الى اجزاء البحار الى المكتبة الهاشمية الى الصفحة الرئيسية

بحار الانوار الجزء 78

العلامة المجلسي


[1]

بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار تأليف العلم العلامة الحجة فخر الأمة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي " قدس الله سره " الجزء الثامن والسبعون دار إحياء التراث العربي بيروت - لبنان الطبعة الثالثة المصححة 1403 ه‍ - 1983 م


 

[1]

بسم الله الرحمن الرحيم أبواب الاغسال واحكامها 1 ((باب)) * " (علل الاغسال وثوابها واقسامها وواجبها) " * " (ومندوبها، وجوامع أحكامها) " 1 - مجالس الصدوق: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن علي بن الحسن البرقي، عن عبد الله بن جبلة، عن معاوية بن عمار عن الحسن بن عبد الله، عن أبي الحسن، عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: جاء نفر من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وآله فسأله أعلمهم عن مسائل فكان فيما سأله: أخبرني لاي شئ أمر الله بالاغتسال من الجنابة، ولم يأمر من البول والغائط ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن آدم عليه السلام لما أكل من الشجرة دب ذلك في عروقه و شعره وبشره فإذا جامع الرجل أهله خرج الماء من كل عرق وشعرة، فأوجب الله على ذريته الاغتسال من الجنابة إلى يوم القيامة، والبول يخرج من فضلة الشراب الذي يشربه الانسان، والغائط يخرج من فضلة الطعام الذي يأكله، فعليهم منهما الوضوء.


 

[2]

قال اليهودي: صدقت يا محمد فأخبرني ما جزاء من اغتسل من الحلال ؟ قال النبي صلى الله عليه وآله: إن المؤمن إذا جامع أهله، بسط سبعون ألف ملك جناحه وتنزل الرحمة، فإذا اغتسل بنى الله بكل قطرة بيتا في الجنة، وهو سر فيما بين الله وبين خلقه، يعني الاغتسال من الجنابة، قال اليهودي: صدقت يا محمد صلى الله عليه وآله (1). العلل والخصال: مثله إلى قوله: منهما الوضوء (2). العلل: لمحمد بن علي بن إبراهيم مرسلا مثله. بيان: دب. يدب دبيبا أي مشى على الارض، والمراد بالشعر لعله منابت الشعر إذ المشهور عدم وجوب غسله، والبشر محركة ظاهر جلد الانسان، جمع بشرة، ولعل كونه سرا لانه يقع غالبا خفية، ولا يطلع الناس عليه فانما يوقعه لوجهه تعالى. 2 - العلل (3) والعيون: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه، عن محمد بن علي الكوفي، عن محمد بن سنان، عن الرضا عليه السلام قال: علة غسل الجنابة النظافة، وتطهير الانسان نفسه مما أصابه من أذاه، وتطهير سائر جسده لان الجنابة خارجة من كل جسده فلذلك وجب عليه تطهير جسده كله وعلة التخفيف في البول والغائط لانه أكثر وأدوم من الجنابة، فرضي فيه بالوضوء لكثرته ومشقته ومجيئه بغير إرادة منه ولا شهوة، والجنابة لا تكون إلا باستلذاذ منهم، والاكراه لانفسهم (4). بيان: لعله مشتمل على ثلاث علل: الاولى ما مر في الخبر السابق، الثانية أن كثرة موجبات الوضوء يناسبها التخفيف، والثالثة أن الجنابة تحصل غالبا

 

(1) أمالى الصدوق ص 115. (2) علل الشرايع ج 1 ص 267، ولم نجده في الخصال. (3) علل الشرايع ج 1 ص 266. (4) عيون الاخبار ج 2 ص 88.

 

[3]

بالاستلذاذ، فلا يصعب عليهم الغسل بخلاف الحدثين، فانه لا لذة فيهما، وفي أكثر النسخ " والاكراه لانفسهم " كناية عن أنها باختيارهم ويمكنهم تركها، وفي بعض النسخ " ولا إكراه " وهو أظهر، ويمكن جعل هذا علة رافعية كما لا يخفى. 3 - العلل والعيون (1): بالاسناد المتقدم عن الرضا عليه السلام قال: وعلة غسل العيد والجمعة وغير ذلك من الاغسال، لما فيه من تعظيم العبد ربه، واستقباله الكريم الجليل، وطلب المغفرة لذنوبه، وليكون لهم يوم عيد معروف يجتمعون فيه على ذكر الله عزوجل، فجعل فيه الغسل تعظيما لذاك اليوم، وتفضيلا له على سائر الايام، وزيادة في النوافل والعبادة، وليكون تلك طهارة له من الجمعة إلى الجمعة (2). وعلة غسل الميت أنه يغسل، لانه يطهر وينظف من أدناس أمراضه، و ما أصابه من صنوف علله لانه يلقى الملائكة ويباشر أهل الاخرة، فيستحب إذا ورد على الله ولقي أهل الطهارة، ويماسونه ويماسهم - أن يكون طاهرا نظيفا موجها به إلى الله عزوجل ليطلب به (3) ويشفع له. وعلة اخرى أنه يخرج من الاذى الذي منه خلق (4) فيجنب، فيكون غسله له، وعلة اغتسال من غسله أو مسه فظاهرة لما أصابه من نضح الميت لان الميت إذا خرجت الروح منه بقي أكثر آفته، فلذلك يتطهر منه ويطهر (5). بيان: قوله عليه السلام " لما فيه " أي في اليوم، قوله " ليطلب به ويشفع له " أي في الصلاة عليه، أي يكون في حال الصلاة عليه والشفاعة له والتوجه به إلى الله لتشييعه ودفنه طاهرا من الادناس قوله " بقي أكثر آفته " أي نجاسته وقذارته.

 

(1) عيون الاخبار ج 2 ص 88 و 89. (2) علل الشرايع ج 1 ص 270. (3) في العلل " ليطلب وجهه ". (4) وفي العيون " المنى الذي منه خلق ". (5) علل الشرايع ج 1 ص 283.

 

[4]

4 - العيون (1) والعلل: عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس، عن علي بن محمد ابن قتيبة، عن الفضل بن شاذان فيما رواه من العلل عن الرضا عليه السلام قال: فان قيل: فلم امروا بالغسل من الجنابة، ولم يؤمروا بالغسل من الخلاء، وهو أنجس من الجنابة وأقذر ؟ قيل: من أجل أن الجنابة من نفس الانسان، وهو شئ يخرج من جميع جسده، والخلاء ليس هو من نفس الانسان، إنما هو غذاء يدخل من باب ويخرج من باب (2) [فان قال: فلم أمر بغسل الميت ؟ قيل: لانه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة والافة والاذى، فأحب أن يكون طاهرا إذا باشر أهل الطهارة من الملائكة الذين يلونه ويماسونه فيما بينهم، نظيفا موجها به إلى الله عزوجل وقد روي عن بعض الائمة عليهم السلام أنه قال: ليس من ميت يموت إلا خرجت منه الجنابة فلذلك وجب الغسل] (3). فان قال: فلم أمر من يغسله بالغسل ؟ قيل: لعلة الطهارة مما أصابه من نضح الميت، لان الميت إذا خرج منه الروح بقي أكثر آفته ولئلا يلهج الناس به و بمماسته إذ قد غلبت عليه علة النجاسة والآفة. فان قال: فلم لا يجب الغسل على من مس شيئا من الاموات غير الانسان كالطيور والبهائم والسباع وغير ذلك ؟ قيل: لان هذه الاشياء كلها ملبسة ريشا وصوفا و شعرا ووبرا، وهذا كله ذكى لا يموت، وإنما يماس منه الشئ الذي هو ذكى من الحي والميت الذي قد ألبسه وعلاه (4). بيان: اللهج بالشئ الولوع به والحرص عليه، أي لئلا يلمسه الناس كثيرا لاسيما أقاربه حبا له مع تلوثه بالنجاسات، قوله عليه السلام " لان هذه الاشياء " لعل

 

(1) العيون ج 2 ص 105. (2) علل الشرايع ج 1 ص 245. (3) ما بين العلامتين أضفناه من المصدرين بقرينة ما نقل بعد ذلك " فان قال: فلم أمر من يغسله بغسله " يعني من يغسل الميت. (4) العلل ج 1 ص 254، العيون ج 2 ص 114.

 

[5]

الغرض أنه لما كان غالب المماسة هكذا، فلذا رفع الغسل مطلقا وإلا فيلزم وجوب الغسل بمس ما تحله الحياة منها، ولم يقل به أحد. 5 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الغسل في أربعة عشر موطنا، غسل الميت، وغسل الجنب، وغسل من غسل الميت، وغسل الجمعة، والعيدين، ويوم عرفة، وغسل الاحرام، ودخول الكعبة، ودخول المدينة، ودخول الحرم، والزيارة، وليلة تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين من شهر رمضان (1). بيان: لا خلاف في وجوب غسل الميت وغسل الجنب، وغسل من غسل الميت هو غسل المس ويحمل على من مسه لا مطلقا وفيه دلالة على أن المقلب غاسل، بل هو الغاسل والمشهور أن الصاب غاسل، وتظهر الفائدة في النية وفي النذر وأشباهه والمشهور وجوبه، وذهب السيد إلى الاستحباب والاشهر أقوى، وغسل الجمعة والاحرام، قيل فيهما بالوجوب، والمشهور الاستحباب، والباقية مستحبة إجماعا. 6 - الخصال: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: الغسل في سبعة عشر موطنا: ليلة سبع عشرة من شهر رمضان، وهي ليلة التقاء الجمعين ليلة بدر، وليلة تسع عشرة و فيها يكتب الوفد وفد السنة، وليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي مات فيها أوصياء النبيين عليهم السلام، وفيها رفع عيسى بن مريم وقبض موسى عليهما السلام، وليلة ثلاث وعشرين ترجى فيها ليلة القدر. وقال عبد الرحمان بن أبي عبد الله البصري: قال لي أبو عبد الله: اغتسل في ليلة أربعة وعشرين، ما عليك ان تعمل في الليلتين جميعا. رجع الحديث إلى محمد بن مسلم في الغسل: ويوم العيدين، وإذا دخلت الحرمين

 

(1) الخصال ج 2 ص 91.

 

[6]

ويوم تحرم، ويوم الزيارة، ويوم تدخل البيت، ويوم التروية، ويوم عرفة، و غسل الميت، وإذا غسلت ميتا أو كفنته أو مسسته بعدما يبرد، ويوم الجمعة، وغسل الكسوف إذا احترق القرص كله فاستيقظت ولم تصل فاغتسل واقض الصلاة (1). توضيح: لعل الغرض عد أغسال الرجال، فلذا لم يذكر أغسال الدماء الثلاثة، وربما كان الاقتصار على ذكر بعض الاغسال المسنونة لشدة الاهتمام بشأنها وإلا فهي تقرب من الستين كما ستعرف. ثم لا يخفى أن الاغسال التي تضمنها تسعة عشر فلعله عليه السلام عد الغسل في قوله يوم العيدين، وإذا دخلت الحرمين غسلين لا أربعة، أو أن غرضه عليه السلام تعداد الاغسال المسنونة، فغسل الميت وغسل مسه غير داخلين في العدد، وإن دخلا في الذكر أو أن يكون غسل من غسل ميتا أو كفنه أو مسه واحدا، ولعله أظهر. والمراد بالتقاء الجمعين تلاقي فئتي المسلمين والمشركين للقتال يوم بدر، و الوفد بفتح الواو وإسكان الفاء جمع وافد كصحب وصاحب، وهم الجماعة القادمون على الاعاظم برسالة أو حاجة ونحوها، والمراد بهم ههنا من قدر لهم أن يحجوا في تلك السنة، والمراد بالحرمين حرما مكة والمدينة، وقيل: ويمكن أن يراد بهما نفس البلدين. ويوم يحرم يعم إحرام الحج والعمرة، والظاهر أن المراد بالزيارة زيارة البيت لطواف الزيارة، وعمم الاصحاب ليشمل زيارة النبي صلى الله عليه وآله والائمة صلوات الله عليهم، ولا حاجة إليه لورود أخبار كثيرة لخصوصها وقوله: " أو كفنه " قيل المراد إرادة التكفين أي يستحب إيقاع غسل المس قبل التكفين، وقيل باستحباب الغسل لتغسيل الميت وتكفينه قبلهما وإن لم يمس وظاهر الخبر لزوم الغسل بعد تكفين الميت ويمكن حمله على الاستحباب كما يظهر من غيره أيضا استحباب الغسل للمس بعد الغسل، أو على ميت لم يغسل وإن تيمم فان الظاهر وجوب الغسل لمسه، ولا يبعد هذا الحمل كثيرا بل مقابلته للتغسيل ربما يؤمي إلى ذلك، وفي بعض النسخ بالواو

 

(1) الخصال ج 2 ص 95 و 96.

 

[7]

فيكون ذكر التكفين استطرادا، وعلى أكثر التقادير ذكر المس بعد ذلك تعميم بعد التخصيص، ويفهم من بعض الاصحاب حمله على ما بعد الغسل استحبابا وهو بعيد جدا، وربما يستأنس للسيد بأن عد غسل المس في سياق الاغسال المندوبة، يدل على استحبابه، وغسل الميت ليس من أغسال الاحياء وفيه نظر. ثم قوله عليه السلام: " يوم العيدين " يومي إلى استحباب الغسل في تمام اليوم، و " يوم تحرم " وأمثاله إلى أنه يكفي إيقاع الغسل في ذلك اليوم، وإن لم يقارنه بل وإن تخلل الحدث، كما هو الغالب. واختلف الاصحاب في غسل قاضي صلاة الكسوف، فقال الشيخ في الجمل باستحبابه إذا احترق القرص كله وترك الصلاة متعمدا، واختاره أكثر المتأخرين واقتصر المفيد وعلم الهدى على تركها متعمدا من غير اشتراط استيعاب الاحتراق، ونقل عن السيد في المسائل المصرية وأبي الصلاح وسلار القول بالوجوب، و قال بعض المتأخرين باستحباب الغسل لاداء صلاة الكسوف مع احتراق القرص، لانه روى الشيخ في التهذيب (1) هذه الرواية بسند صحيح، وفي آخرها هكذا " و غسل الكسوف إذا احترق القرص كله، فاغتسل " ولعل الزيادة سقطت من الرواة وفي الفقيه (2) والهداية (3). أيضا رواه مرسلا موافقا لما هنا، وزاد في آخره " وغسل الجنابة فريضة " ولذا لم يذكر القدماء الغسل للاداء. 7 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل مس ميتا عليه الغسل ؟ قال: إن كان الميت لم يبرد فلا غسل عليه، وإن كان قد برد فعليه الغسل إذا مسه (4). 8 - الاحتجاج: في حديث الزنديق الذي سأل الصادق عليه السلام عن مسائل قال

 

(1) التهذيب ج 1 ص 32 ط حجر. (2) الفقيه ج 1 ص 44 ط نجف. (3) الهداية: 19 ط قم. (4) البحار ج 10 ص 290.

 

[8]

له: أخبرني عن المجوس كانوا أقرب إلى الصواب في دينهم أم العرب في الجاهلية ؟ قال: العرب كانت أقرب إلى الدين الحنيفي من المجوس، وذلك أن المجوس كفرت بكل الانبياء. إلى أن قال: وكانت المجوس لا تغتسل من الجنابة، والعرب تغتسل، و الاغتسال من خالص شرايع الحنيفية، وكانت المجوس لا تختتن وهو من سنن الانبياء، وإن أول من فعل ذلك إبراهيم الخليل، وكانت المجوس لا تغسل موتاها، ولا تكفنها، وكانت العرب تفعل ذلك، وكانت المجوس ترمي بالموتى في الصحاري والنواويس والعرب تواريها في قبورها، وكذلك السنة عن الرسل وإن أول من حفر له قبر آدم أبو البشر. وكانت المجوس تأتي الامهات وتنكح الاخوات والبنات، وحرمت ذلك العرب، وأنكرت المجوس بيت المقدس وسموه بيت الشيطان، والعرب كانت تحجه وتعظمه، وتقول بيت ربنا، وكانت العرب في كل الاشياء أقرب إلى الدين الحنيفي، من المجوس. إلى أن قال: فما علة غسل الجنابة، وإنما أتى الحلال، وليس من الحلال تدنيس ؟ قال عليه السلام: إن الجنابة بمنزلة الحيض، وذلك أن النطفة دم لم يستحكم ولا يكون الجماع إلا بحركة شديدة وشهوة غالبة فإذا فرغ تنفس البدن، ووجد الرجل من نفسه رايحة كريهة، فوجب الغسل لذلك، وغسل الجنابة مع ذلك أمانة ائتمن الله عليها عبيده، ليختبرهم بها (1). بيان: لعل المراد بتنفس البدن العرق، في القاموس تنفس الموج نضح الماء. 9 - الخصال: عن أحمد بن محمد بن هيثم وأحمد بن الحسن القطان ومحمد ابن أحمد السناني والحسين بن إبراهيم المكتب و عبد الله بن محمد الصائغ وعلي ابن عبد الله الرواق جميعا عن أحمد بن يحيى بن زكريا، عن بكر بن عبد الله بن

 

(1) الاحتجاج ص 189.

 

[9]

حبيب عن تميم بن بهلول، عن أبي معاوية، عن الاعمش، عن الصادق عليه السلام في خبر طويل قال: الاغسال منها غسل الجنابة، والحيض، وغسل الميت، وغسل من مس الميت بعدما يبرد، وغسل من غسل الميت، وغسل يوم الجمعة، وغسل العيدين، وغسل دخول مكة، وغسل دخول المدينة، وغسل الزيارة، وغسل الاحرام، وغسل يوم عرفة، وغسل ليلة سبع عشرة من شهر رمضان، وغسل ليلة تسع عشرة من شهر رمضان، وغسل ليلة إحدى وعشرين منه، وليلة ثلاث و عشرين منه، أما الفرض فغسل الجنابة وغسل الجنابة والحيض واحد (1). بيان: " وغسل من غسل الميت " تخصيص بعد التعميم إن حملناه على الغسل بعده، ويحتمل أن يكون المراد استحباب الغسل لتغسيل الميت قبله، كما عرفت، بل هو الظاهر للمقابلة، والمراد بالفرض ما ظهر وجوبه من القرآن. قوله عليه السلام: " وغسل الجنابة والحيض واحد " أي مثله في الكيفية أو يكفى غسل واحد لهما، وعلى الاول ربما يستدل به على أنه لا يجب في غسل الحيض الوضوء، وفيه خفاء. 10 - العيون: عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري، عن علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام فيما كتب للمأمون من شرايع الدين، قال: غسل يوم الجمعه سنة، وغسل العيدين، وغسل دخول مكة، و المدينة، وغسل الزيارة، وغسل الاحرام، وأول ليلة من شهر رمضان، وليلة سبعة عشر، وليلة تسعة عشر، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان، هذه الاغسال سنة، وغسل الجنابة فريضة، وغسل الحيض مثله (2) بيان: قوله عليه السلام " مثله " أي في الكيفية لا في كونه فرضا (3) والاستدلال

 

(1) الخصال ج 2 ص 151. (2) عيون الاخبار ج 2 ص 123. (3) بل المعنى أنه مذكور في القرآن العزيز مثله في قوله تعالى " فإذا تطهرن فآتوهن من حيث أمركم الله " والمراد بالتطهر الاغتسال للاطلاق كما في قوله تعالى " فاطهروا " حيث

 

[10]

بلفظ السنة الواقعة في مقابلة الفرض على استحباب تلك الاغسال مشكل. 11 - البصاير: للصفار عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن الحسن ابن علي، عن كرام ين عمرو، عن عبد الله بن طلحة قال: سألت أبا عبدا لله عليه السلام عن الوزغ، فقال: هو رجس، وهو مسخ، فإذا قتلته فاغتسل (1). الخرايج: عن عبد الله بن طلحة مثله. بيان: قال الصدوق - رحمه الله - في الفقيه (2) والهداية (3) روي أن من قتل وزغا فعليه الغسل، وقال بعض مشايخنا: إن العلة في ذلك أنه يخرج عن ذنوبه فيغتسل منها، وقال المحقق في المعتبر: وعندي أن ما ذكره ابن بابويه ليس حجة، وما ذكره المعلل ليس طائلا، لانه لو صحت علته لما اختص الوزغة انتهى. واقول: ما رواه الصدوق مع هذه الرواية المؤيدة بعمل الاصحاب تكفيان لادلة السنن، والعلة نكتة مناسبة لا يلزم اطرادها. 12 - روضة الواعظين: عن عبد الله بن سيابة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن غسل يوم عرفة في الامصار، فقال: اغتسل أينما كنت (4). 13 - الذكرى: روى بكير بن أعين، عن الصادق عليه السلام قضاء غسل ليالي

 

لم يقيد بعضو دون عضو، واما أنه شرط للدخول في الصلاة، فلان المفهوم من قوله تعالى " فاطهروا " أن الذي يجب عند الدخول في الصلاة الطهارة الشاملة لجميع الاعضاء، وانما أوجبت للجنابة، لخصوصية المورد وهم الرجال المخاطبون، والحائض غير طاهر أيضا، والا لم تؤمر بالتطهر للمباشرة فيجب عليها تحصيل الطهارة للصلاة أيضا بهذه القرينة. (1) بصائر الدرجات ص 353 ط تبريز ص 103 ط حجر، وتراه في الكافي ج 8 ص 232، الاختصاص ص 301. (2) الفقيه ج 1 ص 44 ط نجف. (3) الهداية ص 19 ط قم. (4) روضة الواعظين 296.

 

[11]

الافراد الثلاث بعد الفجر، إن فاته ليلا. بيان: ربما يتوهم أنه اشتبه عليه ما رواه الشيخ في التهذيب (1) عن بكير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام في أي الليالي أغتسل في شهر رمضان ؟ قال: في تسع عشرة، وفي إحدى وعشرين، وفي ثلاث وعشرين، والغسل أول الليل، قلت: فان نام بعد الغسل ؟ قال: هو مثل غسل الجمعة، إذا اغتسلت بعد الفجر أجزأك. وهو من مثله بعيد. 14 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يتحرك بعض أسنانه وهو في الصلاة هل يصلح له أن ينزعها ويطرحها ؟ قال إن كان لا يجد دما فلينزعه وليرم به، وإن كان دمي فلينصرف. قال: وسألته عن الرجل يكون له الثالول أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه ؟ قال: إن لم يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس، وإن تخوف أن يسيل الدم فلا يفعل، وإن فعل نقض من ذلك الصلاة ولا ينقض الوضوء (2). 15 - فقه الرضا: قال عليه السلام: متى مسست ميتا قبل الغسل بحرارته فلا غسل عليك، فان مسست بعدما برد فعليك الغسل، وإن مسست شيئا من جسد من أكله السبع فعليك الغسل، إن كان فيما مسست عظم، وما لم يكن فيه عظم فلا غسل عليك في مسه، وإن مسست ميتة فاغسل يديك، وليس عليك غسل، إنما يجب عليك ذلك في الانسان وحده (3).

 

(1) التهذيب ج 1 ص 106. (2) هاتان الروايتان مرتا في باب نجاسة الميتة الباب 13 تحت الرقم 2 ص 74 و تكرر الثانية في باب ما ينقض الوضوء وما لا ينقضه ص 212 ولا يناسبان الباب، فذكرهما في هذا الباب مقتحم والسهو ناش من طبعة الكمبانى حين جمع بين النسخ المختلفة. (3) فقه الرضا ص 18.

 

[12]

وقال عليه السلام إذا اغتسلت من غسل الميت فتوضأ ثم اغتسل كغسلك من الجنابة، وإن نسيت الغسل فذكرته بعدما صليت فاغتسل وأعد صلاتك (1). بيان: اشتراط البرد في وجوب الغسل مما لا خلاف فيه بين الاصحاب، و أما القطعة ذات العظم فالمشهور بين الاصحاب وجوب الغسل بمسها سواء ابينت من حي أو ميت، ونقل الشيخ إجماع الفرقة عليه، ويظهر من بعض عباراتهم اختصاص الحكم بالمبانة من الميت، ويحكى عن ابن الجنيد القول بوجوبه ما بينه وبين سنة وتوقف فيه المحقق في المعتبر، وأجاب عما استدلوا به من مرسلة أيوب بن نوح (2) بأنها مقطوعة والعمل بها قليل، وقال: دعوى الشيخ الاجماع لم يثبت، وغايته الاستحباب تفصيا من إطراح قول الشيخ والرواية. ويظهر من هذا أن ما ذكره الشيخ لم يكن فتوى مشهورا بين قدماء الاصحاب والاحوط العمل بالمشهور، وهل العظم المجرد بحكم ذات العظم ؟ فيه قولان: أقربهما العدم، بل مع الاتصال أيضا يشكل الحكم بالوجوب. ثم إنه يدل على اشتراط الصلاة بغسل المس كما هو ظاهر بعض الاطلاقات من الاصحاب، وصرح جماعة من المحققين من المتأخرين بعدم المستند، والاحوط رعاية الاشتراط، وإن كان إثبات مثل هذا الحكم بمجرد هذه الرواية لا يخلو من إشكال. 16 - فقه الرضا: قال عليه السلام واغتسل يوم عرفة قبل الزوال (3). وقال عليه السلام: تتوضأ إذا أدخلت القبر الميت، واغتسل إذا غسلت، ولا

 

(1) المصدر ص 19. (2) رواه في التهذيب عن أيوب بن نوح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (ع) قال إذا قطع من الرجل قطعة فهي ميتة، فإذا مسه انسان فكل ما كان فيه عظم فقد وجب على من يمسه الغسل، فان لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه، راجع التهذيب ج 1 ص 122 ط حجر. (3) فقه الرضا:.

 

[13]

تغتسل إذا حملته (1). وقال عليه السلام: اعلموا رحمكم الله أن غسل الجنابة فريضة من فرائض الله جل وعز، وأنه ليس من الغسل فرض غيره، وباقي الغسل سنة ؟ غير ؟ واجبة، ومنها سنة مسنونة إلا أن بعضها ألزم من بعض، وأوجب من بعض (2). وقال عليه السلام والغسل ثلاثة وعشرون: من الجنابة، والاحرام، وغسل الميت، ومن غسل الميت، وغسل الجمعة، وغسل دخول المدينة، وغسل دخول الحرم، وغسل دخول مكة، وغسل زيارة البيت، ويوم عرفة، وخمس ليال من شهر رمضان: أول ليلة منه، وليلة سبعة عشر، وليلة تسعة عشر، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، ودخول البيت، والعيدين، وليلة النصف من شعبان، وغسل الزيارات، وغسل الاستخارة، وغسل طلب الحوائج من الله تبارك وتعالى، وغسل يوم غدير خم. الفرض من ذلك غسل الجنابة، والواجب غسل الميت، وغسل الاحرام، والباقي سنة. وقد روي أن الغسل أربعة عشر وجها ثلاث منها غسل واجب مفروض متى ما نسيته ثم ذكرته بعد الوقت اغتسل، وإن لم تجد الماء تيمم، ثم إن وجدت الماء فعليك الاعادة، وإحدى عشر غسلا سنة: غسل العيدين، والجمعة، وغسل الاحرام ويوم عرفة، ودخول مكة، ودخول المدينة، وزيارة البيت، وثلاث ليال من شهر رمضان: ليلة تسعة عشر، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، ومتى ما نسي بعضها أو اضطر أو به علة تمنعه من الغسل، فلا إعادة عليه، وأدنى ما يكفيك ويجزيك من الماء ما تبل به جسدك مثل الدهن، وقد اغتسل رسول الله صلى الله عليه وآله وبعض نسائه بصاع من ماء. وروي أنه يستحب غسل ليلة إحدى وعشرين، لانها الليلة التي رفع

 

(1) فقه الرضا ص 20. (2) فقه الرضا ص 3.

 

[14]

فيها عيسى بن مريم صلوات الله عليه، ودفن أمير المؤمنين علي عليه السلام وهي عندهم ليلة القدر، وليلة ثلاث وعشرين هي الليلة التي يرجى فيها. وكان أبو عبد الله عليه السلام يقول: إذا صام الرجل ثلاثة وعشرين من شهر رمضان جاز له أن يذهب ويجئ في أسفاره، وليلة تسعة عشر من شهر رمضان هي التي ضرب فيها جدنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه، ويستحب فيها الغسل (1). وقال: إذا طلع الفجر من يوم العيد فاغتسل وهو أول أوقات الغسل، ثم إلى وقت الزوال (2). بيان: قال الشهيد في الذكرى: الظاهر أن غسل العيدين ممتد بامتداد اليوم، عملا باطلاق اللفظ ويتخرج من تعليل الجمعة أنه إلى الصلاة أو إلى الزوال الذي هو وقت صلاة العيد وهو ظاهر الاصحاب. 17 - كتاب سلام بن أبي عمرة: عن معروف بن خربوذ المكي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: دخلت عليه فأنشأت الحديث، فذكرت باب القدر، فقال: لا أراك إلا هناك، اخرج عني، قال: قلت: جعلت فداك إني أتوب منه، فقال: لا والله حتى تخرج إلى بيتك وتغتسل وتتوب منه إلى الله، كما يتوب النصراني من نصرانيته، قال: ففعلت. 18 - قرب الاسناد: عن محمد بن الوليد، عن عبد الله بن بكير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغسل في رمضان، وأي الليالي أغتسل ؟ قال: تسع عشرة، و إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين (3). 19 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني

 

(1) فقه الرضا ص 4. (2) فقه الرضا ص 12. (3) قرب الاسناد ص 102 ط نجف ص 78 ط حجر، وبعده: قال: فقلت لابي عبد الله عليه السلام: فان نام بعد الغسل ؟ قال: فقال: أليس هو مثل غسل يوم الجمعة ؟ إذا اغتسلت بعد الفجر كفاك.

 

[15]

عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من غسل منكم ميتا فليغتسل بعدما يلبسه أكفانه (1). بيان: يدل على خلاف ما هو المشهور من استحباب تقديم الغسل على التكفين وهو أنسب بتعجيل التجهيز. 20 - تحف العقول: عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الاربعمائة قال: غسل الاعياد طهور لمن أراد طلب الحوائج، واتباع للسنة (2). وقال: من مس جسد ميت بعدما يبرد لزمه الغسل، ومن غسل مؤمنا فليغتسل بعد ما يلبسه أكفانه ولا يمسه بعد ذلك فيجب عليه الغسل (3). بيان: لعل الغسل الاخير محمول على الاستحباب. 21 - الاحتجاج (4) وغيبة الشيخ: فيما كتب محمد بن عبد الله الحميري إلى القائم حيث كتب: روي لنا عن العالم أنه سئل عن إمام صلى بقوم بعض صلاتهم، وحدثت عليه حادثة، كيف يعمل من خلفه ؟ فقال: يؤخر ويتقدم بعضهم، ويتم صلاتهم ويغتسل من مسه. التوقيع: ليس على من مسه إلا غسل اليد، وإذا لم تحدث حادثة تقطع الصلاة تمم صلاته مع القوم. وعنه قال: كتبت: وروي عن العالم عليه السلام أن من مس ميتا بحرارته غسل يده، ومن مسه وقد برد فعليه الغسل، وهذه الميت في هذه الحالة لا يكون إلا بحرارته، فالعمل في ذلك على ما هو ؟ ولعله ينحيه بثيابه ولا يمسه، فكيف يجب عليه الغسل ؟

 

(1) الخصال ج 2 ص 159. (2) تحف العقول ص 95 ط الاسلامية. (3) المصدر ص 102. (4) الاحتجاج ص 269.

 

[16]

التوقيع: إذا مسه في هذه الحالة لم يكن عليه إلا غسل يده (1). بيان: ظاهره وجوب غسل اليد بمس الميت يابسا، كما ذهب إليه العلامة وقوله " إذا لم تحدث حادثة " أي على الامام أو على من أخر الميت، وعلى الاخير قوله " تمم صلاته " أي بعد غسل اليد، أو قبله بأن يكون غسل اليد على الاستحباب. 22 - اكمال الدين: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة والحسن بن علي بن فضال معا عن يونس ابن يعقوب، عن سعيد الاعرج، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما مات إسماعيل أمرت به [وهو مسجى أن يكشف عن وجهه، فقبلت جبهته وذقنه ونحره، ثم أمرت به] (2) فغطي ثم قلت: اكشفوا عنه، فقبلت أيضا جبهته وذقنه ونحره ثم أمرتهم فغطوه، ثم أمرت به فغسل ثم دخلت عليه وقد كفن فقلت: اكشفوا عن وجهه، فقبلت جبهته وذقنه ونحره وعوذته ثم قلت: أدرجوه فقيل: بأي شئ عوذته فقال بالقرآن (3). بيان: حمل الشيخ - رحمه الله - التقبيل على ما قبل البرد، ولا حاجة إليه لان جواز التقبيل لا ينافي وجوب الغسل بوجه، وعدم الذكر لا يدل على العدم وقد أشار إليه الصدوق رحمه الله أيضا. 23 - المصباح: للشيخ عن زرارة عن أحدهما عليه السلام قال: سألته عن الليالي التي يستحب فيها الغسل في شهر رمضان، فقال: ليلة تسع عشر، وليلة إحدى وعشرين، وليلة ثلاث وعشرين، وقال: في ليلة تسع عشرة يكتب وفد الحاج وفيها يفرق كل أمر حكيم، وليلة إحدى وعشرين فيها رفع عيسى، وفيها قبض وصي موسى عليه السلام وفيها قبض أمير المؤمنين عليه السلام، وليلة ثلاث وعشرين هي

 

(1) كتاب الغيبة ص 245. (2) ما بين العلامتين ساقط من الكمباني. (3) اكمال الدين واتمام النعمة ج 1 ص 160.

 

[17]

ليلة الجهني. وحديثه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله: إن منزلي ناء عن المدينة، فمرني بليلة أدخل فيها، فأمره بليلة ثلاث وعشرين. 24 - الاقبال: من كتاب المختصر المنتخب في عمل يوم عاشورا قال: ثم تتأهب للزيارة فتبدأ وتغتسل الخبر (1) وذكر ليوم المولد غسلا لزيارة النبي صلى الله عليه وآله عن الصادق عليه السلام (2) لكن الرواية غير مختصة بذلك اليوم. وكذا روى عن محمد بن مسلم الغسل لزيارة أمير المؤمنين وليس في الرواية التخصيص بذلك اليوم (3) ويفهم من كلامه رضوان الله عليه الاختصاص. وقال: وجدنا في كتب العبادات عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من أدرك شهر رجب فاغتسل في أوله وأوسطه وآخره خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه (4) وذكر زيارة الحسين عليه السلام في اليوم الاول واليوم الخامس عشر ويستحب الغسل للزيارة، وعمل ام داود في الوسط مشتمل على الغسل لمن عمل به (5). وقال عند ذكر أعمال اليوم السابع والعشرين من رجب: اعلم أن الغسل في هذا اليوم الشريف من شريف التكليف، ولم يذكر رواية وذكر الزيارة لامير - المؤمنين عليه السلام من غير رواية، وذكر الغسل في ليلة النصف من شعبان لزيارة الحسين عليه السلام من غير اختصاص للرواية بها. ومنه قال: روى ابن أبي قرة في كتاب عمل شهر رمضان باسناده، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يستحب الغسل في أول ليلة من شهر رمضان، وليلة النصف منه، وقال: وقد ذكره جماعة من أصحابنا الماضين، فلا نطيل بذكر أسماء المصنفين، ووقت اغتسال شهر رمضان قبل دخول العشاء، ويكفي ذلك الغسل

 

(1) الاقبال: 571، وتمام الخبر في ج 101 ص 313 كتاب المزار. (2) الاقبال: 604. (3) الاقبال، 608. (4) الاقبال ص 628. (5) الاقبال ص 660، راجع ص 399 ج 98 من البحار.

 

[18]

لليلة جميعها، وروي أن الغسل في أول الليل، وروي بين العشائين، وروينا ذلك عن الائمة الطاهرين (1). ومنه قال: ورأيت في كتاب أعتقد أنه تأليف أبي محمد جعفر بن أحمد القمي عن الصادق عليه السلام من اغتسل أول ليلة من شهر رمضان في نهر جار ويصب على رأسه ثلاثين كفا من الماء، طهر إلى شهر رمضان من قابل (2). ومن ذلك الكتاب المشار إليه عن الصادق عليه السلام من أحب أن لا يكون به الحكة فليغتسل أول ليلة من شهر رمضان، [فانه من اغتسل أول ليلة من شهر رمضان لا تصيبه حكة و] يكون سالما منها إلى شهر رمضان قابل (3). ومنه نقلا من كتاب الاغسال لاحمد بن محمد بن عياش باسناده إلى أمير - المؤمنين عليه السلام أنه قال: لما كان أول ليلة من شهر رمضان، قام رسول الله صلى الله عليه وآله فحمد الله وأثنى عليه إلى أن قال: حتى إذا كان أول ليلة من العشر قام فحمد الله وأثنى عليه وقال مثل ذلك ثم قام وشمر وشد المئزر، وبرز من بيته واعتكف وأحيا الليل كله، وكان يغتسل كل ليلة منه بين العشائين الحديث (4). ومنه باسناده إلى سعد بن عبد الله، عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير - المؤمنين صلوات الله عليهم أنه قال: من اغتسل أول يوم من السنة في ماء جار وصب على رأسه ثلاثين غرفة كان دواء لسنته (5). بيان: أول السنة يحتمل أول المحرم، وأول شهر رمضان لورود الرواية بأنه أول السنة. 25 - الاقبال: قال في سياق أعمال الليلة الثالثة: وفيها يستحب الغسل على مقتضى الرواية التي تضمنت أن كل ليلة مفردة من جميع الشهر يستحب

 

(1 - 3) الاقبال: 14. (4) الاقبال ص 21. (5) الاقبال ص 86.

 

[19]

فيها الغسل (1). ومنه عن علي بن عبد الواحد النهدي، عن علي بن حاتم قال: حدثنا أحمد بن علي، عن محمد بن أبي الصهبان، عن محمد بن سليمان قال: إن عدة من أصحابنا اجتمعوا على هذا الحديث، منهم يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام وصالح الحذاء، عن إسحاق بن عمار، عن أبي الحسن عليه السلام وسماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال محمد بن سليمان وسألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن هذا الحديث فأخبرني به، قالوا هؤلاء جميعا: سألنا عن الصلاة في شهر رمضان كيف هي ؟ وكيف فعل رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ فقالوا جميعا: إنه لما دخلت أول ليلة من شهر رمضان على رسول الله صلى الله عليه وآله صلى المغرب وساقوا الحديث إلى أن قالوا: فلما كان ليلة تسع عشرة من شهر رمضان اغتسل حين غابت الشمس، وصلى المغرب بغسل، وساقوا إلى أن قالوا: فلما كان ليلة ثلاث وعشرين اغتسل أيضا كما اغتسل في ليلة إحدى وعشرين (2). ومنه قال: وروينا عن الشيخ المفيد في المقنعة في رواية عن أبي عبد الله عليه السلام أنه يستحب الغسل ليلة النصف من شهر رمضان (3). ومنه قال: وروينا باسنادنا إلى محمد بن أبي عمير من كتاب علي بن عبد الواحد النهدي عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يغتسل في شهر رمضان في العشر الاواخر في كل ليلة (4). ومنه قال: وقد روينا باسنادنا إلى الحسين بن سعيد باسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: غسل ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة (5). ومنه قال: وروى علي بن عبد الواحد في كتابه باسناده إلى عيسى بن راشد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الغسل في شهر رمضان فقال: كان أبي يغتسل

 

(1) الاقبال ص 121. (2) الاقبال: 12. (3) الاقبال ص 150. (4 - 5) المصدر ص 195.

 

[20]

في ليلة تسع عشرة، وإحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين (1). قال: ومن الكتاب المذكور باسناده، عن حنان بن سدير، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الغسل في شهر رمضان، قال اغتسل ليلة تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين (2). ومنه: نقلا من كتاب محمد بن علي الطرازي، عن عبد الباقي بن يزداد، عن محمد بن وهبان البصري، عن محمد بن الحسن بن جمهور، عن أبيه، عن جده محمد، عن حماد بن عيسى. عن حماد بن عثمان قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان، قال لي: يا حماد اغتسلت ؟ قلت: نعم، جعلت فداك. الحديث (3). ومنه قال. وعن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يغتسل في ليلة سبعة عشر. ومنه قال: روينا بعدة طرق منها باسنادنا إلى هارون بن موسى التلعكبري باسناده إلى بريد بن معاوية، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رأيته اغتسل في ليلة ثلاث و عشرين من شهر رمضان مرة في أول الليل ومرة في آخره (4). ومنه روينا باسنادنا إلى الحسين بن سعيد، عن كتاب علي بن عبد الواحد النهدي، عن حماد، عن حريز، عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: اغتسل في ليلة أربع وعشرين من شهر رمضان (5). ومنه قال: وروي باسناد متصل إلى الحسن بن راشد قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام إن الناس يقولون إن المغفرة تنزل على من صام من شهر رمضان ليلة القدر، فقال: يا حسن إن القاريجار إنما يعطى أجره عن فراغه، من ذلك

 

(1) الاقبال ص 220. (2) الاقبال ص 226. (3) المصدر: 200. (4) المصدر ص 207. (5) المصدر ص 215.

 

[21]

ليلة العيد، قلت: جعلت فداك فما ينبغي لنا أن نفعل فيها ؟ قال: إذا غربت الشمس فاغتسل الحديث (1). العلل: عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد السيارى، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد مثله (2) بيان: القاريجار معرب كارگر. 26 - الاقبال: روينا باسنادنا إلى الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الغسل يوم الفطر سنة (3). ومنه من كتاب محمد بن أبي قرة باسناده إلى أبي عنبسة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صلاة العيد يوم الفطر أن تغتسل من نهر، فان لم يكن نهر فل ! أنت بنفسك استقاء الماء بتخشع، وليكن غسلك تحت الظلال أو تحت حايط، وتستر بجهدك فإذا هممت بذلك فقل اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وآله ثم سم واغتسل فإذا فرغت من الغسل فقل اللهم اجعله كفارة لذنوبي وطهر ديني اللهم اذهب عني الدنس (4). بيان: ل أمر من ولي يلي ويدل على استحباب تولى مقدمات العبادة بنفسه ولا يلزم أن يكون خلافه داخلا في الاستعانة المكروهة. 27 - المصباح: عن المعلى بن خنيس، عن الصادق عليه السلام في يوم النيروز قال: إذا كان يوم النيروز فاغتسل، والبس أنظف ثيابك الحديث (5). 28 - الاقبال: قال: إذا كنت بمشهد الحسين في يوم عرفة، فاغتسل غسل الزيارة، وقال في عمل يوم عرفة: فاغتسل الغسل المأمور به في عرفة، فانه من

 

(1) الاقبال ص 271. (2) علل الشرايع ج 2 ص 75. (3) الاقبال ص 279. (4) الاقبال ص 279 وفيه: ول أنت. (5) المصباح ص 591.

 

[22]

المهمات إلى قال: وليكن غسلك قبل الظهرين بقليل (1). ومنه: من كتاب محمد بن علي الطرازي قال: رويناه باسنادنا إلى عبد الله بن جعفر الحميري. عن هارون بن مسلم، عن أبي الحسن الليثي، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث طويل ذكر فيه فضل يوم الغدير إلى أن قال: فإذا كان صبيحة ذلك اليوم، وجب الغسل في صدر نهاره الحديث (2). ومنه باسناده إلى أبي الفرج محمد بن علي بن أبي قرة باسناده إلى علي بن محمد القمي رفعه في خبر المباهلة وهي يوم أربع وعشرين من ذي الحجة، وقيل يوم إحدى وعشرين، وقيل يوم سبعة وعشرين، وأصح الروايات يوم أربعة وعشرين والزيارة فيه قال: إذا أردت ذلك فابدأ بصوم ذلك اليوم شكرا لله تعالى، واغتسل والبس أنظف ثيابك (3). 29 - اختيار ابن الباقي: قال أمير المؤمنين عليه السلام: غسل الاعياد طهور لمن أراد طلب الحوائج بين يدي الله عزوجل، واتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وآله. 30 - فلاح السائل: الاغسال المندوبة: غسل التوبة، وغسل الجمعة، و غسل أول ليلة من شهر رمضان، وغسل كل ليلة مفردة منه، وأفضل أغساله غسل ليلة النصف منه، وغسل ليلة سبع عشرة منه، وغسل ليلة تسع عشرة منه، وغسل ليلة إحدى وعشرين منه، وغسل ليلة ثلاث وعشرين منه. وذكر الشيخ ابن أبي قرة - رحمه الله - في كتاب عمل شهر رمضان: و غسل ليلة أربع وعشرين منه، وليلة خمس وعشرين منه، وليلة سبع وعشرين منه وليلة تسع وعشرين منه، وروى في ذلك روايات. وغسل ليلة عيد الفطر، وغسل يوم عيد الفطر، وغسل يوم عرفة وهو تاسع ذي الحجة، وغسل عيد الاضحى عاشر ذي الحجة، وغسل يوم الغدير ثامن عشر ذي الحجة، وغسل يوم المباهلة، وهو الرابع والعشرون من ذي الحجة، و

 

(1) الاقبال: 337. (2) الاقبال ص 474. (3) الاقبال: 515.

 

[23]

غسل يوم مولد النبي صلى الله عليه وآله وهو يوم سابع عشر ربيع الاول، وغسل صلاة الكسوف إذا كان قد احترق كله وتركها متعمدا، فيغتسل ويقضيها، وغسل صلاة الحاجة، وغسل صلاة الاستخارة، وغسل الاحرام، وغسل دخول مسجد الحرام، ودخول الكعبة، ودخول المدينة، ودخول مسجد النبي صلى الله عليه وآله، وعند زيارته عليه أكمل الصلواة، وعند زيارة الائمة من عترته أين كانت قبورهم، عليهم أفضل التحيات. وغسل أخذ التربة من ضريح الحسين عليه السلام في بعض الروايات (1). وروى ابن بابويه في الجزء الاول من كتاب مدينة العلم عن الصادق عليه السلام حديثا في الاغسال، وذكر فيها غسل الاستخارة، وغسل صلاة الاستخارة، وغسل صلاة الاستسقاء، وغسل الزيارة، ورأيت في الاحاديث من غير كتاب مدينة العلم أن مولانا عليا عليه السلام كان يغتسل في الليالي الباردة طلبا للنشاط في صلاة الليل (2). 31 - الهداية للصدوق: قال الصادق عليه السلام: غسل الجنابة والحيض واحد. وروي أن من قصد مصلوبا فنظر إليه وجب عليه الغسل عقوبة (3). بيان: قال أكثر الاصحاب باستحباب هذا الغسل، واستندوا إلى هذه الرواية، ورواها في الفقيه (4) أيضا هكذا مرسلا، وذهب أبو الصلاح إلى الوجوب وإثبات الوجوب بمثلها مشكل، والاصحاب قيدوه بكونه بعد ثلاثة أيام، وقال الاكثر: الحكم شامل لما كان بحق أم لا، أو بالكيفية الشرعية أم لا، لاطلاق النص، وهو كذلك، لكن لابد من تقييده بما يسمى صلبا

 

(1) فلاح السائل ص 61 و 62. (2) لم نجده في المصدر المطبوع، ولعله في القسم المخطوط الذي لم يطبع بعد وقد أخرجه العلامة النوري في المستدرك ج 1 ص 151، أيضا. (3) الهداية ص 19 ط قم. (4) الفقيه ج 1 ص 45.

 

[24]

في العرف. أقول: سيأتي أغسال الاستخارة، وصلاة الحاجة وغيرها في مواضعها، وحصر بعض الاصحاب الاغسال المندوبة فذكر فيها غسل العيدين، والمبعث، والغدير، والنيروز، والدحو، والجمعة، والمباهلة، والتوبة، والحاجة، والاستخارة، والتروية، وعرفة، والطواف، والحلق، والذبح، ورمي الجمار، وإحرامي الحج والعمرة، ودخول الكعبة، ومكة، والمدينة، وحرميهما، ومسجديهما والاستسقاء، والمولود، ومن غسل ميتا أو كفنه أو مسه بعد تغسيله، وليلتي نصف رجب وشعبان، والكسوف مع الشرط، وقتل الوزغة، والسعي إلى رؤية المصلوب بعد ثلاث، وعند الشك في الحدث الاكبر مع تيقن الطهارة، والحدث بعد غسل العضو، وغسل الجنابة لمن مات جنبا، وفرادى من شهر رمضان: الخمس عشرة (1) وثاني الغسلتين ليلة ثلاث وعشرين منه، وزيارة البيت، وأحد المعصومين عليهم السلام وإثبات بعضها لا يخلو من إشكال.

 

(1) يعنى ليالى الافراد تكون خمس عشرة.

 

[25]

2 - ((باب)) * " (جوامع أحكام الاغسال الواجبة) " * * " (والمندوبة وآدابها) " * 1 - قرب الاسناد وكتاب المسائل: باسنادهما، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته هل يجزيه أن يغتسل قبل طلوع الفجر ؟ [و] هل يجزيه ذلك من غسل العيدين ؟ قال: إن اغتسل يوم الفطر والاضحى قبل طلوع الفجر لم يجزه وإن اغتسل بعد طلوع الفجر أجزأه (1). بيان: في بعض النسخ هل يجزيه فالظاهر أنه تأكيد لقوله: " هل يجزيه " سابقا: وفي بعضها وهل يجزيه مع الواو، فالظاهر كون السؤال الاول عن إيقاع غسل الجنابة قبل الفجر، والثاني عن إجزائه عن غسل العيدين، فيدل على تداخل الاغسال المسنونة والواجبة. 2 - قرب الاسناد: عن محمد بن الوليد، عن عبد الله بن بكير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الغسل في رمضان وأي الليل أغتسل ؟ قال: تسع عشرة، و إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين، وفي ليلة تسع عشرة يكتب وفد الحاج، و فيها ضرب أمير المؤمنين، وقضى عليه السلام ليلة إحدى وعشرين، والغسل أول الليل (2). وبهذا الاسناد قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: فان نام بعد الغسل ؟ قال: فقال: أليس هو مثل غسل يوم الجمعة، إذا اغتسلت بعد الفجر كفاك (3). 3 - العيون (4) والعلل: عن الحسين بن أحمد بن إدريس - رحمه الله -

 

(1) قرب الاسناد ص 111 ط نجف وص 87 ط حجر. (2 - 3) قرب الاسناد ص 82 ط حجر وص 102 ط نجف. (4) عيون الاخبار ج 2 ص 82.

 

[26]

عن أبيه، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن الضر قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن القوم يكونون في السفر فيموت منهم ميت، ومعهم جنب، ومعهم ماء قليل قدر ما يكفي أحدهم (1) أيهم يبدأ به، قال: يغتسل الجنب ويترك الميت، لانه هذا فريضة وهذا سنة (2). بيان: اعلم أن الاصحاب فرضوا المسألة فيما إذا اجتمع ميت ومحدث و جنب، ومعهم من الماء ما يكفي أحدهم كما ورد في رواية رواها الصدوق في الفقيه (3) بسند صحيح، عن ابن أبي نجران أنه سأل أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام عن ثلاثة نفر كانوا في سفر أحدهم جنب، والثاني ميت، والثالث على غير وضوء، وحضرت الصلاة ومعهم من الماء قدر ما يكفي أحدهم، من يأخذ الماء ؟ وكيف يصنعون ؟ فقال: يغتسل الجنب، ويدفن الميت بتيمم، ويتيمم الذي هو على غير وضوء، لان الغسل من الجنابة فريضة، وغسل الميت سنة، و التيمم للآخر جايز. وذكروا أنه إن كان الماء ملكا لاحدهم اختص به ولم يكن له بذله لغيره ولو كان مباحا وجب على كل من المحدث والجنب المبادرة إلى حيازته، فان سبق إليه أحدهما وحازه اختص به، ولو توافيا دفعة اشتركا، ولو تغلب أحدهما أثم وملك، وإن كان ملكا لهم جميعا أو لمالك يسمح ببذله، فلا ريب أن لملاكه الخيرة في تخصيص من شاؤا به، وإنما الكلام في من الاولى ؟ فقال الشيخ في النهاية أنه الجنب، واختاره الاكثر، وقيل الميت، و قال الشيخ: في الخلاف: إن كان لاحدهم فهو أحق به، وإن لم يكن لواحد بعينه تخيروا في التخصيص.

 

(1) في العيون قدر ما يكتفي أحدهما به: أيهما يبدء به ؟ وهو أظهر، وفي العلل ما يكفى أحدهم أيهم ؟ فلعل الجمع على المجاز، أو لان المراد أن بعضهم محدث ولم يذكر في السؤال ولا في الجواب لظهوره وظهور حكمه، منه عفى عنه، كذا بخطه قدس سره في الهامش. (2) علل الشرايع ج 1 ص 288. (3) الفقيه ج 1 ص 59،

 

[27]

والروايتان معتبرتان مؤيدتان بالشهرة، ومعللتان، فلا معدل عنهما، ووردت رواية مرسلة بتقديم الميت، فيمكن حملها على ما إذا كان الماء ملكا للميت ويمكن القول بأن الجنب مع كونه أولى يجوز له إيثار الميت، بل يستحب له ذلك، كما يظهر من الشيخ في الخلاف، وقد عرفت أن المراد بالفرض ما ظهر وجوبه من القرآن وبالسنة غيره. 4 - الخصال: في حديث الاعمش عن الصادق عليه السلام: قال غسل الجنابة و الحيض واحد (1). المقنع: (2) والامالي (3) والهداية مرسلا مثله (4). 5 - تحف العقول: من أمير المؤمنين عليه السلام قال: غسل الاعياد طهور لمن أراد طلب الحوايج بين يدي الله عزوجل، واتباع للسنة (5). 6 - فقه الرضا عليه السلام: الوضوء في كل غسل، ما خلا غسل الجنابة، لان غسل الجنابة فريضة تجزيه عن الفرض الثاني، ولا تجزيه ساير الاغسال عن الوضوء، لان الغسل سنة، والوضوء فريضة، ولا تجزي سنة عن فرض، وغسل الجنابة والوضوء فريضتان، فإذا اجتمعا فأكبرهما يجزي عن أصغرهما، وإذا اغتسلت لغير جنابة فابدأ بالوضوء ثم اغتسل، ولا يجزيك الغسل عن الوضوء. فان اغتسلت و نسيت الوضوء فتوضأ وأعد الصلاة (6). بيان: نقل الصدوق هذه العبارة بعينها في الفقيه (7) وأكثر ما يذكره هو

 

(1) الخصال ج 2 ص 151. (2) المقنع ص 13 ط الاسلامية. (3) أمالى الصدوق ص 384. (4) الهداية ص 19. (5) تحف العقول ص 95. (6) فقه الرضا ص 3 و 4. (7) الفقيه ج 1 ص 46.

 

[28]

ووالده بلا سند مأخوذ من هذا الكتاب (1). وأجمع علماؤنا على أن غسل الجنابة مجز عن الوضوء، واختلف في غيره من الاغسال فالمشهور أنه لا يكفي بل يجب معه الوضوء للصلاة، سواء كان فرضا أو نفلا، [وقال المرتضى - رحمه الله - لا يجب الوضوء مع الغسل سواء كان فرضا أو نفلا وهو مختار ابن الجنيد وكثير من المتأخرين، وعليه دلت الاخبار الكثيرة. وأكثر القائلين بالوجوب خيروا بين تقديم الوضوء على الغسل وتأخيره عنه مع أفضلية التقديم، ونقل عن الشيخ في الجمل القول بوجوب تقديم الوضوء للحايض والنفساء على الغسل، ونقله المحقق عن الراوندي وتتخير بين نية الرفع والاستباحة فيهما على الحالين، وعن ابن إدريس أنها تنوى نية الاستباحة لا الرفع في الوضوء، والامر في النية هين، والاحوط تقديم الوضوء، ومع التأخير النقض بالحدث الاصغر والوضوء بعده والله يعلم. 7 - السرائر: من كتاب حريز بن عبد الله، عن الفضيل وزرارة عن أبي جعفر عليه السلام قالا: قلنا له: أيجزى إذا اغتسلت بعد الفجر للجمعة ؟ قال: نعم (2). وعن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة والجمعة وعرفة والنحر والحلق والذبح والزيارة، فإذا اجتمعت عليك لله حقوق أجزأك عنها غسل واحد. قال زرارة: قال: وكذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها وإحرامها وجمعتها وغسلها من حيضها وعيدها (3). ومنه: نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن علي بن السندي،

 

(1) بل قد عرفت مرارا أنه كتاب التكليف لابن أبى العزاقر الشلمغانى عمله في حال استقامته رسالة عملية ترجع إليه العوام كسائر ما عمل على طبقه في ذاك العهد من الرسائل، والشباهة فيها وفي سياق ألفاظها لا تدل على أن بعضها اخذ من بعض، كما هو المعهود اليوم بين الرسائل العملية. (2 - 3) السرائر، 477.

 

[29]

عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أحدهما عليه السلام مثله وزاد في آخره وقال زرارة: حرم اجتمعت في حرمة يجزيك عنها غسل واحد (1). وبهذا الاسناد: عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا حاضت المرءة و هي جنب أجزأها غسل واحد (2). ومنه: من الكتاب المذكور، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة قال: سألته عن الرجل يجامع المرأة فتحيض قبل أن تغتسل من الجنابة، قال: غسل الجنابة عليها واجب (3). بيان: يستفاد من تلك الاخبار تداخل الاغسال مطلقا كما هو مختار كثير من المحقيين، ونفاه جماعة مطلقا، وقال بعضهم بالتفصيل. وجملة القول فيه أنه إذا اجتمع على المكلف غسلان فصاعدا، فاما أن يكون الكل واجبا أو يكون الكل مستحبا، أو بعضها واجبا وبعضها مستحبا: فان كان الكل واجبا، فان قصد الجميع في النية فالظاهر إجزاؤه عن الجميع، وإن لم يقصد تعيينا أصلا فالظاهر أيضا إجزاؤه عن الجميع إن تحقق ما يعتبر في صحة النية من القربة وغيرها، إن قلنا باعتبار أمر زائد على القربة، وإن قصد حدثا معينا فان كان الجنابة فالمشهور بين الاصحاب إجزاؤه عن غيره، بل قيل: إنه متفق عليه، وإن كان غيرها ففيه قولان والاقوى أنه كالاول وظاهر القول بعدم التداخل عدم الاجزاء مطلقا ولو كان كلها مستحبا فالظاهر التداخل أيضا، سواء قصد الاسباب بأسرها أم لا. وقال العلامة - رحمه الله - لو نوى بالواحد الجميع فالوجه الاجزاء، والاحوط ذلك. ولو كان بعضها واجبا وبعضها مستحبا، فان نوى الجميع فالظاهر الاجزاء وإن نوى الواجب كالجنابة فالظاهر أيضا الاجزاء كما اختاره الشيخ في الخلاف

 

(1 - 3) السرائر ص 477.

 

[30]

والمبسوط، وإن منعه العلامة، واستشكله المحقق، ولو نوى المندوب كالجمعة دون الواجب كالجنابة فلا يبعد أيضا الاجزاء كما يدل عليه بعض الاخبار، و الاحوط قصد الجميع. تقريب قال الكراجكي - رحمه الله - في كنز الفوائد: ذكر شيخنا المفيد في كتاب الاشراف: رجل اجتمع عليه عشرون غسلا فرض، وسنة، ومستحب أجزأه عن جميعها غسل واحد، هذا رجل احتلم وأجنب نفسه بانزال الماء، وجامع في الفرج وغسل ميتا، ومس آخر بعد برده بالموت قبل تغسيله، ودخل المدينة لزيارة رسول الله صلى الله عليه وآله وأراد زيارة الائمة عليهم السلام هناك، وأدرك فجر يوم العيد. وكان يوم جمعة وأراد قضاء غسل يوم عرفة، وعزم على صلاة الحاجة، وأراد أن يقضي صلاة الكسوف وكان عليه في يومه بعينه صلاة ركعتين بغسل، وأراد التوبة من كبيرة على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله، وأراد صلاة الاستخارة، وحضرت صلاة الاستسقاء، ونظر إلى مصلوب، وقتل وزغة، وقصد إلى المباهلة، وأهرق عليه ماء غالب النجاسة انتهى. أقول: في عد الاخير في الاغسال تمحل، ويظهر منه استحباب قضاء غسل عرفة، ولم نقف له على مستند. 8 - تفسير علي بن ابراهيم: عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود، عن المنقري، عن حماد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: في وصف لقمان عليه السلام لم يره أحد من الناس على بول ولا غايط ولا اغتسال لشدة تستره، وعموق نظره وتحفظه في أمره (1). 9 - العيون (2) والعلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني، عن درست، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن عليه السلام قال:

 

(1) تفسير علي بن ابراهيم ص 506. (2) عيون الاخبار ج 2 ص 82.

 

[31]

دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على عايشة وقد وضعت قمقمتها في الشمس، فقال: يا حميراء ما هذا ؟ قالت أغسل رأسي وجسدي، قال: لا تعودي، فانه يورث البرص (1) المقنع: مرسلا مثله (2). بيان: قال الصدوق - رحمه الله - في العيون أبو الحسن صاحب هذا الحديث يجوز أن يكون الرضا عليه السلام ويجوز أن يكون موسى عليه السلام لان إبراهيم بن عبد الحميد قد لقيهما جميعا، وهذا الحديث من المراسيل انتهى. ثم اعلم أنه يحتمل أن يكون مرادها من غسل الرأس والجسد، الغسل الشرعي أو معناه الظاهر، وعلى التقديرين يفهم منه كراهة الغسل بالماء المسخن بالشمس على بعض الوجوه، وقوله صلى الله عليه وآله: " لا تعودي " إما من العود أو بمعنى التعود بمعنى العادة، والاول أظهر، وأما قول الصدوق - رحمه الله -: إن الخبر من المراسيل (3)، فلا أعرف له معنى إلا أن يريد أن الامام عليه السلام أرسله، وهو من مثله بعيد، وقد مضى في أبواب الوضوء (4) كراهة الاغتسال بالماء المسخن بالشمس في رواية اخرى. 10 - فلاح السائل: نقلا من كتاب مدينة العلم للصدوق قال: روي أن غسل يومك يجزيك لليلتك، وغسل ليلتك يجزيك ليومك.

 

(1) علل الشرايع ج 1 ص 266. (2) المقنع ص 8 ط الاسلامية. (3) ابراهيم بن عبد الحميد الكوفي، عنونه البرقى في رجاله فيمن أدرك الرضا عليه السلام من أصحاب الصادق، فقال أدركه ولم يسمع منه فيما أعلم، وهكذا ذكره الشيخ في رجاله وقال: " أدرك الرضا عليه السلام ولم يسمع منه على قول سعد بن عبد الله " والظاهر أن صاحب الحديث هو الكاظم عليه السلام، وانما يحتمل ارساله إذا كان المراد به الرضا عليه السلام خصوصا والصدوق يروى الحديث من طريق سعد بن عبد الله الذي نقل عنه أن ابراهيم هذا لم يسمع عن الرضا (ع). (4) راجع ج 80 ص 335.

 

[32]

بيان: الاجزاء في الفضل في الجملة لا ينافي استحباب إعادة بعض الاغسال بعد النوم، أو ساير الاحداث، أو لبس ما لا يجوز لبسه في الاحرام أو انقضاء اليوم أو الليل كما يومي إليه بعض الاخبار. 11 - الهداية: كل غسل فيه وضوء إلا غسل الجنابة لان كل غسل سنة إلا غسل الجنابة فانه فريضة وغسل الحيض فريضة مثل غسل الجنابة (1) فإذا اجتمع فرضان فأكبرهما يجزي عن أصغرهما ؟ ومن اغتسل لغير جنابة فليبدأ بالوضوء، ثم يغتسل، ولا يجزيه الغسل عن الوضوء، لان الغسل سنة والوضوء فريضة، ولا يجزي سنة عن فرض (2). بيان: يحتمل أن يكون المراد باجزاء الاكبر عن الاصغر، أنه تعالى ذكرهما في القرآن في موضع واحد متقابلين فالظاهر كون الوضوء في غير موضع الغسل، والاظهر أنه من الخطابيات لالزام المخالفين، أو بيان لما علموا من العلل الواقعية.

 

(1) راجع شرح ذلك ذيل ص 9 و 10 فيما سبق. (2) الهداية ص 19.

 

[33]

3 - " (باب) " * " (وجوب غسل الجنابة وعلله وكيفيته) " * * " (وأحكام الجنب) " * الايات: النساء: " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا (1). المائدة: " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا " (2). تفسير: في النهي عن الشئ بالنهي عن القرب منه مبالغة في الاحتراز عنه، كما قال سبحانه " ولا تقربوا مال اليتيم " (3) " ولا تقربوا الزنا " (4) واختلف المفسرون في تأويل الآية على وجوه: الاول أن المراد بالصلاة مواضعها، أعني المساجد كما روي عن أئمتنا عليهم السلام (5) فهو إما من قبيل تسمية المحل باسم الحال، فانه مجاز شايع في

 

(1) النساء: 43. (2) المائدة: 6. (3) الانعام: 152. (4) أسرى: 32. (5) المروى عن أئمتنا عليهم السلام الاستناد إلى قوله تعالى، " ولا جنبا الا عابرى سبيل حتى تغتسلوا " كما ستعرف عن الروايات، وليس فيها أن الصلاة هنا أطلق وأريد بها مواضعها اطلاقا للحال على المحل. وأما وجه استدلالهم عليهم السلام فهو مبنى على قراءة كتاب الله بكل وجه احتمله،

 

[34]

كلام البلغاء أو على حذف مضاف، أي مواضع الصلاة، والمعنى والله أعلم: لا تقربوا المساجد في حالتين إحداهما حالة السكر، فان الاغلب أن الذي يأتي المسجد إنما يأتيه للصلاة، وهي مشتملة على أذكار وأقوال يمنع السكر من الاتيان بها على وجهها، والحالة الثانية حالة الجنابة، واستثني من هذا الحالة ما إذا كنتم عابري سبيل اي مارين في المسجد، ومجتازين فيه، والعبور الاجتياز، و السبيل الطريق. الثاني ما نقله بعض المفسرين عن ابن عباس وسعيد بن جبير، وربما رواه بعضهم عن أمير المؤمنين عليه السلام وهو أن المراد والله أعلم: لا تصلوا في حالين: حال السكر وحالة الجنابة، واستثني من حال الجنابة ما إذا كنتم عابري سبيل أي مسافرين غير واجدين للماء، كما هو الغالب من حال المسافرين، فيجوز لكم حينئذ الصلاة بالتيمم الذي لا يرتفع به الحدث، وإنما يباح به الدخول في الصلاة.

 

لما صح عنه عليه الصلاة والسلام " نزل القرآن على سبعة أحرف فاقرؤا ما تيسر منه " و من الحروف المحتملة في الاية قراءة الصلاة بضم الصاد واللام أو بضم الصاد وفتح اللام مفردا أو جمعا ومطلع ذلك قوله تعالى في سورة الحج: 40 " لهدمت صوامع وبيع و صلوة ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا "، فان المقطوع فيها أن المراد بالصلاة مواضع الصلاة حقيقة أو مجازا على الخلاف فيه. ولا يذهب عليك أن هذا الحرف لا يناقض الحرف المشهور عند العامة، بل كل الحروف السبعة كذلك لا ينقض بعضها بعضا، الا أن بعضها مستور وبعضها مشهور، فالاحكام المذكورة للصلاة في هذه الاية ثابتة بكلا الحرفين: الصلاة بمعنى الماهية المجعولة عبادة، والمصلى الذي تقام فيها تلك العبادة وهي المساجد، ولذلك جيئ في الاستثناء بلفظ يوافق كلا المعنيين، ولو قال بدل قوله " الا عابرى سبيل ": " الا مسافرين " لم يوافق الصلاة بمعنى المساجد، كما هو ظاهر. وسيجئ تتمة البحث في باب التيمم عند تعرض المؤلف لذيل الاية الشريفة ان شاء الله تعالى.

 

[35]

قال الشيخ البهائي قدس الله روحه: عمل أصحابنا رضي الله عنهم على التفسير الاول، فانه هو المروي عن أصحاب العصمة، صلوات الله عليهم، وأما رواية التفسير الثاني عن أمير المؤمنين عليه السلام فلم تثبت عندنا وأيضا فهو [غير] ظ سالم من شائبة التكرار فانه سبحانه بين حكم الجنب العادم للماء في آخر الآية (1) حيث قال

 

(1) بل لا تكرار في الحكم ولا شائبته، فان من المسلم أن التيمم لا يرفع الجنابة بل يبيح الصلاة فقط مع بقاء الجنابة، وانما تعرض لذلك في صدر الاية مبادرة إلى دفع ما قد يتوهم أن الجنابة كالحيض قذارة باطنية لا يجوز معها الصلاة بوجه، الا بعد رفعها، ولا يرتفع الا بالغسل، كما توهمه عمر بن الخطاب على ما روى في الصحيحين أن رجلا أتى عمر فقال: اجنبت فلم أجد الماء، فقال: لا تصل، فقال عمار: أما تذكر يا أمير المؤمنين إذ أنا وأنت في سرية فأجنبنا فلم نجد الماء فأما أنت فلم تصل وأما أنا فتمعكت في التراب فصليت، فقال النبي صلى الله عليه وآله: انما كان يكفيك ان تضرب بيديك ثم تنفخ فيهما ثم تمسح بهما وجهك وكفيك ؟ فقال عمر: اتق الله يا عمار، فقال ان شئت لم أحدث به. فصدر الاية يفيد أن الجنب لا يقرب الصلاة حتى يغتسل ويطهر نفسه عن الجنابة، لكنه إذا كان عابر سبيل على جناح السفر، يجوز له الصلاة مع الجنابة. وذيل الاية يدرجه في سائر من حكمه التيمم ويكلفه أن يتيمم ثم يصلى، ويبين لهم مجتمعا كيفية التيمم ولذلك أخره. فالحكم لما كان ذا شطرين: جواز الصلاة مع الجنابة، ولزوم التيمم عند قيامه إلى الصلاة، عنونه مرة بعنوان الجنب في صدر الكلام وحكم عليه بالحكم الاول، ثم عنونه في ذيل الكلام بعنوان ملامس النساء، وحكم عليه بالحكم الثاني، فلا تكرار في الحكم. الا أن تكرار العنوان وتجديده بلفظ آخر، يفيد بظاهره تعدد الموضوع والفرق بين الجنابة واللمس، وهو اشكال عام يرد على الاية الشريفة بكل الوجوه، حيث لم يقل به أحد من الفقهاء الا الشافعي فانه قال: المراد باللمس مطلق مس النساء ومالك فانه قال فانه المس بشهوة وجعلاه ناقضا للوضوء كالمجئ من الغائط. وعندي - كما هو الظاهر من الاية الشريفة والاية التي وقعت في سورة المائدة: 6

 

[36]

جل شأنه: " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " فان قوله سبحانه " أو لامستم النساء " كناية عن الجماع، كما روي عن أئمتنا سلام الله عليهم، وليس المراد به مطلق اللمس كما يقوله الشافعي، ولا الذي بشهوة كما يقوله مالك. الثالث ما ذكره بعض فضلاء فن العربية من أصحابنا الامامية رضي الله عنهم في كتاب ألفه في الصناعات البديعية وهو أن تكون الصلاة في قوله: " لا تقربوا الصلاة " على معناه الحقيقي، ويراد بها عند قوله تعالى: " ولا جنبا إلا عابري سبيل " مواضعها أعني المساجد، وهذا النوع من الاستخدام غير مشهور بين المتأخرين من علماء المعاني، وإنما المشهور منه نوعان الاول أن يراد بلفظ له معنيان أحدهما، ثم يراد بالضمير الراجع إليه معناه الآخر، والثاني أن يراد بأحد الضميرين الراجعين إلى لفظ أحد معنييه، وبالاخر المعنى الآخر. قال الشيخ البهائي - رحمه الله -: عدم اشتهار هذا النوع بين المتأخرين غير ضار، فان صاحب هذا الكلام من أعلام علماء المعاني، ولا مشاحة في الاصطلاح (1). ثم إن المفسرين اختلفوا في السكر الذي اشتمل عليه الآية، فقال بعضهم:

 

الفرق بين الجنابة والملامسة لغة وعرفا، وأن المراد بالملامسة التقاء الختانين من دون جنابة بانزال المنى، وسنتعرض لبيان ذلك في باب التيمم عند تعرص المؤلف قدس سره للاشكال وجوابه، انشاء الله. (1) لكنه قد ذهب على هذا القائل أن في الاستخدام نوع الغاز وتعمية لا يعرفه الا الخواص من البيانيين، وهو ينافى توجه الخطاب إلى عموم المؤمنين في حكم تكليفي عملي، فكيف بهذا النوع من الاستخدام الذى لم يذكر فيه اللفظ ثانيا ولا ضميره، فهو الغاز في الغاز وتعمية في تعمية. على أن صدر الاية تتضمن حكم الصلاة نفسها وهو قوله تعالى " لا تقربوا الصلاة و أنتم سكارى " وهكذا ذيل الاية " وان كنتم مرضى أو على سفر " الخ كما في آية المائدة: 6

 

[37]

المراد سكر النعاس، فان الناعس لا يعلم ما يقول: وقد سمع من العرب سكر السنة، والظاهر أنه مجاز، وقال الاكثرون أن المراد به سكر الخمر، كما نقل أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا لجماعة من الصحابة قبل نزول تحريم الخمر، فأكلوا وشربوا، فلما ثملوا دخل وقت المغرب، فقدموا أحدهم ليصلي بهم فقرأ " أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد " فنزلت الآية، فكانوا لا يشربون الخمر في أوقات الصلاة، فإذا صلوا العشاء شربوا فلا يصبحون إلا وقد ذهب عنهم السكر. والواو في قوله تعالى: " وأنتم سكارى " واو الحال، والجملة حالية من فاعل تقربوا، والمراد نهيهم عن أن يكونوا في وقت الاشتغال بالصلاة سكارى، بأن لا يشربوا في وقت يؤدي إلى تلبسهم بالصلاة حال سكرهم، وليس الخطاب متوجها إليهم حال سكرهم إذ السكران غير متأهل لهذا الخطاب، و " حتى " في قوله سبحانه: " حتى تعلموا " يحتمل أن يكون تعليلية كما في أسلمت حتى أدخل الجنة، وأن تكون بمعنى " إلى أن " كما في أسير حتى تغيب الشمس، وأما التي في قوله جل شأنه " حتى تغتسلوا " فبمعنى " إلى أن " لا غير. وقيل: دلت الآية على بطلان صلاة السكران، لاقتضاء النهي في العبادة الفساد ويمكن أن يستنبط منها منع السكران من دخول المسجد، ولعل في قوله جل شأنه " تعلموا ما تقولون " نوع إشعار بأنه ينبغي للمصلي أن يعلم ما يقوله في الصلاة ويتدبر في معاني ما يقرؤه ويأتي به من الادعية والاذكار. والجنب يستوي فيه المفرد والجمع والمذكر والمؤنث، وهو لغة بمعنى البعيد، وشرعا البعيد عن أحكام الطاهرين لغيبوبة الحشفة في الفرج، أو لخروج المنى يقظة أو نوما، ونصبه على العطف على الجملة الحالية، والاستثناء من عامة أحوال المخاطبين، والمعنى على التفسير الاول الذي عليه أصحابنا: لا تدخلوا

 

بعينه فكيف يتضمن ما بينهما حكم مواضع الصلاة، من دون ذكر لها، ولا ضرورة تلجئ إلى ذلك.

 

[38]

المساجد وأنتم على جنابة في حال من الاحوال، إلا حال اجتيازكم فيها من باب إلى باب، وعلى الثاني لا تصلوا وأنتم على جنابة في حال من الاحوال إلا حال كونكم مسافرين. وما تضمنته الآية على التفسير الاول من إطلاق جواز اجتياز الجنب في المساجد مقيد عند علمائنا بما عدا المسجدين كما سيأتي، وعند بعض المخالفين غير مقيد بذلك، وبعضهم كأبي حنيفة لا يجوز اجتيازه في شئ من المساجد أصلا إلا إذا كان الماء في المسجد. وكما دلت الآية على جواز اجتياز الجنب في المسجد، فقد دلت على عدم جواز مكثه فيه، ولا خلاف فيه بين علمائنا، إلا من سلار، فانه جعل مكث الجنب في المسجد مكروها. وقد استنبط فخر المحققين قدس الله روحه من هذه الآية عدم جواز مكث الجنب في المسجد، إذا تيمم تيمما مبيحا للصلاة، لانه سبحانه علق دخول الجنب إلى المسجد على الاتيان بالغسل لا غير، بخلاف صلاته فانه جل شأنه علقها على الغسل مع وجود الماء، وعلى التيمم مع عدمه، وحمل المكث في المسجد على الصلاة قياس ونحن لا نقول به. واجيب بأن هذا قياس الاولوية فان احترام المساجد لكونها مواضع الصلاة، فإذا أباح التيمم الدخول فيها أباح الدخول فيها بطريق أولى، وأيضا قوله عليه السلام: " جعل الله التراب طهورا كما جعل الماء طهورا " يقتضي أن يستباح بالتيمم كل ما يستباح بالغسل من الصلاة وغيرها، لكن للبحث فيهما مجال. قيل: ويمكن أن يستنبط من الآية عدم افتقار غسل الجنابة لدخول المسجد إلى الوضوء، على التفسير الاول، وللصلاة على الثاني، وإلا لكان بعض الغاية غاية. وأما الآية الثانية فالجملة الشرطية في قوله سبحانه " وإن كنتم جنبا فاطهروا " يجوز أن تكون معطوفة على جملة الشرط الواقعة في صدرها وهي قوله


 

[39]

عز وعلا: " إذا قمتم إلى الصلاة " فلا تكون مندرجة تحت القيام إلى الصلاة، بل مستقلة برأسها، والمراد يا أيها الذين آمنوا إن كنتم جنبا فاطهروا، ويجوز أن تكون معطوفة على جزاء الشرط الاول أعني " فاغسلوا وجوهكم " فيندرج تحت الشرط، ويكون تقدير الكلام إذا قمتم إلى الصلاة، فان كنتم محدثين فتوضؤا وإن كنتم جنبا فاطهروا، وعلى الاول يستنبط منها وجوب غسل الجنابة لنفسه بخلاف الثاني. وقد طال التشاجر بين علمائنا قدس الله أرواحهم في هذه المسألة، لتعارض الاخبار من الجانبين، واحتمال الآية الكريمة كلا من العطفين، فالقائلون بوجوبه لنفسه، عولوا على التفسير الاول، وقالوا أيضا كون الواو في الآية للعطف غير متعين، لجواز أن تكون للاستيناف، وعلى تقدير كونها للعطف عليه فانما يلزم الوجوب عند القيام إلى الصلاة، لا عدم الوجوب في غير ذلك الوقت. والقائلون بوجوبه لغيره، عولوا على التفسير الثاني، لان الظاهر اندراج الشرط الثاني تحت الاول، كما أن الثالث مندرج تحته البنة، وإلا لم يتناسق المتعاطفان في الآية الكريمة. وربما يقال: العطف بان دون " إذا " يأبى العطف على جملة إذا قمتم، واجيب بأنه يمكن أن يكون في العطف بان دون إذا إشعار بالمبالغة في أمر الصلاة، والتأكيد فيها، حيث أتى في القيام بها بكلمة إذا الدالة على تيقن الوقوع، يعني أنه أمر متيقن الوقوع البتة، وليس مما يجوز العقل عدمه، وفي الجنابة بكلمة " إن " الموضوعة للشك مع تحقق وقوعها وتيقنها تنبيها على أنها في جنب القيام إلى الصلاة كأنه أمر مشكوك الوقوع. وفائدة الخلاف تظهر في نية الغسل للجنب عند خلو ذمته من مشروط بالطهارة فهل يوقعها إذا أراد إيقاعها بنية الوجوب أو الندب ؟ مع اتفاق الفريقين ظاهرا على شرعية الايقاع، وفي عصيانه بتركه لو ظن الموت قبل التكليف بمشروط بالطهارة.


 

[40]

وقد يناقش في الاول بأنه لا ينافي الوجوب بالغير، كونه واجبا قبل وجوب الغير، إذا علم أو ظن أنه سيصير واجبا، ويمكن الاتيان به وجوبا موسعا يتضيق بتضيق الفرض. وعندي أن لا جدوى في هذا الخلاف كثيرا، إذ الفائدة الثانية قلما يتفق موردها، ومعه يوقعه خروجا من الخلاف. وأما الاولى فلا ريب في أن الائمة وأتباعهم عليهم السلام لم يكونوا يوجبون تأخير الطهارة إلى الوقت، بل كانوا يواظبون عليها مع نقل الاتفاق على شرعية إيقاعها قبل الوقت، وأما النية فلم يثبت وجوب نية الوجه، وعلى تقديره فانما هو فيما كان معلوما، فايقاعها بنية القربة كاف، لاسيما إذا ضم إليها نية الرفع والاستباحة لصلاة ما، فظهر أن تلك المشاجرات الطويلة لا طائل تحتها. ثم الظاهر أن القائلين بالوجوب النفسي قائلون بالوجوب الغيري أيضا بعد دخول وقت مشروط به فلا تغفل. 1 - جنة الامان للكفعمي: يستحب أن يقول في أثناء كل غسل ما ذكره الشهيد في نفليته " اللهم طهر قلبي، واشرح لي صدري، وأجر على لساني مدحتك والثناء عليك، اللهم اجعله لي طهورا وشفاء ونورا، إنك على كل شئ قدير " ويقول بعد الفراغ: " اللهم طهر قلبي، وزك عملي، وتقبل سعيي، واجعل ما عندك خيرا لي، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ". المتهجد: يستحب أن يقول عند الغسل " اللهم طهرني وطهر لي قلبي إلى آخر الدعاء الاول. بيان: روى الكليني (1) بسند فيه إرسال قال: تقول في غسل الجنابة " اللهم طهر قلبي إلى قوله خيرا لي، وروى الشيخ في الموثق عن عمار (2) الساباطي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام إذا اغتسلت من جنابة فقل: " اللهم طهر

 

(1) الكافي ج 3 ص 43. (2) التهذيب ج 1 ص 104 ط حجر.

 

[41]

قلبي وتقبل سعيي، واجعل ما عندك خيرا لي، اللهم اجعلني من التوابين، و اجعلني من المتطهرين ". قوله عليه السلام: " اللهم طهر قلبي " أي من الشبهات المضلة، والعقائد الفاسدة والاخلاق الردية، أي كما طهرت ظاهري فطهر باطني " واشرح لي صدري " أي وسعه لتحمل العلوم والمعارف، وأعباء التكليف، " وزك عملي " أي اجعله زاكيا ناميا بأن تضاعف أعمالي في الدنيا أو ثوابها في الآخرة، أو اجعله طاهرا مما يدنسه من الرئاء والعجب، وسائر ما يفسده أو ينقص ثوابه، أو امدحه بأن تقبله وتثيبني عليه " واجعل ما عندك خيرا لي " أي اجعل حالي في الآخرة خيرا من الدنيا واجعلني بحيث أوثر الآخرة على الدنيا. 2 - العلل: لمحمد بن علي بن إبراهيم: قال: حدود الغسل غسل اليدين وما أصاب اليدين من القذر، وغسل الفرج بعد البول، والمرافق وهو ما يدور عليها الذكر، والمضمضة والاستنشاق، ووضع ثلاث أكف على الرأس ثم على ساير الجسد، فما أصابه الماء فقد طهر (1). 3 - كتاب جعفر بن محمد بن شريح، عن عبد الله بن طلحة النهدي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة: جبار كفار، وجنب نام على غير طهارة، ومتضمخ بخلوق (2). بيان: التضمخ التلطخ بالطيب وغيره، والاكثار منه، ولعله محمول على ما إذا كان مانعا من وصول الماء إلى البشرة. 4 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر قال: سألت أخي عليه السلام عن الرجل يصيب الماء في ساقية مستنقعا فيتخوف أن تكون السباع قد شربت منه، يغتسل منه للجنابة ؟ ويتوضأ منه للصلاة. إذا كان لا يجد غيره، والماء لا يبلغ صاعا للجنابة ولا مدا للوضوء وهو متفرق وكيف يصنع ؟ قال: إذا كانت كفه نظيفة، فليأخذ كفا من الماء بيد واحدة، ولينضحه

 

(1 و 2) غير مطبوع.

 

[42]

خلفه، وكفا أمامه، وكفا عن يمينه، وكفا عن يساره، فان خشي أن لا يكفيه غسل رأسه ثلاث مرات، ثم مسح جلده به، فان ذلك يجزيه إن شاء الله وإن كان للوضوء، غسل وجهه، ومسح يده على ذراعيه ورأسه ورجليه. وإن كان الماء متفرقا يقدر على أن يجمعه جمعه، وإلا اغتسل من هذا وهذا. وإن كان في مكان واحد، وهو قليل لا يكفيه لغسله، فلا عليه أن يغتسل و يرجع الماء فيه، فان ذلك يجزيه إن شاء الله (1). وسألته عن رجل يجنب هل يجزيه من غسل الجنابة أن يقوم في المطر حتى يغسل رأسه وجسده، وهو يقدر على ماء سوى ذلك ؟ قال: إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزأه (2). بيان: الجواب عن السؤال الاول قد مر الكلام فيه (3) مفصلا، وأن المسح محمول على حصول أقل الجريان، وعمل ابن الجنيد بظاهره، وأما الاخير فاعلم أنه قد أجرى الشيخ في المبسوط القعود تحت المطر مجرى الارتماس. في سقوط الترتيب، وإليه ذهب العلامة في جملة من كتبه، وذهب ابن إدريس إلى اختصاص الحكم بالارتماس. واستدل الاولون بالجواب الاخير، وهو يحتمل وجوها أحدها أن يكون المراد بقوله عليه السلام: اغتساله بالماء التشبيه في أصل الغسل بحصول الجريان. الثاني أن يكون التشبيه في حصول الترتيب كأن ينوي أولا غسل رأسه ثم الايمن ثم الايسر. الثالث أن يكون التشبيه في حصول الارتماس، بأن يكون مطرا غزيرا يشمله دفعة عرفية.

 

(1) قرب الاسناد ص 110. (2) قرب الاسناد ص 111. (3) راجع ج 80 ص 137 - 146.

 

[43]

الرابع أن يكون المراد أعم من الوجهين، فالمراد التشبيه بنوعي الغسل أي إذا حصل أحدهما فقد أجزأ. والاولون بنوا استدلالهم على الوجه الاول ولعله أظهر من الخبر، فيدل على أن في الارتماس لا يعتبر الدفعة العرفية التي فهمها القوم، وبناء الوجوه الاخر على أن ظاهر المساواة المطلقة، التساوي في كل ما يمكن التساوي فيه، وهو في محل المنع، وعلى الثاني والرابع يدل على عدم لزوم صب الماء باليد ونحوه، بل يكفى مجرد وصول الماء، فما ورد في كيفية الترتيب المشتملة على الصب محمول على التمثيل، وعلى المتعارف الغالب، ويرد على الثالث أن حصول الدفعة العرفية في المطر بعيد جدا. وقال الشيخ البهائي قدس سره: لفظة " ما " في هذا الخبر يجوز أن يجعل كسرها لفظيا وأن يكون محليا، أي وهو يقدر على ماء غير ماء المطر، أو على غسل سوى ذلك الغسل انتهى. وأقول: في نسخ قرب الاسناد مضبوطة بالهمز، وروي الخبر في كتاب المسائل (1) وفيه تتمة لعلها تؤيد بعض الوجوه، فان فيه هكذا " إن كان يغسله اغتساله بالماء أجزءه ذلك إلا أنه ينبغي له أن يتمضمض ويستنشق، ويمر يده على ما نالت من جسده. 5 - قرب الاسناد: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن البزنطي قال: قال الرضا عليه السلام في غسل الجنابة: تغسل يدك اليمنى من المرفق إلى أصابعك، ثم تدخلها في الاناء، ثم اغسل ما أصاب منك، ثم أفض على رأسك وساير جسدك (2). بيان: يحتمل أن يكون الغسل من المرفق محمولا على الافضلية، والاشهر أنه إلى الزند، وقال الجعفي: يغسلهما إلى المرفقين أو إلى نصفهما. 6 - قرب الاسناد: عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن

 

(1) راجع البحار ج 10 ص 284. (2) قرب الاسناد ص 162 ط حجر ص 216 ط نجف

 

[44]

جعفر، عن أبيه أن عليا عليه السلام كان يغتسل من جنابته ثم يستدفئ بامرأته وإنها لجنب (1). بيان: الاستدفاء طلب الدفء، وهو نقيض حدة البرد. 7 - قرب الاسناد: عن محمد بن عبد الحميد، عن محمد بن الفضيل قال: وقلت له: تلزمني المرأة والجارية من خلفي، وأنا متكئ على جنب حتى تتحرك على ظهري فتأتيها الشهوة وينزل الماء، أفعليها غسل أم لا ؟ قال: نعم إذا جاءت الشهوة وأنزلت الماء وجب عليها الغسل (2). بيان: يفهم منه جواز مثل هذا الاستمناء من المرأة، ويدل على وجوب الغسل عليها بالانزال، ولا خلاف بين المسلمين ظاهرا في أن إنزال المني سبب للجنابة الموجبة للغسل، سواء كان في النوم أو في اليقظة، وسواء كان للرجل أو للمرأة إلا أنه اشترط بعض الجمهور مقارنة الشهوة والدفق. 8 - علل الشرايع: عن أبيه - رحمه الله - عن سعد بن عبد الله، عن أحمد ابن محمد بن عيسى، عن أبي يحيى الواسطي، عمن حدثه قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: الجنب يتمضمض ؟ فقال: لا، إنما يجنب الظاهر، ولا يجنب الباطن والفم من الباطن (3). وروي في حديث آخر: أن الصادق عليه السلام قال: في غسل الجنابة إن شئت أن تتمضمض وتستنشق فافعل، وليس بواجب، لان الغسل على ما ظهر لا على ما بطن (4). بيان: لا خلاف ظاهرا في استحباب المضمضة والاستنشاق، ولا في عدم وجوبهما. 9 - العلل: عن أبيه - رحمه الله - عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد

 

(1) قرب الاسناد ص 85 نجف، 62 ط حجر. (2) قرب الاسناد ص 233 ط نجف ص 175 ط حجر. (3 - 4) علل الشرائض‍ ج 1 ص 272.

 

[45]

عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قالا: قلنا له: الحايض والجنب يدخلان المسجد أم لا ؟ قال: الحايض والجنب لا يدخلان المسجد، إلا مجتازين، إن الله تبارك وتعالى يقول: " ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " ويأخذان من المسجد ولا يضعان فيه شيئا. قال زرارة: قلت له: فما بالهما يأخذان منه، ولا يضعان فيه ؟ قال: لانهما لا يقدران على أخذ ما فيه إلا منه، ويقدران على وضع ما بيدهما في غيره، قلت: فهل يقرءان من القرآن شيئا ؟ قال: نعم ما شاءا، إلا السجدة ويذكران الله على كل حال (1). تفسير علي بن ابراهيم: مرسلا مثله (2). بيان: يدل على عدم جواز لبث الجنب والحايض في المساجد، وهو مذهب الاصحاب عدا سلار، فانه كرهه، ويظهر من الصدوق أنه يجوز أن ينام الجنب في المسجد. وكذا تحريم وضع الجنب والحايض شيئا في المسجدين، لم يخالف فيه ظاهرا غير سلار، فانه حكم بالكراهة، وخص بعض المتأخرين التحريم بالوضع المستلزم للبث وعموم الخبر يدفعه، ولا فرق بين أن يكون الوضع من داخل أو خارج، لعموم الرواية، وقد يخص الحكم بالاول لكونه الفرد الشايع. 10 - العلل: عن أبيه - رحمه الله - عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن المغيرة، عن حريز، عن عبد الله بن أبي يعفور قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: الرجل يرى في المنام أنه يجامع، ويجد الشهوة، فيستيقظ وينظر فلا يرى شيئا ثم يمكث بعد فيخرج، قال: إن كان مريضا فليغتسل، وإن لم يكن مريضا فلا شئ عليه، قال: قلت: فما فرق ما بينهما ؟ قال: لان الرجل إذا كان صحيحا

 

(1) المصدر ج 1 ص 272 - 273. (2) تفسير القمي ص 127. (*)

 

[46]

جاء الماء بدفقة قوية، وإذا كان مريضا لم يجئ إلا بضعف (1). 11 - ومنه: عن أبيه - رحمه الله - عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا كنت مريضا فأصابتك شهوة فانه ربما كان هو الدافق لكنه يجئ مجيئا ضعيفا ليست له قوة، لمكان مرضك ساعة بعد ساعة، قليلا قليلا، فاغتسل منه (2). بيان: أجمع الاصحاب على أنه إذا تيقن أن الخارج مني يجب عليه الغسل سواء كان مع الصفات المذكورة في كلامهم من الدفق وفتور الجسد والشهوة أم لا، وأما إذا اشتبه الخارج فقد ذكر جمع من الاصحاب كالمحقق والعلامة أنه يعتبر في حال الصحة باللذة والدفق وفتور الجسد، وفي المرض باللذة وفتور البدن، ولا عبرة فيه بالدفق، لان قوة المريض ربما عجزت عن دفقه. وزاد جماعة اخرى كالشهيد في الذكرى علامة اخرى، وهو قرب رايحته من رايحة الطلع والعجين إذا كان رطبا، وبياض البيض إذا كان جافا. 12 - العلل: عن أبيه - رحمه الله - عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: كن نساء النبي صلى الله عليه وآله إذا اغتسلن من الجنابة، بقين (3) صفرة الطيب على أجسادهن، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله أمرهن أن يصببن الماء صبا على أجسادهن (4). بيان: حمل على الاثر الذي لا يمنع الوصول، ولا يصير الماء مضافا بالوصول إليه، وقال بعض الاعلام: لا يبعد القول بعدم الاعتداد ببقاء شئ يسير لا يخل عرفا بغسل جميع البدن، لو لم يكن إجماع على خلافه. 13 - العلل: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن

 

(1 - 2) علل الشرايع ج 1 ص 273. (3) يقين خ ل يبقين خ ل. (4) المصدر ج 1 ص 277.

 

[47]

آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله: صلى الله عليه وآله الماء الذي تسخنه الشمس لا تتوضأوا به ولا تغتسلوا ولا تعجنوا به، فانه يورث البرص (1). أربعين الشهيد: باسناده عن الصدوق، عن حمزة بن محمد، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسين بن الحسن الفارسي، عن سليمان بن جعفر، عن السكوني مثله. 14 - العلل: عن محمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن الحسن ابن علي بن فضال، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن بكير، عن عبد الله بن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام في خبر طويل قال: وإياك أن تغتسل من غسالة الحمام، ففيها تجتمع غسالة اليهودي والنصراني والمجوسي، والناصب لنا أهل البيت وهو شرهم، فان الله تبارك وتعالى لم يخلق خلقا أنجس من الكلب، وإن الناصب لنا أهل البيت أنجس منه (2). 15 - مجالس الصدوق (3) والخصال: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن الحسن القرشي، عن سليمان ابن جعفر البصري، عن عبد الله بن الحسين بن زيد، عن أبيه، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالى كره لكم أيتها الامة أربعا وعشرين خصلة، ونهاكم عنها، وساق الحديث إلى قوله: وكره الغسل تحت السماء بغير مئزر، وكره دخول الانهار إلا بمئزر، وقال: في الانهار عمار وسكان من الملائكة وكره أن يغشى الرجل المرأة وقد احتلم حتى يغتسل من احتلامه الذي رأى، فان فعل وخرج الولد مجنونا فلا يلومن إلا نفسه (4). 16 - ومنهما عن حمزة بن محمد العلوي، عن عبد العزيز بن محمد الابهري

 

(1) علل الشرايع ج 1 ص 264. (2) علل الشرايع ج 1 ص 276 في حديث. (3) أمالى الصدوق ص 181. (4) الخصال ج 2 ص 102.

 

[48]

عن محمد بن زكريا الجوهري، عن شعيب بن واقد، عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الاكل على الجنابة، وقال: إنه يورث الفقر وقال: إذا اغتسل أحدكم في فضاء الارض فليحاذر على عورته، ونهى أن يقعد الرجل في المسجد وهو جنب (1). 17 - ومن المجالس: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين عن جعفر بن بشير، عن حجر بن زائدة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من ترك شعرة من الجنابة متعمدا فهو في النار (2). بيان: لعل المراد بالشعرة قدرها أو تحتها. 18 - ومن المجالس: عن محمد بن عمر البغدادي، عن الحسن بن عبد الله بن محمد التيمي، عن أبيه، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يحل لاحد أن يجنب في هذا المسجد إلا أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين، ومن كان من أهلي فانه مني (3). 19 - ومنه (4) ومن العيون: عن علي بن الحسين بن شاذويه وجعفر بن محمد ابن مسرور، عن محمد بن عبد الله الحميري، عن أبيه، عن الريان بن الصلت، عن الرضا عليه السلام في حديث طويل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ألا إن هذا المسجد لا يحل لجنب إلا لمحمد وآله (5). بيان: نقل ابن زهرة الاجماع على عدم جواز دخول الجنب والحائض المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وآله مطلقا، وقال في التذكرة: إليه ذهب علماؤنا، والصدوق والمفيد أطلقا المنع من دخول المسجد إلا مجتازا من غير ذكر الفرق بين

 

(1) أمالى الصدوق ص 253 ولم يخرج الحديث في الخصال. (2) أمالى الصدوق ص 290. (3) المصدر ص 201، وتراه في العيون ج 2 ص 60. (4) أمالى الصدوق ص 314 في حديث طويل. (5) عيون الاخبار ج 1 ص 232.

 

[49]

بين المسجدين وغيرهما، ثم إن هذين الخبرين وغيرهما من الاخبا 4 ر المتواترة دلت على استثناء المعصومين عليهم السلام من هذا الحكم، ولم يتعرض له الاصحاب. 20 - الخصال: عن جعفر بن محمد بن مسرور، عن الحسين بن محمد بن عامر عن عمه عبد الله، عن أبي أحمد محمد بن زياد الازدي، عن أبان بن عثمان، عن أبان ابن تغلب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خمس خصال تورث البرص: النورة يوم الجمعة ويوم الاربعاء، والتوضي والاغتسال بالماء الذي تسخنه الشمس، والاكل على الجنابة، وغشيان المرأة في أيام حيضها، والاكل على الشبع (1). تبيين: المشهور بين الاصحاب كراهة الاكل والشرب للجنب، قبل المضمضة والاستنشاق، وذهب المحقق في المعتبر إلى أنه يكفيه غسل يده والمضمضة، وذهب العلامة في المنتهى والنهاية إلى كراهتهما قبل المضمضة و الاستنشاق أو الوضوء وظاهر الصدوق في الفقيه التحريم حيث قال: إذا أراد أن يأكل أو يشرب قبل الغسل لم يجز له إلا أن يغسل يديه ويتمضمض ويستنشق، ولا يبعد حمله على الكراهة، والذي يظهر من بعض الاخبار استحباب غسل اليد [وأن الوضوء أفضل و من بعضها استحباب غسل اليد] والمضمضة وغسل الوجه، ومن بعضها غسل اليدين مع المضمضة وكراهة الاكل والشرب بدونهما، ومن بعضها كراهة الاكل والشرب قبل الوضوء، والجمع بالتخيير متجه وأما الاستنشاق فلم أره إلا في الفقه الرضوي (2) وكأنه أخذ الصدوق منه وتبعه الاصحاب، ثم اختلفوا في أنه مع الاتيان بتلك الامور ترتفع الكراهة أو تخف ولعل الاول أظهر. 21 - الخصال: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي القرشي، عن محمد بن زياد البصري، عن عبد الله بن عبد الرحمن المدايني، عن أبي حمزة الثمالي، عن ثور بن سعيد بن علاقة، عن أبيه، عن أمير -

 

(1) الخصال ج 1 ص 130 وتراه في روضة الواعظين: 263. (2) سيأتي تحت الرقم 23.

 

[50]

المؤمنين عليه السلام قال: الاكل على الجنابة يورث الفقر (1). 22 - ومنه: عن حمزة بن محمد العلوي، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن السكوني، عن الصادق، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: سبعة لا يقرؤن القرآن: الراكع، والساجد، وفي الكنيف، وفي الحمام، والجنب والنفساء، والحائض (2). الهداية: مرسلا مثله (3). قال الصدوق - ره - هذا على الكراهة لا على النهي، وذلك أن الجنب والحائض مطلق لهما قراءة القرآن إلا العزائم الاربع (4) توضيح: اختلف الاصحاب في جواز قراءة ما عدا العزائم فالمشهور جواز ذلك، حتى نقل المرتضى والشيخ والمحقق الاجماع عليه، والمنقول عن سلار في أحد قوليه تحريم القراءة مطلقا، وعن ابن البراج تحريم ما زاد على سبع آيات ونسبه في المختلف إلى الشيخ في كتابي الحديث، وإن لم تكن عبارته في الاستبصار صريحة في ذلك، ونقل في المنتهى والسرائر عن بعض الاصحاب تحريم ما زاد على سبعين، وقال في المبسوط، الاحوط أن لا يزيد على سبع أو سبعين، والاقرب عدم الكراهة مطلقا لورود الاخبار الصحيحة الصريحة الكثيرة بالجواز، وأخبار المنع أكثرها ضعيفة عامية، والحكم مشهور بين العامة فلا يبعد حملها على التقية. 23 - فقه الرضا: قال عليه السلام: إذا أردت الغسل من الجنابة فاجتهد أن تبول حتى يخرج فضلة المني في إحليلك، وإن جهدت ولم تقدر على البول فلا شئ عليك، وتنظف موضع الاذى منك، وتغسل يديك إلى المفصل ثلاثا قبل أن تدخلهما الاناء، وتسمي بذكر الله قبل إدخال يدك إلى الاناء، وتصب على رأسك

 

(1) الخصال ج 2 ص 94 في حديث. (2) المصدر ج 2 ص 10. (3) الهداية ص 40. (4) ذكره في الخصال ذيل الحديث.

 

[51]

ثلاث أكف، وعلى جانبك الايمن مثل ذلك، وعلى جانبك الايسر مثل ذلك، و على صدرك ثلاث أكف، وعلى الظهر مثل ذلك، وإن كان الصب بالاناء جاز الاكتفاء بهذا المقدار، والاستظهار فيه إذا أمكن. وقد نروي: تصب على الصدر من حد العنق ثم تمسح سائر بدنك بيديك وتذكر الله فانه من ذكر الله على غسله وعند وضوئه طهر جسده كله، ومن لم يذكر الله طهر من جسده ما أصاب الماء. وقد نروي أن يتمضمض ويستنشق ثلاثا، وروى مرة مرة يجزيه وقال: الافضل الثلاثة وإن لم يفعل فغسله تام ويجزي من الغسل عند عوز الماء الكثير ما يجري (1) من الدهن. وليس في غسل الجنابة وضوء، والوضوء في كل غسل ما خلا غسل الجنابة لان غسل الجنابة فريضة تجزيه عن الفرض الثاني، ولا يجزيه سائر الغسل عن الوضوء، لان الغسل سنة، والوضوء فريضة، ولا يجزي سنة عن فرض. وغسل الجنابة والوضوء فريضتان فإذا اجتمعا فأكبرهما يجزي عن أصغرهما (2). وأدنى ما يكفيك ويجزيك من الماء ما تبل به جسدك مثل الدهن، وقد اغتسل رسول الله صلى الله عليه وآله وبعض نسائه بصاع من ماء. وميز شعرك بأناملك عند غسل الجنابة، فانه نروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أن تحت كل شعرة جنابة، فبلغ الماء تحتها في اصول الشعر كلها، وخلل اذنيك باصبعك، وانظر أن لا تبقى شعرة من رأسك ولحيتك إلا وتدخل تحتها الماء. وإن كان عليك نعل وعلمت أن الماء قد جرى تحت رجليك فلا تغسلهما، وإن لم يجر الماء تحتهما فاغسلهما، وإن اغتسلت في حفيرة وجرى الماء تحت رجليك فلا تغسلهما، وإن كانت رجلاك مستنقعتين في الماء فاغسلهما. وإن عرقت في ثوبك وأنت جنب، وكانت الجنابة من الحلال، فتجوز

 

(1) يجزى خ (2) فقه الرضا ص 3.

 

[52]

الصلاة فيه، وإن كانت حراما فلا تجوز الصلاة فيه حتى تغسل، وإذا أردت أن تأكل على جنابتك فاغسل يديك، وتمضمض واستنشق، ثم كل واشرب إلى أن تغتسل فان أكلت أو شربت قبل ذلك أخاف عليك البرص، ولا تعد إلى ذلك، وإن كان عليك خاتم فحول عند الغسل، وإن كان عليك دملج وعلمت أن الماء لا يدخل تحته فانزعه. ولا بأس أن تنام على جنابتك بعد أن تتوضأ وضوء الصلاة، وإن أجنبت في يوم أو ليلة مرارا أجزأك غسل واحد إلا أن تكون أجنبت بعد الغسل أو احتلمت، و إن احتلمت فلا تجامع حتى تغتسل من الاحتلام. ولا بأس بذكر الله وقراءة القرآن وأنت جنب إلا العزايم التي تسجد فيها وهي: الم تنزيل، وحم السجدة، والنجم، وسورة اقرأ باسم ربك. ولا تمس القرآن إذا كنت جنبا أو على غير وضوء، ومس الاوراق. وإن خرج من إحليلك شئ بعد الغسل وقد كنت بلت قبل أن تغتسل فلا تعد الغسل، وإن لم تكن بلت فأعد الغسل. ولا بأس بتبعيض الغسل تغسل يديك وفرجك ورأسك، وتؤخر غسل جسدك إلى وقت الصلاة، ثم تغسل إن أردت ذاك، فان أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح بعدما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أوله. فإذا بدأت بغسل جسدك قبل الرأس فأعد الغسل على جسدك بعد غسل الرأس ولا تدخل المسجد وأنت جنب، ولا الحائض إلا مجتازين، ولهما أن يأخذا منه، وليس لهما أن يضعا فيه شيئا لان ما فيه لا يقدران على أخذه من غيره، وهما قادران على وضع ما معهما في غيره، وإذا احتلمت في مسجد من المساجد فاخرج منه واغتسل إلا أن تكون احتلمت في المسجد الحرام أو في مسجد رسول الله فانك إذا احتملت في أحد هذين المسجدين فتيمم ثم اخرج ولا تمر بهما مجتازا إلا وأنت متيمم. وإن اغتسلت في ماء في وهدة وخشيت أن يرجع ما تصب عليك أخذت كفا فصببت على رأسك وعلى جانبيك كفا كفا ثم امسح بيدك، وتدلك بدنك، وإن اغتسلت من ماء الحمام، ولم يكن معك ما تغرف به، ويداك قذرتان، فاضرب يدك في الماء


 

[53]

وقل بسم الله، وهذا مما قال الله تبارك وتعالى " ما جعل عليكم في الدين من حرج ". وإن اجتمع مسلم مع ذمي في الحمام، اغتسل المسلم من الحوض قبل الذمي (1). ايضاح: اعلم أنه ادعى الشيخ الاجماع على وجوب غسل الرأس ابتداء ثم الميامن، ثم المياسر (2) واستدل في الذكرى بعد إثبات وجوب تقديم الرأس

 

(1) فقه الرضا ص 4، متفرقا. (2) الظاهر من الاخبار في جميع موارد الغسل، سواء كان في الوضوء أو الغسل أو غير ذلك أن يبتدء بالاعلى فالاعلى، ويمسح كذلك ليزول الغسالة بالطبع عن الاسفل، وهذا أمر يوجبه الفطرة فلو أخل به لاخل بالغرض من الغسل والاغتسال. وأما الابتداء بالاشرف فالاشرف والابتداء بالميامن ثم المياسر، فهو السنة من رسول الله صلى الله عليه وآله كما عرفت في الوضوء ج 80 ص 263 " ولكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر ". ولكنه غير مخل بحقيقة الغسل، حتى في الوضوء، حيث جمع الله عزوجل بين غسل اليدين ومسح الرجلين بلفظ واحد ولم يقدم أحدهما على الاخر، خصوصا إذا جمع المتوضى بين غسل يديه معا في وقت واحد كما إذا كان مفلوجا فوضأه آخران: احدهما يمينه والاخر يساره في وقت واحد أو مسحا رجليه معا - أو هو بنفسه من دون تقديم وتأخير، أو بتقديم الميامن على المياسر آناما. أو قلنا بجواز الوضوء الارتماسي كما إذا كان الماء سائلا من فوق إلى أسفل بقوة فوضأ الرجل وجهه ثم مد يديه تحت الماء فسال الماء بقوة من أعلى مرفقيه إلى أصابعه دفعة واحدة، بحيث صدق الغسل من دون مسح ودلك بمعنى أنه اكتفى بالسيلان القوى من المسح اللازم الذي كان من لوازم الغسل عرفا، ففى هاتين الصورتين لا يجب عليه أن يبدء بالميامن لانه قد خرج عن مورد السنة راسا كما ورد مثل ذلك في مسح الرجلين معا. وأما الغسل فالامر فيه أسهل وأسهل، فان القرآن الكريم أوجب التطهر

 

[54]

على الجسد بالروايات، بالاجماع المركب على وجوب الترتيب بين اليمين والشمال، والصدوقان لم يصرحا بالترتيب بين الجانبين، ولا بنفيه، وظاهرهما العدم كابن الجنيد، وهذه الرواية إنما تدل على الترتيب في الصب إن دل الترتيب الذكرى عليه، وإلا فالواو لا يدل على الترتيب، وساير الروايات أيضا غير دالة عليه. نعم ورد الترتيب في غسل الميت بين الجانبين، والتشبيه بالجنابة والاستدلال به أيضا مشكل، للفرق الظاهر بين الميت والحي، فلا يبعد القول بعدم وجوب الترتيب بينهما.

 

والاغتسال من دون ترتيب بين الاعضاء، فما وقع في أوامر أهل البيت عليهم السلام وارشاداتهم من تقديم الاعلى فالاعلى فهو اللازم الواجب بدليل الفطرة كما عرفت، وأما تقديم الميامن على المياسر كما في بعضها أو تقديم الصدر على الظهر كما في بعضها الاخر، فهو السنة من باب تقديم الاشرف فالاشرف، حيث كان صلى الله عليه وآله لا يقدم المفضول على الفاضل في شئ من الموارد، ومن كان يرجو ثواب الله وما اعد للمؤمنين في اليوم الاخر، يقتدى بسنته ومن لا فلا. والكلام في الغسل الارتماسي كالوضوء الارتماسي على ما مر وهكذا ما أشبه الارتماس كما في الحمامات المعمولة اليوم تحت الرشاشات التى تستوعب البدن مجتمعا مع جريان الماء من الاعالى إلى الاسافل، فالمغتسل هكذا فقد أخذ بالفطرة، وخرج عن مورد السنة وموضوعها، ولا ضير عليه. وأما غسل الميت أو المفلوج الحى، فلما كان المتعارف غسله مضطجعا ولعل غسله بالارتماس في الحياض أو تحت الميزاب والمسيل اهانة له وعبث به - وجب غسل ميامنه قبل مياسره، لاجتماع الفطرة والسنة في مورده، فاللازم أن يضطجعه الغاسل على الايسر فيبدء بصب الماء من طرف الرأس ويختتم إلى رجليه، بحيث ينفصل الغسالة من مياسره كذلك ثم يقلبه ويضطجعه على الايمن ليغسل من مياسره ما كان موضوعا على المغتسل ولم يصل إليه الماء، فيصب الماء كما صب في المرة الاولى، فقياس الحى بالميت قياس في غير مورده.

 

[55]

ثم المشهور أن العنق يغسل مع الرأس، وفيه أيضا إشكال، وإن كان الظاهر من الاخبار ذلك، والاحوط الغسل مع الرأس ومع البدن معا. قوله " وإن كان عليك " موافق لما رواه الصدوق في الصحيح (1) والشيخ في الحسن (2) عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: جعلت فداك أغتسل في الكنيف الذي يبال فيه، وعلي نعل سندية [فأغتسل وعلى النعل كما هي] فقال: إن كان الماء الذي يسيل من جسدك يصيب أسفل قدميك فلا تغسل قدميك، ويدل على أن ذكر الكنيف في الرواية لبيان ضرورة لبس النعل، وإنما المقصود وصول ماء الغسل لا تطهير الرجل من نجاسة الكنيف كما توهم. وقوله " وإن اغتسلت في حفيرة " موافق لما رواه الكليني (3) والشيخ في المجهول (4) عن بكر بن كرب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يغتسل من الجنابة أيغسل رجليه بعد الغسل ؟ فقال إن كان يغتسل في مكان يسيل الماء على رجليه، فلا عليه إن لم يغسلهما وإن كان يغتسل في مكان يستنقع رجلاه في الماء فليغسلهما (5).

 

(1) الفقيه ج 1 ص 19. (2) التهذيب ج 1 ص 37 ط حجر. (3) الكافي ج 3 ص 44. (4) التهذيب ج 1 ص 37. (5) الظاهر أن الرجلين انما يغسلان لاجل قذاره الغسالة، ولذلك قال عليه السلام في الصورة الاولى: " ان كان يغتسل في مكان يسيل الماء على رجليه بعد الغسل " وذلك بأن يغتسل على صخرة مثلا أو خشبة بحيث يسيل الماء على رجليه بعد تمام الغسل، فإذا قد تم غسلهما من دون أن يتلطخ بالغسالة. وأما إذا اغتسل في وهدة أو حفيرة أو قائما في طشت بحيث يجتمع فيها الماء الذي انفصل من جسده بعد تمام الغسل فقد تلطخ قدماه بالغسالة فيجب عليه غسلهما، وانما قلنا بعد تمام الغسل، فان متن السؤال تضمن ذلك بقوله " أيغسل رجليه بعد الغسل " ؟ وذلك

 

[56]

والخبر يحتمل وجوها الاول أن يكون المراد بالماء الطين مجازا، والامر بالغسل لكون الطين مانعا من وصول الماء إلى البشرة، وإن لم يكن كذلك بل يسيل الماء الذي يجري على بدنه على رجليه، فلا يجب الغسل بعد الغسل بالضم أو بعد الغسل بالفتح. الثاني أنه يشترط في صحة الغسل عدم كون الرجلين في الماء لعدم كفاية الغسل الاستمراري كما قيل. الثالث أن المراد: إن كان يغتسل في مكان يجري ماء الغسل على رجليه ويذهب ولا يجتمع، فلا يحتاج إلى غسل الرجلين بعد الغسل، وإن كان يجتمع ماء الغسالة تحت رجليه فلا يكتفي في غسل الرجلين بذلك، بناء على عدم جواز التطهر بالغسالة بل يغسلهما بماء آخر. الرابع أن المراد إن كان يغتسل في الماء الجاري، والماء يسيل على قدميه، فلا يجب غسلهما، وإن كان في الماء القليل الراكد فانه يصير في حكم الغسالة، ولا يكفي لغسل الرجلين. وكأن الثالث أقرب الوجوه كما أن الرابع أبعدها. وأما كراهة النوم للجنب، وزوالها بعد الوضوء، فقد نقل المحقق وغيره الاجماع عليهما ويظهر من رواية (1) عدم الكراهة مع إرادة العود، ولا خلاف في عدم التحريم مطلقا والنهي عن جماع المحتلم محمول على الكراهة، وتخف أو تزول بالوضوء. والعزائم في اللغة الفرايض، وتسميتها بالعزائم باعتبار إيجاب السجدة عند قراءتها، وتحريم قراءتها على الجنب إجماعي كما نص عليه في المعتبر والمنتهى والظاهر أنه لا خلاف في حرمة قراءة أبعاضها حتى البسملة، بقصد أحدها، لكن

 

بأن يرفع قدميه واحدة بعد اخرى فيغسلهما غسل الجنابة أو الحيض ثم يضعهما في ذلك المحل الذى كان استنقع فيه قدماه. (1) راجع الفقيه ج 1 ص 47.

 

[57]

غاية ما تدل عليه الروايات حرمة نفس السجدة أما غيرها فلا. وكذا تحريم مس كتابة القرآن على الجنب نقل عليه الاجماع جماعة كثيرة من الفقهاء، ونقل في الذكرى عن ابن الجنيد القول بالكراهة، وذكر أنه كثيرا ما يطلق الكراهة ويريد التحريم، فينبغي أن يحمل كلامه عليه، والمراد بكتابة القرآن الذي ذكره الاصحاب صور الحروف، ومنه التشديد على الظاهر، وفي الاعراب إشكال، ويعرف كون المكتوب قرآنا بعدم احتمال غيره أو بالنية، والمراد بالمس الملاقات بجزء من البشرة، والظاهر أنه لا يحصل بالشعر ولا بالظفر، وفي الاخير نظر. وقوله " ولا بأس بتبعيض الغسل " إلى قوله " بعد غسل الرأس " موافق في العبارة رسالة والد الصدوق، وذكر الشهيد الثاني وسبطه صاحب المدارك أن الصدوق روى هذه العبارة بعينها في كتاب عرض المجالس عن الصادق عليه السلام ولم نجده في النسخ التي عندنا، وقال في الذكرى: وقد قيل إنه مروى عن الصادق عليه السلام في كتاب عرض المجالس، ولعلهم أرادوا كتابا آخر غير الامالي، أو كان في نسخهم وأسقط من نسخنا وهو بعيد جدا. وعدم وجوب الموالات في الغسل هو المشهور بين الاصحاب بل الظاهر أنه إجماعي وعبارة التهذيب مشعرة بالاجماع، لكن قالوا باستحبابها ولا بأس به. وأما إعادة الغسل بتخلل الحدث الاصغر بينه فاختاره الشيخ في النهاية و المبسوط ونقله الصدوق عن أبيه، وبه قال العلامة في جملة من كتبه، والشهيد الثاني من المتأخرين، وذهب ابن البراج إلى أنه يتم الغسل ولا وضوء عليه، واختاره ابن إدريس، ومن المتأخرين الشيخ علي - ره - وحكم السيد - ره - بالاتمام والوضوء، واختاره المحقق في المعتبر ومن المتأخرين الفاضل الاردبيلي وصاحب المدارك. والمسألة في غاية الاشكال، وإن كان هذا الخبر والخبر الذي نسبه الشهيدان والسيد رحمهم الله إلى الصدوق مع تأيدهما بكلام رسالة علي بن بابويه الذي يعد


 

[58]

القوم كلامه في عداد الاخبار، لا يقصر عن خبر صحيح، والاحتياط في الاتمام والوضوء ثم الاعادة. وقوله " وإن اغتسلت من ماء " يؤيد بعض المعاني التي ذكرناها في شرح حديث علي بن جعفر سابقا فلا تغفل وقد مر الكلام في سائر أجزاء الخبر. 24 - المقنع: قال: رويت أنه من ترك شعرة من الجنابة متعمدا لم يغسلها فهو في النار (1). 25 - السرائر: من كتاب النوادر لاحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال: سألت الرضا عليه السلام ما يوجب الغسل على الرجل والمرأة ؟ فقال إذا أولجه أوجب الغسل والمهر والرجم (2). 26 - ومنه: من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن عبد الحميد، عن محمد بن عمر بن يزيد، عن محمد بن عذافر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام متى يجب على الرجل والمرأة الغسل ؟ فقال: يجب عليهما الغسل حين يدخله وإذا التقى الختانان فيغسلان فرجهما (3). بيان: ظاهره أن التقاء الختانين لا يوجب الغسل، وهو خلاف الروايات الكثيرة، والاجماع المنقول، ويمكن عطف قوله " وإذا التقى " على قوله " حين يدخله " أي يجب عليهما الغسل إذا التقى الختانان وقوله " فيغسلان " حكم آخر، وعلى التقديرين، الغسل محمول على الاستحباب، ولا خلاف في وجوب الغسل عند مواراة الحشفة مطلقا، سواء حصل التقاء الختانين أم لا، وإن كان في الصورة الاخيرة بالنظر إلى الروايات لا يخلو من إشكال. وفسر الاصحاب التقاءهما بمحاذاتهما لان الملاقات حقيقة غير متصورة، فان مدخل الذكر أسفل الفرج، وهو مخرج الولد والحيض، وموضع الختان

 

(1) المقنع ص 12 ط الاسلامية. (2) السرائر ص 465. (3) السرائر ص 477.

 

[59]

أعلاه، وبينهما ثقبة البول، فعلى هذا يمكن حمل النقاء الختانين على حقيقته، بأن يضع ذكره على موضع الختان، فلا يدخل الذكر الفرج بقرينة أنه جعله متقابلا للادخال. 27 - المقنع: قال: روي أن المرأة إذا احتلمت فعليها الغسل إذا أنزلت فان لم تنزل فليس عليها شئ (1). 28 - المعتبر: إن امرءة سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل، فقال عليه السلام: أتجد لذة ؟ فقالت: نعم، فقال: عليها مثل ما على الرجل (2). 29 - الخرائج للراوندي: عن جابر الجعفي، عن زين العابدين عليه السلام قال: أقبل أعرابي إلى المدينة فلما كان قرب المدينة خضخض ودخل على الحسين عليه السلام فقال له: يا أعرابي أما تستحيي ؟ أتدخل إلى إمامك وأنت جنب ؟ ثم قال: أنتم معاشر العرب إذا خلوتم خضخضتم، فقال الاعرابي: قد بلغت حاجتي فيما جئت له، فخرج من عنده واغتسل، ورجع إليه فسأله عما كان في قلبه (3). بيان: قال في النهاية في حديث ابن عباس: سئل عن الخضخضة، فقال: هو خير من الزنا، ونكاح الامة خير منه، الخضخضة الاستمناء وهو استنزال المني في غير الفرج، وأصل الخضخضة التحريك. 30 - السرائر: من نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن علا، عن محمد بن مسلم قال: سألته عن رجل لم ير في منامه شيئا فاستيقظ، فإذا هو ببلل، قال: ليس عليه غسل (4). بيان: محمول على ما إذا علم أنه ليس بمني أو اشتبه كما ستعرف.

 

(1) المقنع ص 13. (2) المعتبر ص 47. (3) الخرائج: 193. (4) السرائر: 496.

 

[60]

31 - السرائر: من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن بعض الكوفيين يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يأتي المرأة في دبرها وهي صائمة، قال: لا ينقض صومها، وليس عليها غسل (1). بيان: المشهور بين الاصحاب وجوب الغسل بالجماع في دبرة المرأة، وادعى عليه المرتضى الاجماع، واختار الشيخ في النهاية والاستبصار عدم الوجوب، وهو المحكي عن ظاهر سلار وكلام الشيخ في المبسوط مختلف، وحمل هذا الخبر وأمثاله في المشهور على التقية أو على عدم غيبوبة الحشفة، والمسألة محل إشكال، إذ يمكن حمل أخبار الغسل على الاستحباب، وكذا اختلفوا في وجوب الغسل بوطي الغلام والاكثر على الوجوب وكذا في وطي البهيمة، والاشهر فيه عدم الوجوب، والاحتياط في الجميع أولى. 32 - السرائر: نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد ابن عيسى، عن علي بن الحكم، عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة يجامعها الرجل فتحيض وهي في المغتسل، فتغتسل أم لا ؟ قال قد جاءها ما يفسد الصلاة فلا تغتسل (2). بيان: النهي عن الاغتسال إما لان الغسل للصلاة وقد جاءها ما يفسدها، فلا فائدة في الغسل، لوجوبه لغيره، كما فهمه القائلون به، أو لان الحدث الطاري مانع من رفع الحدث السابق، فلا يجوز الغسل، والاحتمالان متكافئان، فلا يمكن الاستدلال به على وجوب الغسل لغيره، بل الثاني أرجح لابقاء النهي على ظاهره بخلاف الاول. 33 - العلل: عن المظفر بن جعفر العلوي، عن جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه، عن نصر بن أحمد البغدادي، عن عيسى بن مهران، عن مخول، عن عبد الرحمان ابن الاسود، عن محمد بن عبد الله بن أبي رافع، عن أبيه وعمه، عن أبيهما أبي رافع قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله خطب الناس فقال: أيها الناس إن الله أمر موسى وهارون

 

(1 - 2) المصدر: 477.

 

[61]

أن يبنيا لقومهما بمصر بيوتا وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب، ولا يقرب فيه النساء إلا هارون وذريته، وإن عليا مني بمنزلة هارون من موسى، فلا يحل لاحد أن يقرب النساء في مسجدي، ولا يبيت فيه جنب إلا علي وذريته، فمن شاءه (1) فههنا، وضرب بيده نحو الشام (2). 34 - ومنه: بالاسناد المتقدم عن نصر بن أحمد، عن محمد بن عبيد بن عتبة عن إسماعيل بن أبان، عن سلام بن أبي عميرة، عن معروف بن خربوذ، عن أبي - الطفيل، عن حذيفة بن أسيد الغفاري، عن النبي صلى الله عليه وآله مثله إلى قوله ثم أمر موسى أن لا يسكن مسجده ولا ينكح فيه ولا يدخله جنب إلا هارون وذريته، وإن عليا مني بمنزلة هارون من موسى وهو أخي دون أهلي ولا يحل لاحد أن ينكح فيه النساء إلا علي وذريته، فمن شاء فههنا وأشار بيده نحو الشام (3). بيان: أي من شاء أن يعلم حقية ما قلت فليذهب إلى الشام ولينظر إلى علامة بيت هارون واتصاله بالمسجد، فانها موجودة ههنا، ويدل على عدم جواز الجماع في مسجده صلى الله عليه وآله ولا دخوله جنبا لغيرهم عليهم السلام. 35 - مجالس الصدوق، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن موسى، عن غياث بن إبراهيم، عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالى كره لي ست خصال وكرهتهن للاوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي: العبث في الصلاة، والرفث في الصوم، والمن بعد الصدقة، وإتيان المساجد جنبا، والتطلع في الدور، والضحك بين القبور (4). 36 - المحاسن: عن أبيه، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبيه، عن

 

(1) في المصدر: فمن ساءه ذلك، وهكذا في الحديث الاتى. (2) علل الشرائع ج 1 ص 192. (3) المصدر نفسه ج 1 ص 192 و 193. (4) أمالى الصدوق: 38.

 

[62]

أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ستة كرهها الله تعالى لي، فكرهتها للائمة من ذريتي، ولتكرهها الائمة لاتباعهم وذكر نحوه (1). بيان: الكراهة هنا أعم منها بالمعنى المصطلح ومن الحرمة، فالعبث ما لم ينته إلى إبطال الصلاة مكروه، والرفث يكون بمعنى الجماع، وبمعنى الفحش من القول، وعلى الاول في الواجب حرام مبطل، وعلى الثاني مكروه أو حرام مبطل لكماله، والمشهور في المن الكراهة، ويحتمل الحرمة، وعلى التقديرين مبطل لثوابها أو لكماله، وإتيان المساجد في المسجدين مطلقا وفي غيرهما مع اللبث حرام وفي غيرهما لا معه مكروه، والتطلع بغير الاذن حرام على المشهور والضحك بين القبور مكروه كراهة مغلظة. 37 - تفسير الامام: روى عليه السلام عن آبائه، عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث سد الابواب أنه قال: لا ينبغي لاحد يؤمن بالله واليوم الآخر يبيت في هذا المسجد جنبا إلا محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام والمنتجبون من آلهم الطيبون من أولادهم (2). 38 - البصائر للصفار، عن أبي طالب عبد الله بن الصلت، عن بكر بن محمد قال: خرجنا من المدينة نريد منزل أبي عبد الله عليه السلام فلحقنا أبو بصير خارجا من زقاق وهو جنب، ونحن لا نعلم، حتى دخلنا على أبي عبد الله عليه السلام فرفع رأسه إلى أبي بصير فقال: يا أبا محمد أما تعلم أنه لا ينبغي لجنب أن يدخل بيوت الانبياء ؟ قال: فرجع أبو بصير ودخلنا (3). قرب الاسناد: عن أحمد بن إسحاق، عن بكر بن محمد الازدي مثله (4). 39 - ارشاد المفيد: عن أبي بصير قال: دخلت المدينة، وكانت معي

 

(1) المحاسن ص 10. (2) تفسير الامام: 7. (3) بصائر الدرجات: 241. (4) قرب الاسناد: 30.

 

[63]

جويرية لي فأصبت منها، ثم خرجت إلى الحمام، فلقيت أصحابنا الشيعة وهم متوجهون إلى أبي عبد الله عليه السلام فخشيت أن يفوتني الدخول عليه، فمشيت معهم حتى دخلت الدار، فلما مثلت بين يديه نظر إلي ثم قال: يا أبا بصير أما علمت أن بيوت الانبياء وأولاد الانبياء لا يدخلها الجنب ؟ فاستحييت فقلت إني لقيت أصحابنا وخشيت أن يفوتني الدخول معهم، ولن أعود إلى مثلها وخرجت (1) كشف الغمة: نقلا من كتاب الدلايل للحميري، عن أبي بصير نحوا مما مر (2). 40 - معرفة الرجال للكشي: عن حمدويه، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن أبي الحسن المكفوف، عن رجل، عن بكير قال: لقيت أبا بصير المرادي فقال: أين تريد ؟ قلت: اريد مولاك، قال أنا أتبعك، فمضى فدخلنا عليه و أحد النظر إليه، وقال: هكذا تدخل بيوت الانبياء وأنت جنب ؟ فقال: أعوذ بالله من غضب الله وغضبك، وقال: أستغفر الله ولا أعود قال: وروى ذلك أبو عبد الله البرقي عن بكير (3). بيان: تدل هذه الاخبار على عدم جواز دخول بيوتهم عليهم السلام جنبا وكذا ضرائحهم المقدسة، لما ورد أن حرمتهم أمواتا كحرمتهم أحياء. 41 - المعتبر: من جامع البزنطي، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته هل يمس الرجل الدرهم الابيض وهو جنب ؟ فقال: إي والله إني لارى الدرهم فاخذه وأنا جنب. قال: وفي كتاب الحسن بن محبوب، عن خالد، عن أبي الربيع، عن أبي عبد الله عليه السلام في الجنب يمس الدراهم وفيها اسم الله واسم رسوله، قال عليه السلام:

 

(1) ارشاد المفيد: 256. (2) كشف الغمة ج 2 ص 417. (3) رجال الكشى: 152.

 

[64]

لا بأس، ربما فعلت ذلك (1). بيان: المشهور بين الاصحاب أنه يحرم على الجنب مس شئ كتب فيه اسم الله تعالى، ونقل العلامة وابن زهرة عليه الاجماع، واستندوا إلى رواية عمار (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يمس الجنب درهما ولا دينارا عليه اسم الله تعالى، ولولا الاجماع المنقول والشهرة التامة بين الاصحاب، لكان حمل الرواية على الكراهة متعينا لصحة رواية البزنطي وتأيدها برواية أبي الربيع، وقلة الاعتماد على رواية عمار، وكونها مخالفة للاصل، وحمل الخبرين على عدم مس الاسم بعيد جدا لكن الاحوط العمل بالمشهور. واختلف في مس أسماء الانبياء والائمة عليهم السلام، والاشهر التحريم، ولا مستند لهم ظاهرا سوى التعظيم، والكراهة أظهر، كما اختاره في المعتبر. 42 - المعتبر: قال: يجوز للجنب والحائض أن يقرءا ما شاءا من القرآن إلا سور العزايم الاربع، وهي: اقرأ باسم ربك، والنجم، وتنزيل السجدة، وحم السجدة، روى ذلك البزنطي في جامعه عن المثنى، عن الحسن الصيقل عن أبي عبد الله عليه السلام (3). 43 - مكارم الاخلاق: من كتاب اللباس للعياشي، عن علي بن موسى عليهما السلام قال: يكره أن يختضب الرجل وهو جنب، وقال: من اختضب و هو جنب أو أجنب في خضابه لم يؤمن عليه أن يصيبه الشيطان بسوء (4). وعن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: لا تختضب وأنت جنب ولا تجنب وأنت مختضب، ولا الطامث، فان الشيطان يحضرها عند ذلك، ولا بأس به للنفساء (5). بيان: يحتمل أن يكون حضور الشيطان عندها ليوسوس زوجها لجماعها، ثم إن كراهة الخضاب للجنب والحايض والنفساء هو المشهور بين الاصحاب، بل

 

(1) المعتبر ص 50. (2) التهذيب ج 1 ص 10 ط حجر (3) المعتبر: 49. (4 - 5) مكارم الاخلاق: 93.

 

[65]

ادعى ابن زهرة على الجنب الاجماع، ويظهر من الصدوق نفي الكراهة، وكذا المشهور كراهة جماع المختضب وظاهر الصدوق والمفيد عدمها، ويظهر من رواية أنه إذا أخذ الحناء مأخذه فلا بأس، وما دل عليه الخبر من كراهته للحائض وعدمها للنفساء مخالف للمشهور إذ لم يفرقوا بينهما في تلك الاحكام. 44 - ائعلل (1) والخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: لا ينام المسلم وهو جنب، ولا ينام إلا على طهور، فان لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد (2) 45 - أربعين الشهيد: باسناده، عن المفيد رضي الله عنه، عن ابن قولويه عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أبي الجوزاء، عن ابن علوان، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن الجنب والحائض يعرقان في الثوب حتى يلصق عليهما، فقال: إن الحيض والجنابة حيث جعلهما الله عزوجل، ليس في العرق فلا يغسلان ثوبهما (3). 46 - المقنع: إن اغتسلت من الجنابة ووجدت بللا، فان كنت بلت قبل الغسل، فلا تعد الغسل، وإن كنت لم تبل قبل الغسل، فأعد الغسل. وفي حديث آخر: إن لم تكن بلت فتوضأ ولا تغتسل إنما ذلك من الحبائل (4). 47 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي -

 

(1) علل الشرايع ج 1 ص 279. (2) الخصال ج 2 ص 156. (3) وتراه في التهذيب ج 1 ص 76. (4) المقنع ص 13 ط الاسلامية.

 

[66]

عبد الله، عن آبائه عليهم السلام، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إذا أراد أحدكم الغسل فليبدأ بذراعيه فليغسلهما (1). 48 - البصائر: للصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن محمد بن خالد البرقي عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن شهاب بن عبد ربه قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وأنا اريد أن أسأله عن الجنب، فلما صرت عنده انسيت المسألة فنظر أبو عبد الله عليه السلام فقال: يا شهاب لا بأس بأن يغرف الجنب من الحب (2). 49 - قرب الاسناد: عن محمد بن الوليد، عن عبد الله بن بكير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يلبس ثوبا وفيه جنابة فيعرق فيه، قال: فقال: إن الثوب لا يجنب الرجل (3). 50 - كتاب المسائل: باسناده، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الخاتم قال: إذا اغتسلت فحوله من مكانه، وإن نسيت حتى تقوم في الصلاة فلا آمرك أن تعيد الصلاة (4). 51 - قرب الاسناد وكتاب المسائل: باسنادهما عن علي بن جعفر قال: سألت أخي عليه السلام عن الرجل تصيبه الجنابة، فلا يقدر على الماء، فيصيبه المطر أيجزيه ذلك أو عليه التيمم ؟ فقال: إن غسله أجزأه وإلا تيمم (5). 52 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر عليه السلام، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجا وصعيدا أيهما أفضل التيمم أو يمسح بالثلج وجهه وجسده ورأسه ؟ قال: الثلج إن بل رأسه وجسده أفضل، فان لم يقدر على أن يغتسل بالثلج فليتيمم (6).

 

(1) الخصال ج 2 ص 166. (2) بصائر الدرجات ص 236. (3) قرب الاسناد ص 80 ط حجر. (4) راجع بحار الانوار ج 10 ص 265. (5 - 6) البحار ج 10 ص 265.

 

[67]

53 - ومنه: قال: سألته عن الجنب يدخل يده في غسله قبل أن يتوضأ وقبل أن يغسل يده، ما حاله ؟ قال: إذا لم تصب يده شيئا من جنابة فلا بأس، قال: وأن يغسل يده قبل أن يدخلها في شئ من غسله أحب إلي (1). بيان: " قوله عليه السلام " فليتيمم " استدل به سلار على التيمم بالثلج، ولا يخفى أن الظاهر (2) التيمم بالتراب كما فهمه غيره، وعلى تقدير عدم ظهوره لا يمكن الاستدلال به. ثم إنه ذهب الشيخ في النهاية إلى تقدم الثلج على التراب كما يظهر من الخبر، وبعض الاخبار يدل على التيمم والتفصيل الذي يظهر من الخبر جامع بين الاخبار، وقوله: " من غسله " بضم الغين، قال في النهاية فيه وضعت له غسله من الجنابة، الغسل بالضم الماء الذي يغتسل به كالاكل لما يؤكل، وهو الاسم أيضا من غسلته، والغسل بالفتح المصدر وبالكسر ما يغسل به من خطمي وغيره. 54 - نوادر الراوندي: عن عبد الواحد بن إسماعيل، عن محمد بن الحسن التميمي عن سهل بن أحمد الديباجي، عن محمد بن محمد بن الاشعث، عن موسى بن إسماعيل بن موسى، عن أبيه، عن جده موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام اغتسل رسول الله صلى الله عليه وآله من جنابة، فإذا لمعة من جسده لم يصبها ماء، فأخذ من بلل شعره فمسح ذلك الموضع، ثم صلى بالناس (3) وبهذا الاسناد قال: اجتمعت قريش والانصار، فقالت الانصار: الماء من الماء، وقالت قريش: إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل، فترافعوا إلى علي عليه السلام فقال عليه السلام: يا معشر الانصار أيوجب الحد ؟ قالوا: نعم، قال: أيوجب المهر ؟ قالوا: نعم، فقال عليه السلام: ما بال ما أوجب الحد والمهر لا يوجب الماء ؟

 

(1) البحار ج 10 ص 287. (2) في مطبوعة الكمباني ههنا اختلال. (3) نوادر الراوندي ص 39.

 

[68]

فأبوا على أمير المؤمنين عليه السلام وأبى عليهم (1). وروي عن علي عليه السلام أنه قال: يوجب الصداق ويهدم الطلاق ويوجب الحد والعدة، ولا يوجب صاعا من ماء ؟ فهذا أوجب (2). وبهذا الاسناد قال: قال علي عليه السلام: من جامع واغتسل ثم خرج منه بقية المني مع بوله، فعليه إعادة الغسل (3). بيان: المسح محمول على ما إذا تحقق الجريان على المشهور، قوله عليه السلام فعليه إعادة الغسل يشمل ما إذا بال قبل الغسل أو لم يبل، وإن كان الثاني أظهر من الخبر، إذ مع العلم لا فرق بينهما كما ستعرف. 55 - مجالس الشيخ: عن المفيد، عن إبراهيم بن الحسن بن جمهور. عن أبي بكر المفيد الجرجرائي، عن أبي الدنيا المعمر المغربي قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: كان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يحجزه عن قراءة القرآن إلا الجنابة (4). 56 - قرب الاسناد: باسناده، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام عن المرأة عليها السوار، والدملج بعضدها وفي ذراعها، لا تدري يجري الماء تحته أم لا ؟ كيف تصنع إذا توضأت أو اغتسلت، قال: تحركه حتى يجري الماء تحته أو تنزعه (5). قال: وسألته عن الرجل يلعب مع المرأة ويقبلها فيخرج منه شئ فما عليه ؟ قال: إذا جاءت الشهوة ودفق وفتر جوارحه، فعليه الغسل، وإن كان إنما هو شئ لم يجد له فترة ولا شهوة فلا بأس (6).

 

(1) المصدر ص 45. (2 - 3) المصدر ص 46. (4) لا يوجد في المطبوع من المصدر. (5) قرب الاسناد: 108 ط نجف ص 81 ط حجر. (6) قرب الاسناد ص 111 ط نجف ص 85 ط حجر.

 

[69]

كتاب المسائل: عنه عليه السلام مثله إلا أن فيه مكان فلا بأس فلا غسل عليه ويتوضأ للصلاة (1). 57 - قرب الاسناد: عن محمد بن الوليد، عن عبد الله بن بكير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام أيأكل الجنب ويشرب ويقرء ؟ قال: يأكل ويشرب ويقرء ويذكر الله ما شاء (2). 58 - دعائم الاسلام: عن علي صلوات الله عليه قال: أتت نساء إلى بعض نساء النبي فحدثنها فقالت لرسول الله صلى الله عليه وآله: يا رسول الله إن هؤلاء نسوة جئن ليسألنك عن شئ يستحيين عن ذكره، قال: ليسألن فان الله لا يستحيي من الحق قالت: يقلن: ما ترى في المرأة ترى في منامها ما ترى الرجل، هل عليها الغسل قال: نعم، إن لها ماء كماء الرجل، ولكن الله أستر ماءها وأظهر ماء الرجل فإذا ظهر ماؤها على ماء الرجل، ذهب شبه الولد إليها، وإذا ظهر ماء الرجل على مائها ذهب شبه الولد إليه، وإذا اعتدل الماءان، كان الشبه بينهما واحدا فإذا ظهر منها ما يظهر من الرجل فلتغتسل، ولا يكون ذلك إلا في سرارهن (3). 59 - العلل: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن رجل أجنب فاغتسل قبل أن يبول، فخرج منه شئ ؟ قال: يعيد الغسل، قلت: فامرأة يخرج منها شئ بعد الغسل ؟ قال: لا تعيد، قلت: فما الفرق بينهما ؟ قال: لان ما يخرج من المرأة إنما هو من الرجل (4). بيان: يدل على أن البلل الخارج بعد الغسل وقبل البول موجب للغسل في الرجل دون المرأة، وتفصيله أن البلل الخارج بعد الغسل لا يخلو إما أن يعلم

 

(1) البحار ج 10 ص 272. (2) قرب الاسناد ص 80 ط حجر. (3) دعائم الاسلام ج 1 ص 115، وفيه شرارهن بدل سرارهن. (4) علل الشرايع ج 1 ص 272.

 

[70]

أنه منى أو بول أو غيرهما أو لا يعلم، فان علم أنه مني فلا خلاف في وجوب الغسل وكذا إن علم أنه بول في عدم وجوب الغسل، ووجوب الوضوء، وكذا إن علم أنه غيرهما في عدم وجوب شئ منهما. وأما إذا اشتبه ففيه أربع صور لان الغسل إما أن يكون بعد البول والاجتهاد بالعصرات معا أو بدونهما أو بدون البول فقط، أو بدون الاجتهاد فقط، أما الاول فقد ادعوا الاجماع على عدم وجوب شئ من الغسل والوضوء. وأما الثاني فالمشهور وجوب إعادة الغسل، وادعى ابن إدريس عليه الاجماع، وإن كان مقتضى الجمع بين الاخبار القول بالاستحباب، ويظهر من كلام الصدوق - رحمه الله - الاكتفاء بالوضوء في هذه الصورة كما مر في كلام المقنع. وأما الثالث فهو إما مع تيسر البول أولا، أما الاول فالظاهر من كلامهم وجوب إعادة الغسل حينئذ أيضا ويفهم من ظاهر الشرايع والنافع عدم الوجوب وأما الثاني فظاهر المقنعة عدم وجوب شئ من الوضوء والغسل حينئذ، وهو الظاهر من كلام الاكثر وظاهر أكثر الاخبار وجوب إعادة الغسل. وأما الرابع فالمعروف بينهم إعادة الوضوء حينئذ خاصة، وقد نقل ابن إدريس عليه الاجماع، وإن كان من حيث المجموع بين الاخبار لا يبعد القول بالاستحباب. هذا كله في الرجل فأما المرأة فقال المفيد - رحمه الله - في المقنعة: ينبغي لها أن تستبرئ قبل الغسل بالبول، فان لم يتيسر لها ذلك لم يكن عليها شئ، وتوقف العلامة في المنتهى في استبرائها، بناء على أن مخرج البول منها غير مخرج المني فلا فائدة فيه، وظاهر المبسوط أنه لا استبراء عليها، ونسب هذا في الذكرى إلى ظاهر الجمل وابن البراج في الكامل، وقال أيضا: وأطلق أبو الصلاح الاستبراء، وابنا بابويه والجعفي لم يذكروا المرءة انتهى، والشيخ في النهاية سوى بين الرجل والمرأة في الاستبراء بالبول والاجتهاد.


 

[71]

فالكلام في مقامات ثلاثة: الاول أنه هل عليها استبراء أم لا ؟ الثاني أن حكمها بعد وجود البلل ما ذا ؟ الثالث هل تستبرئ بعد البول أولا ؟ أما الاول فالظاهر عدم وجوبه، بل ولا استحبابه، إذ أخبار الاستبراء مخصوصة بالرجال، ويمكن القول باستحبابه للاستظهار، ولذهاب بعض الاصحاب إليه، وقالوا إن استبراء المرأة بالاجتهاد إنما يكون بالعرض. وأما الثاني فاما أن يكون وجدان البلل بعد الاستبراء أو قبله، وعلى التقديرين إما أن تعلم أنه مني أو يشتبه، فان كان بعد الاستبراء ويعلم أنه مني فلا يخلو إما أن يكون في فرجها مني رجل أولا، فان لم يكن فالظاهر وجوب الغسل. وإن كان في فرجها مني رجل فاما أن تعلم أن الخارج مني نفسها أولا فعلى الاول الظاهر أنه أيضا كسابقه في وجوب الغسل، وعلى الثاني الظاهر عدم الوجوب، لهذا الخبر الموثق وصحيحة (1) منصور بن حازم موافقا له، وللروايات الدالة على عدم نقض اليقين بالشك، وقطع ابن إدريس في هذه الصورة أيضا بوجوب الغسل، وطرح الخبرين لعموم " الماء من الماء " ولا يخفى ضعفه، لمنع شموله ما نحن فيه، لاسيما بعد ورود الروايتين، والاحوط الاعادة. وإن لم تعلم أن مني فلا يخلوا أيضا إما أن يكون في فرجها مني رجل أولا، فان كان فلا خفاء في عدم وجوب الغسل للاصل، والاخبار، وإن لم يكن فالظاهر أيضا عدم الوجوب للاصل والاستصحاب، والاحتياط في هاتين الصورتين أيضا في الاعادة. وإن كان قبل الاستبراء فاما أن تعلم أنه مني أولا، فان علمت فلا يخلو أيضا إما أن يكون في فرجها مني رجل أولا، فان لم يكن فالظاهر وجوب الغسل، و إن كان، فاما أن تعلم أنه منى نفسها أولا، فان علمت فالظاهر أيضا الوجوب و

 

(1) راجع التهذيب ج 1 ص 40.

 

[72]

إن لم تعلم فالظاهر عدم الوجوب للاصل والاستصحاب والروايات، وخلاف ابن إدريس ههنا أيضا والاحتياط في الاعادة. وإن لم تعلم أنه مني فلا يخلو أيضا من الوجهين فعلى الاول الظاهر عدم الوجوب، إذ الروايات المتضمنة لوجوب الاعادة مع عدم البول مختصة بالرجل سوى رواية ضعيفة فيها إطلاق والاحتياط أيضا في الاعادة، وتمام الاحتياط في ضم الوضوء، وعلى الثاني فالظاهر أيضا أنه مثل سابقه في الحكم والاحتياط. وأما الثالث فالظاهر أيضا عدم لزوم الاستبراء، لا وجوبا ولا استحبابا، و ربما يقال بالاستحباب للاستظهار، ولقول بعض الاصحاب، فلو وجدت بللا مشتبها فان كان بعد الاستبراء، فالظاهر عدم الالتفات للاصل والاستصحاب والاجماع أيضا ظاهرا، وإن كان قبله فالظاهر أيضا ذلك، إذ الروايات مختصة بالرجل، ظاهرا والاحتياط ظاهر. وأما المجنب بالجماع بدون الانزال، فلا استبراء عليه، وإذا رأى بللا مشتبها فالظاهر عدم الغسل، سواء استبرأ أم لا، وربما يحتمل وجوب الغسل مع عدم الاستبراء، لاطلاق بعض الروايات وهو ضعيف، وإن كان الاحوط الغسل مع ضم الوضوء والله يعلم حقايق الاحكام، وحججه الكرام عليهم السلام. 60 - الهداية: إذا أردت الغسل من الجنابة، فاجهد أن تبول ليخرج ما بقي في إحليلك من المني، ثم اغسل يديك ثلاثا من قبل أن تدخلهما الاناء، ثم استنج وأنق فرجك، ثم ضع على رأسك ثلاث أكف من الماء، وميز الشعر كله بأناملك حتى يبلغ الماء أصل الشعر كله، وتناول الاناء بيدك وصبه على رأسك وبدنك مرتين، وامرر يدك على بدنك كله، وخلل اذنيك باصبعيك، وكل ما أصابه الماء فقد طهر. واجهد أن لا تبقي شعرة من رأسك ولحيتك إلا وتدخل الماء تحتها، فانه روي أن من ترك شعرة من الجنابة فلم يغسلها متعمدا فهو في النار. وإن شئت أن تتمضمض وتستنشق فافعل، وليس ذلك بواجب، لان الغسل


 

[73]

على ما ظهر، لا على ما بطن، غير أنك إذا أردت أن تأكل أو تشرب قبل الغسل لم يجز لك إلا أن تغسل يديك وتتمضمض وتستنشق، فانك إن أكلت أو شربت قبل ذلك خيف عليك البرص. وروي إذا ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة أجزءه ذلك من غسله، و إن أجنبت في يوم أو ليلة مرارا أجزأك غسل واحد، إلا أن تكون تجنب بعد الغسل أو تحتلم، فان احتلمت فلا تجامع حتى تغتسل من الاحتلام. ولا بأس بذكر الله وقراءة القرآن للجنب والحايض، إلا العزايم التي يسجد فيها، وهي سجدة لقمان (1) وحم السجدة، والنجم، وسورة اقرأ باسم ربك. ولا تمس القرآن إذا كنت جنبا أو على غير وضوء، ومس الورق (2) ومن خرج من إحليله بعد الغسل شئ وقد كان بال قبل أن يغتسل فلا شئ عليه، وإن لم يكن بال قبل أن يغتسل فليعد الغسل، ولا بأس بتبعيض الغسل: تغسل يديك وفرجك ورأسك، وتؤخر غسل جسدك إذا أردت ذلك، فان أحدثت حدثا من بول أو غائط أو ريح بعدما غسلت رأسك من قبل أن تغسل جسدك فأعد الغسل من أوله. ولا يدخل الحائض والجنب المسجد إلا مجتازين، ولهما أن يأخذا منه، وليس لهما أن يضعا فيه شيئا لان ما فيه لا يقدر على أخذه من غيره، وإن احتلمت في مسجد من المساجد فاخرج منه واغتسل، إلا أن يكون احتلامك في المسجد الحرام، أو في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله فانك إذا احتلمت في أحد هذين المسجدين تيممت وخرجت ولم تمش فيهما إلا متيمما. والجنب إذا عرق في ثوبه، فان كانت الجنابة من حلال، فحلال الصلاة فيه وإن كانت من حرام فحرام الصلاة فيه (3).

 

(1) يعنى سورة الم تنزيل التى سطرت في المصحف الشريف بعد سورة لقمان، وهذا اصطلاح لهم. (2 و 3) الهداية: 20 و 21.

 

[74]

4 - " (باب) " * " (غسل الحيض والاستحاضة والنفاس) " * * " (عللها وآدابها وأحكامها) " * الايات: البقرة: " ويسئلونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض، ولا تقربوهن حتى يطهرن، فإذا تطهرن فآتوهن من حيث أمركم الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين * نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لانفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين (1). تفسير: المحيض يكون مصدرا، تقول حاضت المرأة محيضا، واسم زمان أي مدة الحيض، واسم مكان أي محل الحيض، وهو القبل (2) والمحيض الاول في الآية بالمعنى الاول أي يسئلونك عن الحيض وأحواله، والسائل أبوالدحداح في جمع من الصحابة، كما قيل، وقوله تعالى: " قل هو أذى " أي هو أمر مستقذر مؤذ ينفر الطبع عنه، والاعتزال التنحي عن الشئ، وأما المحيض الثاني فيحتمل كلا من المعاني الثلاثة السابقة. وقوله تعالى: " ولا تقربوهن حتى يطهرن " تأكيد للامر بالاعتزال،

 

(1) البقرة: 223 و 222. (2) وقد يطلق على معنيين آخرين: أحدهما الحاصل بالمصدر، وهو الحالة الحاصلة من سيلان الدم كالحدث الحاصل من طرو الاحداث، ولعله أنسب في المقام، و الثاني دم الحيض، وهو بعيد ولعل مراد من قال بالمصدر: المعنى الاول أو الاعم منه ومن المعنى المصدرى، فتأمل. منه رحمه الله، كذا في هامش نسخة الاصل بخط يده قدس سره.

 

[75]

وبيان لغايته، وقد قرءه حمزة والكسائي " يطهرن " بالتشديد أي يتطهرن، وظاهره أن غاية الاعتزال هي الغسل، وقرء الباقون " يطهرن " بالتخفيف (1) وظاهره أن غايته انقطاع الدم، والخلاف بين الامة في ذلك مشهور. وقوله سبحانه: " فإذا تطهرن " يؤيد القراءة الاولى، والامر بالاتيان للاباحة كقوله تعالى: " وإذا حللتم فاصطادوا " (2) وأما وجوب الاتيان لو كان قد اعتزلها أربعة أشهر مثلا، فقد استفيد من خارج (3). واختلف المفسرون في معنى قوله جل شأنه " من حيث أمركم الله " فعن ابن

 

(1) هذه القراءة هو الوجه من حيث سياق الكلام وطبعه، ولو كان بالتشديد، لكان قوله تعالى بعده " فإذا تطهرن " حشوا زائدا، والحكم المستفاد من سياق الاية: اعتزال النساء وحرمة اتيانهن حتى يطهرن وتجويز اتيانهن بعد التطهر - وهو الاغتسال كما عرفت من ورود قوله تعالى " ولا جنبا حتى تغتسلوا " في سورة النساء بدل قوله تعالى: " وان كنتم جنبا فاطهروا " في المائدة أن المراد بالتطهر هو الاغتسال. وأما بعد الطهر وقبل الاغتسال، فالاية ساكتة من حكمه، من شاء أن يتزكى فعليه أن يأخذ بمورد الامر، وهو الغسل ثم الاتيان، فان الله لا يأمر الا بالزكي، ومن لم يشأ ذلك فلا نهى عنه. وقوله تعالى، " من حيث أمركم الله " مع أن المراد باتيان النساء هو الايلاج، كأنه يقسم الاتيان إلى قسمين: قسم أمر الله به بالفطرة، وتعرض للبحث عن أحواله في حالة الحيض في صدر الاية وصرح به بعد ذلك بقوله " نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم " وهو الاتيان في القبل، وقسم لم يأمر الله به ولم ينه عنه، ولو أمر به آمر لكان هو النفس والشيطان لكونه خلافا للفطرة، وهو الاتيان في المحاش. فحال الاتيان في المحاش في هذه الاية كحال الاتيان في القبل بعد الطهر وقبل التطهر كما عرفت، ومن تزكى فانما يتزكى لنفسه، والى الله المصير. (2) المائدة: 2. (3) وهو آية الايلاء: " للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ".

 

[76]

عباس أن معناه من حيث أمركم الله بتجنبه حال الحيض، وهو الفرج، وعن ابن الحنفية أن معناه من قبل النكاح دون السفاح، وعن الزجاج معناه من الجهات التي يحل فيها الوطي، لا ما لا يحل، كوطيهن وهن صائمات أو محرمات أو معتكفات، والاول مختار الطبرسي رحمه الله " إن الله يحب التوابين " أي عن الذنوب " ويحب المتطهرين " اي المتنزهين عن الاقذار كمجامعة الحايض مثلا وقيل التوابين عن الكبائر والمتطهرين عن الصغاير، وقد مر تأويل آخر في صدر كتاب الطهارة. والحرث قد يفسر بالزرع تشبيها لما يلقى في أرحامهن من النطف بالبذر وقال أبو عبيدة كنى سبحانه بالحرث عن الجماع أي محل حرث لكم، وقد جاء في اللغة الحرث بمعنى الكسب، ومن هنا قال بعض المفسرين معنى حرث لكم أي ذوات حرث تحرثون منهن الولد واللذة. وقوله سبحانه: " أنى شئتم " قد اختلف في تفسيره، فقيل: معناه من أي موضع شئتم، ففيها دلالة على جواز إتيان المرأة في دبرها، وعليه أكثر علمائنا ووافقهم مالك، وسيأتي تحقيق المسألة في كتاب النكاح إنشاء الله وقيل معناه من أي جهة شئتم لما روي من أن اليهود كانوا يقولون من جامع امرأته من دبرها في قبلها يكون ولدها أحول فذكر ذلك النبي صلى الله عليه وآله فنزلت. وقيل: معناه متى شئتم، واستدل به على جواز الوطي بعد انقطاع الحيض وقبل الغسل لشموله لفظة أنى جميع الاوقات إلا ما خرج بدليل كوقت الحيض والصوم، واعترض على هذا الوجه بأن القول بمجئ أنى بمعنى متى يحتاج إلى شاهد، ولم يثبت، بل قال الطبرسي - رحمه الله - أنه خطأ عند أهل اللغة. " وقدموا لانفسكم " (1) أي قدموا الاعمال الصالحة التي امرتم بها،

 

(1) يقال: قدم له كذا، إذا هيأه نزلا وتسبب في تهيئته كما في قوله تعالى ص: 61 " قالوا ربنا من قدم لنا هذه فزده عذابا ضعفا من النار " والمعنى بقرينة ما سبقه من

 

[77]

ورغبتم فيها، لتكون لكم ذخرا في القيامة، وقيل: المراد بالتقديم طلب الولد الصالح، والسعي في حصوله، وقيل: المراد تقديم التسمية عند الجماع، وقيل تقديم الدعاء عنده. " واعلموا أنكم ملاقوه " اي ملاقوا ثوابه إن أطعتم، وعقابه إن عصيتم. وقال الشيخ البهائي - رحمه الله -: قد استنبط بعض المتأخرين من الآية الاولى أحكاما ثلاثة: أولها أن دم الحيض نجس، لان الاذى بمعنى المستقذر وثانيها أن نجاسته مغلظة لا يعفى عن قليلها، أعني ما دون الدرهم للمبالغة المفهومة من قوله سبحانه هو أذى، وثالثها أنه من الاحداث الموجبة للغسل، لاطلاق الطهارة المتعلقة به. وفي دلالة الآية على هذه الاحكام نظر أما الاولان فلعدم نجاسة كل مستقذر فان القيح والقئ من المستقذرات، وهما طاهران عندنا، وأيضا فهذا المستنبط قائل كغيره من المفسرين بارجاع الضمير في قوله تعالى: هو أذى إلى المحيض بالمعنى المصدري، لا إلى الدم، وارتكاب الاستخدام فيه مجرد احتمال لم ينقل عن المفسرين فكيف يستنبط منه حكم شرعي. وأما الثالث فلان الآية غير دالة على الامر بالغسل، بشئ من الدلالات ولا سبيل إلى استفادة وجوبه عن كونه مقدمة للواجب، أعني تمكين الزوج من الوطي، لان جمهور فقهائنا رضوان الله عليهم على جوازه قبل الغسل بعد النقاء

 

الاتيان في الحرث طلب الولد، بانزال الماء في الحرث لا عزله ليتحقق معنى الحرث بكماله. وانما عبر كذلك لان الولد ان سقط أو مات في الصغر كان فرطا له على الحوض و أوجر بمصيبته الجنة، وان بقى، فان كان طالحا كان وزره على نفسه، وان كان صالحا نفعه صلاحه، والمال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا.

 

[78]

فلا تغفل (1). ثم اعلم أنه اختلفت الامة في المراد بالاعتزال في الآية، فقال فريق منهم: المراد ترك الوطي لا غير، لما روي من أن أهل الجاهلية كانوا يجتنبون مؤاكلة الحيض ومشاربتهن ومساكنتهن كفعل اليهود والمجوس، فلما نزلت الآية الكريمة عمل المسلمون بظاهر الاعتزال لهن وعدم القرب منهن فأخرجوهن من بيوتهم فقال ناس من الاعراب: يا رسول الله البرد شديد، والثياب قليلة، فان آثرناهن بالثياب هلك ساير أهل البيت، وإن استأثرنا بها هلك الحيض، فقال صلى الله عليه وآله: إنما امرتم أن تعتزلوا مجامعتهن إذا حضن، ولم يأمركم باخراجهن من البيوت كفعل الاعاجم. وأكثر علمائنا قائلون بذلك، ويخصون الوطي المحرم بالوطي في موضع الدم أعني القبل لا غير، ويجوزون الاستمتاع بما عداه، ووافقهم أحمد بن حنبل وقال السيد المرتضى رضي الله عنه: يحرم على زوجها الاستمتاع بما بين سرتها وركبتها، ووافقه بقية أصحاب المذاهب الاربعة. واستدل العلامة طاب ثراه على ذلك في المنتهى بما حاصله أن المحيض في قوله تعالى " فاعتزلوا النساء في المحيض " إما أن يراد به المعنى المصدري، أو زمان الحيض، أو مكانه، وعلى الاول يحتاج إلى الاضمار، إذ لا معنى لكون المعنى المصدري ظرفا للاعتزال، فلابد من إضمار زمانه أو مكانه، لكن الاضمار خلاف الاصل، وعلى تقديره إضمار المكان أولى، إذ إضمار الزمان يقتضي بظاهره

 

(1) لكنك عرفت في ج 80 ص 88 أن دم الحيض نجس لا يعفى عنه في الصلاة لكونه دما مسفوحا، وعرفت آنفا أن المراد بالتطهر في آي القرآن هو الاغتسال وإذا كان التطهر للصلاة واجبة في مورد الجنابة بعنوان الشرط لقوله تعالى: " وان كنتم جنبا فاطهروا " أفاد أن خلاف التطهر أياما كان مانع عن الدخول في الصلاة، وإذا كانت الحائض غير متطهر بحكم الاية لزمها القعود عن الصلاة حتى يطهر ويطهر بالاغتسال، ومثلها المستحاضة والنفساء بحكم السنة.

 

[79]

وجوب اعتزال النساء مدة الحيض بالكلية، وهو خلاف الاجماع، وبهذا يظهر ضعف الحمل على الثاني، فتعين الثالث، وهو المطلوب انتهى ملخص كلامه وللبحث فيه مجال (1). ثم الاعتزال المأمور به في الآية الكريمة هل هو مغيى بانقطاع الحيض أو الغسل، اختلفت الامة في ذلك أما علماؤنا قدس الله أرواحهم، فأكثرهم على الاول وقالوا بكراهة الوطي قبل الغسل. فان غلبته الشهوة أمرها بغسل فرجها استحبابا ثم يطؤها، وذهب الصدوق رحمه الله إلى الثاني، فانه قال بتحريم وطيها قبل الغسل إلا بشرطين: أما الاول أن يكون الرجل شبقا، والثاني أن تغسل فرجها ويؤيده قول بعض المفسرين في قوله تعالى: " فإذا تطهرن " فإذا غسلن فرجهن. وذهب الطبرسي قدس سره إلى أن حل وطيها مشروط بأن تتوضأ أو تغتسل فرجها، وأما أصحاب المذاهب الاربعة سوى أبي حنيفة فعلى تحريم الوطي قبل الغسل، وأما هو فذهب إلى حل وطيها قبل الغسل إن انقطع الدم لاكثر الحيض، وتحريمه إن انقطع لدون ذلك. واحتج العلامة في المختلف على ما عليه أكثر علمائنا بما تضمنته الآية من تخصيص الامر بالاعتزال بوقت الحيض أو موضع الحيض، وإنما يكون موضعا له مع وجوده، والتقدير عدمه، فينتفي التحريم، وبما تقتضيه قراءة التخفيف في " يطهرن " وجوز أن يحمل التفعل في قوله تعالى " فإذا تطهرن " على الفعل، كما تقول تطعمت الطعام أي طعمته، أو يكون المراد به غسل الفرج هذا ملخص كلامه. واورد على الاستدلال بالغاية بأن الطهارة اللغوية وإن حصلت بالخروج

 

(1) حيث ان قوله تعالى: " ولا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن فآتوهن من حيث أمركم الله " عطف تفسيرى للاعتزال، لا أنه حكم ثان، فان الاعتزال بالمعنى الذي ذكروه إذا تحقق لم يتحقق الاقتراب حتى ينهى عنه.

 

[80]

من الدم، لكن حصول الطهارة الشرعية ممنوع، إذ الحقيقة الشرعية، وإن لم تثبت لكن لم يثبت نفيها أيضا والاحتمال كاف في مقام المنع. سلمنا لكن لا ترجيح لقراءة التخفيف على قراءة التشديد، ومقتضاها ثبوت التحريم قبل الاغتسال، فيجب حمل الطهارة ههنا على المعنى الشرعي جمعا بين القراءتين. سلمنا أن الطهارة بمعناها اللغوي لكن وقع التعارض بين المفهوم والمنطوق فالترجيح للثاني، مع أنه مؤيد بمفهوم الشرط في قوله تعالى: " فإذا تطهرن فآتوهن " وهذا التأييد مبني على أن الامر الواقع بعد الحظر للجواز المطلق كما هو المشهور، وأما إذا كان للرجحان، فمفهومه انتفاء رجحان الاتيان عند عدم التطهر، وهو كذلك عند القائلين بجوازه عند عدمه، لكونه مكروها عندهم وكذلك الحال إذا كان الامر للاباحة، بمعنى تساوي الطرفين. واحتج القائلون بالتحريم بقراءة التشديد، واورد عليه أنه لم يثبت أن التطهر حقيقة شرعية في المعنى الشرعي، فيجوز أن يكون المراد به انقطاع الدم أو زيادة التنظيف الحاصل بسبب غسل الفرج، سلمنا لكن الطهارة أعم من الوضوء. والتحقيق أن دلالة الآية على شئ من التحريم والجواز غير واضح، فالاحسن العدول عنها إلى الروايات، ومقتضاها نظرا إلى قضية الجمع الجواز، والاحتياط طريق النجاة. 1 - الهداية: أقل أيام الحيض ثلاثة أيام، وأكثرها عشرة أيام، فان رأت الدم يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض، ما لم تر الدم ثلاثة أيام متواليات وعليها أن تقضي الصلاة التي تركتها في اليوم أو اليومين، فان رأت الدم أكثر من عشرة أيام فلتقعد عن الصلاة عشرة أيام، وتغتسل يوم حادي عشره، وتحتشي فان لم يثقب الدم الكرسف صلت صلواتها كل صلاة بوضوء، وإن ثقب الدم الكرسف ولم يسل، صلت صلاة الليل وصلاة الغداة بغسل، وساير الصلوات


 

[81]

بوضوء، وإن غلب الدم الكرسف، وسال صلت صلاة الليل وصلاة الغداة بغسل والظهر والعصر بغسل، تؤخر الظهر قليلا وتعجل العصر، وتصلي المغرب والعشاء الآخرة بغسل واحد، تؤخر المغرب قليلا وتعجل العشاء الآخرة إلى أيام حيضها، فإذا دخلت في أيام حيضها تركت الصلاة، ومن اغتسلت على ذلك حل لزوجها أن يأتيها (1). وإذا أرادت الحايض الغسل من الحيض، فعليها أن تستبرئ، والاستبراء أن تدخل قطنة فان كان هناك دم خرج، ولو كان مثل رأس الذباب، فان خرج لم تغتسل، وإن لم يخرج اغتسلت. وقال الصادق عليه السلام: يجب على المرأة إذا حاضت أن تتوضأ عند كل صلاة وتجلس مستقبل القبلة، وتذكر الله مقدار صلاتها كل يوم، والصفرة في أيام الحيض حيض، وفي أيام الطهر طهر، ودم العذرة لا يجوز الشفرين، ودم الحيض حار يخرج بحرارة شديدة، ودم المستحاضة بارد يسيل منها وهي لا تعلم. وقال الصادق عليه السلام: إن أسماء بنت عميس الخثعمية نفست بمحمد بن أبي بكر في حجة الوداع، فأمرها النبي صلى الله عليه وآله أن تقعد ثمانية عشر يوما فأيما امرأة طهرت قبل ذلك، فلتغتسل ولتصل. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله أيما امرأة مسلمة ماتت في نفاسها، لم ينشر لها ديوان يوم القيامة (2). 2 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم، عن أبي جميلة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن بنات الانبياء صلوات الله عليهم لا يطمثن، إن الطمث عقوبة، وأول من طمثت سارة (3). بيان: لعل المعنى: أول من طمثت من بنات الانبياء في كل شهر للخبر الآتي

 

(1) الهداية ص 21. (2) المصدر ص 22. (3) علل الشرائع ج 1 ص 274.

 

[82]

ولخبر حيض حوا. 3 - العلل: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن علي بن الحسين السعد آبادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب الخزاز عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال: الحيض من النساء نجاسة رماهن الله بها. قال: وقد كن النساء في زمن نوح إنما تحيض المرأة في كل سنة حيضة حتى خرجن نسوة من حجابهن، وهن سبعمائة امرأة، فانطلقن فلبسن المعصفرات من الثياب، وتحلين وتعطرن، ثم خرجن فتفرقن في البلاد، فجلسن مع الرجال، وشهدن الاعياد معهم وجلسن في صفوفهم، فرماهن الله بالحيض عند ذلك في كل شهر (1) اولئك النسوة بأعيانهن، فسالت دماؤهن، فخرجن من بين الرجال وكن يحضن في كل شهر حيضة قال: فأشغلهن الله تبارك وتعالى بالحيض، وكسر شهوتهن. قال: وكان غيرهن من النساء اللواتي لم يفعلن مثل فعلهن يحضن في كل سنة حيضة، قال: فتزوج بنو اللاتي يحضن في كل شهر حيضة بنات اللاتي يحضن في كل سنة حيضة، قال: فامتزج القوم، فحضن بنات هؤلاء (2) في كل شهر حيضة، وقال: وكثر أولاد اللاتي يحضن في كل شهر حيضة لاستقامة الحيض وقل أولاد اللاتي لا يحضن في السنة إلا حيضة لفساد الدم، قال: فكثر نسل هؤلاء وقل نسل اولئك (3). توضيح: قوله عليه السلام " وكسر شهوتهن " يظهر منه أن اشتداد شهوتهن كان بسبب احتباس الحيض، ويحتمل أن يكون الكسر للاشتغال بالحيض، قوله: " فامتزج القوم " أي تزوج أولاد كل منهن بنات الصنف الاخر " فحضن بنات هؤلاء " أي بنات أولاد اللاتي يحضن في كل سنة حيضة، بعد تزوجهم ببنات

 

(1) في الفقيه يعنى أولئك. (2) في الفقيه بنات هؤلاء وهؤلاء (1) علل الشرايع ج 1 ص 274 و 275.

 

[83]

اللاتي يحضن في كل شهر حيضة، وفي الفقيه (1) " بنات هؤلاء وهؤلاء " أي البنات الحاصلة من امتزاج أولاد اللاتي يحضن في كل سنة حيضة، وبنات اللاتي يحضن في كل شهر حيضة، والحاصل أن الغرض بيان سبب كثرة من ترى في الشهر مرة بالنسبة إلى من ترى في السنة مرة، بأنه لما كان تزوج أولاد السنة ببنات الشهر، سببا لحصول بنات الشهر، والعكس سببا لتولد بنات السنة، وكان أولاد بنات الشهر لاستقامة حيضهن أكثر، فلذا صرن أكثر، ويحتمل أن يكون الغرض بيان الحكمة لهذا الابتلاء، والمعنى أن حدوث تلك العلة فيهن صار سببا لكثرة النسل، إذ بسبب الامتزاج كثر هذا القسم في الناس، وأولاد من تحيض في الشهر أكثر، فبذلك كثر النسل في الناس. فقوله: " فحضن بنات هؤلاء " أي الممتزجين مطلقا سواء كان آباؤهم من هذا القسم أو امهاتهم، قوله: " لاستقامة الحيض " أي للاستقامة الحاصلة في المزاج بسبب كثرة إدرار الحيض، فيكون من إضافة المسبب إلى السبب، أو لاستقامة نفس الحيض، فانه مادة وغذاء للولد، فإذا استقام وصفى لكثرة الادرار جاء الولد تاما صحيحا، وكثرت الاولاد، بخلاف ما لو كان الادرار قليلا فانه يوجب فساد الدم والمزاج، ويقل الولد. 4 - العلل: عن أبيه، عن محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي عن عبد الله بن عبد الرحمن الاصم، عن الهيثم بن واقد، عن مقرن، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سأل سلمان رضي الله عنه عليا عليه السلام عن رزق الولد في بطن امه، فقال: إن الله تبارك وتعالى حبس عليها الحيضة، فجعلها رزقه في بطن امه (2). ومنه: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن علي بن أسباط، عن عمه يعقوب، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الحايض هل تختضب ؟ قال:

 

(1) الفقيه ج 1 ص 49. (2) علل الشرايع ج 276 1.

 

[84]

لا، لانه يخاف عليها الشيطان (1). بيان: المشهور كراهة الخضاب عليها كالجنب، وقد مر في باب الجنابة. 5 - العلل: عن علي بن أحمد، عن محمد بن أبي عبد الله، عن موسى بن عمران عن عمه، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ قال: لان الصوم إنما هو في السنة شهر، والصلاة في كل يوم وليلة، فأوجب الله قضاء الصوم ولم يوجب عليها قضاء الصلاة لذلك (2). ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن محمد بن علي، عن محمد بن أحمد، عن أبان بن عثمان، عن إسماعيل الجعفي قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: إن المغيرة يزعم أن الحائض تقضي الصلاة كما تقضي الصوم فقال: ماله لا وفقه الله، إن امرأة عمران قالت: " إني نذرت لك ما في بطني محررا " والمحرر للمسجد لا يخرج منه أبدا، فلما وضعت مريم قالت: " رب إني وضعتها انثى وليس الذكر كالانثى " (3) فلما وضعتها أدخلتها المسجد، فلما بلغت مبلغ النساء اخرجت من المسجد (4) أنى كانت تجد أياما تقضيها وهي عليها أن تكون الدهر في المسجد (5).

 

(1) علل الشرايع ج 1 ص 275 (2) علل الشرايع ج 1 ص 277. (3) آل عمران: 35. (4) رواها في الكافي ج 3 ص 105، وفيه " فلما وضعتها أدخلتها المسجد فساهمت عليها الانبياء فأصابت القرعة زكريا وكفلها زكريا، فلم تخرج من المسجد حتى بلغت فلما بلغت ما تبلغ النساء خرجت، فهل كانت تقدر على أن تقضى تلك الايام التي خرجت وهي عليها أن تكون الدهر في المسجد. (5) علل الشرايع ج 2 ص 266.

 

[85]

بيان: المغيرة هو ابن سعيد، وقد روى الكشي روايات كثيرة دالة على لعنه، وأنه كان يضع الاخبار، ويحتمل أن يكون للمحرر في شرعهم عبادات مخصوصة تستوعب جميع أوقاته (1) فلو كان عليها قضاء الصلوات التي فاتتها لكان تكليفا بما لا يطاق، والظاهر أنه باعتبار أصل الكون في المسجد، فانه عبادة و لعله عليه السلام إنما ألزم هذا على المخالفين موافقا لما كانوا يعتقدونه من أمثال تلك الاستحسانات، وقيل: يحتمل أنه كان في تلك الشريعة يجب على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في محل الفوات، فكان يلزمها مع وجوب القضاء أن تبقى بعد الطهر خارجة من المسجد بقدر القضاء، وقد كان عليها أن تكون الدهر في

 

(1) والذي يظهر من آيات القصة بمعاونة الاخبار الواردة في ذلك، أن المحرر هو الذي كان وقفا على عبادة الله عزوجل، ولما كانت عباداتهم وصلواتهم لا تصح الا في البيوت المبنية لذلك كالبيعة أو البيت المقدس، كانوا يبنون للمحررين غرفا يسكنون فيها، وكان على محرريهم أن ينفقوا بالكسوة والطعام وعلى المحررين أن يقوموا بعبادة الله لا يخرجون منها، الا لضرورة وهذا التحرير بمعنى تعهد الانفاق على المحرر كان عبادة عندهم، و لذلك قالت، فتقبل منى أنك أنت السميع العليم ". وأما النساء فلاجل طمثهم وعدم طهارتهم في كل شهر خمسة أو سبعة أيام مثلا لا يمكنهن القيام بالعبادة، ولذلك لم يكونوا ليحرروا النساء، فلما وضعت امرءة عمران ما في بطنها أنثى تضرعت إلى الله عزوجل من خيبة المعاهدة ونقضها، وتحسرت من أن الله عز وجل لم يقبل تعهده للتحرير، فجعل ما في بطنها انثى لا تليق لذلك. وأما وجه استدلاله عليه السلام بذلك ردا على المغيرة بن سعيد فهو أنه لو كانت النساء في حكم الله تقضى الصلاة كما تقضى الصوم لما كانت معاهدة تحرير مريم عليها السلام منقوضة باطلة فانها كانت تخرج من البيعة وتترك العبادة لضرورة الطمث، ثم بعد التطهر والتطهير ترجع إلى غرفتها وتقضى ما كانت عليها من الصلوات والصيام أداء لعبادة ربه وتماما لصفقة المعاهدة للتحرير، بما أنفق المحررون في تلك الايام عليها اجراءاتهم من النفقة والكسوة والسكنى في بيت معدة لذلك.

 

[86]

المسجد، ولا يخفى بعده. ثم إنه يدل الخبر على أن مريم عليها السلام كانت تحيض، وربما ينافيه بعض الاخبار، ويحتمل أن يكون هذا أيضا إلزاما عليهم، وقد مر ذكر أحوالها عليهما السلام في المجلد الخامس. 6 - العلل: عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن الحسن بن عطية، عن عذافر الصيرفي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ترى هؤلاء المشوهين في خلقهم ؟ قال: قلت: نعم، قال: هم الذين يأتي آباؤهم نساءهم في الطمث (1). ومنه: عن علي بن حاتم، عن القاسم بن محمد، عن حملان بن الحسين، عن الحسين بن الوليد، عن حنان بن سدير قال: قلت: لاي علة اعطيت النساء ثمانية عشر يوما، ولم تعط أقل منها ولا أكثر ؟ قال: لان الحيض أقله ثلاثة أيام، وأوسطه خمسة أيام، وأكثره عشرة أيام، فأعطيت أقل الحيض وأوسطه وأكثره (2). توضيح: اختلف الاصحاب في أكثر أيام النفاس، فقال الشيخ في النهاية لا يجوز لها ترك الصلاة ولا الصوم إلا في الايام التي كانت تعتاد فيها الحيض، ثم قال بعد ذلك، ولا يكون حكم نفاسها أكثر من عشرة أيام، ونحوه قال في الجمل والمبسوط، وقال المرتضى: أكثرها ثمانية عشر يوما، وهو مختار ابن الجنيد والصدوق، وسيأتي مختار ابن أبي عقيل، وذهب أكثر المتأخرين إلى أن ذات العادة في الحيض تعمل بعادتها تتنفس إلى العشرة، واختار في المختلف أن ذات العادة ترجع إليها، والمبتدأة تصبر ثمانية عشر يوما، والقول بالتخيير وجه جمع بين الاخبار وربما تحمل أخبار الثمانية عشر على النسخ أو على التقية. 7 - قرب الاسناد وكتاب المسائل: باسنادهما عن علي بن جعفر قال: سألت أخي عليه السلام عن المرأة التي ترى الصفرة أيام طمثها، كيف تصنع ؟ قال:

 

(1) علل الشرايع ج 1 ص 77. (2) علل الشرايع ج 1 ص 275.

 

[87]

تترك لذلك الصلاة بعدد أيامها التي كانت تقعد في طمثها، ثم تغتسل وتصلي، فان رأت صفرة بعد غسلها فلا غسل عليها، يجزيها الوضوء عند كل صلاة تصلي (1). قال: وسألته عن المرأة ترى الدم في غير أيام طمثها، فتراه اليوم واليومين والساعة والساعتين، ويذهب مثل ذلك، كيف تصنع ؟ قال: تترك الصلاة إذا كانت تلك حالها ما دام الدم، وتغتسل كلما انقطع الدم عنها، قلت: كيف تصنع ؟ قال: ما دامت ترى الصفرة فلتتوضأ من الصفرة وتصلي، ولا غسل عليها من صفرة تراها إلا في أيام طمثها فان رأت صفرة في أيام طمثها تركت الصلاة كتركها للدم (2). بيان: يدل على أن الصفرة في أيام الحيض حيض، وإجزاء الوضوء في الصفرة لان الغالب فيها القلة، وأما قوله تترك الصلاة ففيه إشكال لعدم تحقق أقل الحيض ويمكن حمله على أنه ابتداء تترك الصلاة، لاحتمال الحيض، لاسيما إذا كان بصفة الحيض، كما يظهر من آخر الخبر، ثم إذا رأت الدم قبل العشرة، وكملت الثلاثة فهي حيض، بناء على عدم اشتراط التوالي، وإلا تقضي ما تركتها من العبادة أو أن هذا حكم المتبدأة إلى أن تستقر عادتها أو يتبين دوام دمها، فتعمل بالروايات أو بغيرها، ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق (3) عن يونس بن يعقوب قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: المرءة ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة ؟ قال: تدع الصلاة [قلت: فانها ترى الطهر ثلاثة أيام أو أربعة ؟ قال: تصلي، قلت: فانها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة ؟ قال: تدع الصلاة، قلت: فانها ترى الدم ثلاثة أيام أو أربعة ؟ قال: تدع الصلاة] تصنع ما بينها وبين شهر فان انقطع عنها وإلا فهي بمنزلة المستحاضة، وروى بسند آخر موثق (4) عن يونس بن يعقوب، عن أبي بصير مثله، وعمل بهما الصدوق في الفقيه (5). وقال الشيخ في النهاية: فان كانت المرأة لها عادة إلا أنه اختلط عليها العادة

 

(1) قرب الاسناد ص 133 ط نجف. (2) قرب الاسناد ص 134. (3 - 4) التهذيب ج 1 ص 108 ط حجر، وهكذا الاستبصار ج 1 ص 65. (5) الفقية ج 1 ص 50.

 

[88]

واضطربت وتغيرت عن أوقاتها وأزمانها فكلما رأت الدم تركت الصلاة والصوم، و كلما رأت الطهر صلت وصامت إلى أن ترجع إلى حال الصحة، وقد روي أنها تفعل ذلك ما بينها وبين شهر، ثم تفعل ما تفعله المستحاضة. وقال في الاستبصار: والوجه في هذين الخبرين أن نحملهما على امرءة اختلطت عادتها في الحيض، وتغيرت أوقاتها، وكذلك أيام أقرائها، واشتبه عليها صفة الدم، ولا يتميز لها دم الحيض من غيره، فانه إذا كان كذلك ففرضها إذا رأت الدم أن تترك الصلاة، وإذا رأت الطهر صلت إلى أن تعرف عادتها. ويحتمل أن يكون هذا حكم امرأة مستحاضة اختلطت عليها أيام الحيض وتغيرت واستمرت بها الدم، وتشبه صفة الدم، فترى ما يشبه دم الحيض ثلاثة أيام أو أربعة أيام، وترى ما يشبه دم الاستحاضة مثل ذلك، ولم يتحصل لها العلم بواحد منها، فان فرضها أن تترك الصلاة كلما رأت ما يشبه دم [الحيض وتصلي كلما رأت ما يشبه دم] الاستحاضة إلى شهر، وتعمل بعد ذلك ما تعمله المستحاضة، ويكون قوله " رأت الطهر ثلاثة أيام أو أربعة أيام " عبارة عما يشبه دم الاستحاضة لان الاستحاضة بحكم الطهر، ولاجل ذلك قال في الخبر " ثم تعمل ما تعمله المستحاضة " وذلك لا يكون إلا مع استمرار الدم انتهى. 8 - قرب الاسناد: عن محمد بن خالد الطيالسي، عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المستحاضة كيف تصنع ؟ قال: إذا مضى وقت طهرها الذي كانت تطهر فيه، فلتؤخر الظهر إلى آخر وقتها، ثم تغتسل ثم تصلي [الظهر والعصر فان كان المغرب فلتؤخرها إلى آخر وقتها ثم تصلي] المغرب والعشاء، فإذا كانت صلاة الفجر فلتغتسل بعد طلوع الفجر ثم تصلي ركعتين قبل الغداة، ثم تصلي الغداة، فقلت: يواقعها الرجل ؟ قال: إذا طال ذلك بها فلتغتسل ولتتوضأ ثم يواقعها، إن أراد (1). بيان: حمل على الكثيرة أو على غير القليلة، ويدل على اشتراط حل الوطي بالغسل والوضوء، كما ذهب إليه جماعة، وذهب جماعة إلى اشتراط جميع الاعمال

 

(1) قرب الاسناد ص 80 ط نجف وص 60 ط حجر.

 

[89]

وجماعة إلى اشتراط الغسل فقط، وقيل: لا يشترط شئ من ذلك فيه، والاحوط رعاية الجميع. 9 - قرب الاسناد: عن علي بن سليمان بن رشيد، عن مالك بن أشيم، عن إسماعيل بن بزيع قال: قلت لابي الحسن الاول عليه السلام إن لنا فتاة وقد ارتفع حيضها، فقال لي: اخضب رأسها بالحناء، فانه سيعود حيضها إلى ما كان، قال: ففعلت فعاد الحيض إلى ما كان (1). ومنه: عن محمد بن عبد الحميد، عن أبي جميلة، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: لا تختضب الحائض (2). ومنه: عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن الفضل بن يونس قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام قلت: المرأة ترى الطهر قبل غروب الشمس كيف تصنع بالصلاة ؟ قال: فقال: إذا رأت الطهر بعدما يمضي من زوال الشمس أربعة أقدام فلا تصل إلا العصر، لان وقت الظهر دخل عليها وهي في الدم، وخرج عنها الوقت وهي في الدم، فلم يجب عليها أن تصلى الظهر، وما طرح الله عنها من الصلاة وهي في الدم أكثر (3). بيان: يدل على أن بناء القضاء على وقت الفضيلة واختاره الشيخ وجماعة، وحملوا الاخبار الدالة على وجوب قضاء الصلاتين مع بقاء مدة يمكنها أداؤهما على الاستحباب، والاكثر عملوا بالاخبار الاخيرة، والاول لا يخلو من قوة وكذا الخلاف فيما إذا رأت الدم في أول الوقت بعد مضي مقدار الصلاتين. 10 - الخصال: عن أحمد بن محمد بن الهيثم وأحمد بن الحسن القطان ومحمد ابن أحمد السناني والحسين المكتب وعبد الله الصايغ وعلي الوراق جميعا، عن أحمد بن يحيى بن زكريا، عن بكر بن عبد الله بن حبيب، عن تميم بن بهلول، عن أبي معاوية، عن الاعمش، عن الصادق عليه السلام قال: الاغسال منها غسل الجنابة

 

(1) قرب الاسناد ص 167 ط نجف. (2) قرب الاسناد ص 168. (3) قرب الاسناد ص 176 طبع نجف.

 

[90]

والحيض، وقال: أكثر أيام الحيض عشرة أيام، وأقلها ثلاثة أيام، والمستحاضة تغتسل وتحتشي وتصلي، والحائض تترك الصلاة ولا تقضيها، وتترك الصوم وتقضيه والنفساء لا تقعد أكثر من عشرين يوما إلا أن تطهر قبل ذلك، وإن لم تطهر بعد العشرين اغتسلت واحتشت وعملت عمل المستحاضة (1). ومنه: عن أحمد بن الحسن القطان، عن الحسن بن علي السكري، عن محمد ابن زكريا البصري، عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام يقول: لا يجوز للمرأة الحائض ولا الجنب الحضور عند تلقين الميت، لان الملائكة تتأذى بهما، ولا يجوز لهما إدخال الميت قبره، ولا تخضب المرأة يديها في حيضها، فانه يخاف عليها الشيطان الخبر (2). ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن الحسن القرشي، عن سليمان بن جعفر البصري، عن عبد الله بن الحسين بن زيد عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله عزوجل كره لكم أيتها الامة أربعا وعشرين خصلة، ونهاكم عنها، وساق الحديث إلى أن قال: وكره للرجل أن يغشى امرأته وهي حائض، فان غشيها فخرج الولد مجذوما أو أبرص فلا يلومن إلا نفسه (3). المحاسن: عن إبراهيم بن الحسن الفارسي عن سليمان بن جعفر البصري عن أبي عبد الله عليه السلام مثله (4). 11 - العيون: عن علي بن عبد الله الوراق، عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن سهل بن زياد، عن عبد العظيم الحسني، عن أبي جعفر الثاني، عن آبائه عليهم السلام

 

(1) الخصال ج 2 ص 152. (2) الخصال ج 2 ص 142. (3) الخصال ج 2 ص 102 ومثله بتمامه في الامالى ص 181. (4) المحاسن ص 321.

 

[91]

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليلة اسري بي إلى السماء رأيت نساء امتي في عذاب شديد، وساق الحديث إلى أن قال: ورأيت امرأة قد شد رجلاها إلى يديها، وقد سلط عليها الحيات والعقارب، لانها كان قذرة الوضوء، قذرة الثياب، وكانت لا تغتسل من الجنابة والحيض، ولا تتنظف وكانت تستهين بالصلاة (1). ومنه: عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري، عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان قال: كتب الرضا عليه السلام للمأمون: من محض الاسلام وشرائع الدين أن غسل الجنابة فريضة، وغسل الحيض مثله، وأكثر الحيض عشرة أيام وأقله ثلاثة أيام، والمستحاضة تحتشي وتغتسل وتصلي، والحائض تترك الصلاة ولا تقضي وتترك الصوم وتقضي، والنفساء لا تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوما، فان طهرت قبل ذلك صلت، وإن لم تطهر حتى تجاوزت ثمانية عشر يوما اغتسلت وصلت وعملت ما تعمل المستحاضة (2). 12 - فقه الرضا: قال عليه السلام: اعلم أن أقل ما يكون أيام الحيض ثلاثة أيام، وأكثر ما يكون عشرة أيام، فعلى المرأة أن تجلس عن الصلاة بحسب عادتها ما بين الثلاثة إلى العشرة، لا تطهر في أقل من ذلك، ولا تدع الصلاة أكثر من عشرة أيام، والصفرة قبل الحيض حيض، وبعد أيام الحيض ليست من الحيض. فإذا زاد عليها الدم على أيامها اغتسلت في كل يوم مع الفجر واستدخلت الكرسف وشدت وصلت، ثم لا تزال تصلي يومها ما لم تظهر الدم فوق الكرسف والخرقة، فإذا ظهرت أعادت الغسل وهذه صفة ما تعمله المستحاضة، بعد أن تجلس أيام الحيض على عادتها، والوقت الذي يجوز فيه نكاح المستحاضة وقت الغسل، وبعد أن تغتسل وتنظف، لان غسلها يقوم مقام الطهر للحائض. والنفساء تدع الصلاة أكثره مثل أيام حيضة، وهي عشرة أيام، وتستظهر بثلاثة أيام ثم تغتسل، فإذا رأت الدم عملت كما تعمل المستحاضة، وقد روي ثمانية

 

(1) عيون الاخبار ج 2 ص 11. (2) عيون الاخبار ج 2 ص 123 و 124. (*)

 

[92]

عشر يوما، وروي ثلاثة وعشرين يوما، وبأي هذه الاحاديث أخذ من جهة التسليم جاز. والحامل إذا رأت الدم في الحمل كما كانت تراه تركت الصلاة أيام الدم فان رأت صفرة لم تدع الصلاة، وقد روي أنها تعمل ما تعمله المستحاضة إذا صح لها الحمل، فلا تدع الصلاة، والعمل من خواص الفقهاء على ذلك، واعلم أن أول ما تحيض المرأة دمها كثير ولذلك صار حدها عشرة أيام، فإذا دخلت في السن نقص دمها حتى يكون قعودها تسعة أو ثمانية أو سبعة، وأقل من ذلك حتى ينتهى إلى أدنى الحد وهو ثلاثة أيام، ثم ينقطع الدم عليها، فتكون ممن قد يئست من الحيض. وتفسير المستحاضة أن دمها يكون رقيقا تعلوه صفرة، ودم الحيض إلى السواد وله رقة [حرقة] ظ فإذا دخلت المستحاضة في حد حيضتها الثانية، تركت الصلاة حتى تخرج الايام التي تقعد في حيضها فإذا ذهب عنها الدم، اغتسلت وصلت، وربما عجل الدم من الحيضة الثانية. والحد بين الحيضتين القرء، وهو عشرة أيام بيض فان زاد الدم بعد اغتسالها من الحيض قبل استكمال عشرة أيام بيض، فهو ما بقي من الحيضة الاولى، وإن رأت الدم بعد العشرة البيض، فهو ما تعجل من الحيضة الثانية، فإذا دام دم المستحاضة ومضى عليها مثل أيام حيضها أتاها زوجها متى ما شاء بعد الغسل أو قبله. ولا تدخل المسجد الحائض إلا أن تكون مجتازة، ويجب عليها عند حضور كل صلاه أن تتوضأ وضوء الصلاة، وتجلس مستقبل القبلة، وتذكر الله بمقدار صلاتها كل يوم وإن رأت يوما أو يومين فليس ذلك من الحيض، ما لم تر ثلاثة أيام متواليات، وعليها أن تقضي الصلاة التي تركتها في اليوم واليومين (1). وإن رأت الدم أكثر من عشرة أيام فلتقعد عن الصلاة عشرة، ثم تغتسل يوم حادي عشر، وتحتشي وتغتسل، فان لم يثقب الدم القطن صلت صلواتها كل صلاة بوضوء

 

(1) فقه الرضا عليه السلام ص 21.

 

[93]

وإن ثقب الدم الكرسف ولم يسل صلت صلاة الليل والغداة بغسل واحد، وساير الصلوات بوضوء، وإن ثقب الدم الكرسف وسال صلت صلاة الليل والغداة بغسل، والظهر والعصر بغسل، وتؤخر الظهر قليلا وتعجل العصر، وتصلي المغرب والعشاء الآخرة بغسل واحد، وتؤخر المغرب قليلا وتعجل العشاء الآخرة فإذا دخلت في أيام حيضها تركت الصلاة، ومتى ما اغتسلت على ما وصفت، حل لزوجها أن يغشاها. وإذا رأت الصفرة في أيام حيضها فهو حيض، وإن رأت بعدها فليس من الحيض وإذا أرادت الحائض بعد الغسل من الحيض فعليها أن تستبرئ والاستبراء أن تدخل قطنة فان كان هناك دم خرج ولو مثل رأس الذباب [فان خرج] ظ لم تغتسل، وإن لم يخرج اغتسلت. وإذا أرادت المرأة أن تغتسل من الجنابة فأصابها الحيض، فلتترك الغسل حتى تطهر، فإذا طهرت اغتسلت غسلا واحدا للجنابة والحيض. وإذا رأت الصفرة أو شيئا من الدم فعليها أن تلصق بطنها بالحائط، وترفع رجلها اليسرى كما ترى الكلب إذا بال، وتدخل قطنة، فان خرج فيها دم فهي حائض، وإن لم يخرج فليست بحائض. وإن اشتبه عليها الحيض ودم قرحة فربما كان في فرجها قرحة، فعليها أن تستلقي على قفاها وتدخل أصابعها، فان خرج الدم من الجانب الايمن فهو من القرحة، وإن خرج من الجانب الايسر فهو من الحيض. وإن اقتضها زوجها ولم يرقأ دمها، ولا تدري دم الحيض هو أم دم العذرة ؟ فعليها أن تدخل قطنة، فان خرجت القطنة مطوقة بالدم فهو من العذرة، وإن خرجت منغمسة فهو من الحيض. واعلم أن دم العذرة لا يجوز الشفرتين، ودم الحيض حار يخرج بحرارة شديدة، ودم المستحاضة بارد يسيل، وهي لا تعلم، وبالله التوفيق (1).

 

(1) فقه الرضا ص 22.

 

[94]

بيان: كون أقل الحيض ثلاثة، وأكثره عشرة، مما أجمع عليه الاصحاب وقوله " والصفرة قبل الحيض " هو مضمون خبر رواه الشيخ (1) بسند فيه ضعف عن الصادق عليه السلام وكونه قبل الحيض حيضا حمل على ما إذا كان قريبا منه، كما ورد في خبر آخر بيومين، (2) وذلك لان العادة قد تتقدم، وأما بعد الحيض فمحمول على ما إذا رأت العادة وتجاوز عنها، فانه في حكم الاستحاضة بعد الاستظهار، مع التجاوز عن العشرة، بل أيام الاستظهار أيضا، إذ يظهر من بعض الاخبار اشتراط الاستظهار بالتميز. ثم اعلم أن المشهور في المستحاضة المتوسطة أنها تغتسل للصبح، وتتوضأ لسائر الصلوات، كما هو ظاهر هذا الخبر أولا وأخيرا، ونقل عن ابن الجنيد و ابن أبي عقيل أنهما سويا بين هذا القسم وبين الكثيرة في وجوب ثلاثة أغسال، وبه جزم في المعتبر، ورجحه في المنتهى، وإليه ذهب جماعة من محققي المتأخرين، و هو أظهر في أكثر الاخبار، ويظهر من بعضها أنها بحكم القليلة، وذهب ابن أبي عقيل إلى وجوب غسل واحد في اليوم والليلة في القليلة كما يفهم من أول هذا الخبر أيضا. ثم إن الظاهر من كلام الاكثر أن المتوسطة هي التي تثقب دمها الكرسف ولم يسل منه إلى الخرقة، والكثيرة هي التي تعدى دمها إلى الخرقة، وإنما ذكروا تغيير الخرقة في المتوسطة لوصول رطوبة الدم إليها بالمجاورة، وكلام المفيد في المقنعة يدل على وصول الدم إلى الخرقة في المتوسطة وسيلانه عن الخرقة في الكثيرة، و كذا ذكره المحقق الشيخ على في بعض حواشيه كما يظهر من بعض الروايات، و ما ذكر في هذا الخبر أخيرا يدل على الاول، وما ذكر أولا يدل على الاخير، ويدل على اشتراط الوطي بالغسل فقط. ثم إن الاصحاب اختلفوا في أنه هل يجتمع الحيض مع الحمل ؟ أم لا بل

 

(1) التهذيب ج 1 ص 44. (2) التهذيب ج 1 ص 113.

 

[95]

ما تراه مع الحمل استحاضة، فذهب الصدوق والسيد والعلامة وجماعة إلى الاجتماع مطلقا، وقال الشيخ في النهاية وكتابي الاخبار: ما تجده في أيام عادتها يحكم بكونه حيضا، وما تراه بعد عادتها بعشرين يوما فليس بحيض، واستحسنه المحقق في المعتبر. ونقل عن الشيخ في الخلاف أنه قال إجماع الفرقة على أن الحامل المستبين حملها لا تحيض، وإنما اختلفوا في حيضها قبل أن يستبين حملها، ونحوه قال في المبسوط وقال ابن الجنيد والمفيد: لا يجتمع حيض مع حمل، ويظهر من هذا الخبر أن أخبار الاجتماع محمولة على التقية لكن أكثر العامة على عدم الاجتماع والقول بالتفصيل لا يخلو من قوة، ولا خلاف في أن أقل الطهر عشرة أيام، ويدل على أن القرء هو الطهر. قوله " أو قبله " مناف لما مر وسيأتي، ولعله كان لاقبله فصحف، وإن أمكن حمل ما مر وسيأتي على الاستحباب، أو على مستحاضة لم تدم الدم عليها، وهذا عليها. وعدم جواز لبث الحائض في المساجد هو المشهور والمعتمد وذهب سلار إلى الكراهة، وكذا جواز الاجتياز هو المشهور بينهم مع عدم نجاسة في الظاهر وأما معها فلا يجوزه من لا يجوز إدخال النجاسة التي لا تتعدى إليه، والاظهر الجواز. وأما وضوؤها وجلوسها في مصلاها مستقبلة ذاكرة فالمشهور استحبابه، و ظاهر الخبر الوجوب كما نسب إلى الصدوق، وقال المفيد: تجلس ناحية من مصلاها. واختلف الاصحاب في اشتراط التوالي في الايام الثلاثة التي هي أقل الحيض فذهب الاكثر إلى التوالي، وقال الشيخ في النهاية: إن رأت يوما أو يومين ثم رأت قبل انقضاء العشرة ما يتم به ثلاثة فهو حيض، وإن لم تر حتى تمضي عشرة، فليس بحيض، واتفق الفريقان على اشتراط كون الثلاثة في جملة العشرة. واختلفوا في معنى التوالي وظاهر الاكثر الاكتفاء بحصول مسمى الدم في


 

[96]

كل واحد من الايام الثلاثة، وإن لم يستوعبه، ولعل ذلك ظاهر عموم الروايات واعتبر مع ذلك بعض المتأخرين رؤيته في اولى ليلة من الشهر مثلا، وفي آخر يوم من اليوم الثالث، بحيث يكون عند غروبه موجودا، وفي اليوم الوسط أي جزء كان منه، وبعضهم اعتبر الاتصال في الثلاثة بحيث متى وضعت الكرسف تلوث وظاهر الاصحاب أن الليالي معتبرة في الثلاثة، وبه صرح ابن الجنيد ولعله يظهر من الاخبار أيضا. ثم الظاهر من كلام بعض الاصحاب أنه على القول بعدم اشتراط التوالي لو رأت الاول والخامس والعاشر فالثلاثة حيض لا غير، ومقتضاه أن أيام النقاء طهر، وهو مشكل لما مر من الاجماع على أقل الطهر، وأيضا فقد صرح المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى وغيرهما من الاصحاب بأنها لو رأت ثلاثة ثم رأت العاشر كانت الايام الاربعة وما بينها من أيام النقاء حيضا، والحكم فيهما واحد. وقوله " صلت صلاة الليل " يدل على ما ذكره الاصحاب أن المتنفلة تضم صلاة الليل إلى صلاة الغداة، بل لا خلاف بينهم فيه، واعترف أكثر المتأخرين بعدم المستند فيه. قوله عليه السلام " وتعجل العصر " لما كان الظاهر أن التعجيل والتأخير لايقاع كل منهما في وقت الفضيلة، مع الجمع، فالمراد بالتعجيل عدم التأخير عن أول الوقت كما يكون غالبا، لا إيقاعها قبل الوقت وإن كان يحتمله. قوله " وإذا أرادت الحائض بعد " أي بعد انقطاع الدم. وهذا الكلام أورده في الفقيه (1) إلى قوله وهي لا تعلم، وذكر أنه كتبه والده في رسالته إليه. قوله " أو شيئا من الدم " أي مما يحصل من الدم من الرطوبات، ولم تعلم أنه دم، وفي الفقيه (2) إذا رأت الصفرة والنتن، وفي بعض النسخ الشئ وهو أظهر، و

 

(1) راجع الفقيه ج 1 ص 50. (2) الفقيه ج 1 ص 54.

 

[97]

رواه الشيخ في الموثق عن أبي عبد الله عليه السلام (1) وفيها: وترفع رجلها على حائط. وأما كون الخروج من الجانب الايسر علامة للحيض، فاختلف فيه كلام الاصحاب، فذهب الاكثر منهم الصدوق والشيخ في النهاية والمبسوط وابن إدريس والعلامة إلى أن الخارج من الايسر حيض، كما هنا، والمنقول عن ابن الجنيد أن الحيض يعتبر من الجانب الايمن، وكلام الشهيد في كتبه مختلف، ومنشأ هذا الاختلاف اختلاف الرواية، فقد روى الشيخ في التهذيب (2) عن محمد بن يحيى مرفوعا عن أبان قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: فتاة منا قرحة في جوفها، والدم سائل لا تدري من دم الحيض أو من دم القرحة، فقال: مرها فلتستلق على ظهرها، وترفع رجليها، وتستدخل أصبعها الوسطى، فان خرج الدم من الجانب الايسر فهو من الحيض وإن خرج من الجانب الايمن فهو من القرحة. هكذا وجدنا في النسخ المعتبرة، ونقله المحقق في المعتبر عن التهذيب، وروى الكليني هذا الحديث بعينه (3) إلى قوله " فان خرج من الجانب الايمن فهو من الحيض، وإن خرج من الجانب الايسر فهو من القرحة " وبه أفتى ابن الجنيد. وفي نسخ التهذيب التي كانت عند ابن طاووس - ره - كما في الكافي، ولذا طرح بعض الاصحاب هذه الرواية، ولم يعملوا بها لضعفها واختلافها، ومخالفتها للاعتبار لاحتمال كون القرحة في كل من الجانبين، ولا يخلو من قوة. قوله: " ولم يرق دمها " قال الجوهري رقأ الدم يرقى سكن، والحكم المذكور مشهور بين الاصحاب والمحقق في المعتبر، قال: لا ريب في أنها إذا خرجت مطوقة كانت من العذرة، فان خرجت مستنقعة فهو محتمل، ولم يجزم بالحكم الثاني، ولا وجه له، إذ كل دم يمكن أن يكون حيضا فهو حيض، و

 

(1) التهذيب ج 1 ص 45. (2) التهذيب ج 1 ص 110 ط حجر. (3) الكافي ج 3 ص 94.

 

[98]

الكلام في مثله كما هو الظاهر، ووجه دلالة تطوق الدم على كونه دم عذرة أن الاقتضاض ليس إلا خرق الجلدة الرقيقة المنتسجة على الرحم، فإذا خرقت خرج الدم من جوانبها بخلاف دم الحيض. وقوله: " ودم العذرة " لعله علامة اخرى للفرق بينهما، والشفر بالضم حرف الفرج ذكره الجوهري. 13 - كتاب عبد الله بن يحيى الكاهلى: قال: سمعت العبد الصالح عليه السلام يقول في الحايض: إذا انقطع عنها الدم ثم رأت صفرة فليس بشئ، تغتسل ثم تصلي. 14 - المحاسن: عن أبيه، عن خلف بن حماد الكوفي قال: تزوج بعض أصحابنا جارية معصرا لم تطمث، فلما اقتضها سال الدم فمكث، سائلا لا ينقطع نحوا من عشرة أيام، قال: فأروها القوابل، ومن ظن أنه يبصر ذلك من النساء فاختلفن: فقال بعضهن هذا دم الحيض، وقال بعضهن هو دم العذرة، فسألوا عن ذلك فقهاءهم أبا حنيفة وغيره من فقهائهم، فقالوا هذا شئ قد أشكل علينا، و الصلاة فريضة واجبة، فلتتوضأ ولتصل، وليمسك عنها زوجها حتى ترى البياض فان كان دم الحيض لم تضرها الصلاة، وإن كان دم العذرة كانت قد أدت الفريضة ففعلت الجارية ذلك. وحججت في تلك السنة، فلما صرنا بمنى، بعثت إلى أبي الحسن عليه السلام فقلت: جعلت فداك إن لنا مسألة قد ضقنا بها ذرعا، فان رأيت أن تأذن لي فأتيك فأسألك عنها، فبعث إلي: إذا هدأت الرجل، وانقطع الطريق، فأقبل إنشاء الله. قال خلف: فرعيت الليل حتى إذا رأيت الناس قد قل اختلافهم بمنى، توجهت إلى مضربه، فلما كنت قريبا إذا أنا بأسود قاعد على الطريق، فقال: من الرجل ؟ فقلت: رجل من الحاج قال: ما اسمك ؟ قلت: خلف بن حماد، فقال: ادخل بغير إذن فقد أمرني أن أقعد ههنا، فإذا أتيت أذنت لك، فدخلت


 

[99]

فسلمت فرد علي السلام وهو جالس على فراشه وحده، ما في الفسطاط غيره. فلما صرت بين يديه، سألني عن حالي فقلت له: إن رجلا من مواليك تزوج جارية معصرا لم تطمث، فافترعها فغلب الدم سائلا نحوا من عشرة أيام، وإن القوابل اختلفن في ذلك، فقال: بعضهن دم الحيض، وقال بعضهن دم العذرة، فما ينبغي لها أن تصنع ؟ قال: فلتتق الله، فان كان من دم الحيض فلتمسك عن الصلاة حتى ترى الطهر، وليمسك عنها بعلها، وإن كان من العذرة فلتتق الله ولتتوضأ ولتصل، وليأتها بعلها إن أحب ذلك. فقلت له: وكيف لهم أن يعلموا ما هو حتى يفعلوا ما ينبغي ؟ قال: فالتفت يمينا وشمالا في الفسطاط مخافة أن يسمع كلامه أحد، قال: ثم نهد إلي فقال: يا خلف سر الله سر الله، فلا تذيعوه، ولا تعلموا هذا الخلق اصول دين الله، بل ارضوا لهم بما رضي الله لهم من ضلال، قال: ثم عقد بيده اليسرى تسعين ثم قال تستدخل القطنة ثم تدعها مليا ثم تخرجها إخراجا رفيقا، فان كان الدم مطوقا في القطنة فهو من العذرة، وإن كان مستنقعا في القطنة، فهو من الحيض. قال خلف: فاستخفني الفرح فبكيت، فقال: ما ابكاك ؟ بعدما سكن بكائي فقلت: جعلت فداك من كان يحسن هذا غيرك، قال: فرفع رأسه إلى السماء، و قال: إني والله ما اخبرك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وآله عن جبرئيل عن الله عزوجل (1). تبيين: قال الجوهري: المعصرة الجارية أول ما أدركت وحاضت، يقال قد أعصرت، كأنها دخلت عصر شبابها أو بلغته، ويقال: هي التي قاربت الحيض لان الاعصار في الجارية كالمراهقة في الغلام، وفي النهاية المعصر الجارية أول ما تحيض لاعصار رحمها انتهى، والاقتضاض إزالة البكارة. قوله: " ويبصر ذلك " قال الشيخ البهائي - رحمه الله - أي له بصارة فيه، والعذرة بالضم البكارة، ويراد بالبياض الطهر ويقال: ضاق بالامر ذرعا أي ضعفت طاقته عنه، وفي النهاية فيه إياكم والسمر بعد هدأة الرجل: الهدأة والهدء:

 

(1) المحاسن ص 307 - 308.

 

[100]

السكون عن الحركات، أي بعدما يسكن الناس عن المشي والاختلاف في الطرق، والمضرب بكسر الميم الفسطاط العظيم، والفسطاط بيت من شعر، وفي الكافي سألني وسالته عن حاله، ففي كلتا النسختين سقط، والافتراع اقتضاض البكر. قوله عليه السلام: " ولتتوضأ " أي للاحداث الاخر، أو أراد به غسل الفرج، ونهد إلي أي نهض، قوله عليه السلام: " ولا تعلموا " يدل بظاهره على أن تعليم أمثال هذه المسائل غير واجب، ويمكن أن يكون عليه السلام أراد بالاصول مآخذ الاحكام اي لا تعرفوهم من أين أخذتم دلايلها. وقوله عليه السلام: " ارضوا لهم ما رضي الله لهم " أي أقروهم على ما أقرهم الله عليه، وليس المراد حقيقة الرضا كما ذكره الشيخ البهائي قدس الله روحه. وقال في قول الراوي: وعقد بيده اليسرى تسعين. أراد به أنه عليه السلام وضع رأس ظفر مسبحة يسراه على المفصل الاسفل من إبهامه، ولعله عليه السلام إنما آثر العقد باليسرى، مع أن العقد باليمنى أخف وأسهل تنبيها على أنه ينبغي لتلك المرءة إدخال القطنة بيسراها صونا لليد اليمنى عن مزاولة أمثال هذه الامور كما كره الاستنجاء بها، وفيه أيضا دلالة على أن إدخالها يكون بالابهام صونا للمسبحة عن ذلك. بقي ههنا شئ لابد من التنبيه عليه، وهو أن هذا العقد الذي ذكره الراوي إنما هو عقد تسع مائة لا عقد تسعين، فان أهل الحساب وضعوا عقود أصابع اليد اليمنى للآحاد والعشرات، وأصابع اليسرى للمآت والالوف، وجعلوا عقود المآت فيها على صور عقود العشرات في اليمنى، من غير فرق كما تضمنته رسائلهم المشهورة، فلعل الراوي وهم في التعبير أو أن ما ذكره اصطلاح في العقود غير مشهور، وقد وقع مثله في حديث العامة، روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وآله وضع يده اليمنى في التشهد على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثة وخمسين (1).

 

(1) عقد الثلاثة باصطلاحهم أن تثنى الخنصر والبنصر والوسطى من اليمنى لكن تضع رؤس الانامل قريبة من اصولها وفي التسعة تقعد تلك الاصابع أيضا لكن تبسط

 

[101]

وقال شراح ذلك الكتاب إن هذا غير منطبق على ما اصطلع عليه أهل الحساب، وأن الموافق لذلك الاصطلاح أن يقال وعقد تسعة وخمسين انتهى. وقال في النهاية: فيه " فتح اليوم من ردم يأجوج مثل هذه " وعقد بيده تسعين، عقد التسعين من موضوعات الحساب، وهو أن يجعل رأس الاصبع السبابة في أصل الابهام، ويضمها حتى لا يتبين بينهما إلا خلل يسير انتهى، قوله عليه السلام: " مليا " أي وقتا طويلا. 15 - المحاسن: عن أبيه، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن زياد بن سوقة عن أبي جعفر عليه السلام في رجل اقتض امرأته أو أمته فرأت دما كثيرا لا ينقطع عنها يومها، قال تمسك الكرسف معها، فان خرجت القطنة مطوقة بالدم، فانه من العذرة، فتغتسل وتمسك معها قطنة وتصلي، وإن خرجت القطنة منغمسة في الدم فهو من الطمث، فتقعد عن الصلاة أيام الحيض (1). بيان: المراد بالغسل غسل الجنابة، وإمساك القطنة للتحفظ من تعدي الدم إلى ظاهر الفرج في أثناء الصلاة، وقال الشيخ البهائي قدس سره يمكن أن يستنبط وجوب عصب الجروح ومنع دمها من التعدي حال الصلاة، إذا لم تكن فيه مشقة. 16 - السرائر: من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن

 

الاصابع على الكف مائلة أناملها إلى جهة الرسغ، وللخمسين تجعل السبابة منتصبة وتضع الابهام على الكف محاذيا للسبابة، فيحصل من ثلاثة وخمسين هيئة من يشير بيده للشهادة وبسط الانامل الثلاثة على الكف أنسب بها، فلهذا حملوا الخبر عليه. هذا هو الموافق لما وجدناه في كتب الحساب، وقال الابى: واعلم أن قوله " عقد ثلاثة وخمسين " شرطه عند أهل الحساب أن يضع طرف الخنصر على البنصر، وليس ذلك مرادا هنا، بل المراد أن يضع الخنصر على الراحة، ويكون على صورة يسميها أهل الحساب تسعة، منه، كذا بخطه قدس سره في نسخة الاصل. (1) المحاسن ص 307.

 

[102]

علي بن الحكم، عن إسحاق بن جرير قال: سألتني امرأة منا أن أستأذن لها على أبي عبد الله عليه السلام، فاستأذنت لها، فدخلت عليه، ومعها مولاة لها، فقالت: أصلحك الله ما تقول في المرءة تحيض فيجوز أيام حيضها ؟ قال: إن كان أيام حيضها دون عشرة أيام استظهرت بيوم واحد ثم هي استحاضة، قالت: فان استمر بها الدم الشهر والشهرين والثلاثة، كيف تصنع بالصلاة ؟ قال: تجلس أيام حيضها، ثم تغتسل لكل صلاتين، قال: فان كان أيام حيضها تختلف عليها فيتقدم الحيض اليوم واليومين والثلاثة ويتأخر مثل ذلك، فما علمها به ؟ قال: ان دم الحيض ليس به خفاء، هو دم حار له حرقة. ودم الاستحاضة دم فاسد بارد، قال: فالتفتت إلى مولاتها أترينه كان أمرأة مرة (1). توضيح: يدل على الاستظهار، وهو طلب ظهور الحال في كون الدم حيضا أو طهرا، بترك العبادة بعد العادة يوما أو أكثر ثم الغسل بعده، واختلف في أنه على الوجوب أو على الاستحباب، والاخير أشهر، والاول أحوط، و اختلف أيضا في قدر زمانه، فقال الشيخ في النهاية: تستظهر بعد العادة بيوم أو يومين وهو قول الصدوق والمفيد، وقال في الجمل: إن خرجت ملوثة بالدم، فهي بعد حائض، تصبر حتى تنقى، وقال المرتضى في المصباح: تستظهر إلى عشرة أيام، والاحوط عدم التعدي عن الثلاثة، ويدل على أن المضطربة ترجع إلى العادة ثم إلى التميز كما ذكره الاصحاب. 17 - المبسوط: روي عنهم عليهم السلام أن الصفرة في أيام الحيض حيض، وفي أيام الطهر طهر (2). 17 - المعتبر: من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب، عن أبي أيوب عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام في الحائض إذا رأت دما بعد أيامها التي كانت ترى الدم فيها، فلتقعد عن الصلاة يوما أو يومين ثم تمسك قطنة، فان صبغ

 

(1) السرائر ص 477. (2) المبسوط ج 1 ص 44 ط المكتبة المرتضوية، وص 16 ط حجر.

 

[103]

القطنة دم لا ينقطع، فلتجمع بين كل صلاتين بغسل، ويصيب منها زوجها إن أحب وحلت لها الصلاة (1). بيان: ظاهر الاخبار عدم الفرق بين التجاوز عن العشرة وعدمه، والمشهور أنه إن انقطع على العشرة أو قبلها، تعد الجميع حيضا، ولا يظهر ذلك من الاخبار وإن كان الاحوط قضاء الصوم، وإن لم ينقطع بل تجاوزها تعد العادة حيضا، وما بعدها استحاضة، وظاهر الاكثر كون أيام الاستظهار أيضا كذلك، والاظهر أنها بحكم الحيض، ولا تقضي عبادتها كما اختاره جماعة من المحققين. ثم إن المعتادة لا تخلو إما أن تكون ذات تميز أم لا، وعلى الثاني فلا ريب في أن التعويل على العادة، وعلى الاول فلا يخلو أن تكون العادة والتميز متوافقين في الوقت والعدد أم لا، فان توافقا فلا خفاء في المسألة أيضا، وإن تخالفا فلا يخلو إما أن يكون بينهما أقل الطهر أم لا، فان كان بينهما أقل الطهر فالذي قطع به جماعة من الاصحاب أنها تجعلهما حيضا ولا يخلو من إشكال بحسب النصوص، فان مقتضاها جعل العادة حيضا، والباقي استحاضة، ويظهر من العلامة في النهاية التردد بين جعلها حيضا [وبين التعويل على التميز] وبين التعويل على العادة، وإن لم يكن بينهما أقل الطهر فان أمكن الجمع بينهما، بأن لا يتجاوز المجموع عن العشرة، فالذي صرح به غير واحد من المتأخرين هو أنها تجمع بينهما، وللشيخ فيه قولان أحدهما ترجيح التميز والآخر ترجيح العادة، ولعله أرجح، وإن كان الجمع لا يخلو من قوة، وإن لم يمكن الجمع بينهما كما إذا رأت في العادة صفرة وقبلها أو بعدها بصفة الحيض، وتجاوز المجموع العشرة، فالاشهر الرجوع إلى العادة، ولعله أقرب، وقيل ترجع إلى التميز، و قيل بالتخيير، وقيل غير ذلك. ولو لم تكن للمرأة عادة، وكان لها تميز رجعت إلى التميز، وعند الاصحاب أنه لا فرق في ذلك بين أن تكون مبتدئة أو مضطربة، لكن المستفاد

 

(1) المعتبر: 57.

 

[104]

من رواية يونس اختصاص الرجوع إلى التميز بالمضطربة، ورجوع المبتدئة إلى العمل بالسبع، أو الست، والاول هو المشهور بل قال المحقق والعلامة أنه مذهب علمائنا. 19 - العلل: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن الحسين بن سعيد عن علي بن الحكم، عن المفضل بن صالح، عن جابر الجعفي، عن إبراهيم القرشي قال: كنا عند ام سلمة، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام: لا يبغضكم إلا ثلاثة: ولد زنا، ومنافق، ومن حملت به امه وهي حايض (1) ومنه: باسناده عن جابر، عن أبي أيوب، عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي عليه السلام: لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق أو ولد زنية أو من حملته امه وهي طامث (2). 20 - الخصال: باسناده عن أبي رافع، عن علي عليه السلام أنه قال: من لم يحب عترتي فهو لاحدى ثلاث: إما منافق، وإما لزنية، وإما امرء حملت به امه في غير طهر (3). أقول: قد مضت هذه الاخبار مع أخبار اخر بأسانيدها في المجلد التاسع (4). 21 - مجالس الشيخ: عن الحسين بن عبيدالله بن إبراهيم، عن هارون بن موسى التلعكبري، عن محمد بن همام، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن خالد الطيالسي، عن زريق بن الزبير الخرقاني قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام عن امرءة حامل رأت الدم، فقال: تدع الصلاة، قال: فانها رأت الدم وقد أصابها الطلق، فرأته وهي تمخض ؟ قال: تصلي حتى يخرج رأس الصبي، فإذا

 

(1) علل الشرائع ج 1 ص 135. (2) المصدر ج 1 ص 138. (3) الخصال ج 1 ص 54. (4) راجع ج 39 الباب 87 من هذه الطبعة.

 

[105]

خرج رأسه لم يجب عليها الصلاة، وكل ما تركته من الصلاة في تلك الحال لوجع أو لما هي فيه من الشدة والجهد قضته إذا خرجت من نفاسها. قال: جعلت فداك ما الفرق بين دم الحامل ودم المخاض ؟ قال: إن الحامل قذفت بدم الحيض، وهذه قذفت بدم المخاض إلى أن يخرج بعض الولد، فعند ذلك يصير دم النفاس، فيجب أن تدع في النفاس والحيض، فأما ما لم يكن حيضا أو نفاسا فانما ذلك من فتق في الرحم (1). ايضاح: يدل على اجتماع الحيض مع الحمل، وقد سبق الكلام فيه وعلى أن ما تراه عند المخاض لا يكون حيضا، والمشهور بين القائلين بالاجتماع أنه حيض، وفي اشتراط أقل الطهر بينه وبين النفاس قولان أشهرهما العدم، وهو مختار العلامة في التذكرة والمنتهى، ولا يبعد أن يكون بناء الرواية على الفاصلة، إذ الغالب عدمها، ويدل على عدم كونه حيضا موثقة (2) عمار أيضا ويدل على كونه حيضا رواية السكوني (3) ولا يبعد حملها على التقية، ولعل النفي أقوى. ويدل على أن ما تراه مع الولادة نفاس، كما اختاره جماعة من المحققين، وظاهر الشيخ في الخلاف والمبسوط والجمل، والمرتضى في المصباح أنه ليس بنفاس إلا بعد أن يخرج الولد، وأول كلامهما بعض الاصحاب و المعتمد الاول. 22 - المعتبر: من كتاب ابن أبي نصر البزنطي، عن بعض أصحابنا قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: المرءة التي قد يئست من المحيض حدها خمسون سنة (4). 23 - المبسوط: تيئس المرءة إذا بلغت خمسين سنة إلا أن تكون امرأة

 

(1) أمالى الصدوق ص 77. (2) التهذيب ج 1 ص 124. (3) التهذيب ج 1 ص 110. (4) المعتبر ص 53.

 

[106]

من قريش، فانه روي أنها ترى دم الحيض إلى ستين سنة (1). بيان: لا خلاف بين الاصحاب في أن ما تراه المرأة بعد سن اليأس ليس بحيض، وإنما اختلفوا فيما يتحقق به اليأس، فذهب الشيخ في النهاية إلى أنه خمسون مطلقا، وقيل باعتبار الستين، وهو قول المحقق في بعض المواضع، والمشهور بين الاصحاب اعتبار الخمسين في غير القرشية، والستين فيها، ومن أصحاب هذا القول من ألحق النبطية بالقرشية، ومع عدم وضوح معناها اعترفوا بعدم النص فيها، وبالمشهور يجمع بين الروايات وإن كان الاول أقوى سندا، و الاحوط في القرشية بعد الخمسين إلى الستين الجمع بين العملين، والقرشية من انتسبت بأبيها إلى النضر بن كنانة على المشهور أو بامها على قول قوي. 24 - العلل (2) والعيون: عن عبد الواحد بن عبدوس، عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: فان قال: فلم إذا حاضت المرءة لا تصوم ولا تصلي ؟ قيل: لانها في حد النجاسة، فأحب أن لا يعبد إلا طاهرا ولانه لا صوم لمن لا صلاة له. فان قال: ولم صارت تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة ؟ قيل: لعلل شتى: فمنها أن الصيام لا يمنعها من خدمة نفسها، وخدمة زوجها، وإصلاح بيتها، والقيام بامورها، والاشتغال بمرمة معيشتها، والصلاة تمنعها من ذلك كله، لان الصلاة تكون في اليوم والليلة مرارا، فلا تقوى على ذلك، والصوم ليس كذلك. ومنها أن الصلاة فيها عناء وتعب، واشتغال الاركان، وليس في الصوم شئ من ذلك، وإنما هو الامساك عن الطعام والشراب، وليس فيه اشتغال الاركان. ومنها أنه ليس من وقت يجئ إلا تجب عليها فيه صلاة جديدة في يومها

 

(1) المبسوط ج 1 ص 42. (2) علل الشرايع ج 1 ص 257. (*)

 

[107]

وليلتها، وليس الصوم كذلك لانه ليس كلما حدث يوم وجب عليها الصوم، و كلما حدث وقت الصلاة وجب عليها الصلاة (1). 25 - نهج البلاغه: عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: معاشر الناس ! إن النساء نواقص الايمان، نواقص العقول، نواقص الحظوظ، فأما نقصان إيمانهن فقعودهن عن الصلاة والصيام في أيام حيضهن، وأما نقصان عقولهن فشهادة الامرأتين كشهادة الرجل الواحد، وأما نقصان حظوظهن فمواريثهن على الانصاف من مواريث الرجال (2). 26 - المحاسن: عن صفوان بن يحيى، عن عبد الرحمن بن الحجاج، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن السنة لا تقاس، ألا ترى أن المرءة تقضي صومها، ولا تقضي صلاتها، الحديث (3). 27 - العلل: عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن إبراهيم ابن هاشم: عن أحمد بن عبد الله العقيلي، عن عيسى بن عبد الله القرشي رفعه عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث أنه قال لابي حنيفة: أيهما أعظم الصلاة أم الصوم ؟ قال: الصلاة، قال: فما بال الحايض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة ؟ فاتق الله و لا تقس (4). وعن أبيه ومحمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله عن شبيب بن أنس، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله (5). وعن أحمد بن الحسن القطان، عن عبد الرحمن بن أبي حاتم، عن أبي زرعة، عن هشام بن عمار، عن محمد بن عبد الله القرشي، عن ابن شبرمة، عن أبي

 

(1) عيون الاخبار ج 2 ص 117. (2) نهج البلاغة تحت الرقم 78 من قسم الخطب. (3) المحاسن ص 214. (4) علل الشرائع ج 1 ص 81 فليراجع. (5) علل الشرايع ج 1 ص 85.

 

[108]

عبد الله عليه السلام مثله (1). 28 - العيون: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن عثمان بن عيسى، عن بعض أصحابه، عن موسى بن جعفر عليه السلام أنه قال لابي يوسف: في في حديث تظليل المحرم: ما تقول في الحائض تقضي الصلاة ؟ قال: لا، قال: تقضي الصيام ؟ قال: نعم، قال: ولم ؟ قال: هكذا جاء، فقال أبو الحسن عليه السلام: وهكذا جاء هذا (2). 29 - رجال الكشى: عن محمد بن مسعود، عن ابن المغيرة، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، أن أبا عبد الله عليه السلام قال: إن أهل الكوفة لم يزل فيهم كذاب، ثم ذكر المغيرة فقال: إنه كان يكذب على أبي حديثا إن نساء آل محمد حضن فقضين الصلاة، وكذب لعنه الله، ما كان شئ من ذلك ولا حدثه (3). 30 - المحاسن: عن أبيه، عن صفوان، عن منصور بن حازم، عمن ذكره عن أبي جعفر عليه السلام أنه صلى الله عليه وآله قال لبعض نسائه أو لجارية له: ناوليني الخمرة (4) أسجد عليها، قالت: إني حائض، قال: أحيضك في يدك ؟ ! (5). بيان: قال في المنتهى: بدن الحايض والجنب ليس بنجس، فلو أصاب أحدهم بيده ثوبا رطبا لم ينجس، وحكي عن أبي سعيد أنه قال: بدن الحائض والجنب نجس حتى لو أدخل الجنب رجله في ماء قليل صار نجسا، وليس بشئ، لقوله صلى الله عليه وآله لعايشة: ليست حيضتك في يدك. 31 - المقنعة: قال: جاءت أخبار معتمدة في أن أقصى مدة النفاس مدة

 

(1) علل الشرائع ج 1 ص 81. (2) عيون الاخبار ج 79 1. (3) رجال الكشى ص 198. (4) الخمرة: سجادة تعمل من سعف النخل وترمل بالخيوط، قاله الجوهرى. (5) المحاسن ص 317.

 

[109]

الحيض عشرة أيام (1). 32 - منتقى الجمان: من كتاب الاغسال لاحمد بن محمد بن عياش الجوهري، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم عن عثمان بن عيسى، عن عمر بن اذينة، عن حمران بن أعين قال: قالت امرأة محمد ابن مسلم، وكانت ولودا: أقرئ أبا جعفر السلام وأخبره أني كنت أقعد في نفاسي أربعين يوما، وإن أصحابنا ضيقوا علي فجعلوها ثمانية عشر يوما، فقال أبو جعفر عليه السلام: من أفتاها بثمانية عشر يوما ؟ قال: قلت: الرواية التي رووها في أسماء بنت عميس أنها نفست بمحمد بن أبي بكر بذي الحليفة فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله كيف أصنع ؟ فقال: اغتسلي واحتشي وأهلي بالحج، فاغتسلت واحتشت ودخلت مكة، ولم تطف ولم تسع حتى انقضى الحج فرجعت إلى مكة، فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وآله أحرمت ولم أطف ولم أسع ؟ فقال لها رسول الله: وكم لك اليوم ؟ فقالت: ثمانية عشر يوما، فقال: أما الآن فاخرجي الساعة، فاغتسلي واحتشي وطوفي واسعي، فاغتسلت وطافت وسعت وأحلت. فقال أبو جعفر عليه السلام: إنها لو سألت رسول الله صلى الله عليه وآله قبل ذلك وأخبرته لامرها بما أمرها به. قلت: فما حد النفساء ؟ فقال: تقعد أيامها التي كانت تطمث فيهن أيام قرئها، فان هي طهرت، وإلا استظهرت بيومين أو ثلاثة أيام، ثم اغتسلت واحتشت، فان كان انقطع الدم فقد طهرت، وإن لم ينقطع فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل لكل صلاتين وتصلي (2). بيان: قال المؤلف المحقق قدس سره بعد إيراد أخبار هذا الباب: واعلم أن المعتمد من هذه الاخبار ما دل على الرجوع إلى العادة في الحيض، لبعده عن التأويل. واشتراك سائر الاخبار في الصلاحية للحمل على التقية، و

 

(1) المقنعة ص 7. (2) المنتقى ج 1 ص 191.

 

[110]

هو أقرب الوجوة التي ذكرها الشيخ للجمع، فقال: إن كل من يخالفنا يذهب إلى أن أيام النفاس أكثر مما نقوله، قال: ولهذا اختلفت الفاظ الاحاديث كاختلاف العامة في مذاهبهم. وذكر جماعة من الاصحاب أولهم الشيخ - رحمه الله - في تأويل ما تضمن قصة أسماء أنها محمولة على تأخر سؤالها النبي صلى الله عليه وآله حتى انقضت المدة المذكورة، فيكون أمرها بعد الثمانية عشر وقع اتفاقا لا تقديرا، واستشهدوا له بهذا الخبر وغيره، والحق أن هذا التأويل بعيد عن أكثر الاخبار المتضمنة لقضية أسماء فاعتماد الحمل على التقية أولى. وربما يعترض بعدم ظهور القايل بمضمونها من العامة، فيجاب بأن القضية لما كانت متقررة مضبوطة معروفة، وليس للانكار فيها مجال، كان التمسك بها في محل الحاجة مناسبا إذ فيه عدول عن إظهار المذهب، وتقليل لمخالفته، فلذلك تكررت حكايتها في الاخبار. وقد اختار العلامة في المختلف العمل بمضمونها في المبتدئة نظرا إلى أن المعارض لها مخصوص بالمعتادة، ونوقش في ذلك بأن أسماء تزوجت بأبي بكر بعد موت جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وكان قد ولدت منه عدة أولاد، و يبعد جدا أن لا يكون لها في تلك المدة كلها عادة في الحيض، وهو متجه. وعليه أيضا مناقشة اخرى، وهي أن الحكم بالرجوع إلى العادة يدل على ارتباط النفاس بالحيض، واختلاف عادات الحيض لا يقتضي أكثر من احتمال كون مدة حيض المبتدئة أقصى العادات، وهي لا تزيد على العشرة، فالقدر المذكور من التفاوت بين المبتدئة وذات العادة لا يساعد عليه الاعتبار الذي هو للجمع معيار، ولو استبعد كون التفصيل المذكور في قضية أسماء بكماله منزلا على التقية، لامكن المصير إلى أن القدر الذي يستبعد ذلك فيه منسوخ، لانه متقدم والحكم بالرجوع إلى العادة متأخر، وإذا تعذر الجمع تعين النسخ، ويكون تقرير الحكم بعد نسخه محمولا على التقية، لما قلناه من أن في ذلك تقليلا


 

[111]

للمخالفة، ومع تأدي التقية بالادنى لا يتخطى إلى الاعلى، انتهى كلامه، رفع الله مقامه، وهو متين. ولعل القول بالتخيير والاستظهار إلى ثمانية عشر أظهر، والحمل على غير ذات العادة أيضا غير بعيد والله يعلم. 33 - المقنع: ولو رأت الحبلى الدم، فعليها أن تقعد أيامها للحيض، فإذا زاد على الايام الدم استظهرت بثلاثة أيام ثم هي مستحاضة، وإن ولدت المرءة قعدت عن الصلاة عشرة أيام إلا أن تطهر قبل ذلك، فان استمر بها الدم تركت الصلاة عشرة أيام، فإذا كان اليوم الحادي عشر اغتسلت واحتشت واستثقرت و عملت بما تعمل المستحاضة، وقد روي أنها تقعد ثمانية عشر يوما، وروي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنه قال: إن نساءكم لسن كالنساء الاول، إن نساءكم أكبر لحما وأكثر دما، فلتقعد حتى تطهر، وقد روي أنها تقعد ما بين أربعين يوما إلى خمسين يوما (1). بيان: لا ريب في أن الاخبار المشتملة على ما زاد على أحد وعشرين يوما محمولة على التقية. 34 - نوادر الراوندي: باسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: أكثر الحيض عشرة أيام، وأكثر النفاس أربعون يوما (2). وبهذا الاسناد قال: قال النبي صلى الله عليه وآله ما كان الله ليجعل مع حمل حيضا، فإذا رأت المرأة الدم وهي حبلى لم تدع الصلاة (3). بيان: في بعض النسخ " تدع الصلاة " فهو استفهام على الانكار، أو المراد بصدر الحديث أنه لم يكن فيما مضى يرين الدم، فأما إذا رأين تركن الصلاة. 35 - المعتبر: قال ابن أبي عقيل في كتابه المتمسك: أيامها عند آل

 

(1) المقنع: 16. (2 و 3) نوادر الراوندي ص 50.

 

[112]

الرسول عليهم السلام أيام حيضها، وأكثره أحد وعشرون يوما، فان انقطع دمها في تمام حيضها صلت وصامت، وإن لم ينقطع صبرت ثمانية عشر يوما، ثم استظهرت بيوم أو يومين وإن كانت كثيرة الدم صبرت ثلاثة أيام ثم اغتسلت واحتشت واستثفرت وصلت. ثم قال المحقق: وقد روى ذلك البزنطي في كتابه عن جميل، عن زرارة ومحمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام. 36 - مصباح الانوار: لبعض الاصحاب عن أمير المؤمنين عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله سئل ما البتول ؟ فانا سمعناك يا رسول الله تقول: إن مريم بتول، وإن فاطمة بتول، فقال: البتول التي لم تر حمرة أي لم تحض، فانه مكروه في بنات الانبياء (1). 37 - كتاب دلائل الامامة للطبري الامامي: عن الحسين بن إبراهيم القمي عن علي بن محمد العسكري، عن صعصعة بن ناجية، عن زيد بن موسى، عن أبيه، عن جده جعفر بن محمد، عن أبيه، عن عمه زيد بن علي، عن أبيه، عن سكينة و زينب ابنتي علي عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن فاطمة خلقت حورية، في صورة إنسية، وإن بنات الانبياء لا يحضن (2). ومنه: باسناده عن أسماء بنت عميس قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: و وقد كنت شهدت فاطمة، وقد ولدت بعض ولدها فلم نرلها دما فقلت: يا رسول الله إن فاطمة ولدت فلم نر لها دما ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أسماء إن فاطمة خلقت حورية إنسية (3). 38 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن إدريس، عن محمد ابن أحمد، عن محمد بن عبد الجبار، عن علي بن مهزيار قال: كتبت إليه: امرأة

 

(1) رواه الصدوق أيضا في العلل ج 1 ص 173. (2) دلائل الامامة للطبري: 52. (3) دلائل الامامة للطبري: 53.

 

[113]

طهرت من حيضها أو من دم نفاسها في أول يوم من شهر رمضان، ثم استحاضت فصلت وصامت شهر رمضان كله من غير أن تعمل كما تعمل المستحاضة من الغسل لكل صلاتين، هل يجوز صومها وصلاتها أم لا ؟ فكتب تقضي صومها ولا تقضي صلاتها، لان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر المؤمنات من نسائه بذلك (1). رفع اشكال وتبيين اجمال اعلم أن هذا الخبر من مشكلات الاخبار، وقد تحير في حله العلماء الاخيار، وإن بنى عليه الاصحاب الحكم بقضاء الصوم بترك الاغسال، واشتراط صوم المستحاضة بها، كما هو المعروف من مذهبهم، وأشكل عليهم الحكم بعدم قضاء الصلاة مع الحكم بقضاء الصوم، مع أن العكس كان أنسب وأوفق بالاصول إذ الصلاة مشروطة بالطهارة، بخلاف الصوم، فانه قد يجتمع مع الحدث في الجملة. ويظهر من الشيخ رحمه الله في المبسوط التوقف في هذا الحكم، حيث أسنده إلى رواية الاصحاب، وهو في محله، لكن جل الاصحاب عملوا بالحكم الاول وتركوا الثاني، وفي نسخ الكافي (2) " كان يأمر فاطمة صلوات الله عليها و المؤمنات من نسائه بذلك " فزيد فيه إشكال آخر، لانه قد ورد في الاخبار الكثيرة كما سيأتي أنها عليها السلام لم تر حمرة قط، وربما يؤول بأنه كان يأمرها أن تأمر المؤمنات بذلك، وربما يقال: المراد بفاطمة فاطمة بنت أبي حبيش، فانها كانت مشتهرة بكثرة الاستحاضة والسؤال عن مسائلها، فيكون قوله " صلوات الله عليها " زيد من النساخ أو الرواة بتوهم أنها الزهراء عليها السلام. واختلفوا في دفع الاشكال الاول على وجوه: الاول: ما ذكره الشيخ في التهذيب (3) حيث قال: لم يأمرها بقضاء

 

(1) علل الشرايع ج 1 ص 277. (2) الكافي ج 4 ص 136. (3) التهذيب ج 1 ص 440 ط حجر.

 

[114]

الصلاة إذا لم تعلم أن عليها لكل صلاتين غسلا، أولا تعلم ما يلزم المستحاضة فأما مع العلم بذلك والترك له على العمد، يلزمها القضاء، واورد عليه أنه إن بقي الفرق بين الصوم والصلاة، فالاشكال بحاله، وإن حكم بالمساواة بينهما و نزل قضاء الصوم على حالة العلم، وعدم قضاء الصلاة على حالة الجهل فتعسف ظاهر. الثاني: ما ذكره المحقق الاردبيلي قدس الله روحه، حيث قال: الفرق بين الصلاة والصوم مع شدة العناية بحالها مشكل، ولا يبعد أن يكون المقصود تقضي صوم الشهر كله ولا تقضي الصلاة كذلك إذ تعد بعض أيامه أيام الحيض، و لا تقضي صلاة تلك الايام، والمؤيد أنه موجود في بعض الروايات الامر بقضاء صوم أيام الحيض بدون الصلاة، وقال: فيه إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر بذلك فاطمة عليها السلام وكانت تأمر بذلك المؤمنات. الثالث: ما ذكره المحقق المذكور أيضا حيث قال: ويمكن تأويل آخر وهو أن يكون المراد لا تقضي صلاة أيام الحيض، وتقضي صوم أيامها، وهذا هو الموافق لاخبار اخر، وأصل المذهب من أمر فاطمة عليها السلام فانها لا تترك عمل أيام المستحاضة، ولا تقضي صومها إلا أن يكون المراد أمرها بأن تأمر غيرها من المؤمنات، ويأمر أيضا المؤمنات بنفسه من نسائه وغيرهن، أو يكون ذلك منه صلى الله عليه وآله لها في أول الاحكام والاسلام. وقال الفاضل الاسترابادي: السائل سأل عن حكم المستحاضة التي صلت و صامت في شهر رمضان، ولم تعمل أعمال المستحاضة، والامام ذكر حكم الحائض وعدل عن جواب السائل من باب التقية، لان المستحاضة من باب الحدث الاصغر عند العامة فلا توجب غسلا عندهم، وأما ما أفاده الشيخ فلم يظهر له وجه، بل أقول: لو كان الجهل عذرا لكان عذرا في الصوم أيضا، مع أن سياق كلامهم عليهم السلام الوارد في حكم الاحداث يقتضي أن لا يكون فرق بين الجاهل بحكمها وبين العالم به.


 

[115]

الرابع: أن يكون عليه السلام كتب تحت قول السائل صومها لا تقضي، وتحت قوله صلاتها تقضي، فاشتبه على الراوي وعكس أو كان حكم الحائض أيضا مذكورا في السؤال، وكان هذا الجواب متعلقا به، فاشتبه على الراوي. قال أفضل المدققين في المنتقى: الذي يختلج بخاطري أن الجواب الواقع في الحديث غير متعلق بالسؤال المذكور فيه، والانتقال إلى ذلك من وجهين: أحدهما قوله فيه: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يأمر فاطمة إلى آخره فان مثل هذه العبارة إنما تستعمل فيما يكثر وقوعه ويتكرر، وكيف يعقل كون تركهن لما تعمله المستحاضة في شهر رمضان جهلا كما ذكره الشيخ أو مطلقا مما يكثر وقوعه والثاني أن هذه العبارة بعينها مضت في حديث من أخبار الحيض في كتاب الطهارة مرادا بها قضاء الحائض للصوم دون الصلاة إلى أن قال: ولا يخفى أن للعبارة بذلك الحكم مناسبة ظاهرة، تشهد به السليقة، لكثرة وقوع الحيض وتكرره والرجوع إليه صلى الله عليه وآله في حكمه. وبالجملة فارتباطها بهذا الحكم ومنافرتها لقضية الاستحاضة مما لا يرتاب فيه أهل الذوق السليم، وليس بمستبعد أن يبلغ الوهم إلى موضع الجواب مع غير سؤاله، فان من شأن الكتابة في الغالب أن تجمع الاسؤلة المتعددة، فإذا لم ينعم الناقل نظره فيها يقع له نحو هذا الوهم. الخامس: ما ذكره بعض الافاضل حيث قال: خطر لي احتمال لعله قريب لمن تأمله بنظر صائب، وهو أنه لما كان السؤال مكاتبة وقع عليه السلام تحت قول السائل فصلت: تقضي صلاتها، وتحت قوله صامت: تقضي صومها ولاء، أي متواليا والقول بالتوالي ولو على وجه الاستحباب موجود ودليله كذلك، وهذا من جملته وذلك كما هو متعارف في التوقيع من الكتابة تحت كل مسألة ما يكون جوابا لها، حتى أنه قد يكتفي بنحو لا ونعم بين السطور. أو أنه عليه السلام كتب ذلك تحت قوله: " هل يجوز صومها وصلاتها " وهذا


 

[116]

أنسب بكتابة التوقيع وبالترتيب من غير تقديم وتأخير، والراوي نقل ما كتبه عليه السلام، ولم يكن فيه واو لعطف تقضي صلاتها. أو أنه كان " تقضي صومها ولاء، وتقضي صلاتها " بواو العطف من غير إثبات همزة فتوهمت زيادة الهمزة التي التبست الواو بها، وأنه " ولا تقضي صلاتها " على معنى النهي، فتركت الواو لذلك، وإذا كان التوقيع تحت كل مسألة كان ترك الهمزة أو المد في خطه عليه السلام وجهه ظاهر لو كان، فان قوله: تقضي صومها ولاء، مع انفصاله لا يحتاج فيه إلى ذلك، فليفهم. ووجه ذكر توجيه الواو احتمال أن يكون عليه السلام جمع في التوقيع بالعطف أو أن الراوي ذكر كلامه عليه السلام وعطف الثاني على الاول. السادس: أن يحمل على الاستفهام الانكاري، ولا يخفى بعده في المكاتبة لاسيما مع التعليل المذكور بعده. السابع: أن يحمل على أنها كانت اغتسلت للفجر وتركت الغسل لسائر الصلواة، بقرينة قوله: " من الغسل لكل صلاتين " فانها تقضي صومها للاخلال بساير الاغسال النهارية، ولا تقضي صلاة الفجر، والمراد بصلاتها صلاة الفجر، أو المراد نفي قضاء جميع الصلواة ولا يخفى بعده أيضا. الثامن: أن يقرء تقضى في الموضعين بتشديد الضاد من باب التفعل أي انقضى حكم صومها وليس عليها القضاء، إما لعدم اشتراط الصوم بالطهارة مطلقا، أو لان الجاهل معذور فيه، بخلاف الصلاة للاشتراط مطلقا. 39 - المقنع: إذا وقع الرجل على امرأته وهي حايض، فان عليه أن يتصدق على مسكين بقدر شبعه، وروي أنه إذا جامعها في أول الحيض فعليه أن يتصدق بدينار وإن كان في نصفه فنصف دينار، وإن كان في آخره فربع دينار، وإن جامعت أمتك وهي حايض تصدقت بثلاثة أمداد من طعام (1). توضيح: لا خلاف بين الاصحاب في رجحان الكفارة على الواطي، وإنما

 

(1) المقنع ص 16.

 

[117]

الخلاف في وجوبها واستحبابها، وأكثر القدماء على الاول، وأكثر المتأخرين على الثاني، ولعله أقرب جمعا بين الادلة، على أن الاخبار الواردة بالكفارة مختلفة، وفيه تأييد للاستحباب، ففي بعضها أنه يتصدق بدينار، وفي بعضها أن عليه نصف دينار، وفي بعضها أنه يتصدق على مسكين بقدر شبعه، واختاره الصدوق. والمشهور ما جعله الصدوق رواية وهى ما رواه الشيخ (1) بسند فيه ضعف على المشهور عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام في كفارة الطمث أنه يتصدق إذا كان في أوله بدينار، وفي أوسطه نصف دينار، وفي آخره ربع دينار، قلت: فان لم يكن عنده ما يكفر ؟ قال: فليتصدق على مسكين واحد، وإلا استغفر الله ولا يعود، فان الاستغفار توبة وكفارة لكل من لم يجد السبيل إلى شئ من الكفارة وعلى هذه الرواية حملوا الاخبار الواردة مطلقا بالتصدق بدينار ونصف دينار، و يمكن الجمع بالتخيير، والحمل على اختلاف مراتب الفضل. وعندي أنه يمكن حمل أخبار الكفارة على التقية، لاشتهار الكفارة بينهم وإن اختلفوا في الوجوب والاستحباب، وبعض التفاصيل المذكورة في أخبارنا موجودة في أخبارهم، ويؤيده ما رواه الشيخ في الموثق (2) عن عبد الملك بن عمرو قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أتى جاريته وهي طامث، قال: يستغفر ربه، قال عبد الملك: فان الناس يقولون عليه نصف دينار أو دينار، فقال أبو عبد الله عليه السلام: فليتصدق على عشرة مساكين. ثم المشهور أن الاول والوسط والآخر يختلف بحسب العادة، وذهب الراوندي إلى أنها تعتبر بالنسبة إلى العشرة، فعنده قد يخلو بعض العادات من الوسط والآخر، ونسب إليه أيضا أنه جمع بين الاخبار بالحمل على المضطر وغيره والشاب وغيره وأيضا المشهور أنه لا فرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة، والحرة والامة

 

(1) التهذيب ج 1 ص 46. (2) التهذيب ج 1 ص 45.

 

[118]

وفي لزوم الكفارة في الاجنبية المشتبهة والمزني بها خلاف، والالحاق لا يخلو من قوة، واختار الصدوق أن في وطي الامة المملوكة ثلاثة أمداد من طعام، واختاره الشيخ أيضا استنادا إلى بعض الروايات، واختلفوا في تكرر الكفارة بتكرر الموجب على أقوال: التكرر مطلقا، عدمه مطلقا، تكررها إن اختلف الزمان كما إذا كان بعضه في أول الحيض، وبعضه في وسطه، أو تخلل التكفير، وهو مختار أكثر المحققين، ولعله أقرب وإن كان الاول أحوط. 40 - السرائر: نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين عن محمد بن يحيى الخزاز، عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي عليهم الصلاة والسلام قال: لا تقضي الحايض الصلاة، ولا تسجد إذا سمعت السجدة (1). توضيح: يدل على عدم وجوب السجدة على الحائض إذا سمعت السجدة بناء على اشتراط الطهارة فيه، كما اختاره الشيخ في التهذيب ونقل عليه الاجماع والمشهور عدم الاشتراط، كما يدل عليه الاخبار الصحيحة، وربما يحمل الخبر على السماع الذي لا يكون معه استماع، بناء على ما ذهب إليه بعض الاصحاب من اشتراط الاصغاء في الوجوب، أو على السجدات المستحبة، والاظهر حمله على التقية لان الراوي عامي، ولان المنع مختار أكثر العامة كالشافعي وأبي حنيفة وأحمد، والاظهر الوجوب. 41 - دعائم الاسلام: روينا عن أهل البيت صلوات الله عليهم أن المرأة إذا حاضت أو نفست حرم عليها أن تصلي وتصوم، وحرم على زوجها وطيها حتى تطهر من الدم، وتغتسل بالماء، أو تتيمم إن لم تجد الماء، فإذا طهرت كذلك قضت الصوم ولم تقض الصلاة، وحلت لزوجها. وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه رخص في مباشرة الحائض وقال: تتزر بازار من دون السرة إلى الركبتين، ولزوجها منها ما فوق الازار.

 

(1) السرائر: 477.

 

[119]

وروينا عنهم عليهم السلام أن من أتى حائضا فقد أتى ما لا يحل له، وعليه أن يستغفر الله من خطيئته، وإن تصدق بصدقة مع ذلك فقد أحسن. وإذا استمر الدم بالمرءة، فهي مستحاضة، ودم الحيض كدر غليظ منتن ودم الاستحاضة دم رقيق، فإذا جاء دم الحيض صنعت ما تصنع الحائض، وإذا ذهب تطهرت ثم احتشت بخرق أو قطن، وتوضأت لكل صلاة وحلت لزوجها (1). وعليها أن تغتسل لكل صلاتين (2) تغتسل للظهر فتصلي الظهر والعصر و تغتسل وتصلي المغرب والعشاء الاخرة، وتغتسل وتصلي الفجر، وقالوا: ما فعلت هذا امرءة مؤمنة مستحاضة احتسابا إلا أذهب الله عنها ذلك الداء، وكذلك قالوا في المرءة ترى الدم أيام طهرها، إن كان دم الحيض فهي بمنزلة الحائض وعليها منه الغسل، وإن كان دما رقيقا فتلك ركضة من الشيطان، تتوضأ منه وتصلي، ويأتيها زوجها وكذلك الحامل ترى الدم. وعن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: إنا نأمر نساءنا الحيض أن يتوضأن عند كل صلاة، فيسبغن الوضوء، ويحتشين بخرق، ثم يستقبلن القبلة من غير أن يفرضن صلاة، فيسبحن ويكبرن ويهللهن، ولا يقربن مسجدا ولا يقرأن قرآنا. فقيل لابي جعفر عليه السلام: فان المغيرة زعم أنك قلت يقضين الصلاة ؟ فقال: كذب المغيرة، ما صلت امرءة من نساء رسول الله صلى الله عليه وآله ولا من نسائنا وهي حائض وإنما يؤمرن بذكر الله كما ذكرنا ترغيبا في الفضل، واستحبابا له. وعن علي عليه السلام أنه قال: لا تقرء الحائض قرآنا، ولا تدخل مسجدا، و

 

(1) دعائم الاسلام ص 127. (2) في المصدر المطبوع: هذا أثبت ما رويناه عن أهل البيت صلى الله عليه وآله واستحبوا لها أن تغتسل لكل صلاتين الخ، وهو أشبه.

 

[120]

لا تقرب الصلاة، ولا تجامع حتى تطهر. وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: إذا حاضت المعتكفة خرجت من المسجد حتى تطهر. وعنه عليه السلام أنه قال: إذا طهرت المرءة لوقت صلاة فضيعت الغسل، كان عليها قضاء تلك الصلاة، وما ضيعت بعدها، وعلامة الطهر أن تستدخل قطنة فلا يعلق بها شئ، فإذا كان ذلك فقد طهرت، وعليها أن تغتسل حينئذ وتصلي. وعن علي عليه السلام أنه قال: الغسل من الحيض كالغسل من الجنابة، وإذا حاضت المرءة وهي جنب اكتفت بغسل واحد (1). بيان: قال في النهاية: في حديث المستحاضة: إنما هي ركضة من الشيطان أصله الضرب بالرجل والاصابة بها، كما تركض الدابة وتصاب بالرجل: أراد الاضرار بها والاذى يعني أن الشيطان قد وجد به طريقا إلى التلبيس عليها في أمر دينها وطهرها وصلاتها، حتى أنساها ذلك عادتها، وصار في التقدير بآلة من ركضاته انتهى (2). وقال في المغرب: في الاستحاضة إنما هي ركضة من ركضات الشيطان، فانما جعلها كذلك لانه آفة عارض، والضرب والايلام من أسباب ذلك وإنما اضيفت إلى الشيطان وإن كانت من فعل الله، لانها ضرر وسببه من نفسك أي بفعلك، ومثل هذا يكون بوسوسة الشيطان. 42 - العلل لمحمد بن على بن ابراهيم، قال: العلة في فساد مواليد

 

(1) دعائم الاسلام ص 128. (2) قال السيد الرضى قدس سره: قد ذكر له صلى الله عليه وآله امرءة استحيضت: فقال: هذه ليست بالحيضة ولكنها ركضة من الرحم ثم قال السيد: وهذه استعارة والمراد بقوله ركضة من الرحم أن الرحم نفحت بهذا الدم من غير حيضة ولكن من حادث علة فأشبهت رمحة الفرس أو ركضة البعير، منه. كذا بخطه قدس سره في الهامش.

 

[121]

الخلق أنه لا يجب (1) أن يأتي أهله وهو جنب ولا سكران، ولا إذا كانت امرأته حائضا. والعلة في قضاء المرءة الصوم ولا تقضي الصلاة أن الصلاة في كل يوم وليلة خمس مرات والصوم في السنة شهر واحد. أقول: قد مر من العلل في باب أحكام الجنب ما يدل على حكم اللبث في المسجد والقراءة، وأن غشيان المرءة في أيام حيضها يوجب البرص، ومنعها عن غسل الجنابة في أيام حيضها.

 

(1) لا يحب خ ل.

 

[122]

5 - * " (باب) " * * " (فضل غسل الجمعة وآدابها وأحكامها) " * 1 - قرب الاسناد: عن محمد بن الوليد، عن ابن بكير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له في أغسال ليالي شهر رمضان، فان نام بعد الغسل ؟ قال: فقال أليس هو مثل غسل الجمعة، إذا اغتسلت بعد الفجر كفاك (1). بيان: قال في المنتهى: غسل الجمعة مستحب لليوم، خلافا لابي يوسف فلو أحدث بعد الغسل لم يبطل غسله، وكفاه الوضوء، ثم نسب إلى بعض العامة القول باعادة الغسل بعد الحدث، واستدل على نفيها بهذا الخبر. 2 - الخصال: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي نجران والحسين بن سعيد. عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: الغسل في الجمعة واجب تمام الخبر (2). بيان: المشهور بين الاصحاب استحباب غسل الجمعة، وذهب الصدوقان إلى الوجوب فمن قال بالاستحباب يحمل الوجوب على تأكده، لعدم العلم بكون الوجوب حقيقة في المعنى المصطلح، بل الظاهر من الاخبار عدمه، ومن قال بالوجوب يحمل السنة على ما يقابل الفرض أي ما ثبت وجوبه بالسنة لا بالقرآن، وهذا أيضا يستفاد من الاخبار، والاحتياط عدم الترك. 3 - الخصال: عن أحمد بن الحسن القطان، عن الحسن بن علي السكري عن محمد بن زكريا البصري، عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: ليس على المرءة غسل الجمعة في السفر ويجوز لها تركه

 

(1) قرب الاسناد ص 78. (2) الخصال ج 2 ص 46.

 

[123]

في الحضر (1). 4 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن علي ابن معبد، عن الحسين بن خالد قال: سألت أبا الحسن الاول عليه السلام كيف صار غسل الجمعة واجبا ؟ قال: فقال: إن الله تبارك وتعالى أتم صلاة الفريضة بصلاة النافلة وأتم صيام الفريضة بصيام النافلة، وأتم وضوء الفريضة بغسل يوم الجمعة، فيما كان من ذلك من سهو أو تقصير أو نسيان (2). المحاسن: عن أبي سمينة، عن محمد بن أسلم، عن الحسين بن خالد مثله (3). بيان: ربما يجعل الخبر مؤيدا للاستحباب، لكون نظائره كذلك وفي الكافي (4) ما كان في ذلك، وفي التهذيب (5) ما كان من ذلك. 5 - العلل: عن محمد بن الحسن، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن حماد الانصاري، عن صباح المزني، عن الحارث، عن الاصبغ بن نباتة قال: كان علي عليه السلام إذا أراد أن يوبخ الرجل يقول له: أنت أعجز من التارك الغسل ليوم الجمعة، فانه لا يزال في هم إلى الجمعة الاخرى (6). 6 - المقنعة: مرسلا مثله، وفيه لا يزال في طهر إلى الجمعة الاخرى (7). بيان: في الكافي (8) والتهذيب (9) كما في المقنعة، فالضمير راجع إلى المغتسل

 

(1) الخصال ج 2 ص 142 في حديث. (2) علل الشرايع ج 1 ص 270. (3) المحاسن ص 313. (4) الكافي ج 3 ص 42. (5) التهذيب ج 1 ص 31. (6) علل الشرايع ج 1 ص 270. (7) المقنعة ص 26. (8) الكافي ج 3 ص 42. (9) التهذيب ج 1 ص 248.

 

[124]

وعلى ما في العلل إلى التارك. 7 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن عثمان بن عيسى، عن محمد بن عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كانت الانصار تعمل في نواضحها وأموالها، فإذا كان يوم الجمعة جاؤا، فتأذى الناس بأرواح آباطهم و أجسادهم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بالغسل يوم الجمعة، فجرت بذلك السنة (1). الهداية: مرسلا مثله (2). 8 - العلل: عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى رفعه قال: غسل يوم الجمعه واجب على الرجال والنساء، في السفر والحضر، إلا أنه رخص للنساء في السفر لقلة الماء (3). بيان: يحتمل كونه علة للسقوط رأسا في السفر عنهن، أو تقييدا للسقوط بقلة الماء، قال في المنتهى: غسل الجمعة مستحب للرجال والنساء الحاضرين والمسافرين والعبيد والاحرار سواء في ذلك، وقال أحمد: لا يستحب لمن لا يأتي الجمعة، فليس على النساء غسل، وعلى قياسهن الصبيان والمسافر والمريض كذلك ثم استدل بما رواه الشيخ في الحسن (4) عن علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن النساء عليهن غسل الجمعة ؟ قال: نعم. 9 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن المفيد، عن محمد بن مخلد، عن الحارث بن محمد، عن يزيد بن هارون، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: من جاء إلى الجمعة فليغتسل (5).

 

(1) علل الشرايع ج 1 ص 270. (2) الهداية ص 23، وفيه كما في التهذيب ج 1 ص 104، والفقيه ج 1 ص 62 " حضروا المسجد ". (3) علل الشرايع ج 1 ص 270 و 271. (4) التهذيب ج 1 ص 31. (5) أمالى الطوسى ج 1 ص 392.

 

[125]

وبالاسناد عن ابن مخلد، عن عمر بن الحسن الشيباني، عن موسوى بن سهل الوشاء عن إسماعيل بن علية، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، عنه صلى الله عليه وآله مثله (1). 10 - فقه الرضا: قال: واعلم أن غسل الجمعة سنة واجبة لا تدعها في السفر ولا في الحضر، ويجزيك إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر، وكلما قرب من الزوال فهو أفضل، فإذا فرغت منه فقل: " اللهم طهرني وطهر قلبي، وأنق غسلي، وأجر على لساني ذكرك، وذكر نبيك محمد، واجعلني من التوابين والمتطهرين " (2). وإن نسيت الغسل ثم ذكرت وقت العصر أو من الغد فاغتسل (3). وقال عليه السلام: وعليكم بالسنن يوم الجمعة، وهي سبعة: إتيان النساء، وغسل الرأس واللحية بالخطمي، وأخذ الشارب، وتقليم الاظافير، وتغيير الثياب، ومس الطيب، فمن أتى بواحدة من هذه السنن نابت عنهن، وهي الغسل، وأفضل أوقاته قبل الزوال، ولا تدع في سفر ولا حضر، وان كنت مسافرا وتخوفت عدم الماء يوم الجمعة، اغتسل يوم الخميس، فان فاتك الغسل يوم الجمعة قضيت يوم السبت أو بعده من أيام الجمعة، وإنما سن الغسل يوم الجمعة تتميما لما يلحق الطهور في سائر الايام من النقصان (4). بيان: يدل على أن أول وقت الاداء طلوع الفجر، ولا خلاف فيه، وآخره الزوال على المشهور، بل نقل المحقق الاجماع على اختصاص الاستحباب بما قبل الزوال، وقال الشيخ في موضع من الخلاف: وقته إلى أن يصلي الجمعة، ويظهر من بعض الاخبار امتداد وقته إلى آخر اليوم، ولو لم ينو بعد الزوال الاداء والقضاء كان أحسن.

 

(1) أمالى الطوسى ج 1 ص 392. (2) قال الصدوق - ره - في الفقيه: يقول المغتسل للجمعة: " اللهم طهرني وطهر قلبى وانق غسلى [غلى] وأجر على لساني محبة منك " منه، كذا بخطه رحمه الله في هامش الاصل. (3) فقه الرضا ص (4) المصدر ص 11.

 

[126]

وقوله " كلما قرب من الزوال كان أفضل " ذكره الصدوق في الفقيه (1) أيضا وحكم به أكثر الاصحاب، وتوقف فيه بعض المتأخرين، لعدم النص، ولعل هذا الخبر مع الشهرة بين القدماء يكفي لذلك. وأما القضاء بعد الزوال ويوم السبت فهو المشهور بين الاصحاب، وظاهر الاكثر عدم الفرق بين كون الفوات عمدا أو نسيانا لعذر أو غيره وظاهر الصدوق في الفقيه اشتراطه بالنسيان أو العذر وظاهر صدر هذه الرواية اشتراطه بالنسيان، كمرسلة حريز (2) عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لابد من غسل يوم الجمعة في السفر والحضر، ومن نسي فليعد من الغد. وقال الكليني بعد إيراد تلك الرواية: وروي فيه رخصة للعليل، فظاهره اختيار مذهب الصدوق، وعدم الاشتراط لعله أقوى، لاطلاق سائر الروايات المعتبرة ثم إن ظاهر الاكثر استحباب القضاء ليلة السبت أيضا، والاخبار خالية عنه وإن أمكن أن يراد بيوم السبت ما يشمل الليل، لكن لا يمكن الاستدلال به، والاولوية ممنوعة لاحتمال اشتراط المماثلة، وما ورد في هذا الخبر من القضاء في سائر أيام الاسبوع فلم أر به قائلا، ولا رواية غيرها. وأما التقديم يوم الخميس لمن خاف عوز الماء يوم الجمعة فهو المشهور بين الاصحاب، ووردت به روايتان اخريان (3) والشيخ عمم الحكم لخائف فوت الاداء مطلقا، وتبعه بعض المتأخرين، ومستنده غير واضح، والوجه عدم التعدي عن المنصوص، وقيل: الظاهر أن ليلة الجمعة كيوم الخميس، وبه قطع الشيخ في الخلاف مدعيا عليه الاجماع، وفيه إشكال، إذ المذكور في الرواية يوم الخميس فالتعدي منه إلى غيره يحتاج إلى دليل، والاولوية ممنوعة كما عرفت، ولو تمكن من قدم غسله يوم الخميس من الغسل يوم الجمعة استحب له ذلك، لعموم الادلة

 

(1) الفقيه ج 1 ص 61. (2) الكافي ج 3 ص 43. (3) راجع التهذيب ج 1 ص 104.

 

[127]

وبه صرح الصدوق وغيره. 11 - المقنعة: قال: روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: غسل الجمعة والفطر سنة في السفر والحضر (1). وعن العبد الصالح عليه السلام أنه قال: يحب غسل الجمعة على كل ذكر وانثى، من حر أو عبد (2). 12 - قرب الاسناد: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن الرضا عليه السلام قال: كان أبي يغتسل للجمعة عند الرواح (3). بيان: الرواح العشي أو من الزوال إلى الليل، ذكره الفيروز آبادي. 13 - رسالة أعمال الجمعة للشهيد الثاني: قال النبي صلى الله عليه وآله: من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب امرأته إن كان لها، ولبس من صالح ثيابه، ثم لم يتخط رقاب الناس، ولم يلغ عند الموعظة، كان كفارة لما بينهما الخبر. وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: من جاء منكم الجمعة فليغتسل. وقال صلى الله عليه وآله: من اغتسل يوم الجمعة محيت ذنوبه وخطاياه. وقال صلى الله عليه وآله: الغسل يوم الجمعة واجب على كل مسلم. وقال صلى الله عليه وآله: لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهر ما استطاع من طهر، ويتدهن بدهن من دهنه، ويمس من طيب بيته، ويخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الامام إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الاخرى. وقال صلى الله عليه وآله: من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة الخبر. وقال صلى الله عليه وآله: من اغتسل يوم الجمعة ثم بكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الامام واستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها. 14 - الهداية: قال الصادق عليه السلام: غسل يوم الجمعة سنة واجبة على الرجال

 

(1 - 2) المقنعة ص 26. (3) قرب الاسناد ص 158 ط حجر.

 

[128]

والنساء، في السفر والحضر. وروي أنه رخص في تركه للنساء في السفر لقلة الماء، والوضوء فيه قبل الغسل. وقال الصادق عليه السلام: إن نسيت الغسل أو فاتك لعلة فاغتسل بعد العصر أو يوم السبت. وقال عليه السلام: إذا اغتسل أحدكم يوم الجمعة فليقل " اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ". وقال الصادق عليه السلام: غسل يوم الجمعة طهور وكفارة لما بينهما من الذنوب، من الجمعة إلى الجمعة (1). 15 - البلد الامين: قال: رأيت في كتاب الاغسال لابي العباس أحمد بن محمد ابن أبي عياش سبعة أحاديث عن الصادق عليه السلام أن غسل الجمعة واجب على الرجال والنساء، وذكر في روايات منها وجوبه على الرجال والنساء في السفر والحضر. ومن الكتاب المذكور أن عليا عليه السلام كان إذا وبخ الرجل قال له: والله لانت أعجز من تارك غسل الجمعة، فانه لا يزال في طهر إلى الجمعة الاخرى. ويقول بعد غسله " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وآل محمد، واجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين والحمد لله رب العالمين " فهو طهر له من الجمعة إلى الجمعة (2). مصباح الشيخ: إذا أراد الغسل فليقل وذكر الدعاء. أقول: رواه الشيخ في التهذيب (3) بسنده عن أبي ولاد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من اغتسل يوم الجمعة فقال: إلى قوله " من المتطهرين " كان طهرا له من الجمعة إلى الجمعة.

 

(1) الهداية ص 22 و 23. (2) البلد الامين ص. (3) التهذيب ج 1 ص 248.

 

[129]

16 - العلل: لمحمد بن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن جده إبراهيم ابن هاشم، عن علي بن معبد، عن الحسين بن خالد قال: قلت للرضا عليه السلام: كيف صار غسل يوم الجمعة واجبا على كل حر وعبد، وذكر وانثى ؟ قال: فقال: إن الله تبارك وتعالى تمم صلوات الفرائض بصلوات النوافل، وتمم صيام شهر رمضان بصيام النوافل، وتمم الحج بالعمرة، وتمم الزكاة بالصدقة، وتمم الوضوء بغسل يوم الجمعة. 17 - كتاب العروس: للشيخ جعفر بن أحمد القمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اغتسل يوم الجمعة إلا أن تكون مريضا تخاف على نفسك. وقال عليه السلام: لا يترك غسل الجمعة إلا فاسق، ومن فاته غسل يوم الجمعة فليقضه يوم السبت. 18 - جمال الاسبوع: نقلنا من خط أبي الفرج بن أبي قرة، عن أحمد ابن محمد الجندي، عن عثمان بن أحمد السماك، عن أبي نصر السمرقندي، عن حسين بن حميد، عن زهير بن عباد، عن محمد بن عباد، عن أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن جده عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال لعلي عليه السلام في وصيته له: يا علي على الناس كل سبعة أيام الغسل، فاغتسل في كل جمعة، ولو أنك تشترى الماء بقوت يومك وتطويه، فانه ليس شئ من التطوع أعظم منه (1). وباسناده الصحيح عن هشام بن الحكم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: ليتزين أحدكم يوم الجمعة: يغتسل ويتطيب الخبر (2). 19 - غرر الدرر: للسيد حيدر عن النبي: صلى الله عليه وآله قال: من جاء إلى الجمعة فليغتسل (2). 20 - كتاب محمد بن المثنى: عن جعفر بن محمد بن شريح، عن ذريح المحاربي قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: أيقضي الرجل غسل الجمعة ؟ قال: لا. بيان: لعله محمول على عدم تأكد الاستحباب أو على أنه لا يؤخر حتى

 

(1 - 2) جمال الاسبوع ص.

 

[130]

يصير قضاء. 21 - كتاب النوادر: لعلي بن بابويه أو غيره: عن محمد بن الحسن بن الوليد عن الصفار، عن إبراهيم بن هاشم، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم. 22 - الكافي: عن العدة، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن بعض أصحابنا قال: تقول في غسل الجمعة " اللهم طهر قلبي من كل آفة تمحق بها ديني وتبطل بها عملي (1).

 

(1) الكافي ج 3 ص 43.

 

[131]

6 - * " باب " * * " (التيمم وآدابه وأحكامه) " * الايات: النساء: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلوة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم إن الله كان عفوا غفورا (1). المائدة: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلوة فاغسلوا وجوهكم و أيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين وإن كنتم جنبا فاطهروا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم ولعلكم تشكرون (2). تفسير: قد تقدم الكلام في صدري الآيتين الكريمتين في مبحثي الوضوء والغسل، ولنذكر هنا ما يتعلق منهما بالتيمم. اعلم أنه سبحانه قدم في الآيتين حكم الواجدين للماء القادرين على استعماله ثم أتبع ذلك بأصحاب الاعذار فقال تعالى: " وإن كنتم مرضى " وحمله الاصحاب على المرض الذي يضر معه استعمال الماء، والذي يوجب العجز عن السعي إليه أو عن استعماله وظاهر الآية يشمل كل ما يصدق عليه اسم المرض (3) لكن علماؤنا رضي الله عنهم مختلفون في اليسير، ومثلوه بالصداع ووجع الضرس، ولعله للشك

 

(1) النساء: 43. (2) المائدة: 6. (3) بل الظاهر لا ينعقد بملاحظة لفظ المرض فقط وانما ينعقد بعد ملاحظة القرائن،

 

[132]

في تسمية مثل ذلك مرضا عرفا، فذهب المحقق والعلامة إلى أنه غير مبيح للتيمم، وبعض المتأخرين على إيجابه له، ولعله أقوى، فانه أشد من الشين (1) وقد أطبقوا على إيجابه التيمم. " أو على سفر " أي متلبسين به (2) إذ الغالب عدم وجود الماء في أكثر الصحاري " أو جاء أحد منكم من الغائط " هو كناية عن الحدث، إذ الغائط المكان المنخفض من الارض، وكانوا يقصدونه للحدث لتغيب فيه أشخاصهم عن الرائين

 

والقرينة هنا قائمة على أن المراد المرض الذي يضر به استعمال الماء لتناسب الحكم والموضوع، حتى أن في المحدث بالحدث الاصغر يراد بمرضه ما يضر به استعمال الماء لغسل الوجه واليدين فقط سواء كان هو الصداع أو وجع الضرس أو الحمى أو كان هو شين الوجه واليدين وتشويه خلقها وجلدها بالكزة ونحوها، وفي المحدث بالحدث الاكبر يراد بمرضه ما يضر به استعمال الماء لغسل جسده أي عضو كان. ألا ترى أن المريض في قوله تعالى في آية الصوم - البقرة: 184 و 185 - " ومن كان مريضا أو على سفر " ليس يراد به كل مرض، فان من به قرحة الاثنا عشر مريض يضر به الصوم، ولا يضر به استعمال الماء لا للوضوء ولا للاغتسال، وهكذا المريض في آية الكفارة - البقرة: 196 - " فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك " فالمريض انما هو بالنسبة إلى من لا يتحمل وفرة الشعر لقرحة في رأسه يسيل منه اللعاب ويتلبد به الشعر أو صداع أو غير ذلك. كيف وقد كلف بالصوم كفارة لحلق الرأس، والمريض لا يصح منه الصوم ؟ فالمريض في كل باب انما يعرف المراد به بعد ملاحظة القرائن لا مطلقا. (1) يعنى شين الجلد وتشويه خلقة الاصابع باصابة البرد أو الكزة. (2) يستظهر من لفظ " على " أن المراد به من كان على جناح السفر سواء كان على ظهر مركوبه به أو طريقه يضرب ويسعى مع القافلة، أو كان في المنزل لكن القافلة (كالقطار) مستعجلة للركوب، فلا يمكنه استعمال الماء لغسل الجنابة، والحال هذه وينطبق على هذا المعنى قوله تعالى " الا عابرى سبيل " حيث عبر عن ذلك بالعبور في السبيل، فالتلبس بالمسير هو الذي يجوز التيمم للجنب.

 

[133]

فكنى عن الحدث بالمجئ من مكانه، وتسمية الفقهاء العذرة بالغائط من تسمية الحال باسم المحل، وقيل إن لفظة " أو " ههنا بمعنى الواو (1) والمراد والله أعلم أو كنتم مسافرين وجاء أحد منكم من الغائط. " أو لامستم النساء " المراد جماعهن كما في قوله تعالى " وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن " واللمس والمس بمعنى كما قاله اللغويون، وسيأتي الاخبار في تفسير اللمس بالوطي، وقد نقل الخاص والعام عن ابن عباس أنه كان يقول: إن الله سبحانه حيي كريم يعبر عن مباشرة النساء بملامستهن، وذهب الشافعي إلى أن المراد مطلق اللمس لغير محرم، وخصه مالك بما كان عن شهوة وأما أبو حنيفة فقال: المراد الوطي لا المس. وقوله تعالى " فلم تجدوا ماء " يشمل ما لو وجد ماء لا يكفيه للغسل وهو جنب أو للوضوء وهو محدث حدثا أصغر، فعند علمائنا يترك الماء وينتقل فرضه إلى التيمم وقول بعض العامة يجب عليه أن يستعمله في بعض أعضائه ثم يتيمم لانه واجد للماء ضعيف إذ وجوده على هذا التقدير كعدمه، ولو صدق عليه أنه واجد للماء لما جاز له التيمم كذا قيل. وقال الشيخ البهائي قدس الله سره: للبحث فيه مجال، فقوله سبحانه " فلم تجدوا ماء " يراد به والله أعلم ما يكفي الطهارة، ومما يؤيد ذلك قوله تعالى في كفارة اليمين " فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام " (2) أي فمن لم يجد إطعام عشرة مساكين ففرضه الصيام، وقد حكم الكل بأنه لو وجد إطعام أقل من عشرة لم يجب عليه ذلك، و انتقل فرضه إلى الصوم انتهى. وقال الشهيد الثاني: ربما حكي عن الشيخ في بعض أقواله التبعيض، واحتمل العلامة في النهاية وجوب صرف الماء إلى بعض أعضاء الجنب، لجواز وجود ما يكمل طهارته

 

(1) سيجئ الكلام فيه. (2) المائدة: 89.

 

[134]

وسقوط الموالات بخلاف المحدث (1) والمعتمد ما ذكره في التذكرة والمنتهى من عدم الفرق مسندا ذلك إلى الاصحاب، لعدم التمكن من الطهارة المائية، فتكون ساقطة. ولا يخفى أن البحث إنما هو فيمن هو مكلف بطهارة واحدة، أعني الجنب وذا الحدث الاصغر المذكورين في الآية، أما الحائض مثلا فانها لو وجدت مالا يكفي لغسلها ووضوئها معا فانها تستعمله فيما يكفيه وتتيمم عن الآخر. ثم لا يخفى أن المتبارد من قوله سبحانه " فلم تجدوا ماء " كون المكلف غير واجد للماء، بأن يكون في موضع لا ماء فيه، فيكون ترخيص من وجد الماء ولم يتمكن من استعماله في التيمم لمرض ونحوه مستفادا من السنة المطهرة ويكون المرضى غير داخلين في خطاب " فلم تجدوا " لانهم يتيممون وإن وجدوا الماء (2). كذا في كلام بعض المفسرين، ويمكن أن يراد بعدم وجدان الماء عدم التمكن من استعماله وإن كان موجودا، فيدخل المرضى في خطاب لم تجدوا، ويسرى الحكم إلى كل من لا يتمكن من استعماله كفاقد الثمن أو الآلة، والخائف من لص أو سبع ونحوهم، وهذا التفسير وإن كان فيه تجوز إلا أنه هو المستفاد من كلام محققي المفسرين من الخاصة والعامة كالشيخ الطبرسي وصاحب الكشاف، وأيضا فهو غير مستلزم لما هو خلاف الظاهر من تخصيص خطاب " فلم تجدوا " بغير المرضى مع ذكر الاربعة على نسق واحد. واعلم أن الفقهاء اختلفوا فيمن وجد من الماء ما لا يكفيه للطهارة إلا

 

(1) وهذا هو الصحيح، فان الوضوء أمر واحد ذى أجزاء بحيث لو أخل بأحد أجزائه بطل، فالذي يغسل وجهه واحدى يديه، يكون كالعابث، مع أنه قد أسرف باهراق هذا الماء، بخلاف الجنب، فانه يتطهر منه ما غسله من الاعضاء بالشرائط وهو الغسل: الاعلى فالاعلى، وهو ظاهر. (2) بل قد عرفت أن المرض، والاشتغال بالسفر كل واحد منهما عذر في حد نفسه، كما أن اعواز الماء عذر بنفسه.

 

[135]

بمزجه بالمضاف، بحيث لا يخرج من الاطلاق، هل يجب عليه عليه المزج والطهارة به أم يجوز له ترك المزج واختيار التيمم ؟ فجماعة من المتأخرين كالعلامة وأتباعه على الاول، وجمع من المتقدمين كالشيخ وأتباعه على الثاني، ولعل ابتناء القولين على التفسيرين السابقين، فالاول على الثاني، والثاني على الاول، إذ يصدق على من هذا حاله أنه غير واجد لما يكفيه للطهارة على الاول، فيندرج تحت قوله سبحانه " فلم تجدوا ماء " بخلاف الثاني فانه متمكن منه. وبعض المحققين بنى القول الاول على كون الطهارة بالماء واجبا مطلقا فيجب المزج إذ ما لا يتم الواجب المطلق إلا به - وهو مقدور - واجب، والثاني على أنها واجب مشروط بوجود الماء وتحصيل مقدمة الواجب المشروط غير واجب. واعلم أن ههنا إشكالا مشهورا وهو أنه سبحانه جمع بين هذه الاشياء في الشرط المرتب عليه جزاء واحد هو الامر بالتيمم: مع أن سببية الاولين للترخص بالتيمم والثالث والرابع لوجوب الطهارة عاطفا بينها بأو: المقتضية لاستقلال كل واحد منها في ترتب الجزاء، مع أنه ليس كذلك إذ متى لم يجتمع أحد الآخرين مع واحد من الاولين، لم يترتب الجزاء وهو وجوب التيمم (1).

 

(1) هذا الاشكال - وهكذا سائر الاشكالات التي تورد على الايات الكريمة وبالخصوص آيات الاحكام - انما ينشأ من حمل ألفاظ القرآن على عرف الشرع مع أن عرف الشرع انما تحقق بعد نزول الايات واستنباط الحكم منها. فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين: يبين بنفسه ما تضمنه من الاحكام وغيرها واللازم أن تحمل ألفاظها على حقيقة معانيها من دون تصرف فيها. فكما أشرنا قبل ذلك، المريض في باب الطهارة هو الذي يضر به الماء وعابر السبيل ومن كان على سفر: هو الذي تلبس بالضرب في الارض وهو بعد على ظهر الطريق والجنابة هي الحالة التي تتعقب انزال المنى - سواء كان بالاحتلام أو الاستمناء أو الجماع، والذي جاء من الغائط هو الذي راح إلى البراز فبال أو خرء أو أخرج الفسوة من معائه، واللامس للنساء هو الذى باشر زوجته في القبل بالجماع أنزل أو لم ينزل، بمعنى أن

 

[136]

واجيب عنه بوجوه: الاول ما أومأنا إليه سابقا من أن أو في قوله تعالى

 

الانزال خارج عن مفهوم الملامسة. فمعنى آية النساء: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلوة (ولا الصلوات بمعنى المساجد على ما عرفت فيما سبق) وأنتم سكارى، ولا جنبا حتى تغتسلوا وتتطهروا - الا حالكونكم عابرى سبيل على ظهر الطريق لا يمكنكم التخلف عن القافلة لاستعمال الماء (ومثله من يسافر في السكك الحديدية) فيجوز لكم الدخول في الصلواة (بكلا المعنيين) الا أنه يجب عليكم حينئذ التيمم كما سنبينه بعدئذ. " وان كنتم مرضى " أي هذا الذى ذكرنا من حكم الاغتسال والتطهر مخصوص بحال الاختيار، واما ان كنتم حين الجنابة مرضى يضر بكم استعمال الماء " أو على سفر " لا يمهلكم الاستعجال لتخلون وتغتسلون. " أو جاء أحد منكم من الغائط " أو هنا يفيد بقرينة المقام الاضراب، حيث ان المجيئ من الغائط وهو الحدث الاصغر يقابل الجنابة وهى الحديث الاكبر، فكأنه أضرب واستأنف عنوان المحدث بالحدث الاصغر وقال: أو لم تكونوا جنبا، بل جاء أحد منكم من الغائط " أو لامستم النساء " بالمباشرة والتقاء الختانين فلم تجدوا ماء للتطهير والوضوء فتيمموا صعيدا طيبا. ومثلها آية المائدة لكنها أوضح من آية النساء، والمعنى: يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فتوضأوا وان كنتم جنبا فاطهروا، فيفيد بالمقابلة أن الوضوء انما يجب على من لم يكن جنبا، بل كان محدثا بالحدث الاصغر، كما يفهم من ذيل الاية الكريمة مع ما تقدم من نزول آية النساء. ثم ان كنتم حين الجنابة مرضى أو على سفر إلى آخر ما مر من ذيل آية النساء. وأما أن الجنابة غير الملامسة بمعنى التقاء الختانين فكما هو ظاهر مفهوم من اللفظ، فهو مسلم من السياق حيث أن الجنابة عدت منفردة كما عدت الملامسة، فلو كانت الملامسة بمعنى التقاء الختانين داخلة في مفهوم الجنابة وعنوانها، لكان مستغنى عنها، كيف وقد ذكرت في سياق الحدث الاصغر وهو المجيئ من الغائط، معطوفة عليه بأو المقتضية لاستقلالها ؟

 

[137]

" أو جاء " بمعنى الواو (1) كما قيل في قوله تعالى " وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون " (2). الثاني قال البيضاوي: وجه هذا التقسيم أن المترخص بالتيمم إما محدث أو جنب، والحال المقتضية له في غالب الامر إما مرض أو سفر، والجنب لما سبق

 

على أن الجنب كما يظهر من الاخبار كان يطلق في عرف العرب ولسانهم على من أنزل وصار قذرا بعيدا من الطهارة، ولذلك كانوا يغتسلون منها اتباعا لسنة ابراهيم الخليل عليه السلام، وأما المباشرة من دون انزال وأقله بالتقاء الختانين وغيبوبة الحشفة فلا يعدونها موجبة للقذارة، ولذلك كانوا يختصمون ويقولون " انما الماء من الماء "، فعلى هذا لا تكون الملامسة داخلة في مفهوم الجنابة لا لغة ومنطوقا، ولا عرفا واطلاقا فوجب الفرق بينهما. فحكم الملامسة في حال الاضطرار كالمجيئ من الغائط، إذا لم يجدا ماء يجب عليهما التيمم، واما في حال الاختيار، فالاية الكريمة ساكتة عن ذلك غير أنها ملحقة بالجنابة بدليل السنة، وسيجئ أخباره في الباب. (1) وفيه أن مجيئ " أو " بمعنى الواو لم يثبت، وما استدل به الكوفيون والاخفش والجرمي مدخول فيه، على أن مجيئها بمعنى الواو في قوله تعالى " أو جاء أحد منكم " يدفعه السياق، حيث ان لفظة " أو " تكررت في جملة واحدة ثلاث مرات، والاولى منها والثالثة بمعنى الترديد والتقسيم وهو المعنى الاصلى، فكيف تكون الثانية بينهما بمعنى الجمع، وهل يكون ذلك الا الغازا وتعمية في حكم تكليفي توجه إلى عامة المؤمنين ؟ (2) الصافات 147، قال الطبرسي: وقيل في معنى قوله " أو يزيدون " وجوه: أحدها أنه على طريق الابهام على المخاطبين، وثانيها أن أو للتخيير كأن الرائى خير بين أن يقول هم مائة ألف أو يزيدون، عن سيبويه، والمعنى أنهم كانوا عددا لو نظر إليهم الناظر لقال هم مائة ألف أو يزيدون، وثالثها أن " أو " بمعنى الواو كأنه قال: " ويزيدون " عن بعض الكوفيين، وقال بعضهم بل يزيدون. وهذان القولان الاخيران غير مرضيين عند المحققين، وأجود الاقوال الثاني، انتهى.

 

[138]

ذكره اقتصر على بيان حاله، والحدث لما لم يجرد ذكره ذكر من أسبابه ما يحدث بالذات وما يحدث بالعرض، واستغنى عن تفصيل أحواله بتفصيل حال الجنب، و بيان العذر مجملا، وكأنه قيل: وإن كنتم جنبا مرضى أو على سفر أو محدثين جئتم من الغائط، أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء. وهذا الوجه لا يوافق ما ثبت عندنا من أن المراد بالملامسة الجماع (1). الثالث قال في الكشاف جوابا عن هذا الاشكال، قلت: أراد سبحانه أن يرخص للذين وجب عليهم التطهر وهم عادمون للماء في التيمم بالتراب، فخص أولا من بينهم مرضاهم وسفرهم، لانهم المتقدمون في استحقاق بيان الرخصة لهم، لكثرة السفر والمرض، وغلبتهما على سائر الاسباب الموجبة للرخصة، ثم عم كل من وجب عليه التطهر وأعوزه الماء، لخوف عدو أو سبع، أو عدم آلة استقاء أو إزهاق في مكان لا ماء فيه أو غير ذلك مما لا يكثر كثرة المرض والسفر انتهى. وقيل في توضيح كلامه: إن القصد إلى الترخيص في التيمم لكل من وجب عليه التطهر، ولم يجد الماء، فقيد عدم الوجدان راجع إلى الكل، وقيد وجوب التطهر المكنى عنه بالمجئ من الغائط أو الملامسة اللذين هما من أغلب أسباب وجوب التطهر معتبر في الكل حتى المرضى والمسافرين، وذكرهما تخصيص بعد التعميم، بناء على زيادة استحقاقهما للترخيص، وغلبة المرض والسفر على سائر أسباب الرخصة، فكأنه قيل: إن جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء خصوصا المرضى والمسافرين فتيمموا، ووجه سببية مضمون الشرط لمضمون الجزاء ظاهر. هذا، ولكن ينبغي أن يعتبر عدم وجدان الماء بعدم القدرة على استعماله ليفيد ترخيص المريض الواجد للماء العاجز عن الاستعمال، ويصح أن المرض سبب من الاسباب الغالبة، وإلا فهو باعتبار العجز عن الحركة والوصول إلى الماء

 

(1) لكنك قد عرفت أن هذا البيان هو الوجه في الاية ولا ينافى كون الملامسة بمعنى الجماع.

 

[139]

من الاسباب النادرة لا الغالبة. وقيل جعل عدم الوجدان قيدا للجميع لا يخلو من شئ لانه إذا جمع بين الاشياء في سلك واحد ويكون شئ واحد وهو عدم الوجدان قيدا للجميع، كان المناسب أن يكون لكل واحد منها مع قطع النظر عن القيد مناسبة ظاهرة مع الترخيص بالتيمم، وذلك منتف في الاخيرين إلا عند جعل عدم الوجدان قيدا مختصا، وكلام صاحب الكشاف غير آب عن ذلك، فالاحسن أن يقال: قوله سبحانه " فلم تجدوا ماء " قيد للاخيرين مختص بهما لكنه في الاولين مراد بمعاونة المقام، فانه سبحانه لما أمر بالوضوء والغسل، كان ههنا مظنة سؤال يخطر بالبال فكأن سائلا يقول: إذا كان الانسان مسافرا لا يجد الماء أو مريضا يخاف من استعماله الضرر، فما حكمه ؟ فأجاب جل شانه ببيان حكمه، وضم سائر المعذورين فكأنه قال: وإن كنتم في حال الحدث والجنابة مرضى تستضرون باستعمال الماء، أو مسافرين غير واجدين للماء، أو كنتم جنبا أو محدثين غير واجدين للماء - وإن لم تكونوا مرضى أو على سفر - فتيمموا صعيدا. والتصريح بالجنابة والحدث ثانيا مع اعتبارهما في المريض والمسافر أيضا لئلا يتوهم اختصاص الحكم المذكور بالجنب، لكونه بعده. وقد يقال في قوله سبحانه أو لامستم النساء في موقع كنتم جنبا مع التفنن والخروج عن التكرار تنبيه على أن الامر ههنا ليس مبنيا على استيفاء الموجب في ظاهر اللفظ فلا يتوهم أيضا حصر موجب الوضوء في المجئ من الغائط، وعلى كل حال فيه تنبيه على أن كونهم محدثين ملحوظ في إيجاب الوضوء. قوله جل وعلا " فتيمموا صعيدا [طيبا " أي اقصدوا صعيدا] واختلف كلام أهل اللغة في الصعيد (1): - * (هامش) (1) الصعيد صفة مشبهة وهو فعيل بمعنى فاعل ومعناه الغبار وقد سمى العرب الطريق صعيدا لصعود الغبار منه حين مشى القوافل، وهو المراد بقول بعضهم التراب كالجوهري وابن فارس، كما قد عبر عنه بالمرتفع من الارض وقيده بعضهم كابى عبيدة بما لم يخالطه رمل ولا سبخة لكنه مفاد الطيب كما يأتي وجهه.


 

[140]

فبعضهم كالجوهري قال: هو التراب، ووافقه ابن فارس في المجمل، و نقل ابن دريد في الجمهرة عن أبي عبيدة: أنه التراب الخالص الذي لا يخالطه سبخ ولا رمل، ونقل الطبرسي عن الزجاج أن الصعيد ليس هو التراب، إنما هو وجه الارض، ترابا كان أو غيره، سمى صعيدا لانه نهاية ما يصعد من باطن الارض، و قريب منه ما نقله الجوهري عن ثعلب، وكذا ما نقل المحقق في المعتبر عن الخليل عن ابن الاعرابي، ولاختلاف أهل اللغة في الصعيد اختلف فقهاؤنا في التيمم بالحجر لمن تمكن من التراب، فمنعه المفيد وأتباعه لعدم دخوله في اسم الصعيد، وجوز

 

وقد يعبر عنه بما ارتفع من الارض، فيشتبه على من لا دراية له في اللغة أن المراد به الموضع المرتفع كالربوة والاكمة، مع أن المراد به الغبار المرتفع من الارض. واما قول ثعلب ومن حذا حذوه بأن المراد بالصعيد مطلق وجه الارض لكونه نهاية ما يصعد من باطن الارض، فهو مدخول كدليله، فان باطن الارض لا يصعد إلى ظاهره وهو ظاهر، ونقل الجوهري عنه استدلاله بقوله تعالى " فتصبح صعيدا زلقا " الكهف: 40 وفيه أن المراد به الرماد الحاصل بعد احتراق الجنة بالصاعقة وظاهر أن الرماد صعيد كالتراب الا أن التراب صعيد طيب والرماد صعيد زلق أي غير طيب، ومثله قوله تعالى " وانا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا " الكهف: 8، حيث ان المراد بما عليها الاشجار والنباتات وسائر ما اتخذ منها من الجنان، وان الله جاعلها قبل يوم القيامة كالسبخة التي لا تنبت الا الحشيش والاشواك، ولا يرى عليها الا أثر النباتات واصول الاشجار المجروزة عن وجهها. ولما قال تعالى " فتيمموا صعيدا طيبا " وكان معنى التيمم القصد والطلب للاخذ، و الصعيد هو التراب بعد ارتفارعه من الارض، لم يكن يقدر المكلف على طلب الغبار الا بأن يضرب باطن يديه على الصعيد وهو التراب المنتفش ليصعد الغبار منه، فحينئذ ما يصعد من تحت يديه يعلق بباطن كفيه، وما صعد من جوانب كفيه يصعد إلى الهواء، ولذلك أمر أهل البيت عليهم الصلاة والسلام بأن يضرب المتيمم بباطن كفيه على الارض، دون أن يمسح أو يأخذ منه بوجه آخر، فافهم ذلك.

 

[141]

الشيخ في المبسوط والمحقق والعلامة التيمم بالحجر نظرا إلى دخوله تحت الصعيد المذكور في الآية. واختلف المفسرون في المراد بالطيب فيها، فبعضهم على أنه الظاهر، و بعضهم على أنه الحلال، وآخرون على أنه المنبت دون مالا ينبت كالسبخة، و أيدوه بقوله تعالى " والبلد الطيب يخرج نباته باذن ربه " (1) والاول هو مختار مفسري أصحابنا قدس الله أرواحهم. وقوله " فامسحوا بوجوهكم " قد يدعى أن فيه دلالة على أن أول أفعال التيمم مسح الوجه، لعطفه بالفاء التعقيبية على قصد الصعيد من دون توسط الضرب على الارض، فيتأيد به ما ذهب إليه العلامة في النهاية من جواز مقارنة نية التيمم لمسح الوجه، وأن ضرب اليدين على الارض بمنزلة اغتراف الماء في الوضوء، وفيه كلام. والباء في قوله سبحانه " بوجوهكم " للتبعيض، كما مر في حديث زرارة وقد تقدم الكلام في كون الباء للتبعيض في باب كيفية الوضوء (2) فالواجب في التيمم مسح بعض الوجه وبعض اليدين، كما ذهب إليه جمهور علمائنا وأكثر الروايات ناطقة به، وذهب علي بن بابويه - رحمه الله - إلى وجوب استيعاب الوجه واليدين إلى المرفقين كالوضوء، عملا ببعض الاخبار، ومال المحقق في المعتبر إلى التخيير بين استيعاب الوجه واليدين وبين الاكتفاء ببعض كل منهما كالمشهور، ومال العلامة في المنتهى إلى استحباب الاستيعاب. وأما العامة فمختلفون أيضا فالشافعي يقول بمقالة علي بن بابويه، و ابن حنبل باستيعاب الوجه فقط، والاكتفاء بظاهر الكفين، ولابي حنيفة قولان أحدهما كالشافعي والآخر الاكتفاء بأكثر أجزاء الوجه واليدين، وذهب الزهري منهم إلى وجوب مسح اليدين إلى الابطين لانهما حدا في الوضوء إلى المرفقين

 

(1) الاعراف: 58. (2) راجع ج 80 ص 244 وقد تقدم في الذيل أبحاث لا بأس بمراجعتها.

 

[142]

ولم يحدا في التيمم بشئ، فوجب استيعاب ما يصدق عليه اليد، وهذا القول مما انعقد إجماع الامة على خلافه. وكلمة " من " في قوله سبحانه " منه " في الآية الثانية، تحتمل أربعة أوجه: الاول أنها لابتداء الغاية، والضمير عائد إلى الصعيد، فالمعنى أن المسح يبتدي من الصعيد أو من الضرب عليه. الثاني للسببية وضمير " منه " للحدث المفهوم من الكلام السابق. كما يقال تيممت من الجنابة، وكقوله تعالى " مما خطيئاتهم اغرقوا " (1) وقول الشاعر " وذلك من نباء جاءني " وقول الفرزدق: " يغضي حياء ويغضى من مهابته " و يحتمل إرجاع الضمير إلى عدم وجدان الماء، وإلى المجموع. ويرد عليه أنه خلاف الظاهر ومتضمن لارجاع الضمير إلى الابعد مع إمكان الارجاع إلى الاقرب، مع استلزامه أن يجعل لفظة " منه " تأكيدا لا تأسيسا إذ السببية تفهم من الفاء، ومن جعل المسح في معرض الجزاء، وتعليقه بالوصف المناسب المشعر بالعلية. الثالث أنها للتبعيض، وضمير " منه " للصعيد، كما تقول أخذت من الدراهم وأكلت من الطعام. الرابع أن تكون للبدلية كما في قوله تعالى: " أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة " (2) وقوله سبحانه: " لجعلنا منكم ملائكة في الارض يخلفون " (3) وقوله جل شأنه " لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا " (4) أي بدل طاعته أو رحمته وحينئذ يرجع الضمير إلى الماء، والمعنى فلم تجدوا ماء فتيمموا الصعيد بدل الماء، وهذا أيضا لا يخلو من بعد، مع أن قوما من النحاة أنكروا

 

(1) نوح: 25. (2) براءة: 38. (3) الزخرف: 60. (4) آل عمران 10 و 116.

 

[143]

مجئ " من " للبدلية، فقالوا: التقدير أرضيتم بالحياة الدنيا بدلا من الآخرة، فالمفيد للبدلية متعلقها المحذوف، وكذا الاخيران، وإن كان هذا أيضا يجري ههنا لكنه خلاف الظاهر. والظاهر أن حملها على التبعيض أقرب من الجميع، مع موافقته للاخبار الصحيحة، ولذا اختاره صاحب الكشاف الذي هو المقتدى في العربية وخالف الحنفية القائلين بعدم اشتراط العلوق، مع توغله في متابعة أقوالهم وتهالكه في نصرة مذاهبهم، قال في الكشاف: فان قلت: قولهم إنها لابتداء الغاية، قول متعسف، فلا يفهم أحد من العرب من قول القائل: مسحت برأسه من الدهن ومن الماء ومن التراب، إلا معنى التبعيض ؟ قلت: هو كما تقول، والاذعان للحق أحق من المراء. وقد يقال: عدم فهم العرب من هذه الامثلة إلا ما ذكره، قد يكون للغرض المعروف عندهم من التدهين والتنظيف، ونحو ذلك، مع إمكان المنع عند الاطلاق في قوله من التراب، على أنه يمكن أن يقال: إنها في الامثلة كلها للابتداء، كما هو الاصل فيها، وأما التبعيض فانما جاء من لزوم تعلق شئ من الدهن والماء باليد، فيقع المسح به، ونحوه التراب إن فهم، فلا يلزم مثله في الصعيد الاعم من التراب والصخر. قيل: والانصاف أنها إن استعملت فيما يصلح للعلوق، وإن كان باعتبار غالب أفراده، كان المتبادر منها التبعيض، وإن استعملت فيما لا يصلح لذلك كان المفهوم منها الابتدائية، وعدم صلاحية المقام لغيرها قرينة عليها. وما يقال من أن حملها على التبعيض غير مستقيم، لان الصعيد يتناول الحجر كما صرح به أئمة اللغة والتفسير، وحملها على الابتداء تعسف، وليس ببعيد حملها على السببية، وقد جعل التعليل من معاني " من " صاحب مغني اللبيب وعلى تقدير أن لا يكون حقيقة فلا أقل من أن يكون مجازا، ولابد من ارتكاب المجاز هنا، إما في الصعيد أو في " من " ولا ريب أن التوسع في حروف


 

[144]

الجر أكثر. فمندفع لبعد هذا الاحتمال كما عرفت، وقرب الحمل على التبعيض، و تبادره إلى الذهن، وان سلمنا استلزامه حمل الصعيد على المعني المجازي، فارتكاب هذا المجاز أولى لما عرفت. فظهر أن ظاهر الآية موافق لما ذهب إليه ابن الجنيد، من اشتراط علوق شئ من التراب بالكفين ليمسح به، ويتأيد بذلك ما ذهب إليه المفيد وأتباعه من عدم جواز التيمم بالحجر. وقد ختم سبحانه الآية الاولى بقوله: " إن الله كان عفوا رحيما " ويفهم منه التعليل لما سبقه من ترخيص ذوي الاعذار في التيمم فهو واقع موقع قوله جل شأنه في الآية الثانية " ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج " يعني أن من عادته العفو عنكم، والمغفرة لكم، فهو حقيق بالتسهيل عليكم والتخفيف عنكم. وقد اختلف المفسرون في المراد من التطهير في قوله: " ولكن يريد ليطهركم " قيل: المراد به التطهير من الحدث بالتراب، عند تعذر استعمال الماء وقيل تنظيف الابدان بالماء فهو راجع إلى الوضوء والغسل، وقيل المراد التطهير من الذنوب بما فرض من الوضوء والغسل والتيمم، ويؤيده ما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: إن الوضوء يكفر ما قبله، وقيل المراد تطهير القلب عن التمرد من طاعة الله سبحانه، لان إمساس هذه الاعضاء بالماء والتراب لا يعقل له فائدة إلا محض الانقياد والطاعة. وقوله تعالى: " وليتم نعمته عليكم " أي بما شرعه لكم مما يتضمن تطهير أجسادكم أو قلوبكم، أو تكفير ذنوبكم، واللامات في الافعال الثلاثة للتعليل، ومفعول يريد محذوف في الموضعين، وقوله تعالى: " ولعلكم تشكرون " أي على نعمائه المتكاثرة التي من جملتها ما يترتب على ما شرعه في هذه الآية الكريمة أو لعلكم تؤدون شكره بالقيام بما كلفكم به فيها. والله يعلم. ثم اعلم أنه يمكن أن يكون الحكمة في تكرار حكم التيمم في الكتاب


 

[145]

العزيز في آيتين متشابهتين، واشتمالهما على أنواع التأكيد علمه سبحانه بانكار عمر وأتباعه هذا الحكم بمحض الاستبعاد، بل معاندة لله ولرسوله كما سيأتي، وبيناه مفصلا في كتاب الفتن في باب بدعه لعنه الله. 1 - ائعلل: لمحمد بن علي بن إبراهيم: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن التيمم فوضع يديه على التراب ثم نفضهما، ومسح وجهه ويديه فوق الكف. والعلة في ترك مسح الرأس والرجلين في التيمم أن الله فرض الطهور بالماء فجعل غسل الوجه واليدين، ومسح الرأس والرجلين، وفرض الصلاة أربع ركعات ثم جعل للمسافر ركعتين وكذلك للذي لا يقدر على الماء مسح الوجه واليدين، وترك مسح الرأس والرجلين، كما ترك للمسافر ركعتين. 2 - الهداية: من كان جنبا أو على غير وضوء، ووجب الصلاة ولم يجد الماء فليتمم، كما قال الله " فتيمموا صعيدا طيبا " والصعيد الموضع المرتفع، والطيب الذي ينحدر عنه الماء، والتيمم هو أن يضرب الرجل بيديه على الارض مرة واحدة وينفضهما، ويمسح بهما جبينه وحاجبيه، ويمسح على ظهر كفيه. والنظر إلى الماء ينقض التيمم (1). ولا بأس بأن يصلي الرجل بتيمم واحد صلوات الليل والنهار كلها ما لم يحدث أو يصيب ماء ومن تيمم وصلى ثم وجد الماء فقد مضت صلاته فليتوضأ لصلاة اخرى. ومن كان في مفازة ولم يجد الماء، ولم يقدر على التراب، وكان معه لبد جاف تيمم منه أو من عرف دابته، ومن أصابته جنابة فخاف على نفسه التلف إن اغتسل فانه إن كان جامع فليغتسل، وإن أصابه ما أصابه، وإن احتلم فليتم، والمجدور إذا أصابته جنابة يؤمم لان مجدورا أصابته جنابة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله فغسل فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أخطأتم ألا يممتموه (2).

 

(1) الهداية ص 18. (2) الهداية: 19.

 

[146]

3 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل تصيبه الجنابة ولا يقدر على ماء، فيصيبه المطر هل يجزيه ذلك أم هل يتمم ؟ قال: إن غسله أجزأه، وإلا عليه التيمم. قال: قلت: أيهما أفضل ؟ أيتيمم أو يمسح بثلج وجهه وجسده ورأسه ؟ قال: الثلج إن بل رأسه وجسده أفضل، وإن لم يقدر على أن يغتسل تيمم (1). ومنه: عن محمد بن الوليد وعن عبد الله بن بكير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أجنب فلم يصب الماء أيتيمم ويصلي ؟ قال: لا حتى آخر الوقت إنه إن فاته الماء لم تفته الارض (2). بيان: يدل على رجحان التأخير إلى آخر الوقت، لكن فيه إشعار برجاء زوال العذر، ولا خلاف ظاهرا في عدم جواز التيمم قبل دخول وقت الغاية، ونقلوا الاجماع عليه، واختلفوا في جواز التيمم في سعة الوقت على أقوال ثلاثة: الاول: وجوب التأخير إلى آخر الوقت، وإليه ذهب الاكثر، بل نقلوا عليه الاجماع. الثاني: الجواز في أول الوقت مطلقا، وهو المنسوب إلى الصدوق والجعفي وقواه العلامة في المنتهى والتحرير، والشهيد في البيان، وقال البزنطي في الجامع على ما نقل عنه الشهيد: لا ينبغي لاحد أن يتيمم إلا في آخر وقت الصلاة، وفيه إشعار بالاستحباب. الثالث: ما اختاره ابن الجنيد، وهو جواز التقديم عند العلم أو الظن الغالب بفوت الماء أو امتداد العذر إلى آخر الوقت، واختاره العلامة في عدة من كتبه لكن إنما قيد بالعلم، ولم يذكر الظن، وإليه يؤمي كلام ابن أبي عقيل، و الثاني لا يخلو من قوة وبعده الثالث. 4 - الخصال: عن محمد بن جعفر البندار، عن مجاهد بن أعين، عن أبي بكير

 

(1) قرب الاسناد ص 110 ط نجف ص 85 ط حجر. (2) قرب الاسناد ص 103 ط نجف ص 79 ط حجر.

 

[147]

ابن أبي العوام، عن يزيد، عن سليمان التميمي، عن سيار، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله فضلت بأربع: جعلت لامتي الارض مسجدا وطهورا، وأيما رجل من امتي أراد الصلاة فلم يجد ماء ووجد الارض فقد جعلت له مسجدا و طهورا الحديث (1). 5 - ومنه ومن العلل:، عن محمد بن علي بن شاه، عن محمد بن جعفر البغدادي، عن أبيه، عن أحمد بن السخت، عن محمد بن الاسود الوراق، عن أيوب بن سليمان، عن أبي البختري، عن محمد بن حميد، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله عزوجل: جعلت لك ولامتك الارض كلها مسجدا وترابها طهورا، تمام الخبر (2). ايضاح: احتج المرتضى رضي الله عنه على أن الصعيد هو التراب بقول النبي صلى الله عليه وآله: " جعلت لي الارض مسجدا وترابها طهورا " ولو كانت اجزاء الارض طهورا وإن لم تن ترابا لكان ذكر التراب واقعا في غير محله، وأجاب عنه في المعتبر بأنه تمسك بدلالة الخطاب وهي متروكة، وأجاب عنه الشيخ البهائي قدس سره بأن مراده أن النبي في معرض التسهيل والتخفيف، وبيان امتنان الله سبحانه عليه، وعلى ههذ الامة المرحومة، فلو كان مطلق وجه الارض من الحجر ونحوه طهورا لكان ذكر التراب مخلا بانطباق الكلام على الغرض المسوق له، وكان المناسب لمقتضى الحال أن يقول: " جعلت لي الارض مسجدا وطهورا " انتهى. ويرد عليه أن ما ذكره لا يخرجه عن كونه استدلالا بالمفهوم، بل ما ذكره لو تم لكان دليلا على حجية المفهوم في هذا المقام، مع أنه يحتمل أن يكون الفائدة في ذكر التراب التصريح بشموله لكل تراب، وإن كان منفصلا عن الارض ورفع توهم حذف مضاف غير المدعي.

 

(1) الخصال ج 1 ص 96. (2) الخصال ج 2 ص 48، علل الشرايع ج 1 ص 112، وتراه في معاني الاخبار ص 51.

 

[148]

والحق أن ما ذكره السيد متين، لكن لابد من التأويل مع وجود المعارض القوي. 6 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل مضى في باب الوضوء حيث قال: ثم قال الله تعالى: " فان لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم " غ لما وضع عمن لم يجد الماء، أثبت مكان الغسل مسحا، لانه قال: " بوجوهكم " ثم وصل بها " وأيديكم " ثم قال: " منه " أي من ذلك التيمم، لانه علم أن ذلك أجمع لم يجر على الوجه، لانه يعلق من ذلك الصعيد ببعض الكف ولا يعلق ببعضها، ثم قال: " وما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج " و الحرج الضيق (1). 7 - فقه الرضا: قال عليه السلام: اعلموا رحمكم الله أن التيمم غسل المضطر ووضوؤه، وهو نصف الوضوء في غير ضرورة إذا لم يوجد الماء، وليس له أن يتيمم حتى يأتي إلى آخر الوقت أو إلى أن يتخوف خروج وقت الصلاة (2). وصفة التيمم للوضوء والجنابة وساير أبواب الغسل واحد، وهو أن تضرب بيديك على الارض ضربة واحدة، ثم تمسح بهما وجهك [من حد الحاجبين إلى الذقن وروي من] موضع السجود: من مقام الشعر إلى طرف الانف، ثم تضرب بهما اخرى فتمسح بهما الكفين من حد الزند، وروي من اصول الاصابع، تمسح باليسرى اليمنى، وباليمنى الي سرى، على هذه الصفة. وأروي إذا أردت التيمم اضرب كفيك على الارض ضربة واحدة، ثم تضع إحدى يديك على الاخرى، ثم تمسح بأطراف أصابعك وجهك من فوق حاجبيك وبقي ما بقي، ثم تضع أصابعك اليسرى على أصابعك اليمنى من أصل الاصابع من فوق الكف. ثم تمرها على مقدمها على ظهر الكف ثم تضع أصابعك

 

(1) علل الشرايع ج 1 ص 265. (2) فقه الرضا: 4.

 

[149]

اليمنى على أصابعك اليسرى، فتصنع بيدك اليمنى ما صنعت بيدك اليسرى على اليمنى مرة واحدة. فهذا هو التيمم، وهو الوضوء التام الكامل في وقت الضرورة، فإذا قدرت على الماء انتقض التيمم، وعليك إعادة الوضوء والغسل بالماء، لما تستأنف الصلاة اللهم إلا أن تقدر على الماء وأنت في وقت من الصلاة التي صليتها بالتيمم فتطهر وتعيد الصلاة. ونروي أن جبرئيل عليه السلام نزل إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله في الوضوء بغسلين ومسحين: غسل الوجه واليدين، ومسح الرأس والرجلين، ثم نزل في التيمم باسقاط المسحين، وجعل مكان موضع الغسل مسحا. ونروي عنه عليه السلام أنه قال: رب الماء ورب الصعيد واحد. وليس للمتيمم أن يتيمم إلا في آخر الوقت، وإن تيمم وصلى قبل خروج الوقت، ثم أدرك الماء وعليه الوقت، فعليه أن يعيد الصلاة والوضوء، وإن مر بماء فلم يتوضأ وقد كان تيمم وصلى في آخر الوقت وهو يريد ماء آخر، فلم يبلغ الماء حتى حضرت الصلاة الاخرى، فعليه أن يعيد التيمم، لان ممره بالماء نقض تيممه. وقد يصلي بتيمم واحد خمس صلواة، ما لم يحدث حدثا ينقض به الوضوء، وتتيمم للجنابة، والحائض تتيمم مثل تيمم الصلاة. إن الله عزوجل فرض الطهر، فجعل غسل الوجه واليدين، ومسح الرأس والرجلين، وفرض الصلاة أربع ركعات، فجعل للمسافر ركعتين، ووضع عنه الركعتين، ليس فيهما القراءة، وجعل للذي لا يقدر على الماء التيمم مسح الوجه واليدين، ورفع عنه مسح الرأس والرجلين. وقال الله تبارك وتعالى: " فتيمموا صعيدا طيبا " والصعيد الموضع المرتفع عن الارض، والطيب الذي ينحدر عنه الماء، وقد روي أنه يمسح الرجل على جبينيه وحاجبيه، ويمسح على ظهر كفيه، فإذا كبرت في صلاتك تكبيرة


 

[150]

الافتتاح، واتيت بالماء فلا تقطع الصلاة، ولا تنقض تيممك، وامض في صلاتك (1). تبيين: اعلم أن الاصحاب قد اختلفوا في عدد الضربات في التيمم، فقال الشيخان في النهاية والمبسوط والمقنعة: ضربة للوضوء، وضربتان للغسل، و هو اختيار الصدوق وسلار وأبي الصلاح وابن إدريس وأكثر المتأخرين. وقال المرتضى في شرح الرسالة: الواجب ضربة واحدة في الجميع، وهو اختيار ابن الجنيد وابن أبي عقيل والمفيد في المسائل العزية. ونقل عن المفيد في الاركان اعتبار الضربتين في الجميع، وحكاه العلامة في المنتهى والمختلف والمحقق في المعتبر عن علي بن بابويه وظاهر كلامه في الرسالة اعتبار ثلاث ضربات: ضربة باليدين للوجه، وضربة باليسار لليمين، و ضربة باليمين لليسار، ولم يفرق بين الوضوء والغسل، وحكى في المعتبر القول بالضربات الثلاثة عن قوم منا. ومنشأ الخلاف اختلاف الاخبار: فعلى المشهور جمعوا بينها بحمل أخبار الضربة على بدل الوضوء، والضربتين على بدل الغسل، للمناسبة، ولرواية غير دالة على الفرق، ومنهم من جمع بينها بحمل الضربتين على الاستحباب (2) وهو أظهر في الجمع. والاصوب عندي حمل أخبار الضربتين على التقية لانه قال الطيبي في

 

(1) فقه الرضا ص 5. (2) بل الظاهر بقرينة ما مر في معنى الصعيد أن التراب إذا كان منتفشا يابسا تكفى الضربة الواحدة، فانه في هذه الصورة تعلق غبار التراب باليد بقدر كفاية المسحين، وأما إذا كان ذا نداوة قليلة أو كان غير منتفش وجب التكرار، ولاجل ذلك نفسه يجب النفض أو النفخ وذلك إذا علق التراب بالكفين كثيرا بحيث إذا مسح وجهه حال التراب بين الماسح والممسوح، وقد كان عليه أن يمسح بغبار التراب وهو الصعيد، لا التراب نفسه.

 

[151]

شرح المشكوة في شرح حديث عمار: إن في الخبر فوائد منها أن في التيمم تكفي ضربة واحدة للوجه والكفين، وهو مذهب علي وابن عباس وعمار، وجمع من التابعين، وذهب عبد الله بن عمر وجابر من التابعين والاكثرون من فقهاء الامصار إلى أن التيمم ضربتان انتهى. فظهر من هذا أن القول المشهور بين المخالفين ضربتان، وأن الضربة مشهور عندهم من مذهب أمير المؤمنين عليه السلام وعمار التابع له في جميع الاحكام وابن عباس الموافق له في أكثرها، فتبين أن أخبار الضربة أقوى وأخبار الضربتين حملها على التقية أولى، وإن كان الاحوط الجمع بينهما فيهما، ولعل اختلاف أجزاء هذا الخبر أيضا للتقية. ثم اعلم أن معظم الاصحاب عبروا بلفظ الضرب وهو الوضع [المشتمل على اعتماد يحصل به مسماه عرفا، فلا يكفي الوضع المجرد عنه، وبعضهم عبر بلفظ الوضع] كالشيخ في النهاية والمبسوط واختاره الشهيد وجماعة، والتعبير في الاخبار مختلف والضرب أحوط بل أقوى. واستحباب نفض اليدين بعد الضرب مذهب الاصحاب، وأجمعوا على عدم وجوبه، واستحب الشيخ مسح إحدى اليدين بالاخرى بعد النفض، وذكر في هذا الخبر مكان النفض. واعتبر أكثر الاصحاب كون مسح الوجه بباطن الكفين معا، ونقل عن ابن الجنيد أنه اجتزء باليد اليمنى لصدق المسح، وهو كذلك بالنظر إلى الآية لكن ظاهر الاخبار المبينة لها الاول. وقالوا: يعتبر في المسح كونه بباطن الكف اختيارا لانه المعهود، فلو مسح بالظهر اختيارا أو بآلة لم يجز، نعم لو تعذر المسح بالباطن أجزأ الظاهر، والاحوط ضم التولية معه. وظاهر الاصحاب أنه يشترط في ضرب اليدين أن يكونا دفعة، فلو ضرب إحدى يديه ثم أتبعه بالاخرى لم يجز. ومسح الجبهة من قصاص شعر الرأس


 

[152]

إلى طرف الانف الاعلى كأنه متفق عليه بين الاصحاب (1) وأوجب بعضهم الجبينين أيضا، والصدوق مسح الحاجبين أيضا، وقد عرفت أن أباه قال يمسح جميع الوجه قال في الذكرى: وفي كلام الجعفي إشعار به. والمشهور في اليدين أن حدهما الزند، ونقل ابن إدريس عن بعض الاصحاب أن المسح على اليدين من اصول الاصابع إلى رؤوسها. وقال علي بن بابويه: امسح يديك من المرفقين إلى الاصابع، وقال الصدوق في بيان التيمم للجنابة: ومسح يده فوق الكف قليلا، ويحتمل أن يكون مراده الابتداء من فوق الكف من باب المقدمة، أو أراد عدم وجوب الاستيعاب. وأما أنه إذا تمكن من استعمال الماء في غير الصلاة ينتقض تيممه، ولو فقد الماء بعد ذلك يجب عليه إعادة التيمم، فقد قال في المعتبر: إنه إجماع أهل العلم، ومن تيمم تيمما صحيحا وصلى ثم خرج الوقت لم يجب عليه القضاء. وقال في المنتهى: وعليه إجماع أهل العلم. ونقل عن السيد المرتضى أن الحاضر إذا تيمم لفقد الماء وجب عليه الاعادة إذا وجده، والاقوى سقوط القضاء مطلقا. ولو تيمم وصلى مع سعة الوقت ثم وجد الماء في الوقت، فان قلنا باختصاص التيمم بآخر الوقت بطلت صلاته مطلقا وإن قلنا بجوازه مع السعة، فالاقوى عدم الاعادة كما اختاره المحقق في المعتبر والشهيد في الذكرى، ونقل عن ابن الجنيد وابن أبي عقيل القول بوجوب الاعادة لاخبار حملها على الاستحباب طريق الجمع، وأما أنه يكفيه تيمم واحد لصلوات متعددة، فلا خلاف فيه ظاهرا بين الاصحاب. ولو وجد الماء بعد الدخول في الصلاة، فقد اختلف فيه كلام الاصحاب على أقوال: الاول أنه يمضي في صلاته، ولو تلبس بتكبيرة الاحرام، كما دل عليه هذا الخبر، وهو مختار الاكثر، الثاني أنه يرجع ما لم يركع، وإليه ذهب الصدوق والشيخ في النهاية وجماعة، الثالث أنه يرجع ما لم يقرأ، ذهب إليه سلار، الرابع وجوب القطع مطلقا إذا غلب على ظنه سعة الوقت بقدر الطهارة

 

(1) الا ما مر عن الفقيه في ص 148 س 15 ولذلك قال: " كأنه متفق عليه ".

 

[153]

والصلاة، وعدم وجوب القطع إذا لم يمكنه ذلك، واستحباب القطع ما لم يركع نقله الشيخ عن ابن حمزة، الخامس ما نقله الشهيد أيضا، عن ابن الجنيد، حيث قال: وإذا وجد المتيمم الماء بعد دخوله في الصلاة قطع ما لم يركع الركعة الثانية، فان ركعها مضى في صلاته، فان وجده بعد الركعة الاولى وخاف ضيق الوقت أن يخرج إن قطع، رجوت أن يجزيه إن لا يقطع صلاته، وأما قبله فلابد من قطعها مع وجود الماء. ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات، ويمكن الجمع بينها بحمل أخبار المضى على الجواز، وأخبار القطع قبل الركوع على الاستحباب، بل القطع بعده أيضا والمسألة قليلة الجدوى إذ الفرض نادر. 8 - العلل (1) والخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: لا ينام المسلم وهو جنب، ولا ينام إلا على طهور، فان لم يجد الماء فليتيمم بالصعيد فان روح المؤمن تروح إلى الله عزوجل فيلقاها ويبارك عليها، فان كان أجلها قد حضر، جعلها في مكنون رحمته، وإن لم يكن أجلها قد حضر بعث بها مع امنائه من ملائكته، فيردوها في جسده (2). 9 - المحاسن: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عبيدالله الحلبي أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يمر بالركية وليس معه دلو قال: ليس عليه أن يدخل الركية، لان رب الماء هو رب الارض فليتيمم (3) بيان: الركية البئر، وحمل على ما إذا كان في النزول إليها مشقة كثيرة أو كان مستلزما لافساد الماء، والمراد بعدم الدلو عدم مطلق الآلة، وذكر الدلو

 

(1) علل الشرائع ج 1 ص 279. (2) الخصال ج 2 ص 156. (3) المحاسن ص 372.

 

[154]

لانه الفرد الشايع، فلو أمكنه بل طرف عمامته مثلا ثم عصرها والوضوء بمائها لوجب عليه، وفيه إشارة إلى جواز التيمم بغير التراب. 10 - السرائر: نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن سكين وغيره عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إن فلانا أصابته جنابة وهو مجدور فغسلوه فمات، فقال: قتلوه ألا سألوا، ألا يمموه إن شفاء العي السؤال (1). ايضاح: في القاموس الجدر خروج الجدري بضم الجيم، وفتحها لقروح في البدن تنفط وتقيح، وقد جدر وجدر كعني ويشدد، فهو مجدور ومجدر قوله: " فغسلوه " أي أمروه بالغسل أي أفتوه به، أو ولوا غسله، وعلى الثاني يدل على أن المفتي ضامن إذا أخطأ ولعله في الآخرة مع التقصير أو عدم الصلاحية، والعي بالكسر يحتمل أن يكون صفة مشبهة عن عيي، إذا عجز ولم يهتد إلى العلم بالشئ، وأن يكون مصدرا، وفي بعض نسخ الحديث إن آفة العي السؤال، فعلى الاول المعنى أن الجاهل ربما يتأبى عن السؤال ويترفع عنه ويعده آفة. وعلى الثاني المعنى أن السؤال آفة العي، فكما أن الافة تفني الشئ وتذهبه كذلك السؤال يذهب العي، وما هنا أظهر موافقا للفقيه (2) ولروايات العامة. قال في النهاية في الحديث شفاء العي السؤال، العي الجهل، وقد عيي به يعيى عياء. 11 - المحاسن: عن أبي إسحاق الثقفي ومحمد بن مروان جميعا، عن أبان بن عثمان عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله أعطى محمدا صلى الله عليه وآله شرايع نوح و إبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام إلى أن قال: وجعل له الارض مسجدا وطهورا الحديث (3).

 

(1) السرائر ص 478. (2) الفقيه ج 1 ص 59. (3) المحاسن ص 287.

 

[155]

12 - تفسير علي بن إبراهيم: في قوله تعالى " ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم " (1) قال: إن الله كان قد فرض على بني إسرائيل الغسل و الوضوء، ولم يحل لهم التيمم ولم يحل لهم الصلاة إلا في البيع والكنايس و المحاريب، وكان الرجل إذا أذنب خرج نفسه منتنا فيعلم أنه أذنب وإذا أصاب أحدهم شيئا من بدنه البول قطعوه، ولم يحل لهم المغنم، فرفع ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله عن امته (2). 13 - السرائر: نقلا من كتاب حريز، عن زرارة قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: أرأيت المواقف إن لم يكن على وضوء كيف يصنع ؟ ولا يقدر على النزول ؟ قال: يتيمم من لبد دابته أو سرجه أو معرفة دابته، فان فيها غبارا (3). بيان: المواقف كمقاتل لفظا ومعنى، واللبد بكسر اللام وإسكان الباء الموحدة ما يوضع تحت السرج، والمعرفة - كمرحلة - موضع العرف من الفرس، وهو بالضم شعر عنقه، وذكر الاصحاب أن مع فقد للتراب وما في معناه يجب التيمم بغبار الثوب أو عرف الدابة أو لبد السرج أو غير ذلك مما فيه غبار قال في المعتبر وهو مذهب علمائنا وأكثر العامة، وإنما يجوز التيمم بالغبار مع فقد التراب كما نص عليه الاكثر وربما ظهر من عبارة المرتضى في الجمل جوازه مع وجوده وهو بعيد. ثم المشهور التخيير بين كل ما فيه غبار كما هو ظاهر الخبر، وقال الشيخ في النهاية: للتيمم مراتب فأولها التراب، فان فقده فالحجر، فان فقد تيمم بغبار عرف دابته أو لبد سرجه، فان لم يكن معه دابة تيمم بغبار ثوبه، فان لم يكن معه شئ من ذلك تيمم بالوحل، وقال ابن إدريس: التراب ثم الحجر ثم غبار

 

(1) الاعراف: 157. (2) تفسير القمى ص 225. (3) السرائر ص 472.

 

[156]

الثوب، ثم غبار العرف واللبد، ثم الوحل، وأطلق الشيخ التيمم بغبار الثوب و ظاهر المفيد وسلار وجوب النفض والتيمم بالغبار الخارج منه، وربما يشترط الاحساس بالغبار، وظاهر الخبر وجود الغبار فيها كما هو ظاهر الاكثر أما إخراجه أو ظهوره للحس فلا، وإن كان الاحوط السعي في إخراجه. 14 - السرائر: نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن العبيدي، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يجنب في السفر، فلا يجد إلا الثلج أو ماء جامدا، قال: هو بمنزلة الضرورة يتيمم، ولا أرى أن يعود إلى هذه الارض التي توبق دينه (1). المحاسن: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عبيدالله ابن علي الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله (2). بيان: قال المفيد لو لم يوجد إلا الثلج فليكسره وليتوضأ بمائه، وإن خاف على نفسه من ذلك يضع بطن راحته اليمنى على الثلج، ويحركه عليه باعتماد ثم يرفعها بما فيها من نداوة يمسح بها وجهه، ثم يضع راحته اليسرى على الثلج ويصنع بها كما صنع باليمنى، ويمسح بها يده اليمنى من مرفقه إلى أطراف الاصابع كالدهن إلى آخر ما ذكره ثم قال: وإن كان محتاجا إلى التطهر بالغسل صنع بالثلج كما صنع به عند وضوئه، وقال الشيخ ما يقاربه. والمنقول عن علم الهدى أنه يتيمم بنداوته، وهو المنسوب إلى ابن الجنيد وسلار، وقال آخرون بسقوط الطهارة، واختار العلامة مذهب الشيخ. وقال المحقق في المعتبر: والتحقيق عندي أنه إن أمكن الطهارة بالثلج بحيث يكون به غاسلا فانه يكون مقدما على التراب، بل مساويا للماء في التخيير عند الاستعمال، وإن قصر عن ذلك لم يكف في حصول الطهارة، وكان التراب معتبرا دونه، ولا عبرة بالدهن، لانه لا يسمى غسلا، فلا يحصل به الطهارة

 

(1) السرائر: 478. (2) المحاسن ص 372.

 

[157]

الشرعية إلا أن يراد بالدهن ما يجري على العضو، وإن كان قليلا انتهى، ولا يخفى متانته. ثم إنه ينقل عن السيد - رحمه الله - أنه استدل بهذه الرواية على مذهبه ولا يخفى ما فيه، إذ الظاهر أن المراد بها التيمم بالتراب، وقوله فلا يجد إلا الثلج أي مما يصح الاغتسال به قوله عليه السلام: " توبق دينه " أي تذهبه من قولهم أو بقت الشئ أي أهلكته، ويدل على أن من صلى بتيمم وإن كان مضطرا فصلاته ناقصة، وأنه يجب عليه إزالة هذا النقص عن صلاته المستقبلة بالخروج عن ذلك المحل إلى محل لا يضطر فيه إلى ذلك. وربما يستنبط منه وجوب المهاجرة عن بلاد التقية إلى بلاد يمكنه فيها تركها بل عن البلاد التي لا يتمكن من أقام فيها من القيام التام بوظائف الطاعات، و إعطاء الصلاة، بل سائر العبادات حقها من الخشوع والاقبال على الحق جل شأنه فضلا عن البلاد التي لا يسلم المقيم فيها يوما من الاعمال السيئة، والاقوال الشنيعة ولا يكاد ينفك عن الصفات الذميمية المهلكة من الغل والحسد والتكبر وحب الجاه والرياسة، وفقنا الله وسائر المؤمنين لاقامة شرايع الدين في مقام أمين لا يستولي فيه الشياطين على المؤمنين. 15 - المحاسن: في رواية حفص بن غياث عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أوي إلى فراشه فذكر أنه على غير طهر وتيمم من دثاره وثيابه، كان في صلاة ما ذكر الله (1). بيان: رواه في التهذيب (2) مرسلا عن الصادق عليه السلام أنه قال: من تطهر ثم أوي إلى فراشه بات وفراشه كمسجده، فان ذكر أنه ليس على وضوء فتيمم من دثاره كائنا ما كان، لم يزل في صلاة ما ذكر الله عزوجل، وفي الفقيه (3)

 

(1) المحاسن ص 47. (2) التهذيب ج 1 ص 167. (3) الفقيه ج 1 ص 296.

 

[158]

فليتيمم من دثاره كائنا ما كان، ورواه في ثواب الاعمال (1) عن محمد بن كردوس عنه عليه السلام مثل الفقيه. فعلى ما في التهذيب: لعل المعنى كائنا ما كان [الدثار سواء كان فيه غبار أم لا، أو كائنا ما كان] النائم، سواء قدر على القيام والوضوء أم لا، وعلى ما في الفقيه فالظاهر أن المراد سواء كان متوضئا أو متيمما أو المراد أنه إذا ذكر الله فسواء توضأ أو تيمم أم لا فهو في صلاة، ويمكن أن يعمم أيضا بحيث يشمل غير حالة النوم أيضا، والظاهر هو الاول. فالمراد أنه إذا تطهر ولم يذكر يكتب له ثواب الكون في المسجد، وإن ذكر يكتب له ثواب الصلاة. وعلى الاحتمالين الآخرين الظاهر أن كون فراشه كمسجده كناية عن أنه يكتب له ثواب الصلاة، وعلى ما هنا الظاهر اشتراط الطهارة والذكر معا في الثواب المذكور وظاهر الخبر اشتراط التيمم بالذكر في الدثار لا مطلقا وهو خلاف المشهور. 16 - السرائر: نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن عثمان بن عيسى، عن معاوية بن شريح قال: سأل رجل أبا عبد الله عليه السلام وأنا عنده، فقال: يصيبنا الدمق (2) والثلج ونريد أن نتوضأ ولا نجد إلا ماء جامدا فكيف أتوضأ أدلك به جلدي ؟ قال: نعم (3). 17 - ومنه: عن الكتاب المذكور، عن محمد بن أحمد العلوي، عن العمركي عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل الجنب أو على غير وضوء، لا يكون معه ماء وهو يصيب ثلجا وصعيدا أيهما أفضل أيتيمم أم يمسح بالثلج وجهه ؟ قال: الثلج إذا بل رأسه وجسده أفضل، فان لم يقدر على أن يغتسل به فليتيمم (4).

 

(1) ثواب الاعمال: 18. (2) الدمق - محركة - ريح وثلج، معرب دمه بالفارسية. (3 - 4) السرائر، 478.

 

[159]

بيان: دلالة الخبرين على ما ذهب إليه المفيد ظاهر ويمكن حملهما على الجريان ليوافق المشهور. 18 - السرائر: نقلا من كتاب نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الله ابن بكير، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتى عمار بن ياسر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إني أجنبت الليلة، فلم يكن معي ماء، قال: كيف صنعت ؟ قال: طرحت ثيابي وقمت على الصعيد، فتمعكت فيه، فقال: هكذا يصنع الحمار، إنما قال الله عزوجل " فتيمموا صعيدا طيبا " فضرب بيديه على الارض ثم ضرب إحداهما على الاخرى، ثم مسح بجبينيه ثم مسح كفيه كل واحدة على الاخرى، مسح باليسرى على اليمنى وباليمنى على اليسرى (1). توضيح: يدل على الاكتفاء في بدل الجنابة بالضربة الواحدة، وتمعك الدابة تقلبها في التراب، وهذا منه صلى الله عليه وآله إما مطايبة أو تأديب على ترك القياس، فانه قاس التيمم بالغسل (2) وعدم التقصير في طلب علم ما تكثر الحاجة إليه، وعلى الاول يدل على جواز جريان أمثالها بين الاصدقاء. 19 - المحاسن: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عبيدالله بن علي الحلبي أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل إذا أجنب ولم يجد الماء، قال يتيمم بالصعيد، فإذا وجد الماء فليغتسل ولا يعيد الصلاة (3).

 

(1) السرائر ص 465. (2) الظاهر أن عمارا استند وعمل في ذلك بقوله صلى الله عليه وآله: " جعلت لى الارض مسجدا وترابها طهورا " فلما لم يجد الماء تمعك في التراب ليوصل التراب إلى ظاهر جسده، وأما آية التيمم فلعله كان غافلا عنها أو غير قارئ لها، أو كان ابتلاؤه بذلك قبل نزول آية التيمم وسؤاله بعد ذلك، والا فآية التيمم ظاهرة المراد ليس يخفى على مثل عمار و قد مر حديثه ذلك عن الصحيحين ص 35 في الذيل وسيأتى أيضا عن الدعائم وغيره. (3) المحاسن ص 372.

 

[160]

20 - السرائر: نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن جعفر بن بشير، عن عبد الله بن عاصم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام وسئل عن رجل تيمم وقام في الصلاة، فاتي بماء قال: إن كان ركع فليمض في صلاته، وإن لم يكن ركع فلينصرف وليتوضأ (1). 21 - ومنه: عن الكتاب المذكور، عن علي بن السندي، عن حماد عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل صلى ركعة على تيمم ثم جاء رجل ومعه قربتان من ماء، فقال: يقطع الصلاة ويتوضأ ثم يبني على واحدة (2). 22 - ومنه: عن الكتاب المذكور، عن علي بن السندي، عن صفوان عن إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يكون مع أهله في السفر فلا يجد الماء يأتي أهله ؟ فقال: ما احب أن يفعل ذلك إلا أن يكون شبقا أو يخاف على نفسه، قلت: يطلب بذلك اللذة، قال: هو حلال، قلت: فانه روي عن النبي صلى الله عليه وآله أن أبا ذر سأله عن هذا فقال: ائت أهلك تؤجر، فقال: يا رسول الله واوجر ؟ فقال: كما أنك إذا أتيت الحرام أزرت فكذلك إذا أتيت الحلال اجرت فقال: ألا ترى أنه إذا خاف على نفسه فأتى الحلال اجر (4). بيان: قوله عليه السلام: " أزرت " كذا في النسخ، والقياس وزرت أو أوزرت. وعلى تقدير عدم التصحيف لعله أتى به كذلك لمزاوجة اجرت، قال الجزري الوزر الحمل والثقل، وأكثر ما يطلق في الحديث على الذنب والاثم ومنه: الحديث ارجعن مأجورات غير مأزورات، أي غير آثمات، وقياسه موزورات يقال: وزر فهو موزور، وإنما قال: مأزورات للازدواج بمأجورات، ونحوه قال الجوهري. ويدل الحديث على جواز إحداث الجنابة عند عدم الماء، أو عدم التمكن من استعماله كمرض ونحوه، ونقل المحقق في المعتبر عليه الاجماع

 

(1 - 3) السرائر ص 478.

 

[161]

وربما يوهم الخبر تقييد الجواز بالشبق أو الخوف على النفس من الوقوع في الحرام لكن ظاهره الجواز، وإن كان لمحض الالتذاذ. ثم اعلم أن المشهور بين الاصحاب عدم الفرق بين متعمد الجنابة وغيره، في تسويغ التيمم له عند التضرر بالماء وقال المفيد: إن أجنب نفسه مختارا وجب عليه الغسل، وإن خاف منه على نفسه ولم يجزه التيمم، وأسند في المعتبر إلى الشيخين القول بعدم جواز التيمم، وإن خاف التلف أو زيادة المرض، وأسند في المنتهى إلى الشيخ القول بأن المتعمد وجب عليه الغسل، وإن لحقه برد، إلا أن يخاف على نفسه التلف. وقال في المبسوط والنهاية: يتيمم عند خوف البرد على نفسه، ويعيد الصلاة عند الاغتسال، إذا كانت الجنابة عمدا، والمنقول عن ظاهر ابن الجنيد عدم إجزاء التيمم للمتعمد، والاشهر جواز التيمم مطلقا وعدم الاعادة وهو أقوى. 22 - السرائر: نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين عن صفوان، عن العلا، عن محمد، عن أحدهما عليهما السلام أنه سئل عن الرجل يقيم بالبلاد الاشهر ليس فيها ماء من أجل المراعي وصلاح الابل ؟ قال: لا (1). ومنه: نقلا من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب، عن العلا وأبي أيوب وابن بكير كلهم عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام مثله (2). بيان: قوله: من أجل المراعي يمكن تعلقه بقوله: " ليس فيها ماء " أي لا ماء فيها لصلاح الابل ومرعاه، فيكون النهي للاضرار بالابل، وإتلاف المال، ويحتمل تعلقه بيقيم فالمراد أنه يسكن البلدة أو القرية لرعي الابل في نواحيها، والماء في البلد قليل قد لا يفي بالوضوء والغسل والاستنجاء وتنظيف الثوب والجسد، فالنهي لعدم التمكن من هذه الامور الضرورية فيكون مثل قوله: " ولا أرى أن يعود إلى هذه الارض التي توبق دينه " ولعل الشيخ فهم هذا المعنى حيث أورده في التهذيب (3)

 

(1) السرائر: 478. (2) لا يوجد في المصدر المطبوع. (3) التهذيب ج 1 ص 115.

 

[162]

في باب التيمم. 23 - كتاب سليم بن قيس: بالاسانيد التي ذكرناها في صدر الكتاب عنه عن أمير المؤمنين عليه السلام فيما ذكره من بدع عمر قال عليه السلام: والعجب لجهله وجهل الامة أنه كتب إلى جميع عماله أن الجنب إذا لم يجد الماء فليس له أن يصلي، وليس له أن يتيمم بالصعيد حتى يجد الماء، وإن لم يجده حتى يلقى الله. وفي رواية اخرى: وإن لم يجده سنة، ثم قبل الناس ذلك منه ورضوا به، وقد علم وعلم الناس أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد أمر عمارا وأمر أبا ذر أن يتيمما من الجنابة ويصليا، وشهدا به عنده وغيرهما، فلم يقبل ذلك ولم يرفع به رأسا (1). 24 - نوادر الراوندي: عن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني، عن محمد بن الحسن التميمي، عن سهل بن أحمد الديباجي، عن محمد بن محمد بن الاشعث، عن موسى ابن إسماعيل بن موسى، عن أبيه، عن جده موسى، عن أبيه جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: تمسحوا بالارض فانها امكم وهي بكم برة (2). بيان: لعل المراد بالتمسح التيمم عند الضرورة، ويحتمل أن يكون المراد التمسح على وجه البركة، أو يكون كناية عن الجلوس عليها، ويؤيد الاخيرين ما رواه الراوندي أيضا أنه أقبل رجلان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال أحدهما لصاحبه: اجلس على اسم الله تعالى والبركة، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اجلس على استك، فأقبل يضرب الارض بعصا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تضربها فانها امكم وهي بكم برة (3). والخبر مذكور في روايات العامة أيضا قال في النهاية: فيه: " تمسحوا بالارض فانها بكم برة " أراد به التيمم، وقيل: أراد مباشرة ترابها بالجباه في السجود من غير حائل، ويكون هذا أمر تأديب واستحباب، لا وجوب، وقوله: " فانها بكم برة " أي مشفقة عليكم، كالوالدة البرة بأولادها يعني أن منها خلقكم، و

 

(1) كتاب سليم ص 122، وقوله لم يرفع به رأسا: أي لم يلتفت به. (2 و 3) نوادر الراوندي ص 9 وفي هامش الاصل، ستأتي بسند آخر في باب ما يصح السجود عليه، منه. (*)

 

[163]

فيها معاشكم، وإليها بعد الموت معادكم. 25 - ونوادر الرواندي: بالاسناد المتقدم قال: قال علي عليه السلام: من أخذته سماء شديدة والارض مبتلة، فليتيمم من غيرها، أو من غبار ثوبه أو غبار سرجه أو أكفافه (1). بيان: كفة كل شئ بالضم طرته وحاشيته. 26 - النوادر: بالاسناد المتقدم عنه عن آبائه عليهم السلام قال: سئل علي عليه السلام عن رجل يكون في زحام في صلاة جمعة، أحدث ولا يقدر على الخروج فقال: يتيمم ويصلي معهم ويعيد (2). تأييد وتوجيه ذهب الشيخ في النهاية والمبسوط إلى أن من منعه زحام الجمعة عن الخروج يتيمم ويصلي، ويعيد إذا وجد الماء، ومستنده ما رواه في التهذيب (3) بسند فيه ضعف عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام، عن علي عليه السلام أنه سئل عن رجل يكون وسط الزحام يوم الجمعة أو يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس، قال: يتيمم ويصلي معهم، ويعيد إذا انصرف. وبسند موثق (4) عن سماعة عنه عليه السلام مثله. والمشهور عدم الاعادة، وحملها بعضهم على الاستحباب، ولا يبعد حملها على ما إذا كانت الصلاة مع المخالفين ولم يمكنه الخروج ولا ترك الصلاة تقية، فلذا يعيد، بقرينة ذكر عرفة في الروايتين والوقت فيه غير مضيق، وحملها على ما إذا لم يمكنه الخروج إلى آخر الوقت بعيد، ولذا خص الشيخ الحكم بالجمعة مع اشتمال الروايتين على عرفة

 

(1) نوادر الراوندي ص 53. (2) نوادر الراوندي ص 50. (3) التهذيب ج 1 ص 52. (4) التهذيب ج 1 ص 324.

 

[164]

أيضا وإن لم يبعد تجويز التيمم والصلاة لادراك فضل الجماعة، لاسيما الجماعة المشتملة على تلك الكثرة العظيمة الواقعة في مثل هذا اليوم الشريف، لكن لم أر قائلا به وهذا الاشكال عن خبر النوادر مندفع، والاحوط الفعل والاعادة في الجمعة. 27 - النوادر: بالاسناد المتقدم عنه عن آبائه عليهم السلام قال: قال علي عليه السلام: يجوز التيمم بالجص والنورة، ولا يجوز بالرماد، لانه لم يخرج من الارض فقيل له: أيتيمم بالصفا البالية على وجه الارض ؟ قال: نعم (1). توضيح: أما عدم جواز التيمم بالرماد فلا خلاف فيه إذا كان مأخوذا من الشجر والنبات، وهو الظاهر من الرواية، للتعليل بأنه لم يخرج من الارض أي لم يحصل منها، ويؤيده أنه روى الشيخ (2) مثل هذه الرواية عن السكوني عنه عليه السلام وزاد في آخره: إنما يخرج من الشجرة. وأما النورة والجص قبل الاحراق فيجوز التيمم بهما من يجوز التيمم بالحجر، ومنع منه ابن إدريس لكونهما معدنا وهو ضعيف، وشرط الشيخ في النهاية في جواز التيمم بهما فقد التراب، وأما النورة والجص بعد الاحراق فالمشهور المنع من التيمم بهما، لعدم صدق اسم الارض عليهما، والمنقول عن المرتضى وسلار الجواز وهو الظاهر من الرواية بل الظاهر منها جواز التيمم بكل ما يحصل من الارض كالخزف واختلفوا فيه، ولعل الجواز أقوى، والترك اختيارا أولى، وكذا الرماد الحاصل من التراب، وإن كان الحكم فيه أخفى، والاكثر فيه على عدم الجواز مع الخروج عن اسم الارض (3).

 

(1) نوادر الراوندي ص 50. (2) التهذيب ج 1 ص 53. (3) قد عرفت أن الاية الشريفة أمر بتيمم الصعيد، وأن المراد بالصعيد ليس هو الا الغبار المرتفع من الارض، وانما أمروا عليهم السلام بضرب الكفين على الارض ليتحقق مفهوم التيمم، وهو طلب الصعيد فانه لا يحصل على الكفين الا بضربهما على الارض ليثور الغبار ويلصق بهما، ولو صح التيمم بالخزف المطبوخ أو الصفاة قبل أن تبلى أو

 

[165]

 

 

الصخرة الملساء، لما كان لضرب اليد عليها وجه، الا أن يكون عليها غبار تعلو بضرب اليد عليها كما في الصفا البالية وهو الطين المتحجر من صفوة الارض ينجمد بعد انحسار الماء عن وجهها. ولو كانت الصفاة بمعنى الصخرة كما توهم لما وصفت في الحديث بالبالية ؟ ة، فان الصخرة لا تبلى، ولما وصفها الفيروز آبادي بقوله: " الصفاة الحجر الصلد الضخم لا ينبت " فان الصلد هو الارض المتحجرة التي لا تنبت، ولذلك قالوا رأس صلد أي لا ينبت، وجبين صلد أي صلب، وفرس صلد اي لا يعرق. ومنه قولهم " فلان لا تندى صفاته " أي بخيل لا يسمح بشئ، والمراد بالصفاة هذه الراووق المتخذ من الطين الحر الصلب كالخزف ولذلك وصفت بعدم النداوة والرش، و لو كانت بمعنى الصخرة لما كان ينتظر منه الرش والندى. وأما الجص والنورة والرماد فكلها يمكن أن يكون صعيدا ثائرا هائجا، وهو ظاهر، الا أن قوله تعالى: " صعيدا طيبا " يخص التيمم بالتراب الخالص الذي يخرج نباته باذن الله دون النورة والجص والسبخة والرمل والرماد لانها لا تنبت، وقد وصف الرماد في قوله تعالى " فتصبح صعيدا زلقا " و " انا لجاعلون ما عليها صعيدا جرزا " بكونه زلقا جرزا خرج عن كونه طيبا نابتا. وعلى ذلك فتوى الاصحاب وروايات الباب، أما الرماد فظاهر، وأما النورة و الجص والسبخة والرمل وأمثالها فهى معادن فلا يجوز التيمم بها اجماعا، وما ورود من رواية السكوني وهي أصل هذا الخبر المروى في النوادر فلا يعبأ بها لضعفها ومعارضتها الاجماع. وأما استناد بعض الفقهاء بقوله صلى الله عليه وآله: " جعلت لى الارض مسجدا وطهورا " وأن اسم الارض يقع على الحجر والمدر والتراب كلها ففيه أن الحجر ان كان بمعنى الارض الصلب الصلد، فلا بأس به، من حيث اطلاق اسم الارض عليه، الا أنه يقيد اطلاقها بقرينة لفظ الصعيد في القرآن العزيز، ولذلك ورد التصريح بالتراب في بعض الاحاديث ولفظه: جعلت لى

 

[166]

28 - دعائم الاسلام: عن الصادق عليه السلام عن آبائه، عن علي عليهم السلام أنه

 

الارض مسجدا وترابها طهورا ". وأما إذا كان بمعنى الصخرة وما هو من جنسها كالحصا والرمل، فليس بصحيح، فان الارض في أصل اللغة هو ما نسميه بالفارسية خاك - زمين، فلا يطلق على الجبل وما أزيل منه كالصخرة والجندل والحصا والرمل، كما أنها لا تطلق على المياه وقد استوعب ثلاثة أرباع الارض فقولهم: الارض ما قابل السماء ليس الا على التسامح العرفي، والا فثلاثة أرباع السماء لا يقابلها الا الماء. على أن القرآن العزيز استعمل كلمة الارض في أكثر من 460 موضعا وكلها تنادى بأن الارض يقابل الحجر، فقد وصفت الارض في بعضها بالاحياء والاماتة والاثارة و الانبات والتمديد والرحب والسعة والاهتزاز والربا والتفجير ونقص أطرافها وخسفها بالناس، وكونها مهادا ومهدا وسطحا وفراشا وبساطا وكفاتا وذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه واليه النشور، ولا يليق شئ منها بالحجر. واما في بعضها الاخر، فقد جعلت الارض في مقابل الجبل والصخرة صريحا كما في قوله تعالى: " ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الارض " الرعد: 31 " تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هدا " مريم: 90 " وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة " الحاقة: 14 " يوم ترجف الارض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا " المزمل: 14 " وهو الذي مد الارض وجعل فيها رواسي وأنهارا " الرعد: 3 ومثله في الحجر: 19، ق: 7، النحل، 15، الانبياء: 31، لقمان: 10. وهكذا قوله تعالى: " انك لن تخرق الارض ولن تبلغ الجبال طولا " أسرى: 37 " يوم نسير الجبال وترى الارض بارزة " الكهف: 47 " أم من جعل الارض قرارا وجعل خلالها أنهارا " النمل: 61 " يا بنى انها ان تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الارض " لقمان: 16 " انا عرضنا الامانة على السموات و الارض والجبال فأبين أن يحملنها " الاحزاب: 72. ففى كلها قابلت الارض الجبال كما قابلت المياه، وعد كل منها شيئا على حدته.

 

[167]

قال: لا ينبغي أن يتيمم من لم يجد الماء إلا في آخر الوقت (1). وعنه عليه السلام قال: من تيمم صلى بتيممه ذلك ما شاء من الصلوات ما لم يحدث أو يجد الماء، فانه إذا مر بالماء أو وجده انتقض تيممه، فان عدمه بعد ذلك تيمم، وإن هو تيمم في أول الوقت وصلى ثم وجد الماء وفي الوقت بقية يمكنه معها أن يتوضأ ويصلي توضأ وصلى، ولم يجزه صلاته بالتيمم، إذا هو وجد الماء وهو في وقت من الصلاة (2). قال: وكذلك إن تيمم ولم يصل، فوجد الماء، وهو في وقت من الصلاة انتقض تيممه، وعليه أن يتوضأ ويصلي، وإن دخل في الصلاة بتيمم ثم وجد الماء فلينصرف فيتوضأ ويصلي إن لم يكن ركع، فان ركع مضى في صلاته، فان انصرف منها وهو في وقت توضأ وأعادها، فان مضى الوقت أجزأه (3). وقال عليه السلام: إن عمار بن ياسر أصابته جنابة فتجرد من ثيابه وأتى صعيدا فتمعك عليه، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: يا عمار تمعكت تمعك الحمار ؟ قد كان يجزيك من ذلك أن تمسح بيديك وجهك وكفيك، كما قال الله عزوجل (4). وعن علي عليه السلام أنه قال: من أصابته جنابة والارض مبتلة فلينفض لبده وليتيمم بغباره، وكذلك قال أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام: لينفض ثوبه أو لبده أو إكافه إذا لم يجد ترابا طيبا (5). وقالوا صلوات الله عليهم: المتيمم تجزيه ضربة واحدة، يضرب بيديه على الارض فيمسح بهما وجهه ويديه، وقالوا لا يجزي التيمم بالجص ولا بالرماد ولا بالنورة، ويجزي بالصفا الثابت في الارض إذا كان عليه غبار ولم يكن مبلولا، ولا يتيمم في الحضر إلا من عذر أو يكون في زحام ولا يخلص منه وحضرت الصلاة فانه يتيمم ويصلي، ويعيد تلك الصلاة (6).

 

(1 - 4) دعائم الاسلام ج 1 ص 120. (5 - 6) المصدر ج 1 ص 121.

 

[168]

وقالوا في الجنب يمر بالبئر ولا يجد ما يستقي به يتيمم، ومن كانت به قروح أو علة يخاف منها على نفسه يتيمم، وكذلك إن خاف أن يقتله البرد إن اغتسل يتيمم، وإن لم يخف اغتسل، فان مات فهو شهيد. ومن لم يكن معه من الماء إلا شئ يسير يخاف إن هو توضأ به أو تطهر أن يموت عطشا، قالوا عليهم السلام: يتيمم، و يبقي الماء لنفسه ولا يعين على هلاكها، قال الله عزوجل (1) " ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما " (2). وقالوا صلوات الله عليهم في المسافر إذا لم يجد الماء إلا بموضع يخاف فيه على نفسه، إن مضى في طلبه من لصوص أو سباع أو يخاف منه التلف والهلاك يتيمم ويصلي (3). وقالوا في المسافر يجد الماء بثمن غال أن يشتريه إذا كان واجدا لثمنه فقد وجده إلا أن يكون في دفعه الثمن ما يخاف منه على نفسه التلف إن عدمه والعطب فلا يشتريه، ويتيمم بالصعيد ويصلي (4). وعن علي عليه السلام قال: لا بأس أن يجامع الرجل امرأته في السفر، وليس معه ماء ويتيمم ويصلي، وسئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن مثل هذا فقال: نعم ائت أهلك وتيمم وتؤجر قال: يا رسول الله واوجر ؟ قال: نعم، إذا أتيت الحلال اجرت كما أنك إذا أتيت الحرام أثمت (5). بيان: إكاف الحمار ككتاب وغراب برذعته، وهي ما يلقى تحت الرحل. 29 - أربعين الشهيد: عن محمد بن القاسم بن معية الحسني الديباجي عن السيد علي بن عبد الحميد بن فخار الموسوي، عن أبيه، عن جده، عن السيد عبد الحميد بن التقي الحسني، عن السيد فضل الله بن علي الراوندي، عن السيد ذي الفقار بن معد الحسني، عن الشيخ الصدوق أحمد بن علي النجاشي، عن أحمد ابن عبدون، عن أحمد بن جعفر بن سفيان البزوفري، عن أحمد بن إدريس، عن

 

(1) النساء: 39. (2 - 5) دعائم الاسلام ج 1 ص 121.

 

[169]

محمد بن علي بن محبوب، عن العباس بن معروف، عن إسماعيل بن همام، عن محمد ابن سعيد بن غزوان، عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني، عن الصادق، عن أبيه عن آبائه صلوات الله عليهم، عن أبي ذر الغفاري أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله هلكت: جامعت على غير ماء، قال: فأمر النبي صلى الله عليه وآله بمحمل فاستترت به، وبماء فاغتسلت أنا وهي، ثم قال صلى الله عليه وآله: يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين. ومنه: باسناده، عن شيخ الطائفة، عن المفيد، عن الصدوق محمد بن بابويه عن والده، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن علي بن الحكم عن داود بن النعمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن عمارا أصابته جنابة فتمعك في التراب كما تتمعك الدابة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يهز أبه: يا عمار تمعكت كما تتمعك الدابة ؟ فقلنا له: فكيف التيمم ؟ فوضع يديه على الارض ثم رفعهما فمسح وجهه ويديه فوق الكف قليلا. بيان: الظاهر أن قائل " فقلنا " داود، والمقول له الصادق عليه السلام ويحتمل أن يكون القائل الصحابة الذين كانوا حاضرين، والمقول له هو الرسول صلى الله عليه وآله، و الامام حكى كلامهم بلفظه، ويؤيده بعض الروايات، وإن كان بعيدا هنا. وظاهره الاكتفاء بالوضع بدون اعتماد، ومسح جميع الوجه، وقد مر الكلام فيهما، وقوله " فوق الكف قليلا " يحتمل وجهين، الاول مسح قليل من ظهر الكف فيدل على عدم وجوب الاستيعاب كما ذهب إليه الصدوق، والثاني أنه ابتدأ في المسح بما فوق الكف من باب المقدمة.


 

[170]

أبواب * " (الجنايز ومقدماتها ولواحقها) " " 1 * " (باب) " * * " (فضل العافية والمرض وثواب المرض) " * * " (وعلله وأنواعه) " * 1 - الخصال: عن جعفر بن علي الكوفي، عن جده الحسن بن علي، عن جده عبد الله بن المغيرة، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: نعمتان مكفورتان الامن والعافية (1). بيان: " مكفورتان " أي مستورتان عن الناس، لا يعرفون قدرهما، أو لا يشكرهما الناس لغفلتهم عن عظم شأنهما. 2 - الخصال: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خصلتان كثير من الناس مفتون فيهما: الصحة والفراغ (2). 3 - ومنه: عن الخليل بن أحمد. عن محمد بن معاذ، عن الحسين بن الحسن المروزي، عن عبد الله بن المبارك والفضل بن موسى معا، عن عبد الله بن سعيد بن

 

(1 - 2) الخصال ج 1 ص 19.

 

[171]

أبي هند، عن أبيه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: نعمتان مفتون [مغبون] خ فيهما كثير من الناس: الفراغ والصحة (1). توضيح: " مغبون " في بعض النسخ بالغين المعجمة والباء الموحدة، قال في القاموس: غبن الشئ وفيه كفرح غبنا وغبنا نسيه أو أغفله أو غلط فيه، ورأيه بالنصب غبانة وغبنا محركة ضعف، فهو غبين ومغبون، وغبنه في البيع يغبنه غبنا ويحرك، أو بالتسكين في البيع وبالتحريك في الرأي، خدعه، وقد غبن كعني فهو مغبون انتهى فالمعنى أنهم مخدوعون من الشيطان في ترك شكرهما، ويحتمل بعض المعاني الاخر. وفي أكثر النسخ بالفاء والتاء أي مختبرون امتحنهم الله بهما وابتلاهم ليرى كيف شكرهم فيهما، أو افتتنوا ووقعوا في الضلال والاثم بهما، والفراغ التخلي من الشغل والعمل، أو فراغ القلب من الخوف والحزن، والاخير أنسب بالخبر الاول. 4 - الخصال: عن أبيه، عن محمد العطار، عن محمد بن أحمد، عن الجاموراني عن سجادة، عن درست، عن أبي خالد السجستاني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خمس خصال من فقد منهن واحدة لم يزل ناقص العيش، زايل العقل، مشغول القلب: فاولاها صحة البدن، والثانية الامن، والثالثة السعة في الرزق، و الرابعة الانيس الموافق، قلت: وما الانيس الموافق ؟ قال: الزوجة الصالحة والولد الصالح والخليط الصالح، والخامسة وهي تجمع هذه الخصال الدعة (2). بيان: الدعة السكون وقلة الاشغال قال في النهاية: ودع بالضم وداعة ودعة أي سكن وترفه، وفي الصحاح الدعة الخفض، والهاء عوض من الواو، تقول منه: ودع الرجل فهو وديع، أي ساكن، ورجل متدع أي صاحب دعة

 

(1) الخصال ج 1 ص 19. (2) الخصال ج 1 ص 137.

 

[172]

وراحة، والموادعة المصالحة انتهى، ويحتمل أن يكون المراد عدم المنازعة والمخاصمة. 5 - مجالس الصدوق: عن أحمد بن يحيى المكتب، عن أحمد بن محمد الوراق، عن بشر بن سعيد بن قلبويه، عن عبد الجبار بن كثير قال: سمعت محمد ابن حرب الهلالي أمير المدينة يقول: سمعت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام يقول: العافية نعمة خفية إذا وجدت نسيت، وإذا فقدت ذكرت (1). قال: وسمعت الصادق عليه السلام يقول: العافية نعمة يعجز الشكر عنها (2). 6 - ومنه: عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن إبراهيم بن هاشم عن إسماعيل بن مرار، عن يونس، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خمس من لم يكن فيه لم يتهن بالعيش: الصحة، والامن، والغنى، والقناعة والانيس الموافق (3). 7 - معاني الاخبار: عن محمد بن أحمد بن تميم، عن محمد بن إدريس، عن محمد بن مهاجر، عن الجريري، عن أبي الورد بن تمام، عن اللجلاج، عن معاذ ابن كثير قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله فمر برجل يدعو، هو يقول: " أسألك اللهم الصبر " فقال له النبي صلى الله عليه وآله: سألت البلاء فاسأل الله العافية الخبر (4). 8 - ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن صفوان، عن الحكم الحناط، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: النعيم في الدنيا الامن وصحة الجسم، وتمام النعمة في الآخرة دخول الجنة، وما تمت النعمة على عبد قط ما لم يدخل الجنة (5). 9 - ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال

 

(1 - 2) أمالى الصدوق ص 138. (3) أمالى الصدوق ص 175 في حديث. (4) معاني الاخبار ص 230. (5) معاني الاخبار: 408.

 

[173]

عن يونس بن يعقوب، عن شعيب العقرقوفي قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: شئ يروى عن أبي ذر - رحمه الله - أنه قال: ثلاثة يبغضها الناس وأنا احبها: احب الموت، واحب الفقر، واحب البلاء، فقال: هذا ليس على ما يروون، إنما عنى: الموت في طاعة الله أحب إلي من الحياة في معصية الله، والفقر في طاعة الله أحب إلي من الغنى في معصية الله، والبلاء في طاعة الله أحب إلي من الصحة في معصية الله (1). 10 - ومنه: عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد بن علي عن حارث بن الحسن الطحان، عن إبراهيم بن عبد الله، عن فضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا يبلغ أحدكم حقيقة الايمان حتى يكون فيه ثلاث خصال: حتى يكون الموت أحب إليه من الحياة، والفقر أحب إليه من الغنى، والمرض أحب إليه من الصحة، قلنا: ومن يكون كذا ؟ قال: كلكم، ثم قال: أيما أحب إلى أحدكم ؟ يموت في حبنا أو يعيش في بغضنا ؟ فقلت: نموت والله في حبكم أحب إلينا، قال: وكذلك الفقر والغنى، والمرض والصحة، قلت: إي والله (2). 11 - دعوات الراوندي: قال أمير المؤمنين عليه السلام: الصحة بضاعة، والتواني إضاعة، ألا إن من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب. وقال عليه السلام: السلامة مع الاستقامة. وقال النبي صلى الله عليه وآله: اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك. وقال عليه السلام: خير ما يسأل الله العبد العافية. وقال عيسى عليه السلام: الناس رجلان معافى ومبتلى، فارحموا المبتلى، واحمدوا الله على العافية، وفي حكمة آل داود: العافية الملك الخفي.

 

(1) معاني الاخبار ص 165. (2) معاني الاخبار ص 189.

 

[174]

وروي أن النبي صلى الله عليه وآله دخل على مريض فقال: ما شأنك ؟ قال: صليت بنا صلاة المغرب فقرأت القارعة، فقلت: " اللهم إن كان لي عندك ذنب تريد أن تعذبني به في الآخرة فعجل ذلك في الدنيا، فصرت كما ترى، فقال صلى الله عليه وآله: بئسما قلت ! ألا قلت: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار " فدعا له حتى أفاق. وقال النبي صلى الله عليه وآله: الحسنة في الدنيا الصحة والعافية وفي الآخرة المغفرة والرحمة. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: كفى بالسلامة داء. وقال النبي صلى الله عليه وآله: لا يذهب حبيبتا عبد فيصبر ويحتسب إلا ادخل الجنة. وقال: إن الله يبغض العفرية النفرية الذي لم يرزء في جسمه ولا ماله. وقال: إن الرجل ليكون له الدرجة عند الله لا يبلغها بعمله يبتلى ببلاء في جسمه فيبلغها بذلك (1). بيان: البضاعة بالكسر رأس المال، أي الصحة رأس مال الانسان في اقتناء الصالحات واكتساب السعادات. وقوله عليه السلام: " السلامة مع الاستقامة " أي لا تكون سلامة الجسم والقلب إلا مع الاستقامة في الدين، وما يبتلى به الناس إنما هو لتركهم الاستقامة كما قال سبحانه " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم " (2) وقال تعالى: " وأن لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا (3) أو المعنى أن السلامة إنما تنفع إذا كانت مع الاستقامة، وأما السلامة التي غايتها عذاب الآخرة، فليست بسلامة، و بعبارة اخرى السلامة مع الاستقامة، وإن كانت مع بلايا الدنيا ومصائبها. والحاصل أنه لما كانت السلامة غالبا تصير سببا للتوغل في الشرور والمعاصي

 

(1) دعوات الراوندي مخطوط. (2) الشورى: 30. (3) الجن: 16.

 

[175]

بين عليه السلام أن مثل تلك السلامة عين الابتلاء، ويؤيده قوله عليه السلام " كفى بالسلامة داء " أي تصير غالبا سببا للادواء النفسانية، والامراض الروحانية، أو المعنى أن السلامة عن معارضة الناس والمسالمة معهم، إنما تجوز إذا كانت مع الانقياد للحق وموافقة رضى الله، لا كما اختاره جماعة من الاشقياء في زمانه صلوات الله عليه، وخالفوا إمامهم، وكفروا وارتدوا والاوسط أظهر، والحبيبتان العينان. وقال الجوهري: العفر الرجل الخبيث الداهي، والمرءة عفرة، قال أبو عبيدة: العفريت من كل شئ المبالغ، يقال: فلان عفريت نفريت، وعفرية نفرية وفي الحديث " إن الله يبغض العفرية النفرية الذي لا يرزء في أهل ولا مال " والعفرية المصحح، والنفرية إتباع، وقال في نفر النفريت إتباع للعفريت وتوكيد. وقال في النهاية بعد ذكر الحديث: هو الداهي الخبيث الشرير، ومنه العفريت، وقيل: هو الجموع المنوع، وقيل الظلوم، وقال الجوهري في تفسيره: العفرية المصحح والنفرية إتباع له، وكأنه أشبه لانه قال في تمامه: الذي لا يرزء في أهل ولا مال. وقال الزمخشري: العفر والعفرية والعفريت والعفارية، القوي المتشيطن الذي يعفر قرنه، والياء في عفرية وعفارية للالحاق بشرذمة وعذافرة، والهاء فيهما للمبالغة، والتاء في عفريت للالحاق بقنديل، وقال في حديث سراقة فلم يرزآني شيئا أي لم يأخذا مني شيئا يقال: رزأته أرزؤه، وأصله النقص، ومنه ما رزءنا من مالك شيئا أي ما نقصنا منه شيئا ولا أخذنا. 12 - نهج البلاغة: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ألا وإن من البلاء الفاقة، وأشد من الفاقة مرض البدن، وأشد من مرض البدن مرض القلب، ألا وإن من النعم سعة المال، وأفضل من سعة المال صحة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب (1).

 

(1) نهج البلاغة تحت الرقم 388 من قسم الحكم.

 

[176]

وقال عليه السلام: لا ينبغي للعبد أن يثق بخصلتين: العافية والغنا، بينا تراه معافى إذ سقم، وبينا تراه غنيا إذ افتقر (1). 13 - دعائم الاسلام: عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله: صلى الله عليه وآله عاد رجلا من الانصار فشكى إليه ما يلقى من الحمى فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الحمى طهور، من رب غفور، قال الرجل: بل الحمى يفور بالشيخ الكبير حتى تحله في القبور، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ليكن بك ما قلت، فمات منه (2). وعنه صلى الله عليه وآله قال: حمى يوم كفارة سنة، وسمعنا بعض الاطباء وقد حكي له هذا الحديث، فقال: هذا يصدق قول أهل الطب إن حمى يوم تؤلم البدن سنة (3). وعن علي عليه السلام قال: إذا ابتلى الله عبدا أسقط عنه من الذنوب بقدر علته (4). 14 - كتاب محمد بن المثنى بن القاسم: عن جعفر بن محمد بن شريح، عن ذريح المحاربي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مر أعرابي على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال له: أتعرف ام ملدم ؟ قال: وما ام ملدم ؟ قال: صداع يأخذ الرأس، و سخونة في الجسد، فقال الاعرابي: ما أصابني هذا قط، فلما مضى قال: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا. قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: قال علي بن الحسين: إني لاكره أن يعافى الرجل في الدنيا ولا يصيبه شئ من المصائب ونحو هذا. بيان: في القاموس ام ملدم الحمى. 15 - مجالس الصدوق: عن أحمد بن محمد العطار، عن سعد بن عبد الله، عن الهيثم النهدي، عن ابن محبوب، عن سماعة، عن الصادق عليه السلام قال: إن العبد إذا كثرت ذنوبه ولم يجد ما يكفرها به، ابتلاه الله بالحزن في الدنيا، ليكفرها به

 

(1) نهج البلاغة تحت الرقم 426 من قسم الحكم. (2 - 3) دعائم الاسلام ج 1 ص 217. (4) المصدر ج 1 ص 218.

 

[177]

فان فعل ذلك به وإلا أسقم بدنه ليكفرها به، فان فعل ذلك به وإلا شدد عليه عند موته ليكفرها به، فان فعل ذلك به، وإلا عذبه في قبره ليلقى الله عزوجل يوم يلقاه وليس شئ يشهد عليه بشئ من ذنوبه (1). 16 - ومنه: عن الحسين بن إبراهيم بن ناتانة، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن أبان بن تغلب قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن المؤمن ليهول عليه في منامه فتغفر له ذنوبه، وإنه ليمتهن في بدنه فتغفر له ذنوبه (2). ايضاح قال الجوهري: المهنة بالفتح الخدمة، وقد مهن القوم يمهنهم مهنة أي خدمهم، وامتهنت الشئ ابتذلته، وأمهنته أضعفته انتهى، ولعل المراد هنا الابتذال بالامراض، ويحتمل أن يراد به الخدمة للناس، والعمل لهم. 17 - مجالس الصدوق: عن حمزة العلوي، عن عبد العزيز الابهري عن محمد بن زكريا الجوهري، عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من مرض يوما وليلة فلم يشك إلى عواده بعثه الله يوم القيامة مع إبراهيم خليل الرحمان حتى يجوز الصراط كالبرق اللامع (3). 18 - الخصال: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن السري بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أراد الله بعبد خيرا عجل عقوبته في الدنيا، وإذا أراد بعبد سوء أمسك عليه ذنوبه حتى يوافي بها يوم القيامة (4). 19 - ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني، عن

 

(1) أمالى الصدوق ص 177. (2) المصدر ص 299. (3) أمالى الصدوق ص 259. (4) الخصال ج 1 ص 13.

 

[178]

القاسم بن يحيى، عن جده الحسن، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال: توقوا الذنوب، فما من بلية ولا نقص رزق إلا بذنب، حتى الخدش، والكبوة، والمصيبة، قال الله عز وجل: " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " (1). وقال عليه السلام: ليس من داء إلا وهو من داخل الجوف إلا الجراحة والحمى، فانهما يردان ورودا (2). وقال عليه السلام: ما من الشيعة عبد يقارف أمرا نهيناه عنه فيموت حتى يبتلى ببلية تمحص بها ذنوبه إما في مال أو في ولد وإما في نفسه، حتى يلقى الله عز وجل وماله ذنب، وإنه ليبقى عليه الشئ من ذنوبه فيشدد به عليه عند موته (3). بيان: قوله عليه السلام " فانهما يردان " لعل المعنى أن في طريان سائر الامراض يشترط وجود مادة في البدن سابقا تنجر إليها، بخلاف الحمى، فانه قد يكون بسبب الامور الخارجة، كتصرف الهواء البارد أو الحار والامر في الجراحة ظاهر. 20 - الخصال: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن علي ابن السندي، عن أحمد بن النضر الخزاز، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أحب الله عبدا نظر إليه، فإذا نظر إليه أتحفه من ثلاثة بواحدة: إما صداع، وإما حمى، وإما رمد (4). 21 - ومنه: عن أحمد بن زياد الهمداني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تكرهوا أربعة فانها لاربعة: لا تكرهوا الزكام فانه أمان من الجذام، ولا تكرهوا الدماميل فانها أمان من البرص، ولا

 

(1) الخصال ج 2 ص 158، والاية في الشورى: 30. (2) الخصال ج 2 ص 160. (3) الخصال ج 2 ص 169. (4) الخصال ج 1 ص 10.

 

[179]

تكرهوا الرمد فانه أمان من العمى، ولا تكرهوا السعال فانه أمان من الفالج (1). دعوات الراوندي: مرسلا مثله. 22 - الخصال: عن محمد بن الحسن، عن محمد بن يحيى العطار، عن أحمد ابن محمد، عن أبي عبد الله الرازي، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أربع خصال لا تكون في مؤمن: لا يكون مجنونا، ولا يسأل على أبواب الناس، ولا يولد من الزنا، ولا ينكح في دبره (2). 23 - ومنه: عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، عن سهل بن زياد، عن السياري، عن محمد بن يحيى الخزاز، عمن أخبره، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عزوجل أعفى شيعتنا من ست: من الجنون، والجذام، والبرص، والابنة وأن يولد له من زنا، وأن يسأل الناس بكفه (3). 24 - ومنه: في حديث مرفوع موقوف قال: أربعة قليل منها كثير: المرض القليل منه كثير الخبر (4). 25 - تفسير على بن ابراهيم: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي حمزة، عن الاصبغ بن نباته، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: سمعته يقول: إني احدثكم بحديث ينبغي لكل مسلم أن يعيه، ثم أقبل علينا فقال: ما عاقب الله عبدا مؤمنا في هذه الدنيا إلا كان الله أحلم وأمجد وأجود وأكرم من أن يعود في عقابه يوم القيامة، وما ستر الله على عبد مؤمن في هذه الدنيا وعفى عنه إلا كان الله أمجد وأجود وأكرم من أن يعود في عقوبته يوم القيامة، ثم قال: قد يبتلي الله المؤمن بالبلية في بدنه أو ماله أو ولده أو أهله، ثم تلا هذه الآية " وما

 

(1) الخصال ج 1 ص 99. (2) الخصال ج 1 ص 109. (3) الخصال ج 1 ص 163. (4) الخصال ج 1 ص 113.

 

[180]

أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " وحثا بيده ثلاث مرات (1). بيان: حثيه عليه السلام بيده ثلاث مرات كما يحثى التراب لبيان كثرة ما يعفو الله عنه. 26 - التفسير: عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " قال: أرأيت ما أصاب عليا وأهل بيته هو بما كسبت أيديهم ؟ وهم أهل طهارة معصومين ؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يتوب إلى الله ويستغفره في كل يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب، إن الله يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب (2). معاني الاخبار: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب مثله (3). توضيح: أي كما أن استغفاره صلى الله عليه وآله لم يكن لحط الذنوب، بل لرفع الدرجات، فكذا ابتلاؤهم، والحاصل أن المخاطب في الآية غيرهم كما سيأتي. 27 - التفسير: قال الصادق عليه السلام: لما ادخل علي بن الحسين عليهما السلام على يزيد لعنه الله نظر إليه ثم قال له: يا علي بن الحسين " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم " فقال علي بن الحسين عليه السلام: كلا ما هذه فينا نزلت، وإنما نزلت فينا " ما أصاب من مصيبة في الارض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتيكم " فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا من أمر الدنيا، ولا نفرح بما اوتينا (4).

 

(1 - 2) تفسير القمى: 603، والاية في سورة الشورى: 30. (3) معاني الاخبار: 383 و 384. (4) تفسير القمى ص 603 والاية في سورة الحديد: 22.

 

[181]

بيان: لعل المعنى أن الآية الاولى مخصوصة بغيرهم، والثانية وإن كانت عامة لكن المنتفع بها هم عليهم السلام، وظهرت الفائدة فيه، ولا يبعد اختصاص الخطاب فيها بهم وبأمثالهم من الكاملين، لاطلاعهم على حكم الاشياء وتدبرهم فيها، بل بهم عليهم السلام خاصة، لما مر في حديث (1) تفسير " إنا أنزلناه في ليلة القدر " أن الآية نزلت في غصب الخلافة، وخطاب " لا تأسوا " إلى علي عليه السلام والمراد بما فاتكم الخلافة، ولا تفرحوا خطاب إلى الغاصبين. وقال في مجمع البيان " ما أصاب من مصيبة في الارض " مثل قحط المطر وقلة النبات، ونقص الثمار " ولا في أنفسكم " من الامراض والثكل بالاولاد " إلا في كتاب " أي إلا وهو مثبت مذكور في اللوح المحفوظ، قبل أن تخلق الانفس (2). 28 - قرب الاسناد: عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر ابن محمد، عن أبيه عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله قال لاصحابه يوما: ملعون كل مال لا يزكى، ملعون كل جسد لا يزكى، ولو في كل أربعين يوما مرة، فقيل: يا رسول الله صلى الله عليه وآله أما زكاة المال فقد عرفناها، فما زكاة الاجساد ؟ قال لهم: أن تصاب بآفة. قال: فتغيرت وجوه القوم الذين سمعوا ذلك منه، فلما رآهم قد تغيرت ألوانهم، قال لهم: هل تدرون ما عنيت بقولي ؟ قالوا: لا يا رسول الله، قال صلى الله عليه وآله: بلى، الرجل يخدش الخدش، وينكب النكبة، ويعثر العثرة، ويمرض المرضة ويشاك الشوكة، وما أشبه هذا حتى ذكر في آخر حديثه اختلاج العين (3). 29 - ومنه: عن محمد بن عيسى، عن عبد الله بن ميمون، عن جعفر بن محمد

 

(1) راجع الكافي ج 1 ص 242، البحار ج 25 ص 88. (2) مجمع البيان ج 9 ص 240. (3) قرب الاسناد ص 46، ط نجف وقد أخرج مثله في ج 67 ص 219 من الكافي وله شرح واف من شاء فليراجع.

 

[182]

عن أبيه عليه السلام أن لله تبارك وتعالى ضنائن من خلقه يغذوهم بنعمته، ويحبوهم بعافيته، ويدخلهم الجنة برحمته، تمر بهم البلايا والفتن مثل الرياح ما تضرهم شيئا (1). بيان: قال في النهاية: فيه أن لله ضنائن من خلقه يحييهم في عافية، الضنائن الخصايص، واحدهم ضنينة، فعيلة بمعنى مفعولة، من الضن وهو ما تختصه، وتضن به أي تبخل، لمكانه منك وموقعه عندك، يقال فلان ضني من بين إخواني وضنتي أي اختص به وأضن بمودته انتهى وربما يقال: سموا ضنائن لانهم ضن بالبلاء عنهم. 30 - قرب الاسناد: عن محمد بن عبد الحميد، عن الحسن بن علي بن فضال قال: سمعت الرضا عليه السلام قال: ما سلب أحد كريمته إلا عوضه الله منه الجنة (2). 31 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن محمد ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما جعلت العاهات في أهل الحاجة، لئلا يستروا، ولو جعلت في الاغنياء لسترت (3). 32 - ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن القاسم بن محمد، عن سليمان ابن داود، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: حمى ليلة كفارة سنة، وذلك أن ألمها يبقى في الجسد سنة (4). ثواب الاعمال: عن محمد بن الحسن، عن سعد مثله إلا أنه رواه عن علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام (5).

 

(1) قرب الاسناد ص 19. (2) قرب الاسناد ص 230. (3) علل الشرايع ج 1 ص 77. (4) علل الشرايع ج 1 ص 280. (5) ثواب الاعمال ص 175.

 

[183]

33 - مجالس ابن الشيخ: باسناده، عن أنس بن مالك قال: قال رسول - الله صلى الله عليه وآله: ما من مسلم يبتلى في جسده إلا قال الله عزوجل لملائكته اكتبوا لعبدي أفضل ما كان يعمل في صحته (1). 34 - ثواب الاعمال: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد عن الهيثم بن أبي مسروق، عن شيخ من أصحابنا يكنى بأبي عبد الله، عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الحمى رائد الموت، وسجن الله في أرضه، وفورها وحرها من جهنم، وهي حظ كل مؤمن من النار (2). توضيح: قال في النهاية: الرائد الذي يتقدم القوم يبصر لهم الكلاء، و مساقط الغيث، ومنه الحديث الحمى رائد الموت، أي رسوله الذي يتقدمه كما يتقدم الرائد قومه. 35 - ثواب الاعمال: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن محمد القاشاني، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داود، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: نعم الوجع الحمى تعطي كل عضو قسطه من البلاء، ولا خير فيمن لا يبتلى (3) ومنه: عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن ابن أبي الخطاب، عن الحكم بن مسكين، عن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: حمى ليلة كفارة لما قبلها ولما بعدها (4). ومنه: عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن محمد بن أحمد، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن أحمد، عن محمد بن سنان، عن الرضا عليه السلام قال: المرض للمؤمن تطهير ورحمة، وللكافر تعذيب ولعنة، وإن المرض لا يزال بالمؤمن حتى لا يكون عليه ذنب (5).

 

(1) أمالى الطوسى ج 1 ص 394. (2 - 3) ثواب الاعمال: 174 (4 - 5) ثواب الاعمال: 175

 

[184]

ومنه: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن الاصبغ، عن إسماعيل بن مهران، عن سعدان بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صداع ليلة تحط كل خطيئة إلا الكبائر (1). ومنه: عن محمد بن الحسن، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد، عن سهل ابن زياد، عن جعفر بن محمد بن بشار، عن عبيدالله بن عبد الله، عن درست، عن إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي إبراهيم موسى بن جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: للمريض أربع خصال: يرفع عنه القلم، ويأمر الله الملك يكتب له كل فضل كان يعمله في صحته، ويتبع مرضه كل عضو في جسده، فيستخرج ذنوبه منه، فان مات مات مغفورا له [وإن عاش عاش مغفور له] خ (2). ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سيف، عن أخيه علي، عن أبيه، عن داود بن سليمان، عن كثير بن سليم، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا مرض المسلم كتب له كأحسن ما كان يعمله في صحته وتساقطت ذنوبه كما يتساقط ورق الشجر (3). ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم، عن عمرو بن عثمان، عن محمد بن عذافر الصيرفي وأبي حمزة الثمالي، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام قال: من لقي الله مكفوفا محتسبا مواليا لآل محمد صلى الله عليه وآله لقي الله عزوجل ولا حساب عليه (4). وروي: لا يسلب الله عزوجل عبدا مؤمنا كريمتيه أو إحداهما ثم يسأله عن ذنب (5). 36 - طب الائمة: عن محمد بن خلف، عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن

 

(1) ثواب الاعمال ص 175. (2 - 3) ثواب الاعمال: 176. (4 - 5) ثواب الاعمال ص 179.

 

[185]

سنان، عن أخيه، عن مفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام (1) يقول: إذا مرض المؤمن أوحى الله تعالى إلى صاحب الشمال لا تكتب على عبدي ما دام في حبسي ووثاقي ذنبا، ويوحي إلى صاحب اليمين أن اكتب لعبدي ما كنت تكتب له في صحته من الحسنات (2). 37 - مجالس الصدوق، عن جعفر بن محمد بن مسرور، عن الحسين بن محمد ابن عامر، عن عمه عبد الله، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن الصادق عليه السلام قال: عاد رسول الله صلى الله عليه وآله سلمان الفارسي - رحمة الله عليه - في علته فقال: يا سلمان إن لك في علتك [إذا اعتللت] ثلاث خصال أنت من الله عزوجل بذكر، ودعاؤك فيها مستجاب، ولا تدع العلة عليك ذنبا إلا حطته، متعك الله بالعافية إلى انقضاء أجلك (3). 38 - الخصال: عن محمد بن علي بن الشاه، عن أبي حامد، عن أحمد بن خالد، عن محمد بن أحمد التميمي، عن أبيه، عن محمد بن حاتم، عن حماد بن عمرو عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام مثله (4). 39 - طب الائمة: عن محمد بن خلف، عن الحسن بن علي الوشا، عن عبد الله بن سنان، عن أخيه محمد، عن جعفر بن محمد الصادق، عن آبائه، عن علي عليهم السلام أنه عاد سلمان الفارسي فقال له: يا سلمان ما من أحد من شيعتنا يصيبه وجع إلا بذنب قد سبق منه، وذلك الوجع تطهير له، قال سلمان: فليس لنا في شئ من ذلك أجر خلا التطهير ؟ قال علي عليه السلام: يا سلمان لكم الاجر بالصبر عليه، والتضرع إلى الله والدعاء له، بهما تكتب لكم الحسنات، وترفع لكم الدرجات، فأما

 

(1) في المصدر قال: سمعت الصادق عليه السلام يحدث عن الباقر أبي جعفر (ع) قال: أن المؤمن الخ. (2) طب الائمة ص 16، ط نجف. (3) أمالى الصدوق ص 279. (4) الخصال ج 1 ص 81.

 

[186]

الوجع خاصة فهو تطهير وكفارة (1). وبهذا الاسناد: عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: سهر ليلة في العلة التي تصيب المؤمن عبادة سنة (2). وبهذا الاسناد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: حمى ليلة كفارة سنة (3) 40 - ثواب الاعمال: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن النوفلي، عن جعفر بن محمد، عن محمد بن علي، عن عيسى بن عبد الله العمري، عن أبيه، عن جده، عن أمير المؤمنين عليه السلام في المرض يصيب الصبي قال: كفارة لوالديه (4). 41 - مجالس المفيد: عن محمد بن عمر الجعابي، عن جعفر بن محمد الحسني عن الفضل بن القاسم، عن أبيه، عن جده، عن أبيه، عن جده عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب قال: سمعت علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام يقول: ما اختلج عرق ولا صدع مؤمن قط إلا بذنبه، وما يعفو الله عنه أكثر، وكان إذا رأى المريض قد برئ قال له: ليهنئك الطهر، أي من الذنوب، فاستأنف العمل (5). 42 - مجالس الشيخ: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن جعفر بن محمد ابن جعفر، عن الفضل بن القاسم مثله (6). 43 - نوادر الراوندي: باسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أربعة يستأنفون العمل: المريض إذا برئ، والمشرك

 

(1) طب الائمة ص 15. (2 - 3) طب الائمة ص 16. (4) ثواب الاعمال ص 176. (5) أمالى المفيد ص 29. (6) أمالى الطوسى ج 2 ص 244 ومثله في ج 2 ص 183 إلى قوله: أكثر، بسند آخر.

 

[187]

إذا أسلم، والحاج إذا فرغ، والمنصرف من الجمعة إيمانا واحتسابا (1) 44 - مجالس الشيخ: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن عبيدالله بن الحسين العلوي، عن عبد العظيم الحسني، عن أبي جعفر الجواد، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: المرض لا أجر فيه، ولكنه لا يدع على العبد ذنبا إلا حطه، وإنما الاجر في القول باللسان، والعمل بالجوارح، وإن الله بكرمه وفضله يدخل العبد بصدق النية والسريرة الصالحة الجنة (2). ومنه: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن عبيدالله بن الحسين بن إبراهيم عن محمد بن علي بن حمزة، عن أبيه، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: مثل المؤمن إذا عوفي من مرضه مثل البردة البيضاء تنزل من السماء في حسنها وصفاتها (3). ومنه: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن محمد بن علي بن معمر، عن حمدان بن المعافي، عن موسى بن سعدان، عن يونس بن يعقوب قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام يقول: المؤمن أكرم على الله أن يمر به أربعون يوما لا يمحصه الله تعالى فيها من ذنوبه، وإن الخدش والعثرة وانقطاع الشسع و اختلاج العين وأشباه ذلك ليمحص به ولينا من ذنوبه، وأن يغتم لا يدري ما وجهه، فأما الحمى فان أبي حدثني، عن آبائه، عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: حمى ليلة كفارة سنة (4). 45 - دعوات الراوندي: قال النبي صلى الله عليه وآله إن المسلم إذا ضعف من الكبر، يأمر الله الملك أن يكتب له في حاله تلك ما كان يعمل وهو شاب نشيط مجتمع، ومثل ذلك إذا مرض وكل الله به ملكا يكتب له في سقمه ما كان يعمل من الخير في صحته.

 

(1) نوادر الراوندي ص 24. (2) أمالى الطوسى ج 2 ص 215. (3 - 4) أمالى الطوسى ج 2 ص 243.

 

[188]

وقال الباقر عليه السلام كان الناس يعتبطون اعتباطا فلما كان زمن إبراهيم عليه السلام قال: يا رب اجعل للموت علة يؤجر بها الميت. وقال ابن عباس: لما علم الله أن أعمال العباد لا تفي بذنوبهم، خلق لهم الامراض ليكفر عنهم بها السيئات. وسئل صلى الله عليه وآله: أي الناس أشد بلاء ؟ قال: الانبياء ثم الصالحون ثم الامثل فالامثل. وقال: إذا أحب الله عبدا ابتلاه، فإذا أحبه الله الحب البالغ افتناه، قالوا وما افتناؤه ؟ قال: لا يترك له مالا وولدا. وقال أمير المؤمنين عليه السلام ألا اخبركم بأفضل آية في كتاب الله عزوجل حدثنا رسول الله صلى الله عليه وآله " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم " (1) والله عزوجل أكرم من أن يثني عليه العقوبة في الآخرة، وما عفى عنه في الدنيا فالله تبارك وتعالى أحلم من أن يعود في عفوه. وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال: وعك أبو ذر رضي الله عنه فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله فقلت: يا رسول الله إن أبا ذر قد وعك، فقال صلى الله عليه وآله: امض بنا إليه نعوده، فمضينا إليه جميعا فلما جلسنا قال رسول الله صلى الله عليه وآله: كيف أصبحت يا أبا ذر ؟ قال: أصبحت وعكا يا رسول الله فقال صلى الله عليه وآله: أصبحت في روضة من رياض الجنة، قد انغمست في ماء الحيوان وقد غفر الله لك ما يقدح من دينك فابشر يا أبا ذر. وقال النبي صلى الله عليه وآله: الحمى حظ كل مؤمن من النار، الحمى من فيح جهنم الحمى رائد الموت. وقال النبي صلى الله عليه وآله: لولا ثلاثة في ابن آدم ما طأطأ رأسه شئ: المرض، والموت والفقر، وكلهن فيه، وإنه معهن لو ثاب. وقال صلى الله عليه وآله: ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم، ولا أذى، ولا حزن، ولا هم حتى الهم يهمه إلا كفر الله به خطاياه، وما ينتظر أحدكم من

 

(1) الشورى: 30.

 

[189]

الدنيا إلا غنا مطغيا، أو فقرا منسيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما منفدا، أو موتا مجهزا. وقال صلى الله عليه وآله: إذا اشتكى المؤمن أخلصه الله من الذنوب كما يخلص الكير الخبث من الحديد. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا علي أنين المريض تسبيح، وصياحه تهليل ونومه على الفراش عبادة، وتقلبه جنبا إلى جنب فكأنما يجاهد عدو الله: ويمشي في الناس وما عليه ذنب. توضيح: قوله عليه السلام: يعتبطون، رواه في الكافي (1) بسندين عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان الناس يعتبطون اعتباطا فلما كان زمان إبراهيم عليه السلام قال: يا رب اجعل للموت علة يؤجر بها الميت، ويسلي بها عن المصاب، قال: فأنزل الله عزوجل الموم وهو البرسام ثم أنزل بعده الداء. قال في النهاية: فيه من اعتبط مؤمنا أي قتله بلا جناية، وكل من مات بغير علة فقد اعتبط، ومات فلان عبطة أي شابا صحيحا، وعبطت الناقة واعتبطتها إذا ذبحتها من غير مرض، وقال: الموم هو البرسام مع الحمى، وقيل: هو بثر أصغر من الجدري، وفي القاموس: البرسام بالكسر علة يهذى فيها، وفي النهاية فيه أشد الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل، أي الاشرف فالاشرف، والاعلى فالاعلى في الرتبة والمنزلة، ثم يقال: هذا أمثل من هذا أي أفضل وأدنى إلى الخير، و أماثل الناس خيارهم. وقال: الوعك الحمى وقيل ألمها، وقد وعكه المرض وعكا، ووعك فهو موعوك، وقال: أجهز على الجريح أسرع قتله. 46 - كتاب الصفين: لنصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن عبد الرحمن بن جندب قال: لما أقبل أمير المؤمنين عليه السلام من صفين ورأينا بيوت الكوفة فإذا نحن بشيخ جالس في ظل بيت على وجهه أثر المرض، فقال عليه السلام له: مالي

 

(1) الكافي ج 3 ص 111.

 

[190]

أري وجهك متكفئا أمن مرض ؟ قال: نعم، قال: فلعلك كرهته ؟ فقال: ما احب أنه يعتريني، قال: أليس احتساب بالخير فيما أصابك منه ؟ قال: بلى، قال: ابشر برحمة ربك، وغفران ذنبك، ثم سأله عن أشياء. فلما أراد أن ينصرف عنه قال له: جعل الله ما كان من شكواك حطا لسيئاتك فان المرض لا أجر فيه، ولكن لا يدع للعبد ذنبا إلا حطه، إنما الاجر في القول باللسان، والعمل باليد والرجل، وإن الله عزوجل يدخل بصدق النية والسريرة الصالحة من يشاء من عباده الجنة ثم مضى عليه السلام (1). بيان: قال في النهاية فيه أنه انكفأ لونه عام الرمادة، أي تغير عن حاله، ومنه حديث الانصاري: مالي أرى لونك متكفئا ؟ قال: من الجوع. 47 - نهج البلاغة: قال أمير المؤمنين عليه السلام لبعض أصحابه في علة اعتلها: جعل الله ما كان من شكواك حطا لسيئاتك، فان المرض لا أجر فيه، ولكنه يحط السيئات، ويحتها حت الاوراق، وإنما الاجر في القول باللسان، و العمل بالايدي والاقدام، وإن الله سبحانه يدخل بصدق النية والسريرة الصالحة من يشاء من عباده الجنة. قال السيد رضي الله عنه: وأقول: صدق عليه السلام إن المرض لا أجر فيه، لانه من قبيل ما يستحق عليه العوض، لان العوض يستحق على ما كان في مقابلة فعل الله تعالى بالعبد من الالام والامراض، وما يجري مجرى ذلك، والاجر والثواب يستحقان على ما كان في مقابلة فعل العبد، فبينهما فرق قد بينه عليه السلام كما يقتضيه علمه الثاقب ورأيه الصائب (2).

 

(1) كتاب صفين ص. (2) نهج البلاغة تحت الرقم 42 من قسم الحكم وفي الباب شرح مستوفى للمؤلف قدس سره على مبنى المتكلمين، راجع ج 72 ص 17 - 24 وهكذا ج 67 ص 254 - 259.

 

[191]

توضيح: قال الفيروز آبادي حته فركه وقشره فانحت وتحات، والورق سقطت كانحت وتحاتت، والشئ حطه. 48 - نهج البلاغة: قال عليه السلام: من قصر في العمل ابتلي بالهم ولا حاجة لله فيمن ليس لله في نفسه وماله نصيب (1). بيان: قيل المقصر في العمل لله يكون غالب أحواله متوفرا على الدنيا مفرطا في طلبها وجمعها، وبقدر التوفر عليها يكون شدة الهم في جمعها وتحصيلها، ثم في ضبطها والخوف على فواتها. أقول: الاظهر أن المعنى أن الهموم والاحزان في الدنيا إنما تعرض لمن قصر فيها في العمل كما قال سبحانه: " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم " وإنما لا تعرض تلك لمن لم يكن لله فيه حاجة أي لم يكن مستحقا للطفه تعالى ورحمته. 49 - كنز الكراجكى: عن محمد بن أحمد بن شاذان، عن أبيه، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن زياد، عن المفضل بن عمر، عن يونس بن يعقوب قال: سمعت جعفر بن محمد عليه السلام يقول: ملعون ملعون كل بدن لا يصاب في كل أربعين يوما، قلت: ملعون ؟ قال: ملعون، فلما رأى عظم ذلك علي قال لي: يا يونس إن من البلية الخدشة، واللطمة، والعثرة، و النكبة، والقفزة، وانقطاع الشسع، وأشباه ذلك، يا يونس إن المؤمن أكرم على الله تعالى من أن يمر عليه أربعون لا يمحص فيها ذنوبه، ولو بغم يصيبه لا يدري ما وجهه، والله إن أحدكم ليضع الدراهم بين يديه فيزنها فيجدها ناقصة فيغتم بذلك [ثم يزنها] ظ فيجدها سواء فيكون ذلك حطا لبعض ذنوبه. ومنه: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الحمى تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد. وقال الصادق عليه السلام: ساعات الاوجاع يذهبن بساعات الخطايا.

 

(1) نهج البلاغة تحت الرقم 172 من قسم الحكم.

 

[192]

وقال عليه السلام: إن العبد إذا مرض فان في مرضه أوحى الله تعالى إلى كاتب الشمال لا تكتب على عبدي خطيئة ما دام في حبسي ووثاقي إلى أن اطلقه، وأوحى إلى كاتب اليمين أن اجعل أنين عبدي حسنات. وروي أن نبيا من الانبياء مر برجل قد جهده البلاء، فقال: يا رب أما ترحم هذا مما به ؟ فأوحى الله إليه: كيف أرحمه مما به أرحمه. وروي أنه لما نزلت هذه الآية " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجزيه " (1) فقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله: يا رسول الله ! جاءت قاصمة الظهر، فقال عليه السلام: كلا أما تحزن، أما تمرض أما يصيبك اللاواء والهموم ؟ قال: بلى، قال: فذلك مما يجزى به. ايضاح: قال في النهاية الكير، بالكسر كير الحداد، وهو المبني على الطين، وقيل الزق الذي ينفخ به النار والمبني الكور، وقال: القصم كسر الشئ وإبانته وقال: اللاواء الشدة وضيق المعيشة. 50 - عدة الداعي: فيما أوحى الله إلى داود عليه السلام: ربما أمرضت العبد فقلت صلاته وخدمته، ولصوته إذا دعاني في كربته أحب إلي من صلاة المصلين. ومنه: عن أبي جعفر عليه السلام: لو يعلم المؤمن ماله في المصائب من الاجر لتمنى أنه يقرض بالمقاريض. وعن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا كان العبد على طريقة من الخير فمرض أو سافر أو عجز عن العمل بكبر، كتب الله له مثل ما كان يعمل ثم قرأ " فلهم أجر غير ممنون " (2). بيان: المشهور بين المفسرين أن المراد بغير ممنون غير المقطوع في الآخرة أو لا يمن عليهم بالثواب، ويظهر من الخبر أن المراد به أنه لا يقطع أجرهم و

 

(1) النساء 123. (2) التين: 6.

 

[193]

كتابته بعد ترك العمل لعذر من الاعذار. العدة: عن جابر - رحمه الله - قال: أقبل رجل أصم أخرس حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وآله فأشار بيده، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أعطوه صحيفة حتى يكتب فيها ما يريد فكتب " إني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: اكتبوا له كتابا تبشروه بالجنة، فانه ليس من مسلم يفجع بكريمته أو بلسانه أو بسمعه أو برجله أو بيده فيحمد الله على ما أصابه ويحتسب عند الله ذلك إلا نجاه الله من النار، وأدخله الجنة. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لاهل البلايا في الدنيا لدرجات في الآخرة ما تنال بالاعمال حتى أن الرجل ليتمنى أن جسده في الدنيا كان يقرض بالمقاريض، مما يرى من حسن ثواب الله لاهل البلاء من الموحدين، فان الله لا يقبل العمل في غير الاسلام. وروى أبو الصباح قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: ما أصاب المؤمن من بلاء أفبذنب ؟ قال: لا، ولكن ليسمع الله أنينه وشكواه ودعاءه ليكتب له الحسنات ويحط عنه السيئات، وإن الله ليعتذر إلى عبده المؤمن كما يعتذر الاخ إلى أخيه فيقول: لا وعزتي ما أفقرتك لهوانك علي فارفع هذا الغطاء، فيكشف فينظر في عوضه فيقول: ما ضرني يا رب ما زويت عني، وما أحب الله قوما إلا ابتلاهم، وإن عظيم الاجر لمع عظيم البلاء. وإن الله يقول: إن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح لهم أمر دينهم إلا بالغنى والصحة في البدن، فأبلوهم به. وإن من العباد لمن لا يصلح لهم أمر دينهم إلا بالفاقة والمسكنة، والسقم في أبدانهم فأبلوهم به، فيصلح لهم أمر دينهم. وإن الله أخذ ميثاق المؤمن على أن لا يصدق في مقالته ولا ينتصر من عدوه وإن الله إذا أحب عبدا غته بالبلاء، فإذا دعا قال له لبيك عبدي إني على ما سألت لقادر، وإن ما ادخرت لك فهو خير لك.


 

[194]

وإن حواريي عيسى عليه السلام شكوا إليه ما يلقون من الناس فقال إن المؤمنين لا يزالون في الدنيا منغصين. وعن النبي صلى الله عليه وآله إن في الجنة منازل لا ينالها العباد بأعمالهم ليس لها علاقة من فوقها، ولا عماد من تحتها، قيل: يا رسول الله من أهلها ؟ فقال: أهل البلايا والهموم. توضيح: قال في النهاية في حديث الدعاء، وما زويت عني أي صرفته عني وقبضته، والانتصار الانتقام، وفي النهاية: في الحديث: يغتهم الله في العذاب غتا أي يغمسهم فيه غمسا متتابعا، وفي القاموس: أنغص الله عليه العيش ونغصه عليه، فتنغصت معيشته تكدرت. 51 - مسكن الفؤاد: قال النبي صلى الله عليه وآله: أشد الناس بلاء الانبياء، ثم الاولياء ثم الامثل فالامثل، وقد قال صلى الله عليه وآله: الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. 52 - اعلام الدين: للديلمي، عن محمد بن بن عمار، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ما اختلج عرق ولا عثرت قدم إلا بما قدمت أيديكم وما يعفو الله عنه أكثر. وروي عن بعضهم قال: شكوت إلى الصادق عليه السلام ما ألقى من الضيق و الهم: فقال: ما ذنبي ؟ أنتم اخترتم هذا، إنه لما عرض الله عليكم ميثاق الدنيا والآخرة اخترتم الآخرة على الدنيا، واختار الكافر الدنيا على الآخرة، فأنتم اليوم تأكلون معهم، وتشربون، وتنكحون معهم، وهم غدا إذا استسقوكم الماء واستطعموكم الطعام قلتم لهم: إن الله حرمهما على الكافرين. وقال النبي صلى الله عليه وآله: هبط إلي جبرئيل عليه السلام في أحسن صورة، فقال: يا محمد الحق يقرئك السلام، ويقول لك إني أوحيت إلى الدنيا أن تمرري وتكدري وتضيقي وتشددي على أوليائي، حتى يحبوا لقائي، وتيسري وتسهلي وتطيبي لاعدائي حتى يبغضوا لقائي، فاني جعلت الدنيا سجنا لاوليائي، وجنة لاعدائي.


 

[195]

وقال صلى الله عليه وآله: إن الله ليغذي عبده المؤمن بالبلاء كما تغدي الوالدة ولدها باللبن، وإن البلاء إلى المؤمن أسرع من السيل إلى الوهاد، ومن ركض البراذين، وإنه إذا نزل بلاء من السماء بدء بالانبياء ثم بالاوصياء ثم الامثل فالامثل. وإنه سبحانه يعطي الدنيا لمن يحب ويبغض، ولا يعطي الآخرة إلا أهل صفوته ومحبته. وإنه يقول سبحانه وتعالى: ليحذر عبدي الذي يستبطئ رزقي أن أغضب فأفتح عليه بابا من الدنيا وروي أن الله سبحانه إذا لم يكن له في العبد حاجة فتح عليه الدنيا. وقال النبي صلى الله عليه وآله قال الله تعالى: وعزتي وجلالي وعظمتي وارتفاعي ! لولا حيائي من عبدي المؤمن، لما جعلت له خرقة ليواري بها جسده، وإني إذا أكملت له إيمانه ابتليته بفقر في ماله، ومرض في بدنه، فان هو حرج أضعفت عليه، وإن هو صبر باهيت به ملائكتي، وإني جعلت عليا علما للايمان فمن أحبه واتبعه كان هاديا مهديا، ومن أبغضه وتركه كان ضالا مضلا، وأنه لا يحبه إلا مؤمن تقي، ولا يبغضه إلا منافق شقى. وقال الصادق عليه السلام: أربعة لم تخل منها الانبياء ولا الاوصياء ولا أتباعهم: الفقر في المال، والمرض في الجسم، وكافر يطلب قتلهم، ومنافق يقفو أثرهم. وقال عليه السلام: لاصحابه لا تتمنوا المستحيل، قالوا: ومن يتمنى المستحيل فقال: أنتم، ألستم تمنون الراحة في الدنيا، قالوا: بلى، فقال الراحة للمؤمن في الدنيا مستحيلة. 53 - مسكن الفواد: روى عبد الرحمان بن الحجاج قال: ذكر عند أبي عبد الله عليه السلام البلاء، وما يختص الله عزوجل به المؤمنين، فقال: سئل رسول الله صلى الله عليه وآله من أشد الناس بلاء في الدنيا ؟ فقال: النبيون ثم الامثل فالامثل


 

[196]

ويبتلي المؤمن بعد على قدر إيمانه وحسن أعماله، فمن صح إيمانه وحسن عمله اشتد بلاؤه، ومن سخف إيمانه وضعف عمله قل بلاؤه (1). وروى زيد الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن عظيم الاجر مع عظيم البلاء، وما أحب الله قوما إلا ابتلاهم. وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن لله عزوجل عبادا في الارض من خالص عباده، ما ينزل من السماء تحفة إلى الارض إلا صرفها عنهم إلى غيرهم، ولا بلية إلا صرفها إليهم. وعن الحسين بن علوان عنه عليه السلام أنه قال: إن الله تعالى إذا أحب عبدا غته بالبلاء غتا، وإنا أو إياكم لنصبح به ونمسي. وعن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبدا غته بالبلاء غتا، وثجه بالبلاء ثجا، فإذا دعاه قال: لبيك عبدي، لئن عجلت لك ما سألت، إني على ذلك لقادر، ولكن ادخرت لك، فما ادخرت لك خير لك. وعن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: إنما يبتلى المؤمن في الدنيا على قدر دينه، أو قال على حسب دينه. وعن ناجية قال: قلت لابي جعفر عليه السلام إن المغيرة يقول: إن الله لا يبتلي المؤمن بالجذام ولا بالبرص، ولا بكذا ولا بكذا، فقال: إن كان لغافلا عن مؤمن آل يس إنه كان مكنعا ثم رد أصابعه، فقال كأني أنظر إلى تكنيعه، أتاهم فأنذرهم ثم عاد إليهم من الغد فقتلوه، ثم قال: إن المؤمن يبتلى بكل بلية، ويموت بكل ميتة، إلا أنه لا يقتل نفسه. وعن عبد الله بن أبي يعفور قال: شكوت إلى أبي عبد الله عليه السلام ما ألقى من الاوجاع وكان مسقاما، فقال لي: يا عبد الله، لو يعلم المؤمن ماله من الاجر في المصائب لتمنى أن يقرض بالمقاريض.

 

(1) أخرج هذه الاحاديث مسندا عن الكافي تراها في ج 67 باب شدة ابتلاء المؤمن وعلته وفضل البلاء، مع شرح مستوفى، من أرادها فليراجع.

 

[197]

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أهل الله لم يزالوا في شدة أما إن ذلك إلى مدة قليلة، وعافية طويلة. وعن حمران، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله عزوجل ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية، ويحميه الدنيا كما يحمي الطبيب المريض. وعن أبي عبيدالله عليه السلام قال: دعي النبي إلى طعام فلما دخل إلى منزل الرجل نظر إلى دجاجة فوق حائط قد باضت فوقعت البيضة على وتد في حائط فثبتت عليه ولم تسقط ولم تنكسر، فتعجب النبي صلى الله عليه وآله منها، فقال له الرجل أعجبت من هذه البيضة ؟ فو الذي بعثك بالحق ما رزئت شيئا قط، فنهض رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يأكل من طعامه شيئا وقال: من لم يرزء فما لله فيه من حاجة. توضيح: قال في القاموس السخف رقة العقل وغيره، وسخف ككرم، و ثوب سخيف قليل الغزل، قوله عليه السلام وثجه، قال في القاموس ثج الماء سال، وأثجه أساله. أقول: يحتمل أن يكون فيه حذف وإيصال، والباء زائدة أي ثج عليه بالبلاء، أو يكون تسييله كناية عن شدة ألمه وحزنه، كأنه يذوب من البلاء و يسيل، أو عن توجهه إلى جناب الحق تعالى للدعاء والتضرع لدفعه. وفي القاموس كنع كمنع كنوعا تقبض وانضم، وأصابعه ضربها فأيبسها، و كفرح يبس وتشنجع وكمعظم ومحمل المقفع اليد أو المقطوعها، وكنع يده أشلها والمسقام بالكسر الكثير السقم، وفي القاموس تعهده وتعاهده تفقده وأحدث العهد به، وقال: حمى المريض ما يضره منعه إياه. 54 - اعلام الدين: قال النبي صلى الله عليه وآله: إن المرض ينقي الجسد من الذنوب كما يذهب الكير خبث الحديد، وإذا مرض الصبي كان مرضه كفارة لوالديه. وعن الحسن بن علي بن فضال، عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: في قضاء الله للمؤمنين كل خير، وقال عليه السلام لا يقضي الله تعالى قضاء للمسلم إلا كان


 

[198]

خيرا له، ولو قطع قطعة قطعة كان خيرا له، وإن ملك مشارق الارض ومغاربها كان خيرا له. وقال عليه السلام: لو يعلم المؤمن ماله في المصائب من الاجر، لتمنى أن يقرض بالمقاريض. وقال الحسن عليه السلام: والله للبلاء والفقر والقتل أسرع إلى من أحبنا من ركض البراذين، ومن السيل إلى ضميره وهو منتهاه. وقال أبو عبد الله عليه السلام: إن فيما أوحى الله إلى موسى عليه السلام: ما خلقت خلقا أحب إلي من عبدي المؤمن، فاني إنما ابتليته لما هو خير له، وأعطيته لما هو خير له، واعاقبه لما هو خير له، واروعه لما هو خير له، وأنا أعلم بما يصلح عليه عبدي، فليصبر على بلائي، وليرض بقضائي، وليشكر نعمائي أكتبه في الصديقين عندي، إذا عمل برضاي وأطاعني. وقال أبو جعفر عليه السلام: إن الله تبارك وتعالى إذا كان من أمره أن يكرم عبدا وله عنده ذنب ابتلاه بالسقم، فان لم يفعل فبالحاجة، فان لم يفعل شدد عليه عند الموت، وإذا كان من أمره أن يهين عبدا وله عنده حسنة أصح بدنه، فان لم يفعل وسع عليه في معيشته، فان لم يفعل هون عليه الموت. 55 - جامع الاخبار: عن أمير المؤمنين عليه السلام: قال إن البلاء للظالم أدب، و للمؤمن امتحان، وللانبياء درجة، وللاولياء كرامة (1). وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى ليتعاهد المؤمن بالبلاء إما بمرض في جسده أو بمصيبة في أهل أو مال، أو مصيبة من مصائب الدنيا، ليأجره عليها (3). وقال عليه السلام: ما من مؤمن إلا وهو يذكر في كل أربعين يوما ببلاء، إما

 

(1) جامع الاخبار ص 132. (2) جامع الاخبار ص 133.

 

[199]

في ماله، أو في ولده، أو في نفسه، فيؤجر عليه أو هم لا يدري من أين هو (1) ؟ وقال عليه السلام: إنه ليكون للعبد منزلة عند الله فما ينالها إلا باحدى خصلتين: إما بذهاب ماله أو بلية في جسده (2). وعنه عليه السلام قال: إن في الجنة لمنزلة لا يبلغها العبد إلا ببلاء في جسده (3). وعن أبي جعفر عليه السلام قال: خرج موسى عليه السلام فمر برجل من بني إسرائيل فذهب به حتى خرج إلى الظهر، فقال له: اجلس، حتى أجيئك، وخط عليه خطة، ثم رفع رأسه إلى السماء فقال: إني أستودعك صاحبي وأنت خير مستودع، ثم مضى، فناجاه الله بما أحب أن يناجيه، ثم انصرف نحو صاحبه، فإذا أسد قد وثب عليه فشق بطنه، وفرث لحمه، وشرب دمه، قلت: وما فرث اللحم ؟ قال: قطع أوصاله، فرفع موسى عليه السلام رأسه فقال: يا رب استودعتك وأنت خير مستودع فسلطت عليه شر كلابك، فشق بطنه، وفرث لحمه، وشرب دمه ؟ فقيل يا موسى إن صاحبك كانت له منزلة في الجنة، لم يكن يبلغها إلا بما صنعت به، انظر ! وكشف له الغطاء فنظر موسى عليه السلام فإذا منزل شريف، فقال رب رضيت (4). بيان: قال الجوهري: فرثت كبده أفرثها فرثا وفرثتها تفريثا إذا ضربته وهو حي فانفرثت كبده أي انتثرت وأفرثت الكرش إذا شققتها وألقيت ما فيها. 56 - الجامع: عن الكاظم عليه السلام قال: لن تكونوا مؤمنين حتى تعدوا البلاء نعمة، والرخاء مصيبة، وذلك أن الصبر عند البلاء أعظم من الغفلة عند الرخاء. وعن أبي الجارود، عن أبي جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن المؤمن إذا قارف الذنوب ابتلى بها بالفقر، فان كان في ذلك كفارة لذنوبه، وإلا ابتلي بالمرض، فان كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا ابتلي بالخوف من السلطان يطلبه، فان كان ذلك كفارة لذنوبه وإلا ضيق عليه عند خروج نفسه، حتى يلقى

 

(1 - 2) جامع الاخبار ص 133. (3 - 4) جامع الاخبار ص 134.

 

[200]

الله حين يلقاه وماله من ذنب يدعيه عليه، فيأمر به إلى الجنة، وإن الكافر والمنافق ليهون عليهما خروج أنفسهما حتى يلقيان الله حين يلقيانه ومالهما عنده من حسنة يدعيانها عليه فيأمر بهما إلى النار (1). 57 - مكارم الاخلاق: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أما إنه ليس من عرق يضرب، ولا نكبة ولا صداع ولا مرض إلا بذنب، وذلك قوله عزوجل في كتابه " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير " (2) ثم قال: وما يعفو الله أكثر مما يؤاخذ به (3). وعن الباقر عليه السلام قال: سهر ليلة من مرض أفضل من عبادة سنة (4). وعن أبي جعفر عليه السلام قال: حمى ليلة من مرض تعدل عبادة سنة، وحمى ليلتين تعدل عبادة سنتين، وحمى ثلاث تعدل عبادة سبعين سنة، قال أبو حمزة: قلت: فان لم يبلغ سبعين سنة ؟ قال عليه السلام: فلابيه وامه، قال: قلت: فان لم يبلغا ؟ قال: لقرابته، قال: قلت: وإن لم يبلغ قرابته ؟ قال عليه السلام: فجيرانه (5). بيان: يمكن أن يقال إن العبادات لما كان أثرها رفع الدرجات، وتكفير السيئات، فإذا لم يكن له سيئة بقدر سبعين سنة يكفر به ذنوب أبويه، أو يكون المراد بقوله يعدل عبادة سبعين سنة قبول عباداته في تلك المدة، أو المراد عبادة سبعين سنة من عمره، وقيل لما كانت العبادات مختلفة بالنظر إلى الاشخاص في الفضل، فالمراد أنه إذا لم يكن له سبعون فبم تقاس عباداته ؟ فالجواب أنه تقاس البقية بعبادات والديه ولا يخفى بعده. 58 - المكارم: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: صداع ليلة يحط كل خطيئة. إلا الكبائر.

 

(1) جامع الاخبار ص 134. (2) الشورى: 30. (3) مكارم الاخلاق ص 411. (4 - 5) مكارم الاخلاق ص 412.

 

[201]

59 - كتاب دلائل الامامة للطبري الامامي باسناده عن علي بن الحكم، عن مثنى الحناط، عن أبي بصير قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقلت له: أنتم ورثة رسول الله صلى الله عليه وآله قال: نعم، قلت: ورسول الله صلى الله عليه وآله وارث الانبياء على ما علموا ؟ قال: نعم، قلت: فأنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرؤا الاكمه والابرص ؟ قال: نعم، باذن الله، ثم قال ادن مني يا با محمد فمسح يده على عيني ووجهي، فأبصرت الشمس والسماء والارض والبيوت وكل شئ في الدار، قال: فقال: تحب أن تكون على هذا ولك ما للناس، وعليك ما عليهم يوم القيامة، أو تعود كما كنت ولك الجنة خالصة ؟ قال: قلت أعود كما كنت، قال فمسح يده على عيني فعدت كما كنت (1).

 

(1) دلائل الامامة ص 100.

 

[202]

2 - ((باب)) * " (آداب المريض وأحكامه وشكواه وصبره وغيرها) " * 1 - معاني الاخبار: عن جعفر بن محمد بن مسرور، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه، عن أبي عبد الله، عن ابن أبي عمير، عن جميل بن صالح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إنما الشكوى أن تقول قد ابتليت بما لم يبتل به أحد، أو تقول لقد أصابني ما لم يصب أحدا، وليس الشكوى أن تقول سهرت البارحة، وحممت اليوم، ونحو هذا (1). 2 - ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن حماد بن عيسى، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليست الشكاية أن يقول الرجل مرضت البارحة أو وعكت البارحة، ولكن الشكاية أن يقول بليت بما لم يبل به أحد (2). بيان: يحتمل أن يكون هذا تفسيرا للشكاية التي تحبط الاجر، أو يحمل على الاخبار لغرض، كاخبار الطبيب إذ الظاهر من بعض الاخبار أن الافضل أن لا يخبر به أحدا. 3 - معاني الاخبار: عن الحسين بن أحمد العلوي، عن محمد بن همام، عن علي ابن الحسين، عن جعفر بن يحيى الخزاعي، عن أبيه قال: دخلت مع أبي عبد الله عليه السلام على بعض مواليه يعوده فرأيت الرجل يكثر من قول آه، فقلت له: يا أخي اذكر ربك، واستغث به، فقال أبو عبد الله عليه السلام: آه اسم من أسماء الله، فمن قال آه استغاث بالله عزوجل (3).

 

(1) معاني الاخبار ص 142. (2) معاني الاخبار ص 253. (3) معاني الاخبار ص 354.

 

[203]

توحيد الصدوق: عن غير واحد، عن محمد بن همام مثله (1). بيان: يمكن أن يقال لما كان آه إظهارا للعلة والحاجة إلى الشفاء، والافتقار إلى رب الارض والسماء، فكأنه يسمي الله عنده مع أنه لا استبعاد في ظاهره. 4 - مجالس الصدوق: عن حمزة العلوي، عن عبد العزيز الابهري، عن محمد بن زكريا الجوهري، عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من مرض يوما وليلة فلم يشك إلى عواده بعثه الله يوم القيامة مع إبراهيم خليل الرحمان حتى يجوز الصراط كالبرق اللامع (2). 5 - الخصال: عن أبيه، عن سعد، عن اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جده، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: اكسروا حر الحمى بالبنفسج والماء البارد، فان حرها من فيح جهنم (3). وقال عليه السلام: لا يتداوى المسلم حتى يغلب مرضه صحته (4). وقال عليه السلام: داووا مرضاكم بالصدقة، وادفعوا أمواج البلاء عنكم بالدعاء قبل ورود البلاء، فو الذي فلق الحبة وبرء النسمة للبلاء أسرع إلى المؤمن من انحدار السيل من أعلا التلعة إلى أسفلها، ومن ركض البراذين (5). وقال عليه السلام: ذكرنا أهل البيت شفاء من الوعك والاسقام، ووسواس الريب (6). وقال عليه السلام: من كتم وجعا أصابه ثلاثة أيام من الناس وشكا إلى الله عزوجل كان حقا على الله أن يعافيه منه (7). وقال عليه السلام: ما زالت نعمة ولا نضارة عيش إلا بذنوب اجترحوا، إن الله

 

(1) كتاب التوحيد ص 218 و 219 ط مكتبة الصدوق. (2) أمالى الصدوق ص 258. (3 - 4) الخصال ج 2 ص 160. (5) الخصال ج 2 ص 161. (6) الخصال ج 2 ص 164. (7) الخصال ج 2 ص 166.

 

[204]

ليس بظلام للعبيد، ولو أنهم استقبلوا ذلك بالدعاء والانابة لم تنزل، ولو أنهم إذا نزلت بهم النقم وزالت عنهم النعم فزعوا إلى الله عزوجل بصدق من نياتهم ولم يتمنوا ولم يسرفوا لاصلح لهم كل فاسد، ولرد عليهم كل صالح (1). بيان: التلعة ما ارتفع من الارض، وركض الفرس عدوه، ووسواس الريب الوساوس الشيطانية التي تصير سببا للريب في الدين والنضارة الحسن والرونق. 6 - الخصال والمحاسن: باسنادهما إلى أبي يحيى الواسطي عمن ذكره أنه قيل لابي عبد الله عليه السلام: أترى هذا الخلق كلهم من الناس ؟ فقال: ألق منهم التارك للسواك، وساق الحديث إلى قوله والمتمرض من غير علة، والمتشعث من غير مصيبة. إلى أن قال: وهو كما قال الله عزوجل: " إن هم هم إلا كالانعام بل هم أضل سبيلا " (2). 7 - نهج البلاغة: قال أمير المؤمنين عليه السلام: امش بدائك ما مشى بك (3). وقال عليه السلام: لا تضطجع ما استطعت القيام مع العلة (4). بيان: امش بدائك قال ابن ميثم: أي مهما وجدت سبيلا إلى الصبر على أمر من الامور النازلة بك، وفيها مشقة عليك فاصبر، ومثال ذلك من يعرض له مرض ما يمكن أن يحتمله ويدافع الوقت، فينبغي أن لا يطرح جانبه إلى الارض ويخلد إلى النوم على الفراش، بل لا يراجع الاطباء ما لم يضطر كما ورد في الخبر، ولعل من ذلك كتمان المرض بل مطلق المصائب مهما أمكن. 8 - النهج: قال أمير المؤمنين عليه السلام في مدح رجل: وكان لا يشكو وجعا إلا

 

(1) الخصال ج 2 ص 162. (2) الخصال ج 2 ص 39، المحاسن ص 11، والاية في سورة الاعراف: 179 (3) نهج البلاغة تحت الرقم 26 من قسم الحكم. (4) نهج البلاغة لم نجده. (*)

 

[205]

عند برئه (1). بيان: قيل كان يكتمه لئلا يتكلف الناس زيارته والاظهر أنه بعد البرء شكر لا شكاية، أو يحمل على ما إذا كان على سبيل الشكر. 9 - أمالى ابن الشيخ: عن أبيه، عن جماعة، عن أبي المفضل الشيباني، عن أحمد بن سعيد بن يزيد، عن محمد بن سلمة، عن أحمد بن القاسم بن بهرام، عن أبيه، عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: إذا اشتكى العبد ثم عوفي فلم يحدث خيرا ولم يكف عن سوء لقيت الملائكة بعضها بعضا يعني حفظته، فقالت: إن فلانا داويناه فلم ينفعه الدواء (2). 10 - ثواب الاعمال: عن الحسين بن أحمد، عن أبيه، عن محمد بن أحمد عن يوسف بن إسماعيل باسناد له قال: إن المؤمن إذا حم حمى واحدة تناثرت الذنوب منه كورق الشجر، فان صار على فراشه فأنينه تسبيح، وصياحه تهليل، وتقلبه على فراشه كمن يضرب بسيفه في سبيل الله، فان أقبل يعبد الله بين إخوانه وأصحابه كان مغفورا له، فطوبى له إن تاب، وويل له إن عاد، والعافية أحب إلينا (3). 11 - ومنه: عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن العباس ابن معروف، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ظريف بن ناصح، عن أبي عبد الرحمن، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: من اشتكى ليلة فقبلها بقبولها وأدى إلى الله شكرها كانت له كفارة ستين سنة، قال: قلت: وما قبلها بقبولها ؟ قال: صبر على ما كان فيها (4).

 

(1) نهج البلاغة تحت الرقم 289 من قسم الحكم وصدره، كان لى فيما مضى أخ في الله الخ. (2) أمالى الطوسى ج 2 ص 131. (3) ثواب الاعمال: 174. (4) ثواب الاعمال ص 175.

 

[206]

12 - مجالس الصدوق: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن الحسن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن محمد بن المنكدر قال: مرض عون بن عبد الله ابن مسعود فأتيته أعوده، فقال: أفلا احدثك بحديث عن عبد الله بن مسعود ؟ قلت: بلى، قال: قال عبد الله: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ تبسم فقلت له: مالك يا رسول الله تبسمت ؟ فقال صلى الله عليه وآله: عجبت للمؤمن وجزعه من السقم، ولو يعلم ماله في السقم من الثواب، لاحب أن لا يزال سقيما حتى يلقى ربه عزوجل (1). 13 - ومنه: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان بن يحيى عن أبي الصباح الكناني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله من يعرف البلاء يصبر عليه، ومن لا يعرف ينكره (2). 14 - طب الائمة: عن الوشاء، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أيما رجل اشتكى فصبر واحتسب، كتب الله له من الاجر أجر ألف شهيد (3). 15 - المحاسن: عن محمد بن علي، عن عبد الرحمن بن محمد الاسدي، عن حريب الغزال، عن صدقة القتات، عن الحسن البصري، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ألا اخبركم بخمس خصال هي من البر، والبر يدعو إلى الجنة ؟ قلت: بلى، قال: إخفاء المصيبة وكتمانها، الحديث (4). 16 - الخصال: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن سهل بن زياد، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من ظهرت صحته على سقمه

 

(1) أمالى الصدوق ص 300. (2) أمالى الصدوق ص 292. (3) طب الائمة: 17 (4) المحاسن ص 9.

 

[207]

فيعالج نفسه بشئ فمات فأنا إلى الله منه برئ (1). 17 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن بكر ابن صالح الجعفري قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام يقول: ادفعوا معالجة الاطباء ما اندفع الداء عنكم، فانه بمنزلة البناء: قليله يجر إلى كثيره (2). 18 - كتاب الاخوان: للصدوق باسناده، عن الحسن بن راشد قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا حسن إذا نزلت بك نازلة فلا تشكها إلى أحد من أهل الخلاف، و لكن اذكرها لبعض إخوانك، فانك لن تعدم خصلة من خصال أربع: إما كفاية وإما معونة بجاه أو دعوة تستجاب أو مشورة برأي (3). 19 - معاني الاخبار: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد عن إسماعيل بن إبراهيم، عن أبي معاوية قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من شكى إلى مؤمن فقد شكى إلى الله عزوجل ومن شكى إلى مخالف فقد شكى الله عزوجل (4). 20 - قرب الاسناد: عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من شكى إلى أخيه فقد شكى إلى الله، ومن شكى إلى غير أخيه فقد شكى الله قال: ومعنى ذلك أخوه في دينه (5). 21 - الخصال: عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن محمد بن سنان، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن عظيم البلاء يكافئ به عظيم الجزاء

 

(1) الخصال ج 1 ص 15. (2) علل الشرايع ج 2 ص 151 و 150. (3) كتاب الاخوان ص 34. (4) معاني الاخبار ص 507 (5) قرب الاسناد ص 52.

 

[208]

فإذا أحب الله عبدا ابتلاه بعظيم البلاء، فمن رضي فله عند الله الرضا، ومن سخط البلاء فله السخط (1). بيان: قوله عليه السلام: " فله عند الله الرضا " أي ثوابه أو رضي الله عنه، و كذا السخط. 22 - مجالس المفيد: عن الحسن بن حمزة العلوي، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن بكر بن صالح عن الحسن بن علي، عن عبد الله بن إبراهيم، عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد عليه السلام، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أربعة من كنوز البر: كتمان الحاجة، وكتمان الصدقة، وكتمان المرض، وكتمان المصيبة (2). 23 - دعوات الراوندي: قال النبي صلى الله عليه وآله: أربع من كنوز الجنة: كتمان الفاقة، وكتمان الصدقة، وكتمان المصيبة، وكتمان الوجع. وقال صلى الله عليه وآله: من كنوز البر كتمان المصائب، والامراض، والصدقه. وقال النبي صلى الله عليه وآله: يقول الله عزوجل أيما عبد من عبيدي مؤمن ابتليته ببلاء على فراشه، فلم يشك إلى عواده، أبدلته لحما خيرا من لحمه، ودما خيرا من دمه، فان قبضته فالى رحمتي، وإن عافيته عافيته وليس له ذنب، فقيل: يا رسول الله ما لحم خير من لحمه ؟ قال: لحم لم يذنب، ودم خير من دمه دم لم يذنب. بيان: لعل المعنى أنه تعالى يرفع حكم الذنب واستحقاق العقوبة عنه كما ورد في الاخبار كيوم ولدته امه. 24 - دعوات الراوندي: عن الباقر عليه السلام قال: قال علي بن الحسين عليهما السلام مرضت مرضا شديدا فقال لي أبي عليه السلام: ما تشتهي ؟ فقلت أشتهي أن أكون ممن لا أقترح على الله ربي ما يدبره لي، فقال لي: أحسنت، ضاهيت إبراهيم الخليل صلوات

 

(1) الخصال ج 1 ص 12. (2) أمالى المفيد ص 12.

 

[209]

الله عليه، حيث قال جبرئيل عليه السلام هل من حاجة ؟ فقال: لا أقترح على ربي، بل حسبي الله ونعم الوكيل. بيان: يحتمل اختصاصه بهم ويحتمل التخيير بينه وبين الدعاء مطلقا، و يمكن اختلاف الحكم باختلاف الاحوال، وبالجملة لابد من جمع بينه وبين أخبار الحث على الدعاء وهي أكثر وأشهر، وفي الخبر ما يؤيد الاول. 25 - الدعوات: قال الصادق عليه السلام: مرض أمير المؤمنين عليه السلام فعاده قوم فقالوا له: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين ؟ فقال: أصبحت بشر. فقالوا له: سبحان الله هذا كلام مثلك ؟ فقال: يقول الله تعالى: " ونبلوكم بالخير والشر فتنة وإلينا ترجعون " (1) فالخير الصحة والغنا، والشر المرض والفقر، ابتلاء واختبارا. ودخل بعض علماء الاسلام على الفضل بن يحيى وقد حم وعنده بختيشوع المتطبب، فقال له: ينبغي لمن حم يوما أو ليلة أن يحتمي سنة، فقال العالم: صدق الرجل فيما يقول، فقال له الفضل سرعان ما صدقته، قال: إني لا اصدقه ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله قال: حمى يوم كفارة سنة، فلولا أنه يبقى تأثيرها في البدن سنة لما صارت كفارة ذنوب سنة. وإنما قال الفضل ذلك لان العلماء في ذلك كانوا يلومون الخلفاء والوزراء في تعظيمهم النصارى للتطبب. وقال النبي صلى الله عليه وآله يقول الله عزوجل إذا وجهت إلى عبد من عبيدي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده، ثم استقبل ذلك بصبر جميل، استحييت منه يوم القيامة أن أنصب له ميزانا أو أنشر له ديوانا. ومن دعاء العليل: اللهم اجعل الموت خير غائب ننتظره، والقبر خير منزل نعمره، واجعل ما بعده خيرا لنا منه، اللهم أصلحني قبل الموت، وارحمني عند الموت، واغفر لي بعد الموت. وقال الصادق عليه السلام: يستحب للمريض أن يعطي السائل بيده، ويأمر السائل أن يدعو له.

 

(1) الانبياء: 35.

 

[210]

وقيل لابي الدرداء في علة: ما تشتكي ؟ قال: ذنوبي، قيل: فما تشتهي ؟ قال: الجنة، قيل: أندعو لك طبيبا ؟ قال: الطبيب أمرضني. وعن ابن عباس أن امرأة أيوب قالت له يوما: لو دعوت الله أن يشفيك ؟ فقال: ويحك كنا في النعماء سبعين عاما فهلم نصبر في الضراء مثلها، فلم يمكث بعد ذلك إلا يسيرا حتى عوفي. وقال ابن المبارك: قلت لمجوسي: ألا تؤمن ؟ قال: إن في المؤمنين أربع خصال لا احبهن، يقولون بالقول ولا يأتون بالعمل، قلت: وما هي ؟ قال: يقولون جميعا إن فقراء امة محمد يدخلون الجنة قبل الاغنياء بخمس مائة عام، و ما أرى أحدا منهم يطلب الفقر، ولكن يفر منه، ويقولون إن المريض يكفر عنه الخطايا، وما أرى أحدا يطلب المرض، ولكن يشكو ويفر منه، ويزعمون أن الله رازق العباد ولا يستريحون بالليل والنهار من طلب الرزق، ويزعمون أن الموت حق وعدل، وإن مات أحد منهم يبلغ صياحهم السماء. وروي أن مناظرة هذا المجوسي كانت مع أبي عبد الله عليه السلام وأنه توفي على الاسلام على يديه. وقال النبي صلى الله عليه وآله: عجبت للمؤمن وجزعه من السقم، ولو علم ماله في السقم لاحب أن لا يزال سقيما حتى يلقى ربه عزوجل. وقال صلى الله عليه وآله: وجدنا خير عيشنا الصبر. 26 - مسكن الفؤاد: روي في الاسرائيليات أن عابدا عبد الله تعالى دهرا طويلا فرأى في المنام فلانة رفيقتك في الجنة، فسأل عنها واستضافها ثلاثا لينظر إلى عملها، فكان يبيت قائما، وتبيت نائمة، ويظل صائما، وتظل مفطرة، فقال لها: أمالك عمل غير ما رأيت ؟ قالت: ما هو والله غير ما رأيت، ولا أعرف غيره، فلم يزل يقول: تذكري ! حتى قالت خصيلة واحدة، هي إن كنت في شدة لم أتمن أن أكون في رخاء، وإن كنت في مرض لم أتمن أن أكون في صحة، وإن كنت في الشمس لم أتمن أن أكون في الظل


 

[211]

فوضع العابد يديه على رأسه وقال: هذه خصيلة ؟ ! هذه والله خصلة عجيبة تعجز عنها العباد. 27 - أعلام الدين: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الشياطين أكثر على المؤمنين من الزنابير على اللحم، وما منكم من عبد ابتلاه الله بمكروه فصبر إلا كتب الله له أجر ألف شهيد. 28 - جامع الاخبار: قال الباقر عليه السلام يا بني من كتم بلاء ابتلي به من الناس وشكى إلى الله عزوجل كان حقا على الله أن يعافيه من ذلك البلاء. 29 - دعائم الاسلام: عن النبي صلى الله عليه وآله قال: يكتب أنين المريض حسنات ما صبر، فان جزع كتب هلوعا لا أجر له (1). وعن علي صلوات الله عليه قال: المريض في سجن الله ما لم يشك إلى عواده تمحى سيئاته، وأيما مؤمن مات مريضا مات شهيدا وكل مؤمن شهيد، وكل مؤمنة حوراء، وأي ميتة مات بها المؤمن فهو شهيد، وتلا قول الله جل ذكره " والذين آمنوا بالله ورسله اولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم " (2). 30 - مكارم الاخلاق: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا رأى من جسمه بثرة عاذ بالله واستكان له وجأر إليه، فيقال له: يا رسول الله صلى الله عليه وآله ما هو ببأس، فيقول إن الله إذا أراد أن يعظم صغيرا عظم، وإذا أراد أن يصغر عظيما صغر (3). وعنه صلى الله عليه وآله قال: إثنان عليلان: صحيح محتم وعليل مخلط (4). وقال صلى الله عليه وآله: تجنب الدواء ما احتمل بدنك الداء، فإذا لم يحتمل الداء فالدواء (5). وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن نبيا من الانبياء مرض، فقال: لا أتداوى

 

(1) دعائم الاسلام ص 217. (2) المصدر نفسه والاية في سورة الحديد: 19. (4) مكارم الاخلاق ص 411. (4 - 5) مكارم الاخلاق ص 416.

 

[212]

حتى يكون الذي أمرضني هو يشفيني، فأوحى الله عزوجل لا أشفيك حتى تتداوى فان الشفاء مني (1). وعن الرضا عليه السلام أنه قال: لو أن الناس قصروا في الطعام لاستقامت أبدانهم (2). وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ليس الحمية من الشئ تركه إنما الحمية من الشئ الاقلال منه (3). وعن العالم عليه السلام قال: الحمية رأس الدواء، والمعدة بيت الداء، وعود بدنا ما تعود (4). وروي عن العالم عليه السلام أنه قال: لكل داء دواء فسئل عن ذلك، فقال: لكل داء دعاء، فإذا الهم المريض الدعاء فقد أذن الله في شفائه (5). دعاء المريض لنفسه يستحب للمريض أن يقوله ويكرره: لا إله إلا الله يحيي ويميت وهي حي لا يموت سبحان الله رب العباد والبلاد، والحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه على كل حال، والله أكبر كبيرا كبرياء ربنا وجلاله وقدرته بكل مكان اللهم إن كنت أمرضتني لقبض روحي في مرضي هذا فاجعل روحي في أرواح من سبقت له منك الحسنى، وباعدني من النار كما باعدت أولياءك الذين سبقت لهم منك الحسنى 4 (6). أقول: سيأتي أخبار الادعية في كتاب الدعاء، ومضت أخبار الادوية في كتال السماء والعالم.

 

(1) مكارم الاخلاق ص 417: وبعده: والدواء منى فجعل يتداوى فأتى الشفاء. (2 - 4) مكارم الاخلاق ص 417. (5) مكارم الاخلاق ص 446. (6) مكارم الاخلاق ص 447.

 

[213]

3 - ((باب)) * " (نادر في الطاعون والفرار منه وممن) " * * " (ابتلى به وموت الفجاة) " * 1 - دعوات الراوندي: سئل زين العابدين عليه السلام عن الطاعون أنبرء ممن يلحقه فانه معذب ؟ فقال عليه السلام: إن كان عاصيا فابرء منه طعن أم لمن يطعن، وإن كان لله عزوجل مطيعا فان الطاعون مما يمحص به ذنوبه. إن الله عزوجل عذب به قوما ويرحم به آخرين، واسعة قدرته لما يشاء، ألا ترون أنه جعل الشمس ضياء لعباده، ومنضجا لثمارهم، ومبلغا لاقواتهم، وقد يعذب بها قوما يبتليهم بحرها يوم القيامة بذنوبهم، وفي الدنيا بسوء أعمالهم. وقال النبي صلى الله عليه وآله: موت الفجأة رحمة للمؤمنين، وعذاب للكافرين. أقول: قد مرت أخبار الفرار من الطاعون في كتاب العدل والمعاد (1).

 

(1) راجع ج 6 ص 120 - 124 من هذه الطبعة الحديثة وفيها 20 حديثا وآية.

 

[214]

4 - ((باب)) * " (ثواب عيادة المريض وآدابها وفضل السعي) " * * " (في حاجته وكيفية معاشرة أصحاب البلاء) " * 1 - قرب الاسناد: عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن عليا عليهم السلام قال: إن أعظم العواد أجرا عند الله لمن إذا عاد أخاه المؤمن خفف الجلوس، إلا أن يكون المريض يحب ذلك ويريده ويسأله ذلك. وقال: إن من تمام العيادة أن يضع العايد إحدى يديه على الاخرى أو على جبهته. وقال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من عاد مريضا نادى مناد من السماء باسمه: يا فلان طبت وطاب ممشاك تبوأت من الجنة منزلا (1). بيان: يحتمل أن يكون وضع اليد على اليد وعلى الجبهة لاظهار الحزن والتأسف على مرضه، كما هو الشايع فلا يبعد أن يكون ذكرهما على المثال، والممشى مصدر ميمي بمعنى المشي. 2 - قرب الاسناد: بالاسناد المتقدم، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بسبع: أمرهم بعيادة المرضى، وإتباع الجنايز، و إبرار القسم، وتسميت العاطس، ونصر المظلوم، وإفشاء السلام، وإجابة الداعي (2).

 

(1) قرب الاسناد ص 10 و 11 ط نجف. (2) قرب الاسناد ص 48 نجف و 34 ط حجر.

 

[215]

3 - الخصال: باسناده، عن البراء بن عازب قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله باتباع الجنايز، وعيادة المريض الخبر (1). 4 - ومنه: باسناده، عن أنس بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في وصيته لعلي عليه السلام: يا علي ليس على النساء جمعة ولا جماعة، ولا أذان، ولا إقامة، ولا عيادة مريض، ولا إتباع جنازة، ولا تقيم عند قبر الخبر (2). 5 - ومنه: عن أحمد بن الحسن القطان، عن الحسن بن علي السكري عن محمد بن زكريا البصري، عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ليس على النساء أذان، ولا إقامة، ولا جمعة ولا جماعة، ولا عيادة المريض، ولا إتباع الجنايز (3). 6 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن المفيد، عن محمد بن الحسين الحلال عن الحسن بن الحسين الانصاري، عن زفر بن سليمان، عن أشرس الخراساني عن أيوب السجستاني، عن أبي قلابة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من عاد مريضا فانه يخوض في الرحمة، وأومأ رسول الله صلى الله عليه وآله إلى حقويه، فإذا جلس عند المريض غمرته الرحمة (4). 8 - ومنه: عن أبيه، عن حمويه بن علي البصري، عن محمد بن بكر، عن الفضل بن حباب، عن محمد بن كثير، عن شعبة، عن الحكم بن عبد الله بن نافع أن أبا موسى عاد الحسن بن علي عليهما السلام فقال الحسن عليه السلام: أعائدا جئت أو زائرا ؟ فقال: عائدا، فقال: ما من رجل يعود مريضا ممسيا إلا خرج معه سبعون ألف

 

(1) الخصال ج 2 ص 1. (2) الخصال ج 2 ص 97. (3) الخصال ج 2 ص 141. (4) أمالى الطوسى ج 1 ص 185.

 

[216]

ملك يستغفرون له حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة (1). بيان: روى الحسين بن مسعود الفراء في شرح السنة باسناده عن ثوبة، عن أبيه، قال: أخذ علي عليه السلام بيدي فقال: انطلق إلى الحسن بن علي نعوده فوجدنا عنده أبا موسى الاشعري قال: يعني عليا لابي موسى: عائدا جئت أم زايرا فقال: عائدا، فقال علي عليه السلام: فاني سمعت النبي صلى الله عليه وآله يقول: ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى [يمسي ولا يعوده مساءا إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى] يصبح، وكان له خريف في الجنة، ثم قال: هذا حديث حسن، وقد روي عن علي عليه السلام من غير وجه. وقال في النهاية: في الحديث عائد المريض على مخارف الجنة حتى يرجع المخارف جمع مخرف بالفتح، وهو الحائط من النخل أي أن العائد فيما يحوزه من الثواب كأنه على نخل الجنة يخترف ثمارها، وقيل: المخارف جمع مخرفة وهي سكة بين صفين من نخل، يخترف من أيهما شاء أي يجتني، وقيل: المخرفة الطريق، أي أنه على طريق يؤديه إلى الجنة، وفي حديث آخر عائد المريض في خرافة الجنة [أي في اجتناء ثمرها يقال: خرفت النخلة أخرفها خرافا وخرافا، وفي حديث آخر عايد المريض على خرفة الجنة،] (2) الخرفة بالضم اسم ما يخترف من النخل حين يدرك، وفي حديث آخر: عائد المريض له خريف في الجنة أي مخترف من ثمرها، فعيل بمعنى مفعول انتهى. وفسر الخريف في أخبارنا بمعنى آخر، وهو ما رواه الكليني (3) عن محمد ابن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: أيما مؤمن عاد مؤمنا خاض الرحمة خوضا، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإذا انصرف وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له ويترحمون

 

(1) أمالى الطوسى ج 2 ص 17. (2) زيادة من النهاية. (3) الكافي ج 3 ص 120.

 

[217]

عليه، ويقولون طبت وطابت لك الجنة إلى تلك الساعة من غد، وكان له يا أبا حمزة خريف في الجنة، قلت: ما الخريف جعلت فداك ؟ قال: زاوية في الجنة يسير الراكب فيها أربعين عاما. 8 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن جماعة، عن أبي المفضل الشيباني عن أحمد بن إسحاق بن بهلول، عن أبيه، عن جده، عن أبي شيبة، عن أبي إسحاق، عن الحارث الهمداني، عن علي عليه السلام قال: إن للمسلم على أخيه المسلم من المعروف ستا: يسلم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، ويشهده إذا مات الخبر (1). 9 - مجالس الصدوق: عن حمزة العلوي، عن عبد العزيز بن محمد الابهري، عن محمد بن زكريا الجوهري، عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من سعى لمريض في حاجة، قضاها أو لم يقضها، خرج من ذنوبه كيوم ولدته امه، فقال رجل من الانصار بأبي أنت وامي يا رسول الله فان كان المريض من أهل بيته أو ليس ذاك أعظم أجرا إذا سعى في حاجة أهل بيته ؟ قال: نعم (2). 10 - ثواب الاعمال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد عن منصور، عن فضيل أبي محمد، عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من عاد مريضا في الله لم يسأل المريض للعايد شيئا إلا استجاب الله له (3). 11 - ومنه: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان فيما ناجى به موسى عليه السلام ربه أن قال: يا رب أعلمني ما بلغ من عيادة المريض من الاجر ؟ قال عزوجل: اوكل به ملكا يعوده في قبره

 

(1) أمالى الطوسى ج 2 ص 248. (2) أمالى الصدوق ص 259 في حديث المناهى. (3) ثواب الاعمال: 176.

 

[218]

إلى محشره الحديث (1). 12 - السرائر: من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب، عن أبي ولاد، عن عبد الله بن سنان قال: سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: ينبغي للمريض منكم أن يؤذن لاخوانه بمرضه فيعودوه فيؤجر فيهم ويؤجرون فيه، قال: فقيل له: نعم هم يؤجرون لمشيهم إليه، فهو كيف يؤجر فيهم، قال: فقال: باكتسابه لهم الحسنات فيؤجر فيهم، فيكتب له بذلك حسنة، وترفع له بذلك عشر درجات، وتمحى عنه عشر سيئات. قال: ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: وينبغي لاولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته، فيشهدوا جنازته، ويصلوا عليه، ويستغفروا له، و يكتسب لهم الاجر ويكتسب لميته الاستغفار ويكتسب هو الاجر فيهم، وفيما اكتسب لميته من الاستغفار (2). بيان: لفظة " في " في المواضع للسببية، وفي الكافي (3) فيكتب له بذلك عشر حسنات. 13 - طب الائمة: عن محمد بن خلف، عن الوشاء، عن الرضا عليه السلام قال: إذا مرض أحدكم فليأذن للناس يدخلون عليه، فانه ليس من أحد إلا وله دعوة مستجابة، ثم قال عليه السلام: أتدري من الناس ؟ قلت: امة محمد صلى الله عليه وآله قال: الناس هم شيعتنا (4). 14 - ثواب الاعمال: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن محمد بن جعفر عن موسى بن عمران باسناده، عن أبي هريرة وابن عباس قالا قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ومن عاد مريضا فله بكل خطوة خطاها حتى يرجع إلى منزله سبعون ألف ألف

 

(1) ثواب الاعمال ص 176. (2) السرائر: 474. (3) الكافي ج 3 ص 117. (4) طب الائمة ص 16.

 

[219]

حسنة، ويمحا عنه سبعون ألف ألف سيئة، ويرفع له سبعون ألف ألف درجة، ووكل به سبعون ألف ألف ملك يعودونه في قبره ويستغفرون له إلى يوم القيامة (1). اعلام الدين: عنه صلى الله عليه وآله مرسلا مثله. 15 - منتهى المطلب: عن يعقوب بن يزيد باسناده، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: عودوا مرضاكم وسلوهم الدعاء، فانه يعدل دعاء الملائكة (2). 16 - أعلام الدين للديلمي: عن الصادق عليه السلام أنه قال لخيثمة: أبلغ موالينا السلام وأوصهم بتقوى الله والعمل الصالح، وأن يعود صحيحهم مريضهم، وليعد غنيهم على فقيرهم: وليحضر حيهم جنازة ميتهم، وأن يتألفوا في البيوت ويتذاكروا علم الدين، ففي ذلك حياة أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا. وأعلمهم يا خيثمة أنا لا نغني عنهم من الله شيئا إلا بالعمل الصالح، وأن ولايتنا لا تنال إلا بالورع والاجتهاد وأن أشد الناس عذابا يوم القيامة من وصف عدلا ثم خالفه إلى غيره (3). 17 - نوادر الراوندي: باسناده عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من زار أخا في الله أو عاد مريضا نادى مناد من السماء: طبت و طاب ممشاك تبوأت من الجنة منزلك (4). 18 - مجالس الشيخ: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسين العلوي، عن أبيه الحسين بن إسحاق، عن أبيه إسحاق بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: يعير الله عزوجل عبدا من عباده يوم القيامة، فيقول: عبدي ما منعك إذا مرضت أن تعودني ؟ فيقول:

 

(1) ثواب الاعمال ص 260 (2) المنتهى للعلامة ص 425. (3) اعلام الدين مخطوط، والحديث في الكافي ج 2 ص 175. (4) نوادر الراوندي ص 11.

 

[220]

سبحانك سبحانك أنت رب العباد لا تألم ولا تمرض، فيقول: مرض أخوك المؤمن فلم تعده، وعزتي وجلالي لوعدته لوجدتني عنده، ثم لتكفلت بحوائجك فقضيتها لك، وذلك من كرامة عبدي المؤمن، وأنا الرحمن الرحيم (1). 19 - ومنه: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن الحسين بن موسى بن خلف عن عبد الرحمن بن خالد، عن زيد بن حباب، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إن الله تعالى يقول: ابن آدم مرضت فلم تعدني ؟ قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال: مرض فلان عبدي، فلو عدته لوجدتني عنده، واستسقيتك فلم تسقني ؟ قال: كيف وأنت رب العالمين ؟ قال: استسقاك عبدي فلان ولو سقيته لوجدت ذلك عندي، و استطعمتك فلم تطعمني ؟ قال: كيف وأنت رب العالمين ! قال: استطعمك عبدي ولم تطعمه ولو أطعمته لوجدت ذلك عندي (2). 20 - ومنه: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن محمد بن علي بن شاذان، عن الحسن بن أحمد بن عبد الله، عن إسماعيل بن صبيح، عن عمرو بن خالد، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان - رضي الله عنه - قال: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله يعودني وأنا مريض: فقال: كشف الله ضرك وعظم أجرك، وعافاك في دينك وجسدك إلى مدة أجلك (3). غرر الدرر: للسيد حيدر عن سلمان مثله. 21 - مجالس الشيخ: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن جعفر بن محمد عن حسين بن زيد بن علي قال: دخلت مع أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام على رجل من أهلنا، وكان مريضا، فقال له أبو عبد الله: أنساك الله العافية، ولا أنساك الشكر عليها، فلما خرجنا من عند الرجل، قلت له: يا سيدي ما هذا الدعاء

 

(1) أمالى الطوسى ج 2 ص 242. (2) أمالى الطوسى ج 2 ص 243. (3) أمالى الطوسى ج 2 ص 244.

 

[221]

الذي دعوت به للرجل ؟ فقال: يا حسين العافية ملك خفي، يا حسين إن العافية نعمة إذا فقدت ذكرت، وإذا وجدت نسيت، فقلت له: أنساك الله العافية بحصولها ولا أنساك الشكر عليها لتندم له، يا حسين إن أبي خبرني، عن آبائه عليهم السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: يا صاحب العافية إليك انتهت الاماني (1). بيان: أي يتمنى الناس حالك، أو حصل لك أمانيك أو نهايتها، و الاول أظهر. 22 - مجالس الشيخ: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن مسدد بن أبي يوسف، عن إسحاق بن سيار، عن الفضل بن دكين، عن إسرائيل بن يونس، عن يزيد بن خيثم، عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك، حتى يمسي، وإذا عاده مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان لخ خراف في الجنة (2). بيان: في 4 القاموس خرف الثمار خرفا ومخرفا وخرافا ويكسر: جناه، وكسحاب ويكسر وقت اختراف الثمار، والخرائف النخل اللاتي تحرص انتهى ويدل على أن عيادة المريض في صدر النهار وآخره سواء في الاجر، وربما يستفاد منه أن ما شاع من أنه لا ينبغي أن يعاد المريض في المساء لا عبرة به. 23 - مجالس الشيخ: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن عبد الله بن محمد ابن عبد العزيز، عن شريح بن يونس، عن هشيم بن بشير، عن يعلى بن عطا، عن عبد الله بن نافع أن أبا موسى عاد الحسن بن علي فقال علي عليه السلام: أما إنه لا يمنعنا ما في أنفسنا عليك أن نحدثك بما سمعنا أنه من عاد مريضا شيعه سبعون ألف ملك كلهم يستغفر له إن كان مصبحا، حتى يمسي، وإن كان مساء حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة (3).

 

(1) أمالى الطوسى ج 2 ص 245. (2) أمالى الطوسى ج 2 ص 248. (3) أمالى الطوسى ج 2 ص 249.

 

[222]

24 - ومنه: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي الاحوص، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل على مريض قال: أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي، ولا شافي إلا أنت (1). بيان: روى العامة هذا الدعاء عن النبي صلى الله عليه وآله: وزادوا في آخره: اشف شفاء لا يغادر سقما. 25 - مجالس الشيخ: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن علي بن إسماعيل، عن علي بن الحسن العبدي، عن الحسن بن بشر، عن قيس بن الربيع، عن الاعمش، عن شقيق، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أجيبوا الداعي، وعودوا المريض واقبلوا الهدية، ولا تظلموا المسلمين (2). 26 - ومنه: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن يحيى بن محمد بن مصاعد، عن عبد الله بن سعيد الاشج، عن عقبة بن خالد، عن موسى بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أغبوا في العيادة وأربعوا إلا أن يكون مغلوبا (3). بيان: قال الجوهري: الغب أن ترد الابل الماء يوما وتدعه يوما، تقول غبت الابل تغب غبا قال الكسائي أغببت القوم وغببت عنهم أيضا إذا جئت يوما وتركت يوما، والغب في الزيارة، قال الحسن في كل اسبوع يقال: زرغبا تزدد حبا وأغبنا فلان أتانا غبا، وفي الحديث أغبوا في عيادة المريض وأربعوا، يقول: عد يوما ودع يوما، أودع يومين وعد اليوم الثالث. وقال في النهاية: الغب من أوراد الابل أن ترد الماء يوما وتدعه يوما ثم تعود، فنقله إلى الزيارة وإن جاء بعد أيام يقال: غب الرجل إذا جاء زائرا بعد أيام وقال الحسن في كل اسبوع، ومنه الحديث أغبوا في عيادة المريض أي لا تعودوه

 

(1 - 2) أمالى الطوسى ج 2 ص 252. (2) أمالى الطوسى ج 2 ص 253.

 

[223]

في كل يوم لما يجد من ثقل العواد انتهى. أقول: ظاهر أن المراد في هذا الخبر يوم ويوم لا، وقوله إلا أن يكون مغلوبا أي يغلبه المرض بأن يكون شديد المرض أو مغمى عليه فانه ينبغي حينئذ أن يؤخر عيادته ويترك مع أهله. 27 - مجالس الشيخ: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن عبد الله بن محمد البغوي. عن داود بن عمرو الضبي، عن عبد الله بن المبارك، عن يحيى بن أيوب، عن عبد الله ابن زجر، عن علي بن يزيد، عن القاسم بن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وآله أن من تمام عيادة المريض أن يدع أحدكم يده على جبهته أو يده فيسأله كيف هو، وتحياتكم بينكم بالمصافحة (1). 28 - ومنه: بهذا الاسناد عن البغوي، عن صبيح بن دينار، عن عفيف بن سالم عن أيوب بن عتبة، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من تمام عيادة المريض إذا دخلت عليه أن تضع يدك على رأسه وتقول: كيف أصبحت أو كيف أمسيت، فإذا جلست عنده غمرتك الرحمة، وإذا خرجت من عنده خضتها مقبلا ومدبرا، وأومأ بيده إلى حقويه (2). بيان: الظاهر من الحديث الاول أيضا إرجاع ضمير جبهته ويده إلى المريض لا العائد كما هو صريح هذا الخبر، وهو مخالف لما مر في الرواية الاولى من الباب وكانت أقوى سندا، وهذا أظهر معنى، ويمكن استحبابهما معا، لكن هذان الخبران عاميان، والحقو مشد الازار، والايماء إليهما كناية عن كثرة الرحمة، فكأنه شبه الرحمة بماء يخوض فيه فيصل إلى حقويه. 39 - مجالس الشيخ: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن إسماعيل بن موسى عن عبد الله بن عمر بن أبان، عن معاوية بن هشام، عن سفيان الثوري، عن حبيب ابن أبي ثابت، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قيل للنبي صلى الله عليه وآله كيف أصبحت ؟ قال: بخير من قوم لم يشهدوا جنازة، ولم يعودوا مريضا (3).

 

(1 - 3) أمالى الطوسى ج 2 ص 253.

 

[224]

30 - الجواهر للكراجكى: عن النبي صلى الله عليه وآله قال: ثلاثة لا يعادون: صاحب الدمل، والضرس، والرمد. 31 - دعوات الراوندي: قال النبي صلى الله عليه وآله: من عاد مريضا لم يزل في خرفة الجنة. بيان: رواه في شرح السنة، عن ثوبان وزاد في آخره قالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وما خرفة الجنة ؟ قال: جناها. 32 - دعوات الراوندي: قال أبو عبد الله عليه السلام: أيما مؤمن عاد أخاه المؤمن في مرضه حين يصبح، شيعه سبعون ألف ملك، فإذا قعد عنده غمرته الرحمة واستغفروا له، فان عاده مساء كان له مثل ذلك حتى يصبح. وقال النبي صلى الله عليه وآله: من دخل على مريض فقال " أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك " سبع مرات شفي ما لم يحضر أجله. وقال صلى الله عليه وآله: يا علي ليس على النساء جمعة، ولا عيادة مريض، ولا إتباع جنازة. وقال: سر ميلا عد مريضا، سر ميلين شيع جنازة. وقال في أهل الذمة: لا تساووهم في المجالس، ولا تعودوا مريضهم، ولا تشيعوا جنائزهم. وكان أمير المؤمنين عليه السلام إذا رأى المريض قد برأ قال: يهنئك الطهر من الذنوب. وقال الصادق عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عودوا المرضى، واتبعوا الجنائز يذكركم الآخرة، وتدعو للمريض فتقول " اللهم اشفه بشفائك، وداوه بدوائك وعافه من بلائك ". وقال: من أطعم مريضا شهوته أطعمه الله من ثمار الجنة. 33 - كنز الكراجكى: عن جابر الانصاري أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: عائد المريض يخوض في البركة، فإذا جلس انغمس فيها.


 

[225]

وقال عليه السلام: إذا دخلتم على المريض فنفسوا له في الاجل، فان ذلك لا يرد شيئا، وهو يطيب النفس. وانشد لبعضهم: حق العيادة يوم بين يومين * وجلسة لك مثل الطرف بالعين لا تبر من مريضا في مسألة * يكفيك من ذاك تسأل بحرفين بيان: فنفسوا له أي وسعوا له في الاجل، وأملوه في الصحة، كأن يقولوا لا بأس عليك، وسيذهب عنك الداء عن قريب، وأمثال ذلك، من النفس بالتحريك بمعنى السعة والفسحة في الامر، يقال أنت في نفس من أمرك أي في سعة. 34 - عدة الداعي: عن عيسى بن عبد الله القمي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ثلاثة دعوتهم مستجابة: الحاج، والمعتمر، فانظروا كيف تخلفونهم، و الغازي في سبيل الله فانظروا كيف تخلفونه، والمريض فلا تغيظوه ولا تضجروه (1). وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيما مؤمن عاد مريضا خاض في الرحمة، فإذا قعد عنده استنقع فيها، فإذا عاده غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك إلى أن يمسي، وإن عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح (2). 35 - اعلام الدين: يستحب الدعاء للمريض يقول: " اللهم رب السموات السبع ورب الارضين السبع، وما فيهن وما بينهن وما تحتهن، ورب العرش العظيم، صل على محمد وآل محمد، واشفه بشفائك، وداوه بدوائك، وعافه من بلائك، واجعل شكايته كفارة لما مضى من ذنوبه وما بقي ". وعن النبي صلى الله عليه وآله قال: من قام على مريض يوما وليلة بعثه الله مع إبراهيم خليل الرحمان، فجاز على الصراط كالبرق اللامع. 36 - تفسير علي بن ابراهيم: في رواية أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله " ليس على الاعمى حرج ولا على الاعرج حرج ولا على المريض

 

(1) وتراه في الكافي ج 2 ص 509. (2) رواه في الكافي ج 3 ص 120. (*)

 

[226]

حرج " (1) وذلك أن أهل المدينة قبل أن يسلموا كانوا يعتزلون الاعمى والاعرج والمريض، كانوا لا يأكلون معهم، وكانت الانصار فيهم تيه وتكرم، فقالوا إن الاعمى لا يبصر الطعام، والاعرج لا يستطيع الزحام على الطعام، والمريض لا يأكل كما يأكل الصحيح، فعزلوا لهم طعامهم على ناحية، وكانوا يرون أن عليهم في مؤاكلتهم جناحا، فلما قدم النبي صلى الله عليه وآله سألوه عن ذلك، فأنزل الله " ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا " (2). 37 - مكارم الاخلاق: قال النبي صلى الله عليه وآله: تمام عيادة المريض أن يضع أحدكم يده عليه ويسأله كيف هو كيف أصبحت وكيف أمسيت ؟ وتمام تحيتكم المصافحة (3). وعن أبي الحسن عليه السلام قال: عاد أمير المؤمنين عليه السلام صعصعة بن صوحان فقال: يا صعصعة لا تفخر على إخوانك بعيادتي إياك، وانظر لنفسك، فكأن الامر قد وصل إليك، ولا يلهينك الامل (4). ومن كتاب زهد أمير المؤمنين عليه السلام ومن كتاب الجنائر عن الصادق عليه السلام قال: لا عيادة في وجع العين، ولا تكون عيادة أقل من ثلاثة أيام، فإذا وجبت فيوم و يوم لا، أو يوم ويومين لا، وإذا طالت العلة ترك المريض وعياله (5). بيان: قوله عليه السلام: أقل من ثلاثة أيام، الظاهر أن المراد به أنه لا ينبغي أن يعاد المريض في أول ما يمرض إلى ثلاثة أيام، فان برأ قبل مضيها وإلا فيوما تعود ويوما لا تعود، ويحتمل أن يكون المراد أن أقل العيادة أن يراه ثلاثة أيام متواليات وبعد ذلك غبا أو أن أقل العيادة أن يراه في كل ثلاثة أيام فلما ظهر منه أن عيادته في كل يوم أفضل، استثنى من ذلك حالة وجوب المرض ولا يخفى بعد الوجهين الاخيرين، وظهور الاول.

 

(1) النور: 61. (2) تفسير القمى: 460. (3 - 5) مكارم الاخلاق: 414.

 

[227]

38 - المكارم: عن الصادق عليه السلام قال: تمام العيادة للمريض أن تضع يدك على ذراعه، وتعجل القيام من عنده، فان عيادة النوكى أشد على المريض من وجعه (1). توضيح: لعل وضع يده على ذراعه عند الدعاء كما فهمه الشهيد - ره - قال في الدروس: ويضع العائد يده على ذراع المريض ويدعو له، وفي القاموس النوك بالضم والفتح الحمق، وهو أنوك، والجمع نوكى كسكرى. 39 - المكارم: روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: إذا كان يوم القيامة تأدى العبد إلى الله عزوجل فيحاسبه حسابا يسيرا، ويقول: يا مؤمن ما منعك أن تعودني حين مرضت ؟ فيقول المؤمن: أنت ربي وأنا عبدك، أنت الحي القيوم الذي لا يصيبك ألم ولا نصب، فيقول عزوجل: من عاد مؤمنا في فقد عادني، ثم يقول له: أتعرف فلان بن فلان ؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول له: ما منعك أن تعوده حين مرض، أما إنك لو عدته لعدتني ثم لوجدتني به وعنده، ثم لو سألتني حاجة لقضيتها لك ولم أردك عنها (2). وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: وقد عاد سلمان رضوان الله عليه لما أراد أن يقوم: يا سلمان كشف الله ضرك، وغفر ذنبك، وحفظك في دينك وبدنك، إلى منتهى أجلك (3). وعنه صلى الله عليه وآله أنه قال: العيادة ثلاثة، والتعزية مرة (4). وعن مولى لجعفر بن محمد عليهما السلام قال: مرض بعض مواليه فخرجنا نعوده، و نحن عدة من مواليه فاستقبلنا عليه السلام في بعض الطريق فقال: أين تريدون فقلنا نريد فلانا نعوده، قال: قفوا فوقفنا قال: مع أحدكم تفاحة أو سفرجلة أو اترجة أو لعقة من طيب أو قطعة من عود بخور ؟ فقلنا: ما معنا من هذا شئ، قال: أما علمتم أن المريض يستريح إلى كل ما ادخل به عليه (5).

 

(1 - 4) مكارم الاخلاق ص 415. (5) مكارم الاخلاق ص 416.

 

[228]

ايضاح: في القاموس لعقه كسمعه لعقة ويضم لحسه، واللعقة المرة الواحدة وبالضم ما تأخذه في الملعقة. 40 - المكارم: عن زرارة عن أحدهما عليهما السلام قال: إذا دخلت على مريض فقل " اعيذك بالله العظيم رب العرش العظيم، من كل عرق نعار، ومن شر حر النار " سبع مرات (1). بيان: قال الجوهري: نعر العرق ينعر بالفتح فيهما نعرا أي فار منه الدم، فهو عرق نعار ونعور. 41 - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: العيادة بعد ثلاثة أيام، وليس على النساء عيادة (2). وعنه عليه السلام أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يأكل العائد عند العليل فيحبط الله أجر عيادته (3). وعن الحسن بن علي عليهما السلام أنه اعتل فعاده عمرو بن حريث فدخل عليه علي عليه السلام فقال: يا عمرو تعود الحسن وفي النفس ما فيها ؟ وإن ذلك ليس بما نعي من أن اؤدي إليك نصيحة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ما من عبد مسلم يعود مريضا إلا صلى عليه سبعون ألف ملك من ساعته التي يعوده فيها، إن كانت نهارا حتى تغرب الشمس أو ليلا حتى يطلع الفجر (4). وعن علي عليه السلام أنه عاد زيد بن أرقم فلما دخل عليه قال زيد: مرحبا بأمير المؤمنين عائدا وهو علينا عاتب، قال علي عليه السلام: إن ذلك لم يكن يمنعني عن عيادتك إنه من عاد مريضا التماس رحمة الله، وتنجز موعوده، كان في خريف الجنة ما كان جالسا عند المريض، حتى إذا خرج من عنده بعث الله ذلك اليوم سبعين ألف ملك من الملائكة يصلون عليه حتى الليل، وإن عاد ممسيا كان في خريف الجنة ما كان جالسا عند المريض، فإذا خرج من عنده. بعث الله سبعين ألف ملك

 

(1) مكارم الاخلاق ص 450. (2 - 4) دعائم الاسلام ج 1 ص 218.

 

[229]

يصلون عليه حتى الصباح، فأحببت أن أتعجل ذلك (1). 42 - المجازات النبوية: عن النبي صلى الله عليه وآله من عاد مريضا لم يزل يخوض الرحمة حتى يجلس، فإذا جلس اغتمس فيها. قال السيد - ره - هذه استعارة، والمراد العبارة عن كثرة ما يختص به عائد المريض من الاجر الوافر، والثواب الغامر، فشبهه صلى الله عليه وآله لهذه الحال بخائض الغمر في مشيته، والمغتمس فيه عند جلسته (2).

 

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 218. (2) المجازات النبوية ص 245 وقال السيد الرضى في ص 71 من المجازات: ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله " عائد المريض على مخارف الجنة ". وفي هذا الكلام مجاز على التأويلين جميعا، فان كان المراد المخارف جمع مخرف وهو جنى النخل، فكأنه عليه السلام شهد لعائد المريض بدخول الجنة، وحقق له ذلك حتى عبر عنه وهو بعد في دار التكليف بعبارة من صار إلى دار الخلود، ثقة له بالوصول إلى الجنة والنزول في دار الامنة، وهذا موضع المجاز. وان كان المراد بالمخارف جمع مخرفة وهى الطريق كما روى عن بعض الصحابة أنه قال في كلام له، " وتركتكم على مثل مخرفة النعم " أي طريق النعم الواضح الذى أعلمته بأخفافها واعتدته بكثرة غدوها ورواحها فموضع المجاز أنه عليه السلام جعل عائد المريض كالماشي في طريق يفضى به إلى الجنة ويوصله إلى دار المقامة.

 

[230]

5 - * " (باب) " * * " (آداب الاحتضار وأحكامه) " * 1 - قرب الاسناد: عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السلام قلت: المرأة تقعد عند رأس المريض وهي حائض وهو في حد الميت قال: فقال: لا بأس أن تمرضه، فإذا خافوا عليه وقرب من ذلك فتنحت عنه وتجنب قربه، فان الملائكة تأذى بذلك (1). بيان: كراهة حضور الحائض والجنب عند الاحتضار هو المشهور بين الاصحاب بل نسبها في المعتبر إلى أهل العلم، والظاهر اختصاص الكراهة بزمان الاحتضار إلى أن يتحقق الموت، واحتمل استمرارها وهل تزول بانقطاع الدم قبل الغسل أو بالتيمم بدل الغسل ؟ فيهما إشكال. 2 - العلل: عن أبيه باسناد متصل يرفعه إلى الصادق عليه السلام أنه قال: لا تحضر الحائض والجنب عند التلقين إن الملائكة تتأذى بهما (2). بيان: الظاهر أن المراد بالتلقين هو الذي يستحب عند الاحتضار فهو كناية عن الاحتضار، ويحتمل أن يكون حال التلقين أشد كراهة، ويحتمل شمول الكراهة حالة كل تلقين لظاهر اللفظ، ولعل الاول أظهر بقرينة سائر الاخبار، نعم يكره لهما إدخاله قبره كما سيأتي، وإن لم يذكره الاكثر. 3 - العلل: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد ابن أحمد، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبي الجوزاء، عن الحسين بن علوان

 

(1) قرب الاسناد ص 175، والتمريض حسن القيام على المريض برفع حوائجه والتكفل بمداواته، قال في اللسان: جاءت فعلت هنا للسلب، وان كانت في أكثر الامر انما تكون للاثبات. (2) علل الشرايع ج 1 ص 282.

 

[231]

عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله على رجل من ولد عبد المطلب، فإذا هو في السوق (1) وقد وجه إلى غير القبلة، فقال: وجهوه إلى القبلة فانكم إذا فعلتم ذلك أقبلت عليه الملائكة وأقبل الله عليه بوجهه، فلم يزل كذلك حتى يقبض (2). دعائم الاسلام: عن علي عليه السلام مثله (3). ثواب الاعمال: عن محمد بن موسى، عن عبد الله بن جعفر، عن أحمد بن أبي عبد الله مثله (4). بيان: في النهاية فيه دخل سعيد على عثمان وهو في السوق أي في النزع كأن روحه تساق لتخرج من بدنه، ويقال له السياق أيضا انتهى، وإقبال الملائكة عبارة عن استغفارهم له أو قبض روحه بسهولة، وإقبال الله كناية عن الرحمة والفضل والمغفرة. والمشهور بين الاصحاب وجوب الاستقبال بالميت حال الاحتضار، وذهب جماعة من الاصحاب منهم الشيخ في الخلاف والمبسوط والمفيد والمحقق في المعتبر والسيد إلى الاستحباب، واختلف في أنه هل يسقط بالموت أو يجب دوام الاستقبال به حيث يمكن ؟ الاحوط ذلك. 4 - الخصال: عن أحمد بن زياد الهمداني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه عن عمرو بن عثمان، عن الحسين بن مصعب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: جرت في البراء بن معرور الانصاري ثلاث من السنن منها أنه لما حضرته الوفاة كان غائبا عن المدينة، فأمر أن يحول وجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، وأوصى بالثلث من ماله

 

(1) يعنى الاحتضار، يقال: ساق المريض نفسه عند الموت سوقا وسياقا، شرع في نزع الروح. (2) علل الشرايع ج 1 ص 280 و 281. (3) دعائم الاسلام ص 219. (4) ثواب الاعمال ص 177.

 

[232]

فنزل الكتاب بالقبلة، وجرت السنة بالثلث، تمام الخبر (1). 5 - ومنه: عن أحمد بن الحسن القطان، عن الحسن بن علي السكري، عن محمد بن زكريا البصري، عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا يجوز للمرأة الحائض ولا الجنب الحضور عند تلقين الميت، لان الملائكة تتأذى بهما، ولا يجوز لهما إدخال الميت قبره (2). 6 - ثواب الاعمال ومجالس الصدوق: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن محمد ابن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن غياث بن كلوب، عن إسحاق بن عمار، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فان من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة (3). 7 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن المفيد، عن محمد الحسين المقري، عن علي بن محمد، عن علي بن الحسين [عن الحسن بن علي بن يوسف، عن زكريا المؤمن، عن سعيد بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام] يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله حضر شابا عند وفاته فقال له قل لا إله إلا الله قال: فاعتقل لسانه مرارا فقال لامرأة عند رأسه هل لهذا ام ؟ قالت: نعم أنا امه، قال أفساخطة أنت عليه ؟ قالت: نعم ما كلمته منذ ست حجج، قال لها: ارضي عنه ! قالت: رضي الله عنه برضاك يا رسول الله. فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: قل لا إله إلا الله قال فقالها، فقال النبي صلى الله عليه وآله ما ترى ؟ فقال: أرى رجلا أسود قبيح المنظر، وسخ الثياب، منتن الريح، قد وليني

 

(1) الخصال ج 1 ص 90، ورواه في الفقيه ج 4 ص 137، وفيه: كان البراء بن معرور الانصاري بالمدينة وكان رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة وأنه حضره الموت وكان رسول الله صلى الله عليه وآله والمسلمون يصلون إلى بيت المقدس فأوصى البراء بن معرور إذا دفن أن يجعل وجهه تلقاء النبي صلى الله عليه وآله إلى القبلة " الخ، ورواه في العلل ج 1 ص 284، وهكذا في ج 2 ص 253 مع سقط في المتن. (2) الخصال ج 2 ص 142 في حديث. (3) ثواب الاعمال ص 177، أمالى الصدوق ص 323.

 

[233]

الساعة يأخذ بكظمي (1) فقال له النبي صلى الله عليه وآله قل: " يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير اقبل مني اليسير واعف عني الكثير إنك أنت الغفور الرحيم " فقالها الشاب فقال له النبي صلى الله عليه وآله: انظر ما ترى ؟ قال: [أرى رجلا أبيض اللون حسن الوجه طيب الريح حسن الثياب قد وليني وأرى الاسود قد تولى عني قال: أعد ! فأعاد، قال: ما ترى ؟ قال:] لست أرى الاسود وأرى الابيض قد وليني ثم طفى على تلك الحال (2). مجالس المفيد: عن محمد بن الحسين المقري مثله (3). توضيح: في القاموس طفى الرجل مات. 8 - مصباح الانوار: عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن فاطمة بنت رسول الله مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ستين يوما ثم مرضت فاشتدت عليها فكان من دعائها في شكواها " يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث فأغثني، اللهم زحزحني عن النار وأدخلني الجنة وألحقني بأبي محمد " فكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: " يعافيك الله ويبقيك " فتقول: يا أبا الحسن ما أسرع اللحاق بالله، وأوصت بصدقتها ومتاع البيت، وأوصته أن يتزوج أمامة بنت أبي العاص بن الربيع قال: ودفنها ليلا. 9 - فقه الرضا عليه السلام إذا حضرت الميت الوفاة فلقنه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والاقرار بالولاية لامير المؤمنين والائمة عليهم السلام واحدا واحدا، ويستحب أن يلقن كلمات الفرج وهو " لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السموات السبع ورب الارضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ". ولا تحضر الحائض ولا الجنب عند التلقين، فان الملائكة تتأذى بهما، ولا بأس بأن يليا غسله، ويصليا عليه، ولا ينزلا قبره، فان حضرا ولم يجدا من ذلك

 

(1) الكظم - محركة وكقفل - الحلق ومخرج النفس. (2) امالي الطوسى ج 1 ص 62 وما بين العلامتين ساقط من الكمبانى. (3) أمالى المفيد ص 176.

 

[234]

بدا فليخرجا إذا قرب خروج نفسه. وإذا اشتد عليه نزع روحه فحوله إلى المصلى الذي كان يصلي فيه أو عليه، و إياك أن تمسه، وإن وجدته يحرك يديه أو رجليه أو رأسه فلا تمنعه من ذلك كما يفعل جهال الناس، وقال عليه السلام: إذا حضر أحدكم الوفاة فاحضروا عنده بالقرآن وذكر الله والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله (1). بيان: التلقين عند الاحتضار بالعقائد وكلمات الفرج مما ذكره الاصحاب و دلت عليه الاخبار الكثيرة، قوله " كان يصلي فيه " أي البيت الذي كان يصلي فيه. ونحوه " أو عليه " أي المصلى الذي كان يصلي عليه، وهذا أيضا ذكره الاصحاب، وحكم الاكثر باستحبابه مطلقا والاخبار مقيدة بما إذا اشتد عليه النزع، وظاهر الرواية التخيير بين النقل إلى البيت أو الثوب، وابن حمزة جمع بينهما وظاهر الاكثر البيت. والنهي عن المس ورد في الخبر وذكره الشهيد في الذكرى، وكذا النهي عن المنع من تحريك يديه أو رجليه أو رأسه ذكره الصدوق والشهيد، وكذا ذكر الاصحاب استحباب قراءة القرآن والدعاء عنده، قبل خروج روحه وبعده. 10 - مجالس الصدوق: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد، عن أحمد بن النضر الخزاز، عن عمرو بن شمر، عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان غلام من اليهود يأتي النبي صلى الله عليه وآله كثيرا حتى استخفه وربما أرسله في حاجة، وربما كتب له الكتاب إلى قوم، فافتقده أياما فسأل عنه فقال له قائل: تركته في آخر يوم من أيام الدنيا، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله في ناس من أصحابه وكان عليه السلام بركة لا يكاد يكلم أحدا إلا أجابه، فقال: يا فلان ! ففتح عينيه، وقال: لبيك يا أبا القاسم ! قال: اشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فنظر الغلام إلى أبيه فلم يقل له شيئا ثم ناداه رسول الله صلى الله عليه وآله الثانية وقال له مثل قوله الاول فالتفت الغلام إلى أبيه فلم يقل له شيئا ثم ناداه رسول الله صلى الله عليه وآله الثالثة،

 

(1) فقه الرضا ص 17.

 

[235]

فالتفت الغلام إلى أبيه فقال أبوه: إن شئت فقل، وإن شئت فلا، فقال الغلام: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك محمد رسول الله، ومات مكانه. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لابيه: اخرج عنا ثم قال عليه السلام لاصحابه: غسلوه وكفنوه وأتوني به اصلي عليه ثم خرج وهو يقول: الحمد لله الذي أنجى بي اليوم نسمة من النار (1). بيان: حتى استخفه أي وجده خفيفا سريعا في الاعمال. 11 - العيون: عن محمد بن القاسم المفسر، عن أحمد بن الحسن الحسيني عن الحسن بن علي العسكري، عن آبائه عليهم السلام قال: سأل الصادق عن بعض أهل مجلسه فقيل: عليل، فقصده عائدا وجلس عند رأسه، فوجده دنفا، فقال: أحسن ظنك بالله، فقال: أما ظني بالله فحسن الحديث (2). بيان: دنف المريض بالكسر أي ثقل، وقال في الذكرى يستحب حسن الظن بالله في كل وقت وآكده عند الموت، ويستحب لمن حضره أمره بحسن ظنه وطمعه في رحمة الله. 12 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن هلال بن محمد الحفار، عن إسماعيل ابن علي الدعبلي، عن محمد بن إبراهيم بن كثير، عن أبي نواس الحسن بن هاني، عن حماد بن سلمة، عن يزيد الرقاشي، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا يموتن أحدكم حتى يحسن ظنه بالله عزوجل فان حسن الظن بالله ثمن الجنة (3). 13 - ثواب الاعمال: عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن الحسن ابن سيف، عن أخيه الحسين، عن أبيه، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله، فانها تهدم الذنوب، فقالوا: يا رسول الله فمن قال في صحته ؟ فقال صلى الله عليه وآله: ذلك أهدم وأهدم

 

(1) أمالى الصدوق ص 239. (2) عيون الاخبار ج 2 ص 3. (3) أمالى الطوسى ج 2 ص 389.

 

[236]

إن لا إله إلا الله انس للمؤمن في حياته، وعند موته، وحين يبعث، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال جبرئيل: يا محمد لو تراهم حين يبعثون هذا مبيض وجهه، وينادي لا إله إلا الله والله أكبر، وهذا مسود وجهه ينادي يا ويلاه يا ثبوراه (1). 14 - المحاسن: عن فضيل بن عثمان رفعه قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من شهد أن لا إله إلا الله عند موته، دخل الجنة، وقال النبي صلى الله عليه وآله: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فانها تهدم الخطايا، قيل: كيف من قالها في حياته ؟ قال: هي أهدم وأهدم (2). 15 - ومنه: عن داود بن سليمان القطاني، عن أحمد بن زياد الباني، عن إسرائيل، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فانها انس للمؤمن حين يمزق قبره، قال لي جبرئيل: يا محمد لو تراهم حين يخرجون من قبورهم، ينفضون التراب عن رؤوسهم، هذا يقول: " لا إله إلا الله والحمد لله " بيض وجهه وهذا يقول: " يا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله " (3). بيان: حين يمزق قبره، على بناء المفعول مخففا ومشددا أي يخرق ليخرج منه عند البعث. 16 - معرفة الرجال للكشي: عن محمد بن مسعود، عن محمد بن يزداد بن المغيرة، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن حريز، عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: لو أدركت عكرمة عند الموت لنفعته، قيل لابي عبد الله عليه السلام: بماذا كان ينفعه ؟ قال: يلقنه ما أنتم عليه، فلم يدركه أبو جعفر عليه السلام ولم ينفعه (4). 17 - ومنه: عن حمدويه، عن أيوب، عن عبد الله بن المغيرة، عن ذريح

 

(1) ثواب الاعمال ص 3. (2 - 3) المحاسن ص 34. (4) رجال الكشى ص 188، الرقم 94.

 

[237]

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ذكر أبو سعيد الخدري فقال: كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان مستقيما قال: فنزع ثلاثة أيام فغسله أهله ثم حملوه إلى مصلاه فمات فيه (1). كتاب محمد بن المثنى: عن جعفر بن محمد بن شريح، عن ذريح مثله. 18 - الكشى: عن محمد بن مسعود، عن الحسين بن اشكيب، عن محسن بن أحمد، عن أبان بن عثمان، عن ليث المرادي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أبا سعيد الخدري كان قد رزق هذا الامر وأنه اشتد نزعه فأمر أهله أن يحملوه إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه، ففعلوا فما لبث أن هلك (2). 19 - ومنه: عن حمدويه، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن عثمان، عن ذريح قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان علي بن الحسين عليهما السلام يقول: إني لاكره للرجل أن يعافى في الدنيا ولا يصيبه شئ من المصائب ثم ذكر أن أبا سعيد الخدري وكان مستقيما نزع ثلاثة أيام، فغسله أهله ثم حملوه إلى مصلاه فمات فيه (3). 20 - طب الائمة: عن الخضر بن محمد، عن العباس بن محمد، عن حماد بن عيسى، عن حريز قال: كنا عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له رجل: إن أخي منذ ثلاثة أيام في النزع، وقد اشتد عليه الامر فادع له، فقال: اللهم سهل عليه سكرات الموت، ثم أمره وقال: حولوا فراشه إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه فانه يخفف عليه، إن كان في أجله تأخير، وإن كانت منيته قد حضرت، فانه يسهل عليه إنشاء الله (4). 21 - ومنه: عن الاحوص بن محمد، عن عبد الرحمن بن أبي نجران، عن حماد بن عيسى، عن حريز بن عبد الله، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا دخلت

 

(1 - 2) رجال الكشى ص 41، الرقم 10. (3) رجال الكشى ص 42. (4) طب الائمة ص 79.

 

[238]

على مريض وهو في النزع الشديد فقل له: ادع بهذا الدعاء يخفف الله عنك " أعوذ بالله العظيم رب العرش الكريم من كل عرق نعار ومن شر حر النار " سبع مرات ثم لقنه كلمات الفرج، ثم حول وجهه إلى مصلاه الذي كان يصلي فيه فانه يخفف عنه، ويسهل أمره باذن الله (1). بيان: قوله: ثم حول وجهه: أقول: ظاهره مناف لاخبار الاستقبال، وأخبار التحويل، إلا أن يقال اريد بالوجه البدن مجازا، ولعله كان " ثم حول وجهه إلى القبلة وحوله إلى مصلاه " ويمكن تقدير ذلك بأن يقال: المراد به حول وجهه إلى القبلة منتقلا إلى مصلاه. 22 - دعوات الراوندي: عن سليمان الجعفري قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام يقول لابنه القاسم: قم يا بني فاقرأ عند رأس أخيك، والصافات صفا، تستتمها فقرأ فلما بلغ " أهم أشد خلقا أم من خلقنا " قضى الفتى، فلما سجي وخرجوا أقبل عليه يعقوب بن جعفر فقال له: كنا نعهد الميت إذا نزل به الموت يقرأ عنده " يس والقرآن الحكيم " فصرت تأمرنا بالصافات ؟ فقال: يا بني لم تقرأ عند مكروب من الموت [قط] إلا عجل الله راحته. توضيح: في القاموس قضى: مات، وقال الجوهري سجيت الميت تسجية إذا مددت عليه ثوبا، وقوله عليه السلام: يا بني على سبيل اللطف إن كان المخاطب يعقوب وإن كان القاسم ففي الحقيقة، والاول أظهر. 23 - اكمال الدين: عن محمد بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أيوب بن نوح ويعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن شعيب، عن أبي كهمس قال: حضرت موت إسماعيل - وأبو عبد الله عليه السلام جالس عنده - فلما حضره الموت شد لحييه وغمضه وغطاه بالملحفة، ثم أمر بتهيئته فلما فرغ من أمره دعا

 

(1) طب الائمة ص 118.

 

[239]

بكفنه، فكتب في حاشية الكفن: إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله (1). بيان: استحباب شد اللحيين وتغميض العينين والتغطية بثوب مقطوع به في كلام الاصحاب، وسيأتي مثل هذا الخبر بسند آخر في باب التكفين. 24 - مجالس المفيد: عن محمد بن عمران المرزباني، عن محمد بن أحمد الحكيمي، عن محمد بن إسحاق الصاغاني، عن سليمان بن أيوب، عن جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس قال: مرض رجل من الانصار فأتاه النبي صلى الله عليه وآله يعوده فوافقه وهو في الموت، فقال: كيف تجدك ؟ قال أجدني أرجو رحمة ربي وأتخوف من ذنوبي، فقال النبي صلى الله عليه وآله ما اجتمعتا في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله رجاءه وآمنه مما يخاف (2). 25 - الهداية: يلقن عند موته كلمات الفرج " لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم، سبحان الله رب السموات السبع ورب الارضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. ولا يجوز أن يحضر الحائض والجنب عند التلقين، لان الملائكة تتأذى بهما، فان حضرا ولم يجدا من ذلك بدا فليخرجا إذا قرب خروج نفسه. وسئل عن الصادق عليه السلام عن توجيه الميت، فقال عليه السلام: يستقبل بباطن قدميه القبله (3). 26 - دعوات الراوندي: قال الصادق عليه السلام من قرأ يس ومات في يومه أدخله الله الجنة، وحضر غسله ثلاثون ألف ملك، يستغفرون له ويشيعونه إلى قبره بالاستغفار له، فإذا ادخل إلى اللحد كانوا في جوف قبره يعبدون الله، وثواب عبادتهم له، وفسح له في قبره مد بصره، واومن ضغطة القبر.

 

(1) اكمال الدين ج 1 ص 161. (2) أمالى المفيد ص 89. (3) الهداية ص 23 ط الاسلامية

 

[240]

وقال النبي صلى الله عليه وآله: يا علي اقرء يس فان في قراءة يس عشر بركات: ما قرأها جائع إلا أشبع، ولا ظامي إلا روي، ولا عار إلا كسي، ولا عزب إلا تزوج، ولا خائف إلا أمن، ولا مريض إلا برئ، ولا محبوس إلا. اخرج، و لا مسافر إلا اعين على سفره، ولا قرءها رجل ضلت له ضالة إلا ردها الله عليه ولا مسجون إلا اخرج، ولا مدين إلا أدى دينه، ولا قرءت عند ميت إلا خفف عنه تلك الساعة. وقال ابن عباس إذا حضر أحدكم الموت فبشروه يلقى ربه وهو حسن الظن بالله، وإذا كان في صحة فخوفوه. وقال النبي صلى الله عليه وآله: إن الله يقبل توبة عبده ما لم يغرغر، توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا، وبادروا بالاعمال الزاكية قبل أن تشغلوا، وصلوا الذي بينكم وبينه بكثرة ذكركم إياه. وقال عليه السلام: كل أحد يموت عطشان إلا ذاكر الله. وعن الصادق عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام إذا حضر من أهل بيته أحدا الموت قال له: " لا إله إلا الله الحليم الكريم لا إله إلا الله العلي العظيم سبحان الله رب السموات السبع ورب الارضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين " فإذا قالها المريض قال: اذهب ليس عليك بأس. وعن أبي بكر الحضرمي قال: مرض رجل من أهل بيتي، فأتيته عائدا له، فقلت له: يا ابن أخ إن لك عندي نصيحة أتقبلها ؟ قال: نعم ؟ فقلت: قل أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فشهد بذلك فقلت [قل: وأن محمدا رسول الله فشهد بذلك، فقلت] له: إن هذا لا تنتفع به إلا أن يكون منك على يقين، فذكر أنه منه على يقين، فقلت قل أشهد أن عليا وصيه، وهو الخليفة من بعده، والامام المفترض الطاعة من بعده، فشهد بذلك فقلت له: إنك لن تنتفع بذلك حتى يكون منك على يقين، ثم سميت الائمة واحدا بعد واحد فأقر بذلك، وذكر أنه منه على يقين، فلم يلبث الرجل


 

[241]

أن توفي فجزع أهله عليه جزعا شديدا. قال: فغبت عنهم ثم أتيتهم بعد ذلك فرأيت عزاء حسنا فقلت كيف تجدونكم ؟ كيف عزاؤك أيتها المرءة ؟ فقالت: والله لقد اصبنا بمصيبة عظيمة بوفاة فلان، وكان مما طيب نفسي لرؤيا رأيتها الليلة، فقلت: كيف ؟ قالت: رأيته وقلت له ما كنت ميتا قال: بلى، ولكن نجوت بكلمات لقننيهن أبو بكر الحضرمي، ولولا ذلك كدت أهلك. وقال النبي صلى الله عليه وآله: نابذوا عند الموت، فقيل: كيف ننابذ ؟ قال: قولوا " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون " إلى آخر السورة. وكان أمير المؤمنين عليه السلام قال عند الوفاة: " تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان " (1) ثم كان يقول لا إله إلا الله حتى توفي. وقال النبي صلى الله عليه وآله: لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فان من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة، قيل: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إن شدائد الموت وسكراته تشغلنا عن ذلك، فنزل في الحال جبرئيل عليه السلام وقال: يا محمد ! قل لهم حتى يقولوا الآن في الصحة: لا إله إلا الله عدة للموت أو كما قال. وكان زين العابدين عليه السلام يقول عند الموت: " اللهم ارحمني فانك كريم اللهم ارحمني فانك رحيم " فلم يزل يرددها حتى توفي صلوات الله عليه. وكان عند رسول الله قدح فيه ماء وهو في الموت ويدخل يده في القدح و يمسح وجهه بالماء ويقول: " اللهم أعني على سكرات الموت ". وروي أنه تقرء عند المريض والميت آية الكرسي وتقول: " اللهم أخرجه إلى رضى منك ورضوان اللهم اغفر له ذنبه، جل ثناء وجهك " ثم تقرء آية السخرة " إن ربكم الله الذي خلق السموات " (2) الخ ثم تقرء ثلاث آيات من من آخر البقرة " لله ما في السموات والارض " ثم يقرء سورة الاحزاب.

 

(1) المائدة: 2. (2) الاعراف ص 54

 

[242]

ايضاح: " قوله عليه السلام: " عشر بركات " أقول: ما ذكره اثنى عشر، و لعل تكرار المحبوس والمسجون للتأكيد، فهما يعدان بواحد إن لم يكن التكرار من النساخ أو الرواة، والقراءة عند الميت ليست من تلك العشر فانه صلى الله عليه وآله كان يعد فوائدها للقارئ ويمكن عد الشبع والارتواء واحدا. والغرغرة تردد الروح في الحلق، ذكره الجوهري، وضمير بينه في قوله " بينكم وبينه " راجع إلى الموت، ويحتمل إرجاعه إلى الله. قولها: مما طيب نفسي، في الكافي (2) " مما سخي بنفسي لرؤيا رأيتها الليلة فقلت وما تلك الرؤيا ؟ قالت: رأيت فلانا تعني الميت حيا سليما، فقلت فلان قال نعم، فقلت ما كنت مت فقال: بلى " إلى آخر الخبر فقولها مما سخي على بناء المجهول، لمكان الباء أو على المعلوم بأن تكون الباء زائدة. قوله صلى الله عليه وآله: " نابذوا " المنابذة المكاشفة والمقاتلة، ولعل المراد المكاشفة مع الشيطان أو مع الكافرين باظهار العقايد الحقة والتبرى منهم و من عقائدهم. 27 - عدة الداعي: روي عنهم عليهم السلام ينبغي في حالة المرض خصوصا مرض الموت أن يزيد الرجاء على الخوف. 28 - مصباح الشيخ: روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من لم يحسن الوصية عند موته كان ذلك نقصا في عقله ومروته، قالوا: يا رسول الله وكيف الوصية ؟ قال: إذا حضرته الوفاة، واجتمع الناس عنده قال: " اللهم فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم إني أعهد إليك أني أشهد أن لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأنك تبعث من في القبور، وأن الحساب حق وأن الجنة حق، وما وعد فيها من النعيم من المأكل والمشرب والنكاح حق وأن النار حق


 

[243]

وأن الايمان حق وأن الدين كما وصفت، وأن الاسلام كما شرعت وأن القول كما قلت، وأن القرآن كما أنزلت، وأنك أنت الله الحق المبين. وأني أعهد إليك في دار الدنيا أني رضيت بك ربا وبالاسلام دينا، وبمحمد النبي صلى الله عليه وآله نبيا وبعلي وليا، وبالقرآن كتابا، وأن أهل بيت نبيك عليه و عليهم السلام أئمتي. اللهم أنت ثقتي عند شدتي، ورجائي عند كربتي، وعدتي عند الامور التي تنزل بي وأنت ولي نعمتي، وإلهي وإله آبائي، صل على محمد وآله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا، وآنس في قبري وحشتي، واجعل لي عهدا عندك يوم ألقاك منشورا ". فهذا عهد الميت يوم يوصي بحاجته، والوصية حق على كل مسلم، قال أبو عبد الله عليه السلام وتصديق هذا في سورة مريم قول الله تبارك وتعالى " لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا " وهذا هو العهد. وقال النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام: تعلمها أنت، وعلمها أهل بيتك وشيعتك، قال وقال النبي صلى الله عليه وآله علمنيها جبرئيل عليه السلام (1). 29 - دعائم الاسلام: عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: من الفطرة أن يستقبل بالعليل القبلة إذا احتضر (2). وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: إذا حضرت الرجل المسلم قبل أن يموت فلقنه شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله (3). وعنه عليه السلام أنه قال: يستحب لمن حضر النازع أن يقرء عند رأسه آية الكرسي وآيتين بعدها، ويقرء " إن ربكم الله الذي خلق السموات والارض

 

(1) المصباح ص 11 ورواه القمى في تفسيره ص 415 ولم يخرجه ورواه السيد في فلاح السائل ص 60، وقد أخرجه في كتاب الوصايا ج 103. (2 - 3) دعائم الاسلام ج 1 ص 219.

 

[244]

في ستة أيام " إلى آخر الآية (1) ثم ثلاث آيات من آخر البقرة ثم يقول: " اللهم أخرجها منه إلى رضى منك ورضوان، اللهم لقه البشرى، اللهم اغفر له ذنبه وارحمه " (2). وعنه عليه السلام قال: إن المؤمن إذا حيل بينه وبين الكلام أتاه رسول الله صلى الله عليه وآله فجلس عن يمينه ويأتي علي عليه السلام فجلس عن يساره، فيقول له رسول الله صلى الله عليه وآله: أما ما كنت ترجو فهو أمامك وأما ما كنت تخافه فقد أمنته، ثم يفتح له باب من الجنة فيقال له: هذا منزلك من الجنة، فان شئت رددت إلى الدنيا ولك ذهبها وفضتها، فيقول: لا حاجة لي في الدنيا فعند ذلك يبيض وجهه، ويرشح جبينه وتتقلص شفتاه، وينتشر منخراه، وتدمع عينه اليسرى، فإذا رأيتم ذلك فاكتفوا به، وهو قول الله عزوجل " لهم البشرى في الحيوة الدنيا " (3). بيان: فاكتفوا به أي في الشروع في الاعمال المتعلقة بالاحتضار، أو في العلم بأنه قد حضره النبي والائمة صلوات الله عليهم إن مات بعد ذلك لا العلم بالموت، فانها قد تتخلف عن الموت كثيرا. 30 - دعائم الاسلام: عن علي عليه السلام قال: اتى رسول الله صلى الله عليه وآله فقيل له: يا رسول الله إن عبد الله بن رواحة ثقيل لما به فقام صلى الله عليه وآله وقمنا معه، حتى دخل عليه، فأصابه مغمى عليه لا يعقل شيئا، والنساء يبكين ويصرخن ويصحن، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاث مرات فلم يجبه، فقال: " اللهم هذا عبدك إن كان قد انقضى أجله ورزقه وأثره، فالى جنتك ورحمتك، وان لم ينقض أجله ورزقه وأثره فعجل شفاءه وعافيته ".

 

(1) الاعراف: 54. (2) دعائم الاسلام ج 1 ص 219. (3) دعائم الاسلام ج 1 ص 220 وفيه: " فإذا رأيتها فاكتف بها، وذكر باقى الحديث وقال هو قول الله عزوجل: لهم البشرى، الخ، والحديث بتمامه في الكافي ج 3 ص 129 و 130. (*)

 

[245]

فقال بعض القوم: يا رسول الله صلى الله عليه وآله عجبا لعبد الله بن رواحة وتعرضه في غير موطن للشهادة، فلم يرزقها حتى يقبض على فراشه، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ومن الشهيد من امتي ؟ فقالوا: أليس هو الذي يقتل في سبيل الله مقبلا غير مدبر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن شهداء امتي إذا لقليل، الشهيد الذي ذكرتم، والطعين والمبطون، وصاحب الهدم والغرق، والمرءة تموت جمعا. قالوا: وكيف تموت جمعا يا رسول الله ؟ قال: يعترض ولدها في بطنها. ثم قام رسول الله صلى الله عليه وآله فوجد عبد الله بن رواحة خفة فاخبر النبي صلى الله عليه وآله فوقف فقال: يا عبد الله حدث بما رأيت، فقد رأيت عجبا، فقال: يا رسول الله رأيت ملكا من الملائكة بيده مقمعة من حديد تأجج نارا كلما صرخت صارخة " يا جبلاه " أهوى بها لهامتي، وقال أنت جبلها فأقول لا بل الله، فيكف بعد إهوائها وإذا صرخت صارخة " يا عزاه " أهوى بها لهامتي وقال أنت عزها، فأقول: لا بل الله فكيف بعد إهوائها، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: صدق عبد الله فما بال موتاكم يبتلون بقول أحيائكم (1). بيان: عجز هذا الحديث يخالف بعض اصولنا، وسيأتي عدم تعذيب الميت ببكاء الحي، ولعل الخبر على تقدير صحته محمول على أن الميت كان مستحقا ببعض أعماله لنوع من العذاب، فعذب بهذا الوجه، أو فعل ذلك به لتخفيف سيئاته أو لانه كان آمرا أو راضيا به، ولعل الخبر عامي. وقال في النهاية في حديث الشهداء: والمرءة تموت بجمع أي تموت وفي بطنها ولد، وقيل التي تموت بكرا، والجمع بالضم بمعنى المجموع كالذخر بمعنى المدخور، ويكسر الكسائي الجيم، والمعنى أنها ماتت مع شئ مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة. 31 - مصباح الانوار: عن ابن أبي رافع، عن أبيه، عن امه سلمى قال: اشتكت فاطمة عليها السلام بعدما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله بستة أشهر قالت: فكنت امرضها

 

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 225 و 226.

 

[246]

فقالت لي ذات يوم: اسكبي لي غسلا قالت فسكبت لها غسلا فقامت فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل، ثم قالت: يا سلمى هلمي ثيابي الجدد، فأتيتها بها فلبستها ثم جاءت إلى مكانها الذي كانت تصلي فيه، فقال: قربي فراشي إلى وسط البيت، ففعلت فاضطجعت عليه، ووضعت يدها اليمنى تحت خدها واستقبلت القبلة، وقالت: يا سلمى إني مقبوضة الآن، قالت: وكان علي عليه السلام يرى ذلك من صنيعها فلما سمعها تقول: إني مقبوضة الآن، استبقت عيناه بالدموع، فقالت يا أبا الحسن اصبر ! فان الله مع الصابرين، الله خليفتي عليك، وضمت حسنا وحسينا إليها. قالت سلمى فكأنها كانت نائمة قبضت صلوات الله عليها فأخذ علي في شأنها وأخرجها فدفنها ليلا.


 

[247]

6 - ((باب)) * " (تجهيز الميت وما يتعلق به من الاحكام) " * 1 - العلل: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله عزوجل تطول على عباده بثلاث: ألقى عليهم الريح بعد الروح، ولولا ذلك ما دفن حميم حميما، وألقى عليهم السلوة بعد المصيبة، ولولا ذلك لا انقطع النسل، وألقى على هذه الحبة الدابة ولولا ذلك لكنزتها ملوكهم كما يكنزون الذهب والفضة (1). 2 - الخصال: عن أحمد بن محمد العطار، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عبد الجبار، عن محمد بن إسماعيل، عن ابن أبي عمير مثله (2). بيان: في القاموس سلاه وعنه كدعاه ورضيه سلوا وسلوا نسيه، وأسلاه عنه فتسلى، والاسم السلوة ويضم. 3 - ائعلل: قال أبي في رسالته إلي: لا يترك الميت وحده، فان الشيطان يعبث به في جوفه (3). فقه الرضا عليه السلام: مثله (3). الفقيه: عن الصادق عليه السلام مثله (5). بيان: لا يبعد أن يكون المراد به حال الاحتضار، فالمراد بعبث الشيطان وسوسته وإضلاله، والاصحاب حملوه على ظاهره، ولذا أوردناه في هذا الباب.

 

(1) علل الشرايع ج 1 ص 282. (2) الخصال ج 1 ص 54. (3) علل الشرايع ج 1 ص 290. (4) فقه الرضا ص 17. (5) فقيه من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 86.

 

[248]

4 - الخصال: عن أبيه، عن سعد، عن اليقطيني، عن يونس، عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: خمسة ينتظر بهم إلا أن يتغيروا: الغريق، والمصعوق، والمبطون، والمهدوم، والمدخن (1). الهداية: مرسلا مثله (2). بيان: لا خلاف في استحباب تعجيل تجهيز الميت ودفنه إلا مع الاشتباه، فينتظر به إلى أن يتحقق موته، وما ورد في بعض الاخبار من تحديد التربص باليومين والثلاثة، فهو مبني على الغالب من حصول العلم بعد ذلك، وكذا التغيير الوارد في هذا الخبر إذ يمكن حصول العلم بدون هذه الامور، وإن كان الاحوط عدم الدفن قبل التغير، وحكم في الذكرى بوجوب التربص ثلاثا، إلا أن يعلم حاله قبل ذلك. 5 - العلل: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن عبد الله بن جعفر، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد وابن سنان جميعا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ينبغي لاولياء الميت منكم أن يؤذنوا إخوان الميت بموته، فيشهدون جنازته ويصلون عليه، ويستغفرون له، فيكسب لهم الاجر ويكسب لميته الاستغفار ويكسب هو الاجر فيهم وفيما اكتسب لميته من الاستغفار (3). السرائر: نقلا من كتاب ابن محبوب مثله (4). دعوات الراوندي: عنه عليه السلام مثله. بيان: المشهور استحباب إيذان إخوانه بموته، وقال الشيخ في الخلاف لا نص في النداء وفي المعتبر والتذكرة لا بأس به، وقال الجعفي يكره النعي إلا.

 

(1) الخصال ج 1 ص 144. (2) الهداية: 25. (3) علل الشرايع ج 1 ص 284. (4) السرائر: 474.

 

[249]

أن يرسل صاحب المصيبة إلى من يختص به. 6 - العلل: عن محمد بن موسى، عن علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن ابن محبوب، عن ابن سيابة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا تكتموا موت ميت من المؤمنين مات في غيبته لتعتد زوجته ويقسم ميراثه (1). 7 - فقه الرضا: قال عليه السلام: إن كان الميت مصعوقا أو غريقا أو مدخنا صبرت عليه ثلاثة أيام، إلا أن يتغير قبل ذلك، فان تغير غسلت وحنطت ودفنت (2). وقال عليه السلام: اعلم يرحمك الله أن تجهيز الميت فرض واجب على الحي، عودوا مرضاكم، وشيعوا جنازة موتاكم، فانها من خصال الايمان، وسنة نبيكم تؤجرون على ذلك ثوابا وعظيما (3). وقال عليه السلام: أول من جعل له النعش فاطمة ابنة رسول الله صلوات الله عليها، وعلى أبيها وبعلها وبنيها (4). بيان: المشهور بين الاصحاب وجوب الاحكام المتعلقة بالميت من توجيهه إلى القبله، وتغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه على كل من علم بموته على الكفاية وهل المعتبر في السقوط عن المكلفين العلم بوقوع الفعل على الوجه الشرعي أم يكفي الظن الغالب بذلك، فيه قولان أحوطهما الاول، وان كان القول بسقوطه إذا علم توجه جماعة من المسلمين إلى الاتيان بها، لاسيما مع الوثوق ببعضهم لا يخلو من قوة، واكتفى بعض المتأخرين بشهادة العدلين في السقوط إذا شهدا بأن الافعال قد وقعت.

 

(1) علل الشرايع ج 1 ص 291. (2) فقه الرضا ص 18. (3) فقه الرضا ص 20. (4) فقه الرضا: 21.

 

[250]

8 - العلل: عن علي بن أحمد بن محمد، عن محمد بن أبي عبد الله، عن موسى ابن عمران، عن عمه الحسين بن يزيد، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام لاي علة دفنت فاطمة بالليل ولم تدفن بالنهار ؟ قال: لانها أوصت أن لا يصلي عليها رجال (1). بيان: المراد بالرجال أبو بكر وعمر وأتباعهما، لكونهم قاتليها صلوات الله عليها، ولعنة الله على من ظلمها كما مر مفصلا في كتاب الفتن، وفي بعض النسخ مكان الرجال الرجلان الاعرابيان، وفي بعضها الاعرابيان فقط. 9 - كشف الغمة: عن ابن عباس قال: مرضت فاطمة عليها السلام مرضا شديدا فقالت لاسماء بنت عميس ألا ترين إلى ما بلغت (2) فلا تحمليني على سرير ظاهر، فقالت لا لعمري، ولكن أصنع نعشا كما رأيت يصنع بالحبشة، فقالت: أرينيه فأرسلت إلى جرايد رطبة فقطعت من الاسواق، ثم جعلت على السرير نعشا، وهو أول ما كان النعش فتبسمت وما رأيتها متبسمة إلا يومئذ، حملناها فدفناها ليلا (3). 10 - ومنه: عن أسماء بنت عميس (4) أن فاطمة عليها السلام قالت: إني قد

 

(1) علل الشرائع ج 1 ص 176. (2) ظاهره: ألا ترين إلى ما بلغت من الهزال فلا تحمليني على سرير ظاهر يرانى الناس بهذه الحالة فيشمتوا بى، وهذا المعنى خلاف ما ذكر في الحديث الاتى، مع أنه لا يليق بالسيدة الصديقة سلام الله عليها. (3) كشف الغمة ج 2 ص 67 ط الاسلامية. (4) قد عرفت في ذيل تاريخ الزهراء سيدة نساء العالمين ج 43 ص 182 من هذه الطبعة الحديثة أن اسماء بنت عميس كانت حين وفاة السيدة فاطمة، زوجة لابي بكر وفي حجرها ولدها المرضع محمد بن أبى بكر، فلم تكن في امكانها أن تخدم في بيت فاطمة وعلى تمرضها عامة الليالى والايام، ثم تغسلها ليلا بنفسها وحدها كما في بعض الروايات أو مع علي عليه السلام كما في بعض آخر، ولا لان تقوم نصحا لها في وجه عائشة بل وفى

 

[251]

استقبحت ما يصنع بالنساء إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى، فقلت: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله أنا أصنع لك شيئا رأيته بأرض الحبشة، قالت فدعوت بجريدة

 

وجه أبي بكر زوجها يمنعهما أن يدخلا على السيدة فاطمة، كما وقع في ذيل هذا الحديث نفسه وقد أخرجه المؤلف العلامة في ج 43 ص 189 من تاريخها صلى الله عليه وآله. بل لم تكن ليأذن علي (ع) أن تحضر أسماء في بيته وهي أجنبية منه، لحرمة الاجتماع معها في بيت واحد. كيف بالخلوة معها لتعاونه في غسل السيدة فاطمة عليها السلام. بل ولو لم بكن أسماء أجنبية منه (ع) لكان يحرم عليها الخروج من بيت زوجها أبى بكر والدخول إلى بيت فاطمة والمبيت فيه الا باذن منه. ولو كان أبو بكر هو الذي أمر أسماء أو أذن لها بذلك لكفى به فخرا وشرفا و مكانة له من آل الرسول صلى الله عليه وآله بل ومنة عليهم حديث أخدمهم زوجته المرضعة فأجاز لها أن تدع بيته وتدع ولده الرضيع فتدخل إلى بيت فاطمة تمرضها وتخدمها تؤنسها وتصنع لها النعش سترا لجسدها منه شامتيها وشانئيها ! ! ولكان اذن أبي بكر لزوجته بذلك كالاستعتاب من السيدة فاطمة وقبولها خدمة أسماء والاستيناس بها بحيث توصى لها أن تلى غسلها وكفنها ودفنها كالعتبى والرضا من زوجها أبي بكر حيث قبل هذه المنة منه، ولم تكن لترضى منه أبدا. وكيف أذنت فاطمة البتول أن تخدمها أسماء ويتوهم الناس أنها قد رضيت من أبي بكر وطابت نفسها منه، وهي التي أوصت بأن تدفن سرا لتؤذن بذلك أنها كانت باغضة عليهما. وهكذا ما ورد في تاريخ تزويجها بعلي عليهما السلام من ذكر أسماء بنت عميس ومبيتها ليلة الزفاف في بيت علي عليه السلام لتلى من فاطمة ما تلى الام الشفيقة من بنتها كما وقعت في ج 43 ص 138 نقلا من كتاب كشف الغمة هذا ج 1 ص 494 ط الاسلامية وفيه: أنها كانت أسماء عاهدت خديجة أم السيدة فاطمة عند وفاتها في مكة ان بقيت إلى وقت زفاف الزهراء أن تقوم مقام خديجة في هذا الامر، مع أن أسماء بنت عميس كانت من المهاجرات إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبي طالب قبل وفاة خديجة عليها السلام بسنين، ولم تعد منها حتى عادت مع زوجها جعفر سنة ست من الهجرة بعد

 

[252]

فحنيتها ثم طرحت عليها ثوابا، فقالت فاطمة ما أحسن هذا وأجمله ؟ لا تعرف المرأة من الرجل، فإذا مت فاغسليني أنت، فلما ماتت غسلها علي وأسماء (1) بيان: قال في الذكرى: يستحب حمل النساء في النعش للستر، وقال: النعش لغة السرير عليه الميت، أو السرير، وهنا يراد المظلل عليه. 11 - العلل: عن علي بن أحمد، عن أبي العباس أحمد بن محمد بن يحيى، عن عمرو بن أبي المقدام وزياد بن عبيدالله قالا: أتى رجل أبا عبد الله عليه السلام فقال

 

غزوة خيبر، فلم تكن في مكة لتعاهد خديجة عليها السلام عند رحلتها ولا في المدينة حتى تلى زفاف الزهراء سلام الله عليها. وقد كثر ذكر أسماء بنت عميس هذه في الروايات التي تتعلق بحياة السيدة فاطمة، تارة عند زفافها، وأخرى عند نفاسها بأولادها، واخرى عند تمريضها وتغسيلها وتعبية نعش لها يسترها عن الرائين وكلها مدعومة مزعومة من روايات القصاصين وأساطيرهم، كيف واجماع علماء أهل البيت وشيعتهم قائم على أنها دفنت ليلافى بيتها خفية، بوصية منها ؟ عليها السلام أوصت إلى على ذلك وعهدت إليه. وإذا كانت السيدة المظلومة المضطهدة غسلت في بيتها ليلا اختفاء من الناس وأمرائهم (وقد كانت في بيتها بيت علي عليهما السلام متصلا بمسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ليس لهم باب يمرون منه الا من داخل المسجد) ثم دفنت هناك، لئلا يتمكن الامراء من الصلاة على قبرها فلم تكن حاجة إلى النعش ولا السرير لتحمل عليها، ولا أن تشيع جنازتها بنار ومشعل أو مجمرة وغير ذلك مما نطقت به ألسنة القصاصين. راجع في ذلك كتاب المزارج 100 ص 191 - 197 باب زيارة فاطمة عليها السلام وموضع قبرها، وان شئت راجع التهذيب ج 6 ص 9 ط نجف، عيون الاخبار ج 1 ص 311 ط الاسلامية، قرب الاسناد ص 161 ط حجر، معاني الاخبار ص 267، الكافي ج 4 ص 556، الفقيه ج 2 ص 341 ط نجف، وقد صرح الصدوق في كتبه والشيخ في التهذيب وهكذا استظهر المؤلف العلامة المجلسي في البحار الباب المذكور آنفا أن السيدة فاطمة مدفونة في بيتها. (1) كشف الغمة ج 2 ص 67.

 

[253]

له: يرحمك الله هل شيعت الجنازة بنار ويمشى معها بمجمرة وقنديل أو غير ذلك مما يضاء به ؟ قال: فتغير لون أبي عبد الله عليه السلام من ذلك، ثم ساق الحديث الطويل فيما جرى بين فاطمة والظالمين الملعونين إلى أن قال: فلما نعيت إلى فاطمة عليها السلام نفسها، أرسلت إلى ام أيمن وكانت أوثق نسائها عندها وفي نفسها، فقالت: يا ام أيمن إن نفسي نعيت إلي فادعي لي عليا فدعته لها، فلما دخل عليها قالت له: يا ابن العم اريد أن اوصيك بأشياء فاحفظها علي فقال لها: قولي ما أحببت، قالت له: تزوج فلانة تكون لولدي من بعدي مثلي، واعمل نعشي رأيت الملائكة قد صورته لي (1) فقال لها علي: أريني كيف صورته، فأرته ذلك كما وصف لها، وكما امرت به، ثم قالت فإذا أنا قضيت نحبي فأخرجني من ساعتك أي ساعة كانت من ليل أو نهار، ولا يحضرن من أعداء الله وأعداء رسوله للصلاة علي، قال علي عليه السلام أفعل. فلما قضت نحبها صلى الله عليها وهم في جوف الليل، أخذ علي عليه السلام في جهازها من ساعته كما أوصته، فلما فرغ من جهازها أخرج علي عليه السلام الجنازة وأشعل النار في جريد النخل، ومشى مع الجنازة بالنار، حتى صلى عليها، و دفنها ليلا إلى آخر ما مر في أبواب أحوالها عليها السلام (2). تبيين: يدل على استحباب إتباع الجنازة بالسراج إذا كان بالليل، وربما يوهم جواز استحباب المجمرة أيضا لكنه ليس إلا في كلام السائل، وجوابه عليه السلام مقصور على السراج، قال في الذكرى: يكره الاتباع بنار إجماعا، ولو كان ليلا جاز المصباح، لقول الصادق عليه السلام أن ابنة رسول الله اخرجت ليلا ومعها مصابيح. ويدل على نفي ما ذهب إليه الحسن من العامة من عدم جواز الدفن ليلا

 

(1) قد مر آنفا أن التي وصفت النعش لها (ع) هي أسماء بنت أبي عميس، وبعد ما عرفت أنها دفنت في بيتها، لم يكن لهذا المقال مجال. (2) علل الشرايع ج 1 ص 177 - 180، وقد مر تمامها في ج 43 ص 201 - 206.

 

[254]

وعلى أن ما اشتهر بين الناس من استحباب دفن النساء ليلا لدفن فاطمة عليها السلام ليلا لا أصل له إذ دفنها ليلا كان لفوتها ليلا مع أنها صلوات الله عليها قالت: " فأخرجني من ساعتك أي ساعة كانت من ليل أو نهار " ويظهر من سائر الاخبار أن دفنها ليلا كان لئلا يحضر الملعونان جنازتها، كما أن دفن أمير المؤمنين عليه السلام ليلا كان لاخفاء القبر عن الخوارج، لعنهم الله، مع أن أخبار تعجيل التجهيز شاملة للنساء أيضا. ويدل على استحباب النعش الذي يستر جسد الميت للنساء أو مطلقا وفي النساء آكد، ويدل على أن عمل النعش كان بتعليم الملائكة، والاخبار السابقة عامية، لكن ورد موافقا لها من طريق الخاصة، فيمكن أن يكون أسماء أيضا وافقت الملائكة في ذلك، ويدل على استحباب تعجيل التجهيز. 12 - دعائم الاسلام: عن علي عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: احبسوا الغريق يوما أو ليلة ثم ادفنوه (1). وعن أبي جعفر عليه السلام أنه قال، في الرجل تصيبه الصاعقة قال: لا يدفن دون ثلاث إلا أن يتبين موته ويستيقن (2). وعن علي عليه السلام قال: إذا مات الميت في أول النهار فلا يقيلن إلا في قبره، وإذا مات في آخر النهار فلا يبيتن إلا في قبره (3). 13 - مصباح الانوار: عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: مكثت فاطمة عليها السلام بعد النبي صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوما ثم مرضت فاستأذن عليها أبو بكر وعمر، فلم تأذن لهما فأتيا أمير المؤمنين عليه السلام فكلماه في ذلك فكلمها وكانت لا تعصيه، فأذنت لهما فدخلا، وكلماها فلم ترد عليهما جوابا، وحولت وجهها الكريم عنهما، فخرجا وهما يقولان لعلي: إن حدث بها حدث فلا تفوتنا، فقالت عند خروجهما لعلي عليه السلام: إن لي إليك حاجة، فاحب أن لا تمنعنيها، فقال عليه السلام:

 

(1 - 2) دعائم الاسلام ج 1 ص 229. (3) المصدر ج 1 ص 230.

 

[255]

وما ذاك ؟ فقالت أسألك: أن لا يصلي علي أبو بكر ولا عمر، وماتت من ليلتها، فدفنها قبل الصباح. فجاءا حين أصبحا، فقالا: لا تترك عداوتك يا ابن أبي طالب أبدا، ماتت بنت رسول الله فلم تعلمنا ؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لئن لم ترجعا لافضحنكما ! قالها ثلاثا، فلما قال انصرفوا. 14 - ومنه: عن أبي جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: لما حضرت فاطمة الوفاة كانت قد ذابت من الحزن، وذهب لحمها، فدعت أسماء بنت عميس وقال أبو بصير في حديثه عن أبي جعفر عليه السلام: أنها دعت ام أيمن فقالت: يا ام أيمن اصنعي لي نعشا يواري جسدي، فاني قد ذهب لحمي، فقالت لها: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ألا اريك شيئا يصنع في أرض الحبشة، قالت فاطمة: بلى، فصنعت لها مقدار ذراع من جرايد النخل، وطرحت فوق النعش ثوبا فغطاه، فقالت فاطمة عليها السلام سترتيني سترك الله من النار. قال الفرات بن أحنف في حديثه: قال أبو جعفر عليه السلام: وذلك النعش أول نعش عمل على جنازة امرءة في الاسلام. 15 - ومنه: عن أبي جعفر عليه السلام قال دفن أمير المؤمنين عليه السلام فاطمة بنت محمد صلوات الله عليهم بالبقيع، ورش ماء حول تلك القبور لئلا يعرف القبر، و بلغ أبا بكر وعمر أن عليا دفنها ليلا، فقالا له: فلم لم تعلمنا ؟ قال: كان الليل وكرهت أن اشخصكم، فقال له عمر: ما هذا، ولكن شحناء في صدرك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: أما إذا أبيتما فانها استحلفتني بحق الله وحرمة رسوله وبحقها علي أن لا تشهدا جنازتها. 16 - ومنه: عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قالت: أوصت فاطمة عليها السلام أن لا يصلي عليها أبو بكر ولا عمر، فلما توفيت أتاه العباس فقال: ما تريد أن تصنع ؟ قال أخرجها ليلا، قال: فذكر كلمة خوفه بها العباس منهما، قال: فاخرجها ليلا فدفنها ورش الماء على قبرها، قال: فلما صلى أبو بكر الفجر، التفت


 

[256]

إلى الناس فقال: احضروا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله، فقد توفيت في هذه الليلة، قال: فذهب ليحضرها فإذا علي قد خرج بها ودفنها، ومضى فاستقبل عليا راجعا، فقال له: هذا مثل استيثارك علينا بغسل رسول الله صلى الله عليه وآله وحدك، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هي والله أوصتني أن لا تصليا عليها. 17 - ومنه: عن زيد بن علي أن فاطمة عليها السلام قالت لاسماء بنت عميس: يا ام إني أرى النساء على جنايزهن إذا حملن عليها تشف أكفانهن، وإني أكره ذلك، فذكرت لها أسماء بنت عميس النعش. فقالت: اصنعيه على جنازتي، ففعلت ذلك. 18 - كتاب سليم بن قيس: عن أبان بن أبي عياش عنه، عن سلمان وابن عباس في حديث طويل قالا: فبقيت فاطمة بعد أبيها أربعين ليلة، فلما اشتد بها الامر دعت عليا، وقالت: يا ابن عم ما أراني إلا لما بي، وأنا اوصيك بأن تتزوج بأمامة بنت اختي زينب، تكون لولدي مثلي، وأن تتخذ لي نعشا فاني رأيت الملائكة يصفونه لي، وأن لا يشده أحد من أعداء الله جنازتي ولا دفني ولا الصلاة علي، فدفنها علي عليهما السلام ليلا الخبر (1). 19 - كتاب محمد بن المثنى الحضرمي: عن جعفر بن محمد بن شريح، عن ذريح المحاربي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الجنازة أيؤذن بها ؟ قال: نعم.

 

(1) كتاب سليم بن قيس ص 226.

 

[257]

7 - ((باب)) * " (تشييع الجنازة وسننه وآدابه) " * 1 - مجالس الصدوق: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن الهيثم النهدي عن ابن محبوب، عن داود بن كثير قال: قال الصادق عليه السلام من شيع جنازة مؤمن حتى يدفن في قبره وكل الله عزوجل سبعين ألف ملك من المشيعين يشيعونه ويستغفرون له إذا خرج من قبره (1). 2 - ومنه: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد ابن محمد بن عيسى، عن الحسن بن علي بن فضال، عن علي بن عقبة، عن ميسر قال: سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول: من شيع جنازة امرئ مسلم اعطي يوم القيامة أربع شفاعات، ولم يقل شيئا إلا قال الملك: ولك مثل ذلك (2). بيان: قوله عليه السلام: " أربع شفاعات " أي تقبل شفاعته في أربعة من المذنبين أو في أربع حوايج من حوائجه، قوله عليه السلام: " ولم يقل شيئا " أي من الدعاء للميت بالمغفرة وغيرها إلا دعا له الملك بمثله ودعاؤه لا يرد. 3 - المجالس: عن حمزة العلوي، عن عبد العزيز بن محمد الابهري، عن محمد بن زكريا الجوهري، عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق عليه السلام عن آبائه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الرنة عند المصيبة، ونهى عن النياحة و الاستماع إليها، ونهي عن إتباع النساء الجنايز (3). وقال: ومن صلى على ميت صلى عليه سبعون ألف ملك، وغفر الله له ما تقدم من ذنبه، فان أقام حتى يدفن ويحثي عليه التراب كان له بكل قدم نقلها

 

(1) أمالى الصدوق ص 131. (2) أمالى الصدوق ص 131. (3) أمالى الصدوق ص 254.

 

[258]

قيراط من الاجر، والقيراط مثل جبل احد (1). بيان: المشهور بين الاصحاب كراهة إتباع النساء الجنايز، والاخبار الدالة عليها لا تخلو من ضعف، ووردت أخبار كثيرة بجواز صلاتهن على الجنازة، فان فاطمة صلوات الله عليها صلت على اختها، والقيراط نصف عشر الدينار، والمراد هنا قدر من الثواب، والتشبيه بجبل احد من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس، أي كان ذلك الثواب عظيما ممتازا بالنسبة إلى ساير المثوبات الاخروية كما أن جبل احد مشهور ممتاز في العظمة بين الاجسام المحسوسة في الدنيا، ويحتمل أن يكون المراد أن هذا العمل له هذا الثقل في ميزان عمله إما بناء على تجسم الاعمال كما ذهب إليه بعض، أو تثقيل الدفتر المكتوب فيه العمل بقدر ما يستحقه ذلك العمل من الثواب، كما ذهب إليه آخرون، وقد سبق الكلام فيه. 4 - قرب الاسناد: عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن زياد، عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا دعيتم إلى العرسات فأبطئوا فانها تذكر الدنيا. وإذا دعيتم إلى الجنائز فأسرعوا (2). بيان: يحتمل أن يكون الابطاء والاسراع محمولين على الحقيقة، أو على التجوز كناية عن الاهتمام به وعدمه، قال في الذكرى: لودعي إلى وليمة و جنازة قدم الجنازة لخبر إسماعيل بن أبي زياد، عن الصادق، عن أبيه، عن النبي صلوات الله عليهم معللا بأن الجنازة تذكر الآخرة، والوليمة تذكر الدنيا. 5 - الخصال: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله [البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسين بن عثمان وابن أبي حمزة، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام] قال: قلت له: ما أول ما يتحف به المؤمن ؟ قال: يغفر لمن تبع جنازته (3).

 

(1) أمالى الصدوق ص 259. (2) قرب الاسناد ص 42 ط حجر ص 57 ط نجف. (3) الخصال ج 1 ص 15.

 

[259]

الهداية: مرسلا عنه عليه السلام مثله (1). 6 - وقال: قال عليه السلام: من شيع جنازة مؤمن حط عنه خمس وعشرون كبيرة فان ربعها خرج من الذنوب (2). وروي أن المؤمن ينادي: ألا إن أول حبائك الجنة، وأول حباء من تبعك المغفرة (3). دعوات الراوندي: مثل الخبرين الاخيرين. 7 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن المفيد، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن محمد بن عبد الله الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن شريف بن سابق، عن الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أول عنوان صحيفة المؤمن بعد موته ما يقول الناس فيه: إن خيرا فخيرا، وإن شرا فشرا، وأول تحفة المؤمن أن يغفر الله له ولمن تبع جنازته (4). 8 - ومنه: عن أبيه، عن المفيد، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن عيسى، عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول لخيثمة: يا خيثمة أقرئ موالينا السلام، وأوصهم بتقوى الله العظيم، وأن يشهد أحياؤهم جنايز موتاهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم الخبر (5). 9 - ومنه: عن أبيه، عن محمد بن محمد بن مخلد، عن عمر بن الحسن الشيباني عن موسى بن سهل، عن إسماعيل بن علية، عن ليث بن أبي بردة، عن أبيه قال: مروا بجنازة تمخض كما يمخض الزق: فقال النبي صلى الله عليه وآله: عليكم بالسكينة، عليكم

 

(1 - 3) الهداية: 25. (4) أمالى الطوسى ج 1 ص 45 في حديث. (5) أمالى الطوسى ج 1 ص 135 ومثله في قرب الاسناد ص 16 ط نجف، الكافي ج 2 ص 175 وقد مر في ج 74 ص 343 مع شرح.

 

[260]

بالقصد في المشي بجنايزكم (1). بيان: قال في الذكرى: نقل الشيخ الاجماع على كراهية الاسراع بالجنازة لقول النبي صلى الله عليه وآله: عليكم بالقصد في جنايزكم، لما رأى جنازة تمخض مخضا، وقال ابن عباس في جنازة ميمونة: ارفقوا فانها امكم، ولو خيف على الميت فالاسراع أولى، قال المحقق: أراد الشيخ كراهية ما زاد على المعتاد، وقال الجعفي: السعي بها أفضل، وقال ابن الجنيد: يمشي بها خببا ثم قال السعي العدو والحبب ضرب منه، فهما دالان على السرعة، وروى الصدوق عن الصادق عليه السلام أن الميت إذا كان من أهل الجنة نادى عجلوا بي، وإن كان من أهل النار نادى: ردوني. 10 - قرب الاسناد: عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن جعفر عن أبيه، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا لقيت جنازة مشرك فلا تستقبلها خذ عن يمينها وعن شمالها (2). بيان: يدل على كراهة استقبال جنازة المشرك للعلة التي بها يكره المشي أمام جنازة المخالف، ولم أرمن تعرض له. 11 - الخصال: عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد، عن أحمد بن محمد باسناده رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أميران وليسا بأميرين: ليس لمن تبع جنازة أن يرجع حتى تدفن، أو يؤذن له، ورجل يحج مع امرأة فليس له أن ينفر حتى تقضي نسكها (3). المقنع: مرسلا مثله (4). بيان: " أميران " أي يلزم إطاعتهما وقبول ما يأمران به، وليسا بأميرين [منصوبين من قبل الامام على الخصوص، أو ليسا بأميرين] عامين

 

(1) أمالى الطوسى ج 1 ص 392. (2) قرب الاسناد ص 65 ط حجر، 86 ط نجف. (3) الخصال ج 1 ص 26. (4) المقنع ص 6 ط حجر.

 

[261]

يلزم إطاعتهما في أكثر الامور، وهذا الخبر يدل على زوال الكراهة مع الاذن ولا يدل على عدم استحباب إتمام التشييع بعد الاذن، بل يستحب لما سيأتي ولما رواه الكليني (1) عن العدة، عن سهل، عن ابن محبوب، عن ابن رئاب، عن زرارة قال: كنت مع أبي جعفر عليه السلام في جنازة لبعض قرابته، فلما أن صلى على الميت قال: وليه لابي جعفر عليه السلام: ارجع يا أبا جعفر مأجورا ولا تعنى لانك تضعف عن المشي، فقلت أنا لابي جعفر عليه السلام: قد أذن لك في الرجوع فارجع، ولي حاجة اريد أن أسألك عنها، فقال لي أبو جعفر عليه السلام: إنما هو فضل وأجر فبقدر ما يمشي مع الجنازة يؤجر الذي يتبعها، فأما باذنه، فليس باذنه جئنا ولا باذنه نرجع. 12 - الخصال: عن محمد بن أحمد السناني، عن أحمد بن يحيى بن زكريا عن بكر بن عبد الله بن حبيب، عن تميم به بهلول، عن أبيه، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ثلاثة لا يدرى أيهم أعظم جرما: الذي يمشي خلف جنازة في مصيبة غيره بغير رداء، أو الذي يضرب يده على فخذه عند المصيبة أو الذي يقول: ارفقوا به وترحموا عليه يرحمكم الله (2). 13 - ومنه: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثلاثة ما أدري أيهم أعظم جرما الذي يمشي مع الجنازة بغير رداء أو الذي يقول ارفقوا به، أو الذي يقول: استغفروا له غفر الله لكم (3). بيان: قوله: " مع الجنازة " أي مع عدم كونه صاحب المصيبة كما مر في الخبر الاول، وهو أما مكروه أو حرام كما سيأتي، وأما قوله " ارفقوا به " فلتضمنه تحقير الميت وإهانته، وفي التهذيب (4) أو الذي يقول: قفوا. ولعله

 

(1) الكافي ج 3 ص 171. (2 - 3) الخصال ج 1 ص 90. (4) التهذيب ج 1 ص 131.

 

[262]

تصحيف وعلى تقديره الذم لمنافاته لتعجيل التجهيز، أو يكون الوقوف لانشاد المراثي وذكر أحوال الميت، كما هو الشايع، وهو مناف للتعزي والصبر، والفقرة الثالثة أيضا لاشعارها بكونه مذنبا وينبغي أن يذكر الموتى بخير، ويمكن أن تحمل الفقرتان معا على ما إذا كان غرض القائل التحقير والاشعار بالذنب، و يحتمل أن يكون الضميران في الاخيرتين راجعين إلى الذي يمشي بغير رداء أي هو بسبب هذا التصنع لا يستحق أن يؤمر بالرفق به ولا الاستغفار له. وقال العلامة قدس سره في المنتهى: كره أن يقال: قفوا واستغفروا له غفر الله لكم، لانه خلاف المنقول، بل ينبغي أن يقال ما نقل من أهل البيت عليهم السلام، و قال في المعتبر: قال علي بن بابويه: إياك أن تقول: ارفقوا به، وترحموا عليه، أو تضرب يدك على فخذك فيحبط أجرك، فقال المحقق وبه رواية نادرة ولا بأس بمتابعته تفصيا عن المكروه انتهى. 14 - فقه الرضا قال عليه السلام: إذا حضرت جنازة فامش خلفها، ولا تمش أمامها، وإنما يؤجر من تبعها لا من تبعته. وقد روى أبي عن أبي عبد الله عليه السلام أن المؤمن إذا أدخل قبره ينادى ألا إن أول حبائك الجنة وأول حباء من تبعك المغفرة. وقال: اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم فانه من عمل المجوس، وأفضل المشي في إتباع الجنازة ما بين جنبي الجنازة، وهو مشي الكرام الكاتبين (1). وقال في موضع آخر: ثم احمله على سريره وإياك أن تقول ارفقوا به، وترحموا عليه (2). وقال عليه السلام: إذا رأيت الجنازة فقل الله أكبر، الله أكبر، هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، كل نفس ذائقة الموت، هذا سبيل لابد منه إنا لله وإنا إليه راجعون، تسليما لامره، ورضى بقضائه، واحتسابا لحكمه،

 

(1) فقه الرضا ص 18. (2) فقه الرضا ص 17.

 

[263]

وصبرا لما قد جرى علينا من حكمه، اللهم اجعله لنا خير غائب ننتظره (1). بيان: الحباء بكسر الحاء المهملة ممدودا العطاء بلا جزاء ولا من، قوله عليه السلام " ما بين جنبي الجنازة " أي عن يمينها وشمالها، كما رواه في الكافي (2) عن سدير عن أبي جعفر عليه السلام قال، من أحب أن يمشي ممشى الكرام الكاتبين فليمش جنبي السرير، والكرام الكاتبون الملائكة الكاتبون للاعمال فانهم في تلك الحال أيضا ملازمون لجنبي الميت كما كانوا كذلك في حياته، كما يفهم من هذا الخبر، ويدل على رجحان المشي جنبي السرير. 15 - ثواب الاعمال: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن سعدان بن مسلم، عن سليمان بن صالح، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أخذ بقائمة السرير غفر الله له خمسا وعشرين كبيرة، فإذا ربع خرج من الذنوب (3). 16 - ومنه: عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن ابن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: فيما ناجى به موسى ربه أن قال: يا رب ما لمن شيع جنازة ؟ قال: اوكل به ملائكتي، معهم رايات يشيعونهم من قبورهم إلى محشرهم (4). 17 - المقنع: إذا حضرت جنازة فامش خلفها، ولا تمش أمامها، فانما يؤجر من يتبعها لا من تبعته، فانه روي: اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم، فانه من عمل المجوس، وروي إذا كان الميت مؤمنا فلا بأس أن يمشي قدام جنازته، فان الرحمة تستقبله، والكافر لا يتقدم جنازته، فان اللعنة تستقبله (5).

 

(1) فقه الرضا ص 19. (2) الكافي ج 3 ص 170. (3) ثواب الاعمال: 176 (4) ثواب الاعمال: 178. (5) المقنع ص 6.

 

[264]

18 - تنبيه الخاطر: للورام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: من ضحك على جنازة أهانه الله يوم القيامة على رؤوس الاشهاد، ولا يستجاب دعاؤه، ومن ضحك في المقبرة رجع وعليه من الوزر مثل جبل احد، ومن ترحم عليهم نجا من النار (1). 19 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن محمد بن محمد بن مخلد " عن عمر ابن الحسين بن علي بن مالك، عن إسماعيل بن علية، عن ليث بن أبي بردة، عن أبي موسى، عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وآله عليكم بالسكينة، عليكم بالقصد في المشي بجنازتكم (2). 20 - مجالس الشيخ: عن الحسين بن عبيدالله، عن هارون بن موسى، عن الحكيمي، عن سفيان بن زياد، عن عباد بن صهيب، عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام عن ابن الحنفية، عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله خرج فرأى نسوة قعودا، فقال: ما أقعدكن ههنا ؟ قلن: لجنازة، قال أفتحملن مع من يحمل ؟ قلن: لا، قال: أتغسلن مع من يغسل ؟ قلن: لا، قال: أفتدلين فيمن يدلي ؟ قلن: لا، قال فارجعن مأزورات غير مأجورات (3). غرر الدرر: للسيد حيدر مرسلا مثله. توضيح: قال الجزري: ارجعن مأجورات غير مأزورات، أي غير آثمات وقياسه موزورات، يقال: وزر فهو موزور، وإنما قال: مأزورات للازدواج بمأجورات. 21 - مجالس المفيد: عن أحمد بن محمد، عن أبيه محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن علي ابن حديد، عن مرازم قال: قال أبو عبد الله جعفر بن محمد صلوات الله عليهم: عليكم

 

(1) تنبيه الخاطر: (2) هكذا أخرجه في الوسائل الباب 64 من أبواب الدفن، ولا يوجد الحديث في المصدر نعم قد مر تحت الرقم 9 مثله بتفاوت. (3) أمالى الطوسى ج 2 ص 261.

 

[265]

بالصلاة في المساجد، وحسن الجوار للناس، وإقامة الشهادة، وحضور الجنايز إنه لابد لكم من الناس، إن أحدا لا يستغني عن الناس بجنازته فأما نحن نأتي جنايزهم، وإنما ينبغي لكم أن تصنعوا مثل ما يصنع من تأتمون به، والناس لابد لبعضهم من بعض، ما داموا على هذه الحال حتى يكون ذلك، ثم ينقطع كل قوم إلى أهل أهوائهم، ثم قال: عليكم بحسن الصلاة، واعملوا لآخرتكم، واختاروا لانفسكم، فان الرجل قد يكون كيسا في أمر الدنيا فيقال: ما أكيس فلانا ؟ إنما الكيس كيس الآخرة (1). بيان: حتى يكون ذلك، أي ظهور دولة الحق وقيام القائم عليه السلام. 22 - نوادر الراوندي: عن عبد الواحد بن إسماعيل، عن محمد بن الحسن البكري، عن سهل بن أحمد الديباجي، عن محمد بن محمد بن الاشعث، عن موسى ابن إسماعيل، عن أبيه، عن جده موسى بن جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: سر سنتين بر والديك، سر سنة صل رحمك، سر ميلا عد مريضا، سر ميلين شيع جنازة. الخبر (2). 23 - دعوات الراوندي: قال النبي صلى الله عليه وآله: خصال ست ما من مسلم يموت في واحدة منهن إلا كان ضامنا على الله أن يدخله الجنة: رجل خرج مجاهدا، فان مات في وجهه ذلك كان ضامنا على الله عزوجل، رجل تبع جنازة فان مات في وجهه كان ضامنا على الله، ورجل توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى مسجد للصلاة، فان مات في وجهه كان ضامنا على الله، ورجل نيته أن لا يغتاب مسلما فان مات على ذلك كان ضامنا على الله. بيان: سقط من الخبر إثنان، ولعل أحدهما من عاد مريضا لانه أورده في سياق أخباره، والضمير في " كان " راجع إلى النبي صلى الله عليه وآله [ولعله صلى الله عليه وآله] قال: كنت، فغير الراوندي أو غيره.

 

(1) أمالى المفيد ص 118. (2) نوادر الراوندي ص 5.

 

[266]

24 - الدعوات: قال الصادق عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عودوا المرضى، واتبعوا الجنايز يذكركم الآخرة. وكان النبي صلى الله عليه وآله إذا تبع جنازة غلبته كآبة، وأكثر حديث النفس، و أقل الكلام. وعن الصادق عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: من استقبل جنازة أو رآها فقال " الله أكبر، هذا ما وعدنا الله ورسوله، وصدق الله ورسوله اللهم زدنا إيمانا و تسليما الحمد لله الذي تعزر بالقدرة، وقهر العباد بالموت " لم يبق في السماء ملك إلا بكى رحمة لصوته. وكان زين العابدين عليه السلام إذا رأى جنازة يقول: " الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم ". بيان: تعزز أي صار عزيزا غالبا بالقدرة الكاملة، أو أظهر عزته بقدرته الجليلة، بايجاده الاشياء وإفنائها، وإحياء الناس وإماتتهم، والسواد يطلق على الشخص وعلى القرية، والمخترم: الهالك والمستأصل، والظاهر أن المراد هنا الجنس أي لم يجعلني من الجماعة الهالكين، فيكون شكرا لنعمة الحياة، ولا ينافي حب لقاء الله، فان معناه حب الموت وعدم الامتناع منه على تقدير رضا الله به فلا ينافي لزوم شكر نعمة الحياة والرضا بقضاء الله في ذلك وقيل حب لقاء الله إنما يكون عند معاينة منزلته في الجنة كما ورد في الخبر. أو المراد بالمخترم الهالك بالهلاك المعنوي إما لان غالب أهل زمانه عليه السلام كانوا منافقين، فلما رأى جنازتهم وعلم ما أصابهم من العذاب شكر الله على نعمة الهداية، أو لان عند معاينة الموتى ينبغي تذكر أحوال الآخرة، فينبغي الشكر على ما هو العمدة في تحصيل السعادات الاخروية، أعني الايمان، وعلى الاخير لا يختص بمشاهدة جنازة المنافق، وإن كان المراد بالسواد القرية، كان المراد بها القرية الهالكة أهلها بالهلاك المعنوي أي جعلني في بلاد المسلمين. ويمكن أن يراد بالسواد عامة الناس، كما هو أحد معانيه اللغوية، فالمعنى


 

[267]

لم يجعلني من عامة الناس الذين يموتون على غير بصيرة ولا استعداد للموت، قال في الذكرى: السواد الشخص، والمخترم الهالك أو المستأصل، والمراد هنا الجنس، ومنه قولهم السواد الاعظم أي لم يجعلني من هذا القبيل. ولا ينافي هذا حب لقاء الله لانه غير مقيد بوقت فيحمل على حال الاحتضار ومعاينة ما يحب، كما روينا عن الصادق عليه السلام ورووه في الصحاح، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، فقيل له صلى الله عليه وآله إنا لنكره الموت ؟ فقال: ليس ذلك، ولكن المؤمن إذا حضره الموت بشر برضوان الله وكرامته، فليس شئ أحب إليه مما أمامه، فأحب لقاء الله وأحب الله لقاءه، وإن الكافر إذا حضره الموت بشر بعذاب الله، فليس شئ أكره إليه مما أمامه، كره لقاء الله فكره الله لقاءه، وبقية عمر المؤمن نفيسة. ويجوز أن يكنى بالمخترم عن الكافر لانه الهالك على الاطلاق، بخلاف المؤمن، أو يراد بالمخترم من مات دون أربعين سنة، وإذا اريد به المستأصل فالجمع أظهر. 25 - الدعوات: عن الصادق عليه السلام: يقول من يحمل الجنازة: بسم الله صلى الله على محمد وآل محمد، اللهم اغفر لي وللمؤمنين. وقال النبي صلى الله عليه وآله: شارب الخمر إن مرض فلا تعودوه، وإن شهد فلا تقبلوه وإن ذكر فلاتز كوه، وإن خطب فلاتزو جوه، وإن حدث فلا تصد قوه، وإن مات في تشهدوه. بيان: لعل كراهة الشهود مختص بما إذا شهد جماعة وسقط عنه الوجوب إذ يجب الصلاة على المسلم وإن كان فاسقا. 26 - الداعوت: سئل النبي صلى الله عليه وآله عن رجل يدعى إلى وليمة وإلى جنازة فأيهما أفضل وأيهما يجيب ؟ قال: يجيب الجنازة فانها تذكر الاخرة، وليدع الوليمة، فانها تذكر الدنيا الفانية.


 

[268]

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: من تبع جنازة كتب له أربع قراريط قيراط باتباعه إياها، وقيراط بالصلاة عليها، وقيراط بالانتظار حتى يفرغ من دفنها، وقيراط للتعزية. وقال أبو جعفر عليه السلام: القيراط مثل جبل احد. 27 - نهج: قال أمير المؤمنين عليه السلام: وقد تبع جنازة فسمع رجلا يضحك فقال عليه السلام: كأن الموت فيها على غيرنا كتب وكأن الحق فيها على غيرنا وجب وكأن الذي نرى من الاموات سفر عما قليل إلينا راجعون، نبوئهم أجداثهم، ونأكل تراثهم كأنا مخلدون بعدهم، قد نسينا كل واعظ وواعظة، ورمينا بكل جائحة (1). طوبى لمن ذل في نفسه، وطاب كسبه، وصلحت سريرته، وحسنت خليقته وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من لسانه، وعزل عن الناس شره، ووسعته السنة ولم ينسب إلى بدعة. قال السيد: ومن الناس من ينسب هذا الكلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله (2). أقول: ورواه الكراجكي في كنز الفوائد عن النبي صلى الله عليه وآله وزاد بعد قوله كل جائحة " طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب غيره، وأنفق ما اكتسب في غير معصية ورحم أهل الضعف والمسكنة، وخالط أهل العفة والحكمة ". بيان قوله عليه السلام: " كأن الموت فيها " أي في الدنيا، والحق أوامر الله ونواهيه، أو الموت، والسفر بالفتح جمع مسافر، والاجداث القبور، والتراث ما يخلفه الرجل لورثته " كل واعظ وواعظة " أي كل أمر وخصلة يوجب العبرة والاتعاظ، وقوله: ورمينا يحتمل الحالية، وقال في النهاية: الجائحة هي الافة التي تهلك الثمار والاموال، وتستأصلها وكل مصيبة عظيمة وفتنة مبيرة جائحة.

 

(1) نهج البلاغة تحت الرقم 122 من قسم الحكم. (2) نهج البلاغة تحت الرقم 123 من قسم الحكم وظاهر نسخة المؤلف العلامة المجلسي أنهما كلام واحد.

 

[269]

28 - المحاسن: عن أبيه، عن محسن بن أحمد، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: وضع رسول الله صلى الله عليه وآله رداءه في جنازة سعد بن معاذ رحمه الله فسئل عن ذلك، فقال: إني رأيت الملائكة قد وضعت أرديتها فوضعت ردائي (1). 29 - مجالس الصدوق: عن الحسن بن علي بن شقير، عن يعقوب بن الحارث عن إبراهيم الهمداني، عن جعفر بن محمد بن يونس، عن علي بن بزرج، عن عمرو ابن اليسع، عن عبد الله بن اليسع، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله أمر بغسل سعد بن معاذ حين مات، ثم تبعه بلا حذاء ولا رداء، فسئل عن ذلك فقال: إن الملائكة كانت بلا حذاء ولارداء فتأسيت بها (2). 30 - اكمال الدين: عن محمد بن الحسن، عن الحسين بن الحسن بن أبان عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد، عن الحسين بن عمر، عن رجل من بني هاشم قال: لما مات إسماعيل بن أبي عبد الله عليه السلام خرج أبو عبد الله عليه السلام بلا حذاء ولارداء (3). 31 - المحاسن: عن أبيه، عن سعدان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ينبغي لصاحب الجنازة أن يلقي رداءه، حتى يعرف، وينبغي لجيرانه أن يطعموا عنه ثلاثة أيام (4). بيان: تدل هذه الاخبار على أنه يستحب لصاحب المصيبة أن يكون بلا رداء بل بلا حذاء ليعرف (5) وأما ترك الرداء لغير صاحب الجنازة فالمشهور الكراهة.

 

(1) المحاسن ص 301 مع اختلاف. (2) أمالى الصدوق ص 231 في ضمن حديث، ورواه في العلل ج 1 ص 292، أيضا. (3) اكمال الدين ج 1 ص 161. (4) المحاسن ص 419. (5) كان الناس في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وما بعده إلى زمن طويل يلبسون الشملة من دون خياطة، فكانوا يأتزرون بشملة ويسمونها المئزر والازار، ويرتدون باخرى و يسمونها الرداء لكونها ساترا للردء، وقد ورد في لباسه صلى الله عليه وآله أنه كان

 

[270]

 

 

عليه ازار ورداء، وورد في النهج أنه عليه السلام قال: " ألا وان امامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه " وهكذا ورد عن أبي ذرأنه قال: " جزى الله الدنيا عنى مذمة بعد رغيفين من الشعير أتغدى بأحدهما وأتعشى بالاخر وبعد شملتي صوف أتزر باحداهما وأرتدى بالاخرى "، وقد كانوا يلبسون الشملة الواسعة شملة الصماء، ويسمون هذه الشملة بالريطة. أما الازار، فكانوا لا يضعونه في بيوتهم سترا للعورة، وأما الرداء، فأكثر ما كانوا يلبسونه للحشمة خارج الدار وفي الاندية، وأما داخل البيوت فقد يضعونه وقد لا يضعونه وهذا الرداء هو الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وآله عند تشييعه جنازة سعد بن معاذ فصار سنة من بعده، لا الكساء الذي يلبسه الناس في أيامنا هذه فوق الاقبية والسترة. ولما كان الناس ملتزمون بالارتداء خارج البيوت الا من أعوزه من المساكين، كان وضعه في تشييع الجنازة علامة لكونه صاحب المصيبة، لدلالته على ذهاب حشمته، ومثله وضع الحذاء والخروج حافيا. وقد كان الناس في زمان الصادق عليه السلام على تلك السنة والسيرة في لبس الرداء والازار غالبا، ولذلك صنع الصادق عليه السلام في وفات اسماعيل ابنه كما صنع رسول الله في فوت سعد بن معاذ، وأما بعد ذلك، فالمصرح به في رواياتنا (كما في الكافي ج 1 ص 326 اعلام الورى ص 351، الارشاد للمفيد 316) أن أبا محمد العسكري قد شق جيبه في فوت أخيه محمد بن على، وهكذا في وفات أبيه أبى الحسن صاحب العسكر عليه السلام (كما جاء في رجال الكشى ص 479 و 480). فما نقل عن ابن الجنيد بأنه يطرح بعض زيه بارسال طرف العمامة أو أخذ مئزر فوقها على الاب والاخ، فلعل الاختصاص بالاب والاخ لاجل ما ورد عن أبي محمد عليه السلام في أبيه وأخيه، وأما أخذ مئزر فوق العمامة فالظاهر من زمانه وهو القرن الرابع للهجرة ترك الازار والرداء - ولبس السراويل والاقمصة والاقبية كما في زماننا هذا - واختصاصهما بلباس الاحرام - ولبس العمائم في الحضر والسفر بعدما كان في صدر الاسلام مختصا

 

[271]

ويظهر من ابن حمزة تحريمه كما نسب إليه في الذكرى، وقال: أما صاحب الجنازة فيخلعه ليتميز عن غيره، ذكره الجعفي وابن حمزة والفاضلان، وذكر ابن الجنيد أيضا التمييز بطرح بعض زيه بارسال طرف العمامة أو أخذ مئزر من فوقها على الاب والاخ، ولا يجوز على غيرهما، وابن حمزة منع هنا مع تجويزه الامتياز، فكأنه يخص التمييز في غير الاب والاخ بهذا النوع من الامتياز، وأنكر ابن إدريس الامتياز بهذين لعدم الدليل عليهما، وزعم أنه من خصوصيات الشيخ (1) ورده الفاضلان بأحاديث الامتياز، وظاهر أن الاخبار لا تتناوله، ثم لم نقف على دليل الشيخ عليه ولا على اختصاص الاب والاخ (2) وقال أبو الصلاح: يتحفى ويحل أزراره في جنازة أبيه وجده خاصة ويرده ما تقدم انتهى. وما فعله النبي صلى الله عليه وآله من خصائص تلك الواقعة، والخصوصية ظاهرة فيها فلا يتأسى فيه، وما ذكره الاصحاب من الامتياز بالرداء إذا لم يكن مع غيره

 

بحال السفر وفي الغزوات شعارا للابطال الباسلين، ومنه قول سحيم: أنا ابن جلا وطلاع الثنايا * متى أضع العمامة تعرفوني ففي مثل ذاك الزمان ويشبهه زماننا هذا من حيث ترك الرداء والازار، لا بأس بالامتياز بأى وجه تداوله أبناء العصر وعقلاء القوم والملة، وذلك لان من ترك الرداء والازار رأسا ولبس القباء والكساء والعمامة، قد خرج عن مورد السنة خروجا موضوعيا ولا معنى للحكم عليه بوضع الرداء علامة لذهاب الحشمة، وهذا هو الوجه في قول سائر الاصحاب بمطلق الامتياز، ولو كان بلبس الرداء - يعنون الكساء - إذا لم يكن مع غيره رداء كما سيأتي ذكره. (1) لعله يعنى بالشيخ ابن الجنيد الاسكافي، ويكون المراد بقوله " لعدم الدليل عليهما " عدم الدليل على " ارسال طرف العمامة أو أخذ مئزر من فوقها " والا فدليل الامتياز بوضع الرداء والحذاء موجود، وقد روى شطر منها في التهذيب. (2) قد عرفت وجه الاختصاص وأنه هو الاقتداء بأبى محمد العسكري عليه السلام في وفاة أخيه محمد ورحلة أبيه الهادى عليهما السلام.

 

[272]

رداء (1) أو بعلامات اخر كما مر فللتعليل الوارد في خبر ابن أبي عمير (2) عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ينبغي لصاحب المصيبة أن يضع رداءه حتى يعلم الناس أنه صاحب المصيبة، ولما رواه أبو بصير (3) عن أبي عبيدالله عليه السلام قال: ينبغي لصاحب المصيبة أن لا يلبس رداءه وأن يكون في قميص حتى يعرف. 32 - قرب الاسناد: عن الحسن بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام أن الحسن بن علي عليهما السلام كان جالسا ومعه أصحاب له فمر بجنازة فقام بعض القوم ولم يقم الحسن، فلما مضوا بها قال بعضهم: ألا قمت عافاك الله، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقوم للجنازة إذا مروا بها، فقال الحسن: إنما قام رسول الله صلى الله عليه وآله مرة واحدة، وذاك أنه مر بجنازة يهودي وكان المكان ضيقا، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وكره أن تعلو رأسه (4). بيان: رواه في الكافي بسند فيه ضعف بسهل (5) بن زياد، عن مثنى الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام وذكر الحسين مكان الحسن، وروى في الصحيح (6) عن زرارة أن أبا جعفر عليه السلام لم يقم للجنازة، وقال: لا قام لها أحد منا، ويدل الصحيح على عدم استحباب القيام عند مرور الجنازة مطلقا، وهذا الخبر على عدم استحبابه عند مرور جنازة المسلم، واستحبابه عند مرور جنازة اليهودي أو مطلق الكافر،

 

(1) هذا إذا كان المراد بالرداء: الكساء المتداول في زماننا هذا، فان لابسه خارج عن السنة موضوعا، وأما إذا كان بمعنى الرداء المقابل للازار، كما في لباسى الاحرام ففيه أخذ خلاف السنة سنة، مع ما ورد من النهى عن ذلك في أخبار كما مر. (2) التهذيب ج 1 ص 131، الكافي ج 3 ص 204. (3) الكافي ج 3 ص 204، الفقيه ج 1 ص 111 ط نجف، التهذيب ج 1 ص 130 علل الشرايع ج 1 ص 289. (4) قرب الاسناد ص 42 ط حجر ص 58 ط نجف. (5) الكافي ج 3 ص 192. (6) الكافي ج 3 ص 191.

 

[273]

لاشتراك العلة، مع إشرافها وضيق الطريق، والمشهور بين أصحابنا عدم استحباب القيام مطلقا. وهو المشهور بين المخالفين أيضا وذهب بعضهم إلى الوجوب، وبعضهم إلى الاستحباب، واختلفت أخبارهم في ذلك، قال الابي في شرح صحيح مسلم: قال النبي صلى الله عليه وآله: إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم أو توضع وفي رواية إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تخلفه وفي رواية إذا تبعتم جنازة فلا تجلسوا حتى توضع، وفي رواية إذا رأيتم الجنازة فقوموا فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع، وفي رواية أنه صلى الله عليه وآله وأصحابه قاموا لجنازة، فقالوا: يا رسول الله صلى الله عليه وآله إنها يهودية، فقال: إن الموت فزع، إذا رأيتم الجنازة فقوموا وفي رواية قام النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه لجنازة يهودي حتى توارت، و في رواية قيل إنه يهودي فقال أليست نفسا ؟ وفي رواية علي عليه السلام قام رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قعد، وفي رواية رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله قام فقمنا، وقعد فقعدنا (1). قال القاضي: اختلف الناس في هذه المسألة، فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي: القيام منسوخ، وقال أحمد وإسحاق وابن حبيب وابن الماجشون المالكيان: هو مخير ثم قال: والمشهور من مذهبنا أن القيام ليس مستحبا، وقالوا: هو منسوخ بحديث علي واختار المتولي من أصحابنا أنه مستحب، وهذا هو المختار، فيكون الامر به للندب، والقعود بيان للجواز، ولا يصح دعوى النسخ في مثل هذا لان النسخ إنما يكون إذا تعذر الجمع بين الاحاديث، ولم يتعذر انتهى. وقال العلامة - ره - في المنتهى: إذا مرت به جنازة لم يستحب تشييعها، و به قال الفقهاء، وذهب جماعة من أصحابهم كأبي مسعود السدري وغيره إلى وجوب القيام لها، وعن أحمد رواية بالاستحباب، لنا ما رواه الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وآله ترك القيام لها، وفي حديث أن يهوديا

 

(1) راجع في ذلك مشكاة المصابيح ص 144.

 

[274]

رأى النبي صلى الله عليه وآله قام للجنازة، فقال: يا محمد هكذا نصنع ؟ فترك النبي صلى الله عليه وآله القيام لها، ومن طريق الخاصة رواه زرارة انتهى. وقال في الذكرى: لا يستحب القيام لمن مرت عليه الجنازة، لقول علي عليه السلام قام رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قعد، ولخبر زرارة، نعم لو كان الميت كافرا جاز القيام لخبر المثنى، وقول النبي صلى الله عليه وآله إذا رأيتم الجنازة فقوموا منسوخ انتهى. أقول: لا يخفى ما في القول بالجواز مستدلا بهذا الخبر، إلا أن يكون مراده الشرعية والاستحباب. ثم اعلم أنه يظهر من هذا الخبر منشأ توهم العامة فيما رووه عن النبي صلى الله عليه وآله في ذلك وأكثر أخبارهم كذلك، ولذا قالوا عليهم السلام أهل البيت أدرى بما في البيت، وإنما أطنبت الكلام في ذلك لتعلم حقيقة أخبارهم وأحكامهم. 33 - العلل: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد ابن أبي عبد الله، عن وهيب، عن علي بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام كيف أصنع إذا خرجت مع الجنازة أمشي أمامها أو خلفها أو عن يمينها أو عن شمالها ؟ قال: إن كان مخالفا فلا تمش أمامه، فان ملائكة العذاب يستقبلونه بألوان العذاب (1). المحاسن: عن وهيب بن حفص مثله (1). تبيين: اعلم أن المعروف من مذهب الاصحاب أن مشي المشيع وراء الجنازة أو أحد جانبيها أفضل من المشي أمامها، قال في المنتهى: يكره المشي أمام الجنائز للماشي والراكب، بل المستحب أن يمشي خلفها أو من أحد جانبيها، وهو مذهب علمائنا أجمع، وبه قال الاوزاعي وأصحاب الرأي، وإسحاق، وقال الثوري: الراكب خلفها والماشي حيث شاء، وقال أصحاب الظاهر: الراكب خلفها أو بين

 

(1) علل الشرايع ج 1 ص 287. (2) المحاسن ص 317.

 

[275]

جنبيها، والماشي أمامها، وقال الشافعي وابن أبي ليلى ومالك: المشي أمامها أفضل للراكب والراجل، وبه قال عمر وعثمان وأبو هريرة والقاسم بن محمد وابن الزبير وأبو قتادة وشريح وسالم والزهري انتهى. ونص في المعتبر على أن تقدمها ليس بمكروه بل هو مباح، وحكى الشهيد في الذكرى عن كثير من الاصحاب أنه يرى كراهة المشي أمامها، وقال ابن أبي - عقيل: يجب التأخر خلف جنازة المعادي لذي القربى، لما ورد من استقبال ملائكة العذاب إياه، وقال ابن الجنيد يمشي صاحب الجنازة بين يديها، والباقون وراءها لما روي من أن الصادق عليه السلام تقدم سرير ابنه إسماعيل بلا حذاء ولا رداء. أقول: مقتضى الجمع بين الاخبار حمل أخبار النهي والمرجوحية على جنازة المخالف، كما يدل عليه هذا الخبر وغيره، لكن الاولى عدم المشي أمامها مطلقا لدعوى الاجماع وشهرة خلافه بين العامة حتى أنهم نسبوا القول بذلك إلى أهل البيت عليهم السلام قال بعض شراح مسلم: كون المشي وراء الجنازة أفضل من أمامها قول علي بن أبي طالب عليه السلام، ومذهب الاوزاعي وأبي حنيفة وقال جمهور الصحابة والتابعين ومالك والشافعي وجماهير العلماء المشي قدامها أفضل، وقال الثوري وطائفة: هما سواء. 34 - أربعين الشهيد: باسناده عن الشيخ، عن ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة ابن صدقة، عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمرهم بسبع: بعيادة المرضى، وإتباع الجنائز، وإبرار القسم، وتسميت العاطس، ونصرة المظلوم، و إفشاء السلام، وإجابة الداعي الخبر. 35 - السرائر: نقلا من جامع البزنطي، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: السنة أن تستقبل الجنازة من جانبها الايمن، وهو مما يلي يسارك ثم تصير إلى مؤخره وتدور عليه حتى ترجع إلى مقدمه (1).

 

(1) السرائر: 469.

 

[276]

36 - فقه الرضا: قال عليه السلام: لا تترك تشييع جنازة المؤمن، فان فيه فضلا كثيرا، وربع الجنازة، فان من ربع جنازة حط عنه خمس وعشرون كبيرة، فإذا أردت أن تربعها فابدء بالشق الايمن فخذه بيمينك ثم تدور إلى المؤخر فتأخذه بيمينك، ثم تدور إلى المؤخر الثاني فتأخذه بيسارك ثم تدور [إلى المقدم الايسر فتأخذه بيسارك، ثم تدور] على الجنازة كدور كفي الرحا (1). ايضاح: كدور كفي الرحى أي الكفين الاخذتين بخشبة الرحا. أقول: تحقيق هذه المسألة يتوقف على إيراد الاخبار الواردة في كيفية التربيع، ونقل الاقوال ثم بيان ما ترجح عندي منها. أما الاخبار فقد روي الكليني - ره - بسند مرسل لا يقصر عن الحسن (2) عن موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سمعته يقول: السنة في حمل الجنازة أن تستقبل جانب السرير بشقك الايمن، فتلزم الايسر بكتفك الايمن، ثم تمر عليه إلى الجانب الاخر، وتدور من خلفه إلى الجانب الثالث من السرير، ثم تمر عليه إلى الجانب الرابع مما يلي يسارك. وبسند فيه ضعف (3) على المشهور عن أبي جعفر عليه السلام قال: السنة أن تحمل السرير من جوانبه الاربع، وما كان بعد ذلك من حمل فهو تطوع. وبسند فيه إرسال (4) عن الفضل بن يونس قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن تربيع الجنازة قال: إذا كنت في موضع تقية فابدء باليد اليمنى ثم بالرجل اليمنى ثم ارجع إلى مكانك إلى ميامن الميت لا تمر خلف رجليه البتة حتى تستقبل فتأخذ يده اليسرى، ثم رجله اليسرى، ثم ارجع من مكانك لا تمر خلف الجنازة البتة حتى تستقبلها تفعل كما فعلت أولا، فان لم تكن تتقي فيه فان تربيع الجنازة التي جرت به السنة أن تبدأ باليد اليمنى، ثم بالرجل اليمنى، ثم بالرجل اليسرى ثم باليد اليسرى حتى تدور حولها.

 

(1) فقه الرضا ص 17. (2 - 4) الكافي ج 3 ص 168.

 

[277]

وبسند فيه جهالة (1) عن العلا بن سيابة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تبدأ في حمل السرير من الجانب الايمن ثم تمر عليه من خلفه إلى الجانب الاخر ثم تمر حتى ترجع إلى المقدم كذلك دوران الرحا عليه. وأما الاقوال فاعلم أن الاصحاب ذكروا أن حمل الميت واجب على الكفاية وأجمعوا على استحباب التربيع، قال في الذكرى: وأفضله أن يبدأ بمقدم السرير الايمن، ثم يمر عليه إلى مؤخره، ثم بمؤخر السرير الايسر، ويمر عليه إلى مقدمه دور الرحى وكذلك ذكر الشيخ في المبسوط والنهاية، وهو المشهور بين المتأخرين، وقال في الخلاف: يحمل بميامنه مقدم السرير الايسر، ثم يدور حوله حتى يرجع إلى المقدم، وادعى عليه الاجماع، وهذا أقوى عندي إذ التيامن مطلوب في الامور، ورعاية يمين الميت أولى من رعاية يمين السرير مع أن أخذ يمين السرير باليمين لا يتيسر في أكثر الجنائز إلا بمشقة والمشي بالقهقرى. ولنرجع إلى الكلام في الاخبار، أما خبر السراير فلم يرد في هذا الباب خبر صحيح غيره، وعندي أنه صحيح لانه أخذه ابن إدريس من الجامع وكان الكتاب مشهورا متواترا وصاحبه ثقة، وروى عن ابن أبي يعفور الثقة، وأظن أنه لا ينافي ما اخترناه، إذ كما أنه يحتمل أن يكون " مما يلي يسارك " بالنظر إلى الماشي في جانب السرير يحتمل أن يكون بالنظر إلى الماشي خلف السرير، وإن حمل على حالة استقباله السرير فحينئذ وإن كان يمين الميت يحاذي يمينه إذا قابله، لكن إذا جاوزه مائلا إلى يمين الميت ليأخذ السرير، فيمين الميت يلي يساره. وكذا الشق الايمن في الفقه، يحتمل أيمن الميت وأيمن السرير، بل لو كان صريحا في أيمن السرير يمكن أن يقال: كما يمكن أن يعتبر السرير رجلا ماشيا ويعتبر يمينه ويساره بحسب ذلك التوهم كذلك يمكن أن يطلق اليمين واليسار على جانبيه بحسب ما جاور من جانبي الميت، بل يمكن أن يعتبر شخصا مستلقى على قفاه كالميت والخبر الاول من أخبار الكافي كالصريح فيما اخترناه.

 

(1) المصدر ج 3 ص 169.

 

[278]

والخبر الثاني يدل على الاكتفاء بالاخذ بالجوانب الاربعة كيفما اتفق ولا ينافي كون الهيئة المخصوصة أفضل والخبر يحتمل وجوها: الاول أن السنة النبوية جرت بحمل الجنازة من أربعة جوانبها كيف اتفق، والزائد على الاربعة تطوع، الثاني أن رعاية الهيئات المخصوصة في حملها تطوع، الثالث أن يقال: المعنى أن ما بعد ذلك كما وكيفا فهو تطوع، الرابع أن يكون المراد بالحمل من جوانبه الاربعة، الهيئة المخصوصة المسنونة، وبقوله ما بعد ذلك، الزائد عنه أو الاعم منه ومن النقص، ومخالفة الكيفية المسنونة، الخامس أن يراد به أن السنة الاخذ باحدى القوائم الاربع كيف اتفق، وما كان بعد ذلك من الزيادة في الكمية أو الرعاية في الكيفية فهو تطوع، ولعل الاول أظهر. وروى الجمهور عن ابن مسعود أنه قال: إذا تبع أحدكم الجنازة فليأخذ بجوانب السرير الاربعة، ثم ليتطوع بعد أو ليذر، فانه من السنة. واعلم أن السنة ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وآله والتطوع ما صدر عنه وعن أوصيائه عليهم السلام على جهة الاستحباب، ولم يواظب صلى الله عليه وآله عليه رحمة للامة وليتميز ما هو المؤكد من المستحبات، وما ليس كذلك منها، ليختار المكلف مع عدم القدرة على الاتيان بالجميع ما هو أفضل وآكد. ثم اعلم أن المشهور استحباب التربيع على الهيئة المخصوصة كما عرفت بل ظاهر بعضهم تحقق الاجماع على ذلك. وقال ابن الجنيد: يرفع الجنازة من أي جوانبها قدر عليه، واستدل له بهذا الخبر، وقد عرفت أنه لا يدل على نفي استحباب التربيع ووصف الجوانب بالاربع في الحديث لعله بتأويل الناحية وشبهها. والخبر الثالث صريح فيما اخترناه إذ اليد اليمنى المراد بها يد الميت اليمنى الكائنة على أيسر السرير، وقوله عليه السلام " ثم ارجع من مكانك " أي من موضع الرجل اليمنى " إلى ميامن الميت " أي الجانب الذي فرغت منه، وعبر عنه بميامن الميت فهذا صريح في أن المراد يمين الميت لا يمين السرير، وهذا الخبر يدل على أن الفرق بيننا وبين المخالفين إنما هو في الترتيب لا في الابتداء.


 

[279]

وقال في شرح السنة من تأليفات العامة: حمل الجنازة من الجوانب الاربع فيبدء بياسرة السرير المتقدمة، فيضعها على عاتقه الايمن، ثم بياسرته المؤخرة ثم بيامنته المتقدمة فيضعها على عاتقه الايسر ثم بيامنته المؤخرة انتهى. وقال الشيخ في الخلاف: صفة التربيع أن يبدأ بيسرة الجنازة ويأخذها بيمينه، ويتركها على عاتقه ويربع الجنازة ويمشي إلى رجليها ويدور دور الرحا إلى أن يرجع إلى يمنة الجنازة، فيأخذ ميامن الميت بمياسره، وبه قال سعيد بن جبير والثوري وإسحاق، وقال الشافعي وأبو حنيفة: يبدأ بمياسر مقدم السرير فيضعها على عاتقه الايمن، ثم [يتأخر فيأخذ مياسر مؤخره فيضعها على عاتقة الايمن ثم] يعود إلى مقدمه فيأخذ ميامن مقدمه فيضعها على عاتقه الايسر، ثم يتأخر فيأخذ ميسرة مؤخره فيضعها على عاتقه الايسر. وأما الرابع فتوجيهه قريب مما ذكرنا في خبر الفقه. فظهر بما قررنا أن ما اختاره الشيخ وادعى عليه الاجماع هو أقوى وأظهر من الاخبار، إذ الاخبار الدالة عليه صريحة، وما دل على خلافه على تقدير تسليم الظهور فيه قابلة لتأويل غير بعيد، فينبغي حملها عليه لرفع التنافي بين الاخبار، وما استدل به الشهيد - ره - في الذكرى بقوله عليه السلام في الخبر الاخير دوران الرحا وأنه لا يتصور إلا على البدء بمقدم السرير الايمن والختم بمقدمه الايسر، فلا يخفى وهنه، إذ ظاهر أن التشبيه لمجرد الدوران وعدم الرجوع كما تفعله العامة، وقد أشار الشيخ في الخلاف إلى ذلك، ويمكن حمل كلام الشيخ في الكتابين على ما ذكره في الخلاف لئلا يكون فيهما مخالفا لاجماع ادعاه، وإن كان ذلك منه قدس سره غير عزيز، لانه ذكر في الكتابين عبارة هذا الخبر ويمكن تأويله على نحو ما ذكرنا في تأويل الخبر. ويظهر من العلامة في المنتهى أنه أول الخبر وكلام الشيخ بما ذكرنا لانه لم يتعرض فيه لخلاف، بل قال: المستحب عندنا أن يبدء الحامل بمقدم السرير ثم يمر معه ويدور من خلفه إلى الجانب الايسر فيأخذ رجله اليسرى ويمر معه إلى أن يرجع إلى المقدم كذلك دور الرحى.


 

[280]

وحاصل ما ذكرناه أن يبدأ فيضع قائمة السرير التي تلي اليد اليمنى للميت فيضعها على كتفه الايسر ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي رجله اليمنى على كتفه الايسر، ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي رجله اليسرى على كتفه الايمن ثم ينتقل فيضع القائمة التي تلي يده اليسرى على كتفه الايمن وهكذا انتهى. ولقد أحسن في التعبير لكن كان الاحسن أن يقول كتفه الايمن مكان كتفه الايسر وبالعكس كما عرفت، وكذا يدل على ما ذكرنا ما نقله الشهيد - ره - عن الراوندي أنه حكى كلام النهاية والخلاف، وقال معناهما لا يتغير وإن جعله الشهيد مؤيدا لما اختاره، ومع ذلك كله لا يبعد القول بالتخيير بين الوجهين، لظهور بعض الاخبار في الجملة فيما اختاره المتأخرون، والله يعلم وحججه الكرام عليهم السلام حقائق الاحكام. 37 - دعوات الراوندي: خرج النبي صلى الله عليه وآله في جنازة ماشيا قيل: ألا تركب يا رسول الله ؟ فقال: إني أكره أن أركب والملائكة يمشون فأبى أن يركب. توضيح: رواه الشيخ في الصحيح (1) على الظاهر عن أبي عبد الله عليه السلام وظاهره عدم اختصاص الحكم به صلى الله عليه وآله ولا بالجنازة المخصوصة، بل يعم التعليل ويؤيده ما رواه العامة (2) عن ثوبان قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله في جنازة فرأى ناسا ركبانا فقال: ألا تستحيون إن ملائكة الله على أقدامهم، وأنتم على ظهور الدواب ؟ وقال في المنتهى: يستحب المشي مع الجنازة ويكره الركوب، وهو قول العلماء كافة. 38 - دعوات الراوندي: عن زرارة قال: حضر أبو جعفر عليه السلام جنازة رجل من قريش وأنا معه، وكان عطاء فيها، فصرخت صارخة، فقال عطا: لتسكتين أو لنرجعن، قال: فلم تسكت، فرجع عطا، قال: قلت لابي جعفر

 

(1) التهذيب ج 1 ص 89، الكافي ج 3 ص 170. (2) رواه في مشكاة المصابيح ص 146، وقال: رواه الترمذي وابن ماجة وروى أبو داود نحوه وقال الترمذي، وقد روى عن ثوبان موقوفا.

 

[281]

عليه السلام: إن عطا قد رجع، قال: ولم ؟ قلت: كان كذا وكذا، قال: امض بنا فلو أنا إذا رأينا شيئا من الباطل تركنا الحق لم نقض حق مسلم. فلما صلى على الجنازة، قال وليها لابي جعفر عليه السلام: انصرف مأجورا رحمك الله [فانك لا تقدر على المشي] فأبى أن يرجع قال: فقلت: قد أذن لك في الرجوع ولي حاجة اريد أن أسألك عنها، فقال امضه، فليس باذنه جئنا، ولا باذنه نرجع، إنما هو فضل طلبناه، فبقدر ما يتبع الرجل يؤجر على ذلك. ايضاح: رواه في الكافي (1) بسند حسن، وعطاء هو ابن أبي رباح، و كان بنو امية يعظمونه جدا حتى أمروا المنادي ينادي، لا يفتي الناس إلا عطاء، وإن لم يكن فعبد الله بن أبي نجيح، وكان عطا أعور أفطس أعرج شديد السواد ذكره ابن الجوزي في تاريخه وفي القاموس الصرخة الصيحة الشديدة، وكغراب الصوت أو شديده، والصارخ المغيث والمستغيث ضد انتهى أي صاحت بالنوح و الجزع امرأة. وقال الشيخ البهائي قدس الله روحه: يستفاد من هذا الحديث امور: الاول تأكد كراهة الصراخ على الميت، حيث جعله عليه السلام من الباطل، ولعل ذلك بالنسبة إلى المرأة إذا سمع صوتها الاجانب إن لم نجعل مطلق إسماع المرأة صوتها الاجانب محرما، بل مع خوف الفتنة لا بدونه، كما ذكره بعض علمائنا. الثاني أن رؤية الامور الباطلة وسماعها لا ينهض عذرا في التقاعد عن قضاء حقوق الاخوان. الثالث أن موافقتهم بامتثال ما يستدعونه من الاقتصار على اليسير من الاكرام وتأدية الحقوق ليس أفضل من مخالفتهم في ذلك، بل الامر بالعكس. الرابع أن تعجيل قضاء حاجة المؤمن ليس أهم من تشييع الجنازة، بل

 

(1) الكافي ج 3 ص 171 و 172.

 

[282]

الامر بالعكس، ولعل عدم سؤال زرارة حاجته من الامام عليه السلام في ذلك المجمع وإرادته أن يرجع ليسأله عنها، لانها كانت مسألة دينية لا يمكنه إظهارها في ذلك الوقت لحضور جماعة من المخالفين، فأراد أن يرجع عليه السلام ليخلو به ويسأله عنها انتهى كلامه رفع مقامه. وقال العلامة في المنتهى: لو رأى منكرا مع الجنازة أو سمعه، فان قدر على إنكاره وإزالته فعل وأزاله، وإن لم يقدر على إزالته استحب له التشييع، ولا يرجع لذلك خلافا لاحمد. 39 - المسلسلات: للشيخ جعفر بن أحمد القمي قال: حدثنا إسماعيل بن عباد بن العباس الوزير قال: حدثني سليمان بن أحمد، عن أحمد بن أبي يحيى الحضرمي، عن محمد بن داود بن أبي ناجية، عن سفيان بن عيينة، قال الزهري حدثنيه ومعمر أثبتنيه أخذته من فلق فيه يعيده ويبديه، عن سالم، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وآله وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام السرير. 40 - دعائم الاسلام: روينا عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله أسر إلى فاطمة عليها السلام أنها اولى من يلحق به من أهل بيته، فلما قبض ونالها من القوم ما نالها، لزمت الفراش، ونحل جسمها، وذاب لحمها، وصارت كالخيال، وعاشت بعد رسول الله صلوات الله عليهما سبعين يوما، فلما احتضرت قالت لاسماء بنت عميس: كيف احمل على رقاب الرجال مكشوفة، وقد صرت (1) كالخيال، وجف جلدي على عظمي ؟ قالت أسماء: يا بنت رسول الله ! إن قضى الله عليك بأمر فسوف أصنع لك شيئا رأيته في بلد الحبشة، قالت: وما هو ؟ قالت النعش يجعلونه من فوق السرير على الميت يستره، قالت لها: افعلي، فلما قبضت صلوات الله عليها صنعته لها أسماء فكان أول نعش عمل للنساء في الاسلام (2).

 

(1) في المصدر المطبوع: وقد صرت عظما ليس عليه الا جلدة، وكيف ينظر الرجال إلى جثتي على السرير إذا حملت قالت لها أسماء الخ. (2) دعائم الاسلام ج 1 ص 232.

 

[283]

وعن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى أن يوضع الحنوط على النعش (1). وعنه عليه السلام أنه نظر إلى نعش ربطت عليه حلتان حمراء وصفراء زين بهما فأمر عليه السلام بهما فنزعتا وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أول عدل الاخرة القبور لا يعرف فيها غني من فقير (2). وعنه عليه السلام أنه نظر إلى قوم مرت بهم جنازة، فقاموا قياما على أقدامهم فأشار إليهم أن اجلسوا (3). وعن الحسن بن علي عليهما السلام أنه مشى مع جنازة فمر على قوم فذهبوا ليقوموا فنهاهم، فلما انتهى إلى القبر وقف يتحدث مع أبي هريرة وابن الزبير حتى وضعت الجنازة، فلما وضعت جلس وجلسوا (4). وعن علي عليه السلام أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في جنازة: ما أدري أيهم أعظم ذنبا الذي يمشي مع الجنازة بغير رداء ؟ أم الذي يقول ارفقوا رفق الله بكم ؟ أم الذي يقول: استغفروا له غفر الله لكم (5). وعن علي صلوات الله عليه أنه قال: أسرعوا بالجنائز، ولا تدبوا بها (6). وعنه عليه السلام أنه سئل عن حمل الجنازة أواجب هو على من شهدها ؟ قال: لا ولكنه خير من شاء أخذ ومن شاء ترك (7). وعنه عليه السلام أنه رخص في حمل الجنازة على الدابة هذا إذا لم يوجد من يحملها، أو من عذر، فأما السنة أن يحملها الرجال (8). وعنه عليه السلام أنه كان يستحب لمن بداله أن يعين في حمل الجنازة أن يبدأ بياسرة السرير فيأخذها ممن هي في يديه بيمينه، ثم يدور بالجوانب الاربعة (9).

 

(1 - 2) دعائم الاسلام ج 1 ص 233. (3) المصدر نفسه وزاد بعده: هذا في القوم تمر عليهم الجنازة ولا يريدون اتباعها فأما من أراد ذلك قام ومشى ولم يجلس حتى يوضع السرير. (4 - 9) دعائم الاسلام ج 1 ص 233.

 

[284]

وعنه عليه السلام أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: اتبعوا الجنازة ولا تتبعكم، خالفوا أهل الكتاب، وإن رجلا قال له: كيف أصبحت يا رسول الله ؟ قال: خير من رجل لم يمش وراء جنازة، ولم يعد مريضا (1). وعن علي عليه السلام أن أبا سعيد الخدري سأله عن المشي مع الجنازة أي ذلك افضل أمامها أم خلفها ؟ فقال عليه السلام له: مثلك يسأل عن هذا ؟ قال: إي والله لمثلي يسأل عنه، قال علي: إن فضل الماشي خلفها على الماشي أمامها كفضل صلاة المكتوبة على التطوع، فقال أبو سعيد: أعن نفسك تقول هذا أم سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال: بل سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقوله (2). وعنه صلوات الله عليه أنه كان يمشي خلف الجنازة حافيا يبتغي بذلك الفضل (3). وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله مشى مع جنازة فنظر إلى امرأة تتبعها فوقف و قال: ردوا المرءة فردت، ووقف حتى قيل قد توارت بجدر المدينة يا رسول الله فمضى صلى الله عليه وآله (4). وعن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا دعيتم إلى الجنائز فأسرعوا فانها تذكركم الاخرة (5). وعن أبي جعفر عليه السلام أنه سئل عن الرجل يدعى إلى جنازة ووليمة أيهما يجيب ؟ قال: يجيب الجنازة فان حضور الجنازة يذكر الموت والاخرة، وحضور الولائم يلهي عن ذلك (6). بيان: قال في القاموس: الخيال والخيالة ما تشبه لك في اليقظة والحلم من صورة، وكساء أسود ينصب على عود يخيل به للبهايم والطير فيظنه إنسانا.

 

(1 - 3) دعائم الاسلام ج 1 ص 234. (4 - 6) دعائم الاسلام ج 1 ص 220 و 221.

 

[285]

8 - * ((باب)) * * " (وجوب غسل الميت وعلله وآدابه وأحكامه) " * 1 - العلل: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد بن يحيى الاشعري، عن حمدان بن سليمان قال: وحدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري، عن علي بن محمد بن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن الحسن بن علي ابن فضال، عن هارون بن حمزة، عن بعض أصحابنا، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: إن المخلوق لا يموت حتى تخرج منه النطفة التي خلقه الله عزوجل منها من فيه أو من غيره (1). 2 - ومنه: عن علي بن حاتم، عن القاسم بن محمد، عن إبراهيم بن مخلد عن إبراهيم بن محمد بن بشير، عن محمد بن سنان، عن أبي عبد الله القزويني قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي عليهما السلام عن غسل الميت لاي علة يغسل ؟ ولاي علة يغتسل الغاسل ؟ قال: يغسل الميت لانه جنب، ولتلاقيه الملائكة وهو طاهر، و كذلك الغاسل لتلاقيه المؤمنين (2). 3 - ومنه: باسناده، عن محمد بن عمر بن أبي عمير، عن محمد بن عمار البصري عن عباد بن صهيب، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام أنه سئل ما بال الميت يغسل ؟ قال: النطفة التي خلق منها يرمي بها (3). 4 - ومنه: عن الحسين بن أحمد، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الرحمن بن حماد قال: سألت أبا إبراهيم عليه السلام، عن الميت لم يغسل غسل الجنابة ؟ قال: إن الله تعالى أعلى وأخلص

 

(1 - 2) علل الشرائع ج 1 ص 283. (3) علل الشرايع ج 1 ص 284.

 

[286]

من أن يبعث الاشياء بيده، إن لله تبارك وتعالى ملكين (1) خلاقين، فإذا أراد أن يخلق خلقا أمر اولئك الخلاقين فأخذوا من التربة التي قال الله عزوجل: في كتابه " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اخرى " (2) فعجنوها بالنطفة المسكنة في الرحم، فإذا عجنت النطفة بالتربة، قالا: يا رب ما تخلق ؟ قال: فيوحي الله تبارك وتعالى ما يريد من ذلك ذكرا أو انثى مؤمنا أو كافرا أسود أو أبيض، شقيا أو سعيدا فان مات سالت منه تلك النطفة بعينها لا غيرها، فمن ثم صار الميت يغسل غسل الجنابة (3). بيان: قال الوالد قدس الله روحه: لا يستبعد أن يكون النطفة أو بعضها محفوظة، أو المراد بالنطفة الروح الحيواني، والمراد أنه لما خرج منه صار نجسا فيجب تطهيره بالغسل، أو أنه لما كان إنسانا بالروح النفيسة اللطيفة، فلما فارقت البدن وجب تداركه بالغسل، حتى يصير قابلا للصلاة عليه وقربه من رحمة الله. أقول: الاظهر أن المراد أن الماء الغليظ الذي يخرج من عينه لما كان شبيها بالنطفة، فلذا يغسل غسل الجنابة (4) وقد مضى بعض الاخبار في باب علل

 

(1) الملائكة خ ل. (2) طه: 55. (3) علل الشرايع ج 1 ص 284. (4) أما في يومنا هذا فقد ظهر بالابحاث العلمية بل ورئى بالمكبرات أن المنى الذي يدفقه الرجل في كل مرة من جنابته مركب من ملايين نطفة ذات حياة تسمى كل واحدة منها عند الاصطلاح الجديد اسپرماتوزئيد وأما المرءة فليس في منيها شئ من هذه النطف ولا من غير جنسها، والذي تدفقه المرءة حين وصالها انما هو مايع غليظ كالمني الذي يدفقه الرجل العقيم من دون أن يكون فيها نطفة ذات حياه، ولكن المرءة تجود بيضتاها في كل شهر متناوبا بنطفة واحدة تسمى في اصطلاحهم اول ليس في داخل غشائها الا ماء الحياة التي سموها پروتوپلاسم وهي التي تلاقيها نطفة واحدة من ملايين نطف الموجودة في منى الرجل فيخلق من لقاحهما واجتماعهما علقة صغيرة تكون أصل الجنين.

 

[287]

الاغسال. 5 - ثواب الاعمال (1) ومجالس الصدوق: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن غالب، عن سعد الاسكاف، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أيما مؤمن غسل مؤمنا فقال إذا قلبه " اللهم هذا بدن عبدك المؤمن، وقد أخرجت روحه منه، وفرقت بينهما فعفوك عفوك " غفر الله له ذنوب سنة إلا الكباير (2). بيان: الضمير في " له " راجع إلى الغاسل، وإرجاعه إلى الميت بعيد، وسنة بالفتح والتخفيف وربما يقرء بالكسر والتشديد أي عمره، وهو مخالف للظاهر والمضبوط في النسخ. 6 - مجالس الصدوق: عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عن علي ابن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: من غسل ميتا مؤمنا فأدى

 

فشخصية الجنين وحقيقة نفسيته من النطفة التي يدفقها الرجل وادامة حياته مما في نطفة المرءة من ماء الحياة، والى ذلك تشير قوله تعالى " الم يك نطفة من منى يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والانثى " القيامة: 37 - 39. وهي التي تسمى في الايات والروايات بالنفس، فإذا نام الانسان قبضها الله وتوفاها عارية ناقصة، ثم إذا مات قبضها وتوفاها كاملة بتة. واليه يشير قوله تعالى " الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى إلى أجل مسمى أن في ذلك لايات لقوم يتفكرون "، الزمر: 32. فكما أن الجنابة تحصل بخروج واحدة من تلك الانفس الكثيرة عند الجماع والاحتلام مثلا، كذلك تحصل بخروج نفسه عند الموت الا أن الحى يغتسل من جنابته بنفسه، والميت يغسله وليه المسلم. (1) ثواب الاعمال ص 177. (2) أمالى الصدوق ص 322.

 

[288]

فيه الامانة غفر له، قيل: وكيف يؤدي فيه الامانة ؟ قال: لا يخبر بما يرى (1). ثواب الاعمال: عن محمد بن علي ماجيلويه عن علي بن إبراهيم مثله (2). المقنع والهداية: مرسلا مثله (3). بيان: الرواية هكذا في الكافي والتهذيب (4) أيضا، وزاد في الفقيه (5). " وحده إلى أن يدفن الميت " وكأنها من الصدوق أو أخذها من خبر آخر، وعلى تقديره يحتمل التشديد أي حد الاخفاء إلى الدفن، أو حد الرؤية أي ينبغي أن لا يخبر بكل ما رآه منه إلى الدفن، من العيوب والامور التي توجب شينه ويحتمل التخفيف أيضا أي كلما كان من عيوبه مستورا ورآه وحده ولم يره معه غيره، سواء كان حال الغسل، أو قبله بأن كان مشهورا به، فأما ما كان كذلك فان ذكره لا ينافي الامانة. 7 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الميت يغسل في الفضاء ؟ قال: لا بأس، وإن سترته فهو أحب إلي (6). بيان: وإن سترته أي من السماء، بأن يكون تحت سقف أو خيمة كما فهمه الاصحاب، أو سترت عورته أو جسده بثوب، والاول أظهر، قال في الذكرى: استحباب غسله تحت سقف اتفاق علمائنا، وقال المحقق في المعتبر، ولعل الحكمة كراهة أن يقابل السماء بعورته. 8 - فقه الرضا: قال عليه السلام: وغسل الميت مثل غسل الحي من الجنابة إلا

 

(1) أمالى الصدوق ص 323. (2) ثواب الاعمال: 177 و 178. (3) المقنع 19، الهداية: 24 ط الاسلامية. (4) الكافي ج 3 ص 164، التهذيب ج 1 ص 127. (5) الفقيه ج 1 ص 85 ط نجف. (6) قرب الاسناد ص 85 ط حجر ص 111 ط نجف.

 

[289]

أن غسل الحي مرة واحدة بتلك الصفات، وغسل الميت ثلاث مرات، على تلك الصفات، تبتدئ بغسل اليدين إلى نصف المرفقين، ثلاثا ثلاثا ثم الفرج ثلاثا ثم الراس ثلاثا، ثم الجانب الايمن ثلاثا، ثم الجانب الايسر ثلاثا بالماء و السدر، ثم تغسله مرة اخرى بالماء والكافور على هذه الصفة، ثم بالماء القراح مرة ثالثة، فيكون الغسل ثلاث مرات، كل مرة خمسة عشر صبة، ولا تقطع الماء إذا ابتدأت بالجانبين من الرأس إلى القدمين. فان كان الاناء يكبر عن ذلك، وكان الماء قليلا صببت في الاول مرة واحدة على اليدين، ومرة على الفرج، ومرة على الرأس، ومرة على الجنب الايمن، ومرة على الجنب الايسر بافاضة لا يقطع الماء من أول الجانبين إلى القدمين، ثم عملت ذلك في ساير الغسل، فيكون غسل كل عضو مرة واحدة على ما وصفناه، ويكون الغاسل على يديه خرقة، ويغسل الميت من وراء ثوب أو يستر عورته بخرقة (1). 9 - وقال في موضع آخر: ثم ضعه على مغتسله من قبل أن تنزع قميصه أو تضع على فرجه خرقة، ولين مفاصله، ثم تقعده فتغمز بطنه غمزا رفيقا و وتقول وأنت تمسحه: " اللهم إني سلكت حب محمد صلى الله عليه وآله في بطنه فاسلك به سبيل رحمتك " ويكون مستقبل القبلة ويغسله أولى الناس به، أو من يأمره الولي بذلك وتجعل باطن رجليه إلى القبلة وهو على المغتسل، وتنزع قميصه من تحته أو تتركه عليه إلى أن تفرغ من غسله لتستر به عورته. وإن لم يكن عليه القميص ألقيت على عورته شيئا مما تستر به عورته، وتلين أصابعه ومفاصله ما قدرت بالرفق، وإن كان يصعب عليك فدعها، وتبدء بغسل كفيه، ثم تطهر ما خرج من بطنه، ويلف غاسله على يديه خرقة ويصب غيره الماء من فوق سرته، ثم تضجعه. ويكون غسله من وراء ثوبه إن استطعت ذلك، وتدخل يدك تحت الثوب، وتغسل

 

(1) فقه الرضا ص 17.

 

[290]

قبله ودبره بثلاث حميديات (1) ولا تقطع الماء عنه ثم تغسل رأسه ولحيته برغوة السدر، وتتبعه بثلاث حميديات ولا تقعده إن صعب عليك، ثم اقلبه على جنبه الايسر ليبدو لك الايمن، ومد يده اليمنى على جنبه الايمن إلى حيث يبلغ ثم اغسله بثلاث حميديات من قرنه إلى قدمه، فإذا بلغت وركه فأكثر من صب الماء، وإياك أن تتركه، ثم اقلبه إلى جنبه الايمن ليبدو لك الايسر، وضع بيدك اليسرى (2) على جنبه الايسر واغسله بثلاث حميديات من قرنه إلى قدمه، ولا تقطع الماء عنه، ثم اقلبه إلى ظهره، وامسح بطنه مسحا رفيقا، واغسله مرة اخرى بماء وشئ من الكافور، واطرح فيه شيئا من الحنوط مثل غسله الاول ثم خضخض الاواني التي فيها الماء، واغسله الثالثة بماء قراح، ولا تمسح بطنه في ثالثة وقل وأنت تغسله " عفوك عفوك " فانه من قالها عفى الله عنه. وعليك بأداء الامانة فانه روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه من غسل ميتا مؤمنا فأدى إليه الامانة غفر له، قيل: وكيف يؤدي الامانة ؟ قال: لا يخبر بما يرى. فإذا فرغت من الغسلة الثالثة، فاغسل يديك من المرفقين إلى أطراف أصابعك وألق عليه ثوبا ينشف به الماء عنه، ولا يجوز أن يدخل الماء - ما ينصب عن الميت من غسله - في كنيف، ولكن يجوز أن يدخل في بلاليع لا يبال فيها، أو في حفيرة. ولا تقلمن أظافيره، ولا تقص شاربه، ولا شيئا من شعره، فان سقط منه شئ من جلده فاجعله معه في أكفانه، ولا تسخن له ماء إلا أن يكون ماء باردا جدا فتوقي الميت مما توقي منه نفسك، ولا يكون الماء حارا شديدا وليكن فاترا. قال: ولا بأس أن تغسله في فضاء، وإن سترت بشئ أحب إلي، وإن

 

(1) كان اناء كبيرا، ينسب إلى حميد، ولعله كان رجلا فخارا يصنع الاناء الكبير، أو صانعا من الصناع. (2) ومد يده اليسرى خ ل.

 

[291]

حضرك قوم مخالفون فاجهد أن تغسله غسل المؤمن، وأخف عنهم الجريدة، فان خرج منه شئ بعد الغسل، فلا تعد غسله، ولكن اغسل ما أصاب من الكفن إلى أن تضعه في لحده، فان خرج منه شئ في لحده لم تغسل كفنه، ولكن قرضت من كفنه ما أصاب من الذي خرج منه، ومددت أحد الثوبين على الاخر، وإذا أردت أن تغسل ميتا وأنت جنب فتوضأ للصلاة، ثم اغسله، فإذا أردت الجماع بعد غسلك الميت من قبل أن تغتسل من غسله فتوضأ ثم جامع. وإن مات ميت بين رجال نصارى ونسوة مسلمات، غسله الرجال النصارى بعدما يغتسلون، وإن كان الميت امرأة مسلمة بين رجال مسلمين، ونسوة نصرانية اغتسلت النصرانية وغسلتها. وإن كان الميت مجدورا أو محترقا فخشيت إن مسسته سقط من جلوده شئ فلا تمسه، ولكن صب عليه الماء صبا، فان سقط منه شئ فاجمعه في أكفانه، و إذا كان الميت محرما غسلته، وغطيت وجهه، وعملت به ما عمل بالحلال، إلا أنه لا يقرب إليه كافور (1). تبيين: قال في الدروس: يستحب غسل يدي الميت إلى نصف الذراع ثلاثا وقال في المعتبر: يبدء بغسل يديه قبل رأسه ثم يغسل رأسه يبدء بشقه الايمن ثم الايسر، ويغسل كل عضو ثلاثا في كل غسلة، وهو مذهب فقهائنا أجمع، وأما غسل الفرج ثلاثا فقد روي الامر به في الاخبار، وفي بعضها بماء السدر و الحرض (2)، وذكره الاكثر في المستحبات، لكن نقلوا الاجماع على وجوب إزالة النجاسة العرضية عن بدنه قبل الغسل. ثم المشهور بين الاصحاب أنه يجب تغسيل الميت ثلاثا بالسدر والكافور والقراح، وحكي عن سلار أنه يجب مرة واحدة بالقراح، والاول أظهر، و الاشهر وجوب النية فيه، وحكي عن المرتضى عدم الوجوب، وأنه غسل لازالة

 

(1) فقه الرضا: 21. (2) الحرض بالضم: الاشنان.

 

[292]

الخبث، وتردد في المعتبر، وهل يعتبر في كل منها نية أم تكفي واحدة للجميع ؟ قولان: والاحوط تقديم نية الجميع مع تخصيص غسل السدر ثم تجديد النية لخصوص غسل الكافور والقراح. واختلف أيضا في أن الغاسل حقيقة هو الصاب أو المقلب، والاشهر الاول، وتظهر الفائدة في النية وغيرها، والاحوط في النية إتيانهما جميعا بها. ثم المشهور وجوب الترتيب بين الغسلات، وحكى في الذكرى عليه الاجماع وكذا الترتيب بين الاغسال المشهور وجوبه، وحكي عن ابن حمزة الاستحباب، و ذكر جماعة الاكتفاء بالارتماس هنا وفيه إشكال، والمشهور أنه يكفي في السدر والكافور مسماه، ويحكى عن المفيد تقدير السدر برطل، وعن ابن البراج رطل ونصف، وعن بعضهم اعتبار سبع ورقات، والظاهر الاكتفاء بالمسمى بحيث يطلق عليه أنه ماء سدر أو ماء كافور، وهل يعتبر كون السدر مطحونا أو ممروسا ؟ فيه قولان: أقربهما نعم، ولو كان الخليط قليلا لا يصدق معه الاسم لم يجز. ولو خرج بالخليط عن الاطلاق ففي جواز التغسيل به قولان: وظاهر أكثر الاخبار الجواز، ونقل في الذكرى اتفاق الاصحاب على جواز ترغية السدر وهو مؤيد للجواز، وهل المعتبر في القراح مجرد كونه مطلقا وإن كان فيه شئ من الخليطين أو يشترط فيه الخلو عنهما أم يعتبر فيه الخلو عن كل شئ حتى التراب، فيه أقوال، ولعل الاوسط أقوى، ومع تعذر الخليطين يحتمل الواحدة والثلاث والثاني أحوط. ولا خلاف في رجحان لف الغاسل خرقة على يده عند غسل فرج الميت، وقال في الذكرى: وهل يجب ؟ يحتمل ذلك، لان المس كالنظر، بل أقوى ومن ثم ينشر حرمة المصاهرة دون النظر، أما باقي بدنه فلا يجب فيها الخرقة قطعا، وهل يسحتب ؟ كلام الصادق عليه السلام يشعر به، وهل الافضل تجريده من


 

[293]

القميص وتغسيله عاريا مستور العورة أو تغسيله في قميصه، الاظهر من الاخبار الثاني، وظاهرها طهارة القميص، وإن لم يعصر، كما صرح به جماعة ونقل في المعتبر الاجماع على استحباب تليين الاصابع، وحكى عن ابن أبي عقيل القول بالمنع لقوله عليه السلام في خبر (1) طلحة بن زيد ولا تغمز له مفصلا، ونزله الشيخ على ما بعد الغسل. وقال في المعتبر: ويمسح بطنه أمام الغسلتين الاوليين، إلا الحامل، و المقصود بالمسح خروج ما لعله بقي مع الميت، وإنما قصد ذلك لئلا يخرج بعد الغسل ما يؤذي، ولا يمسح أمام الثالثة وهو إجماع فقهائنا، والمشهور استحباب الاستقبال بالميت حالة الغسل، بل قال في المعتبر: إنه اتفاق أهل العلم، ونقل عن ظاهر الشيخ في المبسوط القول بالوجوب، واختاره في المنتهى، و رجحه المحقق الشيخ على وهو أحوط. وأما أنه يغسله أولى الناس به، فقد رواه الشيخ عن الصادق، عن أبيه عن علي عليهم السلام (2) وفسره الاكثر بالاولى بالميراث أي الوارث أولى من غير الوارث، وقال بعض المتأخرين: ولا يبعد أن يراد أشد الناس به علاقة. أقول: ويحتمل أن يكون المراد الاولوية من جهة المذهب. وذكر الاكثر أن الرجال في كل مرتبة من مراتب الارث أولى من النساء في تلك المرتبة، من غير فرق بين أن يكون الميت رجلا أو امرأة، و ذكروا أن الميت لو كان امرءة لا يمكن للولي الذكر مباشرة تغسيلها أذن للمماثل، فلا يصح بدون ذلك، وقيل باختصاص الحكم بالرجال، وأما النساء فالنساء أولى بغسلهن، وذكروا أن الزوج أولى بزوجته من جميع أقاربها في كل أحكام الميت لروايه إسحاق (3). وما ذكره من كيفية الاغسال الثلاثة مطابق لما ذكره الصدوق في

 

(1) راجع الكافي ج 3 ص 156، التهذيب ج 1 ص 92. (2) التهذيب ج 1 ص 122، ورواه في الفقيه ج 1 ص 86. (3) التهذيب ج 1 ص 93.

 

[294]

الفقيه (1) وقال في الذكرى: يستحب تقديم غسل يديه وفرجيه، مع كل غسلة كما في الخبر، وفتوى الاصحاب، وتثليث غسل أعضائه كلها من اليدين والفرجين والرأس والجنبين بالاجماع، وحصرها الجعفي في كل غسلة خمس عشرة صبة لا تنقطع، وابن الجنيد والشيخ قالا بعدم الانقطاع أيضا حتى يستوفي العضو، والصدوق ذكر ثلاث حميديات، وكأنه إناء كبير، ولهذا مثل ابن البراج الاناء الكبير بالابريق الحميدي انتهى. ثم اعلم أن المشهور بين الاصحاب أن غسل رأسه أولا برغوة السدر مستحب قبل الشروع في غسل السدر، وليس داخلا فيه، والظاهر من أكثر الاخبار أنه محسوب من غسل السدر الواجب، ورغوة اللبن مثلثة زبده. وقوله: " من قرنه إلى قدمه " موافق لعبارة الفقيه ويدل كبعض الاخبار على إعادة غسل شقي الرأس مع شقي البدن، ألا أن يأول بأن المراد من منتهى قرنه أو بعض قرنه من باب المقدمة أو من أول قرنه استحبابا لزيادة التنظيف. والمشهور بين الاصحاب كراهة إقعاد الميت، ونقل الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة عليه، وقد ورد الامر بالاقعاد في عدة روايات، وحملها الشيخ على التقية، والمحقق مال إلى العمل بمضمونها، والخضخضة تحريك الماء ونحوه. وأما غسل الغاسل يديه وتنشيف بدن الميت وساير ما يأتي بعد ذلك، ذكره الصدوق - رحمه الله - في الفقيه، وقال في المعتبر: يستحب أن يغتسل الغاسل أمام التكفين أو يتوضأ وضوء الصلاة، ذكره الشيخ، وإن اقتصر على غسل يديه إلى ذراعيه جاز، ويستحب إذا فرغ الغاسل أن ينشف الميت بثوب لئلا يبل أكفانه، ويكره إرسال ماء الغسل في الكنيف ولا بأس بالبالوعة انتهى وظاهر الفقه كالفقيه حرمة الاخير، وحمل على الكراهة. وأما النهي عن تقليم الاظافير وجز الشعر فهو محمول عند الاكثر على الكراهية، فقالوا يكره حلق رأسه وعانته وتسريح لحيته وقلم أظفاره، وحكم

 

(1) الفقيه ج 1 ص 90 و 91.

 

[295]

ابن حمزة بالتحريم، وهو مقتضى ظاهر النهي، ونقل الشيخ الاجماع على أنه لا يجوز قص أظفاره، ولا تنظيفها من الوسخ بالخلال، ولا تسريح لحيته، وربما حمل كلامه على تأكد الكراهة، وأما جعل ما يسقط في كفنه فاجماعي كما نقله في التذكرة. وأما تسخين الماء للميت فقد حكي في المنتهى الاجماع على كراهته، و قال الشيخ: ولو خشي الغاسل من البرد انتفت الكراهة، وقيده المفيد بالقلة، فقال: يسخن قليلا وتبعهما في الاستثناء جمع من الاصحاب والصدوقان أيضا استثنيا حالة شدة البرد، لكن الظاهر من كلامهما أن ذلك لرعاية حال الميت لا الغاسل. قال في الفقيه (1) قال أبو جعفر عليه السلام: لا يسخن الماء للميت، وروي في حديث آخر: إلا أن يكون شتاء باردا فتوقى الميت مما توقي منه نفسك انتهى ولم أر هذه الرواية إلا في الفقه، ويمكن حمل الرواية على أن المراد به: توقى نفسك، وتوقي الميت بتبعية توقي نفسك، لا أن الميت يتضرر بذلك و توقيه منه. ولو خرج منه نجاسة بعد الغسل فلاقت بدنه فالمشهور أنه يغسل، ولا يجب إعادة الغسل، وقال ابن أبي عقيل بوجوب إعادة الغسل. وإن خرج منه شئ، وأصاب الكفن فذهب الاكثر إلى أنه يجب غسله ما لم يطرح في القبر وقرضه بعده، ونقل عن الشيخ أنه أطلق وجوب قرض المحل والاخبار بعضها يدل على الغسل مطلقا وبعضها على القرض مطلقا، ولا يدل على التفصيل رواية إلا عبارة الفقه، ونقلها الصدوق في الفقيه (2) وتبعه الاصحاب ولا بأس به، إذ مثل هذا يكفي مرجحا للجمع بين الاخبار، وربما يجمع بينها بالقول بالتخيير مطلقا. قوله: ومددت أحد الثوبين، أي بعد قرض الكفن لستر ما انكشف بسببه من

 

(1) الفقيه ج 1 ص 86. (2) الفقيه ج 1 ص 92.

 

[296]

البدن، قوله عليه السلام " وإذا أردت " أورد هذا الحكم والذي بعده إلى قوله: ثم جامع، الصدوق في الفقيه (1) ويدل على الحكمين حسنة شهاب ابن عبدربه المذكورة في الكافي والتهذيب (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته، عن الجنب يغسل الميت أو من غسل ميتا له أن يأتي أهله، ثم يغتسل ؟ فقال: سواء لا بأس بذلك، إذا كان جنبا غسل يده وتوضأ وغسل الميت، وإن غسل ميتا توضأ ثم أتى أهله، ويجزيه غسل واحد لهما. ولا يخفى أن ظاهر الخبر استحباب الوضوء لمريد غسل الميت إذا كان جنبا ولمن عليه غسل المس إذا أراد الجماع قبله، وإن لم يكن جنبا كما يدل عليه عبارة الفقيه والفقه. وقال السيد في المدارك في سياق ما يستحب من الوضوء: وجماع عاسل الميت ولما يغتسل، إذا كان الغاسل جنبا وتبعه بعض من تأخر عنه، ولا يخفى ما فيه من الغفلة، ويدل على جواز مباشرة الجنب غسل الميت، ومنع الجعفي من مباشرة الجنب والحائض للغسل كما ذكره في الدروس، وقال: وهو نادر. وأما تغسيل النصراني والنصرانية المسلم والمسلمة، مع فقد المماثل المسلم فرواه الشيخ في الموثق عن عمار (3) وعمل بها الشيخان وأتباعهما، وقال في الذكرى لا أعلم لذلك مخالفا من الاصحاب إلا المحقق في المعتبر محتجا بتعذر النية من الكافر مع ضعف السند، وجوابه منع النية هنا والاكتفاء بنية الكافر كالعتق والضعف منجبر بالعمل، وللتوقف فيه مجال لنجاسة الكافر في المشهور فكيف يفيد غيره الطهارة انتهى، ولا يخفى أن هذا مما يؤيد طهارة أهل الكتاب. قوله: " فلا تمسه " يوهم وجوب الدلك حال الاختيار، كما نسب إلى ابن الجنيد، وقال في المعتبر: ولو خيف من تغسيله تناثر جلده يمم، ويستحب إمرار يد

 

(1) الفقيه ج 1 ص 98. (2) الكافي ج 3 ص 250، التهذيب ج 1 ص 127. (3) التهذيب ج 1 ص 97.

 

[297]

الغاسل على جسد الميت، فان خيف من ذلك لكونه مجدورا، أو محترقا اقتصر الغاسل على صب الماء من غير إمرار، ولو خيف من الصب لم يغسل، ويمم، ذكر ذلك الشيخان وابن الجنيد، وقال في الذكرى: يلوح من الاكتفاء بالصب الاجتزاء بالقراح، لان الاخرين لا تتم فايدتهما بدون الدلك غالبا وحينئذ الظاهر الاجتزاء بالمرة لان الامر لا يدل على التكرار. قوله عليه السلام " إلا أنه لا يقرب إليه كافور " أي لا في غسل ولا حنوط كما ذكره الاصحاب، فيغسل بالسدر وبقراح واحد، وقيل بقراحين، والمشهور أنه يغطي رأسه ووجهه، وقال ابن أبي عقيل: لا يغطي رأسه ووجهه، ولا فرق في عدم تقريب الطيب بين الاحرامين، ولا بين موته قبل الحلق أو التقصير، أو بعده قبل طواف الزيارة، ويحتمل اختصاص الحكم بالاول، لخروج الثاني عن صورة المحرمين بلبسه وأكله ما لا يلبسه ويأكله المحرم، ولو مات بعد الطواف ففي تحريم الطيب نظر. 10 - العيون (1) والعلل: في علل محمد بن سنان، عن الرضا عليه السلام علة غسل الميت أنه يغسل ليطهر وينظف من أدناس أمراضه، ولما أصابه من صنوف علله لانه يلقى الملائكة، ويباشر أهل الاخرة، فيستحب إذا ورد على الله عز وجل ولقي أهل الطهارة ويماسونه ويماسهم أن يكون طاهرا نظيفا موجها به إلى الله عزوجل ليطلب وجهه، وليشفع له. وعلة أخرى أنه يخرج منه المني الذي منه خلق فيجنب فيكون غسله له (2). 11 - المختلف: نقلا عن ابن أبي عقيل أنه قال: تواترت الاخبار عنهم عليهم السلام أن عليا عليه السلام غسل رسول الله صلى الله عليه وآله في قميصه ثلاث غسلات (3). 12 - ثواب الاعمال: عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن أحمد بن محمد

 

(1) عيون الاخبار ج 2 ص 89. (2) علل الشرايع ج 1 ص 283. (3) المختلف ص 44.

 

[298]

محمد بن عن سنان، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان فيما ناجى به موسى ربه قال: يا رب ما لمن غسل الموتى ؟ فقال: أغسله من ذنوبه كما ولدته أمه (1). 13 - ومنه: باسناده، عن أبي هريرة، عن ابن عباس في خطبة طويلة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: من غسل ميتا فأدى فيه الامانة، كان له بكل شعرة منه عتق رقبة، ورفع له مائة درجة، قيل: يا رسول الله وكيف يؤدي فيه الامانه ؟ قال يستر عورته، ويستر شينه، وإن لم يستر عورته ويستر شينه حبط أجره، وكشفت عورته في الدنيا والاخرة (2). 14 - المعتبر: نقلا من شرح الرسالة للسيد المرتضى أنه روي فيه عن يحيى بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام النهي عن تغسيل المسلم قرابته الذمي و المشرك، وأن يكفنه ويصلي عليه (3) ويلوذ به. ايضاح: قال في المعتبر: لا يغسل الكافر ولا يكفن ولا يدفن بين المسلمين وبه قال الثلاثة، هذا إذا كان أجنبيا، وأجازه الشافعي ولو كان ذا قرابة فعندنا لا يجوز لذي قرابته تغسيله ولا تكفينه ولا دفنه، وقال علم الهدى في شرح الرسالة: فان لم يكن من يواريه جاز مواراته لئلا يضيع، وبه قال مالك، وقال أبو حنيفة والشافعي يغسله ويتبعه ويدفنه ولم يفصلا، ثم ذكر هذه الرواية في جملة ما احتج به. 15 - الاحتجاج: عن صالح بن كيسان أن معاوية قال للحسين: هل بلغك ما صنعنا بحجر بن عدي وأصحابه شيعة أبيك ؟ فقال عليه السلام: وما صنعت بهم ؟ قال: قتلناهم وكفناهم وصلينا عليهم، فضحك الحسين عليه السلام فقال: خصمك القوم يا معاوية، لكنا لو قتلنا شيعتك لما كفناهم، ولا غسلناهم، ولا صلينا عليهم، ولا

 

(1) ثواب الاعمال ص 176. (2) ثواب الاعمال ص 260. (3) المعتبر ص 89.

 

[299]

دفناهم (1). بيان: يدل على عدم وجوب تغسيل المخالف وعدم رجحانه، والمشهور وجوب غسل من عدا الخوارج والغلاة والنواصب والمجسمة من فرق المسلمين وقال المفيد: لا يجوز لاحد من أهل الايمان أن يغسل مخالفا للحق في الولاية، ولا يصلي عليه، إلا أن يدعوه ضرورة إلى ذلك من جهة التقية، وهو المنقول عن ابن البراج وظاهر ابن إدريس، ويمكن أن يقال أصحاب معاوية كانوا من النواصب بل من الخوارج، فهم خارجون عن محل النزاع. 16 - العلل: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن عبد الرحمن بن سالم، عن مفضل بن عمر قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: من غسل فاطمة عليها السلام ؟ قال: ذاك أمير المؤمنين عليه السلام فكأنما استفظعت ذلك من قوله فقال لي: كأنك ضقت بما أخبرتك، فقلت: قد كان ذلك جعلت فداك، فقال: لا تضيقن فانها صديقة لم يكن يغسلها إلا صديق أما علمت أن مريم لم يغسلها إلا عيسى عليه السلام الحديث (2). المناقب: لابن شهر آشوب، عن أبي الحسن الخزاز القمي باسناده إليه عليه السلام مثله (3). بيان: استفظعت الشئ أي وجدته فظيعا شنيعا، وفي بعض النسخ استعظمت. 17 - قرب الاسناد: عن الحسين بن ظريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن عليا عليه السلام غسل امرأته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله (4). 18 - كشف الغمة: نقلا من كتاب أخبار فاطمة لابن بابويه، عن الحسن

 

(1) الاحتجاج: 161. (2) علل الشرائع ج 1 ص 176. (3) متاقب آل أبى طالب ج 3 ص 364. (4) قرب الاسناد ص 43 ط حجر، 59 ط نجف.

 

[300]

ابن علي عليهما السلام أن عليا غسل فاطمة عليهما السلام (1). وعن أسماء بنت عميس قالت: أوصتني فاطمة أن لا يغسلها إلا أنا وعلي عليه السلام [فغسلتها أنا وعلي] (2). وعن أسماء في حديث أن عليا عليه السلام أمرها فغسلت فاطمة عليها السلام وأمر الحسن والحسين يدخلان الماء، ودفنها ليلا وسوى قبرها (3). قال: وروي أنها أوصت عليا وأسماء بنت عميس أن يغسلاها (4). 19 - فلاح السائل: وقد روينا باسنادنا إلى أبي جعفر محمد بن بابويه فيما ذكره في كتاب مدينة العلم باسناده إلى الصادق عليه السلام قال: ما من مؤمن يغسل ميتا مؤمنا فيقول وهو يغسله " رب عفوك عفوك " إلا عفى الله عنه (5). 20 - وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي نقلا من خط الشهيد قدس الله روحهما قال: لما غسل علي فاطمة صلوات الله عليهما قال له ابن عباس: أغسلت فاطمة ؟ قال: أما سمعت قول النبي صلى الله عليه وآله: هي زوجتك في الدنيا والاخرة. قال الشهيد - ره - فذا التعليل يدلك على انقطاع العصمة بالموت، فلا يجوز للزوج التغسيل. بيان: اعلم أن الاصحاب اختلفوا في تغسيل كل من الزوجين الاخر، فذهب الاكثر إلى جواز ذلك اختيارا فمنهم من لم يشترط كون التغسيل من وراء الثياب، وهو المنقول عن السيد المرتضى في شرح الرسالة وابن الجنيد والجعفي وظاهر الشيخ في الخلاف والمبسوط، ومنهم من اشترط ذلك، وهو المنقول عن

 

(1) كشف الغمة ج 2 ص 66. (2) كشف الغمة ج 2 ص 61. (3) كشف الغمة ج 2 ص 62. (4) كشف الغمة ج 2 ص 67. (5) فلاح السائل: 78.

 

[301]

الشيخ في النهاية وابن زهرة، واختاره غير واحد من المتأخرين وذهب الشيخ في كتابي الاخبار إلى اختصاص ذلك بحال الاضطرار، وهو أحوط، وإن كان الاول أقوى. وأما كون التغسيل من وراء الثياب فقد دلت عليه أخبار لكن أكثر الاخبار دلت على كون تغسيل الزوج للزوجة من وراء الثياب لا بالعكس، ولم يفرق الاصحاب بينهما، مع اشتمال أكثرها على الفرق، وقد وردت أخبار بجواز تغسيلها مجردة، ولا يبعد حمل الاخبار الاولة على الكراهة، وأخبار تغسيل أمير المؤمنين فاطمة عليهما السلام يشكل الاستدلال بها على الجواز مطلقا لاشتمال أكثرها على التعليل المشعر بالاختصاص. واعلم أن إطلاق النصوص والفتاوى يقتضي عدم الفرق في الزوجة بين الدائمة والمنقطعة (1) والحرة والامة، قالوا: والمطلقة رجعية زوجة بخلاف الباينة. 21 - فقه الرضا: قال عليه السلام: إذا مات الميت وليس معها ذو محرم ولا نساء، تدفن كما هي في ثيابها، وإذا مات الرجل وليس معه ذات محرم ولا

 

(1) بل الظاهر من الاخبار وهكذا الايات الكريمة أن الزوجية باقية بعد وفاة أحد الزوجين في الدائمة، ولذلك يحكم على الزوجة بالحداد والعدة ويثبت بينهما التوارث على الزوجية، وقد سماها الله عزوجل في كتابه زوجة في موارد منها قوله تعالى " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لازواجهم متاعا إلى الحول " البقرة: 240، " والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن " الاية البقرة: 234. وهكذا في آيات الارث. وأما المنقطعة، فلما كانت النكاح بينهما ينفسخ بموت أحدهما كالاجارة، تنقطع العصمة والزوجية بينهما، فلا توارث بينهما ولا أولوية، فترجع الولاية من الزوج إلى الاقرب فالاقرب من مواليها، وأما الاماء، فالولاية بين الامة ومالكها باقية حيا وميتا حتى في الاعقاب، وهو واضح بحمد الله.

 

[302]

رجال، يدفن كما هو في ثيابه. ونروي أن علي بن الحسين عليهما السلام لما أن مات، قال أبو جعفر عليه السلام: لقد كنت أكره أن أنظر إلى عورتك في حياتك، فما أنا بالذي أنظر إليها بعد موتك فأدخل يده وغسل جسده، ثم دعا أم ولد له فأدخلت يدها فغسلت مراقه، وكذلك فعلت أنا بأبي (1). وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصى إلى علي عليه السلام: لا يغسلني غيرك، فقال علي عليه السلام: يا رسول الله من يناولني الماء، وإنك رجل ثقيل لا أستطيع أن أقلبك، فقال: جبرئيل معك يعاونك، ويناولك الفضل الماء، وقل له: فليغط عينيه فانه لا يرى أحد عورتي غيرك إلا انفقأت عيناه. قال: كان الفضل يناوله الماء، وجبرئيل يعاونه، وعلي يغسله، فلما أن فرغ من غسله وكفنه أتاه العباس فقال: يا علي إن الناس قد اجتمعوا على أن يدفنوا النبي صلى الله عليه وآله في بقيع المصلى، وأن يؤمهم رجل منهم. فخرج علي إلى الناس فقال: يا أيها الناس أما تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله إمامنا حيا وميتا ؟ وهل تعلمون أنه صلى الله عليه وآله لعن من جعل القبور مصلى، ولعن من يجعل مع الله إلها، ولعن من كسر رباعيته وشق لثته ؟ قال: فقالوا: الامر إليك فاصنع ما رأيت، قال: وإني أدفن رسول الله صلى الله عليه وآله في البقعة التي قبض فيها ثم قام على الباب فصلى عليه، ثم أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه ثم يخرجون (2). توضيح: لو لم يوجد المماثل اصلا ولا ذو الرجم فالمشهور بين الاصحاب أنه لا يغسل، ونقل في المعتبر الاجماع عليه، وصرح الشيخ في عدة من كتبه بسقوط التيمم أيضا، وبه قطع المحقق كما يدل عليه هذا الخبر، وفيه قول بوجوب التغسيل من وراء الثياب، وهو المحكي عن المفيد، وعن ابن زهرة أنه

 

(1 و 2) فقه الرضا ص 21.

 

[303]

شرط تغميض العينين، وفي رواية المفضل أنه يغسل منها ما أوجب الله عليها التيمم يغسل كفيها ثم وجهها ثم ظهر كفيها والمشهور أقوى، ثم الظاهر من الرواية جواز تغسيل كل من الرجل والمرأة الاخر، إذا كان محرما كما هو المشهور، وهل يشترط في ذلك تعذر المماثل ؟ ذهب الاكثر إلى الاشتراط، وذهب ابن إدريس والعلامة في المنتهى إلى جوازه اختيارا من فوق الثياب، وهو الاقوى، لكن وجوب كونه من وراء الثياب مما ذهب إليه الاكثر وظاهر الاخبار العدم، والاشهر أحوط. وقال في النهاية: في حديث الغسل أنه بدأ بيمينه فغسلها ثم غسل مراقه بشماله، المراق ما سفل من البطن فما تحته من المواضع التي ترق جلودها، واحدها مرق قاله الهروي وقال الجوهري لا واحد لها ومنه الحديث أنه أطلى حتى إذا بلغ المراق ولي هو ذلك بنفسه انتهى، والمشهور بين الاصحاب أنه يجوز للسيد تغسيل أمته غير المزوجة، والمعتدة ومدبرته، وام ولده، لانهن في حكم الزوجة دون المكاتبة، وفي تغسيل الامة للسيد أقوال أحدها الجواز لاستصحاب حكم الملك، وثانيها المنع لانتقالها إلى الورثة، وثالثها تخصيص الجواز بأم الولد كما تدل عليه هذه الرواية، ولما رواه إسحاق بن عمار عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام أن علي بن الحسين عليه السلام أوصى أن تغسله أم ولد له إذا مات فغسلته، والظاهر أن الوصية للتقية، لان المعصوم لا يغسله إلا معصوم، وكان المقصود باطنا المعاونة كما دلت عليه هذه الرواية، وظاهرا دفع الضرر عن الباقر عليه السلام، وعدم اشتراك الغير معه في الغسل والله يعلم. ويقال: انفقأت عينه أي انشقت، ويدل على مرجوحية إيقاع صلاة الجنازة في المقابر، والظاهر أن الصلاة الواقعة هي التي كان عليه السلام أتى بها مع أهل بيته وخواص أصحابه خفية لئلا يصلي عليه صلى الله عليه وآله الملعونان، ولئلا يتقدما عليه في تلك الصلاة، بل كانوا يدخلون ويصلون عليه بالقول، ويخرجون كما مر في باب وفاته صلى الله عليه وآله.


 

[304]

22 - الطرف: للسيد بن طاووس باسناده عن عيسى بن المستفاد، عن موسى ابن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله يا علي أضمنت ديني تقضيه عني ؟ قال: نعم قال اللهم فاشهد، ثم قال: يا علي غسلني ولا يغسلني غيرك فيعمى بصره، قال علي عليه السلام: ولم يا رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال: كذلك قال جبرئيل عن ربي إنه لا يرى عورتي غيرك إلا عمي بصره، قال علي عليه السلام: فكيف أقوى عليك وحدي ؟ قال: يعينك جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وإسماعيل صاحب سماء الدنيا، قلت: فمن يناولني الماء ؟ قال: الفضل بن العباس من غير أن ينظر إلى شئ مني، فانه لا يحل له ولا لغيره من الرجال والنساء النظر إلى عورتي، وهي حرام عليهم، فإذا فرغت من غسلي فضعني على لوح، وأفرغ علي من بئري بئر غرس أربعين دلوا مفتحة الافواه قال عيسى: أو قال: اربعين قربة شككت أنا في ذلك (1). 23 - مصباح الانوار: عن أحمد بن محمد بن عياش، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن عبيدالله بن الفضيل الطائي ومحمد بن أحمد بن سليمان، عن محمد بن إسماعيل ابن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق عليه السلام، عن أبي يوسف، عن الازهر بن نظام، عن أبي الحسن بن يعقوب، عن عيسى بن المستفاد مثله. وقال: كان في الصحيفة المختومة التي نزلت من السماء: يا علي غسلني ولا يغسلني غيرك، قال: فقلت لرسول الله صلى الله عليه وآله: بأبي أنت وأمي. أنا أقوى على غسلك وحدي ؟ قال: بذا أمرني جبرئيل، وبذلك أمره الله عزوجل. قال: فقلت: فان لم أقو عليك فأستعين بغيري يكون معي ؟ فقال جبرئيل: يا محمد ! قل لعلي: إن ربك يأمرك أن تغسل ابن عمك، فانما السنة أن لا يغسل الانبياء إلا أوصياؤهم، وإنما يغسل كل نبي وصيه من بعده، وهي من حجج الله عزوجل لمحمد صلى الله عليه وآله على أمته من بعده، فيما قد اجتمعوا عليه من قطيعة ما أمرهم الله تعالى به.

 

(1) الطرف: 44.

 

[305]

ثم قال النبي صلى الله عليه وآله: واعلم يا علي أن لك على غسلي أعوانا هم نعم الاعوان والاخوان، قال علي: فقلت لرسول الله صلى الله عليه وآله: من بأبي أنت وأمي ؟ قال: جبرئيل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، وإسماعيل صاحب سماء الدنيا أعوانا لك، قال علي: فخررت لله ساجدا، وقلت: الحمد لله الذي جعل لي أعوانا وإخوانا هم أمناء الله تعالى. بيان: في القاموس بئر غرس بالمدينة، ومنه الحديث غرس من عيون الجنة، و غسل صلى الله عليه وآله منها. 24 - مصباح الانوار: عن مروان الاصفر أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله حين ثقلت في مرضها، أوصت عليا عليه السلام فقالت: إني أوصيك أن لا يلي غسلي و كفني سواك، فقال: نعم، فقالت: وأوصيك أن تدفنني ولا تؤذن بي أحدا. 25 - الطرف ومصباح الانوار: باسنادهما عن عيسى بن المستفاد عن الكاظم عليه السلام قال: قال علي عليه السلام: غسلت رسول الله صلى الله عليه وآله أنا وحدي، وهو في قميصه، فذهبت أنزع عنه القميص، فقال جبرئيل: يا علي لا تجرد أخاك من قميصه، فان الله لم يجرده، وتأيد في الغسل فأنا أشركك في ابن عمك بأمر الله، فغسلته بالروح والريحان، والملائكة الكرام الابرار الاخيار تبشرني وتمسك وأكلم ساعة بعد ساعة، ولا أقلب منه عضوا - بأبي هو وأمي - إلا انقلب لي قلبا، إلى أن فرغت من غسله، وكفنته ووضعته على سريره، وأخرجته كما أمرت، فاجتمعت له الملائكة ما سد الخافقين، فصلى عليه ربه والملائكة المقربون، وحملة العرش الكروبيون، وما سبح لله رب العالمين، وأنفذت جميع ما أمرني به، ثم واريته في قبره صلى الله عليه وآله (1). 26 - الذكرى: في جامع محمد بن الحسن: إذا كانت بنت أكثر من خمس أو ست دفنت ولم تغسل، وإن كانت بنت أقل من خمس غسلت، قال: وأسند الصدوق في

 

(1) الطرف ص 45.

 

[306]

كتاب المدينة ما في الجامع إلى الحلبي عن الصادق عليه السلام (1). توضيح: ذكر الصدوق في الفقيه (2) ما في الجامع نقلا منه، ثم قال: وذكر عن الحلبي حديثا في معناه عن الصادق عليه السلام. واعلم أن الاصحاب استثنوا من عدم جواز تغسيل غير المماثل الصبي والصبية دون ثلاث سنين، فجوز تغسيلهما مجردا اختيارا جماعة من الاصحاب وشرط الشيخ في النهاية عدم المماثل، وشرط في المبسوط عدم المماثل في الصبية دون الصبي، وجوز المفيد في المقنعة تغسيل ابن خمس سنين مجردا وإن كان ابن أكثر من خمس سنين غسلته من وراء الثياب، واعتبر في البنت ثلاث سنين وتبعه سلار، وجوز الصدوق تغسيل بنت أقل من خمس سنين مجردة، ومنع المحقق في المعتبر من تغسيل الرجل الصبية مطلقا وجوز للمرأة تغسيل ابن الثلاث اختيارا واضطرارا، ونقل العلامة في النهاية والمنتهى إجماعنا على جواز تغسيل الرجل الصبية. إذا تمهد هذا فاعلم أنه لا ريب في جواز تغسيل المراة الصبي لثلاث سنين، وفي غير ذلك إشكال، ولكن التحديد بالخمس لا يخلو من قوة. 27 - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام عن علي صلوات الله عليه أن رسول الله صلى الله عليه وآله أوصاه بأن يتولى غسله، فكان هو الذي وليه عليه السلام قال: فلما أخذت في غسله، سمعت قائلا من جانب البيت يقول: لا تنزع القميص عنه، فغسلته عليه السلام في قميصه، وإني لاغسله وأحس يدا مع يدي يتردد عليه، وإذا قلبته أعنت على تقليبه، ولقد أردت أن اكبه لوجهه فأغسل ظهره، فنوديت لا تكبه فقلبته لجنبه وغسلت ظهره (3). وعنه عليه السلام أنه قال: لما أوصى إلي رسول الله صلى الله عليه وآله أن أغسله ولا يغسله معي أحد غيري، قلت: يا رسول الله إنك رجل ثقيل البدن، لا أستطيع أن

 

(1) الذكرى ص 39. (2) الفقيه ج 1 ص 94. (3) دعائم الاسلام ج 1 ص 277.

 

[307]

أقلبك وحدي فقال لي: إن جبرئيل معك يتولاني، قلت: فمن يناولني الماء ؟ قال: يناولك الفضل، وقل فليغط عينيه، فانه لا ينظر إلى عورتي أحد غيرك، إلا ذهب بصره، قال أبو جعفر عليه السلام: فكان الفضل يناوله الماء وقد عصب عينيه، وعلي وجبرئيل يغسلانه صلى الله عليهم أجمعين (1). قال: وغسله ثلاث غسلات: بالماء والحرض والسدر، وغسلة بماء فيه ذريرة وكافور، وغسلة بالماء محضا وهي آخرهن (2). وعن علي صلوات الله عليه أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ما من عبد مسلم غسل أخا له مسلما فلم يقذره ولم ينظر إلى عورته ولم يذكر منه سوءا ثم شيعه وصلى عليه ثم جلس حتى يوارى في قبره، إلا خرج عطلا من ذنوبه (3). وعن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال: الجنب والحائض لا يغسلان ميتا (4). وعن أبي جعفر عليه السلام قال: غسل علي فاطمة عليهما السلام وكانت أوصت بذلك إليه (5). وعن علي عليه السلام أنه قال: أوصت إلي فاطمة أن لا يغسلها غيري، وسكبت أسماء بنت عميس (6). وعن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه سئل عن المرأة هل يغسلها زوجها ؟ قال: لا بأس بذلك، وليغسلها من فوق ثوب (7). وعنه عليه السلام أنه قال: والمرأة تغسل زوجها إذا مات ولا تتعمد النظر إلى الفرج (8). وعنه عليه السلام أنه قال: لما مات علي بن الحسين عليهما السلام قال أبو جعفر عليه السلام: لقد كنت أكره أن أنظر إلى عورتك في حياتك، فما أنا بالذي أنظر إليها بعد موتك فادخل يده من تحت الثوب فغسله، ودعا أم ولده فأدخلت يدها معه فغسلته، وقال أبو عبد الله عليه السلام: وكذلك فعلت أنا بأبي عليه السلام (9). وعنه عليه السلام أنه قال: في الرجل يموت بين النساء لا محرم له منهن، والمرءة

 

(1 - 6) دعائم الاسلام ج 1 ص 228. (7 - 9) دعائم الاسلام ج 1 ص 229.

 

[308]

كذلك تموت بين الرجال فلا يوجد من يغسلهما ؟ قال: يدفنان بغير غسل (1). وعن أبي جعفر عليه السلام قال: الغريق يغسل (2). وعن جعفر بن محمد عليه السلام قال: من مات وهو جنب أجزء عنه غسل واحد، و كذلك الحائض (3). وعنه عليه السلام أنه قال: غسل الميت ثلاث غسلات: غسلة بالماء والسدر، و غسلة بالماء والكافور، والثالثة بالماء محضا، وكل غسلة منها كغسل الجنابة يبدء فيوضأ كوضوء الصلاة، ثم يمر الماء على جسده كله، ويقلبه لجنبه ولا يجلسه فانه إذا أجلسه اندق ظهره، ولكن يقلبه لجنبيه ويغسل ظهره وهو كذلك، ويمر يديه على سائر جسده كما يفعل الجنب إذا اغتسل (4). وقال عليه السلام: يجعل على الميت حين يغسل إزار من سرته إلى ركبته، ويمر الماء من تحته، ويلف الغاسل على يده خرقة ويدخلها من تحت الازار، فيغسل فرجه وسائر عورته التي تحت الازار (5). بيان: قال في النهاية يقال: قذرت الشئ أقذره، إذا كرهته واجتنبته قوله عليه السلام عطلا من ذنوبه أي خاليا قال في القاموس عطل من الماء والادب خلا فهو عطل بضمة وبضمتين، وقوس عطيل بلا وتر انتهى. 28 - الهداية: يغسل الميت أولى الناس به، أو من يأمره الولى بذلك إلى قوله: فإذا فرغ من أمر الكفن، وضع الميت على المغتسل، وجعل باطن رجليه إلى القبلة، وينزع القميص من فوق إلى سرته، ويتركه إلى ان يفرغ من غسله ليستر به عورته، فإذا لم يكن عليه قميص ألقى على عورته ما يسترها به، ويلين أصابعه برفق، فان تصعبت عليه فليدعها، ويمسح يده على بطنه مسحا رفيقا (6).

 

(1 - 2) دعائم الاسلام ج 1 ص 229. (3 - 5) دعائم الاسلام ج 1 ص 230. (6) الهداية ص 24.

 

[309]

وقال أبي - ره - في رسالته إلي: ابدء بيديه فاغسلهما بثلاث حميديات بماء السدر، ثم تلف على يدك اليسرى خرقة تجعل عليها شيئا من الحرض، وهو الاشنان، وتدخل يدك تحت الثوب، ويصب عليك غيرك الماء من فوق إلى سرته وتغسل قبله ودبره، ولا تقطع الماء عنه، ثم تغسل رأسه ولحيته برغوة السدر، و بعده بثلاث حميديات، ولا تقعده. ثم تقلبه إلى الجانب الايسر ليبدو لك الايمن وتمد يده اليمنى على جنبه الايمن إلى حيث بلغت، ثم تغسله بثلاث حميديات من قرنه إلى قدمه، ولا تقطع الماء عنه، ثم اتقلبه إلى جانبه الايمن ليبدو لك الايسر وتمد يده اليسرى على جنبه الايسر إلى حيث بلغت ثم تغسله بثلاث حميديات من قرنه إلى قدمه، ولا تقطع الماء عنه، ثم اقلبه إلى ظهره وامسح بطنه مسحا رفيقا، واغسله مرة أخرى بماء وشئ من جلال الكافور، مثل الغسلة الاولى، وخضخض الاواني التي فيها الماء، واغسله الثالثة بماء قراح، ولا تمسح بطنه ثالثة (1). وقل وأنت تغسله: " اللهم عفوك عفوك " فانه من فعل ذلك عفا الله عنه (2). والمجدور والمحترق إن لم يمكن غسلهما صب عليهما الماء صبا، يجمع ما سقط منهما في أكفانهما (3). 29 - مصباح الانوار: عن أبي عبد الله الحسين عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام غسل فاطمة ثلاثا وخمسا، وجعل في الغسلة الخامسة الاخرة شيئا من الكافور، و أشعرها مئزرا سابغا دون الكفن، وكان هو الذي يلي ذلك منها، وهو يقول: " اللهم إنها أمتك وبنت رسولك وصفيك وخيرتك من خلقك، اللهم لقنها حجتها، وأعظم برهانها، وأعل درجتها، واجمع بينها وبين أبيها محمد صلى الله عليه وآله ". وعن زيد بن علي قال: غسل أمير المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وآله وغسل أمير المؤمنين الحسن ولده عليهما السلام، ثم قال زيد: بأبي وأمي من تولت الملائكة غسله، قال: يعني أبا عبد الله الحسين عليه السلام.

 

(1 - 2) الهداية ص 24. (3) الهداية ص 25.

 

[310]

وقال زيد: نحن الموتورون، ونحن المظلومون، فويل لمن جهل أمرنا، وطوبى لمن عرف حقنا. 30 - كتاب دلايل الامامة: للطبري الامامي، عن أحمد بن محمد الخشاب عن زكريا بن يحيى، عن ابن أبي زائدة، عن أبيه، عن محمد بن الحسن، عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله رأت فاطمة عليها السلام رؤيا طويلة بشرها رسول الله صلى الله عليه وآله باللحوق به، وأراها منزلها، فلما انتبهت قالت لامير المؤمنين عليه السلام: إذا توفيت لا تعلم أحدا إلا أم سلمة وأم أيمن وفضة، ومن الرجال ابني والعباس وسلمان وعمارا والمقداد وأبا ذر وحذيفة، وقالت: إني أحللتك أن تراني بعد موتي، فكن من النسوة فيمن يغسلني، ولا تدفني إلا ليلا ولا تعلم أحدا قبري تمام الحديث (1). 31 - ومنه: عن محمد بن هارون بن موسى التلعكبرى، عن أبيه، عن محمد بن همام رفعه قال: لما قبضت فاطمة عليها السلام غسلها أمير المؤمنين عليه السلام ولم يحضرها غيره، والحسن والحسين عليهما السلام وزينب وأم كلثوم وفضة جاريتها، وأسماء بنت عميس الخبر (2). 32 - ومنه: عن أبي المفضل محمد بن عبد الله، عن محمد بن همام، عن أحمد ابن الحسين المعروف بابن أبي القاسم، عن أبيه، عن بعض رجاله، عن الهيثم بن واقد قال: كنت عند الرضا عليه السلام بخراسان، وكان العباس يحجبه، فدعاني وإذا عنده شيخ أعور يسأله، فخرج الشيخ فقال لي: رد على الشيخ فخرجت إلى الحاجب فقال: لم يخرج على أحد، فقال الرضا: أتعرف الشيخ ؟ فقلت: لا، فقال: هذا رجل من الجن سألني عن مسائل، وكان فيما سألني عنه مولودان ولدا في بطن ملتزمين مات أحدهما كيف يصنع به ؟ قلت: ينشر الميت عن الحي (3).

 

(1) دلائل الامامة ص 44. (2) دلائل الامامة ص 46. (3) دلائل الامامة ص 194.

 

[311]

9. * " (باب) " * * " (التكفين وآدابه وأحكامه) " * 1 - قرب الاسناد: عن محمد بن علي بن خلف، عن إبراهيم بن محمد بن عبد الله الجعفري قال: رأيت جعفر بن محمد ينفض يكمه المسك عن الكفن، فيقول: ليس هذا من الحنوط في شئ (1). بيان: يدل على مرجوحية التحنط بالمسك، وما روي من تحنط النبي صلى الله عليه وآله به إما محمول على التقية أو مخصوص به صلى الله عليه وآله، وظاهر الاكثر كراهة غير الكافور والذريرة من الطيب مطلقا، قال في الذكرى: وأما المسك ففي خبرين أرسلهما الصدوق (2) أحدهما أن النبي صلى الله عليه وآله حنط بمثال من مسك سوى الكافور، والاخر عن الهادي عليه السلام أنه سوغ تقريب المسك والبخور إلى الميت، ويعارضهما مسند محمد بن ابن مسلم (3) ونقل ما سيأتي، وقال: خبر غياث بن إبراهيم (4) عن الصادق عليه السلام أن أباه كان يجمر الميت بالعود ضعيف السند. 2 - قرب الاسناد: عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه عليا عليه السلام كان لا يلبس إلا البياض أكثر ما يلبس، ويقول: فيه تكفين الموتى (5). 3 - وبهذا الاسناد: عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام أن الرش على القبور كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله وكان يجعل الجريد الرطب على القبر، حين يدفن الانسان

 

(1) قرب الاسناد ص 75 ط حجر ص 99 ط نجف. (2) الفقيه ج 1 ص 93. (3) تراه في العلل والخصال تحت الرقم 9. (4) أورده في التهذيب ج 1 ص 84. (5) قرب الاسناد ص 93 ط نجف، ص 71 ط حجر.

 

[312]

في أول الزمان، ويستحب ذلك للميت (1). بيان: لا خلاف ظاهرا في استحباب كون الكفن أبيض إلا الحبرة. 4 - العلل: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد، عن أحمد بن محمد، عن بعض أصحابنا يرفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: أجيدوا أكفان موتاكم، فانها زينتهم (2). ثواب الاعمال: عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد مثله (3). فلاح السائل: من كتاب مدينة العلم مرسلا مثله (4). 5 - العلل: عن أبيه، عن محمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن يونس بن يعقوب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أوصاني أبي بكفنه قال لي: يا جعفر اشتر لي بردا وجوده، فان الموتى يتباهون بأكفانهم (5). 6 - ومنه: عن أبيه ومحمد بن الحسن، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد ابن أحمد، عن إبراهيم بن هاشم، عن ابن سنان رفعه قال: السنة في الحنوط ثلاثة عشرة درهما وثلث، قال محمد بن أحمد، ورووا أن جبرئيل عليه السلام نزل على رسول الله صلى الله عليه وآله بحنوط وكان وزنه أربعين درهما، فقسمه رسول الله صلى الله عليه وآله ثلاثة أجزء: جزء له، وجزء لعلي وجزء لفاطمة صلوات الله عليهم (6). بيان: المشهور بين الاصحاب تحقق الحنوط بمسماه، وقال الشيخان و الصدوق: أقله مثقال وأوسطه أربعة دراهم، وأكمل منه وزن ثلاثة عشر درهما و ثلث، وقال الجعفي: أقلة مثقال وثلث، قال: ويخلط بتربة مولانا الحسين عليه السلام وقال ابن الجنيد: أقله مثقال وأوسطه أربعة مثاقيل وقدر ابن البراج أكثره بثلاثة

 

(1) قرب الاسناد ص 68، ط حجر ص 90 ط نجف. (2) علل الشرايع ج 1 ص 285. (3) ثواب الاعمال ص 178. (4) فلاح السائل ص 96. (5 - 6) علل الشرايع ج 1 ص 285

 

[313]

عشر درهما ونصف، وقد وردت الروايات بالمثقال، وبالمثقال والنصف، و بأربعة مثاقيل، وبثلاثة عشر درهما وثلث، والكل حسن، وما زاد منها أحسن والظاهر عدم مشاركة الغسل للحنوط في تلك المقادير، وقيل بالمشاركة. 7 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن محمد بن محمد بن مخلد، عن عثمان بن أحمد المعروف بابن السماك، عن أحمد بن علي الخزاز، عن يحيى بن عمران عن سليمان بن أرقم، عن الحسن، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: قال: خير ثيابكم البياض فليلبسه أحياؤكم وكفنوا فيه موتاكم (1). 8 - الاحتجاج وغيبة الشيخ: فيما كتب محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري إلى القائم عليه السلام سئل عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره، هل يجوز ذلك أم لا ؟ فأجاب عليه السلام: يوضع مع الميت في قبره ويخلط بحنوطه إنشاء الله تعالى (2). وسأل: وروي لنا عن الصادق عليه السلام أنه كتب على إزار إسماعيل ابنه " إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله " وهل يجوز لنا نكتب مثل ذلك بطين القبر أو غيره ؟ فأجاب عليه السلام يجوز ذلك (3). 9 - العلل والخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى اليقطيني، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام، عن آبائه، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لا تجمروا الاكفان ولا تمسحوا موتاكم بالطيب إلا الكافور، فان الميت بمنزلة المحرم (4). بيان: نقل في المعتبر إجماع علمائنا على كراهة تجمير الكفن [وقال الصدوق: يكره أن يجمر أو يتبع بمجمرة، ولكن يجمر الكفن]، ولا يبعد حمل الاخبار الواردة بالجواز على التقية. 10 - الخصال: (5) عن أبيه ومحمد بن الحسن معا، عن محمد بن يحيى وأحمد

 

(1) أمالى الطوسى ج 1 ص 398. (2 - 3) الاحتجاج ص 274، غيبة الشيخ الطوسى. (4) علل الشرائع ج 1 ص 290، الخصال ج 1 ص 159. (5) قد كان في الاصل وهكذا الكمباني العلل، لكنه من سهو القلم. (*)

 

[314]

ابن إدريس معا، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن عيسى رفعه إلى أبي جعفر عليه السلام أنه قال: لا يماكس في أربعة أشياء: في الاضحية والكفن وثمن النسمة والكرى إلى مكة (1). وروى في وصايا النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام مثله كما مر باسناده (2). 11 - مجالس الصدوق: عن جعفر بن علي، عن جده الحسن بن علي، عن جده عبد الله بن المغيرة، عن إسماعيل بن مسلم، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أعد الرجل كفنه كان مأجورا كلما نظر إليه (3). 12 - معاني الاخبار: عن محمد بن الحسن، [عن محمد بن الحسن] الصفار عن إبراهيم بن هاشم، [عن عبد الله بن المغيرة، عن يحيى بن عبادة]، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سمعه أن رجلا مات من الانصار فشهده رسول الله صلى الله عليه وآله وقال خضروه، فما أقل المتخضرين يوم القيامة، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام وأي شئ التخضير ؟ قال: تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع وتوضع هنا - وأشار بيده إلى ترقوته - تلف مع ثيابه. وقال الصدوق - رحمه الله - جاء هذا الخبر هكذا، والذي يجب استعماله أن يجعل للميت جريدتان من النخل خضراوين رطبتين، طول كل واحدة قدر عظم الذراع، تجعل إحداهما من عند الترقوة تلصق بجلده، وعليه القميص، و الاخرى عند وركه ما بين القميص والازار، فان لم يقدر على جريدة من نخل فلا بأس أن تكون من غيره من بعد أن تكون رطبا (4).

 

(1) الخصال ج 1 ص 117. (2) رواه في الخصال ج 1 ص 117، وتراه في ج 77 من البحار ص 58 المكرر نقلا عن مكارم الاخلاق. (3) أمالى الصدوق ص 197. (4) معاني الاخبار ص 348.

 

[315]

توضيح: اعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا في استحباب الجريدتين للميت وقال الشهيد الثاني - رحمه الله - الجريدة العود الذي يجرد عنه الخوص، ولا يسمى جريدا ما دام عليه الخوص، وإنما يسمى سعفا. وقال المفيد وسلار و جماعة: يستحب أن يكون من النخل، فان لم يوجد فمن الخلاف، وإلا فمن السدر، وإلا فمن شجر رطب، وذهب جماعة منهم الشيخ في النهاية والمبسوط و المحقق في الشرايع إلى تقديم السدر على الخلاف، وذهب الصدوق والشيخ في الخلاف والجعفي إلى أنه مع تعذر النخل تؤخذ من شجر رطب، وهو اختيار ابن البراج وابن إدريس، والشهيد في الدروس والبيان ذكر بعد الخلاف قبل الشجر الرطب شجر الرمان، ولا يبعد التخيير بعد النخل بين السدر والخلاف ثم الرمان. ثم اختلفوا في مقدارها فقال أكثر علمائنا منهم الشيخان يكون طولهما قدر عظم الذراع، وقال الصدوق: طول كل واحدة قدر عظم الذراع، قال: وإن كانت قدر الذراع فلا بأس، وإن كانت قدر شبر فلا بأس، وقال ابن أبي عقيل: مقدار كل واحدة أربع أصابع إلى ما فوقها، قال في الذكرى: والكل جائز لثبوت الشرعية مع عدم القاطع على قدر معين، والاظهر التخيير بين الذراع و الشبر وعظم الذراع، لورود الرواية بكل منها. واختلفوا أيضا في محلها فالمشهور بينهم أنه يجعل إحداهما من جانبه الايمن من ترقوته يلصقها بجلده، والاخرى من الايسر بين القميص والازار، ذهب إليه الصدق في المقنع، والشيخان وجمهور المتأخرين، وقال علي بن بابويه و الصدوق في الفقيه كما ذكر هنا، وقال ابن أبي عقيل: واحدة تحت إبطه الايمن وقال الجعفي إحداهما تحت إبطه الايمن والاخرى نصف مما يلي الساق ونصف مما يلي الفخد، ولعل المشهور أقوى، ومع التعذر للتقية توضع حيث يمكن ولو في القبر، واستحباب الشق كما ذكره بعض الاصحاب غير ثابت، وكذا


 

[316]

استحباب وضع القطن عليهما لم أربه نصا، وقد ذكره بعض الاصحاب. ثم اعلم أن هذا الخبر رواه في الفقيه (1) عن يحيى بن عبادة المكى أنه قال: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا جعفر عن التخضير، فقال: إن رجلا من الانصار هلك وذكر نحوه. وقال في المنتهى (2): روى الجمهور أن سفيان الثوري سأل عبد الله بن يحيى ابن عبادة المكي عن التخضير وذكر نحوه. 13 - ائعلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: أرأيت الميت إذا مات، لم تجعل معه الجريدة ؟ قال: تجافي عنه العذاب والحساب، ما دام العود رطبا، إنما الحساب والعذاب كله في يوم واحد، في ساعة واحدة، قدر ما يدخل القبر، ويرجع الناس عنه، فانما جعل السعفتان لذلك، ولا عذاب و لا حساب بعد جفوفها إنشاء الله (3). بيان: قوله عليه السلام: إنما الحساب والعذاب إلى آخره، ينافي بظاهره ما تضمنه كثير من الاخبار من اتصال نعيم القبر وعذابه إلى يوم القيامة، إلا أن يجعل اتصال العذاب مختصا بالكفار، أو يكون الحصر باعتبار الاشدية أو المعنى أن ابتداء الحساب والعذاب إنما يكون في الساعة الاولى واليوم الاول، فإذا مضيا فلا يتبدء بعده فيهما. 14 - فقه الرضا: قال عليه السلام: ثم تضعه في أكفانه، واجعل معه جريدتين إحداهما عند ترقوته تلصقها بجلده، ثم تمد عليه قميصه، والاخرى عند وركه (4).

 

(1) الفقيه ج 1 ص 88. (2) منتهى المطلب ج 1 ص 461. (3) علل الشرايع ج 1 ص 285. (4) فقه الرضا ص 17.

 

[317]

وروي أن الجريدتين كل واحدة بقدر عظم ذراع، تضع واحدة عند ركبتيه تلصق إلى الساق وإلى الفخذين، والاخرى تحت إبطه الايمن ما بين القميص والازار، وان لم تقدر على جريدة من نخل فلا باس أن تكون من غيره، بعد أن تكون رطبا وتلفه في إزاره وحبرته، وتبدأ بالشق الايسر وتمد على الايمن، ثم تمد الايمن على الايسر، وإن شئت لم تجعل الحبرة معه حتى تدخله القبر فتلقيه عليه (1). ثم تعممه وتحنكه فتثني على رأسه بالتدوير وتلقي فضل الشق الايمن على الايسر والايسر غلى الايمن، ثم تمد على صدره، ثم تلفف اللفافة وإياك أن تعممه عمة الاعرابي وتلقي طرفي العمامة على صدره. وقبل أن تلبسه قميصه تأخذ شيئا من القطن، وتجعل عليه حنوطه وتحشو به دبره، وتضع شيئا من القطن على قبله. وتجعل عليه شيئا من الحنوط، وتضم رجليه جميعا، وتشد فخذيه إلى وركه بالمئزر شدا جيدا، لان لا يخرج منه شئ (2). فإذا فرغت من كفنه حنطته بوزن ثلاثة عشر درهما وثلث من الكافور، و تبدء بجبهته وتمسح مفاصله كلها به، وتلقي ما بقي منه على صدره، وفي وسط راحته، ولا يجعل في فمه ولا منخره ولا في عينيه ولا في مسامعه ولا على وجهه قطن ولا كافور، فان لم تقدر على هذا المقدار كافورا فأربعة دراهم، فان لم تقدر فمثقال لا أقل من ذلك لمن وجده (3). وقال عليه السلام في موضع آخر: إذا فرغت من غسله حنطت بثلاثة عشر درهما وثلث كافورا، تجعل في المفاصل، ولا تقرب السمع والبصر، وتجعل في موضع سجوده، وأدنى ما يجزيه من الكافور مثقال ونصف ثم يكفن بثلاث قطع وخمس وسبع: فأما الثلاثة فمئزر وعمامة ولفافة، والخمس مئزر وقميص وعمامة

 

(1 - 3) فقه الرضا: 17.

 

[318]

ولفافتان (1). وروي أنه لا يقرب الميت من الطيب شيئا ولا البخور إلا الكافور، فان سبيله سبيل المحرم (2). وروي إطلاق المسك فوق الكفن وعلى الجنازة لان في ذلك تكرمة الملائكة فما من مؤمن يقبض روحه إلا تحضر عنده الملائكة (3). وروي أن الكافور يجعل في فيه وفي مسامعه وبصره ورأسه ولحيته وكذلك المسك، وعلى صدره وفرجه، وقال: الرجل والمرأة سواء، قال غير أني أكره أن يتجمر ويتبع بالمجمرة ولكن يجمر الكفن (4). وقال: تؤخذ خرقة فيشدها على مقعدته ورجليه، قلت: الازار ؟ قال: إنها لا تعد شيئا وإنما أمر بها لكيلا يظهر منه شئ، وذكر أن ما جعل من القطن أفضل منه (5). وقال: يكفن بثلاثة أثواب: لفافة وقميص وإزار، وذكر أن عليا عليه السلام غسل النبي صلى الله عليه وآله في قميص وكفنه في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين وثوب حبرة يمنية، ولحدله أبو طلحة، ثم خرج أبو طلحة ودخل على القبر فبسط يده فوضع النبي صلى الله عليه وآله عليها فأدخله اللحد (6). وقال: إن عليا عليه السلام لما أن غسل رسول الله صلى الله عليه وآله وفرغ من غسله، نظر في عينيه فرأى فيها شيئا فانكب عليه فأدخل لسانه فمسح ما كان فيها، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله صلى الله عليك طبت حيا وطبت ميتا (7). وقال العالم عليه السلام: وكتب أبي في وصيته أن اكفنه في ثلاثه أثواب: أحدها رداء له حبرة، وكان يصلي فيه يوم الجمعة، وثوب آخر، وقميص، فقلت لابي لم تكتب هذا ؟ فقال: إني أخاف أن يغلبك الناس، يقولون: كفنه بأربعة أثواب أو خمسة، فلا تقبل. قولهم، وعصبته بعد بعمامة، وليس تعد العمامة من الكفن إنما يعد مما يلف به الجسد، وشققنا له القبر شقا من أجل أنه كان رجلا بدينا

 

(1 - 7) فقه الرضا ص 20.

 

[319]

وأمرني أن أجعل ارتفاع قبره أربعة أصابع مفرجات (1). وعن أبيه قال: إذا مات المحرم فليغسل وليكفن كما يغسل الحلال، غير أنه لا يقرب طيبا ولا يحنط، ويغطى وجهه. والمرأة تكفن بثلاثة أثواب: درع وخمار ولفافة، وتدرج فيها وحنوط الرجل والمرءة سواء (2). توضيح وتنقيح: قوله عليه السلام: " وتبدء بالشق الايسر " المشهور بين الاصحاب استحباب تلك الهيئة، واعترف الاكثر بعدم النص فيه، قيل: ولعل وجهه التيمن باليمين. أقول: الظاهر أن الصدوق أخذه من هذا الكتاب وأورده في الفقيه (3) وتبعه الاصحاب لاعتمادهم عليه، والاحوط العمل به، إذ لا قول بتعين خلافه. ثم اعلم أن المشهور بين أصحابنا أن الواجب في الكفن ثلاثة أثواب، بل قال في المعتبر أنه مذهب فقهائنا أجمع، عدا سلار، فانه اقتصر على ثوب واحد (4) ولعل الاشهر أقوى وأظهر، ثم الاشهر بينهم تعين القميص وذهب ابن الجنيد والمحقق في المعتبر وبعض المتأخرين إلى التخيير بين الاثواب الثلاثة وبين القميص والثوبين، ولعل الاخير أرجح، وذكر الشيخان وأتباعهما في الثياب الواجبة الثلاثة المئزر ولم أجد في الروايات المعتبرة ما يدل عليه بل الظاهر منها إما القميص والثوبان الشاملان للبدن أو ثلاثة أثواب شاملة (5). نعم يظهر المئزر

 

(1 - 2) فقه الرضا ص 20. (3) فقيه من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 92. (4) وقد ورد به حديث زرارة قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: العمامة للميت من الكفن هي ؟ قال: لا، انما الكفن المفروض ثلاثة أثواب، أو ثوب تام لا أقل منه يوارى فيه جسده كله، فما زاد فهو سنة إلى أن يبلغ خمسة، فما زاد فمبتدع، والعمامة سنة، الحديث، راجع ج 1 ص 83 من التهذيب. (5) بل الظاهر مما ورد في تكفين النبي صلى الله عليه وآله أنه كفن في ثوبي احرامه ثم لف

 

[320]

من هذا الخبر، وموثقة عمار (1) الساباطي، والاحوط الجمع بين القميص و المئزر، واللفافتين، عملا بالاقوال والاخبار جميعا، ويظهر من بعض كلمات الصدوق في الفقيه أنه حمل المئزر على الخرقة التي تلف على الفخذين كما يحتمله هذا الخبر أيضا. ثم اعلم أن المشهور بين الاصحاب استحباب إضافة الحبرة على الاثواب الواجبة، ويظهر من أكثر الاصحاب أنه يستحب أن يكون أحد الاثواب الثلاثة المتقدمة حبرة، كما ذهب إليه ابن أبي عقيل وأبو الصلاح، وهو أقوى. ثم المشهور أنه يلف في الحبرة، ويظهر من هذا الخبر التخيير بينه وبين طرحه عليه في القبر كما ذكر الصدوق في الفقيه، وروى الشيخ في الصحيح، عن عبد الله بن سنان (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال البرد لا يلف، ولكن يطرح عليه طرحا، وإذا ادخل القبر وضع تحت خده وتحت جنبه، وقال في الذكرى: وذهب بعض الاصحاب إلى أن البرد لا يلف، ولكن يطرح عليه طرحا، فإذا ادخل القبر وضع تحت خده وتحت جنبه وهو رواية ابن سنان انتهى. ولا يبعد القول بالتخيير، ولا خلاف في استحباب العمامة للرجل العامة من التحنيك، وقال في المبسوط عمة الاعرابي بغير حنك، وظاهر الاخبار أن عمة الاعرابي هي التي لم يكن لها طرفان، بل الظاهر منها أن المراد بالتحنيك إدارة طرفي العمامة من خلفه وإخراجهما من تحت حنكه، وإلقاؤهما على صدره لا شدهما تحت اللحبين، ويشهد لذلك العمل المستمر بين أشراف المدينة من زمنهم عليهم السلام إلى هذا الزمان، وأما إلقاء طرفي العمامة على الوجه المذكور فهو

 

عليه صلى الله عليه وآله ببرد حبرة، ولا معنى لذلك الا أنه البس الثوبان بهيئة الازار والرداء كما كان دأبه صلى الله عليه وآله في ملبسه في حياته، والازار هو المئزر نفسه، كالملحف واللحاف. وهذا هو السنة. (1) التهذيب ج 1 ص 87. (2) التهذيب ج 1 ص 129 و 123.

 

[321]

المشهور بين الاصحاب، ودلت عليه رواية يونس (1) وروي: يلقى فضلها على وجهه (2) وفي بعض الروايات واطرح طرفيها على ظهره، وفي بعضها يرد فضلها على رجليه، ولعل الاولى العمل بالمشهور وكذا إعمال القطن مما ذكره الاصحاب ووردت في الروايات، وشد الخرقة أيضا لا خلاف في استحبابه. ولا خلاف في وجوب التحنيط والمشهور وجوب تحنيط المساجد السبعة، ونقل الشيخ في الخلاف إجماع الفرقة عليه، وأضاف المفيد طرف الانف، والصدوق السمع والبصر والفم والمغابن وهي الاباط واصول الافخاذ، واختلفت الروايات في هذا الباب، ولا يبعد القول باستحباب تحنيط المفاصل، والاخبار في المسامع مختلفة، وجمع الشيخ بينها بحمل أخبار الجواز على جعله فوقها، وأخبار النهي على إدخاله فيها، ولعل الترك أولى لشهرة الاستحباب بين العامة، وكذا رواية المسك (3) الظاهر أنها محمولة على التقية كما عرفت. قال في المختلف: المشهور أنه يكره أن يجعل مع الكافور مسك، وروى ابن بابويه استحبابه انتهى، وكذا تجمير الكفن، وإن ذكره الصدوق مطابقا لما في الكتاب محمول على التقية أيضا كما عرفت. وأما الاثواب الزائدة على الواجب، فاختلف فيها كلام القوم. قال في الذكرى: قال كثير من الاصحاب تزاد المرأة نمطا وهو لغة ضرب من البسط، ولعله مراد، أو هو ثوب فيه خطط مأخوذ من الانماط وهي الطرايق، وابن إدريس جلعه الحبرة لدلالة الاسمين على الزينة. والمفيد: تزاد المرءة ثوبين: وهما لفافتان أو لفافة ونمط، وفي النهاية نهايته خمسة أثواب وهي لفافتان إحداهما حبرة، وقميص وإزار وخرقة: والمرءة تزاد لفافة أخرى ونمطا، وفي المبسوط مثل النهاية، ثم قال: وإن كانت امرءة زيدت لفافتين فيكمل لها سبعة، فظاهره هنا مشاركة المرءة في الخمسة الاول،

 

(1) التهذيب ج 1 ص 88 وترى فيها سائر الروايات المشار إليها في المتن. (2) راجع الفقيه ج 1 ص 93. (*)

 

[322]

وزيادتها لفافتين، وفي الخلاف تزاد المرءة إزارين. وقال الجعفي: الخمسة لفافتين وقميص وعمامة ومئزر، وقال: وقد روي سبع: مئزر وعمامة وقميصان ولفافتان ويمنية، وليس تعد الخرقة التي على فرجه من الكفن، وقال: وروي ليس العمامة من الكفن المفروض، وقال أبو الصلاح: يكفنه في درع ومئزر ولفافة ونمط، ويعممه، قال: والافضل أن تكون الملاف ثلاثا إحداهن حبرة يمنية ويجزي واحدة، وهذه العبارة تدل على اشتراك الرجل والمرءة في اللفائف والنمط، ولم يذكر البصروي النمط وسمى الازار الواجب حبرة. وقال علي بن بابويه: ثم اقطع كفنه تبدأ بالنمط وتبسطه، وتبسط عليه الحبرة، وتبسط الازار على الحبرة، وتبسط القميص على الازار، وتكتب على قميصه وإزاره وحبره. وظاهره مساواة الرجل والمرءة، وابنه الصدوق لما ذكر الثلاث الواجبة وحكم بأن العمامة والخرقة لا تعدان من الكفن، قال: من أحب ان يزيد زاد لفافتين حتى يبلغ العدد خمسة أثواب وقال في المقنع بقول أبيه بلفظ الخبر، وسلار ذكر الحبرة والخرقة للرجل، ثم قال: ويستحب أن أن تزاد للمرءة لفافتان، قال: وأسبغ الكفن سبع قطع ثم خمس ثم ثلات، و يظهر منه زيادة اللفائف ومساواة الرجل للمرءة. وقال ابن أبي عقيل - ره - الفرض إزار وقميص ولفافة، والسنة ثوبان عمامة وخرقة، وجعل الازار فوق القميص، وقال: السنة في اللفافة أن تكون حبرة يمانية، فان أعوزهم فثوب بياض، والمرءة تكفن في ثلاثة: درع وخمار ولفافة. وقال ابن البراج في الكامل: يسن لفافتان زيادة على الثلاثة المفروضة إحداهما حبرة يمنية، فان كانت الميت امرأة كانت إحدى اللفافتين نمطا فهده الخمس هي الكفن، ولا تجوز الزيادة عليها، ويتبع ذلك - وإن لم يكن من الكفن - خرقة وعمامة، وللمرءة خرقة للثديين: قال: وإن لم توجد حبرة ولا


 

[323]

نمط جاز أن يجعل بدل كل واحدة منهما إزار ونحوه. قال في التهذيب وصرح بثلاث أزر أحدها الحبرة، وهو ظاهر ابن زهرة أيضا وابن الجنيد لم يفرق بين الرجل والمرءة في ثلاثة أثواب يدرج فيها أو ثوبين وقميص، قال: ولا بد من العمامة، ويستحب المئزر والخمار للاشعار، فظهر أن النمط مغاير للحبرة في كلام الاكثر وأن بعض الاصحاب على استحباب لفافتين فوق الازار الواجب للرجل والمرءة، وإن كانت تسمى إحداهما نمطا وأن الخمسة في كلام الاكثر غير الخرقة والعمامة، والسبعة للمرءة غير القناع انتهى كلامه رفع الله مقامه. وقال في النهاية: في الحديث كفن رسول الله صلى الله عليه وآله في ثوبين صحاريين، صحار قرية باليمن نسب الثوب إليها، وقيل هو من الصحرة وهي حمرة خفية كالغبرة يقال ثوب أصحر وصحاري، وقال في الذكرى: هما منسوبان إلى صحار بضم الصاد وهي قصبة عمان مما يلي الجبل. قوله: وقال العالم. أقول: رواه الكليني والشيخ عن الصادق عليه السلام بسند حسن (1) وفي القاموس البادن والبدين الجسيم. أقول: وجه التعليل أن الجسيم يحتاج إلى توسيع اللحد ليسعه، وفي الاراضي الرخوة لا يتيسر ذلك. قوله عليه السلام: " إذا مات المحرم " هذا الحكم مروي في عدة أخبار، و عمل بها الاصحاب، فلا يجوز تحنيطه بالكافور، ولا وضعه في ماء غسله، واختلف في أنه يغسل بقراحين أحدهما بدل الكافور أو يسقط غسل الكافور رأسا، والاخير أظهر، وإن كان الاول أحوط، ثم في ساير الاحكام بحكم الحلال على المشهور وحكي عن ابن أبي عقيل أنه أوجب كشف رأسه ووجهه، والاخبار تدفعه، ولا فرق في الحكم المذكور بين الاحرامين، ولا بين موته قبل الحلق أو التقصير أو

 

(1) راجع التهذيب ج 1 ص 83 الكافي ج 3 ص 144: ورواه في الفقيه ج 1 ص 13 مرسلا.

 

[324]

بعدهما قبل طواف الزيارة، وربما احتمل اختصاص الحكم بالاول وهو ضعيف ولو مات بعد الطواف ففي تحريم الطيب نظر من إطلاق اسم المحرم عليه وحل الطيب له حيا فهنا أولى ورجح العلامة في النهاية الثاني وفيه إشكال. 15 - العيون والعلل: عن عبد الواحد بن عبدوس، عن علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام قال: إنما امر أن يكفن الميت ليلقى ربه عزوجل طاهر الجسد، ولئلا تبدو عورته لمن يحمله أو يدفنه، ولئلا يظهر الناس على بعض حاله وقبح منظرة، ولئلا يقسو القلب من كثرة النظر إلى مثل ذلك للعاهة والفساد، وليكون أطيب لانفس الاحياء، ولئلا يبغضه حميمه فيلغي ذكره ومودته، فلا يحفظه فيما خلف وأوصاه به وأمره به وأحب (1). 16 - معرفة الرجال للكشي: عن علي بن محمد، عن بنان بن محمد، عن علي ابن مهزيار، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا جعفر عليه السلام أن يبعث إلى بقميص من قمصه أعده لكفني فبعث إلى به، قال: فقلت له: كيف أصنع به ؟ فقال: انزع أزراره (2). بيان: يدل على أن كراهة الاكمام إنما هي في الاكفان المبتدءة، كما ذكره الاصحاب، وعلى رجحان نزع الازرار، وظاهر الاصحاب الاستحباب وعلى استحباب أخذ القميص من الامام عليه السلام للكفن تبركا، بل من مطلق الصلحاء أيضا. 17 - كشف الغمة: قال: روي أن فاطمة عليها السلام قالت: إن جبرئيل أتى النبي صلى الله عليه وآله لما حضرته الوفاة بكافور من الجنة، فقسمه أثلاثا ثلثا لنفسه، وثلثا لعلي، وثلثا لي، وكان أربعين درهما (3). 8 - الطرف: للسيد بن طاووس ومصباح الانوار لبعض أصحابنا الاخيار

 

(1) عيون الاخبار ج 2 ص 114، علل الشرايع ج 1 ص 254. (2) رجال الكشى ص 212 تحت الرقم 122. (3) كشف الغمة ج 2 ص 62 في حديث.

 

[325]

باسنادهما عن عيسى بن المستفاد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام: كان في الوصية أن يدفع إلى الحنوط، فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله قبل وفاته بقليل، فقال: يا علي ويا فاطمة هذا حنوطي من الجنة دفعه إلى جبرئيل عليه السلام وهو يقرئكما السلام ويقول لكما: اقسماه واعزلا منه لي ولكما، فقالت فاطمة يا أبتاه لك ثلثه، وليكن الناظر في الباقي علي بن أبي طالب عليه السلام فبكى رسول الله صلى الله عليه وآله وضمها إليه فقال: موفقة رشيدة مهدية ملهمة، يا علي قل في الباقي، قال: نصف ما بقي لها، والنصف لمن ترى يا رسول الله ؟ قال: هو لك فاقبضه. وقال كان فيما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله أن يدفن في بيته الذي قبض فيه، ويكفن بثلاثة أثواب أحدها يماني، ولا يدخل قبره غير علي عليه السلام (1). 19 - المقنعة: قال: روي أن آدم لما أهبطه الله من جنته إلى الارض استوحش، فسأل الله تعالى أن يؤنسه بشئ من أشجار الجنة، فأنزل الله النخلة فكان يأنس بها في حياته، فلما حضرته الوفاة قال لولده: إني كنت أنس بها في حياتي، وإني لارجو الانس بها بعد وفاتي، فإذا مت فخذوا منها جريدا و شقوه بنصفين وضعوهما معي في أكفاني، ففعل ولده ذلك، وفعلته الانبياء بعده ثم اندرس ذلك في الجاهلية فأحياه النبي صلى الله عليه وآله وفعله وصار سنة متبعة (2). 20 - معرفة الرجال للكشي: عن محمد بن مسعود، عن علي بن محمد، عن محمد ابن أحمد، عن سهل بن زاذويه، عن أيوب بن نوح، عمن رواه، عن أبي مريم الانصاري، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الحسن بن علي عليه السلام كفن أسامة بن زيد في برد أحمر حبرة (3).

 

(1) الطرف ص 41. (2) المقنعة: 12. (3) رجال الكشى ص 40، الرقم 9، وقال في التنقيح ج 1 ص 109 ما ملخصه أن الامام السبط الحسن الزكي توفى سنة 49 وقد مات أسامة سنة 54 من الهجرة، ولعل

 

[326]

21 - ومنه: عن محمد بن مسعود، عن أحمد بن عبد الله العلوي، عن علي ابن محمد، عن أحمد بن محمد الليثي، عن عبد الغفار، عن جعفر بن محمد عليه السلام أن عليا عليه السلام كفن سهل بن حنيف في برد أحمر حبرة (1). بيان: يدل الخبران على استحباب البرد الاحمر، وقال في الذكرى: يستحب التكفين في القطن الابيض إلا الحبرة 22 - مجالس الصدوق: عن جعفر بن محمد بن مسرور، عن محمد بن عبد الله ابن جعفر الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن خلف ابن حماد، عن أبي الحسن العبدي، عن الاعمش، عن عباية بن ربعي وعبد الله ابن عباس في حديث وفاة فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال النبي لعلي عليهما السلام خذ عمامتي هذه، وخذ ثوبي هذين فكفنها فيهما، ومر النساء فليحسن غسلها، وسيأتي تمامها في باب الصلاة على الميت (2). 23 - العلل: عن الحسن بن محمد بن يحيى، عن جده، عن بكر بن عبد الوهاب، عن عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جده في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله دفن فاطمة بنت أسد وكفنها في قميصه، ونزل في قبرها وتمرغ في لحدها (3). 24 - ومنه: عن الحسن بن محمد، عن جده يعقوب، عن ابن أبي عمير، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: إن فاطمة بنت أسد أوصت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقبل وصيتها فلما ماتت نزع قميصه وقال كفنوها فيه (4).

 

الصحيح الحسين بدل الحسن، وقال في قاموس الرجال: قد روى الكافي الخبر ونسخه مختلفة في الحسن والحسين. وليس التحريف منحصرا به فسهل بن زاذويه في سنده محرف سهل بن زياد، بشهادة رواية الكافي له (أقول: راجع ج 3 ص 159 من الكافي) (1) رجال الكشى ص 38، الرقم: 5. (2) أمالى الصدوق ص 189 في حديث. (3) علل الشرايع ج 2 ص 154. (4) علل الشرايع ج 2 ص 155.

 

[327]

أقول: وقد مر في باب الاحتضار أن الصادق عليه السلام كتب في حاشية كفن إسماعيل ابنه " إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله " (1). 25 - اكمال الدين: عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن عمرو بن عثمان، عن أبي كهمس قال: حضرت موت إسماعيل ورأيت أبا عبد الله عليه السلام وقد سجد سجدة فأطال السجود ثم رفع رأسه فنظر إليه ثم سجد سجدة أخرى أطول من الاولى، ثم رفع رأسه وقد حضره الموت، فغمضه وربط لحييه، وغطى عليه الملحفة، ثم قام، ورأيت وجهه وقد دخله منه شئ الله أعلم به، ثم قام ودخل منزله فمكث ساعة ثم خرج علينا مدهنا مكتحلا، عليه ثياب غير ثيابه التي كانت عليه، ووجهه غير الذي دخل به، فأمر ونهى في أمره، حتى إذا فرغ دعي بكفنه فكتب في حاشية الكفن " إسماعيل يشهد أن لا إله إلا الله " (2). بيان: ذكر الاصحاب أنه لم يرد في كتابة الكفن غير هذه الرواية، لكن الاصحاب زادوا أشياء كما وكيفا ومكتوبا به ومكتوبا عليه، للعمومات وبعض المناسبات، قال الشهيد في الذكرى: يستحب أن يكتب على الحبرة واللفافة والقميص والعمامة والجريدتين " فلان يشهد أن لا إله إلا الله " لخبر أبي كهمس، وزاد ابن الجنيد " وأن محمدا رسول الله " وزاد الشيخ في النهاية والمبسوط و الخلاف أسماء النبي صلى الله عليه وآله والائمة، وظاهره في الخلاف دعوى الاجماع عليه، و العمامة ذكرها الشيخ في المبسوط وابن البراج لعدم تخصيص الخبر. ولتكن الكتابة بتربة الحسين عليه السلام، ومع عدمها بطين وماء، ومع عدمه بالاصبع، وفي العزية للمفيد: بالتربة أو غيرها من الطين، وابن الجنيد بالطين والماء ولم يعين ابن بابويه ما يكتب به، والظاهر اشتراط التأثير في الكتابة لانه المعهود و يكره بالسواد، قال المفيد: وبغيره من الاصباغ، ولم ينقل استحباب كتابة شئ

 

(1) راجع ص 239 فيما سبق وقد أخرجه عن اكمال الدين ج 1 ص 161. (2) اكمال الدين ج 1 ص 162.

 

[328]

على الكفن سوى ذلك، فيمكن أن يقال بجوازه قضية للاصل، وبالمنع، لانه تصرف لم يعلم إباحة الشرع له انتهى. أقول: قد مر استحباب الكتابة بالتربة في توقيع الناحية المقدسة، وربما يؤيد تعميم المكتوب حديث الجوشن، وحديث لوح محمد بن عثمان كما سيأتي في باب الدفن. 26 - العيون: عن ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن حمدان بن سليمان، عن الحسن ابن عبد الله الصيرفي، عن أبيه قال: توفي موسى بن جعفر عليهما السلام في يدي سندي بن شاهك، فحمل على نعش ونودي عليه: هذا إمام الرافضة، فسمع سليمان بن أبي جعفر الصياح ونزل عن قصره وحضر جنازته وغسله وحنطه بحنوط فاخر، وكفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين وخمسمائة دينار، عليها القرآن كله، واحتفى ومشى في جنازته متسلبا مشقوق الجيب إلى مقابر قريش فدفنه عليه السلام هناك (1). بيان: الاستدلال بهذا الخبر على استحباب كتابة القرآن في الكفن بعيد، إذ ليس من فعل المعصوم ولا تقرير منه فيه إلا أن يقال: ورد في الرواية حضور الرضا عليه السلام فيتضمن تقريره ولا يخفى ما فيه. 27 - قرب الاسناد: عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن الفضل بن يونس الكاتب قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل من أصحابنا يموت ولم يترك ما يكفن به أفأشتري له كفنه من الزكاة ؟ قال: فقال أعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه فيكونون هم الذين يجهزونه، قلت: فان لم يكن له ولد ولا أحد يقوم بأمره أفأجهزه أنا من الزكاة ؟ قال: فقال: كان أبي يقول: إن حرمة عورة المؤمن وحرمة بدنه وهو ميت كحرمته وهو حي، فوارعورته وبدنه وجهزه وكفنه وحنطه واحتسب بذلك من الزكاة.

 

(1) عيون أخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص 99 و 100، ورواه في اكمال الدين واتمام النعمة ج 1 ص 118، أيضا.

 

[329]

قلت: فان اتجر عليه (1) بعض إخوانه بكفن آخر، وكان عليه دين أيكفن بواحد ويقضي بالاخر دينه ؟ قال: فقال: هذا ليس ميراثا تركه، وإنما هذا شئ صار إليهم بعد وفاته، فليكفنوه بالذي اتجر عليهم به، وليكن الذي من الزكاة لهم يصلحون به شأنهم (2). بيان: ذكر جماعة من الاصحاب أنه يجوز تكفين الميت من الزكاة مع احتياجه إلى ذلك، بل صرح بعضهم بالوجوب، وتوقف فيه بعض المتأخرين لضعف السند وقال الجزري في حديث الاضاحي كلوا وادخروا واتجروا أي تصدقوا طالبين الاجر، ولا يجوز فيه اتجروا بالادغام لان الهمزة لا تدغم في التاء، وإنما هو من الاجر لا من التجارة، وقد أجازه الهروي في كتابه، واستشهد عليه بقوله في حديثه الاخر إن رجلا دخل المسجد وقد قضى النبي صلى الله عليه وآله صلاته فقال: من يتجر فيقوم فيصلي معه، والرواية إنما هي يأتجر، وإن صح فيها يتجر فيكون من التجار لا الاجر كأنه بصلاته معه قد حصل لنفسه تجارة أي مكسبا ومنه حديث الزكاة ومن أعطاها مؤتجرا بها. 28 - فلاح السائل: من كتاب مدينة العلم باسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: تنوقوا في الاكفان فانكم تبعثون بها (3). وقال: وجدت في تاريخ نيسابور في ترجمة إبراهيم بن عبد الرحمان بن سهل باسناده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: خير ثيابكم البياض فليلبسها أحياؤكم، وكفنوا فيها موتاكم، فانها من خير ثيابكم (4). ومن كتاب سير الائمة باسناده إلى الصادق عليه السلام قال: إن ابي عليه السلام أوصاني عند الموت فقال: يا جعفر كفني في ثوب كذا وكذا، وثوب كذا وكذا، فان الموتى يتباهون بأكفانهم، الخبر (5).

 

(1) ولعله مصحف وكان " أنجز " من الانجاز وهو القضاء والاعطاء. (2) قرب الاسناد ص 175 ط نجف ص 130 ط حجر، ورواه الشيخ في التهذيب ج 1 ص 445 ط نجف ص 126 ط حجر. (3 - 5) فلاح السائل ص 69.

 

[330]

ومن كتاب مدينة العلم باسناده عن الصادق عليه السلام قال: من كان كفنه في بيته لم يكتب من الغافلين، وكان مأجورا كلما نظر إليه (1). ومن المعجم الكبير للطبراني في مسند حذيفة بن اليمان قال: بعث حذيفة من يبتاع له كفنا فابتاعوا له كفنا بثلاث مائة درهم، فقال حذيفة: ليس أريد هذا ولكن ابتاعوا ريطتين بيضاوين خشنتين (2). وروي في كتاب دلائل الائمة عليهم السلام أخبار كثيرة بأنهم هيئوا أكفان جماعة من شيعتهم قبل وفاتهم، ونفذوا الاكفان إليهم (3). بيان: قال الفيروز آبادي: النواق رائض الامور ومصلحها وتنيق في مطعمه وملبسه تجود وبالغ كتنوق. أقول: عمل حذيفة لا حجة فيه، لا سيما مع معارضة الاخبار المعتبرة. 29 - ارشاد القلوب: قال سندي بن شاهك: كنت سألت موسى بن جعفر عليهما السلام أن يأذن لي في أن أكفنه فأبى، وقال: إنا أهل بيت مهور نسائنا وحج صرورتنا وأكفان موتانا من طاهر أموالنا، وعندي كفني (4). 30 - دعوات الراوندي: قال أبو عبد الله عليه السلام: أجيدوا أكفان موتاكم فانها زينتهم (5). 31 - المكارم: عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس من لباسكم شئ أحسن من البياض، فالبسوه، وكفنوا فيه موتاكم (6). وعن الحسين بن المختار قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: يحرم الرجل في الثوب

 

(1 - 3) فلاح السائل ص 72. (4) ارشاد المفيد ص 283. (5) دعوات الراوندي مخطوط، وقد أخرجه السيد في فلاح السائل ص 69 من كتاب مدينة العلم أيضا. (6) مكارم الاخلاق ص 119.

 

[331]

الاسود ؟ فقال: لا يجوز في الثوب الاسود ولا يكفن به الميت (1). 32 - جنة الامان: للكفعمي، عن السجاد زين العابدين، عن أبيه، عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله قال: نزل جبرئيل على النبي صلى الله عليه وآله في بعض غزواته وعليه جوشن ثقيل آلمه ثقله، فقال: يا محمد ربك يقرئك السلام ويقول لك: اخلع هذا الجوشن واقرأ هذا الدعاء فهو أمان لك ولامتك، وساق الحديث إلى أن قال: ومن كتبه على كفنه استحيى الله أن يعذبه بالنار، وساق الحديث إلى أن قال: قال الحسين عليه السلام أوصاني أبي عليه السلام بحفظ هذا الدعاء، وتعظيمه، وأن أكتبه على كفنه، و أن اعلمه أهلي وأحثهم عليه، ثم ذكر الجوشن الكبير كما سيأتي في كتاب الدعاء (2). أقول: رواه في البلد الامين (3) أيضا بهذا السند، وزاد فيه " ومن كتب في جام بكافور أو مسك ثم غسله ورشه على كفن ميت أنزل الله تعالى في قبره ألف نور وآمنه من هول منكر ونكير، ورفع عنه عذاب القبر، ويدخل كل يوم سبعون ألف ملك إلى قبره يبشرونه بالجنة، ويوسع عليه قبره مد بصره. ومن الغرايب أن السيد بن طاووس قدس الله روحه بعد ما أورد الجوشن الصغير المفتتح بقوله " إلهي كم من عدو انتضى على سيف عداوته " في كتاب مهج الدعوات (4). قال: خبر دعاء الجوشن وفضله وما لقاريه وحامله من الثواب بحذف الاسناد عن مولانا وسيدنا موسى بن جعفر عليهما السلام عن أبيه، عن جده، عن أبيه الحسين بن علي أمير المؤمنين صلوات الله عليهم أجمعين وذكر نحوا مما رواه الكفعمي في فضل

 

(1) مكارم الاخلاق ص 119، ورواه في الكافي ولفظه " قال: لا يحرم في الثوب الاسود " الخ. (2) راجع ج 94 ص 382 - 384، ومتن الدعاء من ص 384 - 397. (3) البلد الامين ص 402 - 411، متن الدعاء فقط، راجع شرح ذلك ج 94 ذيل الصفحة 384. (4) مهج الدعوات ص 271 - 281.

 

[332]

الجوشن الكبير، وساق الحديث إلى أن قال: قال جبرئيل عليه السلام: يا نبي الله لو كتب إنسان هذا الدعاء في جام بكافور ومسك، وغسله ورش ذلك على كفن ميت، أنزل الله عليه في قبره مائة الف نور، و يدفع الله عنه هول منكر ونكير، ويأمن من عذاب القبر، ويبعث الله إليه في قبره سبعين ألف ملك، مع كل ملك طبق من النور ينثرونه عليه، ويحملونه إلى الجنة، ويقولون له: إن الله تبارك وتعالى أمرنا بهذا، ونونسك إلى يوم القيامة، ويوسع الله عليه قبره مد بصره، ويفتح له بابا إلى الجنة، ويوسدونه مثل العروس في حجلتها من حرمة هذا الدعاء وعظمته، ويقول الله تعالى: إنني أستحيي من عبد يكون هذا الدعاء على كفنه وساقه إلى قوله: قال الحسين بن علي صلوات الله عليهما: أوصاني أبي أمير المؤمنين عليه السلام وصية عظيمة بهذا الدعاء وقال لي: يا بني اكتب هذا الدعاء على كفني، وقال الحسين عليه السلام فعلت كما أمرني أبي عليه السلام (1). أقول: ظهر لي من بعض القرائن أن هذا ليس من السيد قدس الله روحه، وليس هذا إلا شرح الجوشن الكبير، وكان كتب الشيخ أبو طالب بن رجب هذا الشرح من كتب جده السعيد تقي الدين الحسن بن داود لمناسبة لفظة الجوشن واشتراكهما في هذا اللقب، في حاشية الكتاب، فأدخله النساخ في المتن، وعلى أي حال الاحوط لمن عمل بذلك أن لا يتعدى عن الكافور، لما عرفت من أن الافضل أن لا يقرب الميت غير الكافور من الطيب. 33 - البلد الامين: عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من جعل هذا الدعاء في كفنه شهد له عند الله أنه وفى بعهده، ويكفى منكرا ونكيرا، وتحفه الملائكة عن يمينه وشماله بالولدان والحور، ويجعل في أعلى عليين، ويبنى له بيت في الجنة من لؤلؤة بيضاء، يرى باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها، لها مائة ألف باب ويعطى مائة ألف مدينة إلى آخر ما سيأتي وهو هذا الدعاء " بسم الله الرحمان

 

(1) مهج الدعوات ص 281 - 287، وقد أخرجه في ج 94 ص 397 - 402.

 

[333]

الرحيم اللهم إنك حميد مجيد، ودود شكور، كريم وفي، ملي إلى آخر ما سيأتي في كتاب الدعاء. 34 - دعائم الاسلام: عن الصادق عليه السلام أنه قال: ما سقط من الميت من عظم أو غير ذلك جعل في كفنه ودفن به (1). وعنه عليه السلام أنه قال: إذا فرغ من غسل الميت نشف في ثوب، وجعل الكافور والحنوط في مواضع سجوده: جبهته وأنفه ويديه وركبتيه ورجليه، ويجعل ذلك في مسامعه وفيه ولحيته وصدره، وحنوط الرجل والمرءة سواء (2). وعنه، عن آبائه عليهم السلام عن علي عليه السلام أنه كان لا يرى بالمسك في الحنوط باسا (3). وعنه عليه السلام قال: لا يحنط الميت بزعفران ولا ورس، وكان لا يرى بتجمير الميت بأسا، وتجمير كفنه، والموضع الذي يغسل فيه ويكفن (4). وعن أبي جعفر عليه السلام أنه سئل عن المحرم يموت محرما قال: يغطي رأسه، ويصنع به ما يصنع بالحل، خلا أنه لا يقرب بطيب (5). وعن علي عليه السلام أنه كفن رسول الله صلى الله عليه وآله في ثلاثة أثواب ثوبين صحاريين له، وثوب يمنية، وإزار وعمامة (6). وعن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال: نعم الكفن ثلاثة أثواب: قميص غير مزرور ولا مكفوف، ولفافة وإزار، وقال أوصى أبي أن اكفنه في ثلاثة أثواب أحدها رداء حبرة كان يصلي فيها الجمعة، وثوب آخر وقميص (7). وعن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: لا بد من إزار وعمامة، ولا يعدان في الكفن (8). وعن جعفر بن محمد عليهما السلام أن رجلا كان يغسل الموتى سأله كيف يعمم الميت ؟ قال: لا تعممه عمة الاعرابي ولكن خذ العمامة من وسطها ثم انشرها على رأسه

 

(1 - 2) دعائم الاسلام ج 1 ص 230. (3 - 8) دعائم الاسلام ج 1 ص 231.

 

[334]

وردها من تحت لحيته وعممه وأرخ ذيليها مع صدره، واشدد على حقويه [خرقة كالازار]، وأنعم شدها، وافرش القطن تحت مقعدته، لئلا يخرج منه شئ، وليست العمامة ولا الخرقة من الكفن، وإنما الكفن ما لف به البدن (1). وعن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى أن يكفن الرجال في ثياب الحرير (2). وعن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال: يجعل القطن في مقعدة الميت لئلا يبدو منه شئ، ويجعل منه على فرجه وبين رجليه، ويخمر رأس المرءة بخمار، وتعمم الرجل (3). وروينا عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله كفن حمزة في نمرة سوداء (4). وعن الحسن بن علي عليهما السلام أنه كفن اسامة بن زيد في برد أحمر (5). وروينا عن علي عليه السلام أنه قال: أول ما يبدء به من تركة الميت الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم الميراث (6). بيان: قوله عليه السلام أن يكفن الرجال، يشعر بجواز تكفين المرءة في الحرير، والمشهور بين الاصحاب عموم التحريم كما هو مدلول أكثر الاخبار، وإثبات الجواز بمثل هذا الخبر مشكل، مع أن في دلالته أيضا ضعفا، واحتمل العلامة في النهاية كراهته للمرءة لاباحته لها في حال الحياة ولا يخفى وهنه. 35 - الهداية: ويقطع غاسل الميت كفنه: يبدء بالنمط فيبسطه، ويبسط عليه الحبرة، وينثر عليه شيئا من الذريرة، ويبسط الازار على الحبرة، وينثر عليه شيئا من الذريرة، ويكثر منه، ويكتب على قميصه وإزاره وحبرته والجريدة " فلان يشهد أن لا إله إلا الله " ويلفها جميعا ويعد مئزرا ويأخذ جريدتين من النخل خضراوين

 

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 231 وما بين العلامتين زيادة من المصدر. (2 - 4) دعائم الاسلام ج 1 ص 232. (5) المصدر نفسه، وفيه " وعن الحسين بن علي عليهما السلام " وقد عرفت أنه الصحيح. (6) دعائم الاسلام ج 1 ص 232.

 

[335]

رطبتين طول كل واحدة قدر عظم الذراع (1). وقال الصادق عليه السلام: السنة في الكافور للميت وزن ثلاثة عشر درهما وثلث، والعلة في ذلك أن جبرئيل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وآله بأوقية كافور من الجنة، فجعلها النبي صلى الله عليه وآله ثلاث أثلاث: ثلثا له، وثلثا لعلي، وثلثا لفاطمة، فمن لم يقدر على وزن ثلاثة عشر درهما وثلث كافورا، حنط الميت بأربعة دراهم، فان لم يقدر فمثقال واحدة لا أقل. منه لمن وجده (2). 36 مصباح الانوار: عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهما السلام أن فاطمة عليها السلام كفنت في سبعة أثواب. وعن إبراهيم بن محمد، عن محمد بن المنكدر أن عليا عليه السلام كفن فاطمة عليها السلام في سبعة أثواب. وعن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: لما حضرت فاطمة الوفاة دعت بماء فاغتسلت ثم دعت بطيب فتحنطت به ثم دعت بأثواب كفنها فأتيت بأثواب غلاظ خشنة، فتلففت بها، ثم قالت: إذا أنا مت فادفنوني كما أنا ولا تغسلوني، فقلت: هل شهد معك ذلك أحد ؟ قال: نعم شهد كثير بن عباس، وكتب في أطراف كفنها كثير بن عباس: " تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " صلى الله عليه وآله (3).

 

(1) الهداية ص 23 ط الاسلامية. (2) الهداية ص 25. (3) روى مثله الشيخ في أماليه ج 2 ص 15 عن ابن حمويه قال: حدثنا أبو الحسين قال: حدثنا أبو خليفة قال: حدثنا العباس بن الفضل قال: حدثنا محمد بن أبي رجاء أبو سليمان، عن ابراهيم بن سعد، عن أبي اسحاق، عن أبي عبد الله بن علي بن أبي رافع عن أبيه، عن سلمى امرءة أبى رافع قالت: مرضت فاطمة عليها السلام فلما كان اليوم الذي ماتت فيه قالت: هيئى لي ماء، فصببت لها فاغتسلت كأحسن ما كانت تغتسل، ثم قالت: ائتنى بثياب جدد، فلبستها، ثم أتت البيت الذي كانت فيه فقالت: افرشي لي في وسطه ثم اضطجعت واستقبلت القبلة ووضعت يدها تحت خدها وقالت: اني مقبوضة الان، -

 

[336]

 

 

- فلا أكشفن فاني قد اغتسلت، قالت: وماتت، فلما جاء علي عليه السلام أخبرته، فقال: لا تكشف، فحملها يغسلها عليها السلام، انتهى. ولعل الظاهر من لفظ الحديث في آخره أن المراد من قولها صلوات الله عليها " فلا أكشفن فاني قد اغتسلت " أن لا يكشف عنها ثيابها، فيبدو جثتها النحيفة الناحلة، ولذلك حملها علي عليه السلام وغسلها من وراء الثياب، وقد أخرج المؤلف العلامة المجلسي هذا الحديث في تاريخها ج (43 ص 172 البحار الحديثة) وقال في بيانه: لعلها عليها السلام انما نهت عن كشف العورة والجسد للتنظيف، ولم تنه عن الغسل. انتهى. وروى ابن شهر آشوب في المناقب ج 3 ص 364 عن ابن حمويه وابن حنبل وابن بطة بأسانيدهم قالت سلمى امرءة أبي رافع: اشتكت فاطمة شكواها التي قبضت فيها وكنت أمرضها فأصبحت يوما أسكن ما كانت فخرج علي (ع) إلى بعض حوائجه، فقالت: اسكبي لي غسلا فسكبت، فقامت واغتسلت أحسن ما يكون من الغسل ثم لبست أثوابها الجدد ثم قالت: افرشي فراشي وسط البيت ثم استقبلت القبلة ونامت وقالت: أنا مقبوضة، وقد اغتسلت فلا يكشفني أحد، ثم وضعت خدها على يدها وماتت. ونقله ابن بابويه على ما في كشف الغمة ج 2 ص 64 قال: روى مرفوعا إلى سلمى أم بنى رافع - وساق الحديث إلى قولها - ثم قالت عليها السلام: انى قد فرغت من نفسي فلا أكشفن اني مقبوضة الان ثم توسدت يدها اليمنى واستقبلت القبلة وقضت، فجاء علي عليه السلام ونحن نصيح، فسأل عنها فأخبرته، فقال: إذا والله لا تكشف، فاحتملت في ثيابها فغيبت. وقال الاربلي بعد نقل الحديث: أقول: ان هذا الحديث قد رواه ابن بابويه - ره - كما ترى، وقد روى أحمد بن حنبل في مسنده عن سلمى قالت - وساق الحديث إلى قولها - " فجاء علي فأخبرته " ثم قال: واتفاقهما من طرق الشيعة والسنة على نقله، مع كون الحكم على خلافه عجيب، فان الفقهاء من الطريقين لا يجيزون الدفن الا بعد الغسل الا في مواضع ليس هذا منه، فكيف -

 

[337]

 

 

رويا هذا الحديث ولم يعللاه ولا ذكرا فقهه ولا نبها على الجواز ولا المنع، ولعل هذا أمر يخصها عليها السلام، وانما استدل الفقهاء على أنه يجوز للرجل أن يغسل زوجته، بأن عليا غسل فاطمة عليهما السلام وهو مشهور. أقول: هذا الحديث مع كونه مرفوعا يناقض الاخبار القطعية من أن عليا عليه السلام غسلها ودفنها في البيت، ولا يجرى فيه ما ذكرناه قبلا في حديث الامالى كما لا يجرى في حديث المتن المنقول من مصباح الانوار. بل ويظهر من قولها " فاحتملت في ثيابها فغيبت " في حديث ابن بابويه، أن قولها في حديث الامالى " فحملها يغسلها " مصحف عن قولها " فحملها فغيبها " والمراد أنه عليها السلام حملها إلى البقيع ودفنها، والا فلا معنى لحملها من وسط البيت إلى خارج البيت لتغسل ولم يكن لهما الا بيت واحد. ومما يسلم هذا هو حديث المصباح حيث قال: " فاغتسلت ثم دعت بطيب فتحنطت به ثم دعت بأثواب كفنها فتلفقت بها ثم قالت: إذا أنامت فادفنوني كما أنا ولا تغسلوني " الخ فلو كان المراد بالغسل النظافة لئلا يكشف قميصها فما معنى الحنوط وأثواب الكفن وقولها " ادفنوني كما أنا ولا تغسلوني " ؟. وعندي أن هذا الحديث وسائر ما قيل في كيفية غسلها ودفنها من أساطير القصاصين، حيث كان تجهيزها خفية بحيث لم يشعر بذلك أحد الا بعد غد، وكل من سئل عن كيفية ذلك - ولم يكن ليعترف بجهله - اختلق حديثا ورواه للناس، فبعض ذكر أسماء بنت عميس زوجة أبي بكر، وقد عرفت ما فيه ص 250 - 252 وبعض ذكر سلمى امرءة أبي رافع وأتى بهذه العجيبة: وهي وصيتها أن لا تكشف وتوارى كما هي، وحاشا فاطمة صلوات الله عليها أن تجهل أن الغسل انما يجب بسبب الموت وفيضان النفس، وحاشا عليا صلوات الله عليه أن يواريها من دون دفن، ويخالف بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وآله. وراوي المصباح زاد على ذلك الحنوط، وأن كثير بن عباس كتب في اطراف كفنها صلوات الله عليها أنها " تشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله " وقد ذهب عليه أن كثيرا -

 

[338]

37 - كتاب عاصم بن حميد، عن سلام بن سعيد قال: سأل عباد البصري أبا عبد الله عليه السلام فيما كفن رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال: في ثوبين صحاريين وبرد حبرة الخبر. 38 - كتاب محمد بن المثنى: عن جعفر بن محمد بن شريح، عن ذريح المحاربي عن عمر بن حنظلة، عن أبي جعفر عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله مر على قبر قيس بن فهد الانصاري وهو يعذب فيه، فسمع صوته فوضع على قبره جريدتين، فقيل له: لم وضعتها ؟ قال: يخفف ما كانتا خضراوين.

 

- ابن العباس ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وآله بأشهر في سنة عشر من الهجرة، نص على ذلك ابن عبد البر في الاستيعاب وابن الاثير في أسد الغابة، فكيف كان كاتبا ولم يكن له عند وفاتها الا سنة ؟. فبعد ما صح أن عليا عليه السلام غسلها ودفنها في بيتها ليلا حفية من الناس لا عبرة بهذه الاحاديث المختلقة وما شابهها، ولا حاجة لتوجيهها وتأويلها، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

 

[339]

10 - * " (باب) " * * " (وجوب الصلاة على الميت وعللها) " * * " (وآدابها وأحكامها) " * 1 - العلل: عن علي بن حاتم، عن علي بن محمد، عن العباس بن محمد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن المهاجر، عن أمه ام سلمة قالت: خرجت إلى مكة فصحبتني امرءة من المرجئة، فلما أتينا الربذة أحرم الناس وأحرمت معهم، فأخرت إحرامي إلى العقيق، فقالت: يا معشر الشيعة تخالفون في كل شئ يحرم الناس من الربذة وتحرمون من العقيق ؟ وكذلك تخالفون في الصلاة على الميت يكبر الناس أربعا وتكبرون خمسا، وهي تشهد على الله أن التكبير على الميت أربع. قالت: فدخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت له: أصلحك الله صحبتني امرءة من المرجئة فقالت كذا وكذا، فأخبرته بمقالتها، فقال أبو عبد الله عليه السلام: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى على الميت كبر فتشهد، ثم كبر فصلى على النبي صلى الله عليه وآله ودعا، ثم كبر واستغفر للمؤمنين والمؤمنات، ثم كبر فدعا للميت، ثم يكبر وينصرف، فلما نهاه الله عزوجل عن الصلاة على المنافقين، كبر فتشهد ثم كبر فصلى على النبي صلى الله عليه وآله، ثم كبر فدعا للمؤمنين والمؤمنات، ثم كبر الرابعة وانصرف ولم يدع للميت (1). تحقيق وتفصيل اعلم أن الشيخ في التهذيب (2) روى هذا الخبر باسناد فيه أيضا جهالة عنه عليه السلام من قوله " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى على ميت " إلى آخر الخبر، و

 

(1) علل الشرايع ج 1 ص 286. (2) التهذيب ج 1 ص 308.

 

[340]

فيه ثم كبر وصلى على الانبياء، وفي الثانية على النبيين وفي الاولى أيضا و دعا للمؤمنين. ثم إنه اختلف الاصحاب في أنه هل تجب الصلاة على غير المؤمن من فرق المسلمين ؟ فذهب الشيخ في جملة من كتبه وابن الجنيد والمحقق إلى الوجوب، وقال المفيد في المقنعة: ولا يجوز لاحد من أهل الايمان أن يغسل مخالفا للحق في الولاية ولا يصلي عليه، إلا أن يدعوه ضرورة إلى ذلك من جهة التقية. وإليه ذهب أبو الصلاح وابن إدريس ولا يخلو من قوة. ويشكل الاستدلال بهذا الخبر على الوجوب، لان فعله صلى الله عليه وآله أعم منه وأيضا يمكن أن يكون صلاته عليهم لاظهارهم الاسلام، وكونهم ظاهرا من المسلمين والتكبير عليهم أربعا بأمر الله تعالى لتبين نفاقهم، لا ينافي لزوم الصلاة عليهم ظاهرا، بل يتعين أن يكون كذلك، لان الله تعالى نهاه عن الصلاة على الكافرين، ولم تكن واسطة بين الايمان والكفر إلا بالنفاق وإسرار الكفر، ومع إسرار الكفر كان يلزمه الصلاة عليهم بظاهر الاسلام كسائر الاحكام. وأما ما دل عليه الخبر من كون الصلاة على المؤمن خمس تكبيرات فقد أجمع أصحابنا على وجوبها، وأخبارنا به مستفيضة بل متواترة، وذهب الفقهاء الاربعة من المخالفين وجماعة أخرى منهم إلى أن التكبير أربع، وأما كون الصلاة على غير المؤمن أربعا فهو المقطوع به في كلامهم ويظهر لك من أمثال هذا الخبر أن منشأ اشتباه العامة لعنهم الله في الاربع، هو فعل النبي صلى الله عليه وآله ذلك أحيانا، ولم يفهموا جهة فعله، بل أعماهم الله تعالى عن ذلك، ليتيسر للشيعة العمل بهذا في الصلاة عليهم، لكونهم من أخبث المنافقين لعنة الله عليهم أجمعين. ثم اعلم أن الاصحاب اختلفوا في وجوب الادعية بين التكبيرات واستحبابها والاشهر الوجوب، وربما يستدل عليه بهذا الخبر للتأسي مع أن قوله عليه السلام: " كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى على الميت كبر " ظاهره المواظبة عليه، وهذا مما


 

[341]

يؤكد التأسي، وفيه كلام ليس المقام موضع تحقيقه وقد أومأنا إليه سابقا. ثم اختلفوا في أنه هل يجب فيها لفظ مخصوص أم لا ؟ والاشهر العدم، وربما يستدل على الوجوب بنحو ما مر من التقريب، وقد عرفت ما فيه عن قريب. ثم المشهور بين القائلين بالتعيين العمل بهذا الخبر، وبين القائلين بعدمه أفضليته، لكن الاكثر لم يتعرضوا للصلاة على الانبياء مع دلالة الخبر عليه على ما في التهذيب، وإليه كان رجوعهم غالبا، والاحوط ضم الصلاة عليهم إلى الصلاة عليه وآله صلوات الله عليه وعليهم، قال في الذكرى: تضمن خبر أم سلمة الصلاة على الانبياء من فعل النبي صلى الله عليه وآله فتحمل على الاستحباب، ثم قال نعم تجب الصلاة على آل محمد إذا صلى عليه كما تضمنت الاخبار انتهى. ومقتضى كلام ابن أبي عقيل أن الافضل جمع الاذكار الاربعة عقيب كل تكبيره، ولا يعلم مستنده. ثم اختلف في أنه على تقدير وجوب الصلاة على المنافق ووجوب الادعية هل يجب الدعاء عقيب الرابعة على الميت أم لا ؟ فظاهر هذا الخبر سقوطه حيث قال: ثم كبر الرابعة وانصرف، وإن احتمل أن يكون المراد بالانصراف الانصراف عن التكبير، وقوله " ولم يدع للميت " لا ينافي الدعاء عليه، لكنه بعيد جدا. قال في الذكرى والظاهر أن الدعاء على هذا القسم غير واجب، لان التكبير عليه أربع، وبها تخرج عن الصلاة، واعترض عليه بأن الدعاء للميت أو عليه لا يتعين وقوعه بعد الرابعة، وقد ورد بالامر بالدعاء على المنافق روايات. أقول: ويرد عليه ايضا أن الخروج بالتكبيرة الرابعة غير مسلم إذ يمكن أن يكون الخروج باتمام الدعاء الرابع. قوله عليه السلام: " فصلى على النبي صلى الله عليه وآله ودعا " أي للنبي صلى الله عليه وآله أو للميت أو الاعم، وتركه في الصلاة على المنافق ربما يؤيد الثاني، قوله عليه السلام: " فلما نهاه الله عزوجل عن الصلاة على المنافقين " أي الدعاء لهم، لانه ذكر


 

[342]

بعد ذلك الصلاة، وقال: " ولم يدع للميت " وإن احتمل أن يكون المراد به النهي عن الصلاة الكاملة المعهودة التي كان يأتي بها للمؤمنين، بل أمره بنقصها، لكنه بعيد كما لا يخفى. واعلم أن الظاهر من الاخبار وكلام الاصحاب أن المراد بالمنافق غير الامامي لاطلاقه في مقابلة المؤمن. 2 - الخصال والعلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد وعن ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن عثمان ابن عبد الملك، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يابا بكر تدري كم الصلاة على الميت ؟ قلت: لا، قال: خمس تكبيرات، ثم قال: فتدري من أين اخذت ؟ قلت: لا، قال اخذت الخمس من الخمس صلوات من كل صلاة تكبيرة (1). المحاسن: عن علي بن الحكم مثله (2). 3 - العلل: عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن الفضل بن عامر، عن موسى بن القاسم، عن سليمان بن جعفر الجعفري، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله فرض من الصلاة خمسا، وجعل للميت من كل صلاة تكبيرة (3). المقنع: مرسلا مثله (4). بيان: اعلم أن الظاهر من كلام أكثر المتأخرين أن التكبيرات فيها ركن تبطل الصلاة بتركها عمدا وسهوا، وربما يستدل عليه بأمثال هذا الخبر، فان الظاهر منها كونها مأخوذة من التكبيرات الاحرامية، وهي ركن.

 

(1) الخصال ج 1 ص 135، علل الشرايع ج 1 ص 285. (2) المحاسن ص 317. (3) علل الشرايع ج 1 ص 286 (4) المقنع: 6، ط حجر، ص 20 ط الاسلامية.

 

[343]

وفيه نظر من وجهين: الاول عدم صراحة الاخبار في كون المأخوذ منها التكبيرات الاحرامية، إذ لعل المعنى أنه جعل بازاء كل صلاة هنا تكبيرة لكن سيأتي في علل الفضل ما يدل على أنها مأخوذة من التكبيرات الاحرامية. والثاني أنه على تقدير تسليم كونها مأخوذة من التكبيرات الاحرامية لا يلزم من كونها في المأخوذ منها ركنا كونها في تلك الصلاة أيضا ركنا، نعم يمكن أن يتمسك بأنه لو أخل بواحدة منها لم يأت بالهيئة المأثورة فلم يتحقق الامتثال المقتضي للاجزاء. 4 - العلل: عن علي بن أحمد، عن محمد بن أبي عبد الله، عن موسى بن عمران، عن عمه الحسين بن يزيد، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: لاي علة نكبر على الميت خمس تكبيرات ويكبر مخالفونا أربع تكبيرات ؟ قال: لان الدعائم التي بني عليها الاسلام خمس: الصلاة، و الزكاة، والصوم، والحج، والولاية لنا أهل البيت، فجعل الله عزوجل من كل دعامة تكبيرة، وإنكم أقررتم بالخمس كلها، وأقر مخالفوكم بأربع وأنكروا واحدة، فمن ذاك يكبرون على موتاهم أربع تكبيرات، وتكبرون خمسا (1). 5 - ومنه: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكبر على قوم خمسا، وعلى قوم أربعا. فإذا كبر على رجل أربعا اتهم الرجل (2). 6 - ومنه: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن محمد بن يحيى العطار، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن أحمد بن هيثم، عن علي بن خطاب الحلال، عن إبراهيم بن محمد بن حمران قال: خرجنا من مكة فدخلنا على أبي عبد الله عليه السلام فذكر الصلاة على الجنايز، فقال: كان يعرف المؤمن والمنافق بتكبير رسول الله صلى الله عليه وآله

 

(1 - 2) علل الشرائع ج 1 ص 286.

 

[344]

على المؤمن خمسا وعلى المنافق أربعا (1) 7 - العيون والعلل: عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسى، عن الحسن بن النضر قال: قال الرضا عليه السلام: ما العلة في التكبير على الميت خمس تكبيرات ؟ قلت: رووا أنها قد اشتقت من خمس صلوات، فقال: هذا ظاهر الحديث، فأما باطنه، فان الله عزوجل فرض على العباد خمس فرائض الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والولاية، فجعل للميت من كل فريضة تكبيرة واحدة، فمن قبل الولاية كبر خمسا، ومن لم يقبل الولاية كبر أربعا، فمن أجل ذلك تكبرون خمسا ومن خالفكم يكبر أربعا (2). 8 - العلل: عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبي الجوزاء قال: الاغلف لا يؤم القوم، وإن كان أقرءهم، لانه ضيع من السنة أعظمها، ولا تقبل له شهادة ولا تصلى عليه إذا مات، إلا أن يكون ترك ذلك خوفا على نفسه (3). بيان: عدم وجوب الصلاة على الاغلف لم أر قائلا به، وظاهر الاصحاب اتفاقهم على وجوب الصلاة على أرباب الكبائر، والخبر ضعيف موقوف (4) و يمكن حمله على أنه لا يلزم الاهتمام في الصلاة عليه، فإذا صلى بعضهم عليه لا يستحب للباقين الاتيان بها، أو لا يتأكد استحبابه. 9 - العلل: عن الحسين بن أحمد، عن أبيه، عن محمد بن أحمد، عن يعقوب ابن يزيد، عن بعض أصحابنا، رفعه عن أحدهم عليهم السلام قال: إن على عهد رسول الله

 

(1) علل الشرايع ج 1 ص 287. (2) عيون الاخبار ج 2 ص 82، علل الشرايع ج 1 ص 287. (3) علل الشرايع ج 2 ص 17. (4) لا بأس به من حيث الوقوف، فان الشيخ رواه في التهذيب ج 1 ص 254 باسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أبي جعفر، عن أبى الجوزاء، عن الحسين ابن علوان، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه عن على عليهم السلام.

 

[345]

صلى الله عليه وآله مات رجل وعليه ديناران، فأخبر النبي صلى الله عليه وآله فأبى أن يصلي عليه، وإنما فعل ذلك لكيلا يجترؤا على الدين، وقال: قد مات رسول الله صلى الله عليه وآله وعليه دين، ومات الحسن عليه السلام وعليه دين، وقتل الحسين عليه السلام وعليه دين (1). بيان: يفهم من آخر الخبر أن ترك الصلاة إنما كان لانه كان مستخفا بالدين، ولا ينوي قضاءه تأديبا، ولا ينافي ذلك وجوب الصلاة عليه، لانه لم ينه الناس عن الصلاة عليه. ومع فعل غيره كان تسقط عنه، ولعل مثل هذا من خصايص النبي والامام عليهما السلام أو مطلق الولاة على احتمال. 10 - مجالس الصدوق: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم بن مهزم، عن طلحة بن زيد، عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام قال: صل على من مات من أهل القبلة، وحسابه على الله عزوجل (2). 11 - الخصال: عن أحمد القطان، عن الحسن السكري، عن محمد بن زكريا عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام: قال: أحق الناس بالصلاة على المرءة إذا ماتت زوجها، وإذا ماتت المرءة وقف المصلي عليها عند صدرها، ومن الرجل إذا صلى عليه عند رأسه وإذا ادخلت المرءة القبر وقف زوجها في موضع يتناول وركها، ولا شفيع للمرءة أنجح عند ربها من رضا زوجها. ولما ماتت فاطمة عليها السلام قام أمير المؤمنين عليه السلام وقال " اللهم إني راض عن ابنة نبيك، اللهم إنها قد أوحشت فآنسها، اللهم إنها قد هجرت فصلها، اللهم إنها قد ظلمت فاحكم لها، وأنت خير الحاكمين " (3).

 

(1) علل الشرايع ج 2 ص 215 ومثله في باب النوادر آخر الكتاب تحت الرقم 37 ج 2 ص 277. (2) أمالى الصدوق ص 131. (3) الخصال ج 2 ص 143 في حديث.

 

[346]

بيان: ما اشتمل عليه الخبر من كون الزوج أولى من سائر الاقارب، هو المعروف من مذهب الاصحاب، ووردت بعض الروايات بأن الاخ أولى من الزوج وحملها الشيخ وغيره على التقية، لكونه أشهر بين العامة، وإن وقع الخلاف بينهم أيضا، وأما الموضع الذي يقف فيه المصلي، فقال الشيخ في المبسوط والمفيد و أبو الصلاح: يقف الامام في الجنازة عند وسط الرجل وصدر المرءة، وعليه معظم الاصحاب لا سيما المتأخرين منهم، وقال في الخلاف: يقف عند رأس الرجل وصدر المرءة كما هو مدلول الخبر، وبه قال علي بن بابويه، وقال ابنه في المقنع: إذا صليت على الميت فقف عند صدره وكبر ثم قال: وإذا صليت على المرءة فقف عند صدرها. وللشيخ في الاستبصار قول ثالث أنه يقف عند رأس المرءة وصدر الرجل والقول بالتخيير بين هذا القول والقول الاول لا يخلو من قوة، لورود الاخبار المعتبرة بهما، كما هو ظاهر المنتهى، ولا يمكن حمل إحداهما على التقية لاختلاف الاخبار والاقوال بينهم أيضا. 12 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى وأحمد بن أبي عبد الله، عن الحسن بن فضال، عن يونس بن يعقوب، عن سفيان ابن السمط، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما قبض آدم عليه السلام غسلته الملائكة ثم وضع فتقدم هبة الله فصلى عليه والملائكة خلفه، وأوحى الله عزوجل إليه أن يكبر عليه خمسا، وأن يسله، وأن يسوي قبره، ثم قال: هكذا فاصنعوا بموتاكم (1). 13 - الخصال والعيون [وتفسير الامام]: عن محمد بن القاسم الاسترابادي عن يوسف بن زياد. عن أبيه، عن أبي محمد العسكري عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله لما أتاه جبرئيل بنعي النجاشي بكى بكاء حزين عليه، وقال: إن أخاكم أصحمة مات، ثم خرج إلى الجبانة، وصلى عليه، وكبر سبعا. فخفض

 

(1) الخصال ج 1 ص 135 في حديث.

 

[347]

الله له كل مرتفع حتى رأى جنازته وهو بالحبشة (1). بيان: لا خلاف بين أصحابنا في عدم جواز الصلاة على الغائب، ولعل هذا الحكم مخصوص بتلك الواقعة، كعدد التكبيرات، قال في المنتهى: ولا يصلى على الغائب عن بلد المصلي، ذهب إليه علماؤنا، وبه قال أبو حنيفة ومالك، وقال الشافعي: يجوز، وعن أحمد روايتان ثم قال: احتج الجمهور بما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نعى النجاشي صاحب الحبشة اليوم الذي مات فيه، وصلى بهم في المصلى وكبر أربعا. والجواب أن الارض زويت للنبي صلى الله عليه وآله فصلى عليه، وهو حاضر عنده بخلاف غيره، ولانه حكاية فعل فلا يقتضي العموم، ولانه يمكن أن يكون دعا له لا أنه صلى عليه، واطلق على الدعاء اسم الصلاة، بالنظر إلى الحقيقة الاصلية وقد ورد هذا في أخبار أهل البيت عليهم السلام روى الشيخ (2) عن محمد بن مسلم وزرارة قال قلت له: فالنجاشي لم يصل عليه النبي صلى الله عليه وآله، فقال: لا، إنما دعا له. 14 - العيون: عن ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام فيما كتب للمأمون من شرايع الدين: الصلاة على الميت خمس تكبيرات، فمن نقص فقد خالف، والميت يسل من قبل رجليه، ويرفق به إذا ادخل قبره (3). 15 - مجالس الصدوق: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه، عن أحمد البرقي، عن علي بن الحسين البرقي، عن عبد الله بن جبلة، عن معاوية بن عمار، عن الحسن بن عبد الله، عن أبيه، عن جده الحسن بن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: ما من مؤمن يصلي على الجنايز إلا أوجب الله له الجنة إلا أن يكون منافقا أو عاقا الخبر (4).

 

(1) الخصال ج 2 ص 11، عيون الاخبار ج 1 ص 279 تفسير الامام العسكري (ع): (2) التهذيب ج 1 ص 312. (3) عيون الاخبار ج 2 ص 123. (4) أمالى الصدوق ص 117.

 

[348]

16 - ومنه: في خبر المناهي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صلى على ميت صلى عليه سبعون ألف ملك، وغفر الله له ما تقدم من ذنبه، فان أقام حتى يدفن ويحثي عليه التراب كان له بكل قدم نقلها قيراط من الاجر، والقيراط مثل جبل احد (1). 17 - الخصال: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن ابن عيسى، عن حريز، عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة: صلاة فاتتك فمتى ذكرتها أديتها، وصلاة ركعتي طواف الفريضة، وصلاة الكسوف، والصلاة على الميت، هؤلاء يصليهن الرجل في الساعات كلها (2). 18 - قرب الاسناد: عن الحسن بن طريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى على جنازة فلما فرغ منها جاء قوم لم يكونوا أدركوها، فكلموا رسول الله صلى الله عليه وآله أن يعيد الصلاة عليها، فقال لهم: قد قضيت الصلاة عليها، ولكن ادعوا لها (3). 19 - ومنه: عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن جعفر بن محمد عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى على جنازة، فلما فرغ جاءه ناس فقالوا: يا رسول الله لم ندرك الصلاة عليها، فقال: لا تصلوا على جنازة مرتين ولكن ادعوا لها (4). 20 - نهج البلاغة والاحتجاج: عن أمير المؤمنين عليه السلام فيما كتب في جواب معاوية من المفاخرة قال عليه السلام: إن قوما استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين ولكل فضل، حتى إذا استشهد شهيدنا قيل سيد الشهداء، وخصه رسول الله بسبعين

 

(1) أمالى الصدوق ص 259. (2) الخصال ج 1 ص 118. (3) قرب الاسناد ص 43 ط حجر ص 58 ط نجف. (4) قرب الاسناد ص 63، ط حجر ص 84 ط نجف.

 

[349]

تكبيرة عند صلاته عليه (1). 21 - العيون: عن محمد بن علي بن الشاه، عن أبي بكر بن عبد الله النيسابوري عن عبد الله بن أحمد الطائي، عن أبيه، وعن أحمد بن إبراهيم الخوزي، عن إبراهيم ابن مروان، عن جعفر بن محمد بن زياد، عن أحمد بن عبد الله الهروي وعن الحسين ابن محمد الاشناني، عن علي بن محمد بن مهرويه، عن داود بن سليمان جميعا، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام، عن الحسين بن علي عليه السلام أنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وآله كبر على حمزة سبع (2) تكبيرات، وكبر على الشهداء بعد حمزة خمس تكبيرات فلحق حمزة سبعون تكبيرة (3). توضيح: اعلم أن الاصحاب اختلفوا في تكرار الصلاة على الجنازة الواحدة فقال العلامة قدس سره في المختلف: المشهور كراهة تكرار الصلاة على الميت وقيد ابن إدريس بالصلاة جماعة، لتكرار الصحابة الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله فرادى، وقال الشيخ في الخلاف: من صلى على جنازة يكره له أن يصلي عليها ثانيا وهو يشعر باختصاص الكراهة بالمصلي المتحد، وربما ظهر من كلامه في الاستبصار استحباب التكرار من المصلي الواحد وغيره، وظاهرهم الاتفاق على الجواز، و الاخبار في ذلك مختلفة. ثم اعلم أنه يحتمل بعض الاخبار كون الصلاة على حمزة سبعين تكبيرة ويكون من خصائصه عليه السلام ولكن يظهر من أكثرها أنها كانت في الصلوات المتعددة كما يظهر من خبر العيون، قال في التذكرة: لا ينبغي الزيادة على الخمس، لانها منوطة بقانون الشرع، ولم تنقل الزيادة، وما روي عن النبي صلى الله عليه وآله من أنه كبر على حمزة سبعين تكبيرة، وعن علي عليه السلام أنه كبر على سهل بن حنيف خمسا وعشرين تكبيرة، إنما كان في صلوات متعددة، وقال في المختلف: إن حديث سهل بن حنيف مختص بذلك الشخص إظهارا لفضله كما خص النبي صلى الله عليه وآله عمه

 

(1) نهج البلاغة تحت الرقم 28 من قسم الكتب والرسائل. الاحتجاج ص 95 و 96. (2) خمس خ ل. (3) العيون ج 2 ص 45.

 

[350]

حمزة بسبعين تكبيرة، وفي كلام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة ما يدل على ذلك انتهى. ثم إن المشهور في الجمع بين الاخبار حمل أخبار المنع على الكراهة، و ربما يحمل أخبار المنع على المنافاة للتعجيل، ويحمل قوله: " لا تصلوا على جنازة مرتين " على أن المعنى لا تجب الصلاة عليها مرتين، ولا يبعد القول برجحان تكرار الصلاة في صورة عدم المنافاة للتعجيل، ممن لم يدرك الصلاة، وللامام مطلقا، وربما يخص الاخير بما إذا كان للميت مزية وشرف في الدين. والاظهر عندي حمل أخبار المنع على التقية لاشتهاره بين العامة، قال في المنتهى: ولو صلى على جنازة قال الشيخ: كره له أن يصلى عليها ثانيا، وبه قال علي عليه السلام وابن عمر وعائشة وأبو موسى وذهب إليه الاوزاعي وأحمد والشافعي ومالك وأبو حنيفة انتهى فظهر أن المشهور بينهم الكراهة وإن نسبوه إلى علي عليه السلام ويؤيده أن أكثر رواة أخبار المنع عاميون، والله يعلم حقايق الاحكام. 22 - مجالس الصدوق: عن جعفر بن محمد بن مسرور، عن محمد بن عبد الله الحميري، عن أبيه، عن أحمد البرقي، عن أبيه، عن خلف بن حماد، عن أبي الحسن العبدي، عن الاعمش، عن عباية بن ربعي، عن ابن عباس قال: أقبل علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم إلى النبي صلى الله عليه وآله باكيا وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: مه يا علي ؟ فقال علي عليه السلام: يا رسول الله ماتت امي فاطمه بنت أسد، قال: فبكى النبي صلى الله عليه وآله ثم قال صلى الله عليه وآله: رحم الله أمك يا علي أما إنها إن كانت لك اما فقد كانت لي اما، خذ عمامتي هذه، وخذ ثوبي هذين، فكفنها فيهما، ومر النساء فليحسن غسلها، ولا تخرجها حتى أجئ، فألي أمرها. قال: وأقبل النبي صلى الله عليه وآله بعد ساعة واخرجت فاطمة ام علي عليه السلام فصلى عليها النبي صلى الله عليه وآله صلاة لم يصل على أحد قبلها مثل تلك الصلاة، ثم كبر


 

[351]

عليها أربعين تكبيرة، ثم دخل إلى القبر فتمدد فيه فلم يسمع له أنين ولا حركة ثم قال: يا علي ادخل ! يا حسن ادخل ! فدخلا القبر، فلما فرغ مما احتاج إليه قال له: يا علي اخرج، يا حسن اخرج ! فخرجا. ثم زحف النبي صلى الله عليه وآله حتى صار عند رأسها، ثم قال: يا فاطمة أنا محمد سيد ولد آدم ولا فخر، فان أتاك منكر ونكير فسئلاك من ربك فقولي: الله ربي، ومحمد نبيي، والاسلام ديني والقرآن كتابي وابني إمامي ووليي، ثم قال: اللهم ثبت فاطمة بالقول الثابت، ثم خرج من قبرها وحثا عليها حثيات، ثم ضرب بيده اليمنى على اليسرى فنفضهما ثم قال صلى الله عليه وآله: والذي نفس محمد بيده لقد سمعت فاطمة تصفيق يميني على شمالي. فقام إليه عمار بن ياسر فقال: فداك أبي وامي يا رسول الله لقد صليت عليها صلاة لم تصل على أحد قبلها، مثل تلك الصلاة، فقال صلى الله عليه وآله: يا أبا اليقظان وأهل ذلك هي مني، لقد كان لها من أبي طالب ولد كثير، ولقد كان خيرهم كثيرا وكان خيرنا قليلا، فكانت تشبعني وتجيعهم، وتكسوني وتعريهم، و تدهنني وتشعثهم. قال: فلم كبرت عليها أربعين تكبيرة يا رسول الله ؟ قال صلى الله عليه وآله: نعم يا عمار ! التفت عن يميني فنظرت إلى أربعين صفا من الملائكة فكبرت لكل صف تكبيرة. قال: فتمد دك في القبر، فلم يسمع لك أنين ولا حركة، قال: إن الناس يحشرون يوم القيامة عراة فلم أزل اطلب إلى ربي عزوجل أن يبعثها ستيرة، والذي نفس محمد صلى الله عليه وآله بيده ما خرجت من قبرها حتى رأيت مصباحين من نور عند رأسها، ومصباحين من نور عند [يديها، ومصباحين من نور عند] رجليها، وملكيها الموكلين بقبرها يستغفران لها إلى أن تقوم الساعة (1). بيان: يظهر من الخبر أن هذا العدد من التكبير كان من خصائصها، لفضلها

 

(1) أمالى الصدوق ص 189 - 190.

 

[352]

فلا يتعدى إلى غيرها. 23 - فقه الرضا: قال عليه السلام: واعلم أن أولى الناس بالصلاة على الميت الولي أو من قدمه الولي، فإذا كان في القوم رجل من بني هاشم فهو أحق بالصلاة إذا قدمه الولي، فان تقدم من غير أن يقدمه الولي فهو غاصب (1). فإذا صليت على جنازة مؤمن، فقف عند صدره أو عند وسطه، وارفع يديك بالتكبير الاول وكبر وقل " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الموت حق، والجنة حق، والنار حق، والبعث حق وأن الساعة آتية، لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور " ثم كبر الثانية وقل: " اللهم صل على محمد وآل محمد وبارك على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد أفضل ما صليت وباركت ورحمت وترحمت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد " ثم تكبر الثالثة، وتقول: " اللهم اغفر لي و لجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الاحياء منهم والاموات تابع بيننا وبينهم بالخيرات، إنك مجيب الدعوات، وولي الحسنات يا أرحم الراحمين " ثم تكبر الرابعة وتقول: " اللهم إن هذا عبدك وابن عبدك، وابن أمتك، نزل بساحتك، وأنت خير منزول به، اللهم إنالا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا، اللهم ان كان محسنا فزد في إحسانه إحسانا وإن كان مسيئا فتجاوز عنه، و اغفر لنا وله، اللهم احشره مع من كان يتولاه ويحبه، وأبعده ممن يتبرأه و يبغضه،، اللهم ألحقه بنبيك، وعرف بينه وبينه، وارحمنا إذا توفيتنا يا إله العالمين " ثم تكبر الخامسة وتقول: " ربما آتنا في الدنيا حسنة وفى الاخرة حسنة وقنا عذاب النار " ولا تسلم، ولا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال (2). وإذا كان الميت مخالفا فقل في تكبيرك الرابعة " اللهم اخز عبدك و

 

(1 - 2) فقه الرضا: 19.

 

[353]

ابن عبدك هذا، اللهم أصله نارك، اللهم أذقه أليم عذابك، وشديد عقوبتك وأورده نارا، واملا جوفه نارا، وضيق عليه لحده، فانه كان معاديا لاوليائك ومتواليا لاعدائك، اللهم لا تخفف عنه العذاب، واصبب عليه العذاب صبا " فإذا رفع جنازته فقل: " اللهم لا ترفعه ولا تزكه " (1). واعلم أن الطفل لا يصلى عليه حتى يعقل الصلاة، فإذا حضرت مع قوم يصلون عليه فقل " اللهم اجعله لابويه ولنا ذخرا ومزيدا وفرطا وأجرا " (2). وإذا صليت على مستضعف، فقل " اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم " (3). وإذا لم تعرف مذهبه فقل: " اللهم هذه النفس التي أحييتها وأنت أمتها دعوت فأجابتك، اللهم ولها ما تولت، واحشرها مع من أحبت، وأنت أعلم بها " (4) فإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة وغلام ومملوك، فقدم المرءة إلى القبلة واجعل المملوك بعدها، واجعل الغلام بعد المملوك، والرجل بعد الغلام مما يلي الامام، ويقف الامام خلف الرجل في وسطه، ويصلي عليهم جميعا صلاة واحدة (5). وإذا صليت على الميت وكانت الجنازة مقلوبة فسوها وأعد الصلاة عليها ما لم يدفن، فإذا فاتك مع الامام بعض التكبير، ورفعت الجنازة فكبر عليها تمام الخمس، وأنت مستقبل القبلة (6) وإن كنت تصلي على الجنازة وجاءت الاخرى فصل عليهما صلاة واحدة بخمس تكبيرات، وإن شئت استأنف على الثانية (7). ولا بأس أن يصلي الجنب على الجنازة، والرجل على غير وضوء والحائض إلا أن الحايض تقف ناحية، ولا تخلط بالرجال (8) وإن كنت جنبا وتقدمت للصلاة عليها فتيمم أو توضأ وصل عليها، وقد

 

(1 - 8) فقه الرضا ص 19.

 

[354]

أكره أن يتوضأ إنسان عمدا للجنازة لانه ليس بالصلاة، إنما هو التكبير، والصلاة هي التي فيها الركوع والسجود (1). وأفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الاخير، ولا يصلى على الجنازة بنعل حذو، ولا تجعل ميتين على جنازة واحدة (2). فان لم تلحق الصلاة على الجنازة حتى يدفن الميت فلا بأس أن تصلي بعد ما دفن، وإذا صلى الرجلان على الجنازة، وقف أحدهما خلف الاخر، ولا يقوم بجنبه (3). وفي موضع آخر: إذا اردت أن تصلي على الميت فكبر عليه خمس تكبيرات يقوم الامام عند وسط الرجل وصدر المرءة، يرفع اليد بالتكبير الاول، ويقنت بين كل تكبيرتين، والقنوت ذكر الله والشهادتان، والصلاة على محمد وآله، والدعاء للمؤمنين والمؤمنات، هذا في تكبيره بغير رفع اليدين، ولا تسليم، لان الصلاة على الميت إنما هو دعاء وتسبيح واستغفار (4). وساق الحديث إلى أن قال: وتقول في التكبيرة الاولى في الصلاة على الميت " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إنا لله وإنا إليه راجعون، الحمد لله رب العالمين، رب الموت والحياة، وصلى الله على محمد وأهل بيته، وجزى الله محمدا عنا خير الجزاء بما صنع لامته، وما بلغ من رسالات ربه " ثم يقول: " اللهم عبدك وابن أمتك، ناصيته بيدك، تخلى عن الدنيا واحتاج إلى ما عندك نزل بك وأنت خير منزول به، وافتقر إلى رحمتك وأنت عني من عذابه، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا، وأنت أعلم به منا اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وتقبل منه، وإن كان مسيئا فاغفر له ذنبه، و ارحمه وتجاوز عنه برحمتك، اللهم ألحقه بنبيك، وثبته بالقول الثابت في الدنيا والاخرة، اللهم اسلك بنا وبه سبيلك الهدى، واهدنا وإياه صراطك المستقيم،

 

(1 و 2) فقه الرضا ص 19. (3 و 4) فقه الرضا ص 20.

 

[355]

اللهم عفوك عفوك " ثم تكبر الثانية وتقول مثل ما قلت، حتى تفرغ من خمس تكبيرات، وقال: ليس فيها التسليم (1). وعن أبيه أنه كان يصلي على الجنازة بعد العصر ما كان في وقت الصلاة حتى يصفار الشمس. فإذا اصفارت لم يصل عليها حتى تغرب، وقال لا بأس بالصلاة على الجنازة حين تغيب الشمس وحين تطلع، إنما هو استغفار (2) وساق الكلام إلى أن قال: " (3) باب آخر في الصلاة على الميت قال: تكبر ثم تصلي على النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته، ثم تقول: " اللهم عبدك وابن عبدك وابن أمتك لا أعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وتقبل منه، وإن كان مسيئا فاغفر له ذنبه، وافسح له في قبره، واجعله من رفقاء محمد صلى الله عليه وآله ثم تكبر الثانية فقل " اللهم إن كان زاكيا فزكه، وإن كان خاطئا فاغفر له " ثم تكبر الثالثة فقل " اللهم لا تحرمنا أجره، ولا تفتناه بعده " ثم تكبر الرابعة وقل " اللهم اكتبه عندك في عليين، وأخلف على أهله في الغابرين واجعله من رفقاء محمد صلى الله عليه وآله " ثم كبر الخامسة وتنصرف (4). وإذا كان ناصبا فقل: " اللهم إنا لا نعلم إلا أنه عدو لك ولرسولك، اللهم فاحش جوفه نارا وقبره نارا، وعجله إلى النار، فانه قد كان يتولى أعداءك، ويعادي أولياءك، ويبغض أهل بيت نبيك، اللهم ضيق عليه قبره " وإذا رفع فقل " اللهم لا ترفعه ولا تزكه " وإذا كان مستضعفا فقل " اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم " وإذا لم تدر ما حاله فقل " اللهم إن كان يحب الخير وأهله، فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه " (5). وقال عليه السلام: قال جعفر عليه السلام: صلى علي عليه السلام على سهل بن حنيف وكان

 

(1 - 2) فقه الرضا ص 20 و 21. (3) في المصدر المطبوع لم يسق بين الكلامين كلاما فلا معنى لقوله " وساق الكلام إلى أن قال ". (4 - 5) فقه الرضا ص 21.

 

[356]

بدريا فكبر خمس تكبيرات، ثم مشى ساعة فوضعه ثم كبر عليه خمسا أخرى فصنع ذلك حتى كبر عليه خمسا وعشرين تكبيرة (1). ايضاح: لعل المراد بالولي الوارث، ولا خلاف ظاهرا بين الاصحاب في أنه أولى من الاجانب، وقالوا إن الاب أولى من الابن، والولد أولى من الجد، على المشهور، وذهب ابن الجنيد إلى أن الجد أولى من الاب والابن وهو ضعيف، والاخ من الابوين أولى ممن يتقرب بأحدهما، وفي تقدمه على الاخ من الام إشكال، والزوج أولى من كل أحد كما مر. قوله: " فإذا كان في القوم رجل " يدل على ما ذكره الاصحاب من أن الهاشمي أولى من غيره في تلك الصلاة، إن قدمه الولي ويستحب له تقديمه بل أوجبه المفيد، وربما يحمل كلامه على إمام الاصل، وإن كان بعيدا، وإثبات الحكم في غيره لا يخلو من إشكال، لضعف المستند، وإن كان الاحوط العمل به، وقوله: " عند صدره أو وسطه " ظاهره التخيير مطلقا ويمكن حمله على التفصيل المشهور ويؤيده ما سيأتي، وما اشتمل عليه من رفع اليدين في التكبيرة الاولى فقط، مذهب المفيد والمرتضى والشيخ في النهاية والمبسوط وابن إدريس بل نسب إلى الاكثر، وذهب الشيخ في كتابي الاخبار إلى أنه مستحب في الجميع واختاره الفاضلان وجماعة من المتأخرين، وهو أقوى، والظاهر أن الاخبار الدالة على عدم الاستحباب محمولة على التقية، كما دل عليه خبر يونس (2) قال: سألت الرضا عليه السلام قلت: جعلت فداك إن الناس يرفعون أيديهم في التكبير على الميت في التكبيرة الاولى، ولا يرفعون فيما بعد ذلك، فأقتصر على التكبيرة الاولى كما يفعلون ؟ أو أرفع يدي في كل تكبيرة ؟ فقال: ارفع يديك في كل تكبيرة. وأما رفع اليدين في التكبيرة الاولى فلا خلاف في استحبابه، وأما الصلاة

 

(1) فقه الرضا ص 21. (2) التهذيب ج 1 ص 310.

 

[357]

ومعناها وفائدتها ووجه التشبيه بصلاة إبراهيم وآله صلوات الله عليهم فقد بسطنا القول فيها في كتاب الفوائد الطريفة بما لا مزيد عليه. قوله عليه السلام: لجميع المؤمنين، قال الوالد - ره - يحتمل أن يكون المراد بالمؤمن الامامي الصالح، وبالمسلم غيره، أو بالعكس، ويكون تقديم غير الصالح لكون احتياجه إلى المغفرة أكثر، ويحتمل أن يكون المراد بالمؤمن الامامي مطلقا، وبالمسلم المستضعف من غيرهم كما يظهر من الاخبار أن المستضعفين في المشية إن شاء عذبهم بعدله، وإن شاء رحمهم بفضله. قوله: " تابع بيننا وبينهم " قال في النهاية أي اجعلنا نتبعهم على ما هم عليه انتهى أقول: ويحتمل أن يكون المعنى تابع وواتر بيننا وبينهم بسبب الخيرات الصلاة والبركات والمثوبات، أي نبعث إليهم شيئا فشيئا من الصدقات والدعوات والصالحات. قوله عليه السلام " وأنت خير منزول به " الضمير في الظرف يحتمل إرجاعه إلى اسم المفعول نفسه، كما جوز الشيخ الرضي رضي الله عنه في بحث الصفة المشبهة في قولهم " حسن وجهه " إرجاع الضمير إلى الصفة، أو إلى موصوف مقدر له أي أنت خير شخص منزول به، كما قال المازني في قولهم " الممرور به زيد " أن الضمير راجع إلى الموصوف المقدر وإن ذهب الاكثر في هذا المقام إلى أنه راجع إلى لام الموصول، ويحتمل إرجاعه إلى الذات المبهمة المأخوذة في الصفات، فان قولنا " منزول به " في قوة ذات ما نزل به ويمكن إرجاعه إلى الضمير الذي وقع مبتدا ؟، لانك إذا قلت: " زيد مضروب " ففيه ضمير عائد إلى زيد، وإذا قلت " ممرور به " فهذا الضمير البارز ينوب مناب هذا الضمير المستتر، ولذا يجري عليه التذكير والتأنيث والتثنية و الجمع، وفيه ما لا يخفى. قوله: " اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا " ربما يستشكل ههنا بأن هذه كيفية للصلاة على المؤمن برا كان أو فاجرا، فكيف يجوز لنا هذا القول فيمن نعلم منه الشرور والفسوق ؟


 

[358]

ويمكن أن يجاب عنه بوجوه: الاول أن يقال يجوز أن يكون هذا مما استثني من الكذب، سوغ لنا رحمة منه على الموتى، ليصير سببا لغفرانهم، كما جاز في الاصلاح بين الناس بل نقول: هذا أيضا كذب في الصلاح، وقد ورد في الخبر أن الله يحب الكذب في الصلاح، ويبغض الصدق في الفساد. الثاني أن يخصص الخير والشر بالعقايد، لكن الترديد المذكور بعده لا يلائمه. الثالث أن يقال إن شرهم غير معلوم، لاحتمال توبتهم أو شمول عفو الله أو الشفاعة لهم مع معلومية إيمانهم. فان قيل: كما أن شرهم غير معلوم، بناء على تلك الاحتمالات فكذا خيرهم أيضا غير معلوم، فما الفرق بينهما ؟ قلنا يمكن أن يقال بالفرق بينهما في العلم الشرعي، فانا مأمورون بالحكم بالايمان الظاهري وباستصحابه بخلاف الشرور والمعاصي، فانا أمرنا بالاغضاء عن عيوب الناس، وحمل أعمالهم وأقوالهم على المحامل الحسنة، وإن كانت بعيدة، فليس لنا الحكم فيها بالاستصحاب، و قيل: المراد بالخير الخير الظاهري، وبالشر الشر الواقعي، ولا يخفى بعده. الرابع أن يخصص هذا الدعاء بالصلاة على المستورين الذين لا يعلم منهم ذنب، وهو بعيد جدا. وقال العلامة - رحمه الله - في المنتهى لو لم يعرف الميت لم يقل: اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا، لانه يكون كذبا بل يقول ما رواه الشيخ (1) عن ثابت بن أبي المقدام قال: كنت مع أبي جعفر عليه السلام فإذا بجنازة لقوم من جيرته، فحضرها وكنت قريبا منه، فسمعته يقول " اللهم إنك خلقت هذه النفوس وأنت تميتها وأنت تحييها، وأنت أعلم بسرائرها وعلانيتها منا، ومستقرها ومستودعها، اللهم وهذا بدن عبدك ولا أعلم منه سوء، وأنت أعلم به وقد جئناك شافعين له بعد موته، فان كان مستوجبا فشفعنا فيه، واحشره مع من كان يتوالاه " وكذلك من علم منه الشر لا يقول ذلك في حقه لانه يكون كذبا

 

(1) التهذيب ج 1 ص 310، الكافي ج 3 ص 188.

 

[359]

انتهى ولعله - رحمه الله - أراد من لا يعرف منه الايمان أو يعرف منه عدمه. قوله " في إحسانه " بالاضافة إلى المفعول، أي في إحسانك إليه، ويحتمل أن يكون بالاضافة إلى الفاعل أي في حسناته قوله: " وعرف بينه وبينه " أي اجعله بحيث يرى النبي صلى الله عليه وآله ويعرف حقه، وهو يشفع له ويعده من أتباعه وأوليائه والدعاء بعد الخامسة مخالف للمشهور ويحتمل أن يكون مستحبا خارجا عن الصلاة وقال الشهيد في الذكرى بعد إيراد رواية مشتملة على الدعاء بعد الخامسة، ونحن لا نمنع جوازه، فان الدعاء حسن على كل حال. وأما التسليم فالمقطوع به في كلام الاصحاب عدم شرعيته في تلك الصلوات قال في الذكرى: أجمع الاصحاب على سقوط التسليم فيها. وظاهرهم عدم مشروعيته فضلا عن استحبابه، قال في الخلاف ليس فيها تسليم واحتج عليه باجماع الفرقة، ونقل عن العامة التسليم على اختلافهم في كونه فرضا أو سنة، وهو يفهم كونه غير سنة عنده، وقال ابن الجنيد: ولا أستحب التسليم فيها، فان سلم الامام فواحدة عن يمينه، وهذا يدل على شرعيته للامام، وعدم استحبابه لغيره، أو على جوازه للامام من غير استحباب، بخلاف غيره انتهى. وأما عدم البراح من مكانه حتى يرى الجنازة على أيدي الرجال فالمشهور استحبابه مطلقا وخصه الشهيد بالامام تبعا لابن الجنيد، ولو قلنا بالتعميم واتفق صلاة جميع الحاضرين، استثنى منهم أقل ما يمكن به رفع الجنازة، كما ذكره جماعة. وأما الصلاة على الطفل، فاختلف الاصحاب في الحد الذي تجب فيه الصلاة عليه، فالاكثر على أنه بلوغ ست سنين، ونقل المرتضى والعلامة فيه الاجماع وقال المفيد في المقنعة والصدوق في المقنع: لا يصلى على الصبي حتى يعقل الصلاة، ونحوه قال الجعفي، وقال ابن الجنيد يجب على المستهل، وقال ابن أبي عقيل لا يجب حتى يبلغ، والاقرب الاول، والمشهور بينهم لا سيما المتأخرين استحبابها


 

[360]

عليه قبل ست سنين، وظاهر المفيد نفي الاستحباب، وهو الظاهر من الكليني و الصدوق في الكافي (1) والفقيه (2) وكلام المبسوط (3) مشعر به، ويظهر من الشيخ في كتابي الاخبار نوع تردد فيه، وظاهر كثير من الاخبار أن الصلاة قبل ست سنين بدعة، وما وقع منهم - عليهم السلام - عليهم كان للتقية، وسيأتي بعضها. قوله عليه السلام: " فإذا حضرت " ظاهره أنه إذا كان لا يعقل الصلاة لا يصلى عليه، لكن يدعو بهذا الدعاء، ويمكن حمله على ما بعد الست، فالمراد القول في الصلاة كما فهمه الاصحاب. والذخر بالضم ما ادخرته ليوم حاجنك، وقال الجوهري: الفرط بالتحريك الذي يتقدم الواردين فيهيئ لهم الارسان والدلاء، ويملؤ الحياض ويستقي لهم انتهى، وإنما أطلق عليه الفرط لان بذهابه يحصل الاجر، فكأنه هيأ لهم الرحمة، أو لانه يشفع لهم عند ورودهم القيامة، قال في النهاية اللهم اجعله لنا فرطا أي أجرا يتقدمنا انتهى. والمستضعف، فسره ابن إدريس بمن لا يعرف اختلاف الناس في المذاهب ولا يبغض أهل الحق على اعتقادهم، وفي الذكرى بأنه الذي لا يعرف الحق ولا يعاند فيه، ولا يوالي أحدا بعينه، وحكي عن المفيد في العزية أنه عرفه بأنه الذي يعرف بالولاء ويتوقف عن البراءة، ويظهر من بعض الاخبار، أن المراد بهم ضعفاء العقول، وأشباه الصبيان، ممن لهم حيرة في الدين، وليست لهم قوة التميز، ولا يعاندون أهل الحق. ثم اعلم أن الظاهر من هذا الخبر وغيره قراءة الاية في كل تكبيرة، و خصها الاصحاب بالرابعة، قوله عليه السلام " ولها ما تولت " وفي بعض الاخبار " من

 

(1) راجع الكافي باب غسل الاطفال والصبيان والصلاة عليهم ج 3 ص 206. (2) الفقيه ج 1 ص 104. (3) المبسوط ج 1 ص 180.

 

[361]

تولت " أي اجعل ولي أمر هذه النفس من كانت تتولاه في الدنيا واتخذته وليها وإمامها أو أحبته من الائمة الابرار، إن كان مؤمنا، وأعداءهم إن كان مخالفا قال في النهاية " لنولينك ما توليت " أي نكل إليك ما قلت، ونرد إليك ما وليته نفسك ورضيت لها به انتهى، وعلى رواية " ما " يمكن أن يكون استعملت موضع " من " و كثيرا ما تقع كقوله تعالى " والسماء وما بناها " (1) أو المراد به العقائد والمذاهب فيرجع إلى الاول، وأما الاعمال فلا يناسب مقام الدعاء والشفاعة. واحشرها أي أجمعها كما هو معنى الحشر في الاصل، أو ابعثها في القيامة معهم، ليصيروا سببا لنجاته من أهوالها. ثم اعلم أنه على ما يظهر من المنتهى لا خلاف في جواز إيقاع الصلاة الواحدة على ما زاد على الواحدة من الجنائز، ويجوز التفريق أيضا وقال: لو اجتمعت جنازة الرجل والمرءة جعل الرجل مما يلي الامام، والمرءة مما يلي القبلة، قاله علماؤنا، ثم قال: هذه الكفية والترتيب ليس واجبا بلا خلاف. قال الشهيد في الذكرى: والتفريق أفضل، ولو كان على كل طائفة، لما فيه من تكرار ذكر الله، وتخصيص الدعاء الذي هو أبلغ من التعميم، إلا أن يخاف حدوث أمر على الميت فالصلاة الواحدة أولى، فيستحب إذا اجتمع الرجل والمرءة محاذاة صدرها لوسطه، ليقف الامام موقف الفضيلة، وأن يلي الرجل الامام، ثم الصبي لست، ثم العبد، ثم الخنثى، ثم المرءة، ثم الطفل لدون ست ثم الطفلة. وجعل ابن الجنيد الخصي بين الرجل والخنثى، ونقل في الخلاف الاجماع على تقديم الصبي الذي تجب عليه الصلاة إلى الامام ثم المرءة، ثم قال: وأطلق الصدوقان تقديم الصبي إلى الامام، وفي النهاية أطلق تقدم الصبي إلى القبلة على المرءة انتهى. واستشكل جماعة من الاصحاب الاجتزاء بالصلاة الواحدة على الصبي الذي

 

(1) الشمس: 7.

 

[362]

لم تجب الصلاة عليه، مع غيره ممن تجب عليه، لاختلاف الوجه، وصرح في التذكرة بعدم جواز جمع الجميع بنية واحدة متحدة الوجه، ثم قال: ولو قيل باجزاء الواحدة المشتملة على الوجهين بالتقسيط أمكن. أقول: ما ذكره أخيرا موجه على القول بلزوم نية الوجه، وهو غير ثابت. وقال الشهيد في الذكرى: لو اجتمع الرجال صفوا مدرجا، يجعل رأس الثاني إلى ألية الاول، وهكذا ثم يقوم الامام في الوسط، ولو كان معهم نساء جعل رأس المرءة الاولى إلى ألية الرجل الاخير، ثم الثانية إلى ألية الاولى، وهكذا ثم يقوم وسط الرجال ويصلي عليهم صلاة واحدة، وروى ذلك كله عمار عن الصادق عليه السلام. أقول: رواية عمار في الكافي (1) أيضا هكذا، وفي التهذيب (2) والمنتهى ثم يجعل رأس المرأة الاخرى إلى رأس المرءة الاولى، وما في الكافي أضبط وأقوى، لكن رواية عمار لا تصلح لمعارضة سائر الاخبار، وكأن الاصحاب فرقوا بين ما إذا كان الميت من كل صنف واحدا أو متعددا، فعملوا في الثاني برواية عمار وفي الاول بالروايات المطلقة، بأن يجعل صدر المرءة مثلا محاذيا لوسط الرجل ويقف الامام محاذيا لوسط الرجل. ثم إن الاصحاب في الصورة الاولى - التي يقف الامام فيها في وسط الصف المدرج - لم يتعرضوا لانه يقف قريبا من الجنازة التي أمامه، فيقع بعض الجنائز الكائنة عن يمينه خلفه أو يقف بحيث تكون جميع الجنائز أمامه، وإن بعد كثيرا عن الجنازة التي تحاذيه، والخبر أيضا في ذلك مجمل، وعلى تقدير العمل بالخبر القول بالتخيير لا يخلو من قوة. قوله " وكانت الجنازة مقلوبة " أي كان رأس الميت في يسار المصلي و

 

(1) الكافي ج 3 ص 174. (2) التهذيب ج 1 ص 344.

 

[363]

رجلاه في يمينه، كما رواه الكليني في الموثق عن عمار الساباطي (1) عن أبي عبد الله عليه السلام " قال: سئل عن ميت صلي عليه، فلما سلم الامام، فإذا الميت مقلوب رجلاه إى موضع رأسه، قال: يسوى وتعاد الصلاة عليه، وإن كان قد حمل ما لم يدفن، فان كان قد دفن فقد مضت الصلاة، لا يصلى عليه وهو مدفون " وعليه عمل الاصحاب قال في المعتبر قال الاصحاب: يجب أن يكون رأس الجنازة إلى يمين الامام، وهو السنة المتبعة، قالوا ولو تبين أنها مقلوبة أعيدت الصلاة ما لم يدفن، واحتجوا في ذلك برواية عمار وما تضمنه الخبر من التسليم محمول على التقية كما عرفت. قوله " فكبر عليها تمام الخمس " عليه فتوى الاصحاب، وقال الاكثر إن أمكن الدعاء يأتي بأقل المجزي وإلا يكبر ولاء من غير دعاء، وظاهر الروايات الواردة في ذلك أنه يكبر ولاء من غير تفصيل، ومال إليه بعض المتأخرين ولا يخلو من قوة، وإن أمكن حملها على الغالب، من عدم التمكن، وهذه الرواية مجملة وما سيأتي من خبر علي بن جعفر يومي إلى الاتيان بما أمكن من الدعاء. قوله: فصل عليهما ظاهره القطع والاستيناف، كما هو ظاهر الفقيه، حيث قال: ومن كبر على جنازة تكبيرة أو تكبيرتين فوضعت جنازة أخرى معها فان شاء كبر الان عليهما خمس تكبيرات، وإن شاء فرغ من الاولى واستأنف الصلاة على الثانية، وروى الكليني والشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر (2) عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن قوم كبروا على جنازة تكبيرة أو ثنتين، ووضعت معها أخرى كيف يصنعون ؟ قال: إن شاؤا تركوا الاولى، حتى يفرغوا من التكبير على الاخيرة، وإن شاؤا رفعوا الاولى وأتموا ما بقي على الاخيرة، كل ذلك لا بأس به. وقال الشهيد - ره - في الذكرى: لو حضرت جنازة في أثناء الصلاة على

 

(1) الكافي ج 3 ص 174، التهذيب 1 ص 344. (2) التهذيب ج 1 ص 345، الكافي ج 3 ص 109.

 

[364]

الاولى، قال الصدوقان والشيخ: يتخير في الاتمام على الاولى ثم يستأنف أخرى على الثانية، وفي إبطال الاولى واستيناف الصلاة عليهما، لان في كل من الطريقين تحصل الصلاة، ولرواية علي بن جعفر، وهي قاصرة عن إفادة المدعى، إذ ظاهرها أن ما بقي من تكبيرة الاولى محسوب للجنازتين، فإذا فرغ من تكبير الاولى تخيروا بين تركها بحالها حتى يكملوا التكبير على الاخيرة، وبين رفعها من مكانها والاتمام على الاخيرة، وليس في هذا دلالة على إبطال الصلاة على الاولى بوجه، هذا مع تحريم قطع العبادة الواجبة. نعم لو خيف على الجنائز قطعت الصلاة ثم استونف عليهما، لانه قطع لضرورة إلا أن مضمون الرواية يشكل بعدم تناول النية أولا للثانية، فكيف يصرف باقي التكبير إليها مع توقف العمل على النية، فأجاب بامكان حمله على إحداث نية من الان لتشريك باقي التكبيرات على الجنازتين. ثم قال: قال ابن الجنيد: يجوز للامام جمعهما إلى أن يتم على الثانية خمسا فان شاء أومأ إلى أهل الاولى ليأخذوها، ويتم على الثانية خمسا، وهو أشد طباقا للرواية، وقد تأول رواية جابر عن الباقر عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله كبر عشرا أو سبعا وستا بالحمل على حضور جنازة ثانية، وهكذا انتهى. أقول: ما ذكره - ره - هو الظاهر من الخبر، ويحتمل أن يكون المراد إتمام الصلاة على الاولى، واستيناف الصلاة على الاخيرة، مع التخيير في رفع الجنازة الاولى حال الصلاة على الاخيرة، ووضعها بأن يكون المراد بقوله عليه السلام " وأتموا " إيقاع الصلاة تماما وقوله " ما بقي " أي الصلاة الباقية، لا التكبيرات الباقية كما ذكره بعض المتأخرين، ولا يخفى بعده، وأما ما فهمه القوم، فلعلهم حملوا قوله " تركوا الاولى " على ترك الصلاة الاولى وقطعها، وقوله " حتى يفرغوا من التكبير على الاخيرة " أي على الاولى والاخيرة معا " وإن شاؤا رفعوا " أي بعد إتمام الصلاة عليها " وأتموا ما بقي " أي الصلاة الباقية، ولا يخفى ما فيه من التكلفات لكنه موافق لفهم الصدوق، ولعله أخذ من الفقه الرضوي.


 

[365]

قوله " ولا بأس أن يصلي " أجمع علماؤنا على عدم اشتراط هذه الصلاة بالطهارة وأجمعوا على استحبابها، وقد نقل الاجماع عليهما في التذكرة والمنتهى. ثم اختلفوا في أن إطلاق الصلاة على هذه حقيقة أو مجاز، ويتفرع عليه إجراء الاحكام والشرائط الواردة في الصلاة مطلقا فيها، وظاهر الخبر عدم الحقيقة وإن احتمل أن يكون المراد ليس بالصلاة المعهودة المشتملة على الركوع والسجود المشروطة بالطهارة، ولا خلاف بينهم ظاهرا في وجوب الاستقبال والقيام مع القدرة اتباعا للهيئة المنقولة، وفي جوب الستر مع الامكان قولان، وجزم العلامة بعدمه. وكذا اختلفوا في أنه هل يعتبر فيها الطهارة من الخبث ؟ فذهب أكثر المتأخرين إلى العدم تمسكا بمقتضى الاصل، وإطلاق الاذن في صلاة الحائض مع عدم انفكاكها من النجاسة غالبا، ولا يخلو من قوة، وكذا في ترك ما يجب تركه في اليومية، قال في الذكرى: والاحوط ترك ما يترك في ذات الركوع، والابطال بما يبطل، خلا ما يتعلق بالحدث والخبث انتهى. أقول: يمكن أن يفرع على الخلاف المذكور اشتراط العدالة في إمام تلك الصلاة، ويؤيد العدم عدم فوت فعل من الافعال عن المأموم بسبب الايتمام. وأما وقوف الحائض ناحية فرواه الكليني في الموثق (1) عن عبد الرحمان ابن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت تصلي الحائض على الجنازة، قال: نعم، ولا تصف معهم، تقوم منفردة، ورواه في الحسن أيضا (2) وليس فيه " تقوم منفردة " ويحتمل أن يكون المراد تأخرها عن صف الرجال، فلا اختصاص له بالحائض بل هذا حكم مطلق النساء، ويؤيده لفظ الرجال هنا، وتذكير ضمير معهم في الخبرين. وأن يكون المراد عمن لم يتصف بصفتها من النساء أيضا كما فهمه القوم، ويكون التذكير للتغليب، ويشعر به قوله عليه السلام تقوم منفردة.

 

(1) الكافي ج 3 ص 179. (2) المصدر نفسه باب صلاة النساء على الجنائز تحت الرقم 4، عن محمد بن مسلم.

 

[366]

قال في التذكرة: وإذا صلوا جماعة ينبغي أن يتقدم الامام والمؤتمون خلفه صفوفا، وإن كان فيهم نساء وقفن آخر الصفوف، وإن كان فيهم حائض انفردت بارزة عنهم وعنهن، ونحوه قال في المنتهى، وقال في الذكرى: وفي انفراد الحائض هنا نظر من خبر محمد بن مسلم فان الضمير يدل على الرجال، وإطلاق الانفراد يشمل النساء، وبه قطع في المبسوط وتبعه ابن إدريس والمحقق انتهى. أقول: الاستدلال بتلك الاخبار على تأخرها عن النساء، لا يخلو من إشكال وأما استحباب التيمم للحائض والجنب والمحدث، وإن أمكن الغسل والوضوء، فهو مقطوع به في كلام الاصحاب، بل ظاهر العلامة أنه إجماعي، لكن الشيخ في التهذيب قيده بما إذا خاف أن تفوته الصلاة، وأما الوضوء للجنب والحائض فلم أره في سائر الاخبار، ولا كلام الاصحاب، وقوله " عمدا " لعل المراد به أن يتوضأ بقصد الوجوب إذ لا خلاف في استحبابه. قوله " وأفضل المواضع " هذا مؤيد لما فهمه الصدوق من الخبر الاتي، ويمكن حمله على صفوف الجنائز أو للنساء. قوله بنعل حذو، أقول: روى الكليني (1) عن عدة من أصحابه، عن سهل ابن زياد، عن إسماعيل بن مهران، عن سيف بن عميرة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يصلى على الجنازة بحذاء، ولا بأس بالخف. وقال الشهيد في الذكرى: يستحب نزع الحذاء لا الخف لخبر سيف بن عميرة قال في المقنع: روي أنه لا يجوز للرجل أن يصلي على جنازة بنعل حذو، وكان محمد بن الحسن يقول: كيف تجوز صلاة الفريضة ولا تجوز صلاة الجنازة ؟ وكان يقول لا نعرف النهي من ذلك إلا من رواية محمد بن موسى الهمداني وكان كذابا، قال الصدوق: وصدق في ذلك، إلا أنى لا أعرف عن غيره رخصة، وأعرف النهي وإن كان من غير ثقة، ولا يرد الخبر بغير خبر معارض. قلت: قد روى الكليني من غير طريق الهمداني إلا أن يفرق بين الحذاء

 

(1) الكافي ج 3 ص 176 عن سيف بن عميرة.

 

[367]

ونعل الحذو. واحتج في المعتبر على استحباب الحفاء وهو عبارة ابن البراج بما روي عن بعض الصحابة أن النبي صلى الله عليه وآله قال: من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار، ولانه موضع اتعاظ يناسب التذلل بالحفاء، قلت: استحباب الحفاء يعطي استحباب نزع الخف، والشيخ وابن الجنيد ويحيى بن سعيد استثنوه، والخبر ناطق به، وفي التذكرة اختار عدم نزع الخف، واحتج بحجة المعتبر، وهو تمام لو ذكر الدليل المخرج للخف عن مدلول الحديث انتهى، والظاهر أنه يثبت استحباب ترك الحذاء بهذا الخبر لمساهلتهم في مستند المسحبات، واستدلالهم عليها بالاخبار الضعيفة، بل العامية، والظاهر أن الحكم موضع وفاق أيضا بينهم، ويحتمل أن يكون مرادهم بنعل الحذو والحذاء غير النعال العربية بل النعال العجمية والهندية الساترة لظهر القدم أو أكثره، بغير ساق، وحينئذ فان قيل بكون هذه الصلاة صلاة حقيقة ويشملها عموم ما ورد من الاحكام في مطلق الصلاة كما ذهب إليه جماعة، يكون القول بالمنع من الصلاة فيها جاريا ههنا، إن قال المانعون بتلك المقدمة، لكن الظاهر من كلام أكثرهم وبعض اللغويين أن الحذاء شامل لجميع النعال سوى الخف قال في النهاية: الحذاء بالمد النعل، وقال المحقق وغيره: وينزع نعليه، وقال في المنتهى: ويستحب التحفى، واستدل بهذا الخبر، وما يفهم من كلام بعضهم من عدم استثناء الخف غير جيد، لمخالفة الخبر الذي هو مستند الحكم. قوله عليه السلام: " ولا تجعل ميتين على جنازة " قال في الذكرى: قال الشيخ وجماعة من الاصحاب: يكره حمل ميتين على سرير، رجلين كانا أو امرأتين أو رجلا وامرأة، حتى قال في النهاية: لا يجوز وهو بدعة، وكذا ابن إدريس، هذا مع الاختيار، وممن صرح بالكراهية ابن حمزة، وقال الجعفي: لا يحمل


 

[368]

ميتان على نعش واحد، والذي في مكاتبة الصفار (1) إلى أبي محمد العسكري عليه السلام وسأله عن جواز حمل ميتين على سرير واحد والصلاة عليهما، وإن كان الميتان رجلا وامرءة مع الحاجة، أو كثرة الناس " لا يحمل الرجل مع المرءة على سرير واحد " وهو أخص من الدعوى، وظاهره عدم الجواز مع الحاجة انتهى. وما في الفقه مع تأيده بالشهرة، واستمرار العمل في الاعصار ربما يصلح دليلا على الكراهة وأما إثبات الحرمة ففيه إشكال. نعم الظاهر من الخبر جواز الصلاة على الميت بعد الدفن، لمن لم يصل عليه، وإن صلى عليه غيره، واختلف الاصحاب فيه فذهب الاكثر ومنهم الشيخان وابن البراج وابن إدريس وابن حمزة والمحقق في الشرايع والعلامة في الارشاد إلى جواز الصلاة على القبر يوما وليلة لمن فاتته الصلاة عليه قبل الدفن، وإطلاق كلامهم يقتضي جواز الصلاة عليه كذلك وإن كان الميت قد صلى عليه قبل الدفن وقال سلار: يصلى عليه إلى ثلاثة أيام، ويظهر من كلام الشيخ في الخلاف أن به رواية (2). وقال ابن الجنيد يصلى عليه ما لم يتغير صورته، ولم أطلع على مستند لشئ من هذه التقديرات، واعترف الفاضلان بعدم الاطلاع عليه، وقال الصدوق: من لم يدرك الصلاة على الميت صلى على القبر، ولم يقيد لها وقتا وقربه الشهيد في البيان، وأوجب في المختلف الصلاة على من دفن بغير صلاة، ومنع من الصلاة على غيره، وحكم في المعتبر بعدم وجوب الصلاة بعد الدفن مطلقا قال ولا أمنع الجواز وقواه في المنتهى.

 

التهذيب ج 1 ص 128 ط حجر ص 454 ج 1 ط نجف، ولفظه قال: كتبت إلى أبى محمد الحسن العسكري عليه السلام: أيجوز أن يجعل الميتين على جنازة واحدة في موضع الحاجة وقلة الناس ؟ وان كان الميتان رجلا وامرءة يحملان على سرير واحد ويصلى عليهما ؟ فوقع عليه السلام: لا يحمل الرجل مع المرءة على سرير واحد. (2) الخلاف ص 111 ط حجر.

 

[369]

والمسألة قوية الاشكال لتعارض الاخبار، ووجود الاختلاف بين المخالفين أيضا، وإن كان القول بالجواز أشهر عندهم، رواية وفتوى، والاحوط فيمن صلي عليه ترك الصلاة والاكتفاء بالدعاء، وفيمن لم يصل عليه الصلاة مطلقا. وأما وقوف المأموم خلف الامام وإن كان واحدا، فقد ورد في الاخبار، وعمل به الاصحاب، والاولى عدم المخالفة، وإن كان ظاهر الاكثر الاستحباب إذ ظاهر الاخبار الوجوب. قوله عليه السلام: " تقول في التكبيرة الاولى " هذه الكيفية مروية في الكافي (1) بسند حسن كالصحيح، عن الحلبي، عن الصادق عليه السلام بأدنى تغيير. قوله عليه السلام: " إنا لله " هذه كلمة أثنى الله سبحانه على قائلها عند المصائب، لدلالتها على الرضا بقضائه والتسليم لامره، فمعنى " إنا لله " الاقرار له بالعبودية أي نحن عبيد الله ومماليكه، فله التصرف فينا بالحياة والموت، والصحة والمرض، والممالك على الاطلاق أعلم بصلاح مملوكه، واعتراض المملوك عليه من جرءته وضعف عقله " وإنا إليه راجعون " إقرار بالبعث والنشور، وتسلية للنفس بأن. الله تعالى عند رجوعنا إليه، يثيبنا على ما يصيبنا من المكاره والالام أجزل الثواب، كما وعدنا، وينتقم لنا ممن ظلمنا. وفيه تسلية من جهة أخرى وهي أنه إذا كان رجوعنا إلى الله جميعا و إلى ثوابه، فينبغي أن لا نبالي بافتراقنا بالموت، ولا ضرر على الميت أيضا فانه انتقل من دار إلى دار أحسن من الاولى، ورجع إلى رب كريم، هو رب الاخرة والاولى. ويدل على ما ذكرنا ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: " إنا لله " إقرار على أنفسنا بالملك " وإنا إليه راجعون " إقرار على أنفسنا بالهلك. قوله: " وثبته " في الكافي (2) " بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الاخرة " وهو إشارة إلى قوله تعالى: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحيوة

 

(1 - 2) الكافي ج 3 ص 184.

 

[370]

الدنيا وفي الاخرة " (1) قال البيضاوي " بالقول الثابت " أي الذي ثبت بالحجة عندهم، وتمكن في قلوبهم " في الحيوة الدنيا " فلا يزالون إذا افتتنوا في دينهم كزكريا ويحيى وجرجيس وشمعون والذين فتنهم أصحاب الاخدود " وفي الاخرة " فلا يتلعثمون إذا سئلوا من معتقدهم في الموقف، ولا يدهشهم أهوال القيامة انتهى. أقول: يشكل ما ورد في هذا الدعاء بأن حياته الدنيوية قد انقضت، فما معنى الثبات له في الحيوة الدنيا ؟ ويمكن أن يوجه بوجهين. الاول أن يكون الظرف متعلقا بالثابت، أي القول الثابت الذي لا يتبدل بتبدل النشأتين، فان العقائد الباطلة التابعة للاغراض الدنيوية والشهوات الدنية تتبدل وتتغير في النشأة الاخرة، لزوال دواعيها، وفي الاية أيضا يحتمل ذلك وإن لم يذكره المفسرون. الثاني أن يكون المراد بالحياة الدنيا ما يقع قبل القيامة، فيكون حياة القبر للسؤال داخلا في الحياة الدنيا، على أنه يحتمل أن يكون ذكره على سبيل التبعية استطرادا لذكره في الاية، ولعل ثاني الوجهين أظهر. قوله: " اللهم اسلك بنا " أي اجعلنا سالكين سبيلا يهدينا إلى ما يوجب لنا درجات الجنان، واسلك به سبيلا يهديه ويوصله إلى الجنة في المحشر فسلوك سبيل الهدى في الدنيا موجب لسلوك سبيل الهدى في الاخرة كما روي في تأويل قوله تعالى: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم جنات " (2) الاية رواه عبد الله بن الفضل الهاشمي عن الصادق عليه السلام ويحتمل أن يكون المراد بسبيل الهدى سبيل أهل الهدى، بأن يقدر مضاف، فبالنسبة إلينا يشمل النشأتين، وبالنسبة إليه يختص بالاخرة، وكذا الكلام في الفقرة الثانية أي اهدنا إلى الصراط المستقيم في العقايد والاعمال، واهده إلى صراط الاخرة

 

(1) ابراهيم: 27. (2) يونس: 9.

 

[371]

الموصل إلى الجنة، ويحتمل في الفقرتين أن يكون المراد سبيل الهدى والصراط المستقيم في الاخرة بالنسبة إلينا وإليه معا، فان طلب هدايتنا في الاخرة إلى ذلك السبيل والصراط، يستلزم طلب ما يوصل إليهما ويوجبهما في الدنيا. قوله: " عفوك عفوك " بالنصب أي أطلبه، وقد يرفع بتقدير الخبر، و أما ترك الكاظم عليه السلام (1) الصلاة على الميت حين اصفرار الشمس: فلعله نوع تقية منه بقرينة ما ذكر بعده. قوله عليه السلام: " وافسح له " في القاموس فسح له كمنع وسع، وفي النهاية ومنه حديث علي عليه السلام " اللهم افسح له مفسحا في عدلك " أي أوسع له سعة في دار عدلك انتهى، والمراد به إما رفع الضغطة، أو كون روحه في عالم البرزخ في فسحة ونعمة وكرامة وجنات عالية. قوله: " إن كان زاكيا فزكه " قال في النهاية أصل الزكاة في اللغة الطهارة والنماء والبركة والمدح، وكل ذلك قد استعمل في القرآن والحديث ثم قال: زكى الرجل نفسه: إذا وصفها وأثنى عليها انتهى، وقال في الغريبين " يزكون أنفسهم ": يزعمون أنهم أزكياء، " ونفسا زكية ": طاهرة لم تجن ما يوجب قتلها، " وما زكى ": ما طهر وأوصاني بالصلاة والزكوة " أي الطهارة، و " ذلكم أزكى لكم " أي أنمى وأعظم بركة " وأفلح من زكيها " قربها إلى الله " وما عليك أن لا يزكى " أن لا يسلم فيتطهر من الشرك انتهى. فالمعنى أنه إن كان طاهرا من الشرك والذنب أو ناميا في الكمالات والسعادات فزكه أي أثن عليه، كناية عن قبول أعماله أو قربه إليك أو طهره زائدا على ما اتصف به، أوزد وبارك عليه في ثوابه، واجعل عمله ناميا مضاعفا في الاجر والثواب.

 

(1) انما نسب الامر إلى الكاظم (ع) على المبنى المشهور أن الكتاب من املاه الرضا (ع)، وحيث نسب الامر في الكتاب إلى أبيه كان هو الكاظم (ع)، وليس كذلك كما عرفت.

 

[372]

قوله: " لا تحرمنا أجره " أي أجر ما أصابنا من مصيبته " ولا تفتنا بعده " في القاموس الفتنة بالكسر الخبرة كالمفتون، ومنه " بأيكم المفتون " وإعجابك بالشئ، فتنه يفتنه فتنا وفتونا وأفتنه، والضلال والاثم والكفر والفضيحة و العذاب، وإذابة الذهب والفضة، والاضلال والجنون والمحنة والمال والاولاد واختلاف الناس في الاراء انتهى. أي لا تجعلنا مفتونين بالدنيا بعد ما رأينا من مصيبته بل نبهنا بما أصابنا، واجعلنا زاهدين في الدنيا، تاركين لشهواتنا لتذكر الموت وأهواله، ولا تمتحنا بعده بشدة مصيبته فنجزع فيها ونستحق بذاك سخطك، بل هب لنا صبرا عليها. ولعل الاول أظهر، ويحتمل معاني أخرى تظهر مما نقلنا من معاني الفتنة لا نطيل الكلام بذكرها. قوله عليه السلام: " اللهم اكتبه عندك في عليين " مأخوذ من قوله تعالى: " كلا إن كتاب الابرار لفي عليين " (1) قال في النهاية: فيه أن أهل الجنة ليتراؤن أهل عليين، عليون اسم للسماء السابعة، وقيل اسم لديوان الملائكة الحفظة ترفع إليه أعمال الصالحين من العباد، وقيل أراد أعلى الامكنة وأشرف المراتب وأقربها إلى الله تعالى في الدار الاخرة انتهى. اقول: لعل المراد به هنا اكتب وقدر عندك أنه من أهل عليين، أو اكتب اسمه في عليين، فانه ديوان يكتب فيه أسماء الابرار والمقربين وأعمالهم. قوله عليه السلام: " واخلف على اهله " وفي أكثر الروايات على عقبه من الغابرين: اخلف بضم اللام وكسرها كما ذكره الجوهري وفي النهاية يقال: خلف الله لك بخير وأخلف عليك خيرا أي أبدلك بما ذهب منك وعوضك عنه، وقيل إذا ذهب للرجل ما يخلفه مثل المال والولد قيل: أخلف الله لك وعليك وإذا ذهب له ما لا يخلفه غالبا كالاب والام قيل: خلف الله عليك، وقيل: يقال خلف الله عليك إذا مات لك ميت أي كان الله خليفته عليك، وأخلف الله عليك

 

(1) المطففين ص 18.

 

[373]

أي أبدلك، ومنه حديث أبي الدرداء في الدعاء للميت اخلف في عقبة أي كن لهم بعده، وقال في غبر: قال الازهري يحتمل الغابر الماضي والباقي فانه من الاضداد قال: والمعروف الكثير أن الغاير الباقي وقال غير واحد من الائمة أنه يكون يكون بمعنى الماضي انتهى، وفي القاموس العقب الولد وولد الولد كالعقب ككتف. أقول: يحتمل أن يكون قوله في الغابرين بدلا من قوله على أهله أو على عقبه، أي كن خليفته من الباقين من عقبه، فاحفظ أمورهم وهيئ لهم مصالحهم ولا تكلهم إلى غيرك، وأن يكون حالا من قوله: " عقبه " أي كن خليفته عليهم كائنين في الباقين من الناس، وأن يكون صفة للمصدر المحذوف أي اخلف عليهم خلافة كائنة في أمر الباقين من الناس، بأن تميل قلوب الناس إليهم وتجعلهم مكرمين عندهم يراعونهم وينفعونهم، وعلى الاحتمال الثاني يمكن أن يكون المراد هذا كما لا يخفى. ويحتمل أن يكون حالا عن الفاعل في اخلف أي كن أنت الخليفة على عقبه بين سائر من بقي بعده، وأن يكون حالا عن الضمير المجرور، ويكون الغابر بمعنى الماضي أي حال كونه في جملة الماضين من الموتى، فيكون التقييد به لنوع من الاستعطاف. وقال شيخنا البهائي قدس الله روحه: لعل " في " للسببية، والمراد الدعاء بجعل الباقين من أقارب عقبه عوضا لهم عن الميت انتهى، ولعل بعض ما خطر بالبال من الاحتمالات السالفة أظهر مما ذكره قدس سره. قوله: " اللهم لا ترفعه " أي بالرفعة المعنوية، وقد مر معنى التزكية، ويدل الخبر على الفرق بين المستضعف وبين من لا يعرف حاله في الدعاء، و الظاهر أن المراد به من لا يعرف مذهبه، ومن كان في بلاد الشيعة ومات ولا يعرف مذهبه، فهل يحكم بايمانه بناء على الغالب، أو هو داخل في هذا القسم ؟ فيه إشكال ولعل الاول أظهر.


 

[374]

24 - دعائم الاسلام: روينا عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه ذكر وفات رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لما غسله علي عليه السلام وكفنه تاه العباس فقال: يا علي إن الناس قد اجتمعوا ليصلوا على رسول الله صلى الله عليه وآله ورأوا أن يدفن في البقيع، وأن يؤمهم في الصلاة عليه رجل منهم، فخرج علي عليه السلام فقال: أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إمامنا حيا وميتا وإنه لم يقبض نبي إلا دفن في البقعة التي مات فيها، قالوا اصنع ما رأيت، فقام علي عليه السلام على باب البيت وصلى على رسول الله وقدم الناس عشرة عشرة يصلون عليه وينصرفون (1). وعن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام أنه قال: لا بأس بالصلاة على الجنازة حين تطلع الشمس، وحين تغرب، وفي كل حين إنما هو استغفار (2). وعن علي عليه السلام أنه دعي إلى الصلاة على جنازة فقال: إنا لفاعلون، و إنما يصلي عليه عمله (3). وعنه عليه السلام أنه قال: إذا صلى على المؤمن أربعون رجلا من المؤمنين، و اجتهدوا في الدعاء له استجيب لهم (4). وعنه عليه السلام أنه قال: إذا حضر السلطان الجنازة فهو أحق بالصلاة عليها من وليها (5). وعنه عليه السلام أنه قال: إذا استهل الطفل صلي عليه (6). وعنه عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى على امرءة ماتت في نفاسها من الزنى وعلى ولدها وأمر بالصلاة على البر والفاجر من المسلمين (7). وعنه عليه السلام أنه قال: إذا اجتمعت الجنائز صلي عليها معا صلاة واحدة، و يجعل الرجال مما يليه والنساء مما يلي القبلة (8). وعنه عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا وقف على جنازة

 

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 234. (2 - 8) دعائم الاسلام ج 1 ص 235.

 

[375]

الرجل للصلاة عليه، قام بحذاء صدره، فإذا كانت امرءة قام بحذاء رأسها (1). وعنه عليه السلام أنه سئل عن الرجل يحضر الجنازة وهو على غير وضوء ولا يجد الماء، قال يتيمم ويصلي عليها إذا خاف أن تفوته (2). وعنه عليه السلام أنه كان يرفع يديه بالتكبيرة على الجنايز، ويكبر عليها خمسا (3). وعنه صلى الله عليه وآله أنه سئل عن التكبير على الجنايز فقال: خمس تكبيرات، أخذ ذلك من الصلاة الخمس، من كل صلاة تكبيرة (4). وعنه عليه السلام أنه قال: من سبق ببعض التكبيرات في صلاة الجنازة فليكبر وليدخل معهم، ويجعل ذلك أول صلاته، فإذا انصرفوا لم ينصرف حتى يتم ما بقي عليه ثم ينصرف (5). وروينا عن أهل البيت صلوات الله عليهم في القول والدعاء في صلاة الجنائز وجوها يكثر عددها، فدل ذلك على أن ليس فيه شئ موقت (6). وعن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام أنه قال: إن كنت لا تعلم من الميت فقل: " اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به، فوله ما تولى، واحشره مع من أحب " (7). وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: ويقال في الصلاة على المستضعف: " ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما، فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيئات ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم " (8). وروينا عن أهل البيت عليهم السلام أنهم قالوا في الصلاة على الناصب لاولياء الله المعادي لهم: يدعى عليه، وذكروا في الدعاء عليه وجوها كثيرة دلت على أن

 

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 235. (2 - 8) دعائم الاسلام ج 1 ص 236.

 

[376]

ليس شئ منها موقت، ولكن يجتهد في الدعاء عليه على مقدار ما يعلم من نصبه وعداوته (1). وعن جعفر بن محمد صلوات الله عليه أنه كان يقول في الصلاة على الطفل: " اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وأجرا " (2)، 25 - كتاب محمد بن المثنى: عن جعفر بن محمد بن شريح، عن ذريح المحاربي قال ذكر أبو عبد الله عليه السلام سهل بن حنيف فقال: كان من النقباء، فقلت له: من نقباء نبي الله الاثنى عشر ؟ فقال: نعم، ثم قال: ما سبقه أحد من قريش ولا من الناس بمنقبة، وأثنى عليه، وقال: لما مات جزع أمير المؤمنين عليه السلام جزعا شديدا وصلى عليه خمس صلوات. 26 - كتاب سليم بن قيس: قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في مثالب عمر: هو صاحب عبد الله بن ابي بن سلول حين تقدم رسول الله صلى الله عليه وآله ليصلي عليه أخذ بثوبه من ورائه، وقال: لقد نهاك الله أن تصلي عليه، ولا يحل لك أن تصلي عليه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما صليت عليه كرامة لابنه، وإني لارجو أن يسلم به سبعون رجلا من بني أبيه وأهل بيته، وما يدريك ما قلت ؟ إنما دعوت الله عليه (3). 27 - الخصال: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن [الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن محمد بن] سنان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا مات المؤمن فحضر جنازته أربعون رجلا من المؤمنين فقالوا: " اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا " قال الله تبارك وتعالى: إني قد أجزت شهادتكم، وغفرت له ما علمت مما لا تعلمون (4).

 

(1 - 2) دعائم الاسلام ج 1 ص 237 (3) كتاب سليم ص 127. (4) الخصال ج 2 ص 110 - 111.

 

[377]

28 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن المفيد، عن ابن قولويه، عن محمد الحميري، عن أبيه، عن أحمد البرقي، عن شريف بن سابق، عن الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أول عنوان صحيفة المؤمن بعد موته ما يقول الناس فيه، إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا، وأول تحفة المؤمن أن يغفر الله له ولمن تبع جنازته (1). 29 - العيون (2) والعلل عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري، عن علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان فيما رواه من العلل، عن الرضا عليه السلام قال: إنما أمروا بالصلاة على الميت ليشفعوا له، ويدعوا له بالمغفرة، لانه لم يكن في وقت من الاوقات أحوج إلى الشفاعة فيه والطلبة والاستغفار من تلك الساعة، وإنما جعلت خمس تكبيرات دون أن تصير أربعا أو ستا لان الخمس تكبيرات إنما أخذت من الخمس صلوات في اليوم والليلة وذلك أنه ليس في الصلاة تكبيرة مفروضة إلا تكبيرة الافتتاح، فجمعت التكبيرات المفروضات في اليوم والليلة فجعلت صلاة على الميت. [فان قال: فلم جوزتم الصلاة على الميت بغير وضوء ؟ قيل: لانه ليس فيها ركوع ولا سجود، إنما هي دعاء ومسألة، وقد يجوز أن تدعوا الله عزوجل وتسأله على أي حال كنت، وإنما يجب الوضوء في الصلاة التي فيها ركوع وسجود]. فان قال: فلم لم يكن فيها ركوع ولا سجود ؟ قيل لانه لم يكن يريد بهذه الصلاة التذلل والخضوع، إنما أريد بها الشفاعة لهذا العبد الذي قد تخلى عما خلف، واحتاج إلى ما قدم (3). فان قال: فلم جوزتم الصلاة عليه قبل المغرب وبعد الفجر ؟ قيل إن هذه الصلاة إنما تجب في وقت الحضور والعلة وليست هي موقتة كساير الصلوات وإنما هي صلاة تجب في وقت حدوث الحدث، ليس للانسان فيه اختيار، وإنما

 

(1) أمالى الطوسى ج 1 ص 45. (2) عيون الاخبار ج 2 ص 113 - 115 متفرقا. (3) علل الشرايع ج 1 ص 254.

 

[378]

هو حق يؤدى وجائز أن تؤدى الحقوق في أي وقت كان، إذا لم يكن الحق موقتا (1). 30 - الخصال: عن أحمد بن محمد بن الهيثم وأحمد بن الحسن القطان ومحمد ابن أحمد السناني والحسين بن إبراهيم المكتب و عبد الله بن محمد الصائغ وعلي بن عبد الله الوراق جميعا عن أحمد بن يحيى بن زكريا، عن بكر بن عبد الله بن حبيب عن تميم بن بهلول، عن أبي معاويه، عن الاعمش، عن جعفر بن محمد عليهما السلام في حديث شرايع الدين قال: والصلاة على الميت خمس تكبيرات، فمن نقص منها فقد خالف السنة (2). 31 - كشف الغمة: نقلا من كتاب أخبار فاطمة لابن بابويه، عن علي عليه السلام أنه صلى على فاطمة عليها السلام وكبر خمسا ودفنها ليلا (3)، وعن محمد بن علي عليهما السلام مثله وأن فاطمة عليها السلام دفنت ليلا (4). 32 - المقنعة: قال: روي عن الصادقين عليهم السلام أنهم قالوا كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي على المؤمنين ويكبر عليهم خمسا، ويصلي على أهل النفاق، سوى من ورد النهي عن الصلاة عليهم، فيكبر أربعا، فرقا بينهم وبين أهل الايمان، وكانت الصحابة إذا رأته قد صلى على ميت وكبر عليه أربعا قطعوا عليه بالنفاق (5). وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه صلى على سهل بن حنيف وكبر خمسا ثم التفت إلى أصحابه فقال: إنه من أهل بدر (6). 33 - رجال الكشي: عن محمد بن مسعود، عن أحمد بن عبد الله العلوي، عن علي بن الحسن الحسيني، عن الحسن بن زيد أنه قال: كبر علي بن أبي طالب عليه السلام على سهل بن حنيف سبع تكبيرات، وكان بدريا، وقال: لو كبرت عليه سبعين لكان أهلا (7).

 

(1) علل الشرايع ج 1 ص 255. (2) الخصال ج 2 ص 151. (3 - 4) كشف الغمة ج 2 ص 66. (5 - 6) المقنعة: 38. (7) رجال الكشى ص 38، الرقم 5.

 

[379]

ومنه: عن محمد بن مسعود، عن محمد بن نصير، عن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كبر علي عليه السلام على سهل بن حنيف وكان بدريا خمس تكبيرات، ثم مشى به ساعة ثم وضعه ثم كبر عليه خمس تكبيرات اخر يصنع به ذلك حتى بلغ خمسا وعشرين تكبيرة (1). 34 - اكمال الدين: عن محمد بن إبراهيم بن إسحاق، عن أحمد بن محمد الهمداني، عن علي بن الحسن بن فضال، عن أبيه، عن محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام في حديث طويل إن آدم لما مات فبلغ إلى الصلاة عليه تقدم هبة الله فصلى على أبيه وجبرئيل خلفه، وجنود الملائكة، وكبر عليه ثلاثين تكبيرة، فأمر جبرئيل فرفع خمسا وعشرين تكبيرة، والسنة اليوم فينا خمس تكبيرات، وقد كان يكبر على أهل بدر تسعا وسبعا (2). بيان: لعل زيادة التكبير كانت للتشريك، بأن حضر جنازة قبل الخامسة على الاولى، فيكبر على الثانية خمسة، وعلى الاولى تسعة لحضورها، حتى تتم الصلاة على الثانية، أو لفضل بعضهم كان يكبر عليه أكثر، فيكون من خصائص تلك الواقعة، كما هو ظاهر خبر الحسن بن زيد في الصلاة على سهل، و إن كان مخالفا لسائر الاخبار الواردة في الصلاة عليه. 35 - كتاب الطرف: للسيد بن طاوس، عن عيسى بن المستفاد، عن أبي الحسن موسى بن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: كان فيما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله أن يدفن في بيته ويكفن بثلاثة أثواب أحدها يمان، ولا يدخل قبره غير علي عليه السلام ثم قال: يا علي كن أنت وفاطمة والحسن والحسين، وكبروا خمسا وسبعين تكبيرة وكبر خمسا، وانصرف، وذلك بعد أن يؤذن لك في الصلاة، قال علي: ومن يأذن لي بها ؟ قال: جبرئيل يؤذنك بها، ثم رجال أهل بيتي يصلون علي

 

(1) رجال الكشى ص 38 و 39. (2) اكمال الدين ج 1 ص 322.

 

[380]

فوجا فوجا: ثم نساؤهم، ثم الناس من بعد ذلك قال ففعلت (1). 36 - المحاسن: عن أبي سمينة، عن محمد بن أسلم، عن الحسين بن خالد قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام يقول: لما قبض إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وآله جرت في موته ثلاث سنن: أما واحدة فانه لما قبض انكسفت الشمس فقال الناس: إنما انكسفت الشمس لموت ابن رسول الله، فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله يجريان بأمره، مطيعان له، لا ينكسفان لموت أحد، ولا لحياته، فإذا انكسفا أو أحدهما صلوا ثم نزل من المنبر فصلى بالناس الكسوف، فلما سلم قال: يا علي قم فجهز ابني. قال: فقام علي عليه السلام فغسل إبراهيم وكفنه وحنطه ومضى، فمضى رسول الله صلى الله عليه وآله حتى انتهى به إلى قبره فقال الناس: إن رسول الله صلى الله عليه وآله نسي أن يصلي على ابنه، لما دخله من الجزع عليه، فانتصب قائما ثم قال: إن جبرئيل أتاني وأخبرني بما قلتم، زعمتم أني نسيت أن اصلي على ابني، لما دخلني من الجزع ألا وإنه ليس كما ظننتم، ولكن اللطيف الخبير فرض عليكم خمس صلوات وجعل لموتاكم من كل صلاة تكبيرة، وأمرني أن لا اصلي إلا على من صلى. ثم قال: يا علي انزل والحد ابني ! فنزل علي عليه السلام فألحد إبراهيم في لحده، فقال الناس إنه لا ينبغي لاحد أن ينزل في قبر ولده إذ لم يفعل رسول الله صلى الله عليه وآله بابنه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أيها الناس إنه ليس عليكم بحرام أن تنزلوا في قبور أولادكم ولكن لست آمن إذا حل أحدكم الكفن عن ولده، أن يلعب به الشيطان، فيدخله عن ذلك من الجزع ما يحبط أجره ثم انصرف صلى الله عليه وآله (2). بيان: قوله صلى الله عليه وآله " آيتان " أي علامتان من علامة وجوده وقدرته وعلمه وحكمته " لا ينكسفان لموت أحد " اي لمحض الموت، بل إذا كان بسبب سوء فعال الامة، واستحقوا العذاب والتخويف أمكن أن ينكسفا لذلك، كما في

 

(1) الطرف: 45. (2) المحاسن ص 313.

 

[381]

شهادة الحسين عليه السلام فانها كانت بفعل الامة الملعونة، فاستحقوا بذلك التخويف والعذاب، بخلاف وفات إبراهيم عليه السلام فانه لم يكن بفعلهم، ولعل تقديم صلاة الكسوف هنا لتضيق وقته وتوسعة وقت التجهيز، على ما هو المشهور بين الاصحاب في مثله قال في القاموس جهاز الميت والعروس والمسافر بالكسر والفتح ما يحتاجون إليه، وقد جهزه تجهيزا. قوله: " زعمتم " أي قلتم، ويطلق غالبا على القول الباطل أو الذي يشك فيه، قال في القاموس الزعم مثلثة القول الحق والباطل والكذب ضد، وأكثر ما يقال فيما يشك فيه انتهى. قوله صلى الله عليه وآله: " إلا على من صلى " أي لزم تمرينه بالصلاة كما يظهر من بعض الاخبار، ويدل على عدم مشروعية الصلاة على من لم يبلغ الست بانضمام روايات اخر. قوله عليه السلام: " فالحد ابني " بفتح الحاء أو كسرها، في القاموس لحد القبر كمنع وألحده عمل له لحدا والميت دفنه، ويدل على شرعية اللحد وعمومه للاطفال أيضا، وعلى عدم كراهة نزول مطلق ذي الرحم كما ذكره الاكثر، ويدل على كراهة نزول الوالد في قبر الولد، وعدم حرمته، وعلى مطلوبية حل عقد الكفن، وعلى أن الجزع الشديد يحبط الاجر. 37 - كتاب التوحيد: عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن الفضل بن عامر، عن موسى بن القاسم، عن حماد بن عيسى، عن حريز، عن زرارة بن أعين قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام صلى على ابن لجعفر صغير، فكبر عليه ثم قال: إن هذا وشبهه لا يصلى عليه، ولو لا أن تقول الناس إن بني هاشم لا يصلون على الصغار ما صليت عليه، الحديث (1). 38 - كتاب المسائل: باسناده عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته، عن الرجل يدرك تكبيرة أو ثنتين على ميت كيف يصنع ؟ قال: يتم

 

(1) كتاب التوحيد: 393 باب الاطفال ط مكتبة الصدوق.

 

[382]

ما بقي من تكبيره، ويبادره دفعة ويخفف (1) 39 - المقنع: قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يصلي على قبر أو يقعد عليه أو يبنى عليه (2). بيان: ظاهره النهي عن السجدة على القبر، أو أن يصلي الفريضة أو النافلة قائما على القبر، لا عن الصلاة على الميت المدفون، وإن احتمل ذلك. 40 - الخلاف للشيخ: عن عمار بن ياسر قال: اخرجت جنازة أم كلثوم بنت علي وابنها زيد بن عمر، وفي الجنازة الحسن والحسين عليهما السلام و عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وأبو هريرة فوضعوا جنازة الغلام مما يلي الامام والمرءة وراءه وقالوا: هذا هو السنة (3). 41 - غيبة الشيخ: باسناده، عن محمد بن خالد، عن محمد بن عباد، عن موسى بن يحيى بن خالد أن أبا إبراهيم عليه السلام قال ليحيى: يا أبا علي أنا ميت، وإنما بقي من أجلي اسبوع، فاكتم موتي، وائتني يوم الجمعة عند الزوال، وصل علي أنت وأوليائي فرادى، الحديث (4). بيان: لعل الامر بالصلاة فرادى لئلا يتوهم أن إمامهم وصي له فيتوهم فيه الامامة، ولقد أوقع الرضا عليه السلام الصلاة خفية جماعة أو فردا ويحتمل أن يكون في هذا الوقت إمامهم وهم لا يرونه. 42 - تحف العقول: عن الرضا عليه السلام في كتابه إلى المأمون قال: والصلاة على الجنازة خمس تكبيرات، وليس في صلاة الجنائز تسليم، لان التسليم في صلاة الركوع والسجود، وليس لصلاة الجنازة ركوع ولا سجود، ويربع قبر الميت

 

(1) المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 253. (2) المقنع ص 6 ط حجر. (3) الخلاف: 110 ط حجر. (4) غيبة الشيخ ص 22.

 

[383]

ولا يسنم (1). 43 - المحاسن: عن أبيه ومحمد بن علي بن أسلم عن رجل من أهل الجزيرة قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قوم كسرت بهم سفينتهم في البحر، وخرجوا عراة ليس عليهم إلا مناديل متردين بها، فإذا هم برجل ميت عريان وليس على القوم فضل ثوب يوارون به الرجل، وكيف يصلون عليه وهو عريان ؟ فقال: إذا كانوا كذلك فليحفروا قبره، وليضعوه في لحده ويواروا عورته بلبن أو حجارة أو تراب، ويصلون عليه، ويوارونه في قبره، قلت: ولا يصلى عليه وهو مدفون ؟ قال: لا، ولو جاز ذلك لجاز لرسول الله صلى الله عليه وآله بل لا يصلى على المدفون ولا العريان (2). بيان: روى مضمونه في الكافي بسند موثق عن عمار الساباطي (3)، عن أبي عبد الله عليه السلام، ويستفاد منه أحكام. الاول شرعية اللحد، الثاني وجوب ستر عورة الميت عند الصلاة عليه، وهذا مقطوع به في كلامهم، الثالث تقديم الكفن على الصلاة، ولا خلاف ظاهرا بين العلماء في ذلك، وفي دلالة الخبر عليه خفاء، قال في المعتبر: لا يصلى عليه إلا بعد تغسيله و تكفينه، الرابع أنه لو لم يكن له كفن جعل في القبر، وسترت عورته وصلي عليه بعد ذلك، وهذا أيضا مقطوع به في كلامهم، قال في الذكرى: إن أمكن ستره بثوب صلي عليه قبل الوضع في اللحد، ويمكن المناقشة في وجوب ذلك، الخامس تقديم الصلاة على الدفن، ولا خلاف في وجوبه أيضا، السادس عدم جواز الصلاة بعد الدفن وقد مر الكلام فيه، السابع عدم تحقق الدفن بمجرد الوضع في اللحد، بل إما بستر جميع بدنه باللبن وغيره، أو بطم القبر ولم يتعرض له الاصحاب، وتظهر الفائدة في مواضع، الثامن عدم استحباب الايثار فيما يحتاج إليه المالك لامر واجب وفيه كلام.

 

(1) تحف العقول ص 440 ط الاسلامية. (2) المحاسن ص 303، ورواه في التهذيب ج 1 ص 345. (3) الكافي ج 3 ص 214.

 

[384]

44 - ثواب الاعمال: باسناده عن أبي هريرة وابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: من شيع جنازة فله بكل خطوة حتى يرجع مائة ألف حسنة، ويمحى عنه مائة ألف سيئة ويرفع له مائة ألف درجة، فان صلى عليها شيعه في جنازته مائة ألف ملك كلهم يستغفرون له، فان شهد دفنها وكل اولئك المائة ألف ملك به كلهم يستغفرون له حتى يبعث من قبره. ومن صلى على ميت صلى عليه جبرئيل وسبعون ألف ملك، وغفر له ما تقدم من ذنبه، وإن أقام عليه حتى يدفنه وحثا عليه التراب، انقلب من الجنازة وله بكل قدم من حيث تبعها حتى يرجع إلى منزله قيراط من الاجر، والقيراط مثل جبل احد، يلقى في ميزانه من الاجر (1). 45 - المقنع: وروي إذا اجتمع ميتان أو ثلاثة موتى أو عشرة، فصل عليهم جميعا صلاة واحدة، تضع ميتا واحدا ثم تجعل الاخر إلى ألية الرجل [الاول]، ثم تجعل الثالث إلى ألية الثاني، شبه المدرج تجعلهم على هذا ما بلغوا من الموتى، وقم في الوسط وكبر خمس تكبيرات، تفعل كما تفعل إذا صليت على واحدة (2). 46 - كتاب الزهد: للحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد، عن سعد الاسكاف، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان في بني إسرائيل عابد فأعجب به داود عليه السلام فأوحى الله تبارك وتعالى إليه لا يعجبك شئ من أمره، فانه مراء، قال: فمات الرجل فأتي داود فقيل له: مات الرجل، قال: ادفنوا صاحبكم، قال: فأنكرت ذلك بنو إسرائيل وقالوا: كيف لم يحضره، قال: فلما غسل قام خمسون رجلا فشهدوا بالله ما يعلمون إلا خيرا، فلما صلوا عليه، قام خمسون رجلا فشهدوا بالله ما يعلمون إلا خيرا قال: فأوحى الله عزوجل إلى داود عليه السلام: ما منعك أن تشهد فلانا ؟ قال: الذي أطلعتني عليه من أمره، قال: إن كان لكذلك ولكن شهده قوم من الاحبار و الرهبان، فشهدوا أنهم ما يعلمون إلا خيرا، فأجزت شهادتهم عليه، وغفرت له

 

(1) ثواب الاعمال ص 260. (2) المقنع ص 21 ط الاسلامية ص 6 ط حجر.

 

[385]

علمي فيه. 47 - مجالس المفيد: عن علي بن محمد القرشي، عن علي بن الحسن بن فضال عن الحسن بن نضر، عن أبيه، عن أحمد بن عبد الله بن عبد الملك، عن عبد الرحمان المسعودي، عن عمرو بن حريث الانصاري، عن الحسين بن سلمة البناني، عن أبي خالد الكابلي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام قال: لما فرغ أمير المؤمنين عليه السلام من تغسيل رسول الله صلى الله عليه وآله وتكفينه وتحنيطه، أذن للناس، وقال: ليدخل منكم عشرة عشرة ليصلوا عليه، فدخلوا وقام أمير المؤمنين عليه السلام بينه وبينهم، وقال: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلوا تسليما وكان الناس يقولون كما يقول، قال أبو جعفر عليه السلام: وهكذا كانت الصلاة عليه (1). توضيح: الظاهر أن أمير المؤمنين عليه السلام كان صلى على النبي صلى الله عليه وآله قبل ذلك، واكتفى في صلاة سائر الناس عليه بذلك، إما لعدم تقدم أبي بكر للصلاة أو لغير ذلك. ويؤيده ما رواه سليم بن قيس (2) على ما وجدته في كتابه ورواه عنه الطبرسي في احتجاج (3) أيضا عن سلمان الفارسي أنه قال: أتيت عليا عليه السلام وهو يغسل رسول الله صلى الله عليه وآله وقد كان أوصى أن لا يغسله غير علي عليه السلام، وأخبر عنه أنه لا يريد أن يقلب منه عضوا إلا قلب له، وقد قال أمير المؤمنين لرسول الله صلى الله عليه وآله: من يعينني على غسلك يا رسول الله ؟ قال: جبرئيل عليه السلام، فلما غسله وكفنه أدخلني وأدخل أبا ذر والمقداد وفاطمة وحسنا وحسينا عليهم السلام فتقدم وصففنا خلفه، فصلى عليه و عائشة في الحجرة لا تعلم، قد أخذ جبرئيل ببصرها ثم أدخل عشرة من المهاجرين وعشرة من الانصار فيصلون ويخرجون حتى لم يبق أحد من المهاجرين والانصار إلا صلى عليه.

 

(1) أمالى المفيد ص 27. (2) كتاب سليم بن قيس ص 66 و 70. (3) الاحتجاج ص 52.

 

[386]

وقد مر سائر الاخبار في ذلك أبواب وفاته صلى الله عليه وآله (1). 48 - دعوات الراوندي: صلى أمير المؤمنين عليه السلام على جنازة ثم قال: إن كنت مغفورا فطوبى لنا، نصلي على مغفور له، وإن كنا مغفورين فطوبى لك يصلي عليك المغفورون. 49 - قرب الاسناد وكتاب المسائل: بسنديهما عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الصلاة على الجنازة، إذا احمرت الشمس ؟ أتصلح ؟ قال: لا صلا إلا وقت صلاة، فإذا وجبت الشمس فصل المغرب ثم صل على الجنازة (2). بيان: لا خلاف بين أصحابنا في جواز إيقاع صلاة الجنازة في جميع الاوقات ما لم تزاحم صلاة حاضرة ولا كراهة لها أيضا وإن كانت في الاوقات المكروهة، قال في المعتبر: يصلى على الجنازة في الاوقات الخمسة المكروهة، ما لم تتضيق فريضة حاضرة، وبه قال الشافعي وأحمد، وقال الاوزاعي يكره في الاوقات الخمسة، و قال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز عند طلوع الشمس وغروبها وقيامها، وقال في التذكرة: ويصلى على الجنازة في الاوقات الخمسة المكروهة، ذهب إليه علماؤنا أجمع انتهى فالرواية محمولة على التقية لاخبار مر بعضها. وروى هذا الخبر في التهذيب (3) هكذا " قال: لا صلاة في وقت صلاة وقال " إذا وجبت " ولعله سقط الاستثناء من الشيخ أو من النساخ، وعلى تقديره فلعل المعنى أن الصلاة على الجنازة إنما تكره إذا كان وقت صلاة، وعند احمرار الشمس لم يدخل وقت الصلاة بعد فلا باس بالصلاة فيها، ويكون قوله إذا وجبت الشمس بيانا لحكم آخر، ويحتمل أن يكون المراد بوقت الصلاة قرب وقتها، فيكون محمولا على التقية أيضا.

 

(1) راجع ج 22 ص 503 - 550 من هذه الطبعة. (2) قرب الاسناد ص 99 حجر ص 103 ط نجف. (3) التهذيب ج 1 ص 343.

 

[387]

50 - الهداية: الصلوات التي تصلى في الاوقات كلها إن فاتتك صلاة فصلها إذا ذكرت، وصلاة الكسوف والصلاة على الجنازة وركعتي الاحرام وركعتي الطواف (1). 51 - مجالس الصدوق: عن الحسين بن إبراهيم المكتب، عن حمزة بن القاسم العلوي، عن جعفر الفزاري، عن محمد بن الحسين الزيات، عن سليمان بن حفص المروزي، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباتة قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام عن علة دفنه لفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ليلا، فقال عليه السلام: إنها كانت ساخطة على قوم كرهت حضورهم جنازتها، وحرام على من يتولاهم أن يصلي على أحد من ولدها (2). 52 - العلل: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن إبراهيم النوفلي، عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: خير الصفوف في الصلاة المقدم، و خير الصفوف في الجنائز المؤخر، قيل: يا رسول الله ولم ؟ قال: صار سترة للنساء (3). توضيح وتنقيح أقول: من رأيت من أصحابنا - رضوان الله عليهم - كلامهم حملوا هذا الخبر على أن المعنى خير صفوف المصلين في سائر الصلوات، الصف المقدم، وخير صفوف المصلين في الصلاة على الجنائز الصف المؤخر قال في المنتهى: الصف الاخيرة في الصلاة على الجنائز أفضل من الصف الاول، واستدل بهذه الرواية، ونحوه قال في التذكرة، وقال في الذكرى: أفضل الصفوف المؤخر لخبر السكوني ثم قال: وجعل الصدوق سبب الخبر ترغيب النساء في التأخر منعا لهن عن

 

(1) الهداية ص 38. (2) أمالى الصدوق ص 390 و 391. (3) علل الشرايع ج 1 ص 289.

 

[388]

الاختلاط بالرجال في الصلاة، كما كن يصلين على عهد النبي صلى الله عليه وآله ويتقدمن وإن كان الحكم بالافضلية عاما لهن وللرجال. وقال الصدوق - ره - في الفقيه: وأفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الاخير، والعلة في ذلك أن النساء كن يختلطن بالرجال في الصلاة على الجنائز، فقال النبي صلى الله عليه وآله: أفضل المواضع في الصلاة على الميت الصف الاخير فتأخرن إلى الصف الاخير فبقي فضله على ما ذكره عليه السلام انتهى. أقول: لا يخفى بعد ما فهموه من الخبر لفظا ومعنى بوجوه. الاول من جهة التعبير عن سائر الصلوات بالصلاة مطلقا من غير تقييد. الثاني ارتكاب الحذف والتجوز ثانيا بحمل الجنائز على صلاة الجنائز. الثالث تخصيص التعليل بالشق الاخير مع جريانه في الاول أيضا إلا أن يقال: النساء كن لا يرغبن في سائر الصلاة إلى الصف الاول، وهو أيضا تكلف لابتناء الحمل على أمر لا يعلم تحققه، بل الظاهر خلافه. الرابع عدم استقامة التعليل في الاخير أيضا إذ لو بني على أنه صلى الله عليه وآله قال ذلك تورية لرغبة النساء إلى الاخير، فلا يخفى سخافته وبعده عن منصب النبوة لاشتمالة على الحيلة والخديعة في أحكام الدين، ولو قيل: إن ذلك صار سببا لتقرر هذا الحكم وجريانه فهذا أيضا تكلف، إذ كان يكفي لتأخر النساء بيان أن ذلك خير لهن مع أن الافضل متعلق بالرجال في جميع الامور، ولو قيل إن المراد أن الافضل للنساء الصف المؤخر فلا اختصاص له بتلك الصلاة. والذي نفهم من الرواية وهو الظاهر منها لفظا ومعنا أن المراد بالصفوف في الصلاة صفوف جميع الصلوات الشاملة لصلاة الجنازة وغيرها، والمراد بصفوف الجنائز صفوف نفس الجنائز، إذا وضعت للصلاة عليها، والمعنى أن خير الصفوف في الصلاة الصف المقدم، اي ما كان أقرب [إلى القبلة، وخير الصفوف في الجنائز المؤخر، أي ما كان أبعد عن القبلة وأقرب] (1) من الامام، ولما كان الاشرف في جميع المواضع متعلقا بالرجال، صار كل من الحكمين سببا لسترة النساء

 

(1) ما بين العلامتين ساقط من طبعة الكمبانى.

 

[389]

لان تأخرهن في الصفوف سترة لهن، وتأخر جنائزهن لكونه سببا لبعدهن عن الرجال المصلين سترة لهن، فاستقام التعليل في الجزءين، وسلم الكلام عن ارتكاب الحذف والمجاز، وصار الحكم مطابقا لما دلت عليه سائر الاخبار. والعجب من الاصحاب كيف ذهلوا عن هذا الاحتمال الظاهر، وذهبوا إلى ما يحتاج إلى تلك التكلفات البعيدة الركيكة، فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين. 53 - قرب الاسناد وكتاب المسائل: بسنديهما المتقدمين عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصلي أله أن يكبر قبل الامام ؟ قال: لا يكبر إلا مع الامام، فان كبر قبله أعاد التكبير (1). قال: وسألته عن الصبي يصلى عليه إذا مات وهو ابن خمس سنين ؟ فقال: إذا عقل الصلاة فيصلى عليه (2). 54 - الهداية: إذا صليت على ميت فقف عند رأسه وكبر وقل: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، ثم كبر الثانية وقل: " اللهم صل على محمد وآل محمد، وارحم محمدا وآل محمد، وبارك على محمد وآل محمد، كأفضل ما صليت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، ثم كبر الثالثة وقل: اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الاحياء منهم والاموات، ثم كبر الرابعة وقل: اللهم إن هذا عبدك وابن عبدك، وابن أمتك، نزل بك وأنت خير منزول به، اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا وأنت أعلم به منا، اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئا فتجاوز عنه، واغفر له، اللهم اجعله عندك في أعلا عليين واخلف على أهله في الغابرين، وارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين، ثم كبر الخامسة. ولا تبرح من مكانك حتى ترى الجنازة على أيدي الرجال (3).

 

(1 - 2) قرب الاسناد ص 130 ط نجف ص 99 ط حجر. (3) الهداية ص 25.

 

[390]

وإذا صليت على المرءة فقف عند صدرها (1). وإذا صليت على المستضعف فقل: " اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم " (2). وإذا لم تعرف مذهب الميت فقل: اللهم إن هذه النفس أنت أحييتها، و أنت أمتها، اللهم ولها ما تولت، واحشرها مع من أحبت (3). وإذا صليت على ناصب فقل بين التكبيرة الرابعة والخامسة " [اللهم اخز عبدك في عبادك وبلادك، اللهم أصله أشد نارك] اللهم أذقه حر عذابك، فانه كان يوالي أعداءك، ويعادي أولياءك، ويبغض أهل بيت نبيك "، فإذا رفع فقل: اللهم لا ترفعه ولا تزكه (4). والطفل لا يصلى عليه حتى يعقل الصلاة، فان حضرت مع قوم يصلون عليه فقل: اللهم اجعله لابويه ولنا فرطا (5). 55 - مصباح الانوار: لبعض الاصحاب، عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه سئل كم كبر أمير المؤمنين عليه السلام على فاطمة عليها السلام ؟ فقال: كان يكبر أمير المؤمنين عليه السلام تكبيرة فيكبر جبرئيل تكبيرة، والملائكة المقربون إلى أن كبر أمير المؤمنين عليه السلام خمسا فقيل له: وأين كان يصلي عليها ؟ قال في دارها ثم أخرجها. ومنه عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام أن علي بن أبي طالب عليه السلام صلى على فاطمة فكبر عليها خمسا وعشرين تكبيرة. وعن أبي جعفر عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام صلى على فاطمة عليها السلام وكبر خمس تكبيرات. بيان: لعل التكبيرات الواجبة كانت خمسا، والباقية مستحبة من خصائصها صلوات الله عليها. 56 - مصباح الانوار: عن أبي جعفر عليه السلام قال: قالت فاطمة لعلي عليهما السلام إني اوصيك في نفسي وهي أحب الانفس إلي بعد رسول الله صلى الله عليه وآله إذا أنامت فغسلني بيدك وحنطني وكفني وادفني ليلا ولا يشهدني فلان وفلان، واستودعتك

 

(1 - 5) الهداية ص 26.

 

[391]

الله تعالى حتى ألقاك، جمع الله بيني وبينك في داره وقرب جواره. وعن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: لما حضرت فاطمة الوفاة بكت فقال: لها لا تبكي، فوالله إن ذلك لصغير عندي في ذات الله قال: وأوصته أن لا يؤذن بها الشيخين ففعل. وعن يحيى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب قال: قالت فاطمة عليها السلام لعلي عليه السلام: إن لي إليك حاجة يا أبا الحسن، فقال: تقضى يا بنت رسول الله. فقالت: نشدتك بالله وبحق محمد رسول الله صلى الله عليه وآله أن لا يصلي على أبو بكر ولا عمر. بيان: هذه الاخبار تدل على أن منع حضور الكفار والمنافقين بل الفساق في الجنازة وعند الصلاة مطلوب. 57 - الخرايج للراوندي: عن محمد بن عبد الحميد، عن عاصم بن حميد عن يزيد بن خليفة قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام قاعدا فسأله رجل من القميين أتصلي النساء على الجنايز ؟ فقال: إن المغيرة بن أبي العاص ادعى أنه رمى رسول الله صلى الله عليه وآله فكسرت رباعيته، وشق شفتيه، وكذب، وادعى أنه قتل حمزة وكذب. فلما كان يوم الخندق ضرب على اذنيه فنام، فلم يستيقظ حتى أصبح فخشي أن يؤخذ فتنكر وتقنع بثوبه، وجاء إلى منزل عثمان يطلبه وتسمى باسم رجل من بني سليم كان يجلب إلى عثمان الخيل والغنم والسمن، فجاء عثمان فأدخله في منزله، وقال: ويحك ما صنعت، ادعيت أنك رميت رسول الله صلى الله عليه وآله وادعيت أنك شققت شفتيه، وكسرت رباعيته، وادعيت أنك قتلت حمزة، فأخبره بما لقي و أنه ضرب على اذنه فلما سمعت ابنة النبي صلى الله عليه وآله بما صنع بأبيها وعمها صاحت فأسكتها عثمان. ثم خرج عثمان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو جالس في المسجد فاستقبله بوجهه وقال: يا رسول الله إنك أمنت عمي المغيرة، وكذب، فصرف عنه رسول الله صلى الله عليه وآله


 

[392]

وجهه، ثم استقبله من الجانب الاخر فقال: يا رسول الله إنك أمنت عمي المغيرة، وكذب، فصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وجهه عنه ثم قال أمناه وأجلناه ثلاثا فلعن الله من أعطاء راحلة أو رحلا أو قتبا أو سقاء أو قربة أو دلوا أو خفا أو نعلا أو زادا أوماء. قال عاصم: هذه عشرة أشياء، فأعطاها كلها عثمان فخرج فسار على ناقته فنقبت، ثم مشى في خفية فنقبتا، ثم مشى في نعليه فنقبتا، ثم مشى على رجليه فنقبتا، ثم مشى على ركبتيه فنقبتا، فأتى شجرة فجلس تحتها، فجاء الملك فأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله بمكانه فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وآله زيدا والزبير، فقال لهما ائتياه فهو في مكان كذا وكذا، فاقتلاه. فلما أتياه قال زيد للزبير: إنه ادعى أنه قتل أخي - وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله آخا بين حمزة وزيدا - فاتركني أقتله، فتركه الزبير فقتله، فرجع عثمان من عند النبي صلى الله عليه وآله فقال لامرأته إنك أرسلتي إلى أبيك فأعلمتيه بمكان عمي فحلفت له بالله ما فعلت، فلم يصدقها، فأخذ خشبة القتب فضربها ضربا مبرحا فأرسلت إلى أبيها تشكو ذلك وتخبره بما صنع، فأرسل إليها إني لاستحيي للمرءة أن لا تزال تجر ذيولها تشكو زوجها، فأرسلت إليه إنه قد قتلني، فقال لعلي عليه السلام خذ السيف ثم أت بنت عمك فخذ بيدها، فمن حال بينك وبينها فاضربه بالسيف فدخل علي فأخذ بيدها فجاء بها إلى النبي صلى الله عليه وآله فأرته ظهرها فقال أبوها قتلها قتله الله، فمكثت يوما وماتت في الثاني. واجتمع الناس للصلاة عليها فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله من بيته وعثمان جالس مع القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من ألم بجاريته الليلة فلا يشهد جنازتها قالها مرتين، وهو ساكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله ليقومن أو لنسمينه باسمه واسم أبيه فقام يتوكأ على مهين قال: فخرجت فاطمة في نسائها فصلت على اختها. بيان: رواه في الكافي (1) بسند آخر عن يزيد بن خليفة مع اختلاف ما

 

(1) الكافي ج 3 ص 251 - 253 في حديث طويل.

 

[393]

قوله: " ضرب على اذنيه " أي استولى عليه النوم، كما قال تعالى " فضربنا على آذانهم " (1) قال البيضاوي أي ضربنا عليهم حجابا يمنع السماع بمعنى أنمناهم إنامة لا تنبههم فيها الاصوات، فحذف المفعول كما حذف في قولهم بنى على امرأته، و قال الجوهري نقب البعير بالكسر إذا رقت أخفافه وأنقب الرجل إذا نقب بعيره ونقب الخف الملبوس تخرق، وألم بجاريته أي قاربها وواقعها. وفي الكافي أنه لعنه الله زنى بجارية رقية في تلك الليلة، ولعله عليه السلام نسبها إليه سترا عليه، أو كان جاريتها فصحف، ويدل على استحباب صلاة النساء على الجنازة، ويمكن تخصيصه بمن كانت من أقربائها جمعا بين الاخبار، أو يحمل أخبار النهي على اللاتي يخرجن للتنزه، لا للصلاة ومتابعة للسنة. 58 - قرب الاسناد: عن السندي بن محمد، عن صفوان الجمال، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مات رجل من المنافقين فخرج الحسين بن علي عليه السلام يمشي فلقي مولى له فقال: أين تذهب ؟ فقال: أفر من جنازة هذا المنافق، أن اصلي عليه، قال: قم إلى جنبي، فما سمعتني أقول فقل، قال: فرفع يده وقال: " اللهم العن عبدك ألف لعنة مختلفة، اللهم اخز عبدك في بلادك وعبادك اللهم أصله حر نارك، اللهم أذقه أشد عذابك، فانه كان يوالي أعداءك، ويعادي أولياءك، ويبغض أهل بيت نبيك " (2). بيان: قوله: " من المنافقين " أي من أهل الخلاف والضلال، فانهم منافقون يظهرون الاسلام، ولترك ولاية الائمة عليهم السلام باطنا من أخبث المشركين والكفار، ويمكن أن يكون المراد بعض بني امية وأشباههم، من الذين كانوا لم يؤمنوا بالله ورسوله أصلا، وكانوا يظهرون الاسلام للمصالح الدنيوية. قوله عليه السلام: " مولى له " أي معتقه أو شيعته ومحبه، قوله: " فرفع يده " أي للتكبير، ويحتمل أن يكون صلوات الله عليه اكتفى بالرفع تقية ولم يكبر قوله

 

(1) الكهف: 11. (2) قرب الاسناد ص 29 ط حجر.

 

[394]

عليه السلام " مختلفة " أي أنواعا مختلفة، مشتملة على أنواع العذاب والخزي، وفي الكافي ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة، فالمعنى مؤلفة في الشدة والكثرة غير مختلفة بأن يكون بعضها أخف من بعض، أو المراد به الايتلاف في الورود أي يرد جميعها عليه معا لا على التعاقب، قال في النهاية: اللعن الطرد والابعاد من الله تعالى، ومن الخلق السب والدعاء، وقال الجوهري خزي بالكسر يخزى خزيا اي ذل وهان وقال ابن السكيت وقع في بلية وأخزاه الله. أقول: يمكن أن يكون المراد إدلاله وخزيه وعذابه بين من مات من العباد، ولا محالة يقع عذابه في البرزخ في بلدة من البلاد، أو يقدر مضاف، أي أهل بلادك، ويحتمل أن يراد به الخزي في الدنيا بعد موته بظهور معائبه على الخلق واشتهاره بينهم بالكفر والعصيان. 59 - منتهى الطلب: قال ابن أبي عقيل يكبر ويقول: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وآل محمد، وأعل درجته، وبيض وجهه، كما بلغ رسالتك، وجاهد في سبيلك، و نصح لامته، ولم يدعهم سدى مهملين بعده، بل نصب لهم الداعي إلى سبيلك، الدال على ما التبس عليهم من حلالك وحرامك، داعيا إلى موالاته ومعاداته، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة، وعبدك حتى أتاه اليقين، فصلى الله عليه وعلى أهل بيته الطاهرين، ثم يستغفر للمؤمنين والمؤمنات الاحياء منهم والاموات. ثم يقول: " اللهم عبدك وابن عبدك، تخلى من الدنيا، واحتاج إلى ما عندك، نزل بك وأنت خير منزول به، افتقر إلى رحمتك وأنت غني من عذابه اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيرا، وأنت أعلم به منا، فان كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فاغفر له ذنوبه، وارحمه وتجاوز عنه، اللهم ألحقه بنبيه وصالح سلفه، اللهم عفوك عفوك، ثم يكبر ويقول هذا في كل تكبيرة. أقول: إنما أوردت هذا مع عدم التصريح بالرواية لبعد اختراع مثل ذلك


 

[395]

من غير رواية، لا سيما من القدماء. 60 - الهداية: المواطن التي ليس فيها دعاء موقت: الصلاة على الجنازة، والقنوت، والمستجار، والصفا والمروة، والوقوف بعرفات، وركعتي الطواف (1) 61 - العلل: لمحمد بن علي بن إبراهيم: علة التكبير على الميت خمسا أنه أخذ الله من كل فريضة تكبيرة للميت من الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية والعلة في ترك العامة تكبيرة أنهم أنكروا الولاية وتركوا تكبيرها. 62 - الهداية: للحسين بن حمدان، عن عيسى بن مهدي قال: خرجت أنا والحسين بن غياث والحسن بن مسعود والحسين بن إبراهيم وأحمد بن حسان وطالب بن حاتم والحسن بن محمد ومحمد بن أحمد بن الخضيب إلى سر من رأى في سنة تسع وخمسين ومائتين للتهنئة بمولد المهدي صلوات الله عليه، فدخلنا على سيدنا أبي محمد عليه السلام ونحن نيف وسبعون رجلا فهنيناه وبكينا، فقال إن البكاء من السرور من نعم الله تعالى مثل الشكر لها، فطيبوا أنفسا وقروا أعينا. وساق الحديث إلى أن قال: قال عليه السلام وفي أنفسكم ما لم تسألوا عنه وأنا انبئكم به وهو التكبير على الميت، كيف يكون تكبيرنا خمسا وتكبير غيرنا أربعا ؟ فقلنا: يا سيدنا هذا الذي أردنا أن نسألك عنه، فقال عليه السلام أول من صلي عليه من المسلمين منا (2) حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله، فانه لما قتل قلق رسول الله صلى الله عليه وآله وحزن، وقل صبره عليه، فقال: وكان قوله حقا لاقتلن بكل شعرة من عمي حمزة سبعين رجلا من مشركي قريش، فأوحى الله تعالى " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين " (3) و إنما أحب الله تعالى أن يجعل ذلك سنة في المسلمين، لانه لو كان قتل بكل شعرة من حمزة سبعين رجلا من المشركين، ما كان يكون في قتلهم حرج.

 

(1) الهداية: 40. (2) عمنا خ ل. (3) النحل: 126.

 

[396]

وأراد دفنه وأحب أن يلقى الله مضرجا بدمائه، وكان قد أمر الله أن يغسل موتى المسلمين، فدفنه بثيابه فصار سنة للمسلمين، أن لا يغسل شهيدهم، وأمر الله أن يكبر عليه سبعين تكبيرة، ويستغفر له ما بين كل تكبيرتين منها، فأوحى الله تعالى إليه إني قد فضلت عمك حمزة بسبعين تكبيرة لعظمته عندي و كرامته علي، وكبر خمسا على كل مؤمن ومؤمنة، فاني أفرض على امتك خمس صلوات في كل يوم وليلة ازوده ثوابها، وأثبت له أجرها. فقام رجل منا فقال: يا سيدنا فمن صلى الاربعة، فقال ما كبرها تيمي ولا عدوي ولا ثالثهما من بني اميه، ولا ابن هند لعنهم الله، وأول من كبرها وسنها فيهم طريد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو مروان بن الحكم لعنه الله، لان اللعين معاوية وصى ابنه يزيد لعنه الله بأشياء كثيرة، فكان منها أنه قال: إني خائف عليك يا يزيد من أربعة (1) أنفس من ابن عمر، ومن ابن عثمان، ومروان بن الحكم وعبد الله بن الزبير، والحسين بن علي، وويلك يا يزيد من هذا يعني الحسين عليه السلام وأما مروان فإذا مت وجهز تموني ووضعتموني على نعشي للصلاة، فسيقولون لك تقدم فصل على أبيك، فقل: ما كنت لاعصي أبي فيما أوصاني به، وقد قال لي إنه لا يصلي علي إلا شيخ من بني امية، وهو عمي مروان بن الحكم، فقدمه وتقدم إلى ثقات موالينا وهم يحملون سلاحهم مجردا تحت أثوابهم، فإذا تقدم للصلاة فكبر أربع تكبيرات فاشتغل بدعاء الخامسة فقبل أن يسلم فليقتلوة، فانك تراح منه، وهو أعظمهم عليك، فنمى الخبر إلى مروان لعنه الله، فأسرها في نفسه. وتوفي معاوية وحمل سريره للصلاة عليه، فقالوا ليزيد تقدم، فقال لهم: ما أوصاني معاوية إلا أن مروان بن الحكم يصلي عليه، فعندها قدموا مروانا فكبر أربعا وخرج عن الصلاة قبل دعاء الخامسة، واشتغل الناس إلى أن كبروا الخامسة وأفلت مروان لعنه الله، فقالوا إن التكبير على الميت أربع تكبيرات

 

(1) خمسة ظ.

 

[397]

لئلا يكون مروان مبدعا. فقال قائل منا: يا سيدنا، فهل يجوز أن نكبر أربعا تقية ؟ فقال عليه السلام: لا هي خمس لا تقية فيها. بيان: لعل المعنى أن لا حاجة إلى التقية فيها، إذ يمكن الاتيان بالتكبير إخفاتا من غير رفع اليد.


 

[399]

صورة فتوغرافية من الصفحة الاولى من نسخة الاصل ينطبق على ص 25


 

[400]

2 - صورة فتوغرافية اخرى من هذه النسخة ينطبق على ص 74


 

[401]

3 - صورة فتوغرافية من آخر هذه النسخة ينطبق على ص 387


 

[403]

كلمة المصحح: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله الطاهرين. وبعد: فهذا هو الجزء الثاني من كتاب الطهارة: المجلد الثامن عشر حسب تجزئة المؤلف العلامة وقد انتهى رقمه حسب تجزئتنا إلى الواحد والثمانين، وقد قابلناه على طبعة الكمباني المشهورة بطبع أمين الضرب ثم على نسختين: أحدهما نسخة الاصل الذي هو بخط يد المؤلف العلامة المجلسي قدس سره يبتدئ من باب جوامع أحكام الاغسال (ص 25 في طبعتنا هذه) وينتهي خاتمته أواسط باب وجوب الصلاة على الميت الرقم 51 (ص 387 من طبعتنا هذه) ولو لا هذه النسخة لم يمكن لنا تصحيح بياناته وإيضاحاته المعلقة على الاحاديث خصوصا مما كان في طبعة الكمباني سقطا أو محرفا. وثانيها نسخة ثمينة كتبت في حياة المؤلف رحمه الله وقوبلت على نسخته يبتدء من أواسط باب وجوب الصلاة على الميت (ص 354 س 8 من طبعتنا هذه) وسيأتي في مقدمة الجزء الثاني والثمانين تعريف بهذه النسخة أبسط وأوضح إن شاء الله تعالى. وهاتان النسختان كلتاهما لخزانة كتب الفاضل البحاث الوجيه الموفق المرزا فخر الدين النصيري الاميني زاده الله توفيقا لحفظ كتب سلفنا الصالحين فقد أودعهما سماحته عندنا للعرض والمقابلة، خدمة للدين وأهله، فجزاه الله عنا وعن المسلمين أهل العلم خير جزاء المحسنين. وإليكم فيما يلي أربع صور فتوغرافية من النسخة الاولى التي هي بخط العلامة المجلسي. قدس سره. محمد الباقر البهبودى


 

[405]

بسمه تعالى انتهى الجزء الثاني من المجلد الثامن عشر من كتاب بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار يبتدء من أواسط باب وجوب الصلاة على الميت (ص 354 س 8 من طبعتنا هذه) وسيأتي في مقدمة الجزء الثاني والثمانين تعريف بهذه النسخة أبسط وأوضح إن شاء الله تعالى. وهاتان النسختان كلتاهما لخزانة كتب الفاضل البحاث الوجيه الموفق المرزا فخر الدين النصيري الاميني زاده الله توفيقا لحفظ كتب سلفنا الصالحين فقد أودعهما سماحته عندنا للعرض والمقابلة، خدمة للدين وأهله، فجزاه الله عنا وعن المسلمين أهل العلم خير جزاء المحسنين. وإليكم فيما يلي أربع صور فتوغرافية من النسخة الاولى التي هي بخط العلامة المجلسي. قدس سره. محمد الباقر البهبودى


 

[405]

بسمه تعالى انتهى الجزء الثاني من المجلد الثامن عشر من كتاب بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار صلوات الله وسلامه عليهم ما دامت الليل والنهار، وهو الجزء الواحد والثمانون حسب تجزئتنا في هذه الطبعة النفيسة الرائقة. وقد بذلنا جهدنا في تصحيحه ومقابلته، فخرج بحمد الله ومشيته نقيا من الاغلاط إلا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر، وكل عنه النظر، لا يكاد يخفى على القارئ الكريم ومن الله نسأل العصمة وهو ولي التوفيق. السيد ابراهيم الميانجى - محمد الباقر البهبودى