار الدرهم، فانه على المشهور ثمان
وأربعون حبة من الشعير وعلى هذا الخبر اثنتان وسبعون حبة والمشهور أنسب بما عيرنا
المثقال الصيرفي به لأنا عيرناه فكان ببعض الشعيرات اثنتين وثمانين، وببعضها أربعا
وثمانين، وببعضها أكثر بقليل وببعضها أكثر بكثير، والدرهم على ما عرفت نصف المثقال
الصيرفي وربع عشره. وما مر من خبر الهمداني موافق للمشهور، إذ المراد بالوزنة
الدرهم ولما رواه الشيخ (1) عن علي بن حاتم عن محمد بن عمرو عن الحسين بن الحسن
الحسنى عن إبراهيم بن محمد الهمداني قال: اختلفت الروايات في الفطرة فكتبت إلى أبي
الحسن صاحب العسكر عليه السلام أسأله عن ذلك فكتب: إن الفطرة صاع من قوت بلدك، وساق
الحديث إلى أن قال عليه السلام: تدفعه وزنا ستة أرطال برطل المدينة والرطل مائة
وخمسة وتسعون درهما، تكون الفطرة ألفا ومائة وسبعين درهما وعلى ما ذكره الفيروز
آبادى من أن الوزنة المثقال فلا يناسب هذا الخبر. وأما خبر ابن أبي عمير فالقفيز
مشتبه لترديد اللغويين فيه، قال الفيروز - آبادى: القفيز مكيال ثمانية مكاكيك،
وقال: المكوك كتنور مكيال يسع صاعا ونصفا أو نصف رطل إلى ثمان أواقي، أو نصف
الويبة، والويبة اثنان وعشرون أو أربعة وعشرون مدا بمد النبي صلى الله عليه وآله
انتهى، فلا يمكن استنباط حكم منه على التحقيق فبقي التعارض بين خبر المروزى وخبر
الهمداني، ويمكن الجمع بينهما بوجوه: الأول ما اختاره الصدوق - ره - كما يظهر من
الفقيه: بحمل خبر المروزى على صاع الغسل، وخبر الهمداني على صاع الفطرة، حيث ذكر
الأول في باب الغسل (2) والثاني في باب الفطرة (3) وقد غفل الأصحاب عن هذا، ولم
(1) التهذيب ج 1 ص 371 ط حجر، ج 4 ص 79 ط
نجف. (2) فقيه من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 23. (3) الفقيه ج 2 ص 115.
[353]
ينسبوا هذا القول إليه، مع أنه قد صرح
بذلك في كتاب معاني الأخبار حيث قال: " (باب في معنى الصاع والمد والفرق بين صاع
الماء ومده وبين صاع الطعام ومده) " ثم ذكر الروايات الثلاث المتقدمة، والقول
باختلاف مقدار الصاع في الموضعين، وإن كان بعيدا لكن من مقام الجمع ليس ببعيد. بل
نقول: الاعتبار والنظر يقتضي الاختلاف (1) إذ معلوم أن الرطل
(1) أقول: قد كان مدار التعامل والتبادل -
صدر الاسلام وبعده بكثير - على المكاييل وتعيين المقادير بها، ففى المبادلات
المتعارفة اليسيرة كانوا يكتالون بصغارها خصوصا في الرساتيق والقرى، لاعواز
الموازين والصنجات عندهم وسهولة الحساب عليهم بالمكاييل دون الموازين، وفى
المبادلات الكثيرة يتعاطون بكبارها حتى في المدن ومراكز الصنعة لفقدان الموازين
الكبيرة التى تقدر أن تنوء بحمل المآت والالوف. وكان أصل المقياس على العدد المعروف
12، فاثنا عشر حبة درهم واثنا عشر درهما اقة - وهذه أوزان متعارفة متداولة واثنا
عشر أقة جعلت بصورة كيل مصنوع من الفلزات كالكاس و الجام، ويعرف بالرطل، ثم اثنا
عشر رطلا مكوك واثنا عشر مكوكا اردبة وهى حجم ذراع مكعبا والذراع قدمان وكل قدم
اثنا عشر اينشا، ويكون أربعون أردبة كرا، ومنه قولهم: البر الكر منه بستين درهما،
ولكن لا يذهب عليك أن هذه السلسلة تبتنى على الرطل العراقى فقط. ومن الاصل 12 * ؟ ؟
12: جين اثنا عشر عددا والقراصة اثنا عشر جينا، ومثله القدم والشبر اثنا عشر اينشا،
والبريد اثنا عشر ميلا وغير ذلك مما لا يحضرني الان. وهناك مكاييل اخرى من الفروع
يتبنى على غير هذا الاصل وقد يتداخل: كالمد رطلان والصاع ثمانية أرطال وستون صاعا
وسق ويسمى حمل بعير ووقر حمار، وثمانية مكوك قفيز وستون قفيزا كر إلى غير ذلك.
والمكيال الذى كان متداولا في صدر الاسلام، ويبنون عليه في تكثير مكاييلهم وتكسيرها
الرطل، ولم يكن لهم في تقديره ولا مقياسه صنع، لكونهم أميين لا يعرفون الحساب ولا
الميزان، ولا صنعة لهم في عمل الظروف وتقديرها ولذلك اختلف معيار الرطل عندهم،
واشتبه عليهم معيار سائر المكاييل المبتنية عليه: تداولت قريش في مكة رطلا بينهم،
ولعلهم جاءوا بها من الشام، وتداولت أهل
[354]
والمد والصاع كانت في الأصل مكائيل معينة،
فقدرت بوزن الدارهم وشبهها صونا عن التغيير الذي كثيرا ما يتطرق إلى المكائيل،
ومعلوم أن الأجسام المختلفة يختلف قدرها بالنسبة إلى كيل معين، فلا يمكن أن يكون
الصاع من
المدينة وهم من مهاجرة اليمن الاولى رطلا
آخر بينهم وهو ثلاثة أرباع المكى والمكى رطل وثلث بالمدني، ثم عرفوا في العراق بعد
فتحه رطلا آخر وهو نصف الرطل المكى وثلئا ؟ ؟ الرطل المدنى، فالمكي رطلان بالعراقى
والمدنى رطل ونصف به. وأما رسول الله صلى الله عليه وآله: اختار الرطل المكى حيث
كان يطابق المكيال الطبيعي الفطري وهو ملء الكفين حنطة وشعيرا، وسماه مدا بمناسبة
أن الكائل يمد يده بهما إلى المكتال، وهو الذى يشبع نفسا واحدة ليوم وليلة، فقدر به
بعض الكفارات ككفارة الاطعام في القسم. ثم جعل الصاع أربعة أمداد، وهو الذى يشبع
عائلة بين العيلتين: من زوج وثلاثة أولاد، فقدر به فطر الصائم، ولا نعلم أن صاعه
هذا كان من المكاييل المقدرة قبلا، وهو الذى أشير به في قوله تعالى " نفقد صواع
الملك " أو كان عنده صلى الله عليه وآله ظرفا يسع أربعة أمداد فقدره لذلك، وكيف
كان، لا ريب أن مده وصاعه صلى الله عليه وآله كان لتقدير الحبوبات، لا للماء كما هو
ظاهر. فمعنى أنه كان صلى الله عليه وآله يتوضأ بمد ويغتسل بصاع: أنه يملا المد ماء
ويتوضأ به، ويملا الصاع ماء ويغتسل به، ومعلوم أن الماء يزيد وزنه على الشعير
والحنطة بثمن وزنه كما وزنته بل واكثر، فالمد الشرعي إذا كان للوضوء يزن رطلا وثمنا
بالمكي ورطلين وربعا بالعراقى كما عليه الاجماع وإذا كان لكفارة الاطعام يسقط عنه
الكسور. ويدل على ما ذكرناه موثقة سماعة أيضا وقد طرحوها حيث لم يتدبروا فيها فلم
يعرفوا وجهها قال: سألته عن الذى يجزى من الماء للغسل فقال: اغتسل رسول الله صلى
الله عليه وآله بصاع وتوضأ بمد، وكان الصاع على عهده صلى الله عليه وآله خمسة
أمداد، وكان المد قدر رطل وثلاث أواق ". (*)
[355]
الماء موافقا للصاع من الحنطة والشعير
وشبههما، فلذا كان الصاع والمد والرطل المعتبر في الوضوء والغسل وأمثالهما أثقل مما
ورد في الفطرة والنصاب وأشباههما، لكون الماء أثقل من تلك الحبوب مع تساوي الحجم
كما هو المعلوم عند الاعتبار، فظهر أن هذا أوجه الوجوه في الجمع بين الأخبار.
فان المدار في السؤال على مد الوضوء وصاع
الغسل، والجواب على طبقه، فان الرطل المذكور فيه هو الرطل المكى، والثلاث أواق
بالرطل العراقى لما عرفت أن سلسلة المكاييل 12 * 12 اعتبرت بالعراقى، وهو الذى كان
عياره اثنى عشر أقة وأما المكى والمدنى فلا يعلم كونهما رطلا الا بالتسمية، ولو كان
لهما أصالة ابتنيت عليهما فروع لكان عند الروم واليمان ولم يصل الينا سلسلة
مكاييلهم، وهذه الثلاث أواق وان كان ربع رطل بالعراقى لكنه ثمن رطل بالمدني فيكون
مد الوضوء رطل وثمن رطل بالمكي. ولهذه الدقيقة قال عليه السلام " قدر رطل وثلاث
أواق " ولم يقل " قدر رطل و ربع "، ولغفلة البزنطي - رحمه الله - من هذه الدقيقة
وتعويله على حديث سماعة قال: بأن المد رطل وربع، فعد شاذا. وأما كون صاع النبي حين
يغتسل خمسة أمداد كما في الموثقة وضعيفة المروزى، فعلى هذا الحساب ينقص بنصف رطل
تقريبا، بمعنى أن صاع النبي كان يسع من الماء أربعة أمداد ونصفا لا خمسة أمداد، فان
كان ورود ذلك على التسامح، صح حمل كلام الصدوق رحمه الله على ما حمله المؤلف
العلامة ههنا، وان كان على التحقيق والتدقيق كان محمولا على ما حمله والده رحمه
الله من أن كان له صلى الله عليه وآله صاعا يسع خمسة أمداد يغتسل هو مع بعض نسائه.
وأما الروايات الواردة في تعيير المد والصاع بوزن الدرهم والمثقال، فبعضها واردة
على مد الوضوء وصاع الغسل، وبعضها على مد الطعام وصاع الفطرة ولا بد أن يتحرر وليس
هنا موضعه، والاحسن أن نعمد إلى ملء الكفين فنفرغه في اناء ونحدده ليكون مدا للطعام
ثم نملاها إلى هذا الحد ماء ونتوضأ به، وهكذا في الصاع، والامر فيه تابع للسنة
والفطرة معا كما عرفت.
[356]
الثاني: ما ذكره والدي العلامة - رفع الله
مقامه - حيث حمل خبر المروزي على الصاع الذي اغتسل به رسول الله صلى الله عليه وآله
مع زوجته إذ هو قريب من صاعين بالتحديد المشهور ويكون النقص للاشتراك. ويؤيده ما
رواه الصدوق (1) في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: اغتسل رسول الله صلى
الله عليه وآله هو وزوجته من خمسة أمداد من إناء واحد، فقال زرارة: كيف صنع ؟ فقال
بدأ هو وضرب يده في الماء قبلها، فأنقى فرجه، ثم ضربت هي فأنقت فرجها ثم أفاض هو
وأفاضت هي على نفسها، حتى فرغا فكان الذي اغتسل به النبي صلى الله عليه وآله ثلاثة
أمداد، والذي اغتسلت به مدين، وإنما أجزأ عنهما لأنهما اشتركا فيه جميعا، ومن انفرد
بالغسل وحده فلا بد له من صاع. وروى الكليني في الصحيح (2) عن محمد بن مسلم عن
أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن [وقت] غسل الجنابة كم يجزي من الماء ؟ فقال:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله يغتسل بخمسة أمداد بينه وبين صاحبته، ويغتسلان
جميعا من إناء واحد. وروى الشيخ في الصحيح (3) عن معاوية بن عمار قال: سمعت أبا عبد
الله عليه السلام يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يغتسل بصاع، وإذا كان معه
بعض نسائه يغتسل بصاع ومد. فقد ظهر من الأول والثالث أن النقصان من الصاعين لأجل
الاشتراك، بل نقول الثلاثة الأمداد التي اغتسل بها رسول الله لا تتفاوت مع الصاع
المشهور بكثير ويمكن الجمع بين خبر سماعة وسائر الأخبار أيضا بهذا الوجه، إذ
التفاوت بين الثلاثة الأمداد التي وقعت في هذا الخبر وبين الصاع الذي يظهر من خبر
سماعة ليس إلا بقدر سبعة مثاقيل شرعية على بعض الوجوه، ومثل هذا التفاوت لا يعتد به
في أمثال تلك المقامات، التي بنيت على التخمين والتقريب، بل قلما لا تتفاوت
(1) الفقيه ج 1 ص 24. (1) الكافي ج 3 ص
22، ورواه في التهذيب ج 1 ص 137 ط نجف. (3) التهذيب ج 1 ص 137 ط نجف.
[357]
المكائيل والموازين والمياه خفة وثقلا
بمثل هذه الأقدار، والله يعلم حقايق الأحكام وحججه الأخيار. الثالث حمل خبر المروزي
على الفضل والاستحباب. ثم اعلم أن الصاع والرطل وغيرهما بنى الأصحاب تحديدها على
وزن الشعير، وهو يختلف كثيرا بحسب البلاد، بل في البلد الواحد، ولذا بناه الوالد
قدس الله لطيفه على المتفق عليه من النسبة بين الدينار والدرهم، وعدم تغيير الدينار
في الجاهلية والاسلام، على ما ذكره المؤالف والمخالف، فيكون الصاع ستمائة مثقال
وأربعة عشر مثقالا وربع مثقال، بالمثقال الصيرفي، فيزيد على المن التبريزي أعني نصف
المن الشاهى بأربعة عشر مثقال وربع، ومنه يظهر لك تقدير الرطل والمد بمعانيهما بما
عرفت من النسبة بينهما. وقد بسطنا الكلام في تلك الأوزان وتحقيقها على كل قول وكل
خبر في رسالتنا المعمولة لذلك، ولذا اختصرنا ههنا فمن أراد غاية التحقيق فليرجع
إليها فانا قد تكلمنا فيه بما لا مزيد عليه.
[358]
9. * (باب) * * " (من نسى أو شك في شئ من
أفعال الوضوء) " * * " (ومن تيقن الحدث وشك في الطهارة) " * * " (والعكس ومن يرى
بللا بعد الوضوء) " * * " (وقد أوردنا بعض أحكام البلل في باب الاستنجاء) " * 1 -
قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال:
سألته عن رجل توضأ ونسي غسل يساره، قال: يغسل يساره وحدها ولا يعيد وضوء شئ غيرها
(1). قال: وسألته عن رجل يكون على وضوء ويشك على وضوء هو أم لا ؟ قال: إذا ذكر وهو
في صلاته انصرف وتوضأ وأعادها، وإن ذكر وقد فرغ من صلاته أجزأه ذلك (2). قال:
وسألته عن رجل يتكئ في المسجد فلا يدري نام أم لا ؟ هل عليه وضوء ؟ قال: إذا شك
فليس عليه وضوء (3). بيان: قوله: " ولا يعيد وضوء شئ غيرها " أي مما تقدم، مع الحمل
على عدم الجفاف، ويمكن أن يقال: المراد بالوضوء الغسل وهو أقرب إلى المعنى اللغوي
فلا يحتاج إلى القيد الأول، وربما يحمل على التقية لموافقته لمذاهبهم، قوله عليه
السلام: " انصرف وتوضأ " لعله محمول على الاستحباب بقرينة
(1 و 2) قرب الاسناد ص 108 ط نجف ص 83 ط
حجر. (3) قرب الاسناد ص 109 ط نجف ص 83 ط حجر.
[359]
الحكم بالإجزاء بعد الصلاة (1) وأما الحكم
الثالث فلا خلاف أن الشك في الحدث بعد تيقن الطهارة غير موجب للوضوء. 2 - الخصال:
عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جده
الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال
أمير المؤمنين عليه السلام: من كان على يقين فشك فليمض على يقينه، فان الشك لا ينقض
اليقين (2). بيان: يدل على وجوب الوضوء مع تيقن الحدث والشك في الطهارة، ولا خلاف
فيه أيضا. 3 - العيون: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن
محمد بن سهل، عن أبيه قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يبقى من وجهه
(1) قيل: " ويمكن حمله على أن المراد
بالوضوء الاستنجاء فيكون تيقن حصول النجاسة وشك في ازالتها فيجب عليه أن يزيلها
ويعيد الصلاة الا أن يخرج الوقت " ولكن ظاهر الحديث لا ينطبق عليه، فان تيقن حصول
النجاسة في موضع الاستنجاء لا يكون الا بنقض الوضوء. وعندي أنه يحمل على ما إذا غفل
الرجل عن نفسه وعن وكائه لشغل كان أهمه، فلا يحفظ أحواله كالمغمى عليه والسكران حيث
يكون اطلاق وكاء السه أمارة على خروج الريح ونقض الطهارة، فلا يبقى مجال لاستصحاب
الطهارة. وقد يكون الرجل فساء عادة وطبعا، بحيث لا يحفظ وضوءه الا لتمام الصلاة،
فهو لا يشك في نقض طهارته الا إذا غفل عن نفسه بشغل قد أهمه، فلا يدرى أكان على
طبعه أولا فالظاهر من حاله أنه ناقض للطهارة وشكه في بقائها موهوم يحتمل بالاحتمال
البعيد، فلا ريب حينذاك أنه لا مجال لاستصحاب بقاء الطهارة إذا قلنا بحجيته من باب
سيرة العقلاء، كما هو الحق. (2) الخصال ج 2 ص 160، وهذا الحديث وما في معناه ارشاد
إلى سيرة العقلاء والمراد بالشك الشك الموهوم بوسوسة الشيطان لا الاصطلاحي الذى
يشمل الظاهر. (*)
[360]
إذا توضأ موضع لم يصبه الماء، فقال: يجزيه
أن يبله من بعض جسده (1). بيان: حمل على تحقق الجريان بالمسح. 4 - قرب الاسناد: عن
محمد بن الخالد الطيالسي، عن إسماعيل بن عبد - الخالق قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن الرجل يبول وينتفض ويتوضأ ثم يجد البلل بعد ذلك ؟ قال: ليس ذلك شيئا إنما
ذلك من الحبايل (2). بيان: الظاهر أن الانتفاض كناية عن الاستبراء، ويحتمل
الاستنجاء، قال في النهاية: فيه أبغني أحجارا أستنفض بها، أي أستنجي بها، وهو من
نفض الثوب لأن المستنجي ينفض عن نفسه الأذى بالحجر، أي يزيله ويدفعه، ومنه حديث ابن
عمر أنه كان يمر بالشعب من مزدلفة فينتفض ويتوضأ ومنه الحديث اتي بمنديل فلم ينتفض
به أي لم يتمسح به 5 - كتاب عاصم بن حميد: عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن الرجل يتوضأ ثم يرى البلل على طرف ذكره فقال: يغسله ولا يتوضأ. بيان: لعل
الغسل محمول على الاستحباب. 6 - فقه الرضا: قال عليه السلام: إن وجدت بلة في أطراف
إحليلك وفي ثوبك بعد نتر إحليلك وبعد وضوئك - فقد علمت ما وصفته لك من مسح أسفل
أنثييك ونتر إحليلك ثلاثا - فلا تلتفت إلى شئ منه، ولا تنقض وضوءك له، ولا تغسل عنه
ثوبك، فان ذلك من الحبايل والبواسير، فان شككت في الوضوء وكنت على يقين من الحدث
فتوضأ، وإن شككت في الحدث وكنت على يقين من الوضوء فلا ينقض الشك اليقين، إلا أن
تستيقن، وإن كنت على يقين من الوضوء و الحدث ولا تدري أيهما سبق فتوضأ، وإن توضأت
وضوء تاما وصليت صلاتك أو لم تصل ثم شككت فلم تدر أحدثت أم لم تحدث، فليس عليك
وضوء، لأن اليقين لا ينقضه الشك (3).
(1) العيون ج 2 ص 22. (2) قرب الاسناد ص
60 ط حجر. (3) فقه الرضا ص 1.
[361]
توضيح وتنقيح اعلم أن الخبر يشتمل على
أحكام: الأول أن الاستبراء مشتمل على مسحتين لا ثلاث كما عرفت. الثاني عدم انتفاض
الوضوء بما يراه من البلل بعد الاستبراء، ولا خلاف فيه بين الأصحاب، لكن حملوه على
المشتبه، إذ مع العلم بكونه بولا ينقض، ومع العلم بكونه ماء آخر يلزمه حكمه، ولفظ
البواسير (1) كأنه زيد من النساخ أو المراد به البلل الذي يرى من الدبر، لكن لا دخل
للاستبراء فيه، إلا مع حمله على بلل لا يعلم خروجه من القبل أو الدبر، وفي حكمه
إشكال. الثالث يدل بمفهومه على الانتقاض بالبلل المشتبه مع عدم الاستبراء، ولا خلاف
فيه أيضا ظاهرا ونقل ابن إدريس عليه الاجماع. الرابع: أنه إذا تيقن الحدث وشك في
الوضوء يجب عليه الوضوء، و الظاهر أنه إجماعي لكن في يقين الحدث وظن الوضوء إشكال
(2) والأحوط عدم اعتباره كما هو الأشهر. الخامس أنه إذا تيقن الوضوء وشك في الحدث
لا يلزمه الطهارة وادعى عليه المحقق وجماعة الاجماع، ولا فرق بين أن يكون الحدث
مشكوكا أو مظنونا، كما صرح به المحقق في المعتبر، والعلامة في المنتهى وغيره، وهو
الظاهر من الأخبار، وربما يستشكل فيه. السادس أنه يجب عليه الوضوء مع تيقنهما والشك
في المتأخر، وقد اعترف المتأخرون بعدم النص فيه، وإنما تمسكوا بالعمومات والأدلة
العقلية فالأشهر بينهم وجوب الوضوء كما هو مدلول الخبر. ونقل العلامة في التذكرة عن
الأصحاب قولين آخرين: أحدهما أنه إن
(1) لكنه مذكور في الهداية كما سيجئ تحت
الرقم 8. (2) وذلك لجريان أصل الاشتغال وتقدمه على الاستصحاب والظاهر.
[362]
لم يسبق له وقت يعلم حاله فيه أعاد، وإن
سبق بنى على ضد تلك الحالة، و ثانيهما أنه يراعي في الشئ الأخير الحالة السابقة إن
محدثا فمحدث، وإن متطهرا فمتطهر. ثم قال: والأقرب أن نقول: إن تيقن الطهارة والحدث
متحدين متعاقبين ولم تسبق حالة علم على زمانهما تطهر، وإن سبق استصحب وأدلة الأقوال
وما يرد عليها مذكورة في مظانها. 7 - السرائر: مما أخذ من كتاب أحمد بن محمد بن أبي
نصر البزنطي، عن عبد الكريم بن عمرو، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه
السلام قال: إذا بدأت بيسارك قبل يمينك ومسحت برأسك ورجليك ثم استيقنت بعد أنك بدءت
بها غسلت يسارك، ثم مسحت رأسك ورجليك، وإذا شككت في شئ من الوضوء وقد دخلت في غيره،
فليس شكك بشئ، إنما الشك إذا كنت في شئ و لم تجزه (1). بيان: ما تضمنه أول الخبر من
الاعادة مع مخالفة الترتيب على ما يحصل معه الترتيب فلا خلاف فيه بين الأصحاب، سواء
كان عمدا أو سهوا مع بقاء البلل في الأعضاء السابقة وإلا فيستأنف الوضوء. ثم الظاهر
من الخبر الاكتفاء باعادة اليسار، وأنه لا يلزم إعادة اليمين كما صرح به المحقق في
المعتبر وغيره، ولكن يدل بعض الأخبار على إعادة ما خولف فيه الترتيب كاليمين هنا،
وربما يؤيد ذلك بأن اليمين المغسولة بعد اليسار في حكم العدم، ولا يخفى ضعفه،
والأخبار أكثرها قابلة للتأويل، ويظهر من الصدوق في الفقيه (2) التخيير حيث قال:
قال أبو جعفر عليه السلام: تابع بين الوضوء كما قال الله عزوجل ابدأ بالوجه، ثم
باليدين، ثم امسح بالرأس والرجلين ولاتقد من شيئا بين يدي شئ تخالف ما امرت به، فان
غسلت الذراع قبل الوجه
(1) السرائر ص 475. (2) الفقيه ج 1 ص 28 و
29.
[363]
فابدأ بالوجه وأعد على الذراع، وإن مسحت
الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس ثم أعد على الرجل، ابدأ بما بدء الله به. ثم قال:
وروي في حديث آخر فيمن يبدأ بغسل يساره قبل يمينه، أنه يعيده على يمينه ثم يعيد على
يساره، وقد روي أنه يعيد على يساره انتهى. وإنما قلنا إن ظاهره التخيير، لأن هذا
دأبه فيما لا يجمع بينهما من الخبرين المتنافيين، لكن يمكن حمل الخبر الأول على ما
إذا لم يغسل الوجه ولم يمسح على الرأس بقرينة أن في الثاني من كل منهما عبر بلفظ
الاعادة دون الأول، على أنه يحتمل أن يكون المراد بقوله " ابدأ بالوجه " اجعله
مبتدأ فعلك. ويمكن حمل قوله: " يعيد على يمينه " على أن المراد بالاعادة أصل الفعل
مجازا لمشاكلة قوله: " ثم يعيد على يساره " وقد يقال في إعادة غسل الوجه: أن الوجه
فيه عدم مقارنة النية، وفيه نظر. 8 - الهداية: كل من شك في الوضوء وهو قاعد على حال
الوضوء فليعد، ومن شك في الوضوء وقد قام عن مكانه، فلا يلتفت إلى الشك، إلا أن
يستيقن، ومن استنجى على ما وصفنا ثم رأى بعد ذلك بللا فلا شئ عليه، وإن بلغ الساق،
فلا ينقض الوضوء، ولا يغسل منه الثوب، لأن ذلك من الحبائل والبواسير، ولا بأس أن
يصلي الرجل بوضوء واحد صلوات الليل والنهار كلها ما لم يحدث (1).
(1) الهداية ص 17 ط قم.
[364]
10. * (باب) * * " (حكم صاحب السلس
والبطن، وأصحاب) " * * " (الجباير ووجوب ازالة الحايل عن الماء) " * 1 - قرب
الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال:
سألته عن الرجل عليه الخاتم الضيق لا يدري يجري الماء تحته إذا توضأ أم لا ؟ كيف
يصنع ؟ قال: إذا علم أن الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضأ (1). قال: وسألته عن
المرأة عليها السوار والدملج بعضدها وفي ذراعها لا تدري يجري الماء تحته أم لا كيف
تصنع إذا توضأت واغتسلت ؟ قال: تحركه حتى يجري الماء تحته أو تنزعه (2). بيان: قوله
عليه السلام: " إذا علم " يدل على أنه مع الشك بل مع ظن عدم وصول الماء لا يجب
الاخراج، ولم يقل به ظاهرا أحد إلا أن يحمل العلم على الاحتمال بقرينة السؤال
الثاني، والسوار بالكسر من حلية اليد معروف، والدملج بالدال واللام المضمومتين شبيه
بالسوار تلبسه المرأة في عضدها، ويسمى المعضد. 2 - كتاب عاصم بن حميد: عن محمد بن
مسلم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الأقطع اليد والرجل قال: يغسلهما.
بيان: اعلم أن قطع اليد إما أن يكون من تحت المرفق فيجب غسل الباقي
(1 و 2) قرب الاسناد ص 83 ط حجر وص 108 ط
نجف.
[365]
إجماعا أو من فوقه فيسقط الغسل ونقل عليه
في المنتهى الاجماع، لكن ظاهر ابن الجنيد أنه يغسل ما بقي من عضد أو من نفس المفصل،
فمن قال بوجوب غسل المرفق أصالة، قال بوجوب غسل رأس العضد، ومن قال بوجوب غسله من
باب المقدمة قال بسقوط الغسل وظاهر الخبر الأول، ويحتمل الاجتزاء والأعم احتمالا
راجحا وشموله للوسط أيضا ليوافق رأي ابن الجنيد بعيد. واحتمل الوالد قدس سره
احتمالات اخر لا يخلو من لطف، وهو أن يكون غرض السائل السؤال عن تغسيل العضوين
المقطوعين، فأمر عليه السلام بتغسيلهما لاشتمالهما على العظم، وإن ابينا من حي، فان
الشهيد وجماعة قالوا بوجوب غسل العضو ذي العظم، وإن ابين من حي، ويؤيده أن في الحمل
الأول لابد من ارتكاب تكلف في الغسل باعتبار تعلقه بالرجل إما بتقية أو بتغليب.
ويؤيد الأول ما رواه الشيخ - رحمه الله - في الصحيح أيضا عن رفاعة (1) عن أبي عبد
الله عليه السلام قال: سألته عن الأقطع اليد والرجل كيف يتوضأ ؟ قال: يغسل ذلك
المكان الذي قطع منه، وفي هذا الخبر القطع من نفس المفصل أظهر. 3 - العيون: عن
أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن علي الوشا قال:
سألت الرضا عليه السلام عن الدواء يكون على يدي الرجل أيجزيه أن يمسح في الوضوء على
الدواء المطلي عليه ؟ قال: نعم يمسح عليه ويجزيه (2). بيان: هذا هو المشهور بين
الأصحاب، مع الحمل على ما لم يمكن إزالته. 4 - قرب الاسناد: عن محمد بن عيسى وأحمد
بن إسحاق معا، عن سعدان بن مسلم قال: كتبت إلى أبي الحسن موسى عليه السلام في خصي
يبول فيلقي من ذلك شدة ويرى البلل بعد البلل، قال: يتوضأ ثم ينزح في النهار مرة
(1) التهذيب ج 1 ص 102 ط حجر. (2) عيون
الاخبار ج 2 ص 22 ورواه في التهذيب ج 1 ص 103 ط حجر.
[366]
واحدة (1). توضيح: ذهب جماعة من الأصحاب
منهم الشهيد في الذكرى والدروس إلى العفو عن نجاسة ثوب الخصي الذي يتواتر بوله، إذا
غسله في النهار مرة واحدة واحتجوا بهذه الرواية، وفي الفقيه (2) " ثم ينضح ثوبه "
ويمكن حمله على ما إذا لم يعلم أنه بول كما هو الغالب في أحوالهم، فيحمل النضح على
الغسل. ثم اعلم أن التوضأ هنا يحتمل الوضوء المصطلح والاستنجاء. 5 - فقه الرضا: قال
عليه السلام: إن كان بك في المواضع التي يجب عليها الوضوء قرحة أو دماميل ولم يؤذك
فحلها واغسلها، وإن أضرك حلها فامسح يدك على الجباير والقروح، ولا تحلها، ولا تعبث
بجراحتك. وقد نروي في الجباير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يغسل ما حولها
(3). بيان: هذا الكلام كله مع الرواية بهذا الوجه مذكور في الفقيه بتبديل صيغ
الخطاب بالغيبة (4) وظاهره القول بالتخيير. 6 - الاختصاص: عن عبد الله - رحمه الله
- عن أحمد بن علي بن شاذان عن محمد بن علي بن الفضل الكوفي، عن الحسين بن محمد بن
الفرزدق، عن محمد بن علي بن عمرويه، عن الحسن بن موسى، عن محمد بن عمر الأنصاري، عن
معمر عن أبيه، عن عبد الله بن أبي رافع، عن أبيه، عن جده قال: كان رسول الله صلى
الله عليه وآله إذا توضأ للصلاة حرك خاتمه ثلاثا (5). 7 - العياشي: عن إسحاق بن عبد
الله بن محمد بن علي بن الحسين، عن الحسن بن زيد، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب عليه
السلام قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن الجباير
(1) قرب الاسناد ص 178 ط نجف. (2) الفقيه
ج 1 ص 43. (3) فقه الرضا ص 1. (4) الفقيه ج 1 ص 28. (5) الاختصاص: 160 ذيل حديث ابن
دأب.
[367]
تكون على الكسير كيف يتوضأ صاحبها ؟ وكيف
يغتسل إذا أجنب ؟ قال: يجزيه المسح بالماء عليها في الجنابة والوضوء (1). 8 - ومنه:
عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنه عثر بي فانقطع
ظفري فجعلت على أصبعي مرارة كيف أصنع بالوضوء للصلاة ؟ قال: فقال عليه السلام: تعرف
هذا وأشباهه في كتاب الله تبارك وتعالى " ما جعل عليكم في الدين من حرج " (2).
بيان: رواه في التهذيب (3) بسند حسن وزاد في آخره " امسح عليه " ويدل على جواز
الاستدلال بأمثال تلك العمومات، وعلى أنه يفهم بعض القرآن غيرهم ثم الظاهر أن
المراد بالظفر ظفر الرجل لا اليد، بقرينة العثر، فيدل على وجوب استيعاب الرجل
بالمسح طولا وعرضا، ويمكن أن يقال: لعله انقطع جميع أظفاره، أو المعنى أن استحباب
الاستيعاب يحصل بالمسح عليه، وحمل المسح على المسح على البقية بعيد. ويمكن أن يكون
المراد ظفر اليد، فان العثر قد يصير سببا لذلك إذا انجر إلى السقوط كما فهمه المحقق
التستري - ره - حيث قال: الظاهر على القول بأنه لا يجب مسح جميع ظهر اليد في التيمم
أن الأحوط أن يجمع مع هذا الوضوء تيمما. 9 - كتاب المسائل لعلي بن جعفر: عن أخيه
موسى عليه السلام قال: سألته عن المرأة هل يصلح لها أن تمسح على الخمار ؟ قال: لا
يصلح حتى تمسح
(1) تفسير العياشي ج 1 ص 236 وبعده: قلت
فان كان في برد يخاف على نفسه إذا أفرغ الماء على جسده ؟ فقرأ رسول الله صلى الله
عليه وآله صلى الله عليه وآله " ولا تقتلوا أنفسكم ان الله كان بكم رحيما ". (2)
تفسير العياشي ج 1 ص 302 والاية في سورة الحج: 78. (3) التهذيب ج 1 ص 103.
[368]
على رأسها (1). تبيين وتفصيل: اعلم أن
تحقيق تلك الأخبار يتوقف على بيان امور: الأول: المشهور بين الأصحاب أن الجبيرة إما
أن تكون على أعضاء الغسل أو أعضاء المسح، فان كان الأول، فان أمكن نزعها وغسل العضو
بدون ضرر و مشقة أو تكرار الماء عليها بحيث يصل إلى العضو ويجري عليه مع طهارته أو
إمكان الاجراء عليه على وجه التطهير مع نجاسته، وجب أحد الأمرين، فان أمكنا تخير
وإن أمكن أحدهما تعين، وإن لم يمكن أحد الأمرين يجب غسل ما عدا موضع الجبيرة والمسح
عليها. وظاهر الأصحاب الاتفاق على تلك الأحكام، والروايات تدل عليها، و إن كان ظاهر
الصدوق والكليني في الفقيه (2) والكافي (3) تجويز الاكتفاء بغسل ما حول الجبيرة،
وقيل: لولا الاجماع المنقول لكان القول باستحباب المسح صحيحا متجها. وإن كانت
الجبيرة على أعضاء المسح، فان لم تستوعب محل المسح، و بقي قدر ما هو المفروض فلا
إشكال، وإن استوعبت، فان أمكن نزعها والمسح على البشرة مع طهارتها أو إمكان تطهيرها
وجب، ولا يكفي تكرار الماء عليها بحيث يصل إلى البشرة، وإن لم يمكن مسح على الجبيرة
إجماعا. ثم الظاهر من الروايات وجوب استيعاب الجبيرة بالمسح كما هو المشهور والشيخ
في المبسوط جعل الاستيعاب أحوط، وحسنه الشهيد - رحمه الله - في الذكرى. الثاني إذا
أمكنه أن يضع موضع الجبيرة في الماء، حتى يصل الماء إلى جلده يجب عليه ذلك، إذا لم
يتضرر بذلك عند بعض الأصحاب لما رواه الشيخ في الموثق
(1) البحار ج 10 ص 252. (2) الفقيه ج 1 ص
29. (3) الكافي ج 3 ص 32.
[369]
عن إسحاق بن عمار (1) عن أبي عبد الله
عليه السلام في الرجل ينكسر ساعده أو موضع من مواضع الوضوء، فلا يقدر أن يحله لحال
الجبر إذا جبر، كيف يصنع ؟ قال: إذا أراد أن يتوضأ فليضع إناء فيه ماء، ويضع
الجبيرة في الماء حتى يصل الماء إلى جلده، وقد أجزأ ذلك من غير أن يحله. ويظهر من
الشيخ في كتاب الحديث (2) أنه غير قائل بوجوب ذلك، حيث حمل هذه الرواية على
الاستحباب عند المكنة وعدم الضرورة، والوجوب أحوط وأظهر. الثالث اعلم أن القوم
صرحوا بالحاق الجروح والقروح بالجبيرة، وبعضهم ادعي الاجماع عليه، ونص جماعة منهم
على عدم الفرق بين أن تكون الجبيرة مختصة بعضو أو شاملة للجميع، وفي مبحث التيمم
جعلوا من أسبابه الخوف من استعمال الماء بسبب القرح والجرح، من غير تقييد بتعذر وضع
شئ عليهما والمسح عليه. نعم صرح العلامة في النهاية والمنتهى بهذا التقييد، لكن في
كلامه في الكتابين وساير كتبه تشويق، ويتلخص من الجميع أنه إذا كان في أعضاء
الطهارة كسر أو جرح أو نحوه من القرح، وكان عليه جبيرة أو خرقة، يجب غسل الأعضاء
الصحيحة، أو مسحها، والمسح إن تمكن على الجبيرة، ونحوها إن لم يتمكن من النزع
والايصال بالتفصيل الذي علم سابقا، وإن كان جرح مجرد أو كسر مجرد في أعضاء الغسل،
ولم يتمكن من غسلهما، وتمكن من مسحهما وجب، ولو لم يتمكن من المسح أيضا فالأقرب
عنده وضع خرقة أو نحوها عليهما والمسح عليها ان أمكن. واحتمل احتمالين آخرين أيضا
أحدهما عدم وجوب مسح الخرقة والاكتفاء
(1) التهذيب ج 1 ص 120 ط حجر، وص 426 ط
نجف. (2) قال في التهذيب: هذا محمول على ضرب من الاستحباب، لانا قد بينا أنه يجزى
من الجبائر أن يمسح عليها إذا لم يمكن حلها، وإذا أمكن حلها فلابد من ذلك، وهذا
محمول على ما قلناه من الندب.
[370]
بغسل الصحيح، والاخر الانتقال إلى التيمم،
وإن لم يتمكن من وضع الخرقة والمسح عليها فالحكم الانتقال إلى التيمم، ومنه يعلم
حال ما إذا كان في موضع المسح، وإن كانا في غير أعضاء الطهارة، لكن لا يمكن وصول
الماء بسببهما إلى أعضاء الطهارة فينتقل إلى التيمم ويفهم من بعض كلماته التخيير
بين الوضوء والتيمم في بعض الصور. وقال الشيخ - ره - في المبسوط في بحث الوضوء: إن
كان على أعضاء الوضوء جبائر أو جرح أو ما أشبههما، وكانت عليه خرقة مشدودة، فان
أمكنه نزعها نزعها، وإن لم يمكن مسح على الجبائر، سواء وضعت على طهر أو غير طهر،
والأحوط أن يستغرق جميعه، وقال أيضا: ومتى أمكنه غسل بعض الأعضاء و تعذر في الباقي
غسل ما يمكنه به غسله، ومسح على حايل ما لا يمكنه غسله، وإن أمكنه وضع العضو الذي
عليه الجباير في الماء وضعه فيه، ولا يمسح على الجباير. ثم قال في بحث التيمم: ومن
كان في بعض جسده أو بعض أعضاء طهارته ما لا ضرر عليه، والباقي عليه حراج أو عليه
ضرر في إيصال الماء إليه، جاز له التيمم، ولا يجب عليه غسل الأعضاء الصحيحة، وإن
غسلها وتيمم كان أحوط سواء كان أكثرها صحيحا أو عليلا، وإذا حصل على بعض أعضاء
طهارته نجاسة، ولا يقدر على غسلها لألم فيه، أو قرح أو جراح، تيمم وصلى، ولا إعادة
عليه انتهى. وكلامه يحتمل ضربين من التأويل: أحدهما أن يخص الحكم الأول بما يكون
عليه خرقة مشدودة، والثاني بما لا يكون عليه خرقة، وثانيهما بالتخيير بين الوضوء
والتيمم كما يشعر به قوله: " جاز له التيمم. وقال في النهاية في بحث الوضوء: فان
كان على أعضاء طهارة إنسان جباير أو جرح أو ما أشببهمما، وكان عليه خرق مشدودة، فان
أمكنه نزعها وجب عليه أن ينزعها، وإن لم يمكنه مسح على الخرقة، وإن كان جراحا غسل
ما حولها، و ليس عليه شئ، وقال في التيمم: المجروح وصاحب القروح والمكسور و
[371]
المجدور إذا خافوا على نفوسهم استعمال
الماء، وجب عليهم التيمم عند حضور الصلاة. وهذا الكلام يحتمل مع الوجهين السابقين
وجها ثالثا وهو أن يكون كلامه في التيمم مختصا بمن لا يتمكن من استعمال الماء أصلا.
وقال المحقق في المعتبر في بحث الوضوء: إذا كانت الجبائر على بعض الأعضاء غسل ما
يمكن غسله، ويمسح ما لا يمكن، ولو كان على الجميع جابر أو دواء يتضرر بازالته، جاز
المسح على الجميع، ولو استضر تيمم، وقال في التيمم: لو كان به جرح أو جبيرة غسل
جسده وترك الجرح، ولم يذكر التيمم للجرح. والمحقق الشيخ على في شرح القواعد جمع بين
كلمات القوم بوجهين: أحدهما الفرق بين ما إذا كان الجرح أو الكسر مستوعبا لتمام عضو
من أعضاء الطهارة أو لبعضه بوجوب التيمم في الأول والجبيرة في الثاني، وثانيهما كون
الحكم بالوضوء مختصا بالجرح والقرح والكسر، والتيمم بما عداها من مرض ونحوه وهما لا
يصلحان للتعويل، ولا يعرفعان التنافي والاشكال، كما لا يخفى على من تتبع الأحكام
وكلام الأصحاب. ثم إن أكثرهم أوردوا الأحكام السابقة في الوضوء، ولم ينصوا على
تعميمه بالنسبة إلى الطهارتين. وقال المحقق في الشرايع: من كان على أعضاء طهارته
جبائر، والعلامة في المنتهى صرح بعدم الفرق بين الطهارتين مدعيا أنه قول عامة
العلماء، وهذا التعميم لا يخلو من إشكال في القروح والجروح، لدلالة أخبار كثيرة
معتبرة على انتقال المجنب فيهما إلى التيمم من غير تقييد. نعم ورد في صحيحة (1) عبد
الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السلام أنه قال في الكسير تكون عليه الجباير أو
تكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء
(1) الكافي ج 3 ص 32، التهذيب ج 1 ص 103 ط
حجر ص 363 ط نجف.
[372]
وغسل الجنابة وغسل الجمعة ؟ فقال: يغسل ما
وصل إليه الغسل مما طهر مما ليس عليه الجباير ويدع ما سوى ذلك مما لا يستطيع غسله،
ولا ينزع الجبائر ويعبث بجراحته، وقد مر رواية إسحاق بن عبد الله أيضا ووردت رواية
اخرى (1) عن كليب الأسدي أيضا موافقة لهما. فيمكن القول بالتخيير بينه وبين التيمم،
أو حمل هذا على ما إذا لم يتضرر باستعمال الماء، وتلك الأخبار على التضرر، أو حمل
أخبار المسح على الجرح والقرح اللذين يمكن مسحهما أو شدهما والمسح على الشد، وأخبار
التيمم على ما عداهما، أو حمل أخبار المسح على الجبيرة، وحمل أخبار التيمم على
القروح والجروح والكسر الغير المنجبر، لورود الأخبار الثلاثة في الجبيرة، ولعل هذا
أظهر الوجوه. وأما الوضوء فظاهر أكثر الأخبار إما المسح، أو غسل ما حول الجرح فقط
فالقول بالتيمم فيه مشكل، ويمكن الجمع بين الأخبار بوجوه: الأول حمل المسح على
الاستحباب. والثاني القول بأن غسل ما حول الجرح لا ينافي المسح، وعدم الذكر لا يدل
على العدم، وإن كان هذا التأويل في بعضها بعيدا لضرورة الجمع كما قال في الذكرى في
قوله عليه السلام: " ويدع ما سوى ذلك " أي يدع غسله، ولا يلزم منه ترك مسحه فيحمل
المطلق على المقيد. والثالث حمل المسح على ما إذا أمكن المسح على الجرح أو على شئ
يوضع فوقه أو يشد عليه، وساير الأخبار على ما إذا لم يمكن شئ منها ولعله أظهر
الوجوه، والأحوط في الغسل والوضوء معا المسح على نفس العضو، إن أمكن، ولو لم يمكن
فالمسح على الخرقة الموضوعة، ولو لم يمكنه فالاكتفاء بما عداه، وضم التيمم في جميع
الصور، للاجماع على عدم خروج التكليف منهما، و عدم العلم بتعين أحدهما، وإن كان كل
منهما في بعض الصور أظهر كما عرفت.
(1) التهذيب ج 1 ص 103 ط حجر ص 354 ط نجف.
[373]
وإذا لم يكن الكسر وما في حكمه في موضع
الطهاره، لكن يتضرر بسببه أعضاء الطهارة من الغسل أو المسح، فالظاهر حينئذ وجوب
التيمم، والاحتياط في ضم الطهارة المائية أيضا. الرابع المشهور بين الأصحاب أن حكم
الاطلاء الحائلة حكم الجبيرة لما مر في الصحيح عن الوشا (1) وقد رواه الشيخ أيضا
بسند صحيح (2) ويؤيده رواية عبد الأعلى (3) على بعض الوجوه. الخامس يظهر من التذكرة
وجوب مسح الجرح المجرد إن أمكن، وقال في الذكرى: لو أمكن المسح على الجرح المجرد
بغير خوف تلف ولا زيادة فيه ففي وجوب المسح عليه احتمال مال إليه في المعتبر، وتبعه
في التذكرة تحصيلا لشبه الغسل، عند تعذر حقيقته، وكأنه يحمل الرواية بغسل ما حوله
على ما إذا خاف ضررا بمسحه، مع أنه ليس فيها نفي لمسحه، فيجوز استفادته من دليل
آخر. فان قلنا به وتعذر، ففي وجوب وضع لصوق والمسح عليه احتمال أيضا لأن المسح بدل
من الغسل، فيتسبب إليه بقدر الامكان، وإن قلنا بعدم المسح على الجرح مع إمكانه أمكن
وجوب هذا الوضع ليحاذي الجبيرة، وما عليه لصوق إبتداء، والروايه مسلطة على فهم عدم
الوجوب أما الجواز فان لم يستلزم ستر شئ من الصحيح فلا إشكال فيه، وإن استلزم أمكن
المنع، لأنه ترك للغسل الواجب والجواز عملا بتكميل الطهارة بالمسح انتهى. والاكتفاء
بغسل ؟ حول الجرح في الصورتين لا يخلو من قوة، كما اختاره أيضا فيه، ولا ريب أن
الاحتياط في مسح الجرح، وما يوضع عليه إن لم يستلزم ترك غسل شئ من الصحيح، ومعه
القول بالجواز ضعيف لمخالفته للنص، وفي
(1) مر تحت الرقم 6. (2) راجع التهذيب ج 1
ص 364 ط نجف. (3) الكافي ج 3 ص 33، التهذيب ج 1 ص 103 ط حجر.
[374]
القروح المسح على الخرقة آكد، لورود حسنة
الحلبي (1) فيه بالخصوص فعلى هذا لو أمكن المسح على نفسها ففي تقديمه على المسح على
الخرقة إشكال، ولو لم يمكن المسح على الخرقة، وأمكن المسح على نفسها، أو لم يمكن
أيضا ففي الوضوء مع المسح في الأول أو غسل ما حوله فقط في الثاني، والعدول إلى
التيمم فيهما إشكال، والاحتياط في الجمع. هذا في الوضوء والظاهر في الغسل التيمم
والأحوط الجمع كما عرفت والظاهر في الكسير غير المجبور أيضا الاكتفاء بغسل ما حوله
إذ النص إنما ورد في المسح على الجبيرة، ولعل الأحوط المسح على العضو أو على شئ
موضوع عليه، والتيمم، وكذا يشكل الحكم لو لم يمكن المسح على الكسير ولا على شئ يوضع
عليه، كما في القروح، والأحوط غسل ما يمكن غسله مع التيمم وظاهر الأكثر التيمم.
السادس قال في الذكرى: لو كانت الخرقة نجسة ولم يمكن تطهيرها فالأقرب وضع طاهر
عليها تحصيلا للمسح، ويمكن إجراؤها مجرى الجرح في غسل ما حولها، وقطع الفاضل بالأول
انتهى. وأقول: الفرق بين الجرح والكسر ظاهر لورود الرواية في الأول بغسل ما حوله
دون الثاني، والأحوط الجمع، وقيل: الاحتياط التام أن يمسح على الخرقة النجسة
والطاهرة معا، وضم التيمم غاية الاحتياط. ولو لم يمكن المسح على الجبيرة ولا الخرقة
الموضوعة على الجرح، فمقتضى الأخبار في الجرح غسل ما حوله، وظاهر أكثر الأصحاب
التيمم والأحوط الجمع السابع قال في الذكرى: لو عمت الجبائر أو الدواء الأعضاء، مسح
على الجميع، ولو تضرر بالمسح تيمم، ولا ينسحب على خائف البرد فيؤمر بوضع حايل بل
يتيمم. الثامن إذا كان العضو مريضا لا يجرى فيه حكم الجبيرة، بل لابد من
(1) التهذيب ج 1 ص 362 ط نجف ص 103 ط حجر،
الكافي ج 3 ص 33.
[375]
التيمم لفقد النص، وجعل الشيخ في الخلاف
والمبسوط الجمع بين التيمم و غسل الباقي أحوط. التاسع إذا زال العذر لم تجب إعادة
الصلاة إجماعا وهل تجب إعادة الوضوء فيه خلاف، واختار العلامة والمحقق والشيخ
الاعادة، وهو أحوط، وإن كان العدم أقوى. وإنما أطنبنا الكلام في هذه المسألة لكثرة
احتياج الناس إليها، وعدم اتساقها في كلام القوم. 10 - كتاب محمد بن المثنى
الحضرمي، عن جعفر بن محمد بن شريح، عن ذريح المحاربي قال: سألت أبا عبد الله عليه
السلام عن البول والتقطير فقال: إذا نزل من الحبايل ونشف الرجل حشفته واجتهد، ثم إن
كان بعد ذلك شئ فليس بشئ. بيان: ظاهره أنه لبيان حكم الاستبراء، ويحتمل أن يكون حكم
صاحب السلس، فيدل على عدم وجوب الوضوء لكل صلاة له، كما ذهب إليه الشيخ في المبسوط،
وذهب في الخلاف إلى أنه يتوضأ لكل صلاة، وتبعه أكثر المتأخرين، واستقرب العلامة في
المنتهى أنه يجوز له أن يجمع بين الظهر و العصر بوضوء واحد وبين المغرب والعشاء
بوضوء واحد، وعليه تعدد الوضوء بتعدد الصلاة في غير ذلك، والأول لا يخلو من قوة،
والثاني أحوط، وعلى أي حال لو كان له فترة يمكنه الصلاة فيها لابد من إيقاعها فيها.
[376]
كلمة المصحح بسم الله الرحمن الرحيم الحمد
لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين. وبعد: فهذا الجزء
الذي نخرجه إلى القراء الكرام هو أول أجزاء المجلد الثامن عشر (كتاب الطهارة) وقد
قابلناه على نسخة الكمباني، ثم على نسخة مخطوطة فيها أثر تصحيح المؤلف العلامة بخط
يده، مع بعض الحواشي منه رحمه الله، لكنها ناقصة تنتهى في الباب 30 باب وجوب الوضوء
الرقم 17 (ص 266 من طبعتنا هذه)، وقد كانت عونا لنا في تصحيح الكتاب خصوصا بيانات
المؤلف قدس سره كثيرا كما أشرنا في بعض الموارد ذيل الصفحات. وهذه النسخة لخزانة
كتب الفاضل البحاث الوجيه الموفق المرزا فخر الدين النصيري الأميني زاده الله
توفيقا لحفظ كتب سلفنا الصالحين، أودعها سماحته عندنا منذ شهور للعرض والمقابلة
خدمة للدين وأهله، فجزاه الله عنا خير جزاء المحسنين، وإليكم فيما يلي ثلاث صور فتو
غرافية منها وفي هامش بعضها خط يد المؤلف رحمه الله. محمد الباقر البهبودى
[377]
صورة فتوغرافية للنسخة المخطوطة من الصفحة
الاولى، وهي لخزانة كتب الفاضل النحرير المرزا فخر الدين النصيري الأميني دام ظله
[378]
صورة فتوغرافية للنسخة المخطوطة وفي هامش
الصفحة حاشية للمؤلف بخط يده قدس سره
[379]
صورة فتو غرافية للنسخة المخطوطة وفي هامش
الصفحة أيضا حاشية للمؤلف قدس سره بخط يده الشريف
[380]
استدراك قد تكرر الترقيم بالرقم 18 لبابين
" باب أحكام سائر الأبوال والأرواث... " وباب " ما اختلف الاخبار والاقوال في
نجاسته " والصحيح في الباب الثاني منهما الرقم 19 للباب وهكذا في الأبواب التي بعده
20 و 21 إلى أن ينتهى بالباب 38، نرجو إصلاحها في أعلى الصفحات
[379]
صورة فتو غرافية للنسخة المخطوطة وفي هامش
الصفحة أيضا حاشية للمؤلف قدس سره بخط يده الشريف
[380]
استدراك قد تكرر الترقيم بالرقم 18 لبابين
" باب أحكام سائر الأبوال والأرواث... " وباب " ما اختلف الاخبار والاقوال في
نجاسته " والصحيح في الباب الثاني منهما الرقم 19 للباب وهكذا في الأبواب التي بعده
20 و 21 إلى أن ينتهى بالباب 38، نرجو إصلاحها في أعلى الصفحات
[381]
بسمه تعالى إلى هنا انتهى الجزء الأول من
المجلد الثامن عشر من كتاب بحار الأنوار، الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، وهو
أول أجزاء كتاب الطهارة، والجزء المتمم للثمانين حسب تجزئتنا. ولقد بذلنا جهدنا في
تصحيحه ومقابلته فخرج بحمد الله ومشيته نقيا من الأغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ عنه
البصر وكل عنه النظر، لا يكاد يخفى على القراء الكرام ومن الله نسئل العصمة وبه
الاعتصام. السيد ابراهيم الميانجى * محمد الباقر البهبودى