الى اجزاء البحار الى المكتبة الهاشمية الى الصفحة الرئيسية

بحار الانوار الجزء 81

العلامة المجلسي


[1]

بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار تأليف العلم العلامة الحجة فخر الامة المولى الشيخ محمد باقر المجلسي (قدس الله سره) الجزء الحادي والثمانون دار احياء التراث العربي بيروت - لبنان الطبعة الثالثة المصححة 1403 ه‍. 1983 م


 

[1]

بسم الله الرحمن الرحيم * (تتمة) * (باب فضل المساجد وأحكامها وآدابها) 68 - الخصال، والعيون: بأسانيد مرت في كتاب الايمان والكفر عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ستة من المروة ثلاثة منها في الحضر وثلاثة منها في السفر فأما التي في الحضر فتلاوة كتاب الله تعالى، وعمارة مساجد الله، واتخاذ الاخوان في الله عزوجل، وأما التي في السفر فبذل الزاد، وحسن الخلق، والمزاح في غير المعاصي (1). 69 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أيوب بن نوح، عن الربيع ابن محمد، عن عبد الاعلى، عن نوف، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن الله عزوجل أوحى إلى عيسى بن مريم عليهما السلام قل للملاء من بني إسرائيل لا يدخلوا بيتا من بيوتي إلا بقلوب طاهرة، وأبصار خاشعة، وأكف نقية الخبر (2). بيان: " طاهرة " أي من الاعتقادات الباطلة، والاخلاق الدنية، وأبصار خاشعة لا تنظر إلى ما حرم الله، وتبكي على المعاصي، ولا تنظر في الصلاة إلى ما يشغل صاحبه عن ذكر الله، وأكف نقية عن الحرام، والشبهة، وإنما نسبت إليها لان التصرف فيها غالبا بها. 70 - المحاسن: عن محمد بن علي، عن الحجال، عن حنان، عن ابن -

 

(1) الخصال ج 1 ص 157، عيون الاخبار ج 2 ص 27، راجع البحار ج 76 ص 312 من هذه الطبعة الحديثة. (2) الخصال ج 1 ص 164.

 

[2]

العلى رفعه قال: انما جعل الحصا في المساجد للنخامة (1). بيان: يدل على أنه تنخم في المسجد ينبغي ستر النخامة بالحصا فتزول الكراهة أو تخف، كما روى الشيخ عن غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عليه السلام قال: إن عليا عليه السلام قال: البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنه (2) والخبر وإن كان في البصاق لكن يؤيد الحكم في النخامة. 71 - الخصال: عن المظفر بن جعفر العلوي، عن جعفر بن محمد بن مسعود العياشي عن أبيه، عن الحسين بن أشكيب، عن محمد بن علي الكوفي، عن أبي جميلة، عن الحضرمي، عن سلمة بن كهيل رفعه، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: سبعة في ظل عرش الله عزوجل يوم لاظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله عزوجل، ورجل تصدق بيمينه فأخفاه عن شماله، ورجل ذكر الله عزوجل خاليا ففاضت عيناه من خشية الله، ورجل لقي أخاه المؤمن فقال: إني لاحبك في الله عزوجل ورجل خرج من المسجد وفي نيته أن يرجع إليه، ورجل دعته امرأة ذات جمال إلى نفسها فقال: إني أخاف الله رب العالمين (3). أقول: قد مر مرارا عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري قريب منه، وفيه: ورجل قلبه متعلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه (4). 72 - الخصال: عن إبراهيم بن محمد بن حمزة، عن حسين بن عبد الله، عن موسى ابن مروان، عن مروان بن معاوية، عن سعد بن طريف، عن عمير بن مأمون قال: سمعت الحسن بن علي عليه السلام يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من أدمن الاختلاف إلى المساجد أصاب أخا مستفادا في الله عزوجل، أو علما مستطرفا، أو كلمة تدله على

 

(1) المحاسن ص 320، وفيه عن حنان عن ابن العسل. (2) التهذيب ج 1 ص 326. (3) الخصال ج 2 ص 3. (4) الخصال ج 2 ص 2، راجع ج 69 ص 377 - 378 من هذه الطبعة باب جوامع المكارم وآفاتها.

 

[3]

هدى أو اخرى تصرفه عن الردى، أو رحمة منتظرة، أو ترك الذنب حياء أو خشية (1). 73 - المحاسن: عن الحسن بن الحسين، عن يزيد بن هارون، عن العلاء بن راشد، عن سعد بن طريف، عن عمير بن المأمون رضيع الحسن بن علي قال: أتيت الحسين بن علي عليه السلام فقلت له: حدثني عن جدك رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أدمن إلى المسجد أصاب الخصال الثمانية: آية محكمة، أو فريضة مستعملة، أو سنة قائمة، أو علم مستطرف، أو أخ مستفاد، أو كلمة تدله على هدى، أو ترده عن ردى، وترك الذنب خشية أو حياء (2). ومنه: في رواية إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من أقام في مسجد بعد صلاته انتظارا للصلاة، فهو ضيف الله وحق على الله أن يكرم ضيفه (3). 74 - الخصال: عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن محمد بن علي ابن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة بن خالد، عن أبيه، عن الصادق عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: حريم المسجد أربعون ذراعا، والجوار أربعون دارا من أربعة جوانبها (4). بيان: حريم المسجد لم يذكره الاكثر، وقال في الدروس: روى الصدوق أن حريم المسجد أربعون ذراعا من كل ناحية، والاحوط رعاية ذلك في الموات إذا سبق بناء المسجد، ويدل على أنه يتأكد استحباب حضور المسجد إلى أربعين دارا من جوانبه الاربعة، إلا أن يكون مسجد أقرب إليه منه. 75 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه (5) عن المفيد، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أبيه، عن أحمد بن محمد البرقي، عن شريف بن سابق التفليسي، عن الفضل البقباق، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يا فضل لا يأتي المسجد من كل قبيلة ألا وافدها، ومن كل أهل بيت إلا نجيبها، يا فضل

 

(1) الخصال ج 2 ص 40. (2 و 3) المحاسن ص 48. (4) الخصال ج 2 ص 114. (5) في المصدر: عن شيخه.

 

[4]

لا يرجع صاحب المسجد بأقل من إحدى ثلاث: إما دعاء يدعو به يدخله الله به الجنة وإما دعاء يدعو به فيصرف الله عنه بلاء الدنيا، وإما أخ يستفيده في الله عزوجل، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد فائدة الاسلام مثل أخ يستفيده في الله (1). توضيح: " إلا وافدها " أي سابقها ومقدمها ورئيسها في الآخرة، أو من يستحق أن يكون رئيسهم في الدنيا، في القاموس الوافد السابق من الابل. 76 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن المفيد، عن الحسين بن علي التمار، عن أحمد بن محمد، عن العنزي، عن علي بن الصباح، عن أبي المنذر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المساجد سوق من أسواق الآخرة، قراها المغفرة، وتحفتها الجنة (2). ومنه: عن أبيه، عن المفيد، عن جعفر بن محمد بن قولويه، عن أبيه، عن سعد ابن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن محبوب، عن ابن عميرة، عن جابر الجعفي عن أبي جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لجبرئيل: أي البقاع أحب إلى الله تبارك وتعالى ؟ قال: المساجد وأحب أهلها إلى الله أو لهم دخولا إليها، وآخرهم خروجا منها قال: فأي البقاع أبغض إلى الله تعالى ؟ قال: الاسواق أبغض أهلها إليه أوله دخولا إليها وآخروهم خروجا منها (3). ومنه: عن أبيه، عن المفيد، عن محمد بن الحسين الحلال، عن الحسن بن الحسين الانصاري، عن ظفر بن سليمان، عن أشرس الخراساني، عن أيوب السجستاني عن أبي قلابة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من بنى مسجدا ولو مفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة (4).

 

(1) أمالي الطوسي ج 1 ص 45. (2) أمالي الطوسي ج 1 ص 139. (3) أمالي الطوسي ج 1 ص 144. (4) أمالي الطوسي ج 1 ص 186 في حديث.

 

[5]

بيان: قال في النهاية: افحوص القطاة موضعها التي تجثم فيه وتبيض كأنها تفحص عنه التراب، أي تكشفه، والفحص، البحث والكشف، ومنه الحديث من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة، المفحص مفعل من الفحص كالافحوص انتهى، والتشبيه إما في الصغر، أو في عدم البناء والجدران، وعلى الاول إما على الحقيقة بأن يكون موضع السجود أو القدم مسجدا أو على المبالغة أو المعنى أن يكون بالنسبة إلى المصلي كالمفحص بالنسبة إليه، بأن لا يزيد على موضع صلاته، وقيل: بأن يشترك جماعة في بنائه أو يزيد فيه قدرا محتاجا إليه. ويؤيد الثاني أن أبا عبيدة (1) روى مثله عن أبي جعفر عليه السلام ثم قال أبو عبيدة: مر بي أبو جعفر عليه السلام وأنا بين مكة والمدينة وأنا أضع الاحجار، فقلت: هذا من ذاك ؟ فقال: نعم. 77 - العلل: عن المظفر العلوي، عن جعفر بن محمد بن مسعود العياشي، عن أبيه، عن نصر بن أحمد البغدادي، عن موسى بن مهران، عن مخول، عن عبد الرحمن ابن الاسود، عن محمد بن عبيد الله ابن أبي رافع، عن أبيه وعمه، عن أبيهما أبي رافع قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله خطب الناس فقال: أيها الناس إن الله عزوجل أمر موسى و هارون أن يبنيا لقومهما بمصر بيوتا وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب، ولا يقرب فيه النساء إلا هارون وذريته، وإن عليا عليه السلام مني بمنزلة هارون من موسى، فلا يحل لاحد أن يقرب النساء في مسجدي، ولا يبيت فيه جنب إلا علي وذريته، فمن شاء ذلك فههنا وضرب بيده نحو الشام (2). بيان: أقول: قد مضى مثله بأسانيد جمة (3) قوله صلى الله عليه وآله: " فمن شاء ذلك " أي شاء أن يعلم حقيقة ذلك فليذهب إلى الشام، ولينظر إلى مواضع بيوتهم فيعلم أن بيت

 

(1) تراه في التهذيب ج 1 ص 328، الكافي ج 3 ص 368، المحاسن ص 55 و اللفط للفقيه ج 1 ص 152 ط نجف. (2) علل الشرايع ج 1 ص 192. (3) راجع ج 81 ص 60 و 61.

 

[6]

هارون كان مفتوحا إلى المسجد. 78 - العلل: عن علي بن أحمد بن محمد، عن محمد بن جعفر الاسدي، عن موسى ابن عمران النخعي، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن أبي حمزة البطائني، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العلة في تعظيم المساجد، فقال إنما أمر بتعظيم المساجد لانها بيوت الله في الارض (1). ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيى، عن كليب الصيداوي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مكتوب في التوراة أن بيوتي في الارض المساجد، فطوبى لمن تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، وحق على المزور أن يكرم الزائر (2). ثواب الاعمال: عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن الحسين مثله (3). المقنع: مرسلا مثله (4). 79 - ثواب الاعمال: عن محمد بن الحسين بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين، عن صفوان، عن كليب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: مكتوب في التوراة أن بيوتي في الارض المساجد، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني في بيتي، ألا إن على المزور كرامة الزائر (5). بيان: يدل على استحباب الطهارة لدخول المساجد. 80 - العلل: عن جعفر بن علي، عن أبيه، عن جده الحسن بن علي الكوفي عن العباس بن عامر، عن أبي الضحاك، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: رجل اشترى دارا فبناها فبقيت عرصة، فبناها بيت غلة أيوقفه على المسجد ؟ قال: إن المجوس

 

(1 - 2) علل الشرائع ج 2 ص 8. (3) ثواب الاعمال ص 26. (4) المقنع ص 27 ط الاسلامية. (5) ثواب الاعمال ص 26.

 

[7]

وقفوا على بيت النار (1). بيان: ظاهره تجويز الوقف كما هو المشهور بين الاصحاب، أي إذا وقف المجوس على بيت النار فأنتم أولى بالوقف على معابدكم، ويحتمل أن يكون المراد المنع من ذلك لانه من فعلهم، ولعل الصدوق - ره - هكذا فهم فنقل في الفقيه (2) في كتاب الصلاة هكذا وسئل عن الوقوف على المساجد، فقال: لا يجوز لان المجوس وقفوا على بيوت النار، وهذا إحدى مفاسد النقل بالمعنى، والقرينة على ذلك أنه نقله في كتاب الوقف من الفقيه (3) أيضا مثل ما رواه في العلل، وغيره في ساير الكتب (4) وليس في شئ منها لا يجوز. وربما يحمل على تقدير صحته على الوقف بقصد تملك المسجد، وهو لا يملك بل لابد من قصد مصالح المسلمين ولو أطلق ينصرف إليها، وقال في الذكرى: ويستحب الوقف على المساجد بل هو من أعظم المثوبات لتوقف بقاء عمارتها غالبا عليه التي هي من أعظم مراد الشارع، ثم ذكر رواية الفقيه وقال: وأجاب بعض الاصحاب بأن الرواية مرسلة، وبامكان الحمل على ما هو محرم منها كالزخرفة والتصوير انتهى، و حمله بعضهم على الوقف لتقريب القربان، أو على وقف الاولاد لخدمتها كما في الشرع السابق. 81 - العلل: عن محمد بن علي ماجيلوبه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن وهب بن وهب، عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام قال: إذا أخرج أحدكم الحصاة من المسجد فليردها مكانها، أو في مسجد آخر، فانها تسبح (5).

 

(1) علل الشرايع ج 2 ص 9، باب العلة التي من أجلها لا يجوز الوقف على المسجد. (2) الفقيه ج 1 ص 154. (3) الفقيه ج 4 ص 185، وفيه عن أبى الصحارى. (4) التهذيب ج 2 ص 76 ط حجر ج 9 ص 150 ط نجف. (5) علل الشرايع ج 2 ص 10.

 

[8]

توجيه: يمكن أن يكون تسبيحها كناية عن كونها من أجزاء المسجد فان المسجد لكونه محلا لعبادة الله سبحانه، يدل على عظمته وجلاله، فهو بجميع أجزائه ينزه الله تعالى عما لا يليق به، أو المعنى أنها تسبح أحيانا كما سبحت في كف النبي صلى الله عليه وآله أو تسبح مطلقا بالمعنى الذى اريد في قوله سبحانه " وإن من شئ إلا يسبح بحمده " (1) فوجه الاختصاص كونها سابقا فيها، والحاصل لا تقولوا إنها جماد ولا يضر إخراجها، إذ لكل شئ تسبيح، فلا ينبغي إخراجها وإخلاء المسجد عن تسبيحها، ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه. ويمكن أن يقرء يسبح بالفتح أي ينزه عن النجاسات وسائر مالا يليق بالمسجد فيكون كناية أيضا عن الجزئية، والمشهور بين الاصحاب حرمة إخراج الحصا من المساجد، وقيده جماعة بما إذا كان تعد من أجزاء المسجد، أو من الابنية، أما لو كانت قمامة كان إخراجها مستحبا، واختار المحقق في المعتبر وجماعة كراهة إخراج الحصا وكذا حكم الاكثر بوجوب الاعادة إلى ذلك المسجد، وقال الشيخ: لو ردها إلى غيرها من المساجد أجزأ كما دل على الخبر. 82 - العلل: عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، عن الاشعري رفعه أن رجلا جاء إلى المسجد ينشد ضالة له، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: قولوا له: لا رد الله عليك فانها لغير هذا بنيت (2). قال: ورفع الصوت في المساجد يكره، وإن رسول الله صلى الله عليه وآله مر برجل يبري مشاقص له في المساجد فنهاه وقال: إنها لغير هذا بنيت (3). بيان: التعليل يدل على كراهة عمل الصنايع في المسجد مطلقا كما ذكره الاصحاب فلو تضمن تغيير هيئة المسجد أو منع المصلين من الصلاة والتضييق عليهم فالحرمة أظهر. 83 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن الحسين، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الثوم

 

(1) أسرى: 44. (2 - 3) علل الشرايع ج 2 ص 9.

 

[9]

فقال: إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عنه لريحه، فقال: من أكل هذه البقلة المنتنة فلا يقرب مسجدنا، فأما من أكله ولم يأت المسجد فلا بأس (1). ومنه: عن علي بن حاتم، عن محمد بن جعفر الرزاز، عن عبد الله بن محمد بن خلف عن الوشا، عن محمد بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن أكل البصل والكراث فقال: لا بأس بأكله مطبوخا وغير مطبوخ، ولكن إن أكل منه ماله أذى فلا يخرج إلى المسجد كراهية أذاه على من يجالس (2). المحاسن: عن الوشا، عن ابن سنان مثله إلا أن فيه الكراث فقط (3). 84 - العلل: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن علي بن الحسين السعد ابادي عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن فضالة، عن داود بن فرقد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أكل هذه البقلة فلا يقرب مسجدنا ولم يقل إنه حرام (4). بيان: المشهور بين الاصحاب كراهة دخول المسجد لمن أكل شيئا من المؤذيات بريحها ويتأكد الكراهة في الثوم، بل يظهر من بعض الاخبار أنه لو تداوى به بغير الاكل أيضا يكره له دخول المسجد. ونقل الشيخ في الاستبصار بسند صحيح (5) عن زرارة قال: حدثني من اصدق من أصحابنا قال: سألت أحدهما عن الثوم فقال: أعد كل صلاة صليتها مادمت تأكله. ثم قال: فالوجه في هذا الخبر أن نحمله على ضرب من التغليظ في كراهيته دون الحظر الذي يكون من أكل ذلك يقتضي استحقاقه الذم والعقاب، بدلالة الاخبار الاول والاجماع الواقع على أن أكل هذه الاشياء لا يوجب إعادة الصلاة.

 

(1 - 2) علل الشرائع ج 2 ص 207. (3) المحاسن ص 512. (4) علل الشرائع ج 2 ص 207. (5) الاستبصار ج 4 ص 92، ورواه في التهذيب ج 9 ص 96 ط نجف ورواه الصدوق في الفقيه ج 3 ص 227.

 

[10]

85 - معاني الاخبار: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن إبراهيم بن هاشم و أيوب بن نوح، عن عبد الله بن المغيره، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان بنى مسجده بالسميط ثم إن المسلمين كثروا فقالوا: يارسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه ؟ فقال: نعم، فزاد فيه وبناه بالسعيدة ثم إن المسلمين كثروا فقالوا: يارسول الله لو أمرت بالمسجد فزيد فيه فقال صلى الله عليه وآله: نعم، فأمر به فزيد فيه وبنى جداره بالانثى والذكر. ثم اشتد عليهم الحر فقالوا: يارسول الله لو أمرت بالمسجد فظلل، قال: فأمر به فاقيمت فيه سواري جذوع النخل، ثم طرحت عليه العوارض والخصف والاذخر، فعاشوا فيه حتى أصابتهم الامطار فجعل المسجد يكف عليهم، فقالوا: يارسول الله لو أمرت به فطين، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: لا، عريش كعريش موسى عليه السلام. فلم يزل كذلك حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان جداره قبل أن يظلل قدر قامة فكان إذا كان الفئ ذراعا وهو قدر مربض عنز صلى الظهر، فإذا كان الفئ ذراعين وهو ضعف ذلك صلى العصر. قال: وقال السميط لبنة لبنة، والسعيدة لبنة ونصف، والانثى والذكر لبنتين مخالفتين (1). بيان: قال الجوهري: السارية الاسطوانة، وقال: العارضة واحدة عوارض السقف، والخصف محركة جمع الخصفة، وهي الجلة تعمل من خوص النخل، أي ورقها، للتمر، وقال الجوهري: السميط الآجر القائم بعضه فوق بعض، قال أبو عبيد: وهو الذي يسمى بالفارسية البراستق وقال الفيروزآبادي: السعد ثلث اللبنة وكزبير ربعها انتهى، والانثى والذكر معروف بين البنائين قوله " يكف " أي يقطر. والاختلاف في الانواع لان كلما كان المكان أوسع كان جداره أطول، وكلما

 

(1) معاني الاخبار ص 159 - 160 وقد رواه الشيخ في التهذيب ج 1 ص 327 ط حجر الكافي ج 3 ص 295.

 

[11]

كان الجدار أطول، فالمناسب أن يكون عرضه أوسع وسمكه أرفع (1) ويدل على جواز هدم المسجد وتغييره وتوسيعه عند الضرورة والحاجة، وتردد في الذكرى في ذلك ثم استدل على الجواز بهذا الخبر ثم قال: نعم الاقرب أن لا ينقض إلا بعد الظن الغالب بوجود العمارة، وقرب جواز إحداث الباب والروزنة للمصلحة العامة، واحتمل جوازها للمصلحة الخاصة وما قربه في الكل قريب. 86 - المحاسن: عن أبيه، عن أحمد بن داود، عن هاشم الحلال قال: دخلت أنا وأبو الصباح الكناني على أبي عبد الله عليه السلام فقال له: يا أبا الصباح ما تقول في هذه المساجد التي بنتها الحاج في طريق مكة ؟ فقال: بخ بخ تلك أفضل المساجد، من بنى مسجدا كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة (2). ومنه: في رواية أبي عبيدة الحذاء قال: بينا أنا بين مكة والمدينة أضع الاحجار كما يضع الناس، فقلت له: هذا من ذلك ؟ قال: نعم (3). 87 - معاني الاخبار: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن أحمد بن محمد البزنطي، عن مفضل بن سعيد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاء أعرابي أحد بني عامر إلى النبي عليه السلام فسأله وذكر حديثا طويلا يذكر في آخره أنه سأله الاعرابي عن الصليعا، والقريعا، وخير بقاع الارض، وشر بقاع الارض، فقال: بعد أن أتاه جبرئيل عليه السلام فأخبره أن الصليعا الارض السبخة التي لا تروي ولا تشبع مرعاها، والقريعا الارض التي لا تعطي بركتها، ولا يخرج نبعها، ولا يدرك ما أنفق فيها، وشر بقاع الارض الاسواق وهو ميدان إبليس: يغدو برايته، ويضع كرسيه، ويبث ذريته، فبين مطفف في قفيز أو طائش في ميزان أو سارق في ذراع، أو كاذب في سلعته فيقول: عليكم برجل مات أبوه وأبوكم حي، فلا يزال مع أول من يدخل وآخر من يرجع. وخير البقاع المساجد، وأحبهم إليه أولهم دخولا وآخرهم خروجا، وكان

 

(1) في الثاني نظر واضح، ولذلك نهى عن الشرف. (2 و 3) المحاسن ص 55.

 

[12]

الحديث طويلا اختصرنا منه موضع الحاجة (1). توضيح: قال في النهاية: إن أعرابيا سأل النبي صلى الله عليه وآله عن الصليعاء والقريعاء الصليعاء تصغير الصلعاء للارض التي لا تنبت، والصلع من صلع الرأس، وهو انحسار الشعر منه، والقريعا أرض لعنها الله إذا أنبتت أو زرع فيها نبت في حافتيها ولم ينبت في متنها شئ، وقال القرع بالتحريك هو أن يكون في الارض ذات الكلاء موضع لانبات فيها كالقرع في الرأس انتهى. قوله " ولا يخرج نبعها " النبع خروج الماء من الينبوع، وفي بعض النسخ بالياء ثم النون، وينع الثمرة نضجها وإدراكها، والتطفيف نقص المكيال، والطيش الخفة والسلعة بالكسر المتاع، مات أبوه أي آدم عليه السلام وأبوكم حي يعني نفسه لعنه الله. 88 - معاني الاخبار: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن الهيثم بن عبد الله النهدي، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المروة مروتان: مروة الحضر، ومروة السفر، فأما مروة الحضر فتلاوة القرآن، وحضور المساجد، وصحبة أهل الخير، والنظر في الفقه، وأما مروة السفر فبذل الزاد، والمزاح في غير ما يسخط الله، وقلة الخلاف على من صحبك، وترك الرواية عليهم إذا أنت فارقتهم (2). ومنه: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن خالد البرقي، عن أبي قتادة رفعه إلى الصادق عليه السلام مثله (3). 89 - مجالس الصدوق: في مناهي النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن التنخع في المساجد، ونهى أن ينشد الشعر أو تنشد الضالة في المساجد، ونهي أن يسل السيف في المسجد (4).

 

(1) معاني الاخبار ص 168. (2 - 3) معاني الاخبار ص 258، راجع البحار ج 76 ص 311 - 313 باب معنى الفتوة والمروة. (4) أمالي الصدوق ص 253 و 254.

 

[13]

90 - ثواب الاعمال: عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن السندي ابن محمد، عن محمد بن سنان، عن طلحة بن زيد، عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من رد ريقه تعظيما لحق المسجد، جعل الله ريقه صحة في بدنه وعوفي من بلوى في جسده (1). ومنه: عن أبيه، عن الحميري، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن حسان، عن أبيه، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من تنخع في مسجد ثم ردها في جوفه لم تمر بداء إلا أبرءته (2). بيان: قال في القاموس النخاعة بالضم النخامة أو مايخرج من الصدر، أو مايخرج من الخيشوم، وتنخع رمى بنخامته، وقال في النهاية: فيه النخامة في المسجد خطيئة هي البزقة التي تخرج من أصل الفم مما يلي النخاع انتهى. ويدل على عدم حرمة نخامة الانسان على نفسه، وقال جماعة بحرمتها للخباثة وحرمة كل خبيث بالمعنى الذي ذكره الاصحاب وهو ما يتنفر عنه الطبع غير معلوم، وكون نخامة نفسه أيضا قبل الخروج من الفم خبيثا ممنوع، وربما يحمل ما إذا لم يدخل فضاء الفم ولا ضرورة تدعو إليه، وسيأتي تمام القول فيه في محله. 91 - ثواب الاعمال: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الاشعري، عن يعلى بن حمزة، عن عبد الله بن محمد الحجال، عن علي بن الحكم، عن محمد بن مروان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من مشى إلى المسجد لم يضع رجله على رطب ولا يابس إلا سبحت له الارض إلى الارضين السابعة (3). بيان: في الفقيه " إلا سبح له إلى الارضين " (4) وفي بعض النسخ الكتابين " إلى الارض السابعة " وعلى الاول جمعها باعتبار قطعات الارض أو أطرافها وقيل: المراد إلى الارضين حتى السابعة، ولا يخفى ما فيه، ويمكن أن يكون المراد إعطاء الثواب

 

(1 - 2) ثواب الاعمال ص 18. (3) ثواب الاعمال ص 26. (4) الفقيه ج 1 ص 152. (*)

 

[14]

التقديري أو تسبيح أهلها، أو هو كناية عن أنه يظهر أثر عبادته في جميع الارضين، لكون عمارة الارض بالعبادة، فكأنها تسبح له شكرا وعلى النسختين يحتمل أن يكون المراد من تحت قدميه في عمق الارض، أو من الجوانب الاربعة في سطح الارض، والاول أظهر. 92 - ثواب الاعمال: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن عيسى، عن الحسين بن خالد، عن حماد بن سليمان، عن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قال الله تبارك وتعالى: ألا إن بيوتي في الارض المساجد، تضئ لاهل السماء كما تضئ النجوم لاهل الارض، ألا طوبى لمن كانت المساجد بيوته، ألا طوبى لعبد توضأ في بيته ثم زارني في بيتي، ألا إن على المزور كرامة الزائر، ألا بشر المشائين في الظلمات إلى المساجد بالنور الساطع يوم القيامة (1). المحاسن: عن محمد بن عيسى الارمني، عن الحسين بن خالد مثله (2). 93 - ثواب الاعمال: عن أبيه، عن محمد بن أحمد بن هشام، عن محمد بن إسماعيل عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن سعد بن طريف، عن الاصبغ بن نباتة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله لامير المؤمنين عليه السلام: إن الله عزوجل ليهم بعذاب أهل الارض جميعا لا يحاشي منهم أحدا إذا عملوا بالمعاصي واجترحوا السيئات، فإذا نظر إلى الشيب ناقلي أقدامهم إلى الصلاة، والولدان يتعلمون القرآن رحمهم، فأخر ذلك عنهم (3). ومنه: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد الاشعري، عن محمد ابن السندي، عن علي بن الحكم مثله (4).

 

(1) ثواب الاعمال ص 26. (2) المحاسن ص 47. (3) ثواب الاعمال ص 26 و 27. (4) ثواب الاعمال ص 36.

 

[15]

العلل: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن علي بن الحكم مثله (1). بيان: قال الفيروزآبادي حاشا منهم فلانا استثناه منهم انتهى، والشيب بالكسر جمع الاشيب وهو المبيض الرأس أو هو بضم الشين وتشديد الياء المفتوحة جمع شائب كركع وسجد. 94 - ثواب الاعمال: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم عن محمد بن علي الصيرفي، عن إسحاق بن يشكر، عن الكاهلي، عن الحكم، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أسرج في مسجد من مساجد الله سراجا لم تزل الملائكة وحملة العرش يستغفرون له مادام في ذلك المسجد ضوء من السراج (2). المحاسن: عن محمد بن علي مثله، وفيه مكان، عن أنس: عن رجل (3). المقنع: مرسلا مثله (4). 95 - ثواب الاعمال: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد الاشعري، عن محمد بن حسان، عن أبي محمد الرازي، عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي عليه السلام قال: صلاة في بيت المقدس ألف صلاة، وصلاة في المسجد الاعظم مائة ألف صلاة، وصلاة في مسجد القبيلة خمس وعشرون صلاة و صلاة في المسجد السوق اثنتا عشرة صلاة وصلاة الرجل في بيته وحده صلاة واحدة (5). المحاسن: عن النوفلي مثله، وفيه صلاة في المسجد الاعظم مائة صلاة (6).

 

(1) علل الشرائع ص 2 ص 209. (2) ثواب الاعمال ص 27. (3) المحاسن ص 57. (4) المقنع ص 27. (5) ثواب الاعمال ص 29. (6) المحاسن ص 55 و 57 متفرقا على الابواب.

 

[16]

بيان: الظاهر زيادة " الالف " من الرواة أو النساخ، وإن كانت موجودة في أكثر النسخ، ورواه الشيخ في النهاية (1) عن السكوني وفيه أيضا مائة صلاة، وروى المفيد في المقنعة (2) أيضا كذلك وعلى تقديره المراد بالمسجد الاعظم المسجد الحرام، وعلى تقدير عدمه المراد به جامع البلد، ولعل مسجد المحلة في زماننا بازاء مسجد القبيلة والمراد بمسجد السوق ماكان مختصا بأهله، لاكل مسجد متصل بالسوق، وإن كان جامعا أو أحد المساجد الاربعة أو مسجد قبيلة. 96 - ثواب الاعمال: عن أبيه، عن علي بن الحسن الكوفي، عن أبيه، عن عبد الله بن المغيرة، عن السكوني، عن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام قال: إن الله عزوجل إذا أراد أن يصيب أهل الارض بعذاب يقول: لولا الذين يتحابون في ويعمرون مساجدي ويستغفرون بالاسحار، لولاهم لانزلت عليهم عذابي (3). 97 - المحاسن: عن النوفلي، عن السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: من وقر مسجدا لقي الله يوم يلقاه ضاحكا مستبشرا، وأعطاه كتابه بيمينه (4). وقال عليه السلام: من رد ريقه تعظيما لحق المسجد جعل الله ذلك قوة في بدنه وكتب له بها حسنة، وقال: لاتمر بداء في جوفه إلا أبرأته (5). بيان: في التهذيب (6) وغيره بهذا السند من وقر بنخامته المسجد لقي الله يوم القيامة ضاحكا قد اعطي كتابه بيمينه. 98 - المحاسن: عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن القداح، عن أبي عبد الله، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين عليهم السلام قال: قال موسى بن عمران عليه السلام: يا رب من

 

(1) النهاية ص 23. (2) المقنعة ص 26. (3) ثواب الاعمال ص 161. (4 - 5) المحاسن ص 54. (6) التهذيب ج 1 ص 326.

 

[17]

أهلك الذين تظلهم في ظل عرشك يوم لاظل إلا ظلك ؟ قال: فأوحى الله إليه: الطاهرة قلوبهم، والتربة أيديهم، الذين يذكرون جلالي إذا ذكروا ربهم، الذي يكتفون بطاعتي كما يكتفي الصبي الصغير باللبن، الذين يأوون إلى مساجدي كما تأوي النسور إلى أوكارها، والذين يغضبون لمحارمي إذا استحلت مثل النمر إذا حرد (1). بيان: " التربة أيديهم " كناية عن الفقر، قال الجوهري ترب الشئ بالكسر أصابه التراب، ومنه ترب الرجل افتقر كأنه لصق بالتراب، يقال: تربت يداك، وهو على الدعاء أي لا أصبت خيرا، وقال: الحرد الغضب، تقول منه حرد بالكسر فهو حارد وحردان ومنه قيل أسد حارد. * (تتميم) * ذكر الاصحاب كراهة الخذف بالحصا في المسجد، وحكم الشيخ - رحمه الله - في النهاية بعدم الجواز وورد في الخبر (2) مازالت تلعن حتى وقعت " وكذا كشف السرة والفخذ والركبة في المسجد وظاهر الشيخ في النهاية عدم الجواز وفي خبر السكوني (3) أن كشفها في المسجد من العورة. وذكروا - رحمهم الله - استحباب تقديم اليمنى دخولا واليسرى خروجا كما في خبر يونس (4). وترك أحاديث الدنيا والقصص الباطلة فيه، فقد روي في الحسن (5) أن

 

(1) المحاسن ص 16. (2) التهذيب ج 1 ص 242. (3) التهذيب ج 1 ص 328. (4) الكافي ج 3 ص 308. (5) التهذيب ج 2 ص 486.

 

[18]

أمير المومنين عليه السلام رأى قاصا في المسجد فضربه بالدرة وطرده، وترك التكلم فيه بالعجمية لرواية السكوني (1). وترك تعليته وتظليله لما رواه الحلبي (2) قال: سألته عن المساجد المظللة يكره القيام فيها ؟ قال: نعم، ولكن لا يضركم الصلاة فيها اليوم. وقال في الذكرى: لعل المراد تظليل جميع المسجد أو تظليل خاص أو في بعض البلدان وإلا فالحاجة ماسة إلى التظليل لدفع الحر والبرد (3).

 

(1) التهذيب ج 1 ص 328 ولرواية أبي سيار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن رطانة الاعاجم في المساجد، راجع الكافي ج 3 ص 369. (2) التهذيب ج 1 ص 325، وقوله عليه السلام " لا تضركم اليوم " أي حال سلطة المخالفين حيث لا يمكنكم اماتة هذه البدعة، وروى في الفقيه ج 1 ص 153 عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: أول ما يبدء به قائمنا سقوف المساجد فيكسرها، ويأمر بها فيجعل عريشا كعريش موسى عليه السلام. (3) قال الصدوق في الفقيه ج 1 ص 246: وإذا كان مطر وبرد شديد فجائز للرجل أن يصلى في رحله ولا يحضر المسجد يقول النبي صلى الله عليه وآله: " إذا ابتلت النعال فالصلاة في الرحال ". ورواه الشيخ في التهذيب مرسلا على ما نقله الحر العاملي في الوسائل تحت الرقم 6314.

 

[19]

9. * (باب) * * " (صلاة التحية والدعاء عند الخروج إلى الصلاة، وعند) " * * " (دخول المسجد، وعند الخروج منه) " * 1 - مجالس الصدوق: في مناهي النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا تجعلوا المساجد طرقا حتى تصلوا فيها ركعتين (1). 2 - الخصال ومعاني الاخبار: علي بن عبد الله الاسواري، عن أحمد بن محمد بن قيس، عن عمرو بن حفص، عن عبد الله بن محمد بن أسد، عن الحسين بن إبراهيم، عن يحيى بن سعيد، عن ابن جرير، عن عطا، عن عتبة بن عمير الليثي، عن أبي ذر - ره - قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في المسجد جالس وحده، فاغتنمت خلوته فقال لي: يا أبا ذر للمسجد تحية، قلت: وما تحيته ؟ قال: ركعتان تركعهما الخبر (2). مجالس الشيخ وأعلام الدين: عن أبي ذر مثله (3). 3 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن هلال بن محمد الحفار، عن إسماعيل بن علي الدعبلي، عن أبيه علي بن دعبل، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: كان الصادق عليه السلام يقول إذا خرج إلى الصلاة: اللهم إني أسئلك بحق السائلين لك، وبحق مخرجي هذا فاني لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا رئاء ولا سمعة، ولكن خرجت ابتغاء رضوانك واجتناب سخطك، فعافني بعافيتك من النار (4). 4 - المحاسن: عن علي بن الحكم، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من دخل سوق جماعة ومسجد أهل نصب فقال مرة واحدة: أشهد

 

(1) أمالي الصدوق ص 253. (2) الخصال ج 2 ص 104، معاني الاخبار ص 333. (3) أمالي الطوسي ج 2 ص 153، وأعلام الدين مخطوط. (4) أمالي الطوسي ج 1 ص 381.

 

[20]

أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، والله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وصلى الله عليه محمد وآله وأهل بيته " عدلت حجة مبرورة (1). 5 - كتاب صفين: لنصر بن مزاحم، عن عمر بن سعد، عن الحارث بن حصيرة عن عبد الرحمان بن عبيد وغيره قالوا: لما دخل أمير المؤمنين عليه السلام الكوفة أقبل حتى دخل المسجد فصلى ركعتين ثم صعد المنبر، الخبر. 6 - عدة الداعي وأعلام الدين: عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من توضأ ثم خرج إلى المسجد فقال حين يخرج من بيته: " بسم الله الذي خلقني فهو يهدين " هداه الله إلى الصواب للايمان، وإذا قال: " والذي يطعمني ويسقيني " أطعمه الله من طعام الجنة، وسقاه من شراب الجنة، وإذا قال: " وإذا مرضت فهو يشفين " جعله الله عزوجل كفارة لذنوبه وإذا قال: " والذي يميتني ثم يحيين " أماته الله عزوجل موتة الشهداء وأحياه حياة السعداء، وإذا قال: " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " غفر الله عزوجل خطاءه كله، وإن كان أكبر من زبد البحر. وإذا قال: " رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين " وهب الله له حكما وعلما وألحقه بصالح من مضى وصالح من بقي، وإذا قال: " واجعل لي لسان صدق في الآخرين " كتب الله عزوجل له في ورقة بيضاء " إن فلان بن فلان من الصادقين " وإذا قال: " واجعلني من ورثة جنة النعيم " (2) أعطاه الله عزوجل منازل في الجنة وإذا قال: " واغفر لابوي " غفر الله لابويه. بيان: " ربه هب لي حكما " فسر في الآية بالحكم بين الناس بالحق، فانه من أفضل الاعمال، وفسر أيضا بالكمال في العلم والعمل وعلى هذا يكون عطف العلم في الحديث على الحكم كما في بعض النسخ من قبيل التجريد وإرادة العمل لاغير، أو على التأكيد لاحد جزئيه، وقد يفسر " لسان صدق " بوجهين: الاول الصيت الحسن والذكر

 

(1) المحاسن ص 40. (2) راجع الشعراء: 78 - 86.

 

[21]

الجميل بين من تأخر عنه من الامم وقد استجيب، الثاني: اجعل من ذريتي صادقا يجدد معالم ديني، ويدعو الناس إلى ماكنت أدعوهم إليه، وهو نبينا أو أمير المؤمنين عليه السلام كما ورد في الاخبار، والداعي يقصد ذكره الجميل بعد موته أو أن يرزقه الله ولدا صالحا يدعو الناس إلى الخير. 7 - كتاب جعفر بن محمد بن شريح: عن عبيد بن شعيب، عن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا دخلت المسجد وأنت تريد أن تجلس، فلا تدخله إلا طاهرا وإذا دخلته فاستقبل القبلة، ثم ادع الله وسله، وسم حين تدخله، واحمد الله، وصل على النبي صلى الله عليه وآله. 8 - التهذيب: مرسلا مثله إلا أن فيه وسم حين تدخله (1). ومنه: في الموثق، عن سماعة قال: إذا دخلت المسجد فقل بسم الله والسلام على رسول الله (سلام الله وسلام) (2) ملائكته على محمد وآل محمد والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته، رب اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك، وإذا خرجت فقل اللهم اغفر لي وافتح لي أبواب فضلك (3). ومنه: عن عبد الله بن الحسن قال: إذا دخلت المسجد فقل اللهم اغفر لي، و افتح أبواب رحمتك، وإذا خرجت فقل: اللهم اغفر لي وافتح أبواب فضلك (4). ومنه في الحسن: عن ابن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا دخلت المسجد فصل على النبي صلى الله عليه وآله وإذا خرجت فافعل ذلك (5). ومنه في المجهول: عن يونس عنهم عليهم السلام قال: الفضل في دخول المسجد أن

 

(1) التهذيب ج 1 ص 328. (2) مابين العلامتين أضفناه بالقرينة، وقد أورده الحر العاملي في الوسائل تحت الرقم 6456، مع السقط، وفي المصدر المطبوع على الحجر وهكذا مطبوع النجف ج 3 ص 263: " ان الله وملائكته يصلون على محمد وآل محمد " فتدبر. (3 - 5) التهذيب ج 1 ص 328.

 

[22]

تبدأ برجلك اليمنى إذا دخلت، وباليسرى إذا خرجت (1). 9 - فلاح السلائل: عن محمد بن علي بن سعد الكوفي، عن محمد بن يعقوب الكليني عن الحسين بن محمد، عن عمه عبد الله بن عامر، عن علي بن مهزيار، عن جعفر بن محمد الهاشمي، عن أبي جعفر العطار شيخ من أهل المدينة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا صلى أحدكم المكتوبة وخرج من المسجد، فليقف بباب المسجد ثم ليقل " اللهم دعوتني فأجبت دعوتك، وصليت مكتوبك، وانتشرت في أرضك كما أمرتني، فأسألك من فضلك العمل بطاعتك، واجتناب معصيتك، والكفاف من الرزق برحمتك " (2). 10 - مصباح الشيخ: إذا خرج من المسجد فليقل، وذكر الدعاء ثم قال: دعاء آخر " اللهم إني صليت ما افترضت، وفعلت ما إليه ندبت، ودعوت كما أمرت، فصل على محمد وآل محمد، وأنجز لي ما ضمنت، واستجب لي كما وعدت، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد و آل محمد، وافتح لي أبواب رحمتك وفضلك، وأغلق عني أبواب معصيتك وسخطك. 11 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن ابن حمويه، عن محمد بن محمد بن بكير عن الفضل بن حباب، عن مسدد، عن عبد الوارث، عن ليث بن أبي سليم، عن عبد الله ابن الحسن، عن امه فاطمة، عن جدته قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا دخل المسجد صلى على النبي صلى الله عليه وآله وقال: " اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك " وإذا خرج صلى على النبي صلى الله عليه وآله وقال: اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب فضلك " (3). بيان: إنما ذكر عند الدخول الرحمة لانها تتعلق غالبا بالامور الاخروية، وعند الدخول طالب لها. وعند الخروج الفضل، لانه يطلق في البركات الدنيوية وعند الخروج طالب لها كما قال الله تعالى: " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الارض وابتغوا

 

(1) لم نجده في التهذيب وتراه في الكافي ج 3 ص 308. (2) فلاح السائل ص 209، وتراه في الكافي ج 3 ص 309. (3) أمالي الطوسي ج 2 ص 15 وسيأتى مثله تحت الرقم 14.

 

[23]

من فضل الله " (1). 12 - دعائم الاسلام: عن علي عليه السلام أنه كان إذا دخل المسجد قال: " بسم الله وبالله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " (2). وكان يقول: من حق المسجد إذا دخلته أن تصلي فيه ركعتين، ومن حق الركعتين أن تقرأ فيهما بام القرآن، ومن حق القرآن أن تعمل بما فيه (3). 13 - الهداية: قال الصادق عليه السلام: إذا دخلت المسجد، فأدخل رجلك اليمنى وصل على النبي وآله (وإذا خرجت فأخرج رجلك اليسرى وصل على النبي وآله) (4). 14 - كتاب الامامة: لمحمد بن جرير الطبري، عن أبي المفضل محمد بن عبد الله (5) عن محمد بن هارون بن حميد، عن عبد الله بن عمر بن أبان، عن قطب بن زياد، عن ليث بن سليم، عن عبد الله بن الحسن بن الحسن، عن فاطمة الصغرى، عن أبيها، عن فاطمة الكبرى ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا دخل المسجد يقول: " بسم الله اللهم صل على محمد وآل محمد، فاغفر لي ذنوبي وافتح أبواب رحمتك " وإذا خرج يقول: " بسم الله اللهم صل على محمد وآل محمد واغفر ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك " (6). 15 - المقنع: إذا أتيت المسجد فأدخل رجلك اليمنى قبل اليسرى، وقل: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم صل على محمد وآل محمد، وافتح

 

(1) الجمعة: 10. (2 - 3) دعائم الاسلام ج 1 ص 150. (4) الهداية: 31، وما بين العلامتين ساقط من الكمبانى. (5) كثيرا ما ترى في كتاب الدلائل هذا أنه يروى عن أبي المفضل محمد بن عبد الله ابن المطلب الشيباني، مع أن أبا المفضل هو الذي يروى عن أبي جعفر محمد بن جرير الطبري كما سيأتي تحت الرقم 20 عن أمالي الطوسي، وفي ذلك كلام لبعض المتتبعين تراه في كتابه " الاخبار الدخيلة " ص 43 - 48. (6) كتاب دلائل الامامة ص 7.

 

[24]

لنا باب رحمتك، واجعلنا من عمار مساجدك، جل ثناء وجهك " فإذا اردت أن تخرج فأخرج رجلك اليسرى قبل اليمنى وقل " اللهم صل على محمد وآل محمد وافتح لنا باب فضلك " (1). الفقيه مثله، إلا أنه قال في دعاء الدخول: بسم الله وبالله السلام عليك، إلى آخر الدعاء (2). 16 - مكارم الاخلاق: إذا دخلت المسجد فقدم رجلك اليمنى وقل " بسم الله و بالله ومن الله وإلى الله، وخير الاسماء كلها لله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله اللهم صل على محمد وآل محمد وافتح لي باب رحمتك وتوبتك، وأغلق عني أبواب معصيتك، واجعلني من زوارك وعمار مساجدك، وممن يناجيك بالليل والنهار، و من الذينهم في صلاتهم خاشعون، وادحر عني الشيطان الرجيم، وجنود إبليس أجمعين " ثم اقرأ آية الكرسي والمعوذتين، وسبح الله سبعا واحمد الله سبعا، وكبر الله سبعا وهلل الله سبعا، ثم قل: " اللهم لك الحمد على ما هديتني، ولك الحمد على ما فضلتني ولك الحمد على ما شرفتني، ولك الحمد على كل بلاء حسن أبليتني، اللهم تقبل صلاتي ودعائي، وطهر قلبي، واشرح صدري، وتب على إنك أنت التواب الرحيم " (3). مصباح الشيخ: فإذا أراد دخول المسجد قدم رجله اليمنى قبل اليسرى وقال: بسم الله وبالله - إلى قوله - وجنود إبليس اجمعين. بيان: " من زوارك " أي من الذين يأتون المساجد كثيرا فان المسجد بيت الله فمن أتاه فكأنه زار الله أو من الذين يقصدون وجهك الكريم في إتيان المسجد لا لامر آخر من الاغراض الدنيوية " وعمار مساجدك " أي الذين يعمرونها ببنائها وكنسها وفرشها و الاسراج فيها وأمثال ذلك وإكثار التردد إليها وشغلها بالعبادة وإخلائها من الاعمال الدنيوية والصنايع كما مر في تفسير الآيات " وادحر " على وزن أعلم أمر بمعنى ابعد، والرجيم

 

(1) المقنع ص 26 ط الاسلامية. (2) الفقيه ج 1 ص 155. (3) مكارم الاخلاق ص 344.

 

[25]

فعيل بمعنى مفعول أي المطرود الممنوع من رحمة الله أو المرجوم بأحجار الملائكة أو بلعن الله والملائكة والناس أجمعين. " على كل بلاء حسن أبليتني " أي كل نعمة حسنة أنعمت بها على. 17 - المكارم: ولا تجلس في المسجد حتى تصلي ركعتين تحية المسجد وإن لم تكن صليت ركعتي الفجر أجزأك أداؤهما عن التحية (1). فإذا أردت الخروج من المسجد فقل: " اللهم دعوتني فأجبت دعوتك " إلى آخر ما مر من فلاح السائل (2). ثم قال: وقدم رجلك اليسرى في الخروج من المسجد وقل: " اللهم صل على محمد وآل محمد، وافتح لنا باب فضلك ورحمتك، يا أرحم الراحمين " (3). 18 - فلاح السائل: إذا أراد دخول المسجد استقبل القبلة وقال: " بسم الله و بالله ومن الله، ثم ذكركما في المكارم إلى قوله وجنود إبليس أجمعين. وقدم رجلك اليمنى قبل اليسرى، وادخل وقل: " اللهم افتح لي باب رحمتك وتوبتك، وأغلق عني باب سخطك، وباب كل معصية هي لك، اللهم أعطني في مقامي هذا جميع ما أعطيت أولياءك من الخير، واصرف عني جميع ما صرفته عنهم من الاسواء والمكاره، ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ولا تحملنا مالا طاقة لنا به، واعف عنا، واغفر لنا، وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين، اللهم افتح مسامع قلبي لذكرك، وارزقني نصر آل محمد، وثبتني على أمرهم، وصل ما بيني وبينهم، واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، وامنعهم أن يوصل إليهم بسوء، اللهم إني زائرك في بيتك، وعلى كل مأتي حق لمن أتاه وزاره، وأنت أكرم مأتي وخير مزور، وخير من طلبت إليه الحاجات، وأسألك يا لله يا رحمن يا رحيم، برحمتك التي وسعت كل شئ، وبحق الولاية أن تصلي على محمد وآل محمد وأن تدخلني الجنة وتمن على

 

(1) مكارم الاخلاق ص 344. (2 - 3) مكارم الاخلاق ص 351.

 

[26]

بفكاك رقبتي من النار (1). أقول: ذكر الشيخ في المصباح هذا الدعاء مع الدعاء الذي قبله عند دخول المسجد يوم الجمعة وذكر دعاء أطول من ذلك عند دخول المسجد لصلاة الليل أوردناه ههنا. 19 - جامع الاخبار: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا دخل المسجد أحدكم يضع رجله اليمنى ويقول: " بسم الله وعلى الله توكلت، لاحول ولا قوة إلا بالله " وإذا خرج يضع رجله اليسرى ويقول: " بسم الله، وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم " ثم قال: يا علي من دخل المسجد ويقول كما قلت، تقبل الله صلاته، وكتب له بكل ركعة صلاها فضل مائة ركعة، فإذا خرج يقول مثل ما قلت، غفر الله له الذنوب، ورفع له بكل قدم درجة، وكتب الله له بكل قدم مائة حسنة (2). وقال عليه السلام: إذا دخل العبد المسجد فقال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الشيطان: إنه كسر ظهري، وكتب الله له بها عبادة سنة، وإذا خرج من المسجد يقول مثل ذلك، كتب الله له بكل شعرة على بدنه مائة حسنة، ورفع له مائة درجة. وقال عليه السلام: إذا دخل المؤمن المسجد فيضع رجله اليمنى قالت الملائكة: غفر الله لك، وإذا خرج فوضع رجله اليسرى قالت الملائكة حفظك الله، وقضى لك الحوائج، وجعل مكافاتك الجنة (3). 20 - مجالس الشيخ: جماعة، عن أبي المفضل، عن محمد بن جرير الطبري، عن محمد بن عبيد المحاربي، عن صالح بن موسى الطلحي، عن عبد الله بن الحسن، عن امه فاطمة بنت الحسين، عن أبيها، عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا دخل المسجد قال: " اللهم افتح لي أبواب رحمتك " فإذا خرج قال: " اللهم افتح لي أبواب

 

(1) فلاح السائل ص 91. (2) جامع الاخبار ص 80. (3) جامع الاخبار ص 81.

 

[27]

رزقك " (1). 21 جمال الاسبوع: حدث أبو الحسين محمد بن هارون التلعكبري، عن محمد بن عبد الله، عن رجاء بن يحيى بن سامان الكاتب قال: هذا مما خرج من دار صاحبنا و سيدنا أبي محمد الحسن بن علي صاحب العسكر الآخر عليه السلام في سنة خمس وخمسين ومائتين قال إذا أردت دخول المسجد فقدم رجلك اليسرى قبل اليمنى في دخولك وقل " بسم الله وبالله ومن الله إلى قوله وجنود إبليس أجمعين " كما مر (2) إلا أن فيه أبواب رحمتك و فيه ومن الذينهم على صلاتهم يحافظون. ثم قال: في تتمة الرواية: فإذا توجهت القبلة فقل: " اللهم إليك توجهت ورضاك طلبت، وثوابك ابتغيت ولك آمنت وعليك توكلت، اللهم افتح مسامع قلبي لذكرك، وثبت قلبي على دينك ودين نبيك ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. بيان: تقديم الرجل اليسرى في هذا الخبر مخالف لسائر الاخبار وأقوال الاصحاب ولعله من اشتباه النساخ أو الرواة.

 

(1) امالي الطوسي ج 2 ص 209. (2) تحت الرقم 16.

 

[28]

10. " (باب) " * " (القبلة وأحكامها) " * الايات: البقرة: ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم (1).

 

(1) البقرة: 177. وللاية تعلق بما قبلها وهى اربعة آيات ترد على اليهود والنصارى في مقالتهم - كما حكاه الله عزوجل بقوله: " وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين * بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون * ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها اولئك ماكان لهم أن يدخلوها الا خائفين * لهم في الدنيا خزى ولهم في الاخرة عذاب عظيم * ولله المشرق والمغرب الاية. وأما هذه الخامسة: فانها ترد عليهم احتجاجهم في أمر القبلة وهو أن قبلة كل ملة هي أخص الشعائر التي يميز بها عن سائر الملل وقد كانت الملل من أهل الكتاب لكل واحد منهم قبلة عليحدة ووجهة هو موليها يختص بهم فكيف يدعى المسلمون أنهم ملة مستقلة قد نسخ ملتهم سائر الملل ودينهم كل الاديان وكتابهم ساير الكتب وهم معذلك يتبعون ملة اليهود في اخص شعائرهم وهى القبلة ؟ فرد الله عليهم تلك المزعمة بأن كل المعمورة من المشرق إلى المغرب وما بينهما من البلاد كلها ملك لله على السواء وكل جهة استقبل في الصلاة فقد استقبل بها وجه الله عزوجل، سواء كان هي المشرق أو المغرب أو جهة اخرى غير ذلك. فالمسلمون حيثما توجهوا في صلواتهم يستقبلون وجه الله عزوجل، وانما اتخذوا جهة بيت المقدس قبلة لامر أمرهم الله عزوجل على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وآله لا لان بيت المقدس

 

[29]

وقال سبحانه: سيقول السفهاء من الناس ماوليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم * وكذلك جعلناكم امة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم * قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وإن الذين اوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون * ولئن أتيت الذين اوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبعت أهواءهم من بعد ما جاءك من العلم إنك

 

بيت اختصه الله لنفسه فيحق في حد ذاته التشريف بكونه قبلة الانام فلا قبلة سواها، ولا لانهم تابعون ملة اليهود وداخلون في زمرتهم، والله واسع لا يكلف المسلمين بما يحرج به انفسهم ويضيق به صدورهم عليم بابتلائهم وسينجيهم منه برحمته وفضله. ففى هذه الاية تقدمة وتوطئة بل موعدة من الله الواسع العليم إلى ما سيوسعه في أمر المسلمين من تحويل قبلتهم هذه إلى قبلة اخرى غير قبلتى اليهود والنصارى، لئلا يكون للناس عليهم حجة الا الذين ظلموا منهم ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم. فتلخص مما مر أن قوله تعالى " لله المشرق والمغرب " لا يفيد أن مابين المشرق والمغرب قبلة (كما لا اشارة فيها إلى النوافل ولا الاسفار ولا حين التحير) بل انما يرد على السفهاء الذين كانوا يحاجون المسلمين ويعيرونهم باتباع قبلة اليهود، ولذلك قال " فأينما تولوا فثم وجه الله " عاما ولم يخصه بما بين المشرق والمغرب، وينص على ذالك تكرار هذه الجملة في قوله تعالى بعد تحويل القبلة " سيقول السفهاء من الناس ماوليهم عن قبلتهم التى كانوا عليها قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم ". نعم يدل قوله تعالى: " فأينما تولوا فثم وجه الله " على أن الصلاة إلى غير القبلة المفروضة لا تذهب ضياعا، إذا كان المصلى معذورا لتحير أو سفر أو غير ذلك كما سيجئ شرحه في روايات أهل البيت عليهم الصلاة والسلام.

 

[30]

إذا لمن الظالمين (1). وقال تعالى: ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا إن الله على كل شئ قدير * ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وإنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون * ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولاتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون (2). وقال سبحانه: ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر الآية (3). الاعراف: وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد (4). يونس: وأن أقم وجهك للدين حنيفا (5). الروم: فأقم وجهك للدين حنيفا (6). تفسير: " ولله المشرق والمغرب " أي مجموع ما في جهة الشرق والغرب من البلاد لله تعالى هو مالكها، ففي أي مكان فعلتم التولية لوجوهكم شطر القبلة - بدليل قوله " فول وجهك وحيثما كنتم فولوا " - فثم جهة الله التي أمر بها ورضيها، والمعنى إذا منعتم أن تصلوا في المسجد الحرام أو في بيت المقدس، فقد جعلنا لكم الارض مسجدا فصلوا في أي بقعة شئتم من بقاعها وافعلوا التولية فيها، فان التولية لا تختص بمسجد ولا بمكان كذا ذكره جماعة من المفسرين من الخاصة والعامة نظرا إلى ما قبله من قوله " ومن أظلم ممن منع مساجد الله ". وقيل فثم وجه الله أي ذاته أي فثم الله يرى ويعلم، وقيل

 

(1) البقرة: 143 - 145. (2) البقرة: 148 - 149. (3) البقرة: 177. (4) الاعراف: 29. (5) يونس: 105. (6) الروم: 30 والاية ساقطة عن الكمبانى.

 

[31]

فثم رضى الله أي الوجه الذي يؤدي إلى رضوانه، وفي المجمع (1) قيل معناه بأي مكان تولوا فثم الله يعلم ويرى فادعوه كيف توجهتم قال: وقيل: نزلت في التطوع على الراحلة حيث توجهت حال السفر، وهو المروي عن أئمتنا عليهم السلام وفي الجوامع لم يقيد بحال السفر، قال: وهو مروي عنهم عليهم السلام، ونحوه في التذكرة عن أبي عبد الله عليه السلام وفي المعتبر قد استفاض النقل أنها في النافلة. وفي المجمع (1) روي عن جابر أنه قال: بعث النبي سرية كنت فيها، وأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة، فقال طائفة منا: قد عرفنا القبلة هي ههنا قبل الشمال، فصلوا وخطوا خطوطا، وقال بعضنا: القبلة ههنا قبل الجنوب فخطوا خطوطا فلما أصبحوا وطلعت الشمس أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فلما رجعنا من سفرنا سألنا النبي صلى الله عليه وآله عن ذلك، فسكت، فأنزل الله هذه الآية. وذكر في الجوامع قريبا منه عن عامر بن ربيعة، عن أبيه وسيأتي ما يدل على أنها نزلت في الخطاء في القبلة وفي قبلة المتحير، وقال الصدوق في الفقيه: " ونزلت هذه الاية في قبلة المتحير ذكر ذلك بعد نقل صحيحة معاوية (2) فيحتمل أن يكون من الخبر ومن كلامه، ولو كان من كلامه أيضا فالظاهر أنه لا يقول إلا عن رواية، وروى الشيخ في التهذيب (3) عن محمد بن الحصين قال: كتبت إلى عبد صالح: الرجل يصلي في يوم غيم في فلاة من الارض، ولا يعرف القبلة فيصلي حتى إذا فرغ من صلاته بدت له الشمس فإذا هو قد صلى لغير القبلة، أيعتد بصلاته أم يعيدها ؟ فكتب يعيدها ما لم يفته الوقت، أو لم تعلم أن الله يقول وقوله الحق " فأينما تولوا فثم وجه الله ". وقال الشيخ في النهاية، بعد نقل الاية: وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: هذا في النوافل خاصة في حال السفر انتهى. وقد تحمل على النافلة والفريضة في الجملة جمعا بين الروايات، ومراعاة لعموم

 

(1) مجمع البيان ج 1 ص 191. (2) الفقيه ج 1 ص 179. (3) التهذيب ج 1 ص 147.

 

[32]

اللفظ ما أمكن قال في كنز العرفان: اعلم أنه مهما أمكن تكثير الفائدة مع بقاء اللفظ على عمومه، كان أولى، فعلى هذا يمكن أن يحتج بالآية على أحكام: الاول: صحة صلاة الظان والناسي، فيتبين خطاؤه، وهو في الصلاة غير مستدبر ولا مشرق ولا مغرب. الثاني: صحة صلاة الظان والناسي فيتبين خطاؤه بعد فراغه، وكان التوجه بين المشرق والمغرب. الثالث: الصورة بحالها وكان صلاته إلى المشرق والمغرب وتبين بعد خروج الوقت. الرابع: المتحير الفاقد للامارات يصلي إلى أربع جهات تصح صلاته. الخامس: صحة صلاة شدة الخوف حيث توجه المصلي. السادس: صحة صلاة الماشي ضرورة عند ضيق الوقت متوجها إلى غير القبلة. السابع: صحة صلاة مريض لا يمكنه التوجه بنفسه ولم يوجد غيره عنده يوجهه. وأما الاحتجاج بها على صحة النافلة حضرا ففيه نظر لمخالفة فعل النبي صلى الله عليه وآله فانه لم ينقل عنه فعل ذلك، ولا أمره ولا تقريره، فيكون إدخالا في الشرع ما ليس فيه، نعم يحتج بها على موضع الاجماع وهو حال السفر والحرب، ويكون ذلك مخصصا لعموم " حيث ما كنتم " بما عدا ذلك وهو المطلوب انتهى (1). وأقول: الآية بعمومها وإطلاقها تدل على جواز الصلاة على غير القبلة مطلقا، وصحة ما وقع منها لغيرها مطلقا ونسخها غير معلوم (2) فما خرج منها بدليل من إجماع

 

(1) كنز العرفان: ج 1 ص 91 ط المكتبة المرتضوية بتحقيق منا. (2) قد عرفت أنه لا دلالة فيها حتى يؤخذ باطلاقها، أو يقال بعدم نسخها ويشهد على ذلك نزول قوله تعالى " قل لله المشرق والمغرب " بعد تحويل القبلة أيضا في آية اخرى كما عرفت. على ان قوله تعالى " لله المشرق والمغرب " معناه مابين المشرق والمغرب من البلاد كلها ويتحد معناه مع قوله " فأينما تولوا فثم وجه الله " ولو كان معناه مابين المشرق والمغرب من

 

[33]

أو غيره فهو خارج به، وغير ذلك داخل فيها وأما آية القبلة الآتية فهي معارضه لهذه الآية في أكثر الاحكام وهذه مؤيدة بأصل البراءة فما لم ينضم إليه شئ آخر من إجماع أو نص فالعمل بهذه الآية فيه أقوى. ففي المسائل الخلافية التي لم يرد فيها نص أو ورد من الجانبين، ولم يكن جانب البطلان أقوى يمكن الاستدلال بتلك الآية فيها ففي الرابع تدل على جواز الصلاة إلى أي جهة شاء ولا يجب القضاء مع تبين الخطاء وإن كان مستدبرا، وقيد ضيق الوقت في السادس غير محتاج إليه، وأما صحة النافلة حضرا إذا كان ماشيا أو راكبا فهي داخلة في الآية، ومؤيدة بالنصوص والتقييد بموضع الاجماع يقلل جدوى الآية بل ينفيها مع أنه - ره - قد استدل بها على موضع الخلاف أيضا، هذا بالنظر إلى الآية، مع قطع النظر عن الاخبار، وستطلع على ما تدل عليه الاخبار من اختصاص هذه الآية بالنافلة وآيات التولية بالفريضة، ونزول هذه الآية في قبلة المتحير أو الخاطي في الاجتهاد. وفي الكشاف وقيل: معناه فأينما تولوا للدعاء والذكر، ولم يرد الصلاة، وفي المعالم: قال مجاهد والحسن: لما نزلت " وقال ربكم ادعوني أستجب لكم "، قالوا

 

من الجهات أيضا لدخل في مفهومه جهة الجنوب والشمال على السواء وشمل كل الجهات واما الحكم بأن صلاة المعذور إذا وقع مابين المشرق والمغرب فهى ماضية، فانما هو لاجل أن القبلة - بيت الله الحرام - بعد ما كانت مفروضة، تبطل الصلاة باستدبارها عمدا وسهوا وجهلا ونسيانا كساير الاركان كما قال عليه السلام: " لا تعاد الصلاة الا من خمس: الوقت والطهور والقبلة والركوع والسجود " وأما إذا لم يستدبرها ولم ينحرف عنها عمدا ووقع الصلاة إلى يمينها وشمالها صحت صلاته. وأما قوله عليه السلام بأن مابين المشرق والمغرب قبلة المتحير، فالمراد حكم المتحير في المدينة (لانها موضع نشر الحكم) حيث ان قبلة المدينة إلى جهة الشمال ويمين المصلى إلى جهة الشرق، ويساره إلى جهة الغرب. وأما في الامكنة والبلاد التى تقع في شرق مكة أو غربها كبلاد مصر وباكستان مثلا يكون قبلة المتحير مابين الجنوب والشمال بالمعنى الذى عرفت.

 

[34]

أين ندعوه ؟ فأنزل الله الآية، وقال أبو العالية: لما صرفت القبلة قالت اليهود: ليس لهم قبلة معلومة، فتارة يصلون هكذا، وتارة هكذا فنزلت. وقال البيضاوي: وقيل هذه الآية توطئة لنسخ القبلة وتنزيه للمعبود أن يكون في حيز وجهة، وعلى هذه الاقوال ليست بمنسوخة، وقيل كان للمسلمين التوجه في صلاتهم حيث شاؤا ثم نسخت بقوله " فول " وهذا غير ثابت، بل الاخبار تدل على خلافه، ثم إنها على بعض التفاسير تدل على إباحة الصلاة في أي مكان كان. " إن الله واسع " علما وقدرة ورحمة وتوسعة على عباده " عليم " بمصالح الكل وما يصدر عن الكل في كل مكان وجهة. " سيقول السفهاء " الخفاف الاحلام من الناس، قيل هم اليهود لكراهتهم التوجه إلى الكعبة، وأنهم لا يرون النسخ، وقيل المنافقون لحرصهم على الطعن والاستهزاء وقيل المشركون قالوا: رغب عن قبلة آبائه ثم رجع إليها وليرجعن إلى دينهم، و قيل: يريد المنكرين لتغيير القبلة من هؤلاء جميعا " ماوليهم " حرفهم " عن قبلتهم التي كانوا عليها " يعني بيت المقدس والقبلة كالجلسة في الاصل الحال التي عليها الانسان من الاستقبال ثم صارت لما يستقبله في الصلاة ونحوها. وفائدة الاخبار به قبل وقوعه أن مفاجأة المكروه أشد، والعلم به قبل وقوعه أبعد من الاضطراب إذا وقع، لما يتقدمه من توطين النفس، وأن يستعد للجواب فان الجواب العتيد قبل الحاجة إليه أقطع للخصم بل ربما كان علم الخصم بمعرفة ذلك منهم واستعدادهم للجواب رافعا لاهتمامه، على أنه سبحانه ضمن هذا الاخبار من حقارة الخصوم وسخافة عقولهم وكلامهم ما فيه تسلية عظيمة، وعلم الجواب المناسب، وقارنه بألطاف عظيمة، وفي كل ذلك تأييد وتعظيم له وللمسلمين وحفظ لهم عن الاضطراب وملاقاة المكروه. " قل لله المشرق والمغرب " له الارض والبلاد والعباد، فيفعل فيها ما يشاء و يحكم ما يريد، على مقتضى الحكم، ووفق المصلحة، وعلى العباد الانقياد والاتباع، فبعد أمر الله بذلك لا يتوجه الانكار وطلب العلة والمصلحة، فلا يبعد أن يكون المقول في الجواب هذا المقدار لا غير، كما هو المناسب لترك تطويل الكلام مع السفهاء، و


 

[35]

عدم الاشتغال ببيان خصوص مصلحة، فما بعد هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله تسلية له عن عدم إيمانهم وامتنانا عليه وعلى المؤمنين بهدايتهم لدين الاسلام، أو لما هو مقتضى الحكمة والمصلحة، ويجوز دخوله في الجواب توبيخا لهم، وتبكيتا على عدم هدايتهم لذلك مع ما تقدم، كذا قيل. ويحتمل أن يكون المراد أن المشرق والمغرب وما فيهما مخلوقه تعالى و معلوله، ولا اختصاص له بشئ منها حتى يتعين التوجه إليه، فكلما علم المصلحة من التوجه إلى جهة لقوم يأمرهم بذلك " يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " وهو ما تقتضيه الحكمة والمصلحة من توجيههم تارة إلى بيت المقدس والاخرى إلى الكعبة. " وكذلك جعلناكم امة وسطا " أي عدلا أو أشرف الامم، فلذا هديناكم إلى أشرف قبلة وأفضلها " لتكونوا شهداء على الناس " يوم القيامة وقد مر تفسير الآية في كتاب الامامة (1) وأن الخطاب إلى الائمة، وأن في قرائتهم عليهم السلام " أئمة وسطا ". " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " قيل: الموصول ليس صفة للقبلة، بل ثاني مفعولي جعل، أي وما جعلنا القبلة بيت المقدس إلا لامتحان الناس، كأنه أراد أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة، واستقبالك بيت المقدس كان عارضا لغرض. وقيل: يريد وما جعلنا القبلة الآن التي كنت عليها بمكة أي الكعبة وما رددناك إليها إلا امتحانا، لان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلي بمكة إلى الكعبة (2)

 

(1) راجع ج 23 ص 334 من هذه الطبعة الحديثة. (2) قال الشعرانى مد ظله في بعض حواشيه على الوافى: ان بيت المقدس في جانب الشمال لمن هو بمكة، ومستقبله مستقبل للشمال، فان كان المصلى في الناحية الجنوبية من مكة - شرفها الله - واستقبل الشمال أمكن أن تكون الكعبة وبيت المقدس كلاهما قبلة له، ويكون مستقبلا لهما معا، وأما ان كان المصلى في النواحى الاخر من تلك البلدة الشريفة لم يمكن استقبالهما معا. قال في الروض الانف: وفي الحديث دليل على أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلى بمكة إلى بيت المقدس، وهو قول ابن عباس، وقالت طائفة: ما صلى إلى بيت المقدس الا

 

[36]

ثم امر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة تأليفا لليهود، ثم حول إلى الكعبة، وقيل: بل كانت قبلته بمكة بيت المقدس إلا أنه كان يجعل الكعبة بينه وبينه، كما روي عن ابن عباس، وسيأتي من تفسير الامام عليه السلام، فيمكن أن يراد ذلك أيضا باعتبار جعله الكعبة بينه وبين بيت المقدس، فكأنها كانت قبلة له في الجملة. وقيل: القبلة التي كنت مقبلا وحريصا عليها ومديما على حبها أن تجعل قبلة

 

إذا قدم المدينة سبعة عشر شهرا أو ستة عشر شهرا فعلى هذا يكون في القبلة نسخان: نسخ سنة بسنة ونسخ سنة بقرآن وقد بين حديث ابن عباس منشأ الخلاف في هذه المسألة، فروى عنه من طرق صحاح أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا صلى بمكة استقبل البيت المقدس فلما كان عليه السلام يتحرى القبلتين جميعا لم يبن توجهه إلى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة، والله اعلم انتهى. وهذا مستبعد جدا بل محال عادة لان المسلمين كانوا محصورين ثلاث سنين في شعب أبي طالب وكانوا يصلون، وليس هذا الشعب في الناحية الجنوبية من مكة، وكان صلى الله عليه وآله يصلى في دار خديجة عليها السلام شرقي مكة ولا يمكن فيها استقبال الكعبة وبيت المقدس معا، الا أن يلتزم أحد بأن المسلمين لم يصلوا في مكة منذ ثلاث عشرة سنة الا في الجانب الجنوبى من المسجد الحرام وأيضا فانه صلى الله عليه وآله سافر إلى الطائف وصلى في سفره قطعا، والطائف شرقي مكة ولا يمكن فيه استقبال مكة وبيت المقدس جميعا، وهاجر المسلمون إلى حبشة وبقوا هناك سنين قبل الهجرة إلى المدينة المنورة ولا يمكن من الحبشة استقبال القبلتين، الا أن يلتزم بأنهم لم يصلوا، أو كان تكليفهم غير تكليف نبيهم صلى الله عليه وآله. والعجب من صاحب الروض الانف مع كمال دقته وتفطنه لجوانب الامور وأطرافها كما يعلم من تتبع كتابه كيف اختار هذا القول، وبالجملة فالالتزام بوجود نسخين في القبلة أهون. وان لم يمكن أو استبعد ذلك، فينبغي أن يقال: ان الكعبة كانت بيت المقدس، الا أن النبي صلى الله عليه وآله لم يجعل الكعبة خلف ظهره قط، بل كان يقف إلى بيت المقدس اما بحذائه إذا امكنه، والا فبحيث يكون الكعبة إلى أحد جوانبه، وهذا تشريف منه للكعبة الشريفة و أدب لم يكن واجبا على سائر المسلمين والله العالم.

 

[37]

وربما يضمن الجعل معنى التحويل، أو يحذف المفعول الثاني أي منسوخة أو يحذف مضاف، أي تحويل القبلة، ولا يخفى ضعف الجميع. ويحتمل أن يكون المعنى: وما شرعنا وقررنا القبلة التي كنت عليها قبل ذلك أو يكون المفعول الثاني محذوفا أي مقررة أو مفروضة، والموصول على الوجهين صفة للقبلة. " إلا لنعلم " إلا امتحانا للناس، لنعلم من يثبت على الدين مميزا ممن يرتد وينكص على عقبيه، فعلى الوجه الاول وبعض الوجوه الاخيرة، يمكن أن يراد لنعلم ذلك عند كونها قبلة، أو الآن عند الصرف إلى الكعبة ذلك أو الاعم، ولعله أولى. وقيل في تأويل ما توهمه الآية من توقف علمه سبحانه على وجود المعلوم وجوده: الاول أن المراد به وبأمثاله العلم الذي يتعلق به الجزاء أي العلم به موجودا حاصلا. والثاني أن المراد به التمييز، فوضع العلم موضع التميز لان العلم يقع به التميز، وهو الذي يقتضيه قوله " ممن ينقلب " كما أومأنا إليه كما قال تعالى " حتى ليميز الله الخبيث من الطيب " ويشهد له قراءة " ليعلم " على بناء المجهول. والثالث أن المراد به علم الرسول والمؤمنين مع علمه، فعلمه وإن كان أزليا لكن لاريب في جواز عدم حصول علم الجميع إلا بعد الجعل كما هو الواقع. الرابع أن المراد علم الرسول صلى الله عليه وآله والمؤمنين وإنما أسند علمهم إلى ذاته لانهم خواصه وأهل الزلفى لديه. والخامس: أن المقصود بالذات علم غيره من الرسول صلى الله عليه وآله والمؤمنين والملائكة لكنه ضمهم إلى نفسه وعلمهم إلى علمه، إشارة إلى أنهم من خواصه، وهذا قريب مما تقدمه. والسادس أنه على التمثيل، أي فعلنا ذلك فعل من يريد أن يعلم. " وإن كانت " " إن " هي المخففة التي يلزمها اللام الفارقة بينها وبين النافية والضمير لما دل عليه قوله: " وما جعلنا القبلة " من الردة والتحويلة والجعلة


 

[38]

وقيل للكعبة " لكبيرة " اي ثقيلة شاقة " إلا على الذين هدى الله " أي هداهم الله للثبات والبقاء على دينه، والصدق في اتباع الرسول صلى الله عليه وآله. " وما كان الله ليضيع " اللام لام الجحود لتأكيد النفى، ينتصب الفعل بعدها بتقدير أن، والخطاب للمؤمنين تأييدا لهم وترغيبا في الثبات " إيمانكم " قيل أي ثباتكم على الايمان ورسوخكم فيه، وقيل إيمانكم بالقبلة المنسوخة، أو صلاتكم إليها كما سيأتي في الرواية، وعن ابن عباس لما حولت القبلة قال ناس كيف أعمالنا التي كنا نعمل في قبلتنا الاولى، وكيف بمن مات من إخواننا قبل ذلك ؟ فنزلت " إن الله بالناس لرؤف رحيم " فلا يضيع أجورهم (1).

 

(1) بل الاية جواب عن مزعمة اليهود واحتجاجهم الذى سيوردونها على المسلمين بعد الاعراض عن قبلتهم إلى المسجد الحرام، واحتجاجهم هو أنه لو كانت قبلتهم هذه التى استقبلوها في صلواتهم حقا وهى التى ولاهم الله اياها وجعلها وجهة خاصة بهم يمتاز بها ملتهم عن سائر الملل، فصلواتهم التى صلوها طيلة عشر سنوات بل وأكثر إلى قبلتنا باطلة، وان كانت قبلتهم الاولى حقا وصلواتهم التى صلوا إليها صحيحة فصلواتهم هذه التى يصلونها باطلة، وان قال المسلمون ان صلواتنا كلها صحيحة والقبلتان كل واحدة منهما حق في ظرفه وأوانه لزم هذا النسخ المستحيل على الله لكونه بداء. فأشار الله عزوجل إلى رد مزعمتهم من استحالة النسخ بقوله " وما جعلنا القبلة التى كنت عليها الا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وان كانت لكبيرة الا على الذين هدى الله " أي أنها كبيرة يشق احتمالها وهضمها والتصديق بأن كلتا القبلتين حكم مرضى لله عزوجل بعد ما سول لهم الشيطان بأن ذلك من البداء المستحيل، الا على الذين هداهم الله إلى حقائق الايمان فاعترفوا بالنسخ والبداء تسليما واخلاصا لله وحسن بلائه. ثم خاطب المؤمنين تسلية لهم وقال: " وما كان الله ليضيع ايمانكم " فانكم آمنتم بالقبلة الاولى، ثم لما وجهتكم عنها إلى غيرها قبلتم وآمنتم وصدقتم، فصلواتكم كلها إلى القبلتين مقبولة غير ضايعة عند ربكم لانها كانت عن ايمان. فالايمان في الاية بمعناه الاصلى، لكنها لما كان متعلقا بأمر القبلة في صلواتهم تأوله المفسرون بالصلاة، فافهم ذلك.

 

[39]

" قد نرى تقلب وجهك في السماء " قيل أي تردد وجهك في جهة السماء تطلعا للوحي، روي أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى مدة مقامه بمكة إلى بيت المقدس ثلاث عشر سنة، وبعد مهاجرته إلى المدينة سبعة أشهر، على ما رواه علي بن إبراهيم (1) وذكره جماعة، وقال الصدوق - رحمه الله - تسعة عشر شهرا كما سيأتي والمشهور بين العامة ست عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا، فقالت اليهود تعييرا إن محمدا تابع لنا يصلي إلى قبلتنا، فاغتم لذلك رسول الله وأنه كان قد استشعر أنه سيحول إلى الكعبة، أو كان وعد ذلك كما قيل، أو كان يحبه ويترقبه، لانها أقدم القبلتين، وقبلة أبيه إبراهيم، وأدعى للعرب إلى الاسلام، لانها مفخرهم ومزارهم ومطافهم، فاشتد شوقه إلى ذلك مخالفة على اليهود، وتمييزا منهم، وخرج في جوف الليل ينظر إلى آفاق السماء منتظرا في ذلك من الله أمرا. وروي أنه صلى الله عليه وآله قال لجبرئيل عليه السلام: وددت أن يحولني الله إلى الكعبة، فقال جبرئيل عليه السلام إنما أنا عبد مثلك، وأنت كريم على ربك فاسئل فانك عند الله بمكان، فعرج جبرئيل، وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله يديم النظر إلى السماء رجاء أن ينزل جبرئيل بما يحب من أمر القبلة، فلما أصبح وحضر وقت الصلاة الظهر، وقد صلى منها ركعتين نزل جبرئيل فأخذ بعضديه وحوله إلى الكعبة وأنزل عليه " قد نرى " الآية فصلى الركعتين الاخيرتين إلى الكعبة (2).

 

(1) تفسير القمى: 54. (2) قال الشعراني مد ظله ذيل كلامه السابق: اختلف في من صلى صلاة واحدة إلى القبلتين، ففى بعض الاخبار: كان هو النبي صلى الله عليه وآله في جماعة، وفي بعضها أنهم قوم آخرون بلغهم تغيير القبلة فانصرفوا في صلاتهم، وكذلك هذا الاختلاف في أحاديث أهل السنة أيضا وفيها أنهم حين تحولوا إلى الكعبة قام الرجال مقام النساء والنساء مقام الرجال، ومعنى هذا أن الرجال كانوا قبلة للنساء فصار بالعكس، لان بيت المقدس إلى شمال المدينة ومكة جهة الجنوب، ولا يدل على أن الرجال مشوا في صلاتهم. وقال بعضهم: دل الحديث على أن المشى الضروري لا يبطل الصلاة وفيه ايماء إلى أن تقدم النساء على الرجال ومحاذاتهم لمن في الصلاة مخل بالصلاة وعلى ما ذكرنا، فلا

 

[40]

وقيل " قد " هنا على أصله من التوقع والتحقيق، من غير اعتبار تقليل، ولا تكثير وقيل هنا للتكثير، وقيل: للتقليل لقلة وقوع المرئى من تقلب وجهه عليه السلام والرؤية منه تعالى علمه سبحانه بالمرئى وليس بآلة كما في حقنا. " فلنولينك قبلة " فلنعطينك ولنمكننك من استقبالها، من قولك وليته كذا إذا جعلته واليا له، أو فليجعلنك تلي سمتها " ترضيها " تحبها وتميل إليها لاغراضك الصحيحة، فلا يستلزم ذلك سخط بيت المقدس، ولا سخط التوجه إليه. والشطر النحو والجهة، والمراد بالمسجد الحرام (1) إما الكعبة كما هو المشهور.

 

يدل على شئ من ذلك، بل يدل على رجحان تقدم الرجال على النساء، فلما تحولوا بقى الرجال في مكانهم والنساء في مكانهن متقدمات على الرجال بعد أن كن متأخرات ولم يبطل صلاتهم بذلك التقدم الحادث أثناء الصلاة، ثم لا نعلم أن ذلك كان في جماعة رسول الله صلى الله عليه وآله لاختلاف الاخبار في ذلك. (1) المراد بالمسجد الحرام كل الحرم، فان الارض انما يكون مسجدا باتخاذه مسجدا وتأسيسه كذلك، كما قال عزوجل " لنتخذن عليهم مسجدا " الكهف: 21، وقوله تعالى " والذين اتخذوا مسجدا " براءة: 107، وقوله تعالى: " لمسجد اسس على التقوى من أول يوم " براءة: 108، ولما اتخذ ابراهيم خليل الله تمام الحرم مسجدا، ولم يمكنه تأسيس المسجد وبناء الحيطان لها واسعا، أمره الله عزوجل أن يرفع قواعد البيت علامة فلمع من جوانبها الاربع شعاع نور أضاء به كل الحرم ولذلك جعل النبي صلى الله عليه وآله للحرم أعلاما يعرف به جوانبها الاربع حذاء قواعد البيت، ولم يجعل لفضاء المسجد الذي كان يطوف الناس فيها ويصلون حصارا، لعدم حصر المسجد في تلك الافناء. وأول من أحاط المسجد الحرام بالحائط وجعله محصورا عمر بن الخطاب جهالة منه ومن مشاوريه أن ساكنى الحرم ضيف للمسجد اعتكفوا فيه. بمضاربهم أولا ثم بأبنيتهم ثانيا ليتولوا حجابة البيت وسقايته ورفادته تبعا لقصى بن كلاب ولذلك جوز الامام أبو جعفر الباقر عليه السلام تخريب بنيانهم حول الكعبة توسعة للمسجد، ولذلك لم يجز لاهل مكة أن يجعلوا لابواب دورهم مصراعا يمنع الدخول إلى فضاء بيتهم غير المسقف، وأمر أمير المؤمنين

 

[41]

تسمية للجزء الاشرف باسم الكل أو لان البيت بنفسه مسجد أيضا ومحترم كما يقال: البيت الحرام. أو الحرم تسمية للكل باسم أشرف الاجزاء، إشعارا بالتعظيم أو لمشاركته مع المسجد في وجوب الاحترام كما قيل في قوله سبحانه " سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام " وكما روي عن ابن عباس في قوله تعالى: " فلا يقربوا المسجد الحرام " (1) أن المراد به الحرم بحمل الاية على البعيد الخارج عن الحرم بناء على كون الحرم قبلة لهم كما سيأتي تحقيقه في شرح الاخبار وأما جعله بمعناه الشرعي بتخصيص الاية بأهل الحرم بناء على كونه قبلة لهم، فعلى تقدير تسليم مبناه تقليل فايدة الاية يضعفه بل ينفيه. " وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " خص الرسول بالخطاب أولا تعظيما له، وإيجابا لرغبته، ثم عمم تصريحا بعموم الحكم جميع الامة، وساير الامكنة، وتأكيدا لامر القبلة، وتحضيضا للامة على المتابعة، وقيل لاريب في اتحاد المراد بالشطر في الخطابين، وأن الظاهر العموم، وشمول القريب والبعيد، وأنه يصدق على المشاهد للعين المتوجه إليها أنه مول وجهه شطرها، فلا يكون معنى الشطر ما يخص البعيد بل يشمل القريب أيضا، وعن ابن عباس أنه أول نسخ وقع في القرآن. " وإن الذين اوتوا الكتاب " قيل هم اليهود أو الاعم منهم والنصارى " ليعلمون أنه " تحويل القبلة " الحق من ربهم " قيل لعلمهم جملة أن كل شريعة لابد لها من قبلة، وتفصيلا لتضمن كتبهم أنه يصلي إلى القبلتين لكنهم لا يعترفون لشدة عنادهم

 

عليه السلام أن لا يأخذ أهل مكة من ساكن أجرا لقوله تعالى " والمسجد الحرام الذى جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد " الحج: 25. كل ذلك منصوص في الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام بمعاضدة من ظواهر الايات الكريمة ونصوصها على ما سيجئ بيانها ذيل الروايات المستخرجة في هذا الباب انشاء الله تعالى. (1) براءة: 28.

 

[42]

" وما الله بغافل عما تعملون " باليا وعيد لاهل الكتاب، وبالتاء وعد لهذه الامة، أو وعد ووعيد مطلقا. " بكل آية " أي بكل برهان وحجة " ما تبعوا قبلتك " لان المعاندين لا تنفعهم الدلالة " وما أنت بتابع قبلتهم " قطع لاطماعهم " وما بعضهم بتابع قبلة بعض " لتصلب كل حزب فيما هو فيه " ولئن اتبعت أهوائهم من بعد ما جائك من العلم " على الفرض المحال، أو المراد به غيره من أمته، من قبيل: " إياك أعني واسمعي يا جاره ". " إنك إذا لمن الظالمين " أكد تهديده (1) وبالغ فيه تعظيما للحق وتحريصا على اقتفائه وتحذيرا عن متابعة الهوى، واستعظاما لصدور الذنب عن الانبياء. " ولكل وجهة " أي ولكل أمة قبلة وملة وشرعة ومنهاج، أو لكل قوم من المسلمين جهة وجانب من الكعبة يتوجهون إليها " هو موليها " الله موليها إياهم أو هو موليها وجهه " فاستبقوا الخيرات " من أمر القبلة وغيره مما تنال به سعادة الدارين وفي الكافي عن الباقر عليه السلام الخيرات الولاية. " أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا " قيل أي في أي موضع تكونوا من موافق ومخالف مجتمع الاجزاء أو مفترقها، يحشركم الله إلى المحشر للجزاء، أو أينما تكونوا من أعماق الارض وقلل الجبال يقبض أرواحكم، أو أينما تكونوا من الجهات المتقابلة يأت بكم الله جميعا، ويجعل صلواتكم كأنها إلى جهة واحدة، وفي بعض أخبارنا

 

(1) في هامش نسخة الاصل ماهذا نصه: " التأكيد من وجوه: تصدير الكلام بالقسم المضمر أولا، وتصدير الجملة بأن التى تفيد التأكيد والتحقيق، والتركيب من الجملة الاسمية، والادخال في جملة الظالمين دون قوله: فانك ظالم، واللام في قوله: " لمن الظالمين " واسناد اتباع الباطل بعد حصول العلم بعدم الجواز ونسبة الاتباع إلى الاهواء وغير ذلك منه، كذا بخطه رحمه الله وطيب مثواه، ولكن في طبعة الكمبانى خلط الحاشية مع المتن راجع كتاب الصلاة ص 146.

 

[43]

أن لو قام قائمنا لجمع الله جميع شيعتنا من جميع البلدان، وفي بعضها لقد نزلت هذه الآية في أصحاب القائم وأنهم مفتقدون عن فرشهم ليلا فيصبحون بمكة، وبعضهم يسير في السحاب نهارا نعرف اسمه واسم أبيه وحليته ونسبه. " إن الله على كل شئ قدير " فيقدر على الاماتة والاحياء والجمع. " ومن حيث خرجت " للسفر في البلاد (1) " فول وجهك شطر المسجد الحرام " إذا صليت " وإنه للحق من ربك " أي وإن التوجه إلى الكعبة للحق الثابت المأمور به من ربك. " ومن حيث خرجت " قيل كرر هذا الحكم لتكرر علله، فانه تعالى ذكر للتحويل ثلاث علل: تعظيم الرسول بابتغاء مرضاته، وجري العادة الالهية على أن يولي كل أهل ملة وصاحب دعوة وجهة يستقبلها ويتميز بها، ودفع حجج المخالفين وقرن بكل علة معلولها كما يقرن المدلول بكل واحد من دلائله، تقريبا وتقريرا مع أن القبلة لها شأن، والنسخ من مظان الفتنة والشبهة، فبالحري أن يؤكد أمرها ويعاد ذكرها مرة بعد اخرى. " لئلا يكون للناس عليكم حجة " علة لقوله " فولوا (2) والمعنى أن التولية

 

(1) بل الظاهر من الخروج، الخروج من المسجد الحرام، والمعنى ومن حيث خرجت من المسجد الحرام فول وجهك شطر المسجد الحرام، وأما في المسجد الحرام فالامر أوضح من أن نذكره، فانه أشرف موضع منه وهو قواعد البيت. (2) قد عرفت ذيل قوله تعالى " لله المشرق والمغرب " أن الاية كانت ردا على السفهاء من الناس الذين كانوا يحتجون على المسلمين بأنهم مستقبلون قبلة اليهود وتابعون لملتهم في أخص شعائرهم، وليس لهم ملة خاصة، فان لكل ملة وجهة هو موليها. فرد الله عليهم بما عرفت، ثم أراد حسم مادة الاحتجاج رأسا فغير قبلة المسلمين حتى يكون لهم وجهة اخرى غير وجهتهم ويثبت كونهم ملة مستقلة غير تابع لملة اليهود، ورد عليهم أيضا احتجاجهم الذى لم يأتوا به بعد، بقوله: " لئلا يكون للناس عليكم حجة الا الذين ظلموا منهم " أي ان هؤلاء السفهاء بصدد الظلم وكتمان الحق والصد عن سبيل الله

 

[44]

عن بيت المقدس إلى الكعبة، تدفع احتجاج اليهود بأن المنعوت في التوراة قبلة الكعبة، وأن محمدا يجحد ديننا ويتبعنا في قبلتنا، واحتجاج المشركين بأنه يدعي ملة إبراهيم، ويخالف قبلته. " إلا الذين ظلموا منهم " قيل أي إلا الحجة الداحضة من المعاندين بأن قالوا ما تحول إلى الكعبة إلا ميلا إلى دين قومه، وحبا لبلده، فرجع إلى قبلة آبائه، ويوشك أن يرجع إلى دينهم، وقال علي بن إبراهيم: إلا هيهنا بمعنى (1) لا وليست استثناء يعني " ولا الذين ظلموا منهم " وقيل الاستثناء للمبالغة في نفي الحجة رأسا كقول الشاعر: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتاب للعلم بأن الظالم لا حجة له " فلا تخشوهم " أي فلا تخافوهم، فان مطاعنهم لا تضركم " واخشوني " فلا تخالفوني ما أمرتكم به. " ولاتم نعمتي عليكم " علة للمحذوف أي وأمرتكم لاتمامي النعمة عليكم (وإرادتي اهتداءكم، أو معطوف على علة مقدرة مثل واخشوني لاحفظكم عنهم و

 

وذلك لا تنقطع احتجاجاتهم بعد تحويل القبلة وسيقولون كيت وكيت " فلا تخشوهم " بعد ذلك في أراجيفهم، فان حجتهم داحضة لا تقع موقع القبول، خصوصا وقد أخبرنا بذلك قبلا، وهذه آية أخرى لكم في اثبات حقيتكم وأن تحويل القبلة كانت من عند الله العزيز الحكيم عالم الغيب والشهادة. فقد لهجوا بذلك - طبقا لوعد القرآن الكريم - بعد تحويل قبلة المسلمين بأنه " ان كانت قبلتهم الاولى حقا فصلواتهم هذه التى يصلونها إلى المسجد الحرام باطلة، وان كانت قبلتهم هذه حقا فصلواتهم إلى القبلة الاولى طيلة عشر سنوات وأكثر باطلة. ولكن الله عزوجل قد كان أجاب عن شبهتهم ذلك بأن " قل لله المشرق والمغرب " وسلى خاطر المسلمين بقوله: " وما كان ليضيع ايمانكم ان الله بالناس لرؤف رحيم ". على ما عرفت شرحه في ص 38. (1) تفسير القمي: 54.

 

[45]

لاتم نعمتي عليكم) أو على " لئلا يكون ". " ليس البر أن تولوا وجوهكم " (1) البر كل فعل مرضي، قيل الخطاب لاهل الكتاب، فانهم أكثروا الخوض في أمر القبلة، حين حولت، وادعى كل طائفة أن البر هو التوجه إلى قبلته، فرد الله عليهم، وقال: ليس البر ما أنتم عليه فانه منسوخ، ولكن البر ما نبينه واتبعه المؤمنون، وقيل عام لهم وللمسلمين أي ليس البر (مقصورا بأمر القبلة أو ليس البر) العظيم الذين يحسن أن تذهلوا بشأنه عن غيره أمرها. وفي تفسير الامام عليه السلام (2) قال علي بن الحسين عليه السلام: ان رسول الله صلى الله عليه وآله لما فضل عليا عليه السلام وأخبر عن جلالته عند ربه عزوجل، وأبان عن فضيلة شيعته وأنصار دعوته، ووبخ اليهود والنصارى على كفرهم وكتمانهم، لذكر محمد وعلي وآلهما في كتبهم بفضائلهم ومحاسنهم، فخرت اليهود والنصارى عليهم فقالت اليهود قد صلينا إلى قبلتنا هذه الصلاة الكثيرة، وفينا من يحيي الليل صلاة إليها وهي قبلة موسى التي أمرنا بها، وقالت النصارى قد صلينا إلى قبلتنا هذه الصلاة الكثيرة، وفينا من يحيي الليل صلاة إليها، وهي قبلة عيسى التي أمرنا بها، وقال كل واحد من الفريقين أترى ربنا يبطل أعمالنا هذه الكثيرة وصلواتنا إلى قبلتنا لئلا نتبع محمدا على هواه في نفسه وأخيه ؟. فأنزل الله: قل يا محمد " ليس البر " الطاعة التي تنالون بها الجنان، وتستحقون بها الغفران والرضوان " أن تولوا وجوهكم " بصلاتكم " قبل المشرق " أيها النصارى " و " قبل " المغرب " أيها اليهود (3) وأنتم لامر الله مخالفون، وعلي ولي الله مغتاظون.

 

(1) البقرة: 177. (2) تفسير الامام: 271. (3) أما النصارى، فانما كانوا يصلون إلى المشرق، لما كان صليب عيسى عليه السلام الذى توهموه مصلوبا عليه قد نصب في ناحية المشرق من ذاك البلد، وكانوا رفعوه على الاخشاب قبيل طلوع الشمس، فاتخذت النصارى جهة الصليب وهى المشرق قبلة لهم، وربما

 

[46]

" ولكن البر من آمن بالله " بأنه الواحد الاحد الفرد الصمد، يعظم من يشاء، ويكرم من يشاء، ويهين من يشاء، ويذله، لاراد لامره، ولا معقب لحكمه وآمن " باليوم الآخر " يوم القيامة التي أفضل من بوئ فيها محمد سيد المرسلين، وبعده أخوه ووصيه سيد الوصيين، والتي لا يحضرها من شيعة محمد أحد إلا أضاءت فيها أنواره فسار فيها إلى جنات النعيم، هو وإخوانه وأزواجه وذرياته، والمحسنون إليه، و الدافعون في الدنيا عنه إلى آخر ما مر بطوله. " وأقيموا وجوهكم " (1) قال الطبرسي - رحمه الله - (2) قيل: فيه وجوه أحدها أن معناه توجهوا إلى قبلة كل مسجد في الصلاة على استقامة، وثانيها أن معناه أقيموا وجوهكم إلى الجهة التي أمركم الله بالتوجه إليها في صلاتكم وهي الكعبة والمراد بالمسجد أوقات السجود وهي أوقات الصلاة، وثالثها أن المراد إذا أدركتم الصلاة في مسجد فصلوا ولا تقولوا حتى أرجع إلى مسجدي، والمراد بالمسجد موضع السجود ورابعها أن معناه اقصدوا المسجد في وقت كل صلاة أمرا بالجماعة لها ندبا عند الاكثرين وحتما عند الاقلين، وخامسها أن معناه أخلصوا وجوهكم لله في الطاعات ولا تشركوا به وثنا ولا غيره.

 

صوروا تمثال المسيح وجعلوه على صليب وعلقوه في الكنيسة وصلوا إليه، من دون رعاية المشرق والمغرب. وأما اليهود فكانوا يستقبلون أرض القدس: البيت المقدس ففي المدينة كانوا يتجهون المغرب مائلا إلى سمت الجنوب بدرجات، وأما في البلدان المغربية كبلاد مصر وما والاها يلزمهم أن يتجهوا إلى المشرق كما هو ظاهر، فعلى هذا تعريض الاية ان كان إلى اليهود و النصارى وأن قبلتهم المشرق والمغرب لا ينفعهم، فانما هم يهود المدينة ونصاراها، لا كل البلاد. (1) الاعراف: 29. (2) مجمع البيان ج 4 ص 411.

 

[47]

وفي التهذيب (1) عن الصادق عليه السلام هذه في القبلة وعنه عليه السلام مساجد محدثة فامروا أن يقيموا وجوههم شطر المسجد الحرام كما سيأتي برواية العياشي (2). " وأن أقم وجهك للدين " (3) قال الطبرسي (4) أي استقم في الدين باقبالك على ما امرت به من القيام بأعباء الرسالة وتحمل أمر الشريعة بوجهك، وقيل: معناه أقم وجهك في الصلاة بالتوجه نحو الكعبة " حنيفا " أي مستقيما في الدين. 1 - تفسير علي بن ابراهيم: " ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله " قال العالم عليه السلام فانها نزلت في صلاة النافلة، فصلها حيث توجهت إذا كنت في سفر، و أما الفرائض فقوله: " وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " يعني الفرائض لا يصليها إلا إلى القبلة (5).

 

(1) التهذيب ج 1 ص 145. (2) تفسير العياشي ج 2 ص 12. (3) يونس: 105. (4) المجمع ج 5 ص 139. (5) تفسير القمي: 50، ووجه الحديث ما عرفت سابقا أن قوله تعالى " لله المشرق والمغرب " وقد نزل تارة قبل تحويل القبلة وتارة بعده، انما ينظر إلى ادعاء اليهود في كون قبلتهم قبلة في حد ذاته لا يجوز التخلف عنها، ويرد عليهم بأن: لولا أمر الشارع بتولية الوجوه إلى قبلة خاصة، لم يكن اختصاص لبيت المقدس ولا لغيرها في حد ذواتها أن تكون قبلة، بل كانت الصلاة إلى كل جهة اتفق صلاة كاملة ماضية، فان بلاد المشرق والمغرب كلها لله وأينما توجه المصلى فثم وجه الله. فلما ارتفع الامر باستقبال بيت المقدس في الصلوات، وصارت القبلة الاولى منسوخة ولم يتوجه آية تحويل القبلة إلى المسجد الحرام الا إلى الصلوات المفروضة كما هو شأن سائر الفرائض، بقيت صلوات النافلة من دون قبلة مخصوصة (لا بيت المقدس لكونها منسوخة مطلقا لئلا يكون للناس عليهم حجة، ولا قبلة المسجد الحرام لكونها ناظرة إلى الفرائض) على الاقتضاء والحكم الاولى من قوله تعالى " فأينما تولوا فثم وجه الله " الا أن النبي صلى الله عليه وآله لم يعمل بهذا الاقتضاء مطلقا الا في حال الاضطرار من حاجة إلى مشى أو على سفر، وأما

 

[48]

بيان: اعلم أن أكثر الاصحاب نقلوا الاجماع على وجوب الاستقبال في فرائض الصلوات يومية كانت أو غيرها إلا صلاة الخوف، وعند الضرورة، ومع قطع النظر عن الاجماع إثبات ذلك في غير اليومية بالايات والاخبار لا يخلو من عسر، و الفرائض الواردة في الخبر يحتمل التخصيص باليومية، لكن المقابلة بالنافلة يؤيد العموم. وأما النوافل فالمشهور بين الاصحاب اشتراط الاستقبال فيها إذا لم يكن راكبا ولا ماشيا، وكان مستقرا على الارض، وظاهر المحقق والشيخ في الخلاف وبعض المتأخرين جواز فعل النافلة إلى غير القبلة مطلقا، وقالوا باستحباب الاستقبال فيها واستدلوا بالآية الاولى كما عرفت، وقد قال في المعتبر: قد استفاض النقل أنها في النافلة، وفي المنتهى والتذكرة: وقد قال الصادق عليه السلام إنها في النافلة، والتقييد بالسفر في هذا الخبر يعارضه، والمسألة لا تخلو من إشكال، والاحتياط في العبادات أقرب إلى النجاة. وأما جواز النافلة في السفر على الراحلة، فقال في المعتبر إنه اتفاق علمائنا طويلا كان السفر أو قصيرا، وأما الجواز في الحضر فقد نص عليه الشيخ في المبسوط والخلاف، وتبعه جماعة من المتأخرين، ومنعه ابن أبي عقيل، والاظهر جواز التنفل للماشي والراكب سفرا وحضرا مع الضرورة والاختيار، للاخبار المستفيضة الدالة عليه، لكن الافضل الصلاة مع الاستقرار، ولعل الاحوط أن يتنفل الماشي حضرا وإن كان الاظهر فيه أيضا الجواز، لعلة ورود الاخبار فيه، ويستحب الاستقبال بتكبيرة الاحرام، وقطع ابن ادريس بالوجوب ويدفعه إطلاق أكثر الاخبار، ويكفي في الركوع والسجود الايماء وليكن السجود أخفض، ولا يجب في الايماء للسجود وضع الجبهة على ما يصح السجود عليه، ولو ركع الماشي وسجد مع الامكان كان أولى.

 

في حال الاختيار من دون عذر فلم يأخذ بهذا الاقتضاء لكونه مستلزما للرغبة عن القبلة المختارة فعلى المسلمين أن يتأدبوا بأدبه صلى الله عليه وآله لقوله تعالى " لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الاخر ".

 

[49]

2 المعتبر: نقلا من كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن حماد بن عثمان عن الحسين بن المختار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يصلي وهو يمشي تطوعا قال: نعم، قال ابن أبي نصر: وسمعته أنا من الحسين بن المختار (1). 3 - فقه القرآن للراوندي: روي عنهما عليهما السلام أن قوله تعالى: " وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " في الفرض، وقوله " فأينما تولوا فثم وجه الله " قالا هو في النافلة. 4 - العلل: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهزيار، عن الحسن بن سعيد، عن إبراهيم بن أبي البلاد عن أبي غرة قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام: البيت قبلة المسجد والمسجد قبلة مكة، ومكة قبلة الحرم، والحرم قبلة الدنيا (2). ومنه: عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن محمد بن علي الصيرفي عن علي بن حسان، عن عمه عبد الرحمن، عن المفضل بن عمر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التحريف لاصحابنا ذات اليسار عن القبلة، وعن السبب فيه ؟ فقال: إن الحجر الاسود لما انزل به من الجنة، ووضع في موضعه، جعل أنصاب الحرم في

 

(1) المعتبر: 147. (2) علل الشرايع ج 2 ص 8 وتراه في التهذيب ج 1 ص 164 باب القبلة ووجه الحديث: أما الحرم بالنسبة إلى أهل الدنيا فلقوله تعالى " فول وجهك شطر المسجد الحرام " وقد عرفت أن الحرم كله مسجد. وأما الكعبة بالنسبة إلى أهل المسجد فلانها قاعدة المسجد ومقياسها من جوانبها الاربع، وأما قوله عليه السلام " والمسجد قبلة مكة ومكة قبلة الحرم " وفي بعض الاحاديث الاخر: " والبيت قبلة لاهل المسجد والمسجد قبلة لاهل الحرم، والحرم قبلة للناس " كما في التهذيب ج 1 ص 146، أيضا فهو محمول على التقية حيث ان المسجد لم يكن ليمتاز زمن نزول الحكم ومدى حياة الرسول وبعده إلى سنوات بالحصار حتى يصح أن يقال: ان هذا مسجد وما بعده ليس بمسجد، الاعلى فقه العمريين باختصاص مسجد الحرام في المحصور المحاط به بالحائط.

 

[50]

حيث لحقه النور، نور الحجر، فهو عن يمين الكعبة أربعة أميال، وعن يسارها ثمانية أميال كله إثنا عشر ميلا، فإذا انحرف الانسان ذات اليمين خرج عن حد القبلة لعلة (لقلة) خ أنصاب الحرم وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة (1). ومنه: عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي، عن عبد الله بن محمد الحجال، عن بعض رجاله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالى جعل الكعبة قبلة لاهل المسجد، وجعل المسجد قبلة لاهل الحرم، وجعل الحرم قبلة لاهل الدنيا (2). 5 - فقه الرضا: قال: إذا أردت توجه القبله فتياسر مثلي ماتيامن، فان الحرم عن يمين الكعبة أربعة أميال، وعن يساره ثمانية أميال (3).

 

(1) علل الشرايع ج 2 ص 7، ورواه الشيخ في التهذيب ج 1 ص 146 ومبنى الحديث على أن الحرم قبلة من في سائر البلاد، كما هو ظاهر، وأما التياسر فهو حكم خاص بأهل المدينة - مدينة بيان الاحكام مدينة العترة الطاهرة - وذلك لان قبلة المدينة إلى جهة الجنوب، ويقع الركن الشرقي وفيه الحجر الاسود إلى يسار المصلين، والحرم من جهة هذا الركن أطول من الجهة التي تقابلها وهى الركن الشامي، فعلى هذا يكون حكم التياسر خاصا بمن هو قاطن في شمال مكة كالمدينة وما والاها والتيامن بمن كان في جنوب مكة كاليمن ومخاليفها، وأما من كان في شرق الارض وغربها، فلا تياسر له ولا تيامن، فقول الشيخ بان ذلك يختص بأهل العراق والمشرق قاطبة، سهو ظاهر. (2) علل الشرايع ج 2 ص 101. (2) فقه الرضا: 6 س 24، وفي هامش نسخة الاصل ههنا بخطه قدس سره مانصه: " لعل المعنى أن الجهة وسيعة لكن وسعة الجهة من جانب اليسار أكثر منها في جانب اليمين. ثم اعلم أن اليمين الواقع في أخبار الحج وغيرها مبنى على جعل الكعبة بمنزلة الرجل المواجه لمن استقبل باب البيت، فان بابها بمنزلة وجهها، فيمينها من جانب الحجر والركن اليماني

 

[51]

6 - النهاية للشيخ: قال: من توجه إلى القبله من أهل العراق والمشرق قاطبة، فعليه أن يتياسر قليلا، ليكون متوجها إلى الحرم، بذلك جاء الاثر عنهم عليهم السلام (1). توفيق وتدقيق وتنقيح وتوضيح اعلم أن القبلة في اللغة الحالة التي عليها الانسان حال استقبال الشئ، ثم نقلت في العرف إلى ما يجب استقبال عينه أو جهته في الصلاة، واختلف الاصحاب فيما يجب استقباله، فذهب المرتضى وابن الجنيد وأبو الصلاح وابن إدريس والمحقق في المعتبر والنافع والعلامة وأكثر المتأخرين إلى أنه عين الكعبة لمن يتمكن من العلم بها، من غير مشقة كثيرة عادة، كالمصلي في بيوت مكة، وجهتها لغيره. وذهب الشيخان وجماعة منهم سلار وابن البراج وابن حمزة والمحقق في الشرايع إلى أن الكعبة قبلة لمن كان في المسجد، والمسجد قبلة لمن كان في الحرم والحرم قبلة لمن كان خارجا عنه، ونسبه في الذكرى إلى أكثر الاصحاب وادعى الشيخ الاجماع عليه. والظاهر أنه لا خلاف بين الفريقين في وجوب التوجه إلى الكعبة للمشاهد ومن هو بحكمه، وإن كان خارج المسجد، فقد صرح به من أصحاب القول الثاني الشيخ في المبسوط وابن حمزة وابن زهرة ونقل المحقق الاجماع عليه، لكن ظاهر كلام الشيخ في النهاية والخلاف يخالف ذلك، وأيضا الظاهر أن الفريق الثاني أيضا متفقون على أن فرض النائي الجهة (2) لا التوجه إلى عين الحرم، و إن لم يصرحوا بذلك، للاتفاق على وجوب التعويل على الامارات عند تعذر المشاهدة ومعلوم أنها لا تفيد العلم بالمقابلة الحقيقية، لكن المتأخرين فهموا من كلام الفريق

 

ويسارها من جانب الحجر والميزاب والمراد باليمين واليسار في هذا الخبر وخبر المفضل يمين المستقبل ويساره، فلا تغفل، منه عفى عنه. (1) النهاية: 14. (2) وذلك لقوله تعالى " فولوا وجوهكم شطر المسجد الحرام " والشطر: الناحية والجهة.

 

[52]

الثاني عدم اعتبار الجهة فقالوا يلزم عليهم خروج بعض الصف المستطيل عن سمت القبلة. ثم الظاهر من أكثر الاخبار أن الكعبة هي القبلة عينا أو جهة، وظاهر تلك الاخبار التي نقلناها أخيرا التفصيل الذي اختاره الفريق الثاني، فربما تحمل الاخبار الاولة على المسامحة من حيث إن الكعبة أشرف أجزاء الحرم، والمنظور إليه فيها، ويمكن أن تكون العلة في تلك المسامحة التقية أيضا لان الكعبة قبلة عند جمهور العامة. وربما تحمل الاخبار الاخيرة على أن الغرض فيها بيان اتساع الجهة بحسب البعد، فكلما كان البعد أكثر كانت الجهة أوسع وقد تحمل على التقية (1) أيضا لان العامة رووا مثله عن مكحول بسنده عن النبي صلى الله عليه وآله وهو بعيد، لانه خبر شاذ بينهم والمشهور عندهم هو الاول. والحق أن المسألة لا تخلو من إشكال، إذ الاخبار متعارضة، وإن رجحت الاخبار الاوله بقوة أسانيدها وكثرتها فالاخبار الاخيرة معتضدة بالشهرة بين القدماء ومخالفة العامة. وكون التأويل فيها أبعد. والآية غير دالة على أحد المذهبين كما عرفت. فالاحتياط يقتضي استقبال عين الكعبة إذا أمكن، وكذا عين المسجد إذا تيسر وكذا عين الحرم إذا أمكن ذلك، وأما النائي الذي لا يمكنه تحصيل عين الحرم، فالظاهر عدم النزاع في التوجه إلى الجهة، ولا فرق بين جهة الكعبة وجهة الحرم، فان الامارات مشتركة، وأما القول بنفي اعتبار الجهة أصلا فلا يخفى بطلانه. ثم اعلم أن التياسر الذي دل عليه خبر المفضل المشهور بين الاصحاب استحبابه لاهل العراق قليلا، وظاهر الشيخ في النهاية والخلاف والمبسوط الوجوب، واستدل عليه في

 

(1) ويؤيد هذا الحمل خبر أبي غرة، إذ لم يقل بظاهره أحد، فلا بد من حمله على ذلك. ومنه رحمة الله بخطه في هامش الاصل.

 

[53]

الخلاف باجماع الفرقة، وبهذه الرواية، وايدت برواية أخرى مرفوعة (1) وهو مبني على أن قبلة البعيد هي الحرم كما صرح به المحقق. واحتمل العلامة اطراده على القولين، والاجماع غير ثابت، والخبران ضعيفان والتعليل الوارد في هذا الخبر مما يصعب فهمه جدا، إذ لو فرض أن البعيد حصل عين الكعبة، وكان بالنسبة إليه القبلة عين الحرم، كان انحرافه إلى اليسار مما يجعله محاذيا لوسط الحرم، وأنى للبعيد تحصيل عين الكعبة، وعلى تقدير تسليمه فبأدنى انحراف يصير خارجا عن الحرم، بعيدا عنه بفراسخ كثيرة، إلا أن يقال: الجهة مما فيه اتساع كثير، وبالانحراف اليسير لا يخرج عنها، وكون الحرم من جهة اليسار أكثر صار سببا مناسبا لاستحباب الانحراف من تلك الجهة، وفيه أيضا ما ترى. وقد جرى في ذلك مراسلات بين المحقق صاحب الشرايع والمحقق الطوسي قدس الله روحهما، وكتب المحقق الاول رسالة في ذلك، وهي مذكورة في المهذب لابن فهد - ره - ومن أرادها فليرجع إليه، وهو رحمة الله وإن بالغ في المجادلة، وإتمام ما حاوله لكن لم ينفع في حل عمدة الاشكال. والذي يخطر في ذلك بالبال أنه يمكن أن يكون الامر بالانحراف لان محاريب الكوفة وسائر بلاد العراق أكثرها كانت منحرفة عن خط نصف النهار كثيرا مع أن الانحراف في أكثرها يسير بحسب القواعد الرياضية كمسجد الكوفة، فان انحراف قبلته إلى اليمين أزيد مما تقتضيه القواعد بعشرين درجة تقريبا، وكذا مسجد السهلة، ومسجد يونس، ولما كان أكثر تلك المساجد مبنية، في زمن عمر، وسائر خلفاء الجور، لم يمكنهم القدح فيها تقية، فأمروا بالتياسر، وعللوا بتلك الوجوه الخطابية لاسكاتهم، وعدم التصريح بخطاء خلفاء الجور وامرائهم. وما ذكره أصحابنا من أن محراب مسجد الكوفة محراب المعصوم، لا يجوز الانحراف عنه، إنما يثبت إذا علم أن الامام عليه السلام بناه، ومعلوم أنه عليه السلام لم يبنه، أو صلى فيه من غير انحراف عنه وهو أيضا غير ثابت، بل ظهر من بعض ما سنح لنا

 

(1) رواه الشيخ في التهذيب ج 1 ص 146.

 

[54]

من الاثار القديمة، عند تعمير المسجد في زماننا، ما يدل على خلافه، كما سيأتي ذكره (1). مع أن الظاهر من بعض الاخبار أن هذا البناء غير البناء الذي كان في زمان أمير المؤمنين عليه السلام بل ظهر لي من بعض الادلة والقرائن أن محراب مسجد النبي صلى الله عليه وآله بالمدينة أيضا قد غير عما كان في زمانه صلى الله عليه وآله لانه على ما شاهدنا في هذا الزمان موافق لخط نصف النهار، وهو مخالف للقواعد الرياضية من انحراف قبلة المدينة إلى اليسار قريبا من ثلاثين درجة، ومخالف لما رواه الخاصة والعامة من أنه صلى الله عليه وآله زويت له الارض ورأى الكعبة، فجعله بازاء الميزاب، فان من وقف بحذاء الميزاب يصير القطب الشمالي محاذيا لمنكبه الايسر، ومخالف لبناء بيت الرسول الذي دفن فيه، مع أن الظاهر أن بناء البيت كان موافقا لبناء المسجد، و بناء البيت أوفق للقواعد من المحراب، وأيضا مخالف لمسجد قبا ومسجد الشجرة و غيرهما من المساجد التي بناها النبي صلى الله عليه وآله أو صلى فيها. ولذا خص بعض الافاضل ممن كان في عصرنا - ره - حديث المفضل وأمثاله على مسجد المدينة، وقال لما كانت الجهة وسيعة، وكان الافضل بناء المحراب على وسط الجهات إلا أن تعارضه مصلحة كمسجد المدينة حيث بني محرابه على خط نصف النهار لسهولة استعلام الاوقات، مع أن وسط الجهات فيه منحرف نحو اليسار فلذا حكموا باستحباب التياسر فيه ليحاذي المصلي وسط الجهة المتسعة (2) وسيأتي مزيد توضيح لتلك المقاصد مع الاخبار والقرائن الدالة عليها في كتاب المزار والله أعلم وحججه عليهم السلام بحقائق الاخبار والآثار. والذي يسهل العسر ويهين الامر في ذلك أنه يظهر من الآية والاخبار الواردة

 

(1) راجع ج 100 ص 431 - 434 من كتاب المزار طبعتنا هذه. (2) كلام هذا الفاضل وهكذا ما قالوه في ساير المشاهد والمساجد مبنى على تعويلهم على زيج الغ بيك، وأما الان فقد ظهر أن قبلة المدينة - التى أسسها النبي صلى الله عليه وآله - هو الحق الصحيح، وأن مكة والمدينة وقعا على خط واحد من خطوط نصف النهار.

 

[55]

في القبلة أن فيها اتساعا كثيرا، وأنه يكفي فيها التوجه إلى ما يصدق عليه عرفا أنه جهة الكعبة، وناحيتها، لما عرفت من تفسير الآية، وأنه لا يستفاد منها إلا الشطر والجهة، ولقولهم عليهم السلام " مابين المشرق والمغرب قبلة " وقولهم عليهم السلام: ضع الجدي على قفاك وصل، فان بناء الامر على هذه العلامة التي تختلف بحسب البلاد اختلافا فاحشا يرشد إلى توسعة عظيمة، وخلو الاخبار عما زاد على ذلك، وكذا كتب الاقدمين مع شدة الحاجة، وتوفر الدواعي على النقل والمعرفة، وعظم إشفاقهم على الشيعة، مما يؤيد ذلك. والظاهر أنه لا تجب الاستعانة بعلم الهيئة، وتعلم مسائله، لانه علم دقيق، ومسائلها مبنية على مقدمات كثيرة يحتاج تحصيلها إلى زمان طويل، وهمة عظيمة وفطرة سليمة، والتكليف بذلك لجمهور الناس مباين للشريعة السمحة السهلة، وإن أمكن أن يقال: أكثر مسائل الفقه تحقيقها وترجيحها موقوف على مقدمات كثيرة لا يطلع عليها ولا يحققها إلا أوحدي الناس، وسائر الناس يرجعون إليه بالتقليد فيمكن أن يكون أمر القبلة أيضا كذلك لان الظن الحاصل من ذلك أقوى من سائر الامارات المفيدة له، ولا ريب أنه أحوط وأولى. لكن الحكم بوجوبة وتعيينه مشكل، إذ لو كان ذلك واجبا لكان له في طرق الاصحاب أو سائر فرق المسلمين خبر أو يجئ به أثر، فلما لم يكن ذلك في الاخبار ولا عمل المتقدمين الانسين بسير أهل البيت عليهم السلام علمنا انتفاءه، مع أن غاية ما يحصل عنه بعد بذل غاية الجهد ليس إلا الظن والتخمين، لا القطع واليقين، وكل ذلك لا ينافي كون الرجوع إليه أولى، لكونه أوفق من ساير الظنون وأقوى، والله الموفق للخير والهدى. 7 - العياشي: عن حريز قال أبو جعفر عليه السلام: استقبل القبلة بوجهك، ولا تقلب وجهك فتفسد صلاتك، فان الله يقول لنبيه صلى الله عليه وآله في الفريضة " فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " (1).

 

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 64.

 

[56]

بيان: ظاهر الخبر بطلان الصلاة بالالتفات سواء كان إلى الخلف أو اليمين و اليسار، وسواء كان بالوجه فقط أو بكل البدن، والمشهور، أن الالتفات بالوجه إذا كان إلى الخلف وبكل البدن مطلقا مبطل، إذا كان عمدا، ويظهر من الشهيد في الذكرى و البيان أن الاطلاق المأخوذ في كل البدن أعم من أن يكون يسيرا لم يبلغ المشرق و المغرب، أو بلغ أحدهما، وأما بالوجه فقط إذا كان إلى أحد الجانبين فقط فليس بمبطل، وظاهر المنتهى اتفاق الاصحاب عليه، وفي المعتبر والتذكرة نسب مخالفته إلى بعض العامة، ونقل عن الشيخ فخر الدين القول بالبطلان. وحكى الشهيد في الذكرى عن بعض مشايخه المعاصرين أنه كان يرى أن الالتفات بالوجه يقطع الصلاة مطلقا، والالتفات بالوجه في كلامه أعم من أن يصل إلى محض الجانبين أم كان إلى مابين القبلة والجانبين، وربما كان مستنده أمثال تلك الروايات، وحملها الشهيد في الذكرى على الالتفات بكل البدن لما رواه زرارة (1) في الصحيح عن أبي جعفر عليه السلام قال: الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله، وقد يقال: إن هذا مقيد بمنطوق قوله عليه السلام في رواية (2) الحلبي " أعد الصلاة إذا كان فاحشا " فان الظاهر تحقق التفاحش بالالتفات بالوجه خاصة إلى أحد الجانبين. وجميع ما ذكرنا في صورة العمد، وأما السهو ففي كلام الاصحاب فيه اختلاف وتدافع، فيظهر من بعض كلماتهم أنه في حكم العمد، ومن بعضها أنه لا يعيد مطلقا ومن بعضها أنه يعيد في الوقت دون خارجه، ومن بعضها التفصيل الاتي في الصلاة إلى غير القبلة بالظن فتبين خلافه كما أومأنا إليه سابقا. وقال السيد في المدارك: إذا كان يسيرا لا يبلغ حد اليمين واليسار لم يضره ذلك، وإن بلغه وأتى بشئ من الافعال في تلك الحال أعاد في الوقت وإلا فلا إعادة والاظهر أن العامد إن انحرف بكل البدن عن القبلة بحيث خرج عن الجهة، وإن لم يصل إلى حد اليمين واليسار تبطل صلاته، وكذا إذا التفت بوجهه حتى وصل إلى

 

(1) التهذيب ج 1 ص 192. (2) التهذيب ج 1 ص 228.

 

[57]

الخلف، أي رأى ما خلفه، وأما الالتفات إلى اليمين واليسار بالوجه فقط فعدم البطلان لا يخلو من قوة، والاحوط فيه الاعادة، وعدم البطلان بالتوجه بالوجه إلى مابين المشرق والمغرب أقوى وأظهر، وإن كان الاحوط الترك، ومعه الاعادة، لا سيما إذا فعل شيئا من أفعال الصلاة كذلك، خصوصا إذا فعل مالا يمكن تداركه. هذا كله مع العلم بالمسألة ومع الجهل يشكل الحكم بالبطلان في الجميع والاحوط الاعادة في جميع ما اخترنا إعادته جزما أو احتياطا، لا سيما مع تقصيره في الطلب. وأما الناسي فإذا كان الانحراف فيما بين المشرق والمغرب فالظاهر عدم الاعادة سواء كان بكل البدن أم لا، لاطلاق صحيحة معاوية (1) بن عمار وغيرها، وظاهر الاية الاولى، وإن كان نهاية الاحتياط فيه الاعادة، لا سيما إذا كان بكل البدن. وفي المشرق والمغرب والمستدبر المسألة في غاية الاشكال، والاعادة مهمة لا سيما في الوقت إذا فعل معه شيئا من الافعال. ولو ظن الخروج عن الصلاة فانحرف عامدا فالمشهور أنه في حكم العامد، و بعض الروايات تدل على عدم البطلان، والاحوط العمل بالمشهور، وفي المكره خلاف، والاشهر والاحوط إلحاقه بالعامد. 8 - العلل والتوحيد والمجالس: للصدوق، عن أحمد بن زياد والحسين ابن إبراهيم وأحمد بن هشام وعلي بن عبد الله الوراق، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الفضل بن يونس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال في جواب ابن أبي العوجا حيث أنكر الحج والطواف: هذا بيت استعبد الله عزوجل به خلقه، ليختبر به طاعتهم في إتيانه، فحثهم على تعظيمه وزيارته، وجعله محل أنبيائه وقبلة للمصلين له، الخبر (2). 9 - فلاح السائل: قال السيد - ره - رأيت في الاحاديث المأثورة أن الله

 

(1) التهذيب ج 1 ص 147. (2) علل الشرايع ج 2 ص 89، التوحيد: 253 ط مكتبة الصدوق، الامالى: 367.

 

[58]

تعالى أمر آدم أن يصلي إلى المغرب، ونوحا أن يصلي إلى المشرق، وإبراهيم عليه السلام يجمعهما وهي الكعبة، فلما بعث موسى عليه السلام أمره أن يحيى دين آدم، ولما بعث عيسى عليه السلام أمره أن يحيي دين نوح، ولما بعث محمد صلى الله عليه وآله أمره أن يحيى دين إبراهيم (1). بيان: قوله: يجمعهما لان استقبال الكعبة قد يوافق المشرق، وقد يوافق المغرب أو أنه وسط بينهما غالبا فكأنه جمعهما. 10 - المحاسن: عن أبيه، عن النضر، عن يحيى الحلبي، عن بشير في حديث سليمان مولى طربال قال: ذكرت هذه الاهواء عند أبي عبد الله عليه السلام قال: لا والله ماهم على شئ مما جاء به رسول الله إلا استقبال الكعبة (2) فقط. 11 - قرب الاسناد وكتاب المسائل: عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون في صلاته فيظن أن ثوبه قد انخرق أو أصابه شئ، هل يصلح له أن ينظر فيه أو يفتشه ؟ قال: إن كان في مقدم الثوب أو جانبيه فلا بأس، و إن كان في مؤخره فلا يلتفت، فانه لا يصلح له (3). قال: وسألته عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته ؟ قال: إذا كانت الفريضة فالتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، وإن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته، و لكن لا يعود (4). توضيح: الجواب الاول يؤيد المشهور من كون الالتفات إلى أحد الجانبين غير مبطل، وأما الاستدلال به على أن الالتفات إلى الخلف مبطل فهو مشكل، إذ " لا يصلح " لا يصلح لذلك، والجواب الثاني يدل على الحكمين جميعا في الفريضة، والفرق بينها

 

(1) فلاح السائل ص 128 و 129. (2) المحاسن ص 156. (3) قرب الاسناد: 89 ط حجر ص 116 ط نجف، كتاب المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 285. (4) قرب الاسناد: 96 ط حجر ص 126 ط نجف. (*)

 

[59]

وبين النافلة لم أره في كلام الاصحاب، ولعله يؤيد القول بعدم وجوب الاستقبال في النافلة مطلقا كما مر. 12 - الاحتجاج: بالاسناد إلى أبي محمد العسكري عليه السلام قال: لما كان رسول الله صلى الله عليه وآله بمكة أمره الله تعالى أن يتوجه نحو البيت المقدس في صلاته، ويجعل الكعبة بينه وببنها إذا أمكن، وإذا لم يتمكن استقبل البيت المقدس كيف كان، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يفعل ذلك طول مقامه بها ثلاث عشرة سنة، فلما كان بالمدينة وكان متعبدا باستقبال بيت المقدس استقبله وانحرف عن الكعبة سبعة عشر شهرا (أو ستة عشر شهرا) وجعل قوم من مردة اليهود يقولون: والله مادرى محمد كيف صلى حتى صار يتوجه إلى قبلتنا، ويأخذ في صلاته بهدينا ونسكنا. فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله لما اتصل به عنهم، وكره قبلتهم، وأحب الكعبة، فجاءه جبرئيل عليه السلام فقال له رسول الله: يا جبرئيل لوددت لو صرفني الله عن بيت المقدس إلى الكعبة فقد تأذيت بما يتصل بي من قبل اليهود ومن قبلتهم، فقال جبرئيل: فاسئل ربك أن يحولك إليها فانه لايردك عن طلبتك ولا يخيبك من. بغيتك. فلما استتم دعاءه صعد جبرئيل عليه السلام ثم عاد من ساعته فقال اقرء يا محمد " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " الآيات فقالت اليهود عند ذلك: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها، فأجابهم الله بأحسن جواب فقال: " قل لله المشرق والمغرب " وهو يملكهما وتكليفه التحول إلى جانب كتحويله إلى جانب آخر " يهدي من يشآء " إلى صراط مستقيم " وهو مصلحتهم وتؤديهم طاعتهم إلى جنات النعيم. قال أبو محمد عليه السلام: وجاء قوم من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا يا محمد هذه القبلة بيت المقدس قد صليت إليها أربع عشرة سنة ثم تركتها الآن، أفحقا كان ماكنت عليه فقد تركته إلى باطل، فانما يخالف الحق الباطل، أو باطلا كان ذلك فقد كنت عليه طول هذه المدة، فما يؤمننا أن تكون الآن على باطل ؟


 

[60]

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: بل كان ذلك حقا وهذا حق يقول الله " قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم " إذا عرف صلاحكم يا أيها العباد في استقبال المشرق أمركم به وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به، وإن عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به، فلا تنكروا تدبير الله في عباده، وقصده إلى مصالحكم. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: قد تركتم العمل يوم السبت ثم عملتم بعده سائر الايام ثم تركتموه في السبت ثم عملتم بعده، أفتركتم الحق إلى الباطل، أو الباطل إلى حق أو الباطل إلى باطل، أو الحق إلى حق ؟ قولوا كيف شئتم فهو قول محمد وجوابه لكم قالوا: بل ترك العمل في السبت حق والعمل بعده حق، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: فكذلك قبلة بيت المقدس في وقته حق ثم قبلة الكعبة في وقته حق. فقالوا: يا محمد أفبدا لربك فيما كان أمرك به بزعمك من الصلاة إلى بيت المقدس حين نقلك إلى الكعبة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ما بداله عن ذلك، فانه العالم بالعواقب والقادر على المصالح، لا يستدرك على نفسه غلطا، ولا يستحدث رأيا يخالف المتقدم، جل عن ذلك، ولا يقع أيضا عليه مانع يمنع من مراده، وليس يبدو إلا لمن كان هذا وصفه، وهو عزوجل متعال عن هذه الصفات علوا كبيرا. ثم قال لهم رسول الله: أيها اليهود أخبروني عن الله أليس يمرض ثم يصح ويصح ثم يمرض، أبدا له في ذلك ؟ أليس يحيي ويميت ؟ أليس يأتي بالليل في أثر النهار، ثم بالنهار في أثر الليل ؟ أبداله في كل واحدة من ذلك ؟ قالوا: لا، قال: فكذلك الله تعبد نبيه محمدا بالصلاة إلى الكعبة، بعد أن تعبده بالصلاة إلى بيت المقدس وما بداله في الاول. ثم قال: أليس الله يأتي بالشتاء في أثر الصيف، والصيف في أثر الشتاء أبداله في كل واحد من ذلك ؟ قالوا: لا، قال: فكذلك لم يبدله في القبلة. قال: ثم قال أليس قد ألزمكم في الشتاء أن تحترزوا من البرد بالثياب الغليظة وألزمكم في الصيف أن تحترزوا من الحر أفبداله في الصيف حتى أمركم بخلاف ما كان أمركم به في الشتاء ؟ قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وآله فكذلك الله تعبدكم في وقت


 

[61]

لصلاح يعلمه بشئ ثم تعبدكم في وقت آخر لصلاح آخر يعلمه بشئ آخر، فإذا أطعتم الله في الحالين استحققتم ثوابه وأنزل الله " ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله " أي إذا توجهتم بأمره فثم الوجه الذي تقصدون منه الله وتأملون ثوابه. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا عباد الله أنتم كالمرضى، والله رب العالمين كالطبيب فصلاح المرضى فيما يعلمه الطبيب يدبره به لا فيما يشتهيه المريض ويقترحه، ألا فسلموا لله أمره تكونوا من الفائزين. فقيل له: يا ابن رسول الله فلم أمر بالقبلة الاولى ؟ فقال: لما قال الله عزوجل " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " وهي بيت المقدس " إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه " إلا لنعلم ذلك منه موجودا بعد أن علمناه سيوجد وذلك أن هوى أهل مكة كان في الكعبة، فأراد الله أن يبين متبع محمد من مخالفه باتباع القبلة التي كرهها، ومحمد صلى الله عليه وآله يأمر بها، ولما كان هوى أهل المدينة في بيت، المقدس أمرهم بمخالفتها والتوجه إلى الكعبة ليبين من يوافق محمدا فيما يكرهه، فهو مصدقه وموافقه. ثم قال: " وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله " إنما كان التوجه إلى بيت المقدس في ذلك الوقت كبيرة إلا على من يهدي الله، فعرف أن الله يتعبد بخلاف ما يريده المرء، ليبتلي طاعته في مخالفة هواه (1). بيان: قوله عليه السلام أو ستة عشر شهرا ليس هذا في بعض النسخ، وعلى تقديره الترديد إما من الراوي أو منه عليه السلام مشيرا إلى اختلاف العامة فيه. 13 - تفسير علي بن ابراهيم: " سيقول السفهاء من الناس ماوليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها " فان هذه الآية متقدمة على قوله: " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها " وإنه نزل أولا " قد نرى تقلب وجهك في السماء " ثم نزل " سيقول السفهاء " الآية، وذلك أن اليهود كانوا يعيرون رسول الله صلى الله عليه وآله

 

(1) الاحتجاج: 22 و 23، نقلا من تفسير أبي الحسن محمد بن القاسم المفسر الاسترابادي الخطيب الذى وضعه ونسبه إلى الامام العسكري عليه السلام راجعه ص 224 - 225.

 

[62]

ويقولون له: أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا، فاغتم رسول الله صلى الله عليه وآله من ذلك غما شديدا وخرج في جوف الليل ينظر في آفاق السماء وينتظر أمر الله تبارك وتعالى في ذلك. فلما أصبح وحضرت صلاة الظهر، وكان في مسجد بني سالم قد صلى بهم الظهر ركعتين، فنزل عليه جبرئيل عليه السلام فأخذ بعضديه فحوله إلى الكعبة، فأنزل الله عليه " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبله ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام " فصلى ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة، فقالت اليهود والسفهاء ماوليهم عن قبلتهم التي كانوا عليها. وتحولت القبلة إلى الكعبة بعد ما صلى النبي بمكة ثلاثة عشر سنة إلى بيت المقدس، وبعد مهاجرته إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس سبعة أشهر، ثم حول الله عزوجل القبلة إلى البيت الحرام، ثم قال الله عزوجل " وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم " يعني ولا الذين ظلموا منهم، و " الا " في موضع " ولا " وليست هي استثناء (1). ومنه: في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى " وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي انزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون " (2) فان رسول الله صلى الله عليه وآله لما قدم المدينة، وهو يصلي نحو بيت المقدس، أعجب ذلك اليهود، فلما صرفه الله عن بيت المقدس إلى بيت الله الحرام، وجدت اليهود من ذلك، وكان صرف القبلة صلاة الظهر، فقالوا صلى محمد الغداة واستقبل قبلتنا، فآمنوا بالذي انزل على محمد وجه النهار، واكفروا آخره يعنون القبلة، حين استقبل رسول الله المسجد الحرام لعلهم يرجعون إلى قبلتنا (3). 14 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن الصلت، عن أحمد

 

(1) تفسير القمي: 53 - 54. (2) آل عمران: 72. (3) تفسير القمي: 95.

 

[63]

ابن محمد بن سعيد بن عقدة، عن أبي عبد الله بن علي، عن جده عبيد الله، عن أبيه، عن الرضا، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: لما صرفت القبلة أتى رجل قوما في صلاتهم فقال: إن القبلة قد تحولت، فتحولوا وهم ركوع (1). بيان: في أمثال هذا الخبر دلالة على حجية أخبار الاحاد، لا سيما إذا كانت محفوفة بالقرائن لتقرير النبي صلى الله عليه وآله إذ لو صدر منه صلى الله عليه وآله زجر لنقل في واحد منها. 15 - قرب الاسناد: عن الحسن بن طريف، عن الحسين بن علوان، عن الصادق عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام كان يقول: من صلى على غير القبلة وهو يرى أنه على القبلة، ثم عرف بعد ذلك فلا إعادة عليه إذا كان فيما بين المشرق والمغرب (2). بيان: يدل الخبر على أنه إذا صلى ظانا أنه على القبلة ثم تبين خطاؤه وكان فيما بين المشرق والمغرب لا إعادة عليه، لا في الوقت ولا في خارجه، وهذا هو المقطوع به في كلام أكثر الاصحاب، وادعى عليه الفاضلان الاجماع، لكن عبارات بعض القدماء كالمفيد في المقنعة والشيخ في المبسوط والنهاية والخلاف، وابن زهرة و ابن إدريس مطلقة في وجوب الاعادة في الوقت إذا صلى لغير القبلة، ولعل مرادهم بالصلاة إلى غير القبلة ما لم يكن في مابين المشرق والمغرب، لما اشتهر من أن ما بين المشرق والمغرب قبلة، ولا ريب في الحكم لدلالة الاخبار المعتبرة من الصحيحة وغيرها عليه، مع اعتضادها بظاهر الاية، والشهرة العظيمة بين الاصحاب. ولو تبين أنه كان توجهه إلى نفس المشرق والمغرب فالمشهور الاعادة في الوقت خاصة، ونقل عليه الاجماع أيضا الفاضلان وجماعة، ويدل عليه إطلاق الاخبار الصحيحة. ولو ظهر أنه كان مستدبرا فذهب الشيخان وسلار وأبو الصلاح وابن البراح وابن زهرة وجماعة إلى أنه يعيد في الوقت وخارجه، وذهب السيد المرتضى وابن إدريس و المحقق والعلامة في المختلف والشهيد وجماعة من المتأخرين إلى أنه كالقسم السابق

 

(1) أمالي الطوسي ج 1 ص 347. (2) قرب الاسناد ص 54 ط حجر، 72 ط نجف.

 

[64]

يعيد في الوقت خاصة، وهو ظاهر ابن الجنيد والصدوق، وهو أقوى، لشمول إطلاق الاخبار الصحيحة لهذا القسم أيضا. وهو أوفق بالاية كما عرفت، وبأصل البراءة، و الاخبار التي استدل بها الفريق الاولى إما غير صحيحة أو غير صريحة، ولعل الاحوط القضاء أيضا. وهل الناسي كالظان في الاحكام السابقة ؟ قيل: نعم، وقيل: لا بل يعيد مطلقا وكذا الجاهل، والمسألة فيهما في غاية الاشكال، لتعارض إطلاق الروايات فيهما، والاحوط لهما الاعادة مطلقا سواء فعلا بعض الصلاة على غير القبلة أو كلها، وفرق الشهيد - ره - بين بعض والكل لا نعلم له وجها. 16 - قرب الاسناد: عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن جعفر، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: الالتفات في الصلاة اختلاس من الشيطان فإياكم والالتفات في الصلاة فان الله تبارك وتعالى يقبل على العباد إذا قام في الصلاة، فإذا التفت قال الله تبارك وتعالى يا ابن آدم عمن تلتفت ؟ - ثلاثة - فإذا التفت الرابعة أعرض الله عنه (1). بيان: " اختلاس من الشيطان " أي يسلب الانسان صلاته أو فضلها بغتة، والالتفات هنا يحتمل أن يكون بالوجه وبالعين أو الاعم منهما، أو منهما ومن القلب، والوسط أظهر، ولا يمكن الاستدلال به على البطلان بوجه. 17 - تفسير علي بن ابراهيم: عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن حماد بن عثمان وخلف بن حماد، عن الفضيل وربعي، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل " فأقم وجهك للدين حنيفا " قال: تقيم للصلاة لا تلتفت يمينا وشمالا (2). بيان: لعله على هذا التفسير عبر عن الصلاة بالدين، لانها من لوازمه كما عبر عنها بالايمان في الاية الاخرى (3) ويدل على عدم جواز الالتفات بالوجه يمينا

 

(1) قرب الاسناد ص 70 ط حجر، 92 ط نجف. (2) تفسير القمي ص 500، والاية في سورة الروم الاية 31. (3) يعنى قوله تعالى " وما كان الله ليضيع ايمانكم " وقد عرفت ما فيه.

 

[65]

وشمالا، ولا يبعد شمولهما لما بين المشرق والمغرب أيضا عرفا. 18 - قرب الاسناد: عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن الصادق عليه السلام عن أبيه عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله استقبل بيت المقدس سبعة عشر شهرا ثم صرف إلى الكعبة وهو في صلاة العصر (1). 19 - تفسير علي بن ابراهيم: صلاة الحيرة على ثلاثة وجوه: فوجه منها هو الرجل يكون في مفازة لا يعرف القبلة يصلي إلى أربعة جوانب (2). بيان: المشهور بين الاصحاب أن من فقد العلم بالقبلة يجتهد في تحصيل الظن بالامارات المفيدة له، وادعى عليه الفاضلان الاجماع، ويلوح من بعض الاخبار بل من بعض الاصحاب أيضا أن مع فقد العلم يصلي إلى أربع جهات، وهو متروك تدل الاخبار الصحيحة على خلافه، ومع فقد الظن أصلا فالاشهر أنه يصلي إلى أربع جهات أي على أطراف خطين متقاطعين، على زوايا قوائم فان واحدة منها تكون لا محالة بين المشرق والمغرب، وإن أمكن ذلك بالثلاث أيضا تبعا للنص، ومع عدم التمكن من ذلك لضيق الوقت أو الخوف أو غير يصلي ما تيسر وإلا فواحدة يستقبل بها. حيث شاء. وقال ابن أبي عقيل: لو خفيت عليه القبلة لغيم أو ريح أو ظلمة فلم يقدر على القبلة صلى حيث شاء مستقبل القبلة وغير مستقبلها، ولا إعادة عليه، إذا علم بعد ذهاب وقتها أنه صلى لغير القبلة، وما اختاره من التخيير أقوى، واختاره جماعة من المتأخرين، و هو الظاهر من اختيار ابن بابويه ونفى عنه البعد في المختلف ومال إليه في الذكرى، وقد دلت الاخبار الصحيحة على أن قوله تعالى " أينما تولوا فثم وجه الله " نزل في قبلة المتحير كما عرفت، وأما الاعادة وعدمها مع تبين الخطاء، فقد مضى القول فيه، وذهب السيد ابن طاوس إلى استعمال القرعة في الصلاة المذكورة، وهو بعيد، والاحوط متابعة المشهور.

 

(1) قرب الاسناد ص 69 ط حجر، ص 91 ط نجف. (2) تفسير القمي ص 70.

 

[66]

20 - العياشي: عن أبي عمر والزبيري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما صرف الله نبيه إلى الكعبة عن بيت المقدس قال المسلمون للنبي صلى الله عليه وآله: أرأيت صلاتنا التي كنا نصلي إلى بيت المقدس ما حالنا فيها ؟ وحال من مضى من أمواتنا وهم يصلون إلى بيت المقدس ؟ فأنزل الله: " وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم " فسمى الصلاة إيمانا " (1). ومنه: عن أبي بصير، عن أحدهما عليهما السلام في قول الله " وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد " (2) قال: هو إلى القبلة (3). ومنه: عن زرارة وحمران ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام عن قوله " وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد " قال: مساجد محدثة فامروا أن يقيموا وجوههم شطر المسجد الحرام (4). وأبو بصير عن أحدهما عليه السلام قال: هو إلى القبلة ليس فيها عبادة الاوثان خالصا مخلصا (5). ومنه: عن إسماعيل بن أبي زياد، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: " وبالنجم هم يهتدون " هو الجدي لانه نجم لا يزول، وعليه بناء القبلة، وبه يهتدي أهل البر والبحر (6). 21 - في تفسير النعماني: بالاسناد المذكور في كتاب القرآن عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله لما بعث كانت الصلاة إلى قبلة بيت المقدس، فكان في أول بعثته يصلي إلى بيت المقدس جميع أيام مقامه بمكة، وبعد هجرته إلى المدينة بأشهر، فعيرته اليهود فقالوا: أنت تابع لقبلتنا، فأنف رسول الله صلى الله عليه وآله ذلك منهم، فأنزل الله تعالى عليه وهو يقلب وجهه إلى السماء، وينتظر الامر " قد نرى تقلب وجهك

 

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 63 و 64، والاية في سورة البقرة: 144. (2) الاعراف: 29. (3 - 5) تفسير العياشي ج 2 ص 12. (6) تفسير العياشي ج 2 ص 256، والاية في سورة النحل: 16.

 

[67]

في السماء " إلى قوله: " لئلا يكون للناس عليكم حجة " (1) يعني اليهود في هذا الموضع. ثم أخبرنا الله عزوجل العلة التي من أجلها لم يحول قبلته من أول البعثة ؟ فقال تبارك وتعالى " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " إلى قوله " لرؤف رحيم " (2) فسمى سبحانه الصلاة ههنا إيمانا (3). وقال عليه السلام في قوله تعالى: " فول وجهك شطر المسجد الحرام " (4) قال: معنى شطره نحوه، إن كان مرئيا، وبالدلائل والاعلام إن كان محجوبا، فلو علمت القبلة لوجب استقبالها والتولي والتوجه إليها، ولو لم يكن الدليل عليها موجودا حتى تستوي الجهات كلها فله حينئذ أن يصلي باجتهاده حيث أحب واختار، حتى يكون على يقين من الدلالات المنصوبة، والعلامات المبثوثة، فان مال عن هذا التوجه مع ما ذكرنا حتى يجعل الشرق غربا والغرب شرقا زال معنى اجتهاده، وفسد حال اعتقاده (5). قال: وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله خبر منصوص مجمع عليه أن الادلة المنصوبة على بيت الله الحرام لا تذهب بكليتها حادثة من الحوادث منا من الله تعالى على عباده في إقامة ما افترض عليهم (6). بيان: قوله عليه السلام: " فان مال " لعل المعنى أن بعد تبين خطائه لا يعتمد على هذا الاجتهاد والاعتقاد، لانه كان العمل به مختصا بحال الاضطرار، فيكون ذكر الصورة المفروضة على المثال، والمراد ظهور كونه مستدبرا، فالمراد بزوال معنى اجتهاده

 

(1) البقرة: 144. (2) البقرة: 143. (3) راجع ج 93 ص 8 و 9 من البحار طبعتنا هذه. (4) البقرة: 144. (5) البحار ج 93 ص 96 س 19. (6) البحار ج 93 ص 97.

 

[68]

بطلان ثمرته، لوجوب الاعادة عليه. ومعنى الرواية الاخيرة أن العلامات المنصوبة للقبلة من الكواكب وغيرها لا تذهب بالكلية مادام التكليف باقيا، وإنما تخفى أحيانا لبعض العوارض ثم تظهر، و يحتمل أن يكون المراد أنه لا يمكن أن يخلو الانسان من أمارة وقرينة تظهر عليه بعد الاجتهاد والطلب، وإن كانت ضعيفة، لكنه بعيد، ومخالف للتجربة أيضا، وحمله على الغالب أبعد (1). 22 - معاني الاخبار والمجالس للصدوق: عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن يونس بن عبد الرحمان، عن عبد الله بن سنان عن الصادق عليه السلام قال: إن الله عزوجل حرمات ثلثا ليس مثلهن شئ: كتابه، وهو حكمه ونور، وبيته الذي جعله قياما للناس لا يقبل من أحد توجها إلى غيره، وعترة نبيكم صلى الله عليه وآله (2). قرب الاسناد: عن محمد بن عيسى بن عبيد مثله (3). الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عبد الحميد، عن ابن أبي نجران، عن عاصم بن حميد، عن أبي حمزة، عن عكرمة، عن ابن عباس مثله إلا

 

(1) في طبعة الكمبانى ههنا حديثان من كتاب ازاحة العلة في معرفة القبلة، ولما رأينا المؤلف العلامة قدس سره قد ضرب عليها في نسخة الاصل لما سينقل آخر الباب تمام الرسالة، أسقطناه في طبعتنا هذه، راجع طبعة الكمبانى ص 152 من كتاب الصلاة. (2) معاني الاخبار ص 117، أمالي الصدوق ص 175. (3) لا يوجد الحديث في المصدر، والمؤلف قدس سره حينما ذكر الحديث في كتاب القرآن ج 92 ص 13 كتاب الحج والعمرة ج 99 ص 60 كتاب الامامة ج 24 ص 185، ذكر المصادر الثلاثة ولم يذكر قرب الاسناد، والظاهر أن السهو وقع من كاتبه قدس سره حيث توهم أن الحديث إذا كان مسندا إلى الحميري، فهو موجود في كتابه قرب الاسناد، وقد اعتمد عليه الحر العاملي فذكره في الوسايل تحت الرقم 5206 فتحرر.

 

[69]

أنه قال: قبلة للناس (1). 23 - مسار الشيعة: للمفيد، قال: في النصف من رجب سنة اثنتين من الهجرة حولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وكان الناس في صلاة العصر فتحولوا فيها إلى البيت الحرام (2). 24 - النهاية: للشيخ قال: قد رويت رواية أن من صلى إلى استدبار القبلة، ثم علم بعد خروج الوقت، وجب عليه إعادة الصلاة، وهذا هو الاحوط، وعليه العمل انتهى (3). ومنه: عن الصادق عليه السلام في قوله تعالى: " فأينما تولوا فثم وجه الله " قال: هذا في النوافل خاصة في حال السفر، فأما الفرائض فلابد فيها من استقبال القبلة (4). 25 - مجمع البيان: عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام في قوله تعالى " فأينما تولوا فثم وجه الله " أنها ليست بمنسوخة وأنها مخصوصة بالنوافل في حال السفر (5). 26 - نوادر الراوندي: عن عبد الواحد بن إسماعيل، عن محمد بن الحسن التميمي عن سهل بن أحمد الديباجي، عن محمد بن محمد بن الاشعث، عن موسى بن إسماعيل ابن موسى، عن أبيه، عن جده موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال: قال علي عليه السلام: من صلى على غير القبلة فكان إلى المشرق أو المغرب فلا يعيد الصلاة (6). بيان: يمكن حمله على خارج الوقت، أو على ما إذا لم يصل إلى عين المشرق والمغرب، بل كان مائلا إليهما، ولو كان مكافئا لاخبار الاعادة، لامكن حملها على الاستحباب، مع تأيده باطلاق بعض الاخبار، وظاهر الاية الاولى.

 

(1) الخصال ج 1 ص 17. (2) مسار الشيعة: 28 وفي ط الكمبانى بعد ذلك أيضا حديث من كتاب ازاحة العلة وقد أضرب عليها المؤلف رضوان الله عليه. (3 - 4) النهاية: 14. (5) مجمع البيان ج 1 ص 228. (6) نوادر الراوندي: لم نجده.

 

[70]

27 - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمد عليهما السلام في قول الله عزوجل " فأقم وجهك للدين حنيفا " (1) قال أمره أن يقيمه للقبلة حنيفا، ليس فيه شئ من عبادة الاوثان خالصا مخلصا (2). وعن أبي جعفر عليه السلام قال: لا تلتفت عن القبلة في صلاتك فتفسد عليك، فان الله قال لنبيه: " فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " واخشع ببصرك ولا ترفعه إلى السماء، وليكن نظرك إلى موضع سجودك (3). 28 - العلل: عن جعفر بن محمد بن مسرور، عن الحسين بن محمد بن عامر، عن عمه عبد الله، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يقرء السجدة وهو على ظهر دابته قال يسجد حيث توجهت به، فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلي على ناقته، وهو مستقبل المدينة، يقول الله عزوجل " فأينما تولوا فثم وجه الله " (4). 29 - العياشي: عن حريز قال: قال أبو جعفر عليه السلام أنزل الله هذه الاية في التطوع خاصة " فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم " وصلى رسول الله صلى الله عليه وآله إيماء على راحلته أينما توجهت به حيث خرج إلى خيبر، وحين رجع من مكة، وجعل الكعبة خلف ظهره. قال: قال زرارة قلت لابي عبد الله عليه السلام: الصلاة في السفر السفينة والمحمل سواء ؟ قال: الناقة كلها سواء تومي إيماء أينما توجهت دابتك وسفينتك، والفريضة تنزل لها عن المحمل إلى الارض إلا من خوف فان خفت أومأت، وأما السفينة فصل بها قائما و توخ القبلة بجهدك، إن نوحا عليه السلام قد صلى الفريضة فيها قائما متوجها إلى القبلة و هي مطبقة عليهم.

 

(1) الروم: 30. (2) دعائم الاسلام ج 1 ص 131. (3) دعائم الاسلام ج 1 ص 157، والاية في سورة البقرة: 144. (4) علل الشرايع ج 2 ص 47 و 48.

 

[71]

قال: قلت وما كان علمه بالقبلة فيتوجهها وهي مطبقة عليهم ؟ قال: كان جبرئيل عليه السلام يقومه نحوها، قال: قلت فأتوجه نحوها في كل تكبيرة ؟ قال: أما في النافلة فلا، إن ما يكبر في النافلة على غير القبلة أكثر، ثم قال: كل ذلك قبلة للمتنفل، إنه قال: " أينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم " (1). 30 - الاحتجاج: وتفسير العسكري عليه السلام في احتجاج النبي على المشركين قال: إنا عباد الله مخلوقون مربوبون، نأتمر له فيما أمرنا، وننزجر عما زجرنا إلى أن قال: فلما أمرنا أن نعبده بالتوجه إلى الكعبة أطعنا، ثم أمرنا بعبادته بالتوجه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعنا، فلم نخرج في شئ من ذلك من أتباع أمره (2). 31 - تفسير سعد بن عبد الله: برواية ابن قولويه (3) عنه باسناده إلى الصادق عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إن رسول الله لما بعث كانت القبلة إلى بيت المقدس على سنة بني إسرائيل، وذلك أن الله تبارك وتعالى أخبرنا في القرآن أنه أمر موسى بن عمران عليه السلام أن يجعل بيته قبلة في قوله " وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة " (4) وكان رسول الله صلى الله عليه وآله على هذا يصلي إلى بيت المقدس مدة مقامه بمكة وبعد الهجرة أشهرا حتى عيرته اليهود، وقالوا: أنت تابع لنا تصلي إلى قبلتنا وبيوت نبينا، فاغتم رسول الله صلى الله عليه وآله لذلك، وأحب أن يحول الله قبلته إلى الكعبة، وكان ينظر في آفاق السماء ينتظر أمر الله، فأنزل الله عليه " قد نرى تقلب وجهك في السماء " إلى قوله " لئلا يكون للناس عليكم حجة " يعني اليهود.

 

(1) - تفسير العياشي ج 1 ص 56 و 57. (2) الاحتجاج ص 12، تفسير الامام ص 248 ذيل قوله تعالى " وقالوا لن يدخل الجنة الا من كان هودا أو نصارى " البقرة: 111. (3) راجع شرح ذلك في ج 93 ص 97. (4) يونس: 87.

 

[72]

ثم أخبر لاي علة لم يحول قبلته في أول النبوة فقال: " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها " الآية فقالوا: يارسول الله فصلاتنا التي صليناها إلى بيت المقدس ما حالها ؟ فأنزل الله " وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم ". وقال في موضع آخر فيما فرض الله على الجوارح من الطهور والصلاة: وذلك أن الله تبارك وتعالى لما صرف نبيه إلى الكعبة عن بيت المقدس، قال المسلمون للنبي: يارسول الله أرأيت صلاتنا التي كنا نصلي إلى بيت المقدس ما حالها وحالنا فيها ؟ وحال من مضى من أمواتنا وهم يصلون إلى بيت المقدس ؟ فأنزل الله عزوجل " وما كان الله ليضيع إيمانكم " فسمى الله الصلاة إيمانا. أقول: سيأتي كثير من أخبار هذا الباب في باب الاستقرار، وباب صلاة الموتحل والغريق، وأبواب صلاة الخوف والمطاردة. * * * ولنختم الباب بذكر رسالة كتبها الشيخ الجليل أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القمي قدس الله روحه في القبلة (في سنة ثمان وخمسين وخمسمائة) (1) وكثيرا ما يذكر الاصحاب عنه ويعولون عليه، وهو داخل في إجازات أكثر الاصحاب كما ستعرف في آخر الكتاب. قال الشهيد نور الله ضريحه في الذكرى: ذكر الشيخ أبو الفضل شاذان بن جبرئيل القمي، وهو من أجلاء فقهائنا في كتاب إزاحة العلة في معرفة القبلة، وذكر فصلا منه، واشتبه على بعض الاصحاب فتوهم أنه تأليف الفضل بن شاذان، وليس كذلك لما صرح به الشهيد وغيره.

 

(1) - زيادة من نسخة الاصل بخطه قدس سره مستدركا بين السطور.

 

[73]

ازاحة العلة في معرفة القبلة لمؤلفه أبي الفضل شاذان بن جبرئيل القمي


 

[74]

بسم الله الرحمن الرحيم قال قدس سره: سألني الامير فرامرز بن علي الجرجاني إملاء مختصر يشتمل على ذكر معرفة القبلة من جميع أقاليم الارض مما ورد عن أئمة الهدى عليهم السلام فامتثلت مرسومه، أدام الله نعمته، فأول ما ابتدأت بذكره وجوب التوجه إلى القبلة، ثم ذكرت بعد ذلك أقسام القبلة وأحكامها، وذكرت كيفية ما يستدل به أهل كل إقليم إلى منتهى حدوده على معرفة قبلتهم إنشاء الله تعالى. فصل في ذكر وجوب التوجه إلى القبلة قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله: " قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضيها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره " (1) أي نحوه، وقال عزوجل " ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وأنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعلمون " (2) فأوجب الله تعالى بظاهر اللفظ التوجه نحو المسجد الحرام لمن نأى عنه (3).

 

(1) البقرة: 144. (2) البقرة: 149. (3) كذا ذكره الشيخ في التهذيب ج 2 ص 42 باب القبلة ط نجف، واستدل بقول هذيل: أقول لام زنباع أقرى * صدور العيس شطر بنى تميم وقول لقيط الايادي: فقد أظلكم من شطر ثغركم * هول له ظلم تغشاكم قطعا استدل بهما على أن الشطر بمعنى النحو والجهة والناحية.

 

[75]

وروى أبو بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله " فأقم وجهك للدين حنيفا " (1) قال أمره أن يقيم وجهه للقبلة خالصا مخلصا، ليس فيه شئ من عبادة الاوثان (2). وعن أبي بصير أيضا قال: سألته عن قول الله عزوجل " وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد " (3) قال: هذه القبلة (4) أيضا. فوجه وجوب معرفة القبلة التوجه إليها في الصلاة كلها فرائضها وسننها مع الامكان، وعند الذبح والنحر، وعند إحضار الاموات وغسلهم والصلاة عليهم ودفنهم، والوقوف بالموقفين، ورمي الجمار، وحلق الرأس، لا وجه لوجوب معرفة القبلة سوى ذلك. فصل في ذكر أقسام القبلة وأحكامها المكلفون في باب التوجه إلى القبلة على ثلاثة أقسام: منهم من يلزمه التوجه إلى نفس الكعبة، فلا يحتاج إلى طلب الامارات، وهو كل من كان مشاهدا بأن يكون في المسجد الحرام، أو يكون في حكم المشاهد بأن يكون ضريرا أو يكون بينه وبين الكعبة حائل أو يكون خارج المسجد الحرام بحيث لا يخفى عليه جهة الكعبة. والقسم الثاني ما يلزمه التوجه إلى نفس المسجد الحرام، وهو كل من كان مشاهد المسجد الحرام أو في حكم المشاهد، أو غلب على ظنه جهته ممن كان في الحرم، وهذا القسم أيضا لا يحتاج إلى تطلب تلك الامارات التي يحتاج إليها من كان خارج الحرم. والقسم الثالث من يلزمه التوجه إلى الحرم، فهو كل من كان خارج الحرم ونائيا عنه، وهو الذى يحتاج إلى تطلب تلك الامرات من سائر أقاليم الارض.

 

(1) الروم: 30. (2) التهذيب ج 2 ص 43 ط نجف ج 1 ص 145 ط حجر. (3) الاعراف: 29. (4) التهذيب ج 1 ص 145 ط حجر ج 2 ص 43 ط نجف.

 

[76]

فصل في ذكر صرف رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الكعبة من البيت المقدس قال معاوية بن عمار: قلت لابي عبد الله عليه السلام متى صرف رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الكعبة. قال: بعد رجوعه من بدر، وكان يصلي بالمدينة إلى بيت المقدس سبعة عشر شهرا، ثم اعيد إلى الكعبة (1). وعن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل " وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرؤف رحيم " (2) فقال عليه السلام: إن بني عبد الاشهل أتوهم وهم قد صلوا ركعتين إلى بيت المقدس، فقيل لهم إن نبيكم قد صرف إلى الكعبة، فتحول النساء مكان الرجال، والرجال مكان النساء، وجعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة، وصلوا صلاة واحدة إلى قبلتين، فلذلك سمى مسجدهم مسجد القبلتين (3) وهو بالمدينة قريبا من بئر رومة (4). فصل في ذكر من كان في جوف الكعبة أو فوقها أو عرصتها مع عدم حيطانها إذا كان الانسان في جوف الكعبة، صلى إلى أي جهة شاء إلا إلى الباب، فانه إذا كان مفتوحا لا يجوز التوجه إلى جهته، وكذلك الحكم إذا كان فوقها، سواء كان السطح له سترة من نفس البناء أو كان مغروزا فيه، أو لم يكن له سترة، ففي أي موضع وقف فيه جاز، اللهم إلا أن يقف على طرف الحائط بحيث لا يبقى بين يديه جزء من بناء البيت فانه لا يجوز حينئذ صلاته، لانه يكون قد استدبر القبلة.

 

(1) التهذيب ج 1 ص 145 ج 2 ص 43 ط نجف. (2) البقرة: 143. (3) التهذيب ج 1 ص 146. ج 2 ص 44 ط نجف. (4) من كلام شاذان نفسه، وبئر رومة في عقيق المدينة.

 

[77]

ويجوز لمن كان فوق الكعبة أيضا أن يصلي مستلقيا متوجها إلى البيت المعمور الذي يسمى الضراح في السماء الرابعة أو الثالثة، على خلاف فيه، وتكون صلاته إيماءا. ومتى انهدم البيت، والعياذ بالله جازت الصلاة إلى عرصته، وإن وقف وسط عرصته وصلى كان أيضا جايزا، ما لم يقف على طرف قواعده، بحيث لم يبق بين يديه جزء من أساسه. فصل في التوجه إلى القبلة من أربع جوانب البيت اعلم أن الناس يتوجهون إلى القبلة من أربع جوانب الارض: فأهل العراق و خراسان إلى جبلان وجبال ديلم، وما كان في حدوده مثل الكوفة وبغداد وحلوان، إلى الري وطبرستان، إلى جبل سابور وإلى ما وراء النهر إلى خوارزم، إلى الشاش (1) وإلى منتهى حدوده، ومن يصلي إلى قبلتهم من أهل الشرق إلى حيث يقابل المقام والباب. ويستدل على ذلك من النجوم بتصيير بنات نعش خلف الاذن اليمنى، والجدي إذا طلع خلف منكبه الايمن، والفجر موازيا لمنكبه الايسر، والشفق محاذيا لمنكبه الايمن، والهنعة إذا طلعت بين الكتفين (2) والدبور مقابله، والصبا خلفه والشمال على يمينه والجنوب على يساره (3) أو بجعل عين الشمس عند الزوال على حاجبه الايمن. وعلى أهل العراق ومن يصلي إلى قبلتهم من أهل الشرق التياسر قليلا. وسئل الصادق عليه السلام عن التياسر فقال: إن الحجر الاسود لما انزل به من الجنة

 

(1) الشاش: بلد بما وراء النهر. منه رحمه الله. (2) الهنعة - منكب الجوزاء الايسر، وهى خمسة أنجم مصطفة ينزلها القمر. (3) قال الجوهري: الصبا - بالفتح - ربح ومهبها المستوى أن تهب من موضع مطلع الشمس إذا استوى الليل والنهار، ونيحتها الدبور (يعنى مقابلتها) والجنوب ريح تقابل

 

[78]

ووضع في موضعه، جعل أنصاب الحرم من حيث يلحقه نور الحجر الاسود، فهي عن يمين الكعبة أربعة أميال، وعن يسارها ثمانية أميال كلها اثنى عشر ميلا، فإذا انحرف الانسان ذات اليمين خرج عن جهة القبلة، لقلة أنصاب الحرم، وإذا انحرف ذات اليسار لم يكن خارجا عن حد القبلة (1). والانصاب هي الاعلام المبنية على حدود الحرم، والفرق بين الحل والحرم. فصل في ذكر التوجه إلى القبلة من مالطة وشمشاط (2) والجزيرة إلى الموصل وما وراء ذلك من بلاد آذربيجان والابواب إلى حيث يقابل مابين الركن الشامي إلى نحو المقام، ويستدل على ذلك من النجوم بتصيير بنات نعش خلف الاذن اليمنى والعيوق (3) إذا طلع خلف الاذن اليسرى، وسهيل إذا تدلى للمغيب بين

 

الشمال، وقال الفيروزآبادي: الشمال بالفتح ويكسر: الريح التى تهب من قبل الحجر أو ما استقبلك عن يمينك وأنت مستقبل القبلة والصحيح أنه مامهبه بين مطلع الشمس وبنات النعش أو من مطلع الشمس إلى مسقط النسر الطائر، ويكون اسما وصفة، ولا تكاد تهب ليلا وقال: الجنوب ريح تخالف الشمال مهبها من مطلع سهيل إلى مطلع الثريا وقال الصبا ريح مهبها من مطلع الثريا إلى بنات نعش، وقال: الدبور ريح تقابل الصبا، وقيل: الدبور ريح مهبها من مغرب الشمس إلى مطلع سهيل. (1) التهذيب ج 1 ص 146 ج 2 ص 44 و 45 ط نجف. (2) مالطة بلدة بالاندلس، وشمشاط بالكسر ثم السكون وشين كالاولى وآخره طاء مهملة مدينة بالروم على شاطئ الفرات، وهى من أعمال خرت برت. كذا في المراصد، وفي بعض النسخ سميساط، وهى بضم اوله وفتح ثانيه وياء مثناة من تحت ساكنة وسين اخرى ثم بعد الالف طاء مهملة: مدينة على شاطئ الفرات في طرف (طريق) على غربي الفرات، قال في المراصد وهى غير شمشاط. (3) العيوق: نجم أحمر مضئ في طرف المجرة الايمن يتلو الثريا لا يتقدمه وأصله فيعول، فلما التقى الياء والواو، والاولى ساكنة، صارتا ياء مشددة. قاله الجوهري.

 

[79]

العينين، والجدى إذا طلع بين الكتفين، والشرق على يده اليسري، والشمال على صفحة الخد الايمن والدبور على العين اليمنى، والجنوب على العين اليسرى. فصل في ذكر التوجه إلى القبلة من الشام والتوجه إلى القبلة من عسفان (1) وينبع والمدينة، وحر دمشق (2) وحلب وحمص وحماة وآمد وميافارقين وأقلاد، وإلى الروم وسماوة والجوذا وإلى مدين شعيب وإلى الطور وتبوك و الدار ومن بيت المقدس وبلاد الساحل كلها ودمشق إلى حيث يقابل الميزاب إلى الركن الشامي، ويستدل على ذلك من النجوم بتصيير بنات نعش إذا غابت خلف الاذن اليمنى والجدى إذا طلع خلف الكتف الايسر وموضع مغيب السهيل على العين اليمنى وطلوعه بين العينين، والمشرق على عينه اليسرى، والصبا على خذه الايسر والشمال على الكتف الايمن والدبور على صفحة الخد الايمن، والجنوب مستقبل الوجه. فصل في ذكر التوجه إلى القبلة من بلاد مصر والاسكندرية والقيروان إلى تاهرت إلى البربر إلى السوس (3) الاقصى من المغرب وإلى الروم وإلى البحر الاسود إلى حيث يقابل مابين الركن الغربي إلى الميزاب، ويستدل على ذلك

 

(1) - قيل: هو قرية جامعة على ستة وثلاثين ميلا من مكة وهى حد تهامة وبين عسفان إلى ملل موضع يقا له الساحل، وقيل منهلة من مناهل الطريق بين الجحفة ومكة وهي من مكة على مرحلتين. (2) كانه اسم واد. (3) السوس كورة بالاهواز وبلد بالمغرب وهو السوس الاقصى، وبلد آخر بالروم ذكره الفيروزآبادي منه رحمه الله. اقول وتاهرت مدينتان متقابلتان بأقصى المغرب أحدهما تاهرت القديمة والاخر تاهرت المحدثة، وفي الاصل وطبعة الكمبانى: " باهيوت ". فتحرر.

 

[80]

بتصيير الصليب (1) إذا طلع بين العينين وبنات نعش إذا غابت بين الكتفين والجدى إذا طلع على الاذن اليسرى والمشرق على العين اليسرى والصبا على المنكب الايسر والشمال بين العينين، والدبور على اليد اليمنى، والجنوب على العين اليسرى. فصل في ذكر التوجه إلى القبلة من بلاد الحبشة والنوبة والتوجه إلى القبلة من الصعيد الاعلى من بلاد مصر، وبلاد الحبشة، والنوبة والنحة والزعاوة والدمانس والتكرور والزيلع (2) ومن وراء ذلك من بلاد السودان إلى حيث يقابل مابين الركن الغربي والركن اليماني، ويستدل على ذلك بتصيير الثريا والعيوق إذا طلعا على يمينه وشماله، والشولة (3) إذا غابت بين الكتفين، والجدي على صفحة الخد الايسر، و المشرق بين العينين، والصبا على العين اليسرى، والدبور على المنكب الايمن، والجنوب على العين اليمنى. فصل في ذكر التوجه إلى القبلة من الصين واليمن والتهايم (4) وصعدة إلى الصنعاء وعدن وحرمس (5) إلى حضرموت وكذلك إلى البحر الاسود إلى حيث يقابل المستجار والركن اليماني، ويستدل على ذلك من النجوم بتصيير الجدي إذا طلع بين العينين

 

(1) نجوم أربعة تقع خلف النسر الواقع بهيئة الصليب. (2) الزيلع: بلد بساحل بحر الحبشة، منه رحمة الله بخطه، أقول والتكرور بفتح التاء ورائين مهملتين بلاد تنسب إلى قبيل من السودان في أقصى جنوب المغرب أهلها أشبه الناس بالزنوج، والدمانس: مدينة من نواحى تفليس بأرمنية: على ما في المراصد والزغاوة - بالفتح - بلد في جنوبي افريقية بالمغرب، وفي الاصل وهكذا ضبطه الكمبانى " الدعاوة " وهو تصحيف، وأما النحة، ففي الاصل جعله مصحف طنجة ظاهرا، وهي مدينة على ساحل بحر المغرب. فتحرر. (3) الشولة: كوكبان نيران متقاربان ينزلهما القمر. يقال لهما حمة العقرب. (4) جمع تهامة: كل أرض تتصوب إلى البحر. (5) كانه اسم بلد وفي القاموس بلد حرماس أملس، وفي اللسان الحرمس الاملس، ولعله مصحف حرض: بلد في أوايل اليمن من جهة مكة، أو جرمى: دار ملك الحبشة على ما سيجئ ذيل الباب.

 

[81]

وسهيل إذا غاب بين الكتفين، والمشرق على الاذن اليمنى، والصبا على صفحة الخد الايمن، والشمال على العين اليسرى، والدبور على المنكب الايسر، والجنوب على مرجع الكتف اليمنى. فصل في ذكر التوجه إلى القبلة من السند والهند وغير ذلك والتوجه إلى القبلة من الهند والسند وملتان وكابل والقندهار وجزيرة سيلان وما وراء ذلك من بلاد الهند إلى حيث يقابل الركن اليماني إلى الحجر الاسود، ويستدل على ذلك من النجوم بتصيير بنات نعش إذا طلعت على الخد الايمن، والجدي إذا طلع على الخد الايمن والثريا إذا غابت على العين اليسرى، وسهيل إذا طلع خلف الاذن اليسرى، والشرق على يد اليمين والصبا على صفحة الخد الايمن والشمال مستقبل الوجه، والدبور على المنكب الايسر، والجنوب بين الكتفين. فصل: في ذكر التوجه إلى القبلة من البصرة وغيرها والتوجه من البصرة والبحرين واليمامة والاهواز وخوزستان وفارس (واصفهان) وسجستان إلى التبت إلى الصين إلى حيث يقابل مابين الباب والحجر الاسود، ويستدل على ذلك من النجوم بتصيير النسر الطائر إذا طلع بين الكتفين، والجدي إذا طلع على الاذن اليمنى، والشولة إذا نزلت للمغيب بين عينيه، والمشرق على أصل المنكب الايمن، والصبا على الاذن اليمنى والشمال على العين اليمنى، والدبور على الخد الايسر، والجنوب بين الكتفين. فصل في ذكر من فقد هذه الامارات المذكورة في معرفة القبلة من فقد هذه الامارات، ومن اشتبه عليه ذلك، أو كان محبوسا في بيت بحيث لا يجد دليلا على القبلة، صلى الصلاة الواحدة إلى أربع جهات إلى كل جهة مرة، في حال الاختيار، ومع الضرورة إلى أي جهة شاء، ولايجوز استعمال الاجتهاد و التحري في طلبها على حال، وكذلك الحكم إذا كان الانسان في بر أو بحر وأطبقت السماء بالغيم، فانه يصلي الصلاة الواحدة إلى أربع جهات أربع مرات.


 

[82]

وقد تعلم القبلة بالمشاهدة أو بخبر عن مشاهدة يوجب العلم، أو بأن نصبها النبي صلى الله عليه وآله بمسجده كقبلة المدينة وقبا، وفي بعض أسفاره وغزواته بنى مساجد معروفة إلى الان مثل مسجد الفضيخ ومسجد الاعمى ومسجد الاجابة، ومسجد البغلة ومسجد الفتح، وسلع وغيرها من المواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وآله، وكالقبور المرفوعة بحضوره مثل قبر إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وفاطمة بنت أسد، وقبر حمزة سيد الشهداء باحد وغيره، أو بأن نصبها أحد الائمة عليهم السلام مثل قبلة الكوفة والبصرة وغيرهما، أو يحكم بأنهم صلوا إليها عليهم السلام فان بجميع ذلك تعلم القبلة. فصل في ذكر الغريب إذا دخل بلدة وهو لا يعلم القبلة كيف يصلي ؟ جاز له أن يصلي إلى قبلة تلك البلد، وإذا غلب على ظنه أنها غير صحيحة، وجب عليه أن يرجع إلى الامارات الدالة على القبلة عند صلاته، مع التمكن، وزوال العذر، وأن يأخذ بقول عدل، ويجب على الانسان تتبع الامارات كلما أراد أن يصلي اللهم إلا أن يكون قد علم أن القبلة في جهة بعينها ثم علم أنها لم تتغير جاز له أن يتوجه إليها من غير أن يجدد طلب الامارات. فصل في ذكر من كان بمكة خارج المسجد الحرام كيف يصلى من كان بمكة خارج المسجد الحرام أو في بعض بيوتها وجب عليه التوجه إلى جهة الكعبة، مع العلم، سواء كان غريبا أو قطنا، ولا يجوز له أن يجتهد في بعض بيوتها، لانه لا يتعذر عليه طريق العلم. ومن كان وراء جبل من جبال مكة وهو في الحرم، وأمكنه معرفة القبلة من جهة العلم، لم يجز له أن يعمل على الاجتهاد، بل يجب عليه طلبها من جهة العلم، ومن نأى عن الحرم فقد قلنا له أن يطلب جهة الحرم مع الامكان، فان كان له طريق يعلم من جهة الحرم وجب عليه ذلك، وإن لم يكن له طريق يعلم منه رجع إلى الامارات


 

[83]

التي ذكرناها، أو عمل على غلبة الظن، فان فقد هذه الامارات صلى إلى أربع جهات على ما ذكرناه، فان لم يتسع الوقت أو لا يتمكن من ذلك يصلي إلى أي جهة شاء. فصل في ذكر من فقد هذه الامارات وأراد أن يصلى الجماعة متى لزم جماعة الصلاة إلى أربع جهات لفقد الامارات، جاز لهم أن يصلوا جماعة إلى الجهات الاربع. والبصير إذا صلى إلى بعض الجهات ثم تبين له أنه صلى إلى غير القبلة والوقت باق أعاد الصلاة، فان كان صلى بصلاته بصير آخر وهو ممن لا يحسن الاستدلالات أو صلى بقوله ولم يصل معه، فان تقضى الوقت فلا إعادة على واحد منهما إلا أن يكون قد استدبر القبلة، فانه يعيدها هو وكل من صلى بقوله على الصحيح من المذهب وقال قوم من أصحابنا إنه لا يعيد والاول أصح. فان كان في حال الصلاة ثم ظن بأن القبلة عن يمينه أو عن شماله بنى عليه، واستقبل القبلة وتممها، فان كان مستدبر القبلة أعاد من أولها بلا خلاف، فان كان صلى بصلاته أعمى انحرف بانحرافه. وإذا كانوا جماعة، وقد فقدوا أمارات القبلة وأرادوا أن يصلوا جماعة جاز لهم أن يقتدوا بواحد منهم إذا تساوت ظنونهم في قياس القبلة فان غلب في ظن أحدهم جهة القبلة وتساوى ظن الباقين جاز أيضا أن يقتدوا به، لان فرضهم الصلاة إلى أربع جهات مع الامكان، وإلى جهة واحدة مع الضرورة. وهذه الجماعة متى اختلفت ظنونهم فيها وأدى اجتهاد كل واحد منهم إلى أن القبلة في خلاف جهة الآخر لم يكن لواحد منهم الاقتداء بالآخر على حال، وتكون صلاتهم فرادى، فان صلوها جماعة ثم رأى الامام في صلاته أنه أخطأ القبلة رجع إلى القبلة على ما فصلناه، والمأمومون إن غلب ذلك على ظنهم تبعوه في ذلك، وإن لم يغلب على ظنهم بنوا على ماهم عليه وتمموا صلاتهم منفردين، وكذلك الحكم في بعض المأمومين سواء.


 

[84]

ومن كان أعمى أو كان بصيرا إلا أنه لايعرف استدلالات القبلة، أو كان يحسن إلا أنه قد فقدها جاز أن يرجع في معرفة القبلة إلى قول من يخبره بذلك، إذا كان عدلا، فان لم يجد عدلا يخبره بذلك كان حكمه حكم من فقد الامارات في وجوب الصلاة عليه إلى أربع جهات مع الاختيار أو إلى جهة واحدة مع الاضطرار. ويجوز للاعمى أن يقبل من غيره ويرجع إلى قوله في كون القبلة في بعض الجهات سواء كان طفلا أو بالغا، فان لم يرجع إلى قوله وصلى برأي نفسه، وأصاب القبله كانت صلاته ماضية، وإن أخطأ القبلة أعاد الصلاة، لان فرضه أن يصلي إلى أربع جهات فان كان في حال الضرورة كانت صلاته ماضية. ولايجوز له أن يقبل من الكفار ولا ممن ليس على ظاهر الاسلام، وقول الفاسق، لانه غير عدل، وإذا دخل الاعمى في صلاته بقول واحد ثم قال آخر: القبلة في جهة غيرها، عمل على قول أعدلهما عنده، فان تساويا في العدالة مضى في صلاته، لانه دخل فيها بيقين، ولا يرجع عنها إلا بيقين مثله. وإذا دخل الاعمى في الصلاة بقول بصير ثم أبصر وشاهد أمارات القبلة، وكانت صحيحة بنى على صلاته، وإن احتاج إلى تأمل كثير، وتطلب أمارات ومراعاتها، استأنف الصلاة، لان ذلك عمل كثير في الصلاة وهو يبطل الصلاة، وفي أصحابنا من قال إنه يمضى في صلاته، والاول أحوط. فان دخل بصير في الصلاة ثم عمي فعليه أن يتمم صلاته، لانه توجه إلى القبلة بيقين، ما لم ينحرف عن القبلة، فان التوى عليه التواء لا يمكنه الرجوع إليها بيقين، بطلت صلاته، ويحتاج إلى استينافها بقول من يسدده، فان كان له طريق رجع إليها وتمم صلاته، فان وقف قليلا ثم جاء من يسدده جازت صلاته وتممها، وإن تساوت عنده الجهات فقد قلنا إنه يصلي إلى أربع جهات مع الامكان، ويكون مجزيا في حال الضرورة. فان دخل فيها ثم غلب على ظنه أن جهة القبلة في غير تلك الجهة، مال إليها وبنى على صلاته، ما لم يستدبر القبلة فان كان مستدبرها أعاد الصلاة.


 

[85]

فصل في ذكر استقبال القبلة لمن يصلى على الراحلة أو في السفينة أو في حال المسابقة والمطاردة. اعلم أن المسافر لا يصلي الفريضة على الراحلة مع الاختيار، فان لم يمكنه غير ذلك جاز له أن يصلي على الراحلة، غير أنه يستقبل القبلة على كل حال ولا يجوز له غير ذلك وأما النوافل فلا بأس أن يصليها على الراحلة، وأما صلاة الجنازة وصلاة الفرض أو قضاء الفريضة أو صلاة الكسوف أو صلاة العيدين أو صلاة النذر فلا يصلي شيئا من ذلك على الراحلة مع الاختيار، ويجوز مع الاضطرار لعموم الاخبار والمنع من ذلك على الراحلة في الامصار مع الضرورة والاختيار، وفعلها على الارض. وكذا في السفينة إذا دارت يدور معها بالعكس حيث تدور، فان لم يمكنه صلى على صدر السفينة بعد أن يستقبل القبلة بتكبيرة الاحرام. وأما حال شدة الخوف وحال المطادرة والغرق والمسايفة، فانه يسقط فرض استقبال القبلة، ويصلي كيف شاء، ويمكن منه إيماء ويقتصر على التكبير على ما ذكره أصحابنا في كتبهم رضي الله عنهم.


 

[86]

أقول: إنما أوردت الرسالة بتمامها، لاشتهارها بين علمائنا المتأخرين، و تعويلهم عليها في أحكام القبلة، لكن العلامات التي ذكرها - ره - كثير منها مخالفة للتجربة، والقواعد الهيئاوية، بل لا يوافق بعضها بعضا، ولم نتكلم في ذلك، لان استيفاء القول فيها يوجب بسطا لا يناسب الكتاب والرجوع إلى القواعد الرياضية، والآلات المعدة لذلك من الاسطرلاب والهندسة أضبط وأقوى، والتعويل عليها أحوط وأولى، إذ بعد استعلام خط نصف النهار ينحرف عنه إلى اليمين وإلى الشمال بقدر ما استخرجوه من انحراف كل بلد. وتفصيله أن يسوى الارض غاية التسوية، وقد ذكروا لها وجوها شهرتها عند البنائين تغني عن ذكرها، ويقام مقياس في وسط ذلك السطح، ويرسم حول المقياس دائرة نصف قطرها بقدر ضعف المقياس على ما ذكروه، وإن لم يكن ذلك لازما، بل اللازم أن يكون المقياس بحيث يدخل ظله الدائرة قبل الزوال ويخرج بعده، ويرصد دخول الظل الدايرة وخروجه عنها، قبل نصف النهار وبعده، ويعلم كلا من موضعي الدخول والخروج بعلامة، وينصف القوس التي بينهما ويوصل بين المنتصف والمركز بخط مستقيم، فهو خط نصف النهار، وبخروج رأس ظل المقياس عنه يعرف أول الزوال، وبقدر الانحراف عنه يمينا وشمالا يعرف القبلة. ولنذكر مقدار انحراف البلاد المعروفة كما ذكره المحققون في كتب الهيئة، لئلا يحتاج الناظر في هذا الكتاب إلى الرجوع إلى غيره: فالبلاد التي تكون على خط نصف النهار (1) سمت قبلتهم نقطة الجنوب أو الشمال، وأما البلاد المنحرفة عن نقطة الجنوب إلى المغرب، فبلدتنا اصبهان منحرفة عن نقطة الجنوب إلى اليمين بأربعين

 

(1) يعنى الخط الذى يمر على مكة زادها الله شرفا ويقع عليها المدينة وأمثالها.

 

[87]

درجة وتسع وعشرين دقيقة، وكاشان بأربع وثلاثين درجة وإحدى وثلاثين دقيقة وقزوين بسبع وعشرين درجة وأربع وثلاثين دقيقة، وتبريز بخمس عشرة درجة و أربعين دقيقة، ومراغة بست عشرة درجة وسبع عشرة دقيقة، ويزد بثمان وأربعين درجة وتسع وعشرين دقيقة، وقم باحدى وثلاثين درجة وأربع وخمسين دقيقة، و استراباد بثمان وثلاثين درجة وثمان وأربعين دقيقة، وطوس ومشهد الرضا صلوات الله عليه بخمس وأربعين درجة وست دقايق، ونيسابور بست وأربعين درجة وخمس وعشرين دقيقة، وسبزوار بأربع وأربعين درجة واثنتين وخمسين دقيقة، وبغداد باثنتي عشرة درجة وخمس وأربعين دقيقة، وكوفة باثنتي عشرة درجة وإحدى وثلاثين دقيقة وسر من رأى بسبع درجات وست وخمسين دقيقة، والمداين بثمان درجات وثلاثين دقيقة، والحلة باثنتي عشرة درجة، وبحرين بسبع وخمسين درجة وثلاث وعشرين دقيقة، ولحسا بتسع وستين درجة وثلاثين دقيقة، وشيراز بثلاث وخمسين درجة و ثمان عشرة دقيقة، وهمدان باثنتين وعشرين درجة وست عشرة دقيقة، وساوه بتسع وعشرين درجة وست عشرة دقيقة، وتون بخمسين درجة وعشرين دقيقة، وطبس باثنتين وخمسين درجة وخمس وخمسين دقيقة، وتستر بخمس وثلاثين درجة وأربع وعشرين دقيقة، وأردبيل بسبع عشرة درجة وثلاث عشرة دقيقة، وهرات بأربع وخمسين درجة وثمان دقايق، وقاين بأربع وخمسين درجة ودقيقة، وسمنان بست وثلاثين درجة وسبع عشرة دقيقة، ودامغان بثمان وثلاثين درجة، وبسطام بتسع و ثلاثين درجة وثلاث عشرة دقيقة، ولاهيجان بثلاث وعشرين درجة، وسارى باثنتين وثلاثين درجة وأربع وخمسين دقيقة، وآمل بأربع وثلاثين درجة وست وثلاثين دقيقة، وقندهار بخمس وسبعين درجة، والرى بسبع وثلاثين درجة وست و عشرين دقيقة، وكرمان باثنتين وستين درجة وإحدى وخمسين دقيقة، وبصره بثمان وثلاثين درجة، وواسط بعشرين درجة وأربع وخمسين دقيقة، والاهواز بأربعين درجة وثلاثين دقيقة، وگنجه بخمس عشرة درجة وتسع وأربعين دقيقة، وبردع بست عشرة درجة وسبع وثلاثين دقيقة، وتفليس بأربع عشرة درجة و


 

[88]

إحدى وأربعين دقيقة، وشيروان بعشرين درجة وتسع دقايق، وكذا الشماخي، وسجستان بثلاث وستين درجة وثمان عشرة دقيقة، وطالقان بتسع وعشرين درجة وثلاث وثلاثين دقيقة، وسرخس باحدى وخمسين درجة وأربع وخمسين دقيقة. والمرو باثنتين وخمسين درجة وثلاثين دقيقة، والبلخ بستين درجة وست وثلاثين دقيقة، وبخارا بتسع وأربعين درجة وثمان وثلاثين دقيقة، وجنابد باثنتين و خمسين درجة وخمس وثلاثين دقيقة، وبدخشان بأربع وستين درجة وتسع دقايق وسمرقند باثنتين وخمسين درجة وأربع وخمسين دقيقة، وكاشغر بثمان وخمسين درجة وست وثلاثين دقيقة، وخان بالغ بثلاث وسبعين درجة وثلاثين دقيقة، و غزنين بسبعين درجة وسبع وثلاثين دقيقة، وتبت بست وستين درجة وست و عشرين دقيقة، وبست بثلاث وستين درجة وثلاثين دقيقة، وهرموز بأربع وسبعين درجة، ولهاور بثمان وسبعين درجة وست وعشرين دقيقة، ودهلي بسبع وثمانين درجة وست وعشرين دقيقة، وترشيز بثمان وأربعين درجة وإحدى عشرة دقيقة، وخبيص بسبع وخمسين درجة وثمان وأربعين دقيقة، وأبهر بأربع وعشرين درجة، وكازران باحدى وخمسين درجة وست وخمسين دقيقة، وجرفادقان بثمان وثلاثين درجة، وخوارزم بأربعين درجة، وخجند بخمسين درجة. وأما الانحرافات من الجنوب إلى المشرق، فالمدينة المشرفة منحرفة قبلتها من نقطة الجنوب إلى المشرق بسبع وثلاثين درجة وعشر دقايق، ومصر بثمان وخمسين درجة وثمان وثلاثين دقيقة، ودمشق بثلاثين درجة وإحدى وثلاثين دقيقة، وحلب بثمان عشرة درجة وتسع وعشرين دقيقة، وقسطنطينية بثمان وثلاثين درجة وسبع عشرة دقيقة، وموصل بأربع درجات واثنتين وخمسين دقيقة، وبيت المقدس بخمس وأربعين درجة وست وخمسين دقيقة. وأما ما كان من الشمال إلى المغرب فبنارس بخمس وسبعين درجة وأربع وثلاثين دقيقة، وأكره بتسع وثمانين درجة ودقيقة، وسرانديب بسبعين درجة


 

[89]

واثنتي عشرة دقيقة، وچين بخمس وسبعين درجة، وسومنات بخمس وسبعين درجة وأربع وثلاثين دقيقة. وأما ما كان من الشمال إلى المشرق فصنعا بدرجة وخمس عشرة دقيقة، وعدن بخمس درجات وخمس وخمسين دقيقة، وجرمي دار ملك الحبشة بسبع وأربعين درجة وخمس وعشرين دقيقة وساير البلاد القريبة من تلك البلاد والمتوسطة بينها يعرف انحرافها بالمقايسة والتخمين، والله الموفق والمعين.


 

[90]

11. * " (باب) " * * " (وجوب الاستقرار في الصلاة (1) والصلاة على الراحلة) " * * " (والمحمل والسفينة والرف المعلق وعلى) " * * " (الحشيش والطعام وأمثاله) " * 1 - كشف الغمة: نقلا من كتاب الدلائل للحميري: عن فيض بن مطر قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام وأنا أريد أن أسأله عن صلاة الليل في المحمل، قال:

 

(1) ولنا أن نستدل لوجوب الاستقرار والطمأنينة بقوله تعالى عزوجل " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين * فان خفتم فرجالا أو ركبانا فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون " البقرة: 238 - 239، حيث ان الاية تفيد أن الصلاة المفروضة يجب أن تكون عن قيام في استقرار وأمنة وثبات، الا إذا خاف المصلى على نفسه بأى خوف كان: من لحوق العدو، أو الضلال في الطريق إذا تخلف عن القافلة، أو ضياع ماله وتلف عياله وصبيانه إذا تخلف عن القطار والسكك الحديدية، أو غير ذلك من أنواع الخوف حتى في الحضر ومنها خوف السبع والحيات أو الغرق والحرق إذا نزل من الشجر الذي ركبه وأوى إليه. فعلى أي حال من الخوف كان، يسقط عنه القيام في استقرار وأمنة وعليه أن يصلى صلاته ماشيا أو راكبا ويأتى بالركوع والسجود ايماء كما ورد شرح ذلك في روايات أهل البيت عليهم الصلاة والسلام. ثم يؤكد ذيل الاية وجوب الاستقرار والامنة بقوله تعالى: " فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون " وما لم نكن نعلمه لولا تعليمه عزوجل في كتابه العزيز هو ذكر الله في قيام وركوع وسجود بالطمأنينة والامنة، فيكون المراد به اقامة الصلاة على الكيفية المعهودة المجعولة عبادة. كما هو ظاهر.

 

[91]

فابتدأني فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي على راحلته حيث توجهت به (1). بيان: يدل على جواز الاتيان بالنافلة في المحمل والراحلة، فأما في السفر كما هو ظاهر الخبر، فقال في المعتبر: عليه اتفاق علمائنا، سواء كان السفر طويلا أو قصيرا وأما الجواز في الحضر فقد نص عليه الشيخ في المبسوط والخلاف وتبعه المتأخرون ومنع منه ابن أبي عقيل والاقرب جواز التنفل على الراحلة للراكب سفرا وحضرا مع الضرورة والاختيار، وكذا الماشي كما عرفت. 2 - المحاسن: عن علي بن النعمان، عمن ذكره، عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل يصلي وهو على دابة متلثما يومئ قال: يكشف موضع السجود (2). ومنه: عن علي بن الحكم عمن ذكره قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام في المحمل يسجد على القرطاس وأكثر ذلك يومي إيماء (3). بيان: يدل الخبر الاول على أن المصلي على الراحلة يسجد على شئ مع الامكان، فان الظاهر أن الكشف للسجود، ولو لم يتمكن من ذلك وأمكنه رفع شئ يسجد عليه، فالاولى أن يأتي به كما ذهب إليه بعض الاصحاب، وكل ذلك في الفريضة، فان الظاهر أنه يجوز أن يقتصر على الايماء في النافلة، وإن كان في المحمل وأمكنه السجود كما يومي إليه الخبر الثاني، بحمله على النافلة جمعا. ويؤيده ما رواه الشيخ عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا يصلي على الدابة الفريضة إلا مريض يستقبل بوجهه القبلة، ويجزيه فاتحة الكتاب، ويضع وجهه في الفريضة على ما أمكنه من شئ ويومي في النافلة (4) وسيأتي بعض الكلام فيه في صلاة المريض. 3 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن أحمد بن هارون بن الصلت، عن أحمد ابن محمد بن سعيد بن عقدة، عن القاسم بن جعفر بن أحمد، عن عباد بن أحمد القزويني

 

(1) كشف الغمة ج 2 ص 347. (2 - 3) المحاسن ص 373. (4) التهذيب ج 1 ص 340.

 

[92]

عن عمه، عن أبيه، عن جابر، عن إبراهيم بن عبد الاعلى، عن سويد بن غفلة، عن علي عليه السلام وعمر وأبي بكر و عبد الله بن العباس قالوا كلهم إذا صليت في السفينة فأوجب الصلاة إلى قبلة، فان استدارت فاثبت حيث أوجبت الخبر (1). تأييد: قال في الذكرى: إذا اضطر إلى الفريضة على الراحلة أو ماشيا أو في السفينة، وجب مراعات الشرائط والاركان مهما أمكن امتثالا لامر الشارع، فان تعذر أتى بما يمكن، فلو أمكن الاستقبال في حال دون حال وجب بحسب مكنته، و لو لم يتمكن إلا بالتحريم وجب، فان تعذر سقط. 4 - الاحتجاج: فيما كتب الحميري إلى القائم عليه السلام الرجل يكون في محمله والثلج كثير بقامة رجل فيتخوف أن ينزل فيغوص فيه، وربما يسقط الثلج وهو على تلك الحال ولا يستوي له أن يلبد شيئا منه لكثرته وتهافته، هل يجوز أن يصلي في المحمل الفريضة ؟ فقد فعلنا ذلك أياما فهل علينا في ذلك إعادة أم لا ؟ فأجاب عليه السلام لا بأس به عند الضرورة والشدة (2). بيان: قال الجوهري التهافت التساقط قطعة قطعة. أقول: يدل على عدم جواز الاتيان بالفريضة على الراحلة اختيارا، وجوازه عند الضرورة، والحكمان إجماعيان كما يظهر من المعتبر وغيره، ومقتضى إطلاق الاصحاب عدم الفرق بين اليومية وغيرها من الصلوات الواجبة، في عدم جوازها على الراحلة اختيارا، وإن كان في إثبات غير اليومية إشكال، إذا المتبادر من الروايات الصلوات الخمس وكذا مقتضى إطلاقهم عدم الفرق بين الواجب بالاصل، وبالعارض به كالمنذور به صرح الشيخ في المبسوط. وقال الشهيد في الذكرى: لا فرق في ذلك بين أن ينذرها راكبا أو مستقرا على الارض، لانها بالنذر اعطيت حكم الواجب، وينافيه ما رواه الشيخ (3) عن علي

 

(1) أمالي الطوسي ج 1 ص 357. (2) الاحتجاج: 273. (3) التهذيب ج 1 ص 319.

 

[93]

ابن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل جعل لله عليه أن يصلي كذا وكذا صلاة، هل يجزيه أن يصلي ذلك على دابته وهو مسافر ؟ قال: نعم، ويمكن حمله على الضرورة، وقال بعض المتأخرين يمكن القول بالفرق، واختصاص الحكم بما وجب بالاصل، خصوصا مع وقوع النذر على تلك الكيفية، عملا بمقتضى الاصل، وعموم مادل على وجوب الوفاء بالنذر، وأيده بالخبر المذكور وهو قريب. 5 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي على الرف المعلق بين نخلتين ؟ قال: إن كان مستويا يقدر على الصلاة عليه فلا بأس (1). قال: وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي على الحشيش النابت أو الثيل وهو يجد أرضا جددا ؟ قال: لا بأس (2). قال: وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي على البيدر مطين عليه ؟ قال: لا يصلح (3). قال: وسألته عن الرجل يكون في السفينة هل يصلح له أن يضع الحصير فوق المتاع أو القت أو التبن أو الحنطة أو الشعير وأشباهه، ثم يصلي ؟ قال: لا بأس (4). قال: وسألته عن الرجل يصلح له أن يصلي على السفينة الفريضة وهو يقدر على الجد قال: نعم لا بأس (5). قال: وسألته عن قوم صلوا جماعة في سفينة أين يقوم الامام ؟ وإن كان معهم نساء كيف يصنعون أقياما يصلون أم جلوسا ؟ قال: يصلون قياما وإن لم يقدروا على القيام صلوا جلوسا ويقوم الامام أمامهم، والنساء خلفهم، وإن ضاقت السفينة قعدن النساء

 

(1) قرب الاسناد: 86 ط حجر 112 ط نجف. (2) قرب الاسناد: 114 ط نجف. (3) قرب الاسناد: 127 ط نجف. (4) قرب الاسناد: 129 ط نجف ص 98 ط حجر. (5) قرب الاسناد: 130 ط نجف.

 

[94]

وصلى الرجال، ولا بأس أن تكون النساء بحيالهم (1). ايضاح: يدل الجواب الاول على جواز الصلاة على الرف المعلق بين النخلتين وقد روي في سائر الكتب بسند صحيح (2) وهو يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون المراد شد الرف بالنخلتين، فالسؤال باحتمال حركتهما، والجواب مبني على أنه يكفي الاستقرار في الحال، فلا يضر الاحتمال، أو على عدم ضرر مثل تلك الحركة وثانيهما أن يكون المراد تعليق الرف بحبلين مشدودين بنخلتين، وفيه إشكال، لعدم تحقق الاستقرار في الحال، والحمل على الاول أولى وأظهر، ويؤيده ما ذكره الفيروز آبادي في تفسير الرف بالفتح أنه شبه الطاق (3).

 

(1) قرب الاسناد: 131 ط نجف ص 98 ط حجر. (2) راجع التهذيب ج 1 ص 243. (3) هذا الذي ذكره الفيروزآبادى وزاد عليه الاقرب بأنه يجعل عليه طرائف البيت هو الرف المعمول في الابنية فوق الطاق والطاق ما عطف من الابنية وجعل كالقوس و يقال له طاقچه يجعل عليه لوازم البيت من سراج ونحوه، وما في اعلاه هو الرف معدا لطرائف البيت. لكن المراد بالرف في الحديث هو الذي يعمل في المزارع والبساتين كالسرير لكن ليس له قواعد من تحته يقع على الارض بل يعلق أخشاب السرير بالنخل مثلا أو غيره من الاشجار: فقد يرف بين نخلتين بما يمكن أن ينام عليه رجل واحد من الدهاقين أو بين نخلات أربعة فيسكن عليه مع عياله، وانما يعملون ذلك حفظا من نداوة الارض حين سقايتها، أو حذرا من هوامه الموذية. وأما الارجوحة فهى حبل يعلق من نخل أو نحوه يركبه الصبيان ويميلون به إلى القدام والخلف، وربما جعلوا تحتهم ما يشبه كفة الميزان وعلقوها بحبال أربعة، و المراد هنا كبيرها يعمل في البساتين للنوم عليها لا للرجاحة واللعب لكن يشكل الصلاة عليها فانه لا استقرار لها كالمراكب، بل يضطرب اضطرابا، وبالاخص حين القيام و القعود عليه.

 

[95]

وتوقف العلامة في القواعد في جواز الصلاة على الارجوحة المعلقة بالحبال، واستقرب جوازه في التذكرة، ومنعه في المنتهى، واختاره الشهيد رحمه الله. وكذا اختلفوا في الصلاة على الدابة معقولة بحيث يأمن عن الحركة والاضطراب والاشهر المنع لعموم المنع عن الصلاة على الراحلة، ولان إطلاق الامر بالصلاة ينصرف إلى القرار المعهود، وهو ما كان على الارض، وما في معناه، واستقرب العلامة رحمه الله في النهاية والتذكرة الجواز. والجواب الثاني محمول على ما إذا تحقق الاستقرار في السجود، ولو بعد زمان، وفي القاموس الثيل ككيس ضرب من النبت انتهى، والظاهر أنه الذي يقال له بالفارسية مرغ، والجدد بالتحريك الارض الصلبة. وعدم صلاحية الصلاة على البيدر في الجواب الثالث إما لعدم الاستقرار أو لمنافاته لاكرام الطعام أو لكراهة جعل المأكول مسجودا، وإن كان بواسطة، والاوسط أظهر كما سيأتي في الخبر، وعلى التقادير الظاهر الكراهة، والتجويز في الرابع يؤيده وإن كان الظاهر أن التجويز للضرورة. والجواب الخامس يدل على جواز الصلاة في السفينة مع القدرة على الجد بالضم أي شاطئ النهر، وهو المشهور بين الاصحاب حيث ذهبوا إلى جواز الصلاة في السفينة اختيارا، وإن كانت سائرة، وذهب أبو الصلاح وابن إدريس والشهيد في الذكرى إلى المنع اختيارا ولا ريب في الجواز مع الضرورة والجواز مطلقا أقوى. والجواب السادس يدل على المنع من محاذات النساء للرجال في الصلاة، وسيأتي القول فيه، وقوله عليه السلام: لا بأس أن يكون النساء بحيالهم أي في حال عدم صلاة النساء. 6 - الاختصاص: عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن عبد الملك قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل يتخوف اللصوص والسبع كيف يصنع بالصلاة إذا خشي أن يفوت الوقت ؟ قال: فليؤم برأسه فليتوجه إلى القبلة وتتوجه دابته حيث ما


 

[96]

توجهت به (1). 7 - قرب الاسناد: عن محمد بن عيسى والحسن بن طريف وعلي بن إسماعيل كلهم عن حماد بن عيسى قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: كان أهل العراق يسئلون أبي عليه السلام عن الصلاة في السفينة فيقول: إن استطعتم أن تخرجوا إلى الجد فافعلوا، فان لم تقدروا فصلوا قياما، وإن لم تقدروا فصلوا قعودا وتحروا القبلة (2). ومنه: عن محمد بن عبد الحميد، عن الحسن بن علي بن فضال، عن الفضل الواسطي قال: كتبت إليه: كسفت الشمس والقمر وأنا راكب، قال: فكتب إلى صل على مركبك الذي أنت عليه (3). ومنه: عن محمد بن عيسى والحسن بن طريف وعلي بن إسماعيل كلهم عن حماد بن عيسى قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى تبوك فكان يصلي على راحلته حيث توجهت به ويومي إيماء (4). 8 - أربعين الشهيد: باسناده، عن الصدوق - ره - عن جعفر بن الحسين، عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري عن والده، عن محمد بن عيسى عن حماد مثله. 9 - قرب الاسناد: عن الحسن بن طريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله أوتر على راحلته في غزاة تبوك، قال: وكان علي عليه السلام يوتر على راحلته إذا جد به السير (5). بيان: هذا الخبر يدل على أن الخبر السابق أيضا محمول على النافلة، والتقييد بجد السير في هذا الخبر محمول على الاستحباب. 10 - مشكوة الانوار: نقلا من كتاب المحاسن عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

 

(1) الاختصاص: 29. (2) قرب الاسناد: 11 ط حجر 15 ط نجف. (3) قرب الاسناد ص 174 ط حجر ص 232 ط نجف. (4) قرب الاسناد ص 10 ط حجر ص 13 ط نجف. (5) قرب الاسناد ص 54 ط حجر ص 73 ط نجف.

 

[97]

إن رجلا أتى أبا جعفر عليه السلام فقال له: أصلحك الله أتجر إلى هذه الجبال فنأتي أمكنة لا نستطيع أن نصلي إلا على الثلج، قال: ألا تكون مثل فلان يرضى بالدون، ولا يطلب التجارة في أرض لايستطيع أن يصلي إلا على الثلج (1). 11 - المحاسن: عن محمد بن علي، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن صاحب لنا فلاحا يكون على سطحه الحنطة والشعير فيطؤنه ويصلون عليه ؟ قال: فغضب وقال: لولا أني أرى أنه من أصحابنا للعنته (2). قال: ورواه أبي عن محمد بن سنان، عن أبي عيينة، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله وزاد فيه: أما يستطيع أن يتخذ لتفسه مصلى يصلى فيه ؟ ثم قال: إن قوما وسع عليهم في أرزاقهم حتى طغوا فاستخشنوا الحجارة فعمدوا إلى النقي فصنعوا منه كهيئة الافهار في مذاهبهم فأخذهم الله بالسنين، فعمدوا إلى أطعمتهم فجعلوها في الخزائن، فبعث الله على ما في خزائنهم ما أفسد حتى احتاجوا إلى ما كانوا يستنظفون به في مذاهبهم، فجعلوا يغسلونه ويأكلونه (3). 12 - المقنعه: قال سئل عليه السلام عن الرجل يجد به السير أيصلي على راحلته قال: لا بأس بذلك يومي أيماء وكذلك الماشي إذا اضطر إلى الصلاة (4). بيان: تشبيه الماشي إما في أصل الجواز أو في الايماء أيضا إذا لم يقدر على السجود والركوع إذا الراكب أيضا إذا قدر على الركوع والسجود فوق الراحلة أو بالنزول و قدر عليه وجب كما ذكره الاصحاب. 13 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن قوم في سفينة لا يقدرون أن يخرجوا إلا إلى الطين وماء، هل يصلح لهم أن يصلوا

 

(1) مشكاة الانوار: 131. (2) المحاسن ص 588. (3) المحاسن: 588، وقد شرح الخبر في ج 80 ص 202 - 204. (4) في الاصل المقنعة بخطه قدس سره ولم نجده في مظانه، وفي الكمبانى المقنع ولا يوجد فيه.

 

[98]

الفريضة في السفينة ؟ قال: نعم (1). بيان: ظاهره أن جواز الصلاة في السفينة مقيد بعدم إمكان الخروج، لكن التقييد في كلام السائل، ويمكن الحمل على الاستحباب أيضا. 14 - نوادر الراوندي: باسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: سئل علي عليه السلام عن الصلاة في السفينة فقال: أما يجزيك أن تصلي فيها كما صلى نبي الله نوح عليه السلام فقد صلى ومن معه ستة أشهر قعودا لان السفينة كانت تنكفئ بهم، فان استطعت أن تصلي قائما فصل قائما (2). 15 - الهداية: سئل الصادق عليه السلام عن الرجل يكون في السفينة وتحضر الصلاة أيخرج إلى الشط ؟ فقال: لا، أيرغب عن صلاة نوح عليه السلام، فقال: صل في السفينة قائما، فان لم يتهيأ لك من قيام فصلها قاعدا، فان دارت السفينة فد رمعها، وتحر القبلة جهدك، فان عصفت الريح ولم يتهيأ لك أن تدور إلى القبلة فصل إلى صدر السفينة، ولا تجامع مستقبل القبلة ومستدبرها (3). 16 - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه سئل عن الصلاة على كدس الحنطة، فنهى عن ذلك، فقيل له: إذا افترش وكان كالسطح ؟ فقال: لا يصلي على شئ من الطعام، فانما هو رزق الله لخلقه، ونعمته عليهم، فعظموه ولا تطاوه ولا تهاونوا به فان قوما ممن كان قبلكم وسع الله عليهم في أرزاقهم، فاتخذوا من الخبز النقي مثل الافهار، فجعلوا يستنجون به، فابتلاهم الله عزوجل بالسنين والجوع فجعلوا يتتبعون ما كانوا يستنجون به، فيأكلونه، وفيهم نزلت هذه الآية " وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون " (4).

 

(1) راجع البحار: ج 10 ص 274. (2) نوادر الراوندي ص 51. (3) الهداية ص 35. (4) دعائم الاسلام ج 1 ص 179، والاية في سورة النحل: 112.

 

[99]

17 - فقه الرضا: قال عليه السلام: إذا كنت في السفينة وحضرت الصلاة، فاستقبل القبلة وصل إن أمكنك قائما، وإلا فاقعد إذا لم يتهيا لك، فصل قاعدا، وإن دارت السفينة فدر معها وتحر إلى القبلة، وإن عصفت الريح فلم يتهيأ لك أن تدور إلى القبلة فصل إلى صدر السفينة، ولا تخرج منها إلى الشط من أجل الصلاة. وروي أنك تخرج إذا أمكنك الخروج، ولست تخاف عليها أنها تذهب، إن قدرت أن تتوجه إلى القبلة، وإن لم تقدر تلبث مكانك. هذا في الفرض، ويجزيك في النافلة أن تفتتح الصلاة تجاه القبلة، ثم لا يضرك كيف دارت السفينة لقول الله تبارك وتعالى: " فأينما تولوا فثم وجه الله " (1) والعمل على أن تتوجه إلى القبلة وتصلي على أشد ما يمكنك في القيام والقعود ثم أن يكون الانسان ثابتا مكانه أشد لتمكنه في الصلاة من أن يدور لطلب القبلة. وقال عليه السلام: إذا كنت راكبا وحضرت الصلاة، وتخاف أن تنزل من سبع أو لص أو غير ذلك فلتكن صلاتك على ظهر دابتك، وتستقبل القبلة، وتؤمي إيماء إن أمكنك الوقوف، وإلا استقبل القبلة بالافتتاح، ثم امض في طريقك التي تريد حيث توجهت به راحلتك مشرقا ومغربا وتنحني للركوع والسجود، ويكون السجود أخفض من الركوع، وليس لك أن تفعل ذلك إلى آخر الوقت (2). وقال: عليه السلام إن أردت أن تصلي نافلة وأنت راكب فاستقبل رأس دابتك حيث توجه بك مستقبل القبلة أو مستدبرها، يمينا وشمالا، وإن صليت فريضة على ظهر دابتك استقبل القبلة بتكبير الافتتاح ثم امض حيث توجهت بك دابتك، تقرء فإذا أردت الركوع والسجود استقبل القبلة واركع واسجد على شئ يكون معك مما يجوز عليه السجود ولا تصليها إلا في حال الاضطرار جدا، فتفعل فيها مثله إذا صليت ماشيا إلا أنك إذا أردت السجود سجدت على الارض (4).

 

(1) البقرة: 115. (2) فقه الرضا ص 14. (3) فقه الرضا 16 - 17.

 

[100]

18 - العياشي: عن حماد بن عثمان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئلته عن رجل يقرء السجدة وهو على ظهر دابته قال: يسجد حيث توجهت به، فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يصلي على ناقته النافلة، وهو مستقبل المدينة، يقول الله عزوجل: " أينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم " (1). 19 - العلل: عن جعفر بن محمد بن مسرور، عن الحسين بن محمد، عن عمه عبد الله ابن عامر، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي عنه عليه السلام مثله، وليس فيه النافلة (2). بيان: يدل على رجحان الاستقبال للسجدة حال الاختيار، لا وجوبه، كما لا يخفى وسيأتي القول فيه. 20 - من جامع البزنطى: نقلا من خط بعض الافاضل عن محمد بن مضارب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن كدس الحنطة مطين اصلي فوقه، قال: فقال: لا تصل فوقه فقلت: إنه مثل السطح مستو ؟ قال: لا تصل عليه (3). بيان: الاستواء لا ينافي عدم الاستقرار الذي حملنا مثله عليه على بعض الوجوه. أقول: قد مرت الاخبار في ذلك في باب القبلة.

 

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 57. (2) علل الشرايع ج 2 ص 47 و 48. (3) وتراه في التهذيب ج 1 ص 224.

 

[101]

12. * (" باب آخر ") * * " (في صلاة الموتحل والعريق، ومن لا يجد الارض للثلج) " * 1 - السرائر: من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن أبي عمير عن هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يصلي على الثلج ؟ قال: لا، فان لم يقدر على الارض بسط ثوبه وصلى عليه (1). وعن الرجل يصيبه المطر وهو في موضع لا يقدر أن يسجد فيه من الطين، و لا يجد موضعا جافا ؟ قال: يفتتح الصلاة فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلى، فإذا رفع رأسه عن الركوع فليؤم بالسجود أيماء وهو قائم، يفعل ذلك حتى يفرغ من الصلاة ويتشهد وهو قائم ويسلم (2). 2 - نوادر الراوندي: عن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني، عن محمد بن الحسن التميمي، عن سهل بن أحمد الديباجي، عن محمد بن محمد بن الاشعث، عن موسى ابن إسماعيل بن موسى، عن أبيه، عن جده موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال: قال علي عليه السلام: إذا أدركه الصلاة وهو في الماء أومأ برأسه إيماء ولا يسجد على الماء (3). تحقيق: عدم السجود على الوحل الذي لا يستقر عليه الجبهة، وعلى الماء مقطوع به، في كلام الاصحاب، ومقتضى الخبر الاول صريحا، والثاني ظاهرا، و إطلاق كلام جماعة من الاصحاب عدم وجوب الجلوس للسجود، وأوجب الشهيد الثاني - رحمه الله - الجلوس وتقريب الجبهة من الارض بحسب الامكان، وجعل بعضهم كالسيد في المدارك وجوب الجلوس والاتيان من السجود بالممكن أولى استنادا إلى أنه لا يسقط الميسور بالمعسور بعد استضعاف الرواية، لانهم ذكروا ما رواه الشيخ (4) في الموثق

 

(1 - 2) السرائر: 475. (3) نوادر الراوندي: 51. (4) التهذيب ج 1 ص 304 و 224.

 

[102]

عن عمار أنه سأله عن الرجل يصيبه المطر وهو لا يقدر أن يسجد فيه إلى آخر ما مر في رواية هشام. واجيب بأن ضعفها منجبر بالشهرة، وغفلوا عن رواية هشام فانها صحيحة، ومؤيدة بالموثقة المذكورة، بل بخبر الراوندي أيضا لان ترك البيان عند الحاجة دليل العدم، فترك العمل بها والتمسك بتلك الوجوه الضعيفة غير جيد وتسميته مخالفة النص أولى وجعله احتياطا غريب، ولو جعل الاحتياط في تعدد الصلاة لكان وجها، وكون الجلوس والانحناء واجبين مستقلين ممنوع، بل يحتمل كون وجوبهما من باب المقدمة، ويسقط بوجوب ذي المقدمة.


 

[103]

13. " (باب) " * " (الاذان والاقامة وفضلهما وتفسيرهما) " * * " (وأحكامهما وشرائطهما) " * الايات: المائدة: " وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون (1). الجمعة: وإذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله (2). تفسير: قال الطبرسي - رحمه الله - في الاية الاولى (3): قيل في معناه قولان: أحدهما أنه كان إذا أذن المؤذن للصلاة تضاحكوا فيما بينهم، وتغامزوا على طريق السخف والمجون، تجهيلا لاهلها، وتنفيرا للناس عنها، وعن الداعي إليها، والآخر أنهم كانوا يرون المنادي إليها بمنزلة اللاعب الهاذي بفعلها، جهلا منهم بمنزلتها " ذلك بأنهم قوم لا يعقلون " مالهم في إجابتهم إليها من الثواب، وما عليهم في استهزائهم بها من العقاب، وأنهم بمنزلة من لا عقل له يمنعه من القبايح. قال السدى: كان رجل من النصارى بالمدينة فسمع المؤذن ينادي بالشهادتين فقال: حرق الكاذب، فدخلت خادمة له ليله بنار وهو نائم وأهله، فسقطت شررة فاحترق هو وأهله، واحترق البيت. وقال في كنز العرفان: اتفق المفسرون على أن المراد بالنداء الاذان (4) ففيه دليل على أن الاذان والنداء إلى الصلاة مشروع بل مرغوب فيه من شعائر الاسلام

 

(1) المائدة: 58. (2) الجمعة: 9. (3) مجمع البيان ج 3 ص 213. (4) كنز العرفان ج 1 ص 112.

 

[104]

ويومئ إلى أن ما يشعر بالتهاون بشعار من شعائر الاسلام حرام. وقال المفسرون في قوله تعالى: " إذا نودي للصلاة " أن المراد بالنداء الاذان لصلاة الجمعة، وسيأتي تفسيرها. 1 - الخصال: عن أبيه، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد بن يحيى عن محمد بن علي الكوفي، عن مصعب بن سلام، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر عليه السلام قال: من أذن عشر سنين محتسبا يغفر الله له مد بصره ومد صوته في السماء، و يصدقه كل رطب ويابس سمعه، وله من كل من يصلي معه في مسجده سهم، وله من كل من يصلي بصوته حسنة (1). 2 - ثواب الاعمال: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد، عن محمد بن ناجية، عن محمد بن علي مثله (2). المقنعة: روي عن الصادقين عليهم السلام أنهم قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله يغفر للمؤذن مد صوته وبصره، ويصدقه كل رطب ويابس، وله من كل من يصلي بأذانه حسنة (3). تبيين: قوله عليه السلام: " مد بصره ومد صوته " كأنه من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس، أي هذا المقدار من الذنب، أو هذا المقدار من المغفرة، أو يغفر لاجله المذنبين الكائنين في تلك المسافة، أو المراد أن المغفرة منه تعالى تزيد بنسبة مد الصوت فكلما يكثر الثاني يزيد الاول، وهذا إنما يناسب رواية ليس فيها ذكر مد البصر وقيل يغفر ترجيعه وغناؤه، ونظره إلى بيوت المسلمين، ولا يخفى ما فيه. ثم إن قوله عليه السلام: في السماء، يحتمل أن يكون قيدا للاخير فقط، فالمراد بقدر مد البصر قدر ميل تقريبا، ويحتمل أن يكون قيدا لهما، والصوت وإن لم يصل إلى السماء لكنه ورد في بعض الاخبار أن الله تعالى وكل ريحا ترفعه إلى السماء

 

(1) الخصال ج 2 ص 60. (2) ثواب الاعمال ص 30. (3) المقنعة: 15.

 

[105]

ويحتمل أن يكون المراد بالسماء جهة العلو. وقال في النهاية: فيه أن المؤذن يغفر له مد صوته، المد القدر يريد به قدر الذنوب أي يغفر له ذلك إلى منتهى مد صوته، وهو تمثيل لسعة المغفرة كقوله الآخر لو لقيتني بتراب الارض خطايا لقيتك بها بمغفرة، ويروى " مدى صوته " والمدى الغاية أي يستكمل مغفرة الله إذا استوفي وسعه في رفع صوته، فيبلغ الغاية في الصوت، وقيل هو تمثيل أي إن المكان الذي ينتهي إليه الصوت لو قدر أن يكون ما بين أقصاه وبين مقام المؤذن ذنوب تملا تلك المسافة لغفرها الله لها انتهى. قوله عليه السلام: " ويصدقه " الظاهر أن المراد أنه يصدقه فيما يذكره من المضامين الحقة التي تضمنها الاذان من الشهادتين، وكون الصلاة خير الاعمال، وسببا للفلاح وأنه يلزم أداؤها، فهو مختص بالملائكة والمؤمنين. ويمكن القول بالتعميم بأن لا يكون المراد التصديق باللسان والقلب فقط، بل ما يشمل لسان الحال أيضا، فان جميع الممكنات تنادي بلسان الامكان بأن لها خالقا هو أكبر من كل شئ، وأعظم من أن يوصف، وبما فيها من الاحكام وحسن النظام بأن إلهها وخالقها واحد، ولا يستحق العبادة غيره، وأنه حكيم عليم رؤف رحيم، فلا يناسب حكمته أن لا يعرضهم للمثوبات الاخروية، واللذات الباقية، ولا يتأتى ذلك إلا ببعثة الرسل، والمناسب للخالق الرحمن الرحيم غاية التعظيم والتذلل عنده، ولا يكون ذلك إلا بالصلاة المشتمل على غاية ما يتصور من ذلك، فتشهد جميع البرايا بلسان حالها على حقية ما ينادى به في الاذان، ويسمع نداءها بالتصديق جميع المؤمنين بسمع الايمان والايقان. ويحتمل أن يكون المراد تصديقها إياه يوم القيامة، إما المؤمنون فقط أو جميع المكلفين للايمان الاضطراري الحاصل لهم، أو الجمادات أيضا بانطاق الله تعالى إياها تكميلا لسرور المؤذنين، وتطييبا لقلوبهم. ويؤيد الاخير ما رواه البخاري، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسو الله صلى الله عليه وآله: لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شئ إلا يشهد


 

[106]

له يوم القيامة. ثم اعلم أن في قولهم عليهم السلام: " كل من يصلي بصوته أو بأذانه " إشعارا بجواز الاعتماد على المؤذنين في دخول الوقت، وفي الاخير إشعارا بجواز الاكتفاء بسماع أذان الاعلام. 3 - ثواب الاعمال: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن جعفر بن بشير، عن العزرمي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أطول الناس أعناقا يوم القيامة المؤذنون (1). 4 - العيون: عن محمد بن عمر الجعابي، عن الحسن بن عبد الله بن محمد بن العباس التميمي، عن أبيه، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة (2). توضيح: روى المخالفون أيضا هذه الرواية في كتبهم، قال الجزري: فيه المؤذنون أطول أعناقا يوم القيامة، أي أكثر أعمالا يقال: لفلان عنق من الخير أي قطعة وقيل أراد طول الاعناق، أي الرقاب، لان الناس يومئذ في الكرب، وهم في الروح، متطلعون لان يؤذن لهم في دخول الجنة، وقيل أراد أنهم يكونون يومئذ رؤساء سادة، والعرب تصف السادة بطول الاعناق، وروي أطول إعناقا بكسر الهمزة أي أكثر إسراعا وأعجل إلى الجنة يقال أعنق يعنق إعناقا فهو معنيق، والاسم العنق بالتحريك انتهى. وقيل: أكثرهم رجاء، لان من يرجو شيئا طال إليه عنقه، وقيل أراد أنه لا يلجمهم العرق، فان الناس يوم القيامة يكونون في العرق بقدر أعمالهم، وقيل الاعناق الجماعة يقال: جاء عنق من الناس أي جماعة، فمعنى الحديث أن جمع المؤذنين يكون أكثر، فان من أجاب دعوتهم يكون معهم، فالطول مجاز عن الكثرة، لان للجماعة إذا توجهوا مقصدا لهم امتدادا في الارض، وقيل طول العنق كناية عن عدم التشوير

 

(1) ثواب الاعمال ص 29. (2) عيون الاخبار ج 2 ص 61.

 

[107]

والخجل، فان الخجل متنكس الرأس، متقلص العنق، كما قال تعالى " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم " (1). وقيل: معناه الدنو من الله كناية تلويحية لان طول العنق يدل على طول القامة ولا ارتياب في أن طول القامة ليس مطلوبا بالذات، بل لامتيازهم من سائر الناس، وارتفاع شأنهم كما وصفوا الغر المحجلين للامتياز والاشتهار. وقال بعضهم في توجيه الوجه الاول الذي ذكره الجزري: هذا مثل قوله صلى الله عليه وآله أسرعكن لحوقا بي أطولكن يدا، أي أكثركن عطاء، سمى العمل بالعنق باعتبار ثقله، قال تعالى: " فمن ثقلت موازينه " فلما سمى العمل بالعنق، جئ بقوله أطول الناس كالترشيح لهذا المجاز، وكذلك اليد لما سمى بها العطاء أتبعها بالطول مراعاة للمناسبة. أقول: يمكن إبداء وجوه اخرى للتشبيه أوفق مما ذكره وأظهر كما لا يخفى. 5 - سعد السعود: للسيد علي بن طاوس نقلا من تفسير محمد بن العباس بن مروان عن الحسين بن محمد بن سعيد، عن محمد بن البيض بن الفياض، عن إبراهيم بن عبد الله، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن ابن حماد، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وآله في حديث المعراج قال: ثم قام جبرئيل فوضع سبابته اليمنى في اذنه اليمنى فأذن مثنى مثنى، يقول في آخرها: حي على خير العمل مثنى مثنى، حتى إذا قضى أذانه أقام للصلاة مثنى مثنى الخبر (2). 6 - العيون والعلل: عن الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي، عن فرات بن إبراهيم، عن محمد بن أحمد بن علي الهمداني، عن العباس بن عبد الله البخاري، عن محمد ابن القاسم بن إبراهيم، عن أبي الصلت الهروي، عن الرضا عليه السلام عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما عرج بي إلى السماء أذن جبرئيل مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى

 

(1) السجدة: 12. (2) سعد السعود ص 100.

 

[108]

الخبر بطوله (1). 7 - العلل: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن محمد ابن عبد الحميد وأحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن صفوان بن مهران، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الاذان مثنى مثنى، والاقامة مثنى مثنى، ولابد في الفجر والمغرب من أذان وإقامة في الحضر والسفر لانه لا يقصر فيهما في حضر ولا سفر، و يجزيك إقامة بغير أذان في الظهر والعصر والعشاء الآخرة، والاذان والاقامة في جميع الصلوات أفضل (2). تنقيح وتفصيل اعلم أنه لابد في بيان ما اشتمل عليه هذه الرواية الصحيحة من إيراد فصلين: الاول: يدل الخبر على لزوم الاذان والاقامة لصلاتي الفجر والمغرب، سفرا وحضرا والاقامة في سائرها، واختلف الاصحاب في ذلك، فذهب الشيخ والسيد في بعض كتبهما وابن إدريس وسلار وجمهور المتأخرين إلى استحبابهما مطلقا في الفرائض اليومية، وأوجبهما المفيد في الجماعة، وذهب إليه الشيخ في بعض كتبه وابن البراج وابن حمزة، وعن أبي الصلاح أنهما شرط في الجماعة، وفي المبسوط من صلى جماعة بغير أذان وإقامة لم يحصل فضيلة الجماعة والصلاة ماضية. وأوجبهما المرتضى في الجمل على الرجال دون النساء في كل صلاة جماعة في سفر أو حضر، وأوجبهما عليهم في السفر والحضر في الفجر والمغرب وصلاة الجمعة، وأوجب الاقامة خاصة على الرجال في كل فريضة. وأوجبهما ابن الجنيد على الرجال للجمع والانفراد، والسفر والحضر، في الفجر والمغرب، والجمعة يوم الجمعة، والاقامة في باقي المكتوبات قال: وعلى النساء التكبير والشهادتان فقط. وعن ابن أبي عقيل من ترك الاذان والاقامة متعمدا بطلت صلاته، إلا الاذان

 

(1) عيون الاخبار ج 1 ص 262، علل الشرائع ج 1 ص 7. (2) علل الشرائع ج 2 ص 26.

 

[109]

في الظهر والعصر والعشاء الآخرة، فان الاقامة مجزية عنه، ولا إعادة عليه في تركه، فأما الاقامة فانه إن تركها متعمدا بطلت صلاته وعليه الاعادة، وكذا في المختلف، ونقل المحقق عنه وعن المرتضى أن الاقامة واجبة على الرجال دون الاذان إذا صلوا فرادى ويجبان عليهم في المغرب والعشاء، ثم قال بعد ذلك بأسطر: وقال علم الهدى أيضا يجب الاذان والاقامة سفرا وحضرا. إذا علمت هذا فاعلم أن الاخبار في ذلك مختلفة جدا ومقتضى الجمع بينها استحباب الاذن مطلقا وأما الاقامة ففيه إشكال إذ الاخبار الدالة على جواز الترك إنما هي في الاذان، وتمسكوا في الاقامة بخرق الاجماع المركب، وفيه ما فيه، و الاحوط عدم ترك الاقامة مطلقا والاذان في الغداة والمغرب والجمعة والجماعة لا سيما في الحضر. الثاني: ظاهر الرواية الاكتفاء بتكبيرتين في أول الاذان وتثنية التهليل في آخر الاقامة، ودلت عليهما أخبار كثيرة، لكن المشهور بين الاصحاب تربيع التكبير في أول الاذان كما ورد في صحيحة زرارة وبعض الروايات الاخر، وهذه الرواية يمكن حملها على غالب الفصول، لكن وردت روايات مصرحه بالاكتفاء بالتكبيرتين، فيمكن حمل الزائد على الاستحباب، أو على أنهما من مقدمات الاذان ليستا داخلتين فيه كما يومئ إليه بعض الاخبار، وحكى الشيخ في الخلاف عن بعض الاصحاب تربيع التكبير في آخر الاذان وهو ضعيف. وأما تثنية التهليل في آخر الاقامة فهو الظاهر من أكثر الاخبار الواردة فيها، والمشهور أن فصولها سبعة عشر، ونسبه في المعتبر إلى السبعة وأتباعهم، وفي المنتهى قال: ذهب إليه علماؤنا ونقل ابن زهرة إجماع الفرقة عليه، وحكى الشيخ في الخلاف عن بعض الاصحاب أنه جعل فصول الاقامة مثل فصول الاذان، وزاد فيها " قد قامت الصلاة " مرتين، وقال ابن الجنيد: التهليل في آخر الاقامة مرة واحدة، إذا كان المقيم قد أتى بها بعد الاذان، فان كان قد أتى بها بغير أذان ثنى لا إله إلا الله في آخرها. وقال الشيخ في النهاية بعد ما ذكر الاذان والاقامة على المشهور: هذا الذي


 

[110]

ذكرناه هو المختار المعمول عليه، وقد روى سبعة وثلاثون فصلا، في بعض الروايات، وفي بعضها ثمانية وثلاثون فصلا، وفي بعضها اثنان وأربعون فصلا، فأما من روى سبعة وثلاثين فصلا فانه يقول في أول الاقامة أربع مرات الله أكبر، ويقول في الباقي كما قدمناه، ومن روى ثمانية وثلاثين فصلا يضيف إلى ما قدمناه قول لا إله إلا الله اخرى في آخر الاقامة، ومن روى اثنتين وأربعين فصلا فانه يجعل في آخر الاذان التكبير أربع مرات، وفي أول الاقامة أربع مرات، وفي آخرها أيضا مثل ذلك أربع مرات، ويقول لا إله إلا الله مرتين في آخر الاقامة، فان عمل عامل على إحدى هذه الروايات لم يكن مأثوما انتهى. والعمدة في مستند المشهور ما رواه الكليني والشيخ (1) في الموثق عن إسماعيل الجعفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: الاذان والاقامة خمسة وثلاثون حرفا، فعدد ذلك بيده واحدا واحدا، الاذان ثمانية عشر حرفا، والاقامة سبعة عشر حرفا، وهذا وإن كان منطبقا على المشهور لكن ليس فيه تصريح بعدد الفصول، ولا أن النقص في أيها. لكن الشهرة بين الاصحاب وما رواه الشيخ (2) في الصحيح عن معاذ بن كثير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا دخل الرجل المسجد وهو يأتم بصاحبه، وقد بقي على الامام آية أو آيتان فخشي إن هو أذن وأقام أن يركع فليقل " قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله " يدلان على تخصيص النقص بالاخير ويؤيده ما سيأتي في فقه الرضا ورواية دعائم الاسلام. والاظهر عندي القول بالتخيير واستحباب التهليل الاخير أو القول بسقوطه عند الضرورة كما يدل عليه هذا الخبر وأما الاجماع المنقول فلا عبرة به بعد ما عرفت من اختلاف القدماء، ودلالة الاخبار الصحيحة على خلافه.

 

(1) التهذيب ج 1 ص 150، الكافي ج 3 ص 302 و 303. (2) التهذيب ج 1 ص 216، وتراه في الكافي ج 3 ص 306.

 

[111]

وصرح الصدوق - ره - في الهداية (1) بتثنية التهليل في آخر الاقامة، حيث قال قال الصادق عليه السلام: الاذان والاقامة مثنى مثنى، وهما اثنان وأربعون حرفا: الاذان عشرون حرفا، والاقامة اثنان وعشرون حرفا، وظاهره في الفقيه أيضا أنه اختار التثنية لانه روى في الفقيه (2) عن أبي بكر الحضرمي وكليب الاسدي عن أبي عبد الله عليه السلام الاذان موافقا للمشهور وقال في آخره: والاقامة كذلك ثم قال: هذا هو الاذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص عنه، والمفوضة لعنهم الله قد وضعوا أخبارا وزادوا في الاذان محمد وآل محمد خير البرية مرتين، وفي بعض رواياتهم بعد أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن عليا ولي الله مرتين، ومنهم من روى بدل ذلك أشهد أن عليا أمير المؤمنين حقا مرتين، ولا شك في أن عليا ولي الله، وأنه أمير المؤمنين حقا، وأن محمدا وآله صلوات الله عليهم خير البرية، ولكن ذلك ليس في أصل الاذان، وإنما ذكرت ذلك ليعرف بهذه الزيادة المتهمون بالتفويض، المدلسون أنفسهم في جملتنا انتهى، وظاهره العمل بهذا الخبر في الاقامة أيضا. وأقول: لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الاجزاء المستحبة للاذان، لشهادة الشيخ والعلامة والشهيد وغيرهم بورود الاخبار بها (3) قال الشيخ في المبسوظ فأما قول: " أشهد أن عليا أمير المؤمنين، وآل محمد خير البرية " على ما ورد في شواذ الاخبار * فليس بمعمول عليه في الاذان، ولو فعله الانسان لم يأثم به، غير أنه ليس من فضيلة الاذان ولا كمال فصوله. وقال في النهاية: فأما ماروي في شواذ الاخبار من قول: أن عليا ولي الله وأن محمدا وآله خير البشر، فمما لا يعمل عليه في الاذان والاقامة، فمن عمل به كان مخطئا

 

(1) الهداية ص 30. (2) الفقيه ج 1 ص 188. (3) قال الشعرانى مد ظله: ليس هذه الاخبار التى ذكرها الصدوق - ره - من طرقنا والا لكانت مروية معنى، منقولة في كتب الحديث، وانما كانت في كتب المفوضة أو منقولة شفاها بينهم، فما يظهر من والد المجلس - ره - من الاعتناء بها كمراسيله الاخر، لا وجه له. (*)

 

[112]

وقال في المنتهى: وأما ماروى من الشاذ من قول " أن عليا ولي الله، وآل محمد خير البرية " فمما لا يعول عليه. ويؤيده ما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسي - ره - في كتاب الاحتجاج (1) عن القاسم بن معاوية قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: هؤلاء يروون حديثا في معراجهم أنه لما اسرى برسول الله صلى الله عليه وآله رأى على العرش لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، فقال: سبحان الله غير واكل شئ حتى هذا ؟ قلت: نعم، قال إن الله عزوجل لما خلق العرش كتب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أمير المؤمنين، ثم ذكر عليه السلام كتابة ذلك على الماء والكرسي واللوح وجبهة إسرافيل وجناحي جبرئيل وأكناف السماوات والارضين ورؤس الجبال والشمس والقمر، ثم قال عليه السلام: فإذا قال أحدكم لا إله إلا الله محمد رسول الله، فليقل: علي أمير المؤمنين، فيدل على استحباب ذلك عموما، والاذان من تلك المواضع، وقد مر أمثال ذلك في أبواب مناقبه عليه السلام ولو قاله المؤذن أو المقيم لا بقصد الجزئية، بل بقصد البركة، لم يكن آثما، فان القوم جوزوا الكلام في أثنائهما مطلقا، وهذا من أشرف الادعية والاذكار. 8 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يخطئ في أذانه وإقامته، فذكر قبل أن يقوم في الصلاة ما حاله ؟ قال: إن كان أخطأ في أذانه مضى على صلاته، وإن كان في إقامته انصرف فأعادها وحدها، وإن ذكر بعد الفراغ من ركعة أو ركعتين مضى على صلاته، وأجزءه، ذلك (2). قال: وسألته عن رجل يفتتح الاذان والاقامة وهو على غير القبلة، ثم يستقبل القبلة ؟ قال: لا بأس (3). قال: وسألته عن المسافر يؤذن على راحلته، وإذا أراد أن يقيم أقام على الارض ؟

 

(1) الاحتجاج ص 83. (2) قرب الاسناد ص 85 ط حجر ص 111 ط نجف. (3) قرب الاسناد ص 112 ط نجف ص 86 ط حجر.

 

[113]

قال: نعم لا بأس (1). بيان: الخبر يشتمل على أحكام. الاول: قوله " يخطئ في أذانه وإقامته " يحتمل أن يكون المراد تركهما، أو ترك بعض فصولهما، واختلف الاصحاب في تارك الاذان والاقامة حتى يدخل في الصلاة فقال السيد في المصباح والشيخ في الخلاف وأكثر الاصحاب: يمضي في صلاته، إن كان متعمدا، ويستقبل صلاته ما لم يركع إن كان ناسيا، وقال الشيخ في النهاية: بالعكس واختاره ابن إدريس وأطلق في المبسوط الاستيناف ما لم يركع، وقد ورد بعض الاخبار بالرجوع قبل الركوع وبعضها بالرجوع قبل الشروع في القراءة، وبعضها بالرجوع قبل أن يفرغ من الصلاة، فان فرغ منها فلا يعيد، وحملها الشيخ في التهذيب على الاستحباب وقال في المعتبر: ما ذكره محتمل لكن فيه تهجم على إبطال الفريضة بالخبر النادر. أقول: وحمل الشيخ متين لصحة الخبر، لكن لما كان الظاهر في الحكم الاستحباب لورود الرواية الصحيحة بعدم وجوب الرجوع، وعدم القائل بالوجوب ظاهرا، فالظاهر أن الاحتياظ في عدم الرجوع بعد الركوع، وأما الاخبار الواردة بالرجوع قبل القراءة فلعلها محمولة على تأكد الاستحباب. ثم اعلم أن الروايات إنما تعطي استحباب الرجوع لاستدراك الاذان والاقامة أو الاقامة وحدها، وليس فيها ما يدل على جواز القطع، لاستدراك الاذان مع الاتيان بالاقامة، والظاهر من كلام أكثر الاصحاب أيضا عدم جواز القطع لذلك، وحكى فخر المحققين الاجماع على عدم الرجوع مع الاتيان بالاقامة، لكن المحقق في الشرائع وابن أبي عقيل ذهبا إلى الرجوع للاذان فقط أيضا وحكم الشهيد الثاني - ره - بجواز الرجوع لاستدراك الاذان وحده دون الاقامة، وهو غريب. ثم اعلم أنه إن حملنا الخبر على ترك بعض فصول الاذان أو الاقامة كما هو الظاهر فلم أر مصرحا به، ومتعرضا له، وإثباته بمحض هذا الخبر لا يخلو من إشكال ثم إن حملنا الركعة على معناها المتبادر يدل على تفصيل آخر سوى ما مر من

 

(1) قرب الاسناد ص 112 ط نجف ص 86 ط حجر.

 

[114]

التفاصيل المشهورة، وإن حملناها على الركوع كما هو الشائع أيضا في عرف الاخبار فان حملنا كلام القوم على إتمام الركوع فيوافق المشهور، لكن الظاهر من كلامهم والاخبار التي استدلوا بها أنه يكفي لعدم الرجوع الوصول إلى حد الركوع فهو أيضا تفصيل مخالف للمشهور وسائر الاخبار، إذ حمل إتمام الركعة على الوصول إلى حد الركوع في غاية البعد، وبالجملة التعويل على مفاد هذا الخبر مشكل والله يعلم. الثاني: أنه يدل على عدم وجوب الاستقبال في الاذان والاقامة، كما هو المشهور والاقوى ويستحب الاستقبال فيهما، وفي الاقامة وفي الشهادتين في الاذان أيضا آكد، ونقل عن المرتضى أنه أوجب الاستقبال فيهما وأوجبه المفيد في الاقامة، والاحوط عدم تركه فيها. الثالث: يدل على جواز الاذان على الراحلة ولزوم كون الاقامة على الارض ويدل عليهما أخبار كثيرة حملت في المشهور على الاستحباب، والمنع من الاقامة راكبا إما لعدم الاستقبال، وقد عرفت حكمه، أو لعدم القيام والمشهور استحبابه فيهما، وظاهر المفيد وجوبه في الاقامة أو لعدم الاستقرار أيضا لما ورد في بعض الروايات أنه يشترط فيها شرايط الصلاة والاحوط رعاية جميعها فيها مع الاختيار. وقال في الذكرى: يجوز الاذان راكبا وماشيا وتركه أفضل، وفي الاقامة آكد، ولو أقام ماشيا إلى الصلاة فلا بأس للنص عن الصادق عليه السلام. وقال: قال ابن الجنيد: لا يستحب الاذان جالسا في حال يباح فيها الصلاة كذلك وكذلك الراكب إذا كان محاربا أو في أرض ملصة، وإذا أراد أن يؤذن أخرج رجليه جميعا من الركاب وكذا إذا أراد الصلاة راكبا، ويجوزان للماشي، ويستقبل القبلة في التشهد مع الامكان، فأما الاقامة فلا تجوز إلا وهو قائم على الارض مع عدم المانع. قال: ولا بأس أن يستدبر المؤذن في أذانه إذا أتى بالتكبير والتهليل والشهادة تجاه القبلة، ولا يستدبر في إقامته، ولا بأس بأن يؤذن الرجل ويقيم غيره، ولا بالاذان على غير طهارة والاقامة لا تكون إلا على طهارة وبما يجوز أن يكون داخلا به في الصلاة فان ذكر أن إقامته كانت على غير ذلك، رجع فتطهر وابتدأ بها من أولها، ولا يجوز


 

[115]

الكلام بعد " قد قامت الصلاة " للمؤذن، ولا للتابعين إلا لواجب لا يجوز لهم الامساك عنه انتهى. 9 - الخصال: فيما أوصى به النبي صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام يا علي ليس على النساء جمعة ولا جماعة ولا أذان ولا إقامة (1). ومنه: عن أحمد بن الحسن القطان، عن الحسن بن علي السكري، عن محمد ابن زكريا الجوهرى، عن الحسن بن محمد بن عمارة، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ليس على النساء أذان ولا إقامة الخبر (2). بيان: حمل في المشهور على عدم تأكد الاستحباب لهن وقال في المنتهى: ليس على النساء أذان ولا إقامة، ولا نعرف فيه خلافا لانها عبادة شرعية يتوقف توجه التكليف بها على الشرع، ولم يرد، ويجوز أن تؤذن المرءة للنساء ويتعددن به، ذهب إليه علماؤنا وقال علماؤنا: إذا أذنت المرءة أسرت صوتها لئلا تسمعه الرجال وهو عورة. وقال الشيخ يعتد بأذانهن وهو ضعيف، لانها إن جهرت ارتكبت معصية والنهي يدل على الفساد وإلا فلا اجتزاء به لعدم السماع انتهى، والظاهر أن غرضه من أول الكلام نفي الوجوب لدلالة آخر الكلام عليه، ولقوله في التذكرة: يستحب في صلاة جماعة النساء أن تؤذن إحداهن وتقيم، لكن لا تسمع الرجال عند علمائنا والاستحباب في حق الرجال آكد، ثم قال ويجزيها التكبير والشهادتان لقول الصادق (3) عليه السلام وقد سئل عن المرءة تؤذن للصلاة: حسن إن فعلت وإن لم تفعل أجزأها أن تكبر وأن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله انتهى. اقول: وفي صحيحة زرارة (4) إذا شهدت الشهادتين فحسبها. 10 - مجالس الصدوق والخصال: باسناده المتقدم في باب فضل الصلاة

 

(1) الخصال ج 2 ص 97. (2) الخصال ج 2 ص 141. (3 و 4) التهذيب ج 1 ص 150.

 

[116]

قال: جاء نفر من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فسألوه عن مسائل إلى أن قال أعلمهم: أخبرني عن سبع خصال اعطاك الله من بين النبيين وأعطى امتك من بين الامم قال النبي صلى الله عليه وآله: أعطاني الله عزوجل فاتحة الكتاب والاذان، والجماعة في المسجد، ويوم الجمعة والاجهار في ثلاث صلوات، والرخص لامتي عند الامراض والسفر، والصلاة على الجنائز والشفاعة لاهل الكبائر من امتي إلى أن قال: وأما الاذان فانه يحشر المؤذنون من امتي مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين عليهم السلام (1). 11 - السرائر: نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن الحسن بن علي، عن جعفر ابن محمد، عن عبد الله بن ميمون، عن جعفر، عن أبيه عليهما السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يحشر بلال على ناقة من نوق الجنة يؤذن أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله فإذا نادى كسي حلة من حلل الجنة (2). 12 - المقنعه: روي عن الصادقين عليهم السلام أنهم قالوا: من أذن وأقام صلى خلفه صفان من الملائكة، ومن أقام بغير أذان صلى خلفه صف من الملائكة (3). 13 - مجالس الشيخ: بالاسناد المتقدم في باب فضل الصلاة عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله في وصيته له قال: يا أبا ذر إن ربك ليباهي ملائكته بثلاثة نفر: رجل يصبح في أرض قفراء فيؤذن ثم يقيم ثم يصلي فيقول ربك للملائكة: انظروا إلى عبدي يصلي ولا يراه أحد غيري، فينزل سبعون ألف ملك يصلون وراءه، ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم وساق الحديث إلى أن قال: (4). يا أبا ذر إذا كان العبد في أرض قي يعنى قفراء فتوضأ أو تيمم ثم أذن وأقام وصلى أمر الله الملائكة فصفوا خلفه صفا لا يرى طرفاه يركعون لركوعه ويسجدون

 

(1) أمالي الصدوق ص 117، الخصال ج 2 ص 9. (2) السرائر ص 475. (3) المقنعة ص 15. (4) أمالي الطوسي ج 2 ص 147.

 

[117]

لسجوده، ويؤمنون على دعائه، يا أبا ذر من أقام ولم يؤذن لم يصل معه إلا ملكاه اللذان معه (1). بيان: في أمثال هذين الخبرى دلالة ما على جواز ترك الاذان في الصلوات مطلقا. 14 - السرائر: نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن عمران بن علي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الاذان قبل الفجر، فقال: إذا كان في جماعة فلا، وإذا كان وحده فلا بأس (2). بيان: لا يجوز تقديم الاذان على دخول الوقت إلا في الصبح (3) فيجوز تقديمه عليه مع استحباب إعادته بعده، وعلى الاول نقل جماعة من الاصحاب الاجماع بل اتفاق علماء الاسلام، والثاني هو المشهور بين الاصحاب قال ابن أبي عقيل الاذان عند آل الرسول صلى الله عليه وآله للصلوات الخمس بعد دخول وقتها إلا الصبح فانه جائز أن يؤذن لها قبل دخول وقتها، بذلك تواترت الاخبار عنهم، وقال: كان لرسول الله صلى الله عليه وآله مؤذنان أحدهما بلال، والآخر ابن ام مكتوم وكان أعمى، وكان يؤذن قبل الفجر ويؤذن

 

(1) أمالي الطوسي ج 2 ص 148. (2) السرائر ص 475. (3) قد عرفت في ج 82 ص 321 وج 83 ص 72 أن النبي صلى الله عليه وآله كان يصلى بغلس قبل أن يستعرض الفجر وأن من عرف الحساب وعلم قران الفجر جاز له أن يقتدى بالنبي صلى الله عليه وآله ويصلى مع طلوع الفجر، بأن يؤذن ويقيم ثم يصلى، فيكون أذانه هذا قبل طلوع الفجر أول الغلس، وأما الاذان قبل الفجر بمدة فلا يجوز أبدا، لعدم جواز الصلاة قبل قرآن الفجر. وأما من لايعرف الحساب من عرض الناس فلا يجوز له أن يصلى قبل استعراض الفجر حتى يكون على يقين من طلوعه فحينئذ يؤذن ويقيم ويصلى وهذا هو المراد بالاذان الثاني إذا كان في جماعة.

 

[118]

بلال إذا طلع الفجر، وكان عليه وآله السلام يقول: إذا سمعتم أذان بلال فكفوا عن الطعام والشراب. وخالف فيه ابن إدريس فمنع من تقديم الاذان في الصبح أيضا وهو المنقول عن ظاهر المرتضى - ره - في المسائل المصرية، وابن الجنيد وأبي الصلاح والجعفي، ولعل الاشهر أظهر، وأما التفصيل الوارد في هذا الخبر مع صحته لم ينسب القول به إلى أحد نعم قال العلامة في المنتهى: أما الفجر فلا بأس بالاذان قبله، وعليه فتوى علمائنا، ثم احتج بهذه الرواية، ثم قال: والشرط في الرواية حسن لان القصد به الاعلام للاجتماع ومع الجماعة لا يحتاج إلى الاعلام للتأهب بخلاف المنفرد انتهى ولعله - ره - حمل الخبر على أنه إذا كان الناس مجتمعين فلا يؤذن قبل الوقت لتأهبهم وحضورهم، وإن كانوا متفرقين وكان الامام أو غيره وحده فليؤذن قبله لينتبهوا ويجتمعوا، فالاذان في الصورتين معا للجماعة، ولو كان المراد بالثاني صلاة المنفرد وبالاول صلاة الجماعة كان العكس أقرب إلى اعتبار العقل، والله يعلم حقيقة الامر. 15 - السرائر: نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن جعفر بن بشير، عن الحسن بن شهاب قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا بأس بأن يتكلم الرجل وهو يقيم وبعد ما يقيم إن شاء (1). ومنه: من الكتاب المذكور عن جعفر بن بشير، عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام قلت: أيتكلم الرجل بعد ما تقام الصلاة ؟ قال: لا بأس (2). بيان: الخبران يدلان على عدم حرمة الكلام بعد الاقامة، كما هو المشهور وحمل الشيخ أمثالهما على الضرورة، أو على كلام يتعلق بالصلاة. 16 - المعتبر: قال في كتاب أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي من أصحابنا قال: حدثني عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: الاذان الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، وقال: في آخره: لا إله إلا الله مرة، ثم قال: إذا كنت في أذان الفجر فقل الصلاة خير من النوم بعد حي على خير العمل، و

 

(1 و 2) السرائر ص 475.

 

[119]

قل بعد الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، ولا تقل في الاقامة الصلاة خيرمن النوم، إنما هو في الاذان. قال المحقق - ره - قال الشيخ في الاستبصار: هو للتقية ولست أرى هذا التأويل شيئا، فان في جملة الاذان حي على خير العمل، وهو انفراد الاصحاب فلو كان للتقية لما ذكره لكن الوجه أن يقال فيه روايتان عن أهل البيت أشهرهما تركه (1). بيان: يمكن أن يكون الغرض المماشاة مع العامة بالجمع بين ما يتفرد الشيعة به، وبين ما تفرد دوابه، أو يكون الغرض قول حى على خير العمل سرا، ويمكن حمل وحدة التهليل في الاذان أيضا على التقية لان المخالفين أجمعوا عليها كما أن الشيعة أجمعوا على المرتين، وربما يحمل على الواحدة في آخر الاقامة ولا يخفى بعده. 17 - كتاب زيد الزراد عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الغول نوع من الجن يغتال الانسان، فإذا رأيت الشخص الواحد فلا تسترشده وإن أرشدكم فخالفوه، وإذا رأيته في خراب وقد خرج عليك أو في فلاة من الارض فأذن في وجهه وارفع صوتك، ثم ذكر دعاء ثم قال: فإذا ضللت الطريق فأذن بأعلى صوتك ثم ذكر دعاء وقال: وارفع صوتك بالاذان ترشد وتصب الطريق إن شاء الله. 18 - كتاب عاصم بن حميد: عن عمرو بن أبي نصر قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: المؤذن يؤذن وهو على غير وضوء ؟ قال: نعم، ولا يقيم إلا وهو على وضوء، قال: فقلت يؤذن وهو جالس ؟ قال: نعم، ولا يقيم إلا وهو قائم. 19 - العياشي: عن عبد الصمد بن بشير قال: ذكر عند أبي عبد الله عليه السلام بدو الاذان فقال إن رجلا من الانصار رأى في منامه الاذان فقصه على رسول الله صلى الله عليه وآله وأمره رسول الله صلى الله عليه وآله أن يعلمه بلالا فقال أبو عبد الله: كذبوا إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان نائما في ظل الكعبة، فأتاه جبرئيل عليه السلام ومعه طاس فيه ماء من الجنة، فأيقظه وأمره أن يغتسل ثم وضع في محمل له ألف ألف لون من نور. ثم صعد به حتى انتهى إلى أبواب السماء فلما رأته الملائكة نفرت عن أبواب

 

(1) المعتبر ص 166.

 

[120]

السماء فأمر الله جبرئيل عليه السلام فقال: " الله أكبر الله أكبر " فتراجعت الملائكة نحو أبواب السماء ففتحت الباب فدخل عليه السلام حتى انتهى إلى السماء الثانية فنفرت الملائكة عن أبواب السماء فقال: " أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله الا الله " فتراجعت الملائكة ثم فتح الباب فدخل عليه السلام ومر حتى انتهى إلى السماء الثالثة فنفرت الملائكة عن أبواب السماء فقال جبرئيل " أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله " فتراجعت الملائكة وفتح الباب ومر النبي صلى الله عليه وآله حتى انتهى إلى السماء الرابعة فإذا هو بملك متك وهو على سرير تحت يده ثلاث مائة ألف ملك تحت كل ملك ثلاث مائة ألف ملك فنودي أن قم، قال: فقام الملك على رجليه فلا يزال قائما إلى يوم القيامة. قال: وفتح الباب ومر النبي صلى الله عليه وآله حتى انتهى إلى السماء السابعة قال: وانتهى إلى سدرة المنتهى قال: فقال السدرة ما جاوزني مخلوق قبلك، قال: ثم مضى فتدانى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إلى عبده ما أوحى قال: فدفع إليه كتابين كتاب أصحاب اليمين، وكتاب أصحاب الشمال، فأخذ كتاب أصحاب اليمين بيمينه وفتحه فنظر فيه فإذا فيه أسماء أهل الجنة، وأسماء آبائهم وقبائلهم، قال: فقال الله " آمن الرسول بما انزل إليه من ربه " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله " فقال الله: " وقالوا سمعنا وأطعنا " فقال النبي: " غفرانك ربنا وإليك المصير " قال الله: " لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت " قال النبي صلى الله عليه وآله: " لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا " قال فقال الله: قد فعلت. فقال النبي صلى الله عليه وآله: " ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا " قال قد فعلت فقال النبي صلى الله عليه وآله: " ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولينا فانصرنا على القوم الكافرين " كل ذلك يقول الله قد فعلت. ثم طوى الصحيفة فأمسكها بيمينه وفتح الاخرى صحيفة أصحاب الشمال فإذا فيها أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: " إن هؤلاء قوم لا يؤمنون " فقال الله: يا محمد " فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون ". قال: فلما فرغ من مناجات ربه رد إلى البيت المعمور وهو في السماء السابعة،


 

[121]

بحذاء الكعبة، قال: فجمع له النبيين والمرسلين والملائكة ثم أمر جبرئيل فأتم الاذان وأقام الصلاة، وتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله فصلى بهم فلما فرغ التفت إليهم فقال الله له سل الذين يقرؤن الكتاب من قبلك لقد جائك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين فسئلهم يومئذ النبي صلى الله عليه وآله ثم نزل ومعه صحيفتان فدفعهما إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال أبو عبد الله عليه السلام: فهذا كان بدء الاذان (1). بيان: " فقال إن رجلا " القائل عبد الصمد أو رجل آخر حذف اسمه من الخبر اختصارا ونفور الملائكة لشدة سطوع الانوار الصورية والمعنوية، وعجزهم عن إبصارها وإدراكها، قوله صلى الله عليه وآله " إن هؤلاء " هذا إشارة إلى قوله تعالى: " وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون فاصفح " (2) الاية قال الطبرسي: عطف على قوله: " وعنده علم الساعة " أي وعنده علم قيله، وقال قتادة هذا نبيكم يشكو قومه إلى ربه وينكر عليهم تخلفهم عن الايمان، وذكر أن قراءة عبد الله " وقال الرسول يا رب " وعلى هذا فالهاء في " وقيله " تعود إلى النبي صلى الله عليه وآله " فاصفح عنهم " أي فأعرض عنهم كما قال: وأعرض عن الجاهلين " وقل سلام " أي مداراة ومتاركة، وقيل: هو سلام هجران ومجانبة كقوله " سلام عليكم لانبتغي الجاهلين " (3) وقيل معناه قل ما تسلم به من شرهم و أذاهم، وهذا منسوخ بآية السيف، وقيل: معناه فاصفح عن سفههم ولا تقابلهم بمثله فلا يكون منسوخا (4). ثم اعلم أن الاصحاب اتفقوا على أن الاذان والاقامة إنما شرعا بوحي من الله، وأجمعت العامة على نسبة الاذان إلى رؤيا عبد الله بن زيد في منامه (5) ونقلوا

 

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 157 - 158. (2) الزخرف: 89. (3) القصص: 55. (4) مجمع البيان ج 9 ص 59. (5) قال الشعراني مد ظله في بعض حواشيه على الوافى: روى أبو القاسم السهيلي المالقى في كتاب الروض الانف عن الباقر عليه السلام حديثا يتضمن وحى الاذان إلى رسول

 

[122]

موافقة عمر له في المنام، وفي رواية الكليني (1) ما يدل على أنهم كانوا يقولون إن ابي بن كعب رآه في النوم وهو باطل عند الشيعة، قال ابن أبي عقيل: أجمعت الشيعة على أن الصادق عليه السلام لعن قوما زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله أخذ الاذان من عبد الله بن زيد

 

الله صلى الله عليه وآله ليلة المعراج، ثم قال: وأخلق بهذا الحديث أن يكون صحيحا، لما يعضده و يشاكله من أحاديث الاسراء، فبمجموعها يحصل أن معاني الصلاة كلها أو أكثرها قد جمعها حديث الاسراء إلى آخره. وقال أيضا: فأما الحكمة في تخصيص الاذان برؤية رجل من المسلمين ولم يكن عن وحى، فلان رسول الله صلى الله عليه وآله قد أريه ليلة الاسراء وسمعه مشاهدة فوق سبع سموات، وهذا أقوى من الوحى، فلما تأخر فرض الاذان إلى المدينة، وأرادوا اعلام الناس بوقت الصلاة تلبث الوحى حتى رأى عبد الله الرؤيا، فوافقت ما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله فلذلك قال صلى الله عليه وآله " انها رؤيا حق انشاء الله " وعلم حينئذ أن مراد الحق بما رآه في السماء أن يكون سنة في الارض إلى أن قال: واقتضت الحكمة الالهية أن يكون الاذان على لسان غير النبي صلى الله عليه وآله من المؤمنين لما فيه من التنويه من الله لعبده والرفع لذكره، فلان يكون ذلك على غير لسانه، أنوه به وأفخم لشأنه، وهذا معنى بين، فان الله سبحانه يقول: " ورفعنا لك ذكرك " فمن رفع ذكره أن أشاد به على لسان غيره: انتهى كلام المالقى. قال الشعرانى: وهو وجه حسن، وتفطن عجيب وبه يجمع بين الحديثين، والحكمة التى ذكرها في رؤيا عبد الله بن زيد، مما يؤيده العقل، ولا ينافى كون الاذان بالوحى من الله تعالى كما في احاديثنا، والاعتراض منا انما هو على من ينفى الوحى في الاذان، لا على رؤيا عبد الله بن زيد، فان المنافقين والملاحدة كانوا يتهمون النبي صلى الله عليه وآله بأنه أدخل اسمه في الاذان من عند نفسه وأعلن به في المنابر حبا للشهرة وطلبا للجاه، وأما إذا رآه عبد الله بن زيد في الرؤيا، ولم يكونوا يتهمونه لعدم كونه من أصحاب سر رسول الله والمتخلين معه دائما، ارتفعت التهمة وكانت آية من آيات النبوة. (1) راجع الكافي ج 3 ص 482 - 486، وقد مر بتمامه نقلا من علل الشرايع ج 82 ص 237 - 250 مشروحا.

 

[123]

فقال: ينزل الوحي على نبيكم، فيزعمون أنه أخذ الاذان من عبد الله بن زيد ؟ ! انتهى، والاخبار في ذلك كثيرة في كتبنا. 10 - ثواب الاعمال: بالاسناد المتقدم في باب المساجد عن أبي هريرة وابن عباس قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبة طويلة: من تولى أذان مسجد من مساجد الله، فأذن فيه وهو يريد وجه الله، أعطاه الله عزوجل ثواب أربعين ألف ألف نبي وأربعين ألف ألف صديق، وأربعين ألف ألف شهيد، وأدخل في شفاعته أربعين ألف ألف امة في كل امة أربعون ألف ألف رجل، وكان له في كل جنة من الجنان أربعون ألف ألف مدينة، في كل مدينة أربعون ألف ألف قصر، في كل قصر أربعون ألف ألف دار في كل دار أربعون ألف ألف بيت، في كل بيت أربعون ألف ألف سرير، على كل سرير زوجة من الحور العين، سعة كل بيت منها مثل الدنيا أربعون ألف ألف مرة، بين يدي كل زوجة أربعون ألف ألف وصيف، وأربعون ألف ألف وصيفة، في كل بيت أربعون ألف ألف مائدة على كل مائدة أربعون ألف ألف قصعة، في كل قصعة أربعون ألف ألف لون من الطعام، لو نزل به الثقلان لادخلهم أدنى بيت من بيوتها، لهم فيها ما شاؤا من الطعام والشراب والطيب واللباس والثمار، وألوان التحف والطرائف من الحلي والحلل، كل بيت منها يكتفى بما فيه من هذه الاشياء عما في البيت الآخر، فإذا أذن المؤذن فقال: أشهد أن لا إله إلا الله " اكتنفه أربعون ألف ألف ملك، كلهم يصلون عليه ويستغفرون له، وكان في ظل الله عزوجل حتى يفرغ وكتب له ثوابه أربعون ألف ألف ملك، ثم صعدوا به إلى الله عزوجل (1). 21 - مجالس الصدوق: عن أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن العباس والعباس بن عمرو معا عن هشام بن الحكم عن ثابت بن هرمز، عن الحسن بن أبي الحسن، عن أحمد بن عبد الحميد، عن عبد الله ابن علي قال: حملت متاعا من البصرة إلى مصر، فقدمتها، فبينما أنا في بعض الطريق إذا أنا بشيخ طوال شديد الادمة أصلع أبيض الرأس واللحية، عليه طمران أحدهما

 

(1) ثواب الاعمال ص 258 - 259.

 

[124]

أسود والآخر أبيض، فقلت: من هذا، فقالوا: هذا بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله. فأخذت ألواحي وأتيته فسلمت عليه ثم قلت له: السلام عليك أيها الشيخ ! فقال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، قلت: رحمك الله حدثني بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله قال: وما يدريك من أنا ؟ فقلت: أنت بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: فبكى وبكيت حتى اجتمع الناس علينا ونحن نبكي قال: ثم قال لي: يا غلام من أي البلاد أنت ؟ قلت: من أهل العراق، فقال لي: بخ بخ فمكث ساعة. ثم قال: اكتب يا أخا أهل العراق " بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: المؤذنون امناء المؤمنين على صلاتهم وصومهم، ولحومهم ودمائهم، لا يسألون الله عزوجل شيئا إلا أعطاهم، ولا يشفعون في شئ إلا شفعوا. قلت: زدني رحمك الله ! قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من أذن أربعين عاما محتسبا بعثه الله يوم القيامة وله عمل أربعين صديقا عملا مبرورا متقبلا. قلت: زدني رحمك الله قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من أذن عشرين عاما بعثه الله عزوجل يوم القيامة وله من النور مثل نور السماء الدنيا. قلت: زدني رحمك الله. قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من أذن عشر سنين أسكنه الله عزوجل مع إبراهيم في قبته أو في درجته. قلت: زدني رحمك الله. قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول من أذن سنة واحدة بعثه الله عزوجل يوم القيامة وقد غفرت ذنوبه كلها بالغة ما بلغت، ولو كانت مثل زنة جبل احد. قلت: زدني رحمك الله قال: نعم فاحفظ واعمل واحتسب، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من أذن في سبيل الله صلاة واحدة إيمانا واحتسابا وتقربا إلى الله عزوجل


 

[125]

غفر الله له ما سلف من ذنوبه، ومن عليه بالعصمة فيما بقي من عمره، وجمع بينه و بين الشهداء في الجنة. قلت: رحمك الله حدثني بأحسن ما سمعت، قال: ويحك يا غلام قطعت أنياط قلبي، وبكى وبكيت حتى إني والله لرحمته. ثم قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إذا كان يوم القيامة وجمع الله الناس في صعيد واحد، بعث الله عزوجل إلى المؤذنين بملائكة من نور، معهم ألوية وأعلام من نور، يقودون جنايب أزمتها زبرجد أخضر، و حقايبها المسك الاذفر، ويركبها المؤذنون فيقومون عليها قياما، تقودهم الملائكة ينادون بأعلا أصواتهم بالاذان. ثم بكى بكاء شديدا حتى انتحبت وبكيت، فلما سكت قلت مما بكاؤك ؟ قال: ويحك ذكرتني أشياء سمعت حبيبي وصفيي عليه السلام يقول والذي بعثني بالحق نبيا إنهم ليمرون على الخلق قياما على النجائب فيقولون: " الله أكبر الله أكبر " فإذا قالوا ذلك سمعت لامتي ضجيجا - فسأله أسامة بن زيد عن ذلك الضجيج ما هو ؟ قال الضجيج التسبيح والتحميد والتهليل، فإذا قالوا: " أشهد أن لا إله إلا الله " قالت أمتي إياه كنا نعبد في الدنيا فيقال: صدقتم، فإذا قالوا: " أشهد أن محمدا رسول الله " قالت أمتي: هذا الذي أتانا برسالة ربنا جل جلاله وآمنا به ولم نره صلى الله عليه وآله، فيقال لهم صدقتم، هو الذي أدى إليكم الرسالة من ربكم، وكنتم به مؤمنين، فحقيق على الله أن يجمع بينكم وبين نبيكم، فينتهي بهم إلى منازلهم، وفيها مالا عين رأت، ولا اذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ثم نظر إلي فقال لي: إن استطعت ولا قوة إلا بالله أن لا تموت إلا مؤذنا فافعل. فقلت: رحمك الله تفضل على وأخبرني، فاني فقير محتاج، وأد إلى ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله فانك قد رأيته ولم أره، وصف لي كيف وصف لك رسول الله صلى الله عليه وآله بناء الجنة، قال: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: أن سور الجنة لبنة من ذهب، ولبنة من فضة، ولبنة من ياقوت،


 

[126]

وملاطها المسك الاذفر، وشرفها الياقوت الاحمر، والاخضر والاصفر، قلت: فما أبوابها ؟ قال أبوابها مختلفة باب الرحمة من ياقوتة حمراء. قلت: فما حلقته، قال: ويحك كف عني فقد كلفتني شططا قلت: ما أنا بكاف عنك حتى تؤدي إلى ما سمعت من رسول الله في ذلك، قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم أما باب الصبر، فباب صغير مصراع واحد من ياقوتة حمراء لا حلق له، وأما باب الشكر فانه من ياقوتة بيضاء، لها مصراعان مسيرة ما بينهما خمس مائة عام، له ضجيج وحنين، يقول: اللهم جئني بأهلي، قلت: هل يتكلم الباب ؟ قال: نعم، ينطقه ذو الجلال والاكرام، وأما باب البلاء قلت: أليس باب البلاء هو باب الصبر ؟ قال: لا، قلت: فما البلاء ؟ قال: المصائب والاسقام والامراض والجذام وهو باب من ياقوتة صفراء مصراع واحد، ما أقل من يدخل منه. قلت: رحمك الله زدني وتفضل علي فاني فقير، قال: يا غلام لقد كلفتني شططا، أما الباب الاعظم، فيدخل منه العباد الصالحون، وهم أهل الزهد والورع والراغبون إلى الله عزوجل المستأنسون به، قلت: رحمك الله فإذا دخلوا الجنة ما ذا يصنعون ؟ قال: يسيرون على نهرين في مصاف في سفن الياقوت، مجاذيفها اللؤلؤ فيها ملائكة من نور، عليهم ثياب خضر شديد خضرتها، قلت رحمك الله هل يكون من النور أخضر ؟ قال: إن الثياب هي خضر، ولكن فيها نور من نور رب العالمين جل جلاله، يسيرون على حافتي ذلك النهر. قلت: فما اسم ذلك النهر قال: جنة المأوى، قلت: هل وسطها غير هذا ؟ قال: نعم، جنة عدن، وهي في وسط الجنان، فأما جنة عدن فسورها ياقوت أحمر وحصباؤها اللؤلؤ، قلت: فهل فيها غيرها ؟ قال: نعم، جنة الفردوس، قلت: وكيف سورها قال: ويحك كف عني حيرت على قلبي، قلت: بل أنت الفاعل بي ذلك، ما أنا بكاف عنك حتى تتم لي الصفة، وتخبرني عن سورها، قال: سورها نور، فقلت: والغرف التي هي فيها قال: هي من نور رب العالمين. قلت: زدني رحمك الله قال: ويحك إلى هذا انتهى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله،


 

[127]

طوبى لك إن أنت وصلت إلى بعض هذه الصفة، وطوبى لمن يؤمن بهذا، قلت يرحمك الله أنا والله من المؤمنين بهذا، قال: ويحك إنه من يؤمن أو يصدق بهذا الحق والمنهاج، لم يرغب في الدنيا ولا في زهرتها وحاسب نفسه، قلت: أنا مؤمن بهذا قال: صدقت، ولكن قارب وسدد، ولا تيئس واعمل، ولا تفرط وارج و خف واحذر. ثم بكى وشهق ثلاث شهقات فظننا أنه قد مات، ثم قال: فداكم أبي وامي لو رأكم محمد صلى الله عليه وآله لقرت عينه حين تسألون عن هذه الصفة، ثم قال النجا النجا الوحا الوحا، الرحيل الرحيل، العمل العمل، وإياكم والتفريط وإياكم والتفريط ثم قال ويحكم اجعلوني في حل مما فرطت، فقلت له أنت في حل مما فرطت، جزاك الله الجنة كما أديت وفعلت الذي يجب عليك، ثم ودعني، وقال لي اتق الله وأد إلى أمة محمد صلى الله عليه وآله ما أديت إليك، فقلت أفعل إنشاء الله تعالى، قال: أستودع الله دينك وأمانتك، وزودك التقوى، وأعانك على طاعته بمشيته (1). بيان: قال الجوهري: الطوال بالضم الطويل يقال: طويل وطوال، فإذا أفرط في الطول قيل طوال بالتشديد والطوال بالكسر جمع طويل، والادمة بالضم السمرة، والطمر بالكسر الثوب الخلق البالي، وبخ كلمة يقال عند المدح والرضا بالشئ، ويكرر للمبالغة فيقال بخ بخ، فان وصلت خفضت ونونت، وربما شددت كالاسم ذكره الجوهري، ويدل على استحباب الافتتاح بالتسمية عند كتابة الحديث كما وردت به الاخبار. قوله عليه السلام: " على صلاتهم " ظاهره جواز الاعتماد على المؤذن في دخول الوقت وقد مر الكلام فيه، وإن (كان) ظ في المعتبر مال إلى الاعتماد على الثقة العارف بالاوقات والاحوط عدمه، إلا مع حصول العلم، وإن كان ظاهر بعض الاخبار جواز الاعتماد على أذان المخالفين أيضا، وربما يخص بذوي الاعذار. وأما كونهم امناء على لحوم الناس، فلانهم لو لم يؤذن أحد بينهم يغتابهم

 

(1) أمالي الصدوق ص 127.

 

[128]

الناس، ويأكلون لحومهم بالغيبة، بأنهم ليسوا بمسلمين، ولا يقيمون شعائر الاسلام " وعلى دمائهم " لان سرايا المسلمين كانوا إذا أشرفوا على قرية أو بلدة فسمعوا أذانهم كفوا عن قتلهم، أو لانه يجوز قتالهم على ترك الاذان كما قيل، وقيل: لان لحومهم و دماءهم تصير محفوظة من النار لانهم يصلون بأذانهم، والصلاة سبب للعتق من النار وقيل: المراد بلحومهم ودمائهم ذبايحهم، فان بأذان المؤذنين يعلم إسلام أهل بلادهم فيعلم حل ذبائحهم وقيل: المراد بلحوم الناس أعراضهم والوجه في أمانتهم على الاعراض والدماء أنهم الذين يدعون الناس إلى إقامة الحدود قوله صلى الله عليه وآله " ولا يشفعون في شئ " أي في الدنيا بالدعاء أو في الآخرة بالشفاعة أو الاعم " إلا شفعوا " على بناء المجهول من باب التفعيل، أي قبلت شفاعتهم، والصديق للمبالغة في الصدق، أو التصديق أي الذي صدق النبي صلى الله عليه وآله أسبق وأكثر من غيره قولا وفعلا، وقيل هو الذي يصدق قوله بالعمل، ولعل المراد بعمل أربعين صديقا ثوابه الاستحقاقي أو من سائر الامم. قوله عليه السلام: " من أذن عشرين عاما " أي أذان الاعلام لله، أو الاعم منه ومن الاذان لنفسه. قوله عليه السلام: " مثل نور السماء " في الفقيه (1) " مثل زنة السماء " فهو من قبيل تشبيه المعقول بالمحسوس، وقيل: أي يضيئ مثل تلك المسافة، وكونه في قبة إبراهيم عليه السلام أو درجته لا يستلزم كون مثوباته ولذاته مثله، بل هي شرافة وكرامة له أن يكون في قبته " واحتسب " أي اعمل لوجه الله " ومن عليه بالعصمة " أي من السيئات جميعا والتخلف للقصور في الاخلاص، وسائر الشرائط، أو من بعضها، والنياط ككتاب عرق غليظ نيط به القلب إلى الوتين، والمشهور في جمعه أنوطة ونوط، والانياط إما هو جمعه على غير القياس، أو هو تصحيف النياط، ولعله أظهر. وبكاؤه إما لمفارقة الرسول صلى الله عليه وآله أو للشوق إلى الجنة أو لحبه تعالى أو لخشيته

 

(1) الفقيه ج 1 ص 91.

 

[129]

والالوية والاعلام: الرايات، والالوية تطلق على الصغير، والاعلام على الكبيرة منها، و الجنايب جمع الجنيبة وهي الدابة تقاد بجنب اخرى، ليركبها الانسان عند الحاجة وقال في القاموس: الحقب محركة الحزام يلي حقو البعير أو حبل يشد به الرحل في بطنه، والحقيبة الرفادة في مؤخر القتب، وكل ما شد في مؤخر رحل أو قتب، وفي بعض نسخ الفقيه " خفائفها " ولعله تصحيف. " ذكرتني أشياء " أي من أحوال الرسول صلى الله عليه وآله أو أحوال الآخرة أو قربه تعالى وعبادته أو الاعم وفي القاموس النجيب الكريم الحسيب، وناقة نجيب ونجيبة والجمع نجائب وقال: أضج القوم إضجاجا: صاحوا وجلبوا، فإذا جزعوا وغلبوا فضجوا يضجون ضجيجا. وقال: الملاط ككتاب الطين يجعل بين سافتي البناء، ويملط به الحائط و قال: شط في سلعته شططا محركة جاوز القدر والحد، وتباعد عن الحق، والفرق بين البلاء والصبر أنه إذا ابتلى أحد ولم يصبر يأجره الله على البلاء ما لم يصدر منه من الجزع ما يبطل أجره، وإذا صبر كان له أجر الصبر منضما إلى أجر البلاء. قوله: " ما أقل من يدخل فيه " لان أكثرهم يبطلون أجرهم بالجزع. ومجداف السفينة بالدال والذال ما يجدف بها السفينة، أي يحرك في الماء ليسير به السفينة، قوله: " من نور رب العالمين " أي من الانوار التي خلقها الله تعالى، " وحافتا الوادي جانباه، قوله: " أو يصدق " لعل الترديد من الراوي، أو المراد بالايمان كمال التصديق وزهرة الدنيا بسكون الهاء غضارتها وحسنها. قوله: " قارب وسدد " أي اقتصد في الامور كلها أو اجعل نيتك خالصة، و أعمالك سديدة صحيحة وفي النهاية فيه سددوا وقاربوا أي اقتصدوا في الامور كلها و اتركوا الغلو فيها والتقصير، يقال: قارب فلان في اموره، إذا اقتصد، وقال: سددوا أي اطلبوا بأعمالكم السداد والاستقامة: وهو القصد في الامر والعدل فيه، قوله: " ولا تأيس " أي من رحمة الله " ولا تفرط " من الافراط أو من التفريط، والشهقة: الصيحة أو تردد البكاء في الصدر. وقال الجزري فيه أنا النذير العريان، فالنجا فالنجا، أي انجوا بأنفسكم، و


 

[130]

هو مصدر منصوب بفعل مضمر، أي انجوا النجا وتكراره للتأكيد، والنجاء السرعة يقال: ينجو نجاء إذا أسرع، ونجا من الامر إذا خلص، وقال: الوحا الوحا أي السرعة السرعة، ويمد ويقصر يقال: توحيت توحيا إذا أسرعت وهو منصوب على الاغراء بفعل مضمر. وقال الجوهري الوحا السرعة يمد ويقصر ويقال: الوحا الوحا يعني البدار البدار، وتوح يا هذا أي أسرع، وقال: رحل وارتحل وترحل بمعنى، والاسم الرحيل انتهى، والرحيل أيضا منصوب على الاغراء أي تهيأوا لسفر الآخرة، أو ارتحلوا بقلوبكم من الدنيا وزخارفها قوله: " وأمانتك " أي ما ائتمنك عليه من الاخبار أو أمانتك وكونك أمينا في ساير الامور. 22 - مجالس الصدوق: عن حمزة بن محمد العلوي، عن عبد العزيز الابهري عن محمد بن زكريا، عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله ألا ومن أذن محتسبا يريد بذلك وجه الله عزوجل أعطاه الله ثواب أربعين ألف شهيد، وأربعين ألف صديق، ويدخل في شفاعته أربعين ألف مسئ من أمتي إلى الجنة، ألا وإن المؤذن إذا قال: " أشهد أن لا إله إلا الله " صلى عليه تسعون ألف ملك، واستغفروا له، وكان يوم القيامة في ظل العرش حتى يفرغ الله من حساب الخلائق، ويكتب ثواب قوله " أشهد أن محمدا رسول الله " أربعون ألف ألف ملك، ومن حافظ على الصف الاول والتكبيرة الاولى لا يؤذي مسلما، أعطاه الله من الاجر ما يعطى المؤذنون في الدنيا والآخرة (1). 23 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن الحسن بن فضال عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لابد للمريض أن يؤذن ويقيم، إذا أراد الصلاة، ولو في نفسه، إن لم يقدر على أن يتكلم به بسبيل، فان كان شديد الوجع، فلابد له من أن يؤذن ويقيم لانه لا صلاة إلا بأذان وإقامة.

 

(1) أمالي الصدوق ص 259 في خبر المناهى.

 

[131]

قال الصدوق - رحمه الله - يعني صلاة الغداة وصلاة المغرب (1). بيان: قوله عليه السلام " بسبيل " أي بوجه من الوجوه، وفي التهذيب (2) " سئل فان كاشديد الوجع ؟ قال: لابد " ولعله أظهر، وظاهره وجوب الاذان والاقامة لجميع الصلوات، وحمل على تأكد الاستحباب، ويظهر من الصدوق أنه يقول بوجوبهما للغداة والمغرب. 24 - معاني الاخبار والتوحيد: عن أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المروزي عن محمد بن جعفر المقري، عن محمد بن الحسن الموصلي، عن محمد بن عاصم الطريفي، عن عياش بن يزيد بن الحسن، عن أبيه، عن موسى بن جعفر، عن آبائه، عن الحسين ابن علي عليهم السلام قال: كنا جلوسا في المسجد، إذ صعد المؤذن المنارة، فقال: " الله أكبر الله أكبر " فبكى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وبكينا ببكائه. فلما فرغ المؤذن قال: أتدرون ما يقول المؤذن ؟ قلنا: الله ورسوله ووصيه أعلم، فقال: لو تعلمون ما يقول: لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، فلقوله: " الله أكبر " معان كثيرة منها أن قول المؤذن " الله أكبر " يقع على قدمه وأزليته وأبديته و علمه وقوته وقدرته وحلمه وكرمه وجوده وعطائه وكبريائه، فإذا قال المؤذن: " الله أكبر " فانه يقول الله الذي له الخلق والامر، وبمشيته كان الخلق، ومنه كان كل شئ للخلق، وإليه يرجع الخلق، وهو الاول قبل كل شئ لم يزل، والآخر بعد كل شئ لا يزال، والظاهر فوق كل شئ لا يدرك، والباطن دون كل شئ لا يحد، فهو الباقي وكل شئ دونه فان. والمعني الثاني " الله أكبر " أي العليم الخبير، علم ما كان وما يكون، قبل أن يكون. والثالث " الله أكبر " أي القادر على كل شئ يقدر على ما يشاء القوي لقدرته المقتدر على خلقه، القوي لذاته، وقدرته قائمة على الاشياء كلها إذا قضى أمرا فانما

 

(1) علل الشرايع ج 2 ص 19. (2) التهذيب ج 1 ص 1 ص 216.

 

[132]

يقول له كن فيكون. والرابع " الله أكبر " على معنى حلمه وكرمه، يحلم كأنه لا يعلم، ويصفح كأنه لا يرى، ويستر كأنه لا يعصى، لا يعجل بالعقوبة كرما وصفحا وحلما. والوجه الآخر في معني " الله أكبر " أي الجواد جزيل العطاء كريم الفعال، و الوجه الآخر " الله أكبر " فيه نفي كيفيته كأنه يقول: الله أجل من أن يدرك الواصفون قدر صفته الذي هو موصوف به، وإنما يصفه الواصفون على قدرهم لا على قدر عظمته وجلاله، تعالى الله عن أن يدرك الواصفون صفته علوا كبير. والوجه الآخر " الله أكبر " كأنه يقول الله أعلى وأجل، وهو الغني عن عباده لا حاجة به إلى أعمال خلقه. وأما قوله: " أشهد أن لا إله إلا الله " فاعلام بأن الشهادة لا تجوز إلا بمعرفة من القلب كانه يقول أعلم أنه لا معبود إلا الله عزوجل، وأن كل معبود باطل سوى الله عزوجل، وأقر بلساني بما في قلبي من العلم بأنه لا إله إلا الله، وأشهد أنه لا ملجأ من الله إلا إليه، ولا منجا من شر كل ذي شر وفتنة كل ذي فتنة إلا بالله. وفي المرة الثانية " أشهد أن لا إله إلا الله " معناه أشهد أن لا هادي إلا الله، ولا دليل إلا الله، وأشهد الله بأني أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد سكان السموات وسكان الارض وما فيهن من الملائكة والناس أجمعين، وما فيهن من الجبال و الاشجار والدواب والوحوش وكل رطب ويابس بأني أشهد أن لا خالق إلا الله، ولا رازق ولا معبود، ولا ضار ولا نافع، ولا قابض ولا باسط، ولا معطي ولا مانع، ولا دافع ولا ناصح، ولا كافي ولا شافي، ولا مقدم ولا مؤخر إلا الله، له الخلق والامر وبيده الخير كله تبارك الله رب العالمين. وأما قوله: " أشهد أن محمدا رسول الله " يقول اشهد الله أني أشهد أن لا إله إلا هو، وأن محمدا عبده ورسوله ونبيه وصفيه ونجيبه أرسله إلى كافة الناس أجمعين بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، واشهد من في السموات


 

[133]

والارض من النبيين والمرسلين والملائكة والناس أجمعين أني أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله سيد الاولين والآخرين. وفي المرة الثانية " أشهد أن محمدا رسول الله " يقول: أشهد أن لا حاجة لاحد إلى أحد إلا إلى الله الواحد القهار الغني عن عباده والخلايق أجمعين، وأنه أرسل محمدا إلى الناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا، فمن أنكره، و جحده ولم يؤمن به أدخله الله عزوجل نار جهنم خالدا مخلدا لا ينفك عنها أبدا. وأما قوله: " حي على الصلاة " أي هلموا إلى خير أعمالكم، ودعوة ربكم وسارعوا إلى مغفرة من ربكم، وإطفآء ناركم التي أوقدتموها على ظهوركم، و فكاك رقابكم التي رهنتموها بذنوبكم، ليكفر الله عنكم سيئاتكم، ويغفر لكم ذنوبكم ويبدل سيئاتكم حسنات، فانه ملك كريم، ذو الفضل العظيم، وقد أذن لنا معاشر المسلمين بالدخول في خدمته، والتقدم إلى بين يديه. وفي المرة الثانية " حى على الصلاة " أي قوموا إلى مناجات ربكم وعرض حاجاتكم على ربكم، وتوسلوا إليه بكلامه وتشفعوا به وأكثروا الذكر والقنوت والركوع والسجود والخضوع والخشوع، وارفعوا إليه حوائجكم فقد أذن لنا في ذلك. وأما قوله: " حي على الفلاح " فانه يقول: أقبلوا إلى بقاء لا فناء معه، و نجاة لا هلاك معها، وتعالوا إلى حياة لا مماة معها، وإلى نعيم لانفاد له، وإلى ملك لا زوال عنه، وإلى سرور لا حزن معه وإلى انس لا وحشة معه، وإلى نور لا ظلمة معه وإلى سعة لا ضيق معها، وإلى بهجة لا انقطاع لها، وإلى غني لا فاقة معه، وإلى صحة لا سقم معها، وإلى عز لا ذل معه، وإلى قوة لا ضعف معها، وإلى كرامة يالها من كرامة، واعجلوا إلى سرور الدنيا والعقبى، ونجاة الآخرة والاولى. وفي المرة الثانية " حي على الفلاح " فانه يقول: سابقوا إلى ما دعوتكم إليه وإلى جزيل الكرامة، وعظيم المنة، وسني النعمة، والفوز العظيم، ونعيم الابد


 

[134]

في جواز محمد صلى الله عليه وآله في مقعد صدق عند مليك مقتدر. وأما قوله: " الله أكبر (الله أكبر) " فانه يقول الله أعلى وأجل من أن يعلم أحد من خلقه ما عنده من الكرامة لعبد أجابه وأطاعه وأطاع أمره، وعرفه و عبده، واشتغل به وبذكره وأحبه وأنس به، واطمأن إليه ووثق به، وخافه ورجاه واشتاق إليه ووافقه في حكمه وقضائه ورضي به. وفي المرة الثانية " الله أكبر (الله أكبر) " فانه يقول: الله أكبر وأعلى وأجل من أن يعلم أحد مبلغ كراماته لاوليائه، وعقوبته لاعدائه، ومبلغ عفوه وغفرانه ونعمته لمن أجابه وأجاب رسوله، ومبلغ عذابه ونكاله وهوانه لمن أنكره وجحده. وأما قوله: " لا إله إلا الله " معناه لله الحجة البالغة عليهم بالرسول والرسالة والبيان والدعوة، وهو أجل من أن يكون لاحد منهم عليه حجة، فمن أجابه فله النور والكرامة، ومن أنكره فان الله غني عن العالمين، وهو أسرع الحاسبين. ومعنى " قد قامت الصلاة " في الاقامة أي حان وقت الزيارة والمناجاة، و قضاء الحوائج، ودرك المنى والوصول إلى الله عزوجل وإلى كرامته وغفرانه و عفوه ورضوانه. قال الصدوق رحمه الله إنما ترك الراوي ذكر " حي على خير العمل " للتقية: وقد روي في خبر آخر أن الصادق عليه السلام سئل عن معنى " حي على خير العمل " فقال خير العمل الولاية، وفي خبر آخر خير العمل بر فاطمة وولدها عليهم السلام (1). بيان: قد سبق تفسير التكبير في كتاب الدعاء وفي الخبر إشعار بتربيع التكبير في أول الاذان، وإن لم يكن صريحا، وما ذكر من المعاني كلها داخلة في معني الكبرياء والاكبرية، ويرجع بعضها إلى كبرياء الذات، وبعضها إلى الكبرياء من جهة الصفات وبعضها إلى الكبرياء من جهة الاعمال. قوله عليه السلام: " واشهد سكان السموات " أي رفع الصوت بالاذان إشهاد للحيوانات والجمادات والنباتات على العقايد الحقة، ولذا تشهد كلها له يوم القيامة

 

(1) معاني الاخبار: 38 - 41، التوحيد: 238 - 241.

 

[135]

قوله عليه السلام: " أن لا حاجة " لعله إشارة إلى أن إرسال الرسول إنما هو لدفع حوائج الخلق، ورفع امور دنياهم وآخرتهم إليه، فلا حاجة لاحد إلا إليه، وقضى حوائجهم بنصب الحجج الدالين عليه. قوله عليه السلام: " وأما قوله الله أكبر " في بعض النسخ وقع التكبير هنا وفيما سيأتي معا مكررا، فيدل على تربيع التكبير في آخر الاذان أيضا، وفي بعضها في كل موضع مرة فيدل على المشهور وذكر لا إله إلا الله في آخر الاذن أيضا مرة لا يدل على وحدتها وإن كان مشعرا بها، وترك تفسير " حي على خير العمل " يمكن أن يكون لترك المؤذن هذا الفصل لانه عليه السلام كان يفسر ما يقوله المؤذن وتأويل خير العمل بالولاية لا ينافي كونه من فصول أذان الصلاة، لانها من أعظم شرائط صحتها وقبولها، ويحتمل أن يكون المعنى أن الصلاة التي هي خير العمل هي ما كانت مقرونة بالولاية، وبر فاطمة وولدها صلوات الله عليهم، وقد مر منا تحقيق في تأويل الصلاة وساير العبادات بالائمة عليهم السلام في كتاب الامامة وغيره فتذكر. 25 - مجالس الصدوق: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم، عن الحسين بن الحسن، عن سليمان بن جعفر البصري، عن عبد الله ابن الحسين بن زيد، عن أبيه، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن الله كره الكلام بين الاذان والاقامة في صلاة الغداة، حتى تقضي الصلاة و نهى عنه (1). الخصال: عن أبيه، عن سعد مثله (2). بيان: ما تضمنه من كراهة الكلام بين الاذان والاقامة في صلاة الغداة، لم يذكره الاكثر، وإنما حكموا بكراهة الكلام في خلالهما، وبتأكدها بعد " قد قامت الصلاة " وقال الشيخان والمرتضى إذا قال الامام: " قد قامت الصلاة " حرم الكلام إلا ما يتعلق بالصلاة من تسوية صف أو تقديم إمام والكراهة الشديدة أظهر لكن قال

 

(1) أمالي الصدوق: 181. (2) الخصال ج 2 ص 102.

 

[136]

يحيى بن سعيد في الجامع: يكره الكلام بين الاذان والاقامة في صلاة الغداة ونحو قال الشهيد في النفلية ورواه الصدوق في الفقيه (1) في وصية النبي صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام. 26 - الاحتجاج: عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي الربيع قال: قال الباقر عليه السلام فيما أجاب به عن مسائل نافع: لما أسري بالنبي صلى الله عليه وآله إلى بيت المقدس حشر الله الاولين والآخرين من النبيين والمرسلين ثم أمر جبرئيل عليه السلام فأذن شفعا وقال في أذانه " حي على خير العمل " ثم تقدم محمد صلى الله عليه وآله وصلى بالقوم (2). 27 - تفسير علي بن ابراهيم: عن أبيه، عن ابن محبوب، عن الثمالي، عن أبي الربيع مثله، وفيه فأذن شفعا وأقام شفعا (3) ثم قال في إقامته: حي على خير العمل (4). 28 - قرب الاسناد: عن أحمد وعبد الله ابني محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: تحضر الصلاة ونحن مجتمعون في مكان واحد، تجزينا إقامة بغير أذان ؟ قال: نعم (5). بيان: يدل على جواز الاكتفاء في الجماعة بالاقامة، إذا كانوا مجتمعين غير منتظرين لاحد، لان الاذان لاعلام الناس للاجتماع، وأمثاله مما يؤيد الاستحباب مطلقا، وإن لم يمكن الاستدلال بها. 29 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن المؤذن يحدث في أذانه وفي إقامته، قال: إن كان الحدث

 

(1) الفقيه ج 4 ص 258. (2) الاحتجاج. (3) أقول: رواه في الكافي أيضا عن عدة من أصحابه عن أحمد بن محمد البرقي عن ابن محبوب إلى آخر الخبر وفيه " وأقام شفعا " منه عفى عنه. كذا بخطه قدس سره في هامش الاصل، والحديث في الكافي ج 8 ص 120 - 121. (4) تفسير القمي: 610. (5) قرب الاسناد: 76 ط حجر.

 

[137]

في الاذان فلا بأس وإن كان في الاقامة فليتوضأ وليقم إقامته (1). قال: وسألته عن رجل سهى فبنى على ما صلى كيف يصنع ؟ أيفتتح صلاته أم يقوم ويكبر ويقرأ، وهل عليه أذان وإقامة ؟ وإن كان قد سهى في الركعتين الاخراوين وقد فرغ من القراءة، هل عليه قراءة وتسبيح أو تكبير ؟ قال: يبني على ما صلى فان كان قد فرغ من القراءة فليس عليه قراءة ولا أذان ولا إقامة (2). بيان: يدل على أن الحدث في الاقامة يوجب الاعادة، وفي الاذان لا يوجبها ولا خلاف بين الاصحاب في رجحان الطهارة في الاذان والاقامة، وعدم اشتراط الاذان بها مقطوع به في كلامهم ودلت عليه روايات كثيرة، وأما الاقامة فالاشهر فيها أيضا عدم الاشتراط، ويظهر من كثير من الروايات المعتبرة الاشتراط، والنهي عن الاقامة على غير طهر كما ذهب إليه المرتضى والعلامة في المنتهى، وهذا الخبر مما يؤيده، وإن حمل الاكثر الاعادة على الاستحباب. قال في الذكرى: يستحب الطهارة فيه إجماعا لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال: حق وسنة أن لا يؤذن أحد إلا وهو طاهر، ويجوز على غير طهر لقول علي عليه السلام: لا بأس أن يؤذن وهو جنب ولا يقيم حتى يغتسل، وهو يدل على أن شرعية الطهارة في الاقامة آكد، ومن ثم جعل المرتضى الطهارة شرطا في الاقامة، و لو أحدث خلال الاقامة استحب الاستيناف بعد الطهارة، وفي أثناء الاذان يتطهر ويبني انتهى. والخبر يدل على استيناف الاقامة مع تخلل الحدث، وعدم الاكتفاء بالبناء كما ذكره الشهيد رحمه الله، ويدل على أنه إذا سهى وسلم في غير محله فذكر وقام ليتم الصلاة لا يحتاج إلى الاذان والاقامة، ولا التكبيرات الافتتاحية، ولا تكبيرة الاحرام، ولا القراءة في الاخيرتين وسيأتي مزيد شرح له في محله الانسب به. 30 - قرب الاسناد: عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن

 

(1) قرب الاسناد: 85 ط حجر. (2) قرب الاسناد: 95 ط حجر 125 ط نجف.

 

[138]

أبي نصر البزنطي قال: سألت الرضا عليه السلام عن القعدة بين الاذان والاقامة، فقال: القعدة بينهما إذا لم تكن بينهما نافلة، وقال تؤذن وأنت راكب وجالس، ولا تقيم إلا على الارض وأنت قائم (1). بيان: قال في المنتهى: ويستحب الفصل بين الاذان والاقامة بركعتين أو سجدة أو جلسة أو خطوة إلا المغرب، فانه يفصل بينهما بخطوة أو سكتة أو تسبيحة، ذهب إليه علماؤنا، وقال في المعتبر: وعليه علماؤنا، وقال الشيخ في النهاية: ويستحب أن يفصل الانسان بين الاذان والاقامة بجلسة أو خطوة أو سجدة وأفضل ذلك السجدة إلا في المغرب خاصة، فانه لا يسجد بينهما، ويكفي الفصل بينهما بخطوة أو جلسة خفيفة. وقال: ابن إدريس: من صلى منفردا فالمستحب له أن يفصل بين الاذان والاقامة بسجدة أو جلسة أو خطوة، والسجدة أفضل إلا في الاذان للمغرب خاصة، فان الجلسة والخطوة السريعة فيها فضل، وإذا صلى في جماعة فمن السنة أن يفصل بينهما بشئ من نوافله ليجتمع الناس في زمان تشاغله بها إلا صلاة المغرب، فانه لا يجوز ذلك فيها انتهى. اعترف أكثر المتأخرين بعدم النص في الخطوة، وسيأتي في فقه الرضا عليه السلام للمنفرد، وكذا ذكروا عدم النص في السجدة وستأتي الاخبار في استحبابها مع الدعاء فيها. وقال الشهيد في الذكرى: في مضمر الجعفري: افرق بينهما بجلوس أو ركعتين، وأما الفصل بالركعتين فينبغي تقييده بما إذا لم يدخل وقت فضيلة الفريضة لما مر، ولذا خص الشهيد في الذكرى تبعا لاكثر الروايات بالظهرين، بأن يأتي بركعتين من نافلتهما بين الاذان والاقامة. وأما صلاة الغداة فالغالب إيقاع نافلتها قبل الفجر، فلذا لم يذكر في الاخبار وأما استثناء الجلسة في المغرب فسيأتي الفضل الكثير فيها، فلا وجه لاستثنائها. 31 - تفسير علي بن ابراهيم: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم

 

(1) قرب الاسناد: 159 ط حجر ص 211 ط نجف.

 

[139]

عن الصادق عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: لما أسري بي وانتهيت إلى سدرة المنتهى فإذا ملك يؤذن لم ير في السماء قبل تلك الليلة، فقال: " الله أكبر الله أكبر " فقال الله: صدق عبدي أنا أكبر من كل شئ فقال: " أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله " فقال الله: صدق عبدي: أنا الله لا إله غيري، فقال: " أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله " فقال الله: صدق عبدي إن محمدا عبدي ورسولي، أنا بعثته وانتجبته، فقال: " حي على الصلاة حي على الصلاة " فقال: صدق عبدي دعا إلى فريضتي، فمن مشى إليها راغبا فيها محتسبا، كانت كفارة لما مضى من ذنوبه فقال: " حي على الفلاح حي على الفلاح " فقال الله: هي الصلاح والنجاح والفلاح، ثم أممت الملائكة في السماء كما أممت الانبياء في بيت المقدس (1). بيان: " الله أكبر " أي من كل شئ أو من أن يوصف كما مر " وحي " اسم فعل بمعنى أقبل، والفلاح الفوز بالامنية، والظفر بالمطلوب، أي أقبل على ما يوجب الفوز والظفر بالسعاة العظمى في الاخرة. 32 - العلل والعيون: عن الحسن بن محمد بن سعيد، عن فرات بن إبراهيم عن محمد بن أحمد بن علي، عن العباس بن عبد الله البخاري، عن محمد بن القاسم بن إبراهيم، عن أبي الصلت الهروي، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما عرج بي إلى السماء أذن جبرئيل عليه السلام مثنى مثنى، وأقام مثنى مثنى، ثم قال لي: تقدم يا محمد ! فتقدمت فصليت بهم ولا فخر (2). 33 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن إسماعيل، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت: له المرءة عليها أذان وإقامة ؟ فقال: إن كان تسمع أذان القبيلة فليس عليها شئ، وإلا فليس عليها أكثر من الشهادتين، وإن الله تبارك وتعالى قال للرجال: " أقيموا الصلاة ".

 

(1) تفسير القمي: 375 في حديث طويل. (2) علل الشرايع ج 1 ص 6، عيون الاخبار ج 1 ص 263 في حديث.

 

[140]

وقال للنساء " وأقمن الصلاة وآتين الزكوة وأطعن الله ورسوله " الخبر (1). بيان: يدل على جواز الاكتفاء بأذان القبيلة للنساء أو مطلقا والاستشهاد بالآيتين لعله لبيان اشتراك حكم الاذان والاقامة اللذين هما من لوازم الصلاة، وللدعوة إليها بين الرجال والنساء، لان الله تعالى أمر الفريقين بالصلاة على نحو واحد. 34 - العلل: عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس، عن علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير أنه سأل أبا الحسن عليه السلام عن " حي على خير العمل " لم تركت من الاذان ؟ فقال: تريد العلة الظاهرة أو الباطنة ؟ قلت: أريدهما جميعا، فقال: أما العلة الظاهرة فلئلا يدع الناس الجهاد اتكالا على الصلاة، وأما الباطنة فان خير العمل الولاية، فأراد من أمر بترك حي على خير العمل من الاذان أن لا يقع حث عليها ودعاء إليها (2). ومنه: عن علي بن عبد الله الوراق وعلي بن محمد بن الحسن، عن سعد بن عبد الله، عن العباس بن سعيد الارزق، عن سويد بن سعيد الانباري، عن محمد بن عثمان الجمحي، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة قال: قلت لابن عباس أخبرني لاي شئ حذف من الاذان حي على خير العمل ؟ قال: أراد عمر بذلك أن لا يتكل الناس على الصلاة، ويدعوا الجهاد، فلذلك حذفها من الاذان (3). بيان: يدل هذا على أن عمر وأتباعه يزعمون أنهم أعلم من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وأنهما لم يتفطنا بهذه المفسدة، وتفطن بها هذا الشقي الغبي، ولم لم يمنع ذلك أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله في زمانه، وأصحاب أمير المؤمنين عليه السلام عن الجهاد، بل كانوا مع مواظبتهم على حي على خير العمل أشد أهتماما بالجهاد من ساير العباد، وكون عمل أفضل من عمل آخر لا يصير سببا لان يترك المكلف المفضول، كان الناس يعلمون أن الصلاة أفضل من الزكاة والصوم ورد السلام وستر العورة وأكثر العبادات و التكاليف الشرعية، ولم يصر علمهم بذلك سببا لتركها.

 

(1) علل الشرايع ج 2 ص 44 في حديث، والاية الاخيرة في سورة الاحزاب: 33. (2 و 3) علل الشرايع ج 2 ص 56.

 

[141]

35 - معاني الاخبار والعلل: بالاسناد المتقدم، عن العباس بن سعيد عن أبي نصر، عن عيسى بن مهران، عن الحسن بن عبد الوهاب، عن محمد بن مروان عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتدري ما تفسير " حي على خير العمل " قال: قلت: لا قال: دعاك إلى البر، أتدري بر من ؟ قلت: لا، قال: دعاك إلى بر فاطمة و ولدها عليهم السلام (1). 36 - معاني الاخبار: بهذا الاسناد، عن عيسى بن مهران، عن يحيى بن الحسن بن الفرات، عن حماد بن يعلى، عن علي بن الحزور، عن الاصبغ بن نباته عن محمد ابن الحنفية أنه ذكر عنده الاذان فقال: لما اسري بالنبي صلى الله عليه وآله إلى السماء وتناهى إلى السماء السادسة، نزل ملك من السماء السابعة لم ينزل قبل ذلك اليوم قط فقال: " الله أكبر الله أكبر " فقال الله جل جلاله: أنا كذلك فقال: " أشهد أن لا إله إلا الله " فقال الله عزوجل أنا كذلك لا إله إلا أنا، فقال: " أشهد أن محمدا رسول الله " قال الله جل جلاله: عبدي وأميني على خلقي، اصطفيته برسالاتي، ثم قال: " حي على الصلاة " قال الله جل جلاله فرضتها على عبادي وجعلتها لي دينا ثم قال: " حي على الفلاح " قال الله عزوجل: أفلح من مشى إليها وواظب عليها ابتغاء وجهى، ثم قال: " حى على خير العمل " قال الله جل جلاله هي أفضل الاعمال و أزكاها عندي، ثم قال: " قد قامت الصلاة " فتقدم النبي صلى الله عليه وآله فأم أهل السماء فمن يومئذ تم شرف النبي صلى الله عليه وآله (2). بيان: ثم قال: " قد قامت الصلاة " أي في الاقامة بعد افتتاحها، ويحتمل أن يكون من الاول بيانا للاقامة، وترك ذكر الاذان لتلازمهما. 37 - معاني الاخبار: عن أبي الحسن بن عمرو بن علي بن عبد الله البصري عن خلف بن محمد البلخي، عن أبيه محمد بن أحمد، عن عياش بن الضحاك عن مكي ابن إبراهيم، عن ابن جريح، عن عطاء قال: كنا عند ابن عباس بالطائف أنا وأبو العالية

 

(1) معاني الاخبار: 42، علل الشرايع ج 2 ص 56. (2) معاني الاخبار: 42.

 

[142]

وسعيد بن جبير وعكرمة، فجاء المؤذن فقال: " الله أكبر " واسم المؤذن قثم بن عبد الرحمن الثقفي، فقال ابن عباس: أتدرون ما قال المؤذن ؟ فسأله أبو العالية فقال: أخبرنا بتفسيره. قال ابن عباس: إذا قال المؤذن " الله أكبر الله أكبر " يقول: يا مشاغيل الارض قد وجبت الصلاة، فتفرغوا لها، وإذا قال: " أشهد أن لا إله إلا الله " يقول: يقوم يوم القيامة ويشهد لي ما في السموات وما في الارض على أني أخبرتكم في اليوم خمس مرات، وإذا قال: " أشهد أن محمدا رسول الله " يقول: تقوم القيامة ومحمد يشهد لي عليكم أني قد أخبرتكم بذلك في اليوم خمس مرات، وحجتي عند الله قائمة، فإذا قال: " حي على الصلاة " يقول دينا قيما فأقيموه، وإذا قال: " حي على الفلاح " يقول: هلموا إلى طاعة الله وخذوا سهمكم من رحمة الله يعني الجماعة، وإذا قال العبد: " الله أكبر الله أكبر " يقول: حرمت الاعمال، وإذا قال " لا إله إلا الله " يقول: أمانة سبع سماوات وسبع أرضين والجبال والبحار، وضعت على أعناقكم إن شئتم أقبلوا وإن شئتم فأدبروا (1). بيان: " يا مشاغيل الارض " أي يذكرهم عظمة الله وكبرياءه، وقد نسوا ذلك بسبب أشغالهم التي لابد لهم من ارتكابها لمعاشهم، وبقاء نوعهم، وقد أمرهم في كل يوم خمس مرات بالصلاة، لئلا ينسوا ربهم وخالقهم ولا ينهمكوا في أشغال الدنيا و لذاتها وشهواتها، فيبعدوا عن ربهم، وبكلمة التوحيد يذكرهم أن ليس لهم سواه معبود وخالق ورازق ومفزع في أمورهم الدنيوية والاخروية، فلابد لهم من الرجوع إليه والطاعة له، فيستشهد المؤذن برفع صوته بذلك كل شئ أني أتممت عليهم الحجة فلم يبق لهم عذر في ذلك. ثم بشهادة الرسالة يذكرهم أنه الرسول إليكم، ويلزمكم إطاعته فيما أمر به، وأفضل ما أمر به الصلاة، وهو الشاهد عليكم فيما تأتون وما تذرون، والخبر يدل على أن الفلاح الكامل إنما يحصل بالجماعة ثم يذكرهم ثانيا عظمة الله ليعلموا أنه يجب

 

(1) معاني الاخبار: 41.

 

[143]

؟ ؟ ؟ يخالف أمره وحكمه. وفي تذكير التوحيد أخيرا تأكيد للزوم الاطاعة، لا سيما في الامر الذي هو الامانة المعروضة على السماوات والارض والجبال وهن أبين عن حملها لشدة صعوبة الاتيان بها، كما ينبغي، ويدل على أن الامانة المعروضة هي التكاليف الشرعية وأعظمها الصلاة. 38 - معاني الاخبار: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن - أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما اسري برسول الله صلى الله عليه وآله وحضرت الصلاة فأذن جبرئيل عليه السلام فلما قال: " الله أكبر الله أكبر " قالت الملائكة " الله أكبر الله أكبر " فلما قال: " أشهد أن لا إله إلا الله " قالت الملائكة خلع الانداد، فلما قال: " أشهد أن محمدا رسول الله " قالت الملائكة نبي بعث، فلما قال: " حي على الصلاة " قالت الملائكة حث على عبادة ربه، فلما قال " حي على الفلاح " قالت الملائكة أفلح من اتبعه (1). 39 - العلل والعيون: عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس، عن علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان فيما رواه من العلل عن الرضا عليه السلام فان قال: أخبرني عن الاذان لم امروا به ؟ قيل لعلل كثيرة: منها أن يكون تذكيرا للساهي، وتنبيها للغافل، وتعريفا لمن جهل الوقت، و اشتغل عن الصلاة، وليكون ذلك داعيا إلى عبادة الخالق، مرغبا فيها مقرا له بالتوحيد مجاهرا بالايمان، معلنا بالاسلام، مؤذنا لمن ينساها، وإنما يقال: مؤذن لانه يؤذن بالصلاة. فان قال: فلم بدء فيه بالتكبير قبل التهليل ؟ قيل: لانه أراد أن يبدء بذكره واسمه لان اسم الله تعالى في التكبير في أول الحرف، وفي التهليل اسم الله في آخر الحرف، فبدء بالحرف الذي اسم الله في أوله لا في آخره. فان قال: فلم جعل مثنى مثنى ؟ قيل: لان يكون مكررا في آذان المستمعين،

 

(1) معاني الاخبار ص 387.

 

[144]

مؤكدا عليهم، إن سها أحد عن الاول لم يسه عن الثاني، ولان الصلاة ركعتان ركعتان، فلذلك جعل الاذان مثنى مثنى. فان قال: فلم جعل التكبير في أول الاذان أربعا ؟ قيل: لان أول الاذان إنما يبدو غفلة، وليس قبله كلام يتنبه المستمع له، فجعل ذلك تنبيها للمستمعين لما بعده في الاذان. فان قال: فلم جعل بعد التكبير شهادتين ؟ قيل: لان أول الايمان إنما هو التوحيد، والاقرار لله عزوجل بالوحدانية، والثاني الاقرار للرسول بالرسالة، وأن طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان، ولان أصل الايمان إنما هو الشهادة، فجعل شهادتين شهادتين في الاذان كما جعل في سائر الحقوق شهادتين، فإذا أقر لله بالوحدانية وأقر للرسول بالرسالة، فقد أقر بجملة الايمان، لان أصل الايمان إنما هو الاقرار بالله وبرسوله. فان قال: فلم جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة ؟ قيل: لان الاذان إنما وضع لموضع الصلاة، وإنما هو نداء إلى الصلاة، فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الاذن فقدم المؤذن قبلها أربعا التكبيرتين والشهادتين وآخر بعدها أربعا يدعو إلى الفلاح حثا على البر والصلاة، ثم دعا إلى خير العمل مرغبا فيها وفي عملها وفي أدائها، ثم نادى بالتكبير والتهليل ليتم بعدها أربعا كما أتم قبلها أربعا، وليختم كلامه بذكر الله كما فتحه بذكر الله تعالى. فان قال: فلم جعل آخرها التهليل ولم يجعل آخرها التكبير كما جعل في أولها التكبير ؟ قيل: لان التهليل اسم الله في آخره فأحب الله تعالى أن يختم الكلام باسمه كما فتحه باسمه. فان قال: فلم لم يجعل بدل التهليل التسبيح أو التحميد واسم الله في آخرهما ؟ قيل: لان التهليل هو إقرار لله تعالى بالتوحيد وخلع الانداد من دون الله، وهو أول الايمان، وأعظم من التسبيح والتحميد (1).

 

(1) علل الشرايع ج 1 ص 245 - 246، عيون أخبار الرضا ج 2 ص 105 - 106.

 

[145]

توضيح: " لم امروا به " الامر يشمل الندب أيضا إما حقيقة أو مجازا شايعا، والمراد بالاذان ما هو للاعلام أو الاعم وإن كان بعض التعليلات بالاول أنسب، وفي قوله " وتعريفا " إشعار بجواز الاعتماد في دخول الوقت على المؤذنين، وإن أمكن حمله على ذوي الاعذار، أو أن المراد تعريفهم بأن ينتبهوا ويتفحصوا عن الوقت " وليكون داعيا " وفي بعض النسخ " وليكون ذلك داعيا " أي الاذان أو المؤذن، و يؤيد الاخير أن في الفقيه (1) " ويكون المؤذن بذلك داعيا " فيكون هذا فائدة تعود إلى المؤذن كما أنها على الاول كانت عائدة إلى الناس، وفي العلل " وداعيا " فيرجح إلى الاذان، وقوله مقرا وما بعده يأبى عنه إلا بتكلف وارتكابه في داعيا أولى. والمراد بالايمان الصلاة كما قال سبحانه: " وما كان الله ليضيع إيمانكم " أو الشهادتان بالاخلاص، فانه يلزمهما سائر العقايد أو إشارة إلى ما مر من أن خير العمل الولاية، وعلى الوسي الاسلام تأكيد " مؤذنا " أي معلما " لمن ينساها " الضمير راجع إلى المذكورات من التوحيد والايمان والاسلام والصلاة، وفي العلل " يتساهى " أي يظهر السهو وليس بساه، وفي الفقيه كالعيون ينساها وهو أظهر وفي الفقيه لانه يؤذن بالاذان للصلاة. قوله " قبل التهليل " في العلل قبل التسبيح والتهليل والتحميد، وفي آخر الكلام أيضا هكذا " وفي التسبيح والتحميد والتهليل اسم الله في آخر الحروف " فالمراد القبلية بحسب الرتبة أي اختاره عليها وفي الفقيه وإنما بدأ فيه بالتكبير وختم بالتهليل، لان الله عزوجل أراد أن يكون الابتداء بذكره واسمه واسم الله في التكبير في أول الحرف وفي التهليل في آخره. قوله عليه السلام: " ركعتان " أي في أول التكليف كما مر، قوله إنما يبدو غفلة أي يظهر وربما يقرأ بالهمز، قوله " فجعل ذلك " كذا في العيون، وفي العلل " فجعل الاولين " وفي الفقيه " فجعل الاوليان " فعلى النسختين ظاهره عدم دخول الاوليين في الاذان،

 

(1) فقيه من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 195 - 196.

 

[146]

بل هما من مقدماته كما هو مصرح به في آخر الكلام، فيكون وجه جمع حسن بين الاخبار. قوله عليه السلام: " ولان أصل الايمان " الظاهر أنه تعليل لتكرير كل من الشهادتين، و في بعض نسخ العيون شهادتين بدون تكرار، فيحتمل أن يكون تعليلا آخر لاصل الشهادتين، وتلك العلل مناسبات لاتعقل فيها المناقشات التي تكون في المقامات البرهانية. وقوله عليه السلام: " فإذا أقر " علة للاكتفاء بالشهادتين، وحاصله أن الاقرار بهما يستلزم الاقرار بسائر العقايد الايمانية، لانهما مما أخبر به الرسول صلى الله عليه وآله عن الله تعالى ضرورة، فالاقرار بهما يستلزم الاقرار بالجميع. قوله عليه السلام: " وأخر بعدها أربعا " لعل حاصله أنه جعل أربع كلمات من التكبير والتهليل قبل ذكر الصلاة توطئة وتمهيدا لها، وبعدها أربعا تعليلا وتأكيدا لها بأنها سبب للفلاح وخير الاعمال، وقوله عليه السلام: " حثا على البر " لعله إشارة إلى أن الفلاح يشمل غير الصلاة من البر أيضا أو إشارة إلى ما في بطن الفلاح وخير العمل وسرهما من بر فاطمة وولاية الائمة من ذريتها وبعلها صلوات الله عليهم كما مر. قوله عليه السلام: " وليختم كلامه " في العلل " بذكر الله وتحميده كما فتحه بذكره وتحميده ". أقول: ذكر التحميد لبيان أن في ضمن التكبير والتهليل يتحقق الحمد والثناء والشكر على النعماء ثم إنه يدل على أن التهليل أفضل من التسبيح والتحميد، لاشتماله عليهما مع زيادة فتفطن. 40 - ثواب الاعمال: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد الاشعري، عن محمد بن علي، عن مصعب بن سلام، عن سعد بن طريف، عن أبي جعفر عليه السلام قال: من أذن سبع سنين محتسبا جاء يوم القيامة ولا ذنب له (1). ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير

 

(1) ثواب الاعمال ص 29.

 

[147]

عن معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: من أذن من مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنة (1). ومنه: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي، عن عيسى بن عبد الله، عن أبيه، عن جده عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: للمؤذن فيما بين الاذن والاقامة مثل أجر الشهيد المتشحط بدمه في سبيل الله تعالى، قال: قلت: يارسول الله إنهم يختارون على الاذن والاقامة، فقال: كلا إنه يأتي على الناس زمان يطرحون الاذان على ضعفائهم فتلك لحوم حرمها الله على النار (2). تبيان: قوله عليه السلام: " فيما بين الاذن والاقامة " يحتمل أن يكون الثواب للاذان، أو للفعل الواقع فيما بينهما من الجلوس والسجدة والتسبيح كما سيأتي بعينه في الجلسة بينهما في المغرب، وقيل: المعنى أن هذا الثواب مردد بينهما، ومقرر لكل منهما، ويحتمل أن يكون المراد أن له هذا الثواب من أول الاذان إلى آخر الاقامة، أو إذا فرغ من الاذان إلى أن يأخذ في الاقامة، قوله: " يختارون " أي أشرافهم وأكابرهم للاذان ويحرمون الضعفاء، وفي بعض النسخ " يجتلدون " من الجلادة أي يقاتلون، وفي بعضها يجتارون بالجيم من الجور، والظاهر من هذه الاخبار اختصاص الفضل فيها بأذان الاعلام. 41 - ثواب الاعمال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن سلمة بن الخطاب عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن إبراهيم بن ميمون، عن عبد المطلب بن زياد، عن أبان بن تغلب، عن ابن أبي ليلى، عن عبد الله بن جعفر يرفعه قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام: من صلى بأذان وإقامة صلى خلفه صف من الملائكة لا يرى طرفاه، ومن صلى باقامة صلى خلفه ملك (3). ومنه: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من صلى

 

(1) ثواب الاعمال ص 29. (2 - 3) ثواب الاعمال ص 30.

 

[148]

بأذان وإقامة صلى خلفه صفان من الملائكة، ومن صلى باقامة بغير أذان صلى خلفه صف واحد، قلت له: وكم مقدار كل صف ؟ قال: أقله مابين المشرق والمغرب وأكثره مابين السماء والارض (1). بيان: كأن الاختلاف في الفضل في الخبرين باختلاف المصلين. 42 - المحاسن: عن ابن محبوب، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان طول حائط مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله قامة، فكان يقول لبلال إذا أذن: اعل فوق الجدار، وارفع صوتك بالاذان، فان الله عزوجل قد وكل بالاذان ريحا ترفعه إلى السماء، فإذا سمعته الملائكة، قالوا: هذه أصوات امه محمد بتوحيد الله، فيستغفرون الله لامة محمد حتى يفرغوا من تلك الصلاة (2). توضيح: يدل على استحباب كون الاذان على مرتفع كما ذكره الاصحاب وأما استحباب كونه على المنارة على الخصوص، فقد قيل بعدم الاستحباب وقال في المختلف الوجه استحبابه في المنارة للامر بوضع المنارة مع حائط غير مرتفعه، ولولا استحباب الاذان فيها لكان الامر بوضعها عبثا انتهى. ولا ريب أن الصعود على المنارات الطويلة مرجوح، وأما إذا كانت مع جدار المسجد فلا يبعد استحبابها، لكون القيام عليها أسهل، لكن لا يتعين ذلك، فلو صعد على سطح أو جدار عريض عمل بالمستحب، وقال الشيخ في المبسوط: لا فرق بين أن يكون الاذان في المنارة أو على الارض، والمنارة لا تجوز أن تعلى على حائط المسجد، ويكره الاذان في الصومعة، وقال ابن حمزة يستحب في المأذنة ويكره في الصومعة. أقول: لعل مرادهما بالصومعة السطوح العالية. قوله صلى الله عليه وآله: " فان الله عزوجل قد وكل " لعله مبني على اشتراط رفع الريح برفع الصوت أو على أنه كلما كان الصوت أرفع كان رفع الريح إياه أكثر، أو على أنه لما كان لهذا

 

(1) ثواب الاعمال ص 30. (2) المحاسن ص 48.

 

[149]

العمل هذا الفضل العظيم ينبغي أن يكون الاهتمام به أكثر، والاعلان به أشد. 43 - المحاسن: عن عبيد بن يحيى بن المغيرة، عن سهل بن سنان، عن سلام المدائني، عن جابر الجعفي، عن محمد بن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: المؤذن المحتسب كالشاهر بسيفه في سبيل الله، القاتل بين الصفين. وقال عليه السلام: من أذن احتسابا سبع سنين، جاء يوم القيامة ولا ذنب له. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا تغولت لكم الغيلان فأذنوا بأذان الصلاة. وقال أمير المؤمنين عليه السلام: يحشر المؤذنون يوم القيامة طوال الاعناق (1). ومنه: عن أبيه، عن سعدان بن مسلم، عن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من جلس بين الاذان والاقامة في المغرب كان كالمتشحط بدمه في سبيل الله (2). بيان: قال في النهاية: فيه " وهو يتشحط في دمه " أي يتخبط فيه ويضطرب انتهى، ويدل على استحباب الجلوس في خصوص المغرب خلافا للمشهور كما عرفت. 44 - فقه الرضا: قال عليه السلام: اعلم رحمك الله أن الاذان ثمانية عشر كلمة والاقامة تسعة عشر كلمة، وقد روي أن الاذان والاقامة في ثلاث صلوات: الفجر والظهر والمغرب. وصلاتين باقامة هما العصر والعشاء الآخرة، لانه روي خمس صلاة في ثلاثة أوقات والاذان أن يقول: الله أكبر الله أكبر، الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، حي على خير العمل، حى على خير العمل، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله لا إله إلا الله " مرتين في آخر الاذان، وفي آخر الاقامة واحدة، ليس فيها ترجيع ولا تردد، ولا " الصلاة خير من النوم ". والاقامة أن تقول: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله

 

(1) المحاسن ص 48. (2) المحاسن ص 49.

 

[150]

أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حى على الصلاة حي على الفلاح، حى على الفلاح، حى على خير العمل، حى على خير العمل، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله، مرة واحدة الاذان والاقامة جميعا مثنى مثنى على ما وصفت لك. والاذان والاقامة من السنن اللازمة وليستا بفريضة وليس على النساء أذان ولا إقامة وينبغي لهن إذا استقبلن القبلة أن يقلن أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله (1). بيان: قوله " لانه روي " أي الاكتفاء للصلاتين إنما هو عند الجمع بينهما في وقت واحد قوله عليه السلام: " من غير ترجيع " اختلف الاصحاب في حقيقة الترجيع، فقال الشيخ في المبسوط: إنه تكرار التكبير والشهادتين في أول الاذان، وفي الذكرى أنه تكرار الفصل زيادة على الموظف وذكر جماعة من اللغويين أنه تكرار الشهادتين جهرا بعد إخفائهما، واختلف الاصحاب أيضا في حكمه فقال الشيخ في المبسوط والخلاف إنه غير مسنون وقال ابن إدريس وابن حمزة إنه محرم وهو ظاهر الشيخ في النهاية وذهب آخرون إلى كراهته، ولو دعت إلى الترجيع حاجة إشعار المصلين فالاشهر جوازه، وقد ورد في رواية أبي بصير أيضا. أقول: ويحتمل أن يكون المراد بالترجيع والتردد أو الترديد هنا تكرير الصوت وترجيعه بالغناء، ويتحمل أن يراد بالترجيع ما مر وبالترديد الغنا أو بالعكس، وأما قول: " الصلاة خير من النوم " الذي عبر عنه الاكثر بالتثويب فلا خلاف في إباحته عند التقية واما مع عدمها، فقال ابن إدريس وابن حمزة بالتحريم وهو ظاهر الشيخ في النهاية سواء في ذلك أذان الصبح وغيره، وقال الشيخ في المبسوط: والمرتضى بالكراهة، وقال ابن الجنيد: لا بأس به في أذان الفجر خاصة، وقال الجعفي: تقول في أذان صلاة الصبح بعد قولك: " حى على خير العمل حى على خير العمل ": " الصلاة خير من النوم " مرتين، وليستا من أصل الاذان والاظهر التحريم

 

(1) فقه الرضا ص 6.

 

[151]

إن قاله بقصد الشرعية لانه بدعة في الشريعة. قوله عليه السلام: مثنى مثنى أي أغلب الفصول كذلك. 45 - المحاسن: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم قال: اللحم ينبت اللحم، ومن تركه أربعين يوما ساء خلقه، ومن ساء خلقه فأذنوا في اذنه (1). ومنه: عن محمد بن علي، عن أحمد بن محمد، عن أبان الواسطي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لكل شئ قرم وإن قرم الرجل اللحم فمن تركه أربعين يوما ساء خلقه ومن ساء خلقه فأذنوا في اذنه اليمنى، ورواه عن المحسن عن أبان (2). بيان: القرم شدة شهوة اللحم. 46 - المحاسن: عن أبيه عمن ذكره عن أبي جعفر الابار، عن أبي عبد الله عليه السلام عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: كلوا اللحم فان اللحم من اللحم واللحم ينبت اللحم، ومن لم يأكل اللحم أربعين يوما ساء خلقه، وإذا ساء خلق أحدكم من إنسان أو دابة فأذنوا في اذنه الاذان كله (3). 47 - صحيفة الرضا: عنه عن آبائه قال: قال علي بن أبي طالب عليه السلام: لما بدئ رسول الله صلى الله عليه وآله بتعليم الاذان أتى جبرئيل عليه السلام بالبراق فاستعصت عليه، ثم أتى بدابة يقال لها برقة فاستعصت فقال له جبرئيل اسكني برقة فما ركبك أحد أكرم على الله منه، قال فركبتها حتى انتهيت إلى الحجاب الذي يلي الرحمن عزوجل، فخرج ملك من وراء الحجاب فقال: " الله أكبر الله أكبر " قال صلى الله عليه وآله قلت يا جبرئيل من هذا الملك ؟ قال: والذي أكرمك بالنبوة ما رأيت هذا الملك قبل ساعتي هذه، فقال الملك: " الله أكبر الله أكبر " فنودي من وراء الحجاب صدق عبدي أنا أكبر أنا أكبر، قال صلى الله عليه وآله فقال الملك: " أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله " فنودي من وراء الحجاب صدق عبدي لا إله إلا أنا، فقال صلى الله عليه وآله: فقال الملك: " أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله " فنودي من وراء الحجاب صدق عبدي أنا أرسلت محمدا رسولا، قال صلى الله عليه وآله: فقال الملك: " حي على الصلاة، حي على الصلاة " فنودي من وراء الحجاب: صدق عبدي

 

(1 - 2) المحاسن ص 465. (3) المحاسن ص 466.

 

[152]

ودعا إلى عبادتي قال صلى الله عليه وآله: فقال الملك: " حى على الفلاح، حى على الفلاح " فنودي من وراء الحجاب: صدق عبدي ودعا إلى عبادتي، فقال الملك: قد أفلح من واظب عليها قال صلى الله عليه وآله فيومئذ أكمل الله عزوجل لى الشرف على الاولين والآخرين (1). بيان: قوله صلى الله عليه وآله: " فيومئذ " أي حيث سمعت كلام الله بغير توسط في ذلك المحل الاعلى وامر بالنداء برسالتي في ذلك المحل، وصدق جل وعلى ذلك. غوالى اللئالى: بالاسناد إلى أحمد بن فهد عن علي بن عبد الحميد النسابة عن محمد بن معية، عن علي بن الحسين، عن عبد الكريم بن طاوس، عن شمس الدين محمد بن عبد الحميد بن محمد بن عبد الحميد، عن أبيه، عن جده عبد الحميد، عن علي بن أحمد العلوي، عن عبد الله بن محمد بن احمد بن منصور، عن المبارك بن عبد الجبار، عن علي بن أحمد القزويني عن احمد بن إبراهيم بن الحسن بن شاذان، عن عبد الله بن احمد بن عامر بن سليمان، عن أبيه عن الرضا عليهم السلام مثله. 48 - فلاح السائل: قال: حدث أبو المفضل الشيباني عن محمد بن جعفر بن بطة عن محمد بن أحمد الاشعري، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن أبي علي الانماطي، عن أبي عبد الله أو أبى الحسن عليه السلام قال: يؤذن للظهر على ست ركعات ويؤذن للعصر على ست ركعات بعد الظهر (2). قال رضي الله عنه: ورويت باسنادي إلى هارون بن موسى، عن الحسن بن حمزة العلوي، عن أحمد بن مابنداد، عن أحمد بن هليل الكرخي، عن ابن أبي عمير، عن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول لاصحابه: من سجد بين الاذان والاقامة فقال في سجوده: رب لك سجدت خاضعا خاشعا ذليلا، يقول الله تعالى: ملائكتي وعزتي وجلالى لاجعلن محبته في قلوب عبادي المؤمنين، وهيبته في قلوب المنافقين (3).

 

(1) صحيفة الرضا عليه السلام 19 و 20. (2) فلاح السائل ص 151. (3) فلاح السائل ص 152.

 

[153]

وعن عبد الله بن الحسين بن محمد، عن الحسن بن حمزة العلوي، عن حمزة بن القاسم، عن علي بن إبراهيم، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: رأيته أذن ثم أهوى للسجود ثم سجد سجدة بين الاذان والاقامة فلما رفع رأسه قال: يا أبا عمير من فعل مثل فعلي غفر الله تعالى له ذنوبه كلها (1). وقال: من أذن ثم سجد فقال: لا إله إلا أنت ربى سجدت لك خاضعا خاشعا غفر الله له ذنوبه (2). بيان: يدل الخبر الاول على استحباب الفصل بين الاذن والاقامة في الظهر والعصر بركعتين من نافلتهما، وخص الشيخ البهائي رحمه الله هذا الحكم بالظهر ولعله لان الاذان لا يكون إلا بعد دخول وقت العصر، وعند ذلك يخرج وقت النافلة، وهذا مبنى على ما هو المشهور عندهم من أن الاذان لصاحبة الوقت، ولم يظهر لنا ذلك من الاخبار، بل الظاهر منها أنه إذا فصل بين الصلاتين بالنافلة يؤذن للثانية، وإلا فلا، فيحمل الخبر على الاتيان بالاذان والنافلة قبل مضى أربعة أقدام، فهذا أيضا مما يؤيد أن مدار الاذان على النافلة، لا على وقت الفضيلة، وله شواهد كثيرة من الاخبار. والخبران الاخيران يدلان على استحباب الفصل في الصلوات كلها بينهما بالسجود والدعاء فما ذكره أكثر المتأخرين كالشهيد في الذكرى ومن تأخر عنه من عدم النص في السجود لعدم التتبع الكامل. 49 - جامع الاخبار: عن أمير المؤمنين عليه السلام انه سئل عن تفسير الاذان فقال: يا علي الاذان حجة على امتي، وتفسيره إذا قال المؤذن " الله أكبر الله أكبر " فانه يقول: اللهم أنت الشاهد على ما اقول يا أمة أحمد قد حضرت الصلاة فتهيؤا، ودعوا عنكم شغل الدنيا، وإذا قال: " أشهد أن لا إله إلا الله " فإنه يقول: يا امة أحمد اشهد الله واشهد ملائكته أن أخبرتكم بوقت الصلاة فتفرغوا لها، وإذا قال: " أشهد أن محمدا رسول الله " فإنه يقول: يعلم الله ويعلم ملائكته إني قد أخبرتكم بوقت الصلاة،

 

(1 و 2) فلاح السلائل ص 152.

 

[154]

فتفرغوا لها فانه خير لكم، فإذا قال: " حى على الصلاة " فانه يقول: يا امة أحمد، دين قد أظهر الله لكم ورسوله صلى الله عليه وآله فلا تضيعوه، ولكن تعاهدوا يغفر الله لكم تفرغوا لصلاتكم فانه عماد دينكم، وإذا قال: " حي على الفلاح " فانه يقول: يا امة أحمد قد فتح الله عليكم ابواب الرحمة فقوموا وخذوا نصيبكم من الرحمة، تربحوا للدنيا و الاخرة، وإذا قال " حى على خير العمل " فانه يقول: ترحموا على أنفسكم فانه لا أعلم لكم عملا أفضل من هذه فتفرغوا لصلاتكم قبل الندامة، وإذا قال " لا إله إلا الله " فانه يقول: يا امة محمد اعلموا أني جعلت أمانة سبع سماوات وسبع أرضين في اعناقكم فان شئتم فأقبلوا وإن شئتم فأدبروا فمن أجابني فقد ربح، ومن لم يجبني فلا يضرني. ثم قال: يا على الاذان نور، فمن أجاب نجى، ومن عجز خسف، وكنت له خصما بين يدي الله، ومن كنت له خصما فما أسوء حاله (1). وقال عليه السلام: المؤذنون أطول أعناقا يوم القيامة (2). وقال عليه السلام: اجابة المؤذن كفارة الذنوب، والمشي إلى المسجد طاعة الله و طاعة رسوله، ومن أطاع الله ورسوله أدخله الجنة مع الصديقين والشهداء وكان في الجنة رفيق داود وله مثل ثواب داود عليه السلام (3). وقال النبي صلى الله عليه وآله: إجابة المؤذن رحمة، وثوابه الجنة، ومن لم يجب خاصمته يوم القيمة، فطوبى لمن أجاب داعى الله، ومشى إلى المسجد، ولا يجيبه ولا يمشى إلى المسجد إلا مؤمن من أهل الجنة (4). وقال عليه السلام: من أجاب المؤذن وأجاب العلماء كان يوم القيامة تحت لوائي، ويكون في الجنة في جواري، وله عند الله ثواب ستين شهيدا (5). وقال عليه السلام: من أجاب المؤذنين (فهم) والتائبون والشهداء في صعيد واحد لا يخافون إذا خاف الناس (6). وقال عليه السلام: من أجاب المؤذن كنت له شفيعا بين يدي الله، وغفر الله له الذنوب

 

(1 - 3) جامع الاخبار ص 79. (4 - 6) جامع الاخبار ص 80.

 

[155]

سرها وعلانيتها، وكتب له بكل ركعة يصلي مع الامام فضل ست مائة ركعة وله بكل ركعة مدينة (1). وقال عليه السلام: من سمع الاذان فأجاب كان عند الله من السعداء (2). وقال عليه السلام: من لم يحب داعي الله فليس له في الاسلام نصيب، ومن أجاب اشتاقت إليه الجنة (3). وقال عليه السلام: من أجاب داعي الله استغفرت له الملائكة، ويدخل الجنة بغير حساب (4). 50 - كتاب المسائل: لعلى بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يؤذن ويقيم وهو على غير وضوء أيجزيه ذلك ؟ قال: أما الاذن فلا باس وأما الاقامة فلا يقيم إلا على وضوء، قلت: فان أقام وهو على غير وضوء أيصلى باقامته ؟ قال: لا (5). قال: وسألته عن الاذان والاقامة، أيصلح على الدابة ؟ قال: أما الاذن فلا بأس وأما الاقامة فلا حتى ينزل على الارض (6). 51 - نقل: من خط الشهيد - رحمه الله - عن أبي الوليد، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: " قد قامت الصلاة " إنما يعني به قيام القائم. 52 - مجالس الشيخ: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن حميد، عن القاسم بن إسماعيل عن زريق قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول من السنة الجلسة بين الاذان والاقامة في صلاة الغداة، وصلاة المغرب، وصلاة العشاء، ليس بين الاذان والاقامة سبحة ومن السنة أن يتنفل بركعتين بين الاذان والاقامة في صلاة الظهر والعصر (7).

 

(1 - 4) جامع الاخبار ص 80. (5) المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 268 و 269. (6) المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 280. (7) أمالي الطوسى ج 2 ص 306، والاسناد هكذا: عن الحسين بن ابراهيم القزويني عن محمد بن وهبان، عن ابن زكريا، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبي كهمش، عن زريق، عن أبي عبد الله عليه السلام ولعل الذي أخرجه المؤلف العلامة من القسم الذي

 

[156]

53 - دعوات الراوندي: شكى هشام بن إبراهيم إلى الرضا عليه السلام سقمه وأنه لا يولد له، فأمره أن يرفع صوته بالاذان في منزله، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عنى سقمي وكثر ولدى. 54 - دعائم الاسلام: روينا عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده، عن الحسين ابن علي عليه السلام أنه سئل عن قول الناس في الاذان إن السبب كان فيه رؤيا رآها عبد الله ابن زيد فأخبر النبي صلى الله عليه وآله فأمر بالاذان، فقال: الوحي ينزل على نبيكم وتزعمون أنه أخذ الاذان عن عبد الله بن زيد ؟ والاذان وجه دينكم ؟ وغضب وقال: بل سمعت أبي علي بن أبي طالب عليه السلام يقول: أهبط الله عزوجل ملكا حتى عرج برسول الله صلى الله عليه وآله وساق حديث المعراج بطوله إلى أن قال: فبعث الله ملكا لم ير في السماء قبل ذلك الوقت ولا بعده، فأذن مثنى وأقام مثنى، وذكر كيفية الاذان ثم قال جبرئيل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله: يا محمد هكذا أذن للصلاة (1). وعن أبي جعفر عليه السلام قال: كان الاذان بحي على خير العمل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وبه امروا أيام أبي بكر وصدرا من أيام عمر، ثم أمر عمر بقطعه وحذفه من الاذان والاقامة، فقيل له في ذلك: فقال: إذا سمع عوام الناس أن الصلاة خير العمل، تهاونوا بالجهاد، وتخلفوا عنه، وروينا مثل هذا عن جعفر ابن محمد عليه السلام (2). وعنه، عن آبائه، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثلاثة لو تعلم امتي ما فيها لضربت عليها بالسهام: الاذان، والغدو إلى الجمعة، والصف الاول (3). بيان: لعل المعنى أنهم كانوا ينازعون عليها حتى يحتاجوا إلى القرعة بالسهام لتعيين من يأتي بها، ويحتمل أن يكون المراد المقاتلة بالسهام لكنه بعيد، ويؤيد

 

لم يطبع بعد ولم نظفر عليه، وكان عنده رحمه الله نسخة كاملة من مجالسه. (1 - 2) دعائم الاسلام ج 1 ص 142. (3) دعائم الاسلام ج 1 ص 144.

 

[157]

الاول ما رواه الشيخ في المبسوط (1) عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لو يعلم الناس ما في الاذان والصف الاول، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لفعلوا، واستدل به على أنه إذا تشاح الناس في الاذن اقرع بينهم. 55 - الدعائم: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: يحشر المؤذنون يوم القيامة أطول الناس أعناقا ينادون بشهادة أن لا إله إلا الله (2). ومعنى قوله صلى الله عليه وآله أطول الناس أعناقا أي لاستشرافهم، وتطاولهم إلى رحمة ربهم على خلاف من وصف الله سوء حاله، فقال: " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم عند ربهم " (3). وعنه صلى الله عليه وآله أنه رغب الناس وحثهم على الاذان، وذكر لهم فضائله، فقال بعضهم: يارسول الله لقد رغبتنا في الاذان حتى إنا لنخاف أن يتضارب عليه امتك بالسيوف، فقال: إما إنه لن يعدو ضعفاءكم (4). بيان: " لن يعدو ضعفاءكم " أي لا يتجاوز عنهم إلى غيرهم، ولا يرتكبه الاغنياء والاشراف. 56 - الدعائم: عن علي عليه السلام أنه قال: ما آسى على شئ غير أني وددت أني سألت رسول الله صلى الله عليه وآله الاذان للحسن والحسين عليهما السلام (5). بيان: الاسى الحزن، وفيه ترغيب عظيم في الاذان حيث تمنى عليه السلام أن يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله أن يعين شبليه للاذان في حياته أو بعد وفاته أو الاعم. 57 - الدعائم: عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الاذان والاقامة مثنى مثنى، وتفرد الشهادة في آخر الاقامة، تقول: " لا إله إلا الله " مرة واحدة (6). وعن علي عليه السلام قال: يستقبل المؤذن القبلة في الاذان والاقامة، فإذا قال:

 

(1) المبسوط ج 1 ص 98 ط المكتبة المرتضوية. (2) دعائم الاسلام ج 1 ص 144. (3) الم السجدة: 12. (4 - 6) دعائم الاسلام ج 1 ص 144.

 

[158]

حي على الصلاة حي على الفلاح حول وجهه يمينا وشمالا (1). بيان: لعل الالتفات محمول على التقية لمخالفته لساير الاخبار التي ظواهرها الاستقبال في جميع الفصول، قال في المنتهى: المستحب ثبات المؤذن على الاستقبال في أثناء الاذان والاقامة، ويكره له الالتفات يمينا وشمالا، وقال أبو حنيفة: يستحب له أن يدور بالاذان في المئذنة، وقال الشافعي: يستحب له أن يلتفت عن يمينه عند قوله: " حي على الصلاة " وعن يساره عند قوله: " حي على الفلاح ". 58 - الدعائم: عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: يرتل الاذان ويحدر الاقامة، ولابد من فصل بين الاذان والاقامة بصلاة أو بغير ذلك، وأقل ما يجزي في ذلك في صلاة المغرب التي لا صلاة فبلها أن يجلس بعد الاذان جلسة يمس فيها الارض بيده (2). بيان: المراد بالترتيل الترسل والتأني، قال في النهاية: ترتيل القراءة التأني فيها والتمهل، وتبيين الحروف والحركات، وقال في حديث الاذان إذا أذنت فترسل وإذا أقمت فاحدر، أي أسرع، حدر في قراءته وأذانه يحدر حدرا انتهى، وقد قطع الاصحاب باستحباب التأني في الاذان، والحدر في الاقامة، وقال أكثر المتأخرين المراد بالحدر في الاقامة قصر الوقوف لاتركها أصلا فانه يستحب الوقف على فصولهما. 59 - الدعائم: عن جعفر بن محمد عليه السلام قال: لا بأس بالتطريب في الاذان إذا أتم وبين وأفصح بالالف والهاء (3). بيان: ظاهر التطريب هنا التغني (4) كما في القاموس وتجويزه في الاذان

 

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 144. (32) دعائم الاسلام ج 1 ص 145. (4) وفي صحاح الجوهرى: التطريب في الصوت: مده وتحسينه، فلا بأس به، والظاهر من التطريب ما يوجب الطرب وهو خفة في سرور، ولا يستلزم ذلك الغناء ولا اختصاصه بالاصوات كما قال الكميت: ولم تلهنى دار ولا رسم منزل * ولم يتطربني بنان مخضب

 

[159]

مما لم يقل به أحد من أصحابنا، ولعله محمول على التقية، وأما الافصاح بالالف والهاء، فقال في المنتهى: يكره أن يكون المؤذن لحانا، ويستحب أن يظهر الهاء في لفظتي الله والصلاة، والحاء من الفلاح، لما روي عن الرسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: لا يؤذن لكم من يدغم الهاء، قلت: وكيف يقول ؟ قال: يقول: أشهد أن لا إله إلا اللا أشهد أن محمد رسول اللا. وقال ابن إدريس: ينبغي أن يفصح فيهما بالحروف، وبالهاء في الشهادتين، والمراد بالهاء هاء إله، لا هاء أشهد، ولا هاء الله، لان الهاء في أشهد مبنية مفصح بها لا لبس فيها وهاء الله موقوفة مبنية لا لبس فيها، وإنما المراد ها إله، فان بعض الناس ربما أدغم الهاء في لا إله إلا الله انتهى. وقال الشيخ البهائي رحمه الله: كأنه فهم من الافصاح بالهاء إظهار حركتها لا إظهارها نفسها. أقول: لا وجه لكلامه - رحمه الله - أصلا إذ كونها مبنية لا يستلزم عدم اللحن فيها، وكثير من المؤذنين يقولون " أشد " وكثير منهم لا يظهرون الهمزات في أول الكلمات، ولا الهاءات في أواخرها، فالاولى حمله على تبيين كل ألف وهمزة وهاء فيهما. وقال الشهيد في الذكرى: الظاهر أنه ألف الله الاخيرة غير المكتوبة، وهاؤه في آخر الشهادتين، وكذا الالف والهاء في الصلاة. 60 - الدعائم: عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: من أذن وأقام صلى خلفه صفان من الملائكة، وإن أقام ولم يؤذن صلى خلفه صف من الملائكة، ولابد في الفجر والمغرب من أذان وإقامة في الحضر والسفر لانه لا تقصير فيهما (1). وعن علي عليه السلام أنه قال: لا بأس أن يصلي الرجل بنفسه بلا أذان ولا إقامة (2). وعنه عليه السلام أنه قال: لا بأس بالاذان قبل طلوع الفجر، ولا يؤذن للصلاة

 

(1 - 2) دعائم الاسلام ج 1 ص 146.

 

[160]

حتى يدخل وقتها (1). بيان: لا يؤذن للصلاة أي لسائرها أو المراد أنه ليس الاذان قبل الوقت أذانا للصلاة بل لابد من أذان آخر بعد الوقت للصلاة. 61 - الدعائم: عن علي عليه السلام أنه لم ير بالكلام في الاذان والاقامة بأسا (2). وعن جعفر بن محمد عليهما السلام مثل ذلك إلا أنه قال: إذا قال المؤذن: قد قامت الصلاة، حرم عليه الكلام وعلى سائر أهل المسجد، إلا أن يكونوا اجتمعوا من شتى وليس لهم إمام (3). بيان: من شتى، أي من مواضع مختلفة وفي بعض النسخ بدون " من " أي متفرقين والاستثناء لانه ليس لهم إمام معين فلابد لهم من تعيين إمام فيتكلمون لذلك ضرورة كما روى الشيخ في الصحيح (4) على الظاهر قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يتكلم في الاقامة، قال: نعم، فإذا قال المؤذن قد قامت الصلاة فقد حرم الكلام على أهل المسجد إلا أن يكونوا اجتمعوا من شتى وليس لهم إمام فلا بأس أن يقول بعضهم لبعض: تقدم يا فلان، وظاهر تحريم الكلام بعد الاقامة لغير الضرورة، كما ذهب إليه الشيخان والمرتضى، والمفيد والمرتضى حرما الكلام في الاقامة أيضا، وحمل في المشهور على شدة الكراهة. 62 - الدعائم: عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: لا بأس أن يؤذن الرجل على غير طهر، ويكون على طهر أفضل، ولا يقيم إلا على طهر (5). وعنه عليه السلام قال: لا يؤذن الرجل وهو جالس إلا مريض أو راكب، ولا يقيم إلا قائما على الارض إلا من علة لايستطيع معها القيام (6). وعن علي عليه السلام أنه قال: لا بأس أن يؤذن المؤذن ويقيم غيره (7). بيان: قال في المنتهى: يجوز أن يتولى الاذان واحد والاقامة آخر، وقد روي

 

(1 - 3) دعائم الاسلام ج 1 ص 146. (4) التهذيب ج 1 ص 149، باسناده عن ابن أبي عمير. (5 - 7) دعائم الاسلام ج 1 ص 146.

 

[161]

أن أبا عبد الله عليه السلام كان يقيم بعد أذان غيره، ويؤذن ويقيم غيره. 63 - الدعائم: عن علي عليه السلام أنه قال: ليس على النساء أذان ولا إقامة (1). وعن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه سئل عن المرءة تؤذن وتقيم ؟ قال: نعم، ويجزيها أذان المصر إذا سمعته، وإن لم تسمعه اكتفت بأن تشهد الشهادتين (2). وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه يقال: لا بأس بأن يؤذن العبد والغلام الذي لم يحتلم (3). بيان: قال في المنتهى: لا يعتبر في المؤذن البلوغ ذهب إليه علماؤنا أجمع، و يعتد بأذان العبد، وهو قول كل من يحفظ عنه العلم. 64 - الدعائم: عن علي عليه السلام أنه قال: من السحت أجر المؤذن يعني إذا استأجره القوم لهم، وقال: لا بأس أن يجري عليه من بيت المال (4). بيان: قطع الاصحاب بجواز ارتزاق المؤذن من بيت المال إذا اقتضته المصلحة لانه من مصالح المسلمين، واختلفوا في أخذ الاجرة عليه، فذهب الشيخ في الخلاف وجماعة إلى عدم الجواز، وذهب المرتضى إلى الكراهة، وهو ظاهر المعتبر و الذكرى، ولعله أقوى، وهل الاقامة كالاذان ؟ فيه وجهان، وحكم العلامة في النهاية بعدم جواز الاستيجار عليها، وإن قلنا بجواز الاستيجار على الاذان فارقا بينهما بأن الاقامة لا كلفة فيها، بخلاف الاذان، فان فيه كلفة بمراعات الوقت وهو ضعيف. 65 - الدعائم: عن علي عليه السلام أنه قال: من سمع النداء وهو في المسجد ثم خرج فهو منافق، إلا رجل يريد الرجوع إليه، أو يكون على غير طهارة فيخرج ليتطهر (5). وعنه عليه السلام أنه قال: ليؤذن لكم أفصحكم وليؤمكم أفقهكم (6).

 

(1 - 2) دعائم الاسلام ج 1 ص 146. (3 - 4) دعائم الاسلام ج 1 ص 147. (5 - 6) دعائم الاسلام ج 1 ص 147.

 

[162]

بيان: المنع عن الخروج بعد سماع الاذان الظاهر أنه لادراك الجماعة، و ظاهر الوجوب وحمل على تأكد الاستحباب، وقد حكم الاصحاب باستحباب كون المؤذن فصيحا وقال الشهيد الثاني رحمه الله: الاولى أن يراد بالفصاحة هنا معناها اللغوي بمعنى خلوص كلماته وحروفه عن اللكنة واللثغة ونحوهما، بحيث تتبين حروفه بيانا كاملا لا المعنى الاصطلاحي لان الملكة التي يقتدر بها على التعبير عن المقصود بلفظ فصيح، لا دخل لها في ألفاظ الاذان المتلقاه من غير زيادة و لا نقصان. 66 - الدعائم: عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال: لا أذان في نافلة، ولا بأس بأن يؤذن الاعمى إذا سدد، وقد كان ابن ام مكتوم يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وآله و هو أعمى (1). ايضاح: قال في المنتهى: لا يؤذن لغير الصلاة الخمس، وهو قول علماء الاسلام وقال: ويجوز أن يكون المؤذن أعمى بلا خلاف، ويستحب أن يكون مبصرا ليأمن الغلط، فإذا أذن الاعمى استحب أن يكون معه من يسدده ويعرفه دخول الوقت. 67 - الدعائم: عن علي عليه السلام أنه رأى مأذنة طويلة فأمر بهدمها، وقال: لا يؤذن على أكبر من سطح المسجد (2). وعن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من ولد له مولود فليؤذن في اذنه اليمنى، وليقم في اليسرى، فان ذلك عصمة من الشيطان (3). وعنه عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا تغولت لكم الغيلان فأذنوا بالصلاة (4). بيان: قال الشهيد قدس سره في الذكرى: يستحب الاذان والاقامة في غير الصلاة في مواضع: منها في الفلوات الموحشة: في الجعفريات عن النبي صلى الله عليه وآله إذا تغولت بكم

 

(1 - 4) دعائم الاسلام ج 1 ص 147.

 

[163]

الغيلان فأذنوا بأذان الصلاة، ورواه العامة وفسره الهروي، بأن العرب تقول إن الغيلان في الفلوات ترائى للناس تتغول تغولا أي تتلون تلونا فتضلهم عن الطريق وتهلكهم وروي في الحديث " لا غول " وفيه إبطال لكلام العرب، فيمكن أن يكون الاذان لدفع الخيال الذي بحصل في الفلوات وإن لم تكن له حقيقة. ومنها الاذان في أذن المولود اليمنى، والاقامة في اليسرى، نص عليه الصادق عليه السلام. ومنها من ساء خلقه يؤذن في أذنه، وفي مضمر سليمان الجعفري سمعته يقول: أذن في بيتك فانه يطرد الشيطان، ويستحب من أجل الصبيان وهذا يمكن حمله على أذان الصلاة انتهى. وقال في النهاية: فيه " لا غول ولا صفر " الغول أحد الغيلان، وهي جنس من الجن والشياطين كانت العرب تزعم أن الغول في الفلاة تترائى للناس فتتغول تغولا أي تتلون تلونا في صور شتى وتغولهم أي تضلهم عن الطريق وتهلكهم، فنفاه النبي صلى الله عليه وآله وأبطله، وقيل قوله: " لا غول " ليس نفيا لعين الغول ووجوده، وإنما فيه إبطال زعم العرب في تلونه بالصور المختلفة واغتياله، فيكون المعنى بقوله: لا غول، أنها لا تستطيع أن تضل أحدا، ويشهد له الحديث الآخر " لا غول ولكن السعالى سحرة الجن " أي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل، ومنه الحديث إذا تغولت بكم الغيلان فبادروا بالاذان، أي ادفعوا شرها بذكر الله تعالى، وهذا يدل على أنه لم يرد بنفيها عدمها وقال: السعالى وهي جمع سعلاء وهم سحرة الجن. 68 - فقه الرضا: قال عليه السلام: إن شككت في أذانك وقد أقمت الصلاة فامض، وإن شككت في الاقامة بعد ما كبرت فامض، فان استيقنت أنك تركت الاذان والاقامة، ثم ذكرت فلا بأس بترك الاذان، وتصلي على النبي وعلى آله، ثم قل: " قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة " (1). وقال العالم: من أجنب ثم لم يغتسل حتى يصلي الصلاة كلهن فذكر بعدما

 

(1) فقه الرضا ص 9 س 34 و 33.

 

[164]

صلى، قال: فعليه الاعادة يؤذن ويقيم ثم يفصل بين كل صلاتين باقامة (1). تبيين: هذا الفصل يشتمل على أحكام: الاول: أنه لا عبرة بالشك في أصل الاذان بعد إتمام الاقامة، أو بعد قوله: " قد قامت الصلاة " ولا خلاف في منطوقه، وكذا فيما يفهم منه من اعتبار الشك إذا كان قبل الشروع في الاقامة، فأما بعد الشروع فيها قبل الاتمام أو قبل قوله: " قد قامت الصلاة " فيدل بمفهومه على الاتيان بالاذان، وفيه إشكال، لانه شك بعد التجاوز عن المحل، وقد قطع الاصحاب بعدم اعتباره. وروي في الصحيح عن زرارة، قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: رجل شك في الاذان وقد دخل في الاقامة ؟ قال: يمضي، قلت: رجل شك في الاذان والاقامة وقد كبر قال: يمضي، وساق الحديث إلى أن قال: يا زرارة إذا خرجت من شئ ثم دخلت في غيره فشكك ليس بشئ (2). ويمكن حمل قوله: " أقمت الصلاة " على الشروع في الاقامة، وإن كان بعيدا للجمع، وإن حملنا الشك فيهما على ما يشمل الشك في بعض فصولهما فظاهر بعض الاخبار أنه إن شك قبل الفراغ يعيد على ما شك فيه وما بعده، لانهم عدوا الاذان فعلا واحدا، والاقامة فعلا واحدا كالقراءة، وإن كانت ذات أجزاء. ويفهم من الخبر بعد التكلف المذكور أيضا العود مع الشك بعد الفراغ قبل الشروع في الاقامة في الاذان، وفي الصلاة في الاقامة، فيكون مخالفته لبعض الاخبار، بل لقول بعض الاصحاب أكثر، لكن ما مر من خبر زرارة لا يأبى عنه وكلام بعض الاصحاب أيضا لا ينافيه إذ قبل الشروع في الاقامة وقت الاذان باق كالقراءة قبل الركوع وليس فعلا مستقلا كالوضوء حتى لا يعتبر بالشك بعد الفراغ منه، بل بمنزلة أجزاء الصلاة كما يفهم من صحيحة زرارة، وظاهر الصدوق أيضا ذلك، فالقول به قوي.

 

(1) فقه الرضا ص 11 س 21. (2) التهذيب ج 1 ص 236.

 

[165]

الثاني: أنه إذا سهى عن الاذان والاقامة، وذكر بعد الدخول في الصلاة يصلي على النبي صلى الله عليه وآله ويقول مرتين " قد قامت الصلاة " وقال في الذكرى روى زكريا ابن آدم عن الرضا عليه السلام: إن ذكر ترك الاقامة في الركعة الثانية وهو في القراءة سكت وقال: " قد قامت الصلاة " مرتين، ثم مضى في قراءته (1) وهو يشكل بأنه كلام ليس من الصلاة ولا من الاذكار. وروى محمد بن مسلم، عن الصادق عليه السلام في ناسي الاذان والاقامة وذكر قبل أن يقرأ، فليصل على النبي صلى الله عليه وآله وليقم، وإن كان قد قرأ فليتم صلاته (2). وروى حسين بن أبي العلا عنه عليه السلام فان ذكر أنه لم يقم قبل أن يقرأ فليسلم على النبي صلى الله عليه وآله ثم يقيم ويصلي (3). قلت: أشار الصلاة على النبي أولا وبالسلام في هذه الرواية إلى قطع الصلاة فيمكن أن تكون السلام على النبي صلى الله عليه وآله قاطعا لها، ويكون المراد بالصلوة هناك السلام، وأن يردا الجمع بين الصلوة والسلام، فيجعل القطع بهذا من خصوصيات هذا الموضع، لانه قد روي أن التسليم على النبي آخر الصلاة ليس بانصراف، ويمكن أن يراد القطع بما ينافي الصلاة إما استدبار أو كلام، ويكون التسليم على النبي مبيحا لذلك، وعلى القول بوجوب التسليم يمكن أن يقال يفعل هنا ليقطع به الصلاة انتهى. وظاهر رواية المتن عدم الاستيناف كرواية زكريا فالصلوة مستحب آخر لابتداء ما يأتي به من الاقامة، أو لتدارك تلك الفاصلة كما أنه في رواية ابن مسلم يحتمل كونه لتدارك القطع أو لابتداء الاقامة، أو تكون الصلوة كناية عن القطع أو قاطعة في خصوص هذا الموضع. وقال الشيخ البهائي - ره - مجيبا عن إشكال الشهيد قدس سره على خبر زكريا: وأنت خبير بأن الحمل على أنه يقول ذلك مع نفسه من غير أن يتلفظ به ممكن، وقوله عليه السلام " اسكت موضع قراءتك وقل " ربما يؤذن بذلك، إذ لو تلفظ بالاقامة لم يكن ساكتا في موضع القراءة، وحمل السكوت على السكوت عن القراءة لا عن غيرها

 

(1 - 3) التهذيب ج 1 ص 215.

 

[166]

خلاف الظاهر. الثالث: يدل على أن الجنب إذا صلى ناسيا يعيد كل صلاة صلاها في الوقت وخارجه، ولا خلاف فيه. الرابع: يدل على أن قاضي الصلوات اليومية يؤذن ويقيم في أول ورده، ثم يقيم لكل صلاة، ولا ريب في جواز الاكتفاء بذلك لورود الاخبار الصحيحة والمشهور بين الاصحاب أن الافضل أن يؤذن لكل صلاة، وحكى الشهيد في الذكرى قولا بأن الافضل ترك الاذان لغير الاولى، لما روي أن النبي صلى الله عليه وآله شغل يوم الخندق عن أربع صلوات حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالا فأذن وأقام فصلى الظهر ثم أمره فأقام فصلى العصر، ثم أمره فأقام فصلى المغرب، ثم أمره فأقام فصلى العشاء. ثم قال: ولا ينافي العصمة لوجهين أحدهما ماروي من أن الصلاة كانت تسقط أداء مع الخوف ثم تقضي، حتى نسخ ذلك بقوله تعالى: " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلوة " الآية. الثاني جاز أن يكون ذلك لعدم تمكنه من استيفاء أفعال الصلاة، ولم يكن قصر الكيفية مشروعا، وهو عائد إلى الاول وعليه المعول انتهى. وهذا القول حسن لا لهذه الرواية إذ الظاهر أنها عامية، بل لسائر الروايات الواردة بالاكتفاء بالاقامة في غير الاولى من غير معارض صريح، بل لو وجد القائل بعدم مشروعية الاذان لغير الاولى من الفوائت عند الجمع بينها، كان القول به متجها لعدم ثبوت التعبد به على هذا الوجه مع اقتضاء الاخبار رجحان تركه. قال في الدروس: استحباب الاذان للقاضي لكل صلاة ينافي سقوطه عمن جمع في الاداء، ثم احتمل كون الساقط مع الجمع أذان الاعلام لا الاذان الذكرى ولا يخفى ما في الاول والآخر. واعلم أن الاصحاب جوزوا الاكتفاء بالاقامة لكل فائتة في الصورة المذكورة لما روي عن موسى بن عيسى (1) قال: كتبت إليه: رجل تجب عليه إعادة الصلاة أيعيدها

 

(1) التهذيب ج 1 ص 216.

 

[167]

بأذان وإقامة ؟ فكتب: يعيدها باقامة، ولان الاذان إعلام بدخول الوقت، وفيه نظر لان ظاهر الرواية أنه إذا أذن وأقام ثم فعل ما يبطل صلاته لا يعيد الاذان، ويعيد الاقامة، وكون أصله للاعلام مع تخلفه في كثير من الموارد لا ينافي لزومه في أول القضاء مع أنه تابع للاداء، والاولى العمل بسائر الروايات كما عرفت. 69 - السرائر: نقلا من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب عن العباس بن معروف، عن عبد الله بن المغيرة، عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن التثويب الذي يكون بين الاذان والاقامة، فقال: ما نعرفه (1). بيان: الظاهر أن المراد بالتثويب قول: " الصلاة خير من النوم " كما هو المشهور بين الاصحاب منهم الشيخ في المبسوط وابن أبي عقيل والسيد رضي الله عنهم، وبه صرح جماعة من أهل اللغة منهم الجوهري. وقال في النهاية فيه إذا ثوب بالصلاة فأتوها وعليكم السكينة، التثويب ههنا إقامة الصلاة، والاصل في التثويب أن يجئ الرجل مستصرخا فيلوح بثوبه ليري ويشهر فسمي الدعاء تثويبا لذلك، وكل داع مثوب، وقيل: إنما سمي تثويبا من ثاب يثوب إذا رجع فهو رجوع إلى الامر بالمبادرة إلى الصلاة، فان المؤذن إذا قال: " حي على الصلاة " فقد دعاهم إليها، فإذا قال بعدها " الصلاة خير من النوم " فقد رجع إلى كلام معناه المبادرة إليها. وفسره القاموس بمعان منها الدعاء إلى الصلاة، وتثنية الدعاء، وأن يقول في أذان الفجر " الصلاة خير من النوم " مرتين، وقال في المغرب التثويب القديم، هو قول المؤذن في أذان الصبح " الصلاة خير من النوم " والمحدث " الصلاة الصلاة " أو " قامت قامت ". وقال الشيخ في النهاية: التثويب تكرير الشهادتين والتكبيرات، زائدا على القدر الموظف شرعا، وقال ابن إدريس: هو تكرير الشهادتين دفعتين لانه مأخوذ من ثاب إذا رجع، وقال في المنتهى: التثويب في أذان الغداة وغيرها غير مشروع وهو قول:

 

(1) السرائر ص 475.

 

[168]

" الصلاة خير من النوم " ذهب إليه أكثر علمائنا، وهو قول الشافعي وأطبق أكثر الجمهور على استحبابه في الغداة، لكن عن أبي حنيفة روايتان في كيفيته، فرواية كما قلناه، والاخرى أن التثويب عبارة عن قول المؤذن بين أذان الفجر وإقامته " حي على الصلاة " مرتين " حي على الفلاح " مرتين. ثم قال في موضع آخر: يكره أن يقول بين الاذان والاقامة " حي على الصلاة حى على الفلاح " وبه قال الشافعي، وقال محمد بن الحسن: كان التثويب الاول " الصلاة خير من النوم " مرتين بين الاذان والاقامة، ثم أحدث الناس بالكوفة " حي على الصلاة حي على الفلاح " مرتين بينهما، وهو حسن. وقال بعض أصحاب أبي حنيفة يقول بعد الاذان " حي على الصلاة حي على الفلاح " بقدر ما يقرأ عشر آيات انتهى. أقول: وهذا الخبر يحتمل وجهين: فعلى الاول المراد ببين الاذان والاقامة بين فصولهما، قوله: " ما نعرفه " أي ليس له أصل، إذ لو كان لكنا نعرفه. 70 - السرائر: نقلا من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب، عن الحسين ابن سعيد، عن فضالة، عن العلا، عن محمد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان أبي ينادي في بيته " الصلاة خير من النوم " ولو رددت ذلك لم يكن به بأس (1). بيان، حمله الاصحاب على التقية. 71 - العلل: عن عبد الواحد بن محمد بن عبدوس، عن علي بن محمد بن قتيبة عن الفضل بن شاذان، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وآله وحضرت الصلاة، أذن جبرئيل وأقام الصلاة فقال: يا محمد تقدم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: تقدم يا جبرئيل، فقال له: إنا لانتقدم على الادميين منذ أمرنا بالسجود لآدم عليه السلام (2). ومنه: عن أحمد بن الحسن القطان، عن الحسن بن علي السكري، عن محمد ابن زكريا الغلابي، عن عمر بن عمران، عن عبيدالله بن موسى العبسي، عن جبلة

 

(1) السرائر ص 475. (2) علل الشرايع ج 1 ص 8.

 

[169]

المكي، عن طاوس اليماني، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لما اسري بي إلى السماء الرابعة أذن جبرئيل وأقام ميكائيل، ثم قيل لى: ادن يا محمد ! فتقدمت فصليت بأهل السماء الرابعة (1). بيان: في الخبرين وأمثالهما دلالة على جواز اتحاد المؤذن والمقيم، وتعددهما وجواز كونهما غير الامام. 72 - قرب الاسناد: عن محمد بن عيسى والحسن بن طريف وعلي بن إسماعيل كلهم، عن حماد بن عيسى قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: قال أبي: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله لصلاة الصبح وبلال يقيم، وإذا عبد الله بن القسب يصلي ركعتي الفجر، فقال له النبي صلى الله عليه وآله: يا ابن القسب أتصلي الصبح أربعا ؟ قال ذلك له مرتين أو ثلاثة (2). ومنه: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل ترك ركعتي الفجر حتى دخل المسجد، والامام قد قام في صلاته كيف يصنع ؟ قال: يدخل في صلاة القوم ويدع الركعتين، فإذا ارتفع النهار قضاهما (3). بيان: الخبران يدلان على المنع من التنفل بعد الشروع في الاقامة، وبعد إتمامها، وتقييد القضاء بارتفاع النهار إما للتقية أو لئلا يظن الامام أنه يعيدما صلى معه لعدم الاعتداد بصلاته أو بناء على كراهة النافلة في الاوقات المكروهة و الاول أظهر. 73 - كتاب العلل: لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم قال: علة الاذان أن تكبر الله وتعظمه، وتقر بتوحيد الله وبالنبوة والرسالة، وتدعو إلى الصلاة وتحث على الزكاة، ومعنى الاذان الاعلام لقول الله تعالى: " وأذان من الله ورسوله

 

(1) علل الشرايع ج 1 ص 175. (2) قرب الاسناد ص 14 ط نجف ص 10 ط حجر. (3) قرب الاسناد ص 92 ط حجر ص 121 ط نجف.

 

[170]

إلى الناس " (1) أي إعلام، وقال أمير المؤمنين عليه السلام كنت أنا الاذان في الناس بالحج وقوله: " وأذن في الناس بالحج " (2) أي أعلمهم وادعهم، فمعنى " الله " أنه يخرج الشئ من حد العدم إلى حد الوجود ويخترع الاشياء لا من شئ، وكل مخلوق دونه يخترع الاشياء من شئ إلا الله، فهذا معنى " الله " وذلك فرق بينه وبين المحدث ومعنى " أكبر " أي أكبر من أن يوصف في الاول، وأكبر من كل شئ لما خلق الشئ. ومعنى قوله: " أشهد أن لا إله إلا الله " إقرار بالتوحيد، ونفي الانداد وخلعها، وكل ما يعبد من دون الله، ومعنى " أشهد أن محمدا رسول الله " إقرار بالرسالة والنبوة، وتعظيم لرسول الله صلى الله عليه وآله، وذلك قول الله عزوجل: " ورفعنا لك ذكرك " (3) أي تذكر معي إذا ذكرت. ومعنى " حي على الصلاة " أي حث على الصلاة، ومعنى " حي على الفلاح " أي حث على الزكاة، وقوله: " حي على خير العمل " أي حث على الولاية وعلة أنها خير العمل أن الاعمال كلها بها تقبل، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله محمد رسول الله فألقى معاوية من آخر الاذان " محمد رسول الله " فقال أما يرضى محمد أن يذكر في أول الاذان حتى يذكر في آخره. ومعنى الاقامة هي الاجابة والوجوب، ومعنى كلماتها فهي التي ذكرناها في الاذان، ومعنى " قد قامت الصلاة " أي قد وجبت الصلاة وحانت واقيمت، وأما العلة فيها فقال الصادق عليه السلام إذا أذنت وصليت صلى خلفك صف من الملائكة، وإذا أذنت وأقمت صلى خلفك صفان من الملائكة، ولا يجوز ترك الاذان إلا في صلاة الظهر والعصر والعتمة، يجوز في هذه الثلاث الصلوات إقامة بلا أذان، والاذان أفضل ولا تجعل ذلك عادة، ولا يجوز ترك الاذان والاقامة في صلاة المغرب وصلاة الفجر

 

(1) براءة: 2. (2) الحج: 28. (3) الانشراح: 4.

 

[171]

والعلة في ذلك أن هاتين الصلاتين تحضرهما ملائكة الليل وملائكة النهار. بيان: لعل الحث على الزكاة في الاذان لكون قبول الصلاة مشروطا بها وكون الشهادة بالرسالة في آخر الاذان غريب لم أره في غير هذا الكتاب. 74 - جامع الشرايع: للشيخ يحيى بن سعيد: قد كان أبو عبد الله عليه السلام يقيم ويؤذن غيره وروي أن الانسان إذا دخل المسجد وفيه من لا يقتدي به وخاف فوت الصلاة بالاشتغال بالاذان والاقامة يقول: " حي على خير العمل " دفعتين لانه تركه. قال: وروي أن رفع الصوت بالاذان في المنزل ينفي الامراض وينمي الولد. 75 - كتاب زيد النرسي: عن عبيد بن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أدركت الجماعة وقد انصرف القوم، ووجدت الامام مكانه وأهل المسجد قبل أن ينصرفوا أجزاك أذانهم وإقامتهم، فاستفتح الصلاة لنفسك، وإذا وافيتهم وقد انصرفوا عن صلاتهم وهم جلوس أجزأ إقامة بغير أذان، وإن وجدتهم وقد تفرقوا وخرج بعضهم عن المسجد فأذن وأقم لنفسك. بيان: الانصراف الاول الفراغ من الصلاة، والثاني الخروج من المسجد، و لعل المراد بالشق الثاني ما إذا خرج الامام والقوم جلوس، أو فرغوا من التعقيب وجلسوا لغيره، ويمكن حمله على الشق الاول، ويكون الغرض بيان استحباب الاقامة حينئذ ولا ينافي الاجزاء والظاهر أن فيه سقطا، وعلى التقادير هو خلاف المشهور، إذ المشهور بين الاصحاب سقوط الاذان والاقامة عن الجماعة الثانية، إذا حضرت في مكان لاقامة الصلاة فوجدت جماعة اخرى قد أذنت وأقامت وصلت ما لم تتفرق الجماعة الاولى. وقال بعض الاصحاب: يكفي في عدم التفرق بقاء واحد للتعقيب وظاهر الرواية المعتبرة تحققه بتفرق الاكثر، وقال الشيخ في المبسوط: إذا أذن في مسجد دفعة لصلاة بعينها، كان ذلك كافيا لمن يصلي تلك الصلاة في ذلك المسجد، ويجوز له


 

[172]

أن يؤذن فيما بينه وبين نفسه، وإن لم يفعل فلا شئ عليه، وكلامه يؤذن باستحباب الاذان سرا، وأن السقوط عام يشمل التفرق وغيره، والمحقق في المعتبر والنافع والشهيد الثاني - ره - قصرا الحكم على المسجد، واستقرب الشهيد عدم الفرق، ولعل الاول أقرب. والظاهر عموم الحكم بالنسبة إلى المنفرد والجامع خلافا لابن حمزة حيث خصه بالجماعة، ويظهر من خبر عمار الساباطي (1) جواز الاذان والاقامة، و إن لم تتفرق الصفوف، فيمكن أن يكون الترك رخصة كما يشعر به الاجزاء في هذا الخبر. 76 - كتاب النرسى: قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من السنة الترجيع في أذان الفجر وأذان العشاء الآخرة، أمر رسول الله صلى الله عليه وآله بلالا أن يرجع في أذان الغداة وأذان العشاء إذا فرغ " أشهد أن محمدا رسول الله "، عاد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله حتى يعيد الشهادتين، ثم يمضي في أذانه، ثم لا يكون بين الاذان والاقامة إلا جلسة. ومنه: عن أبي الحسن موسى عليه السلام أنه سمع الاذان قبل طلوع الفجر، فقال: شيطان، ثم سمعه عند طلوع الفجر، فقال: الاذان حقا. ومنه: عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن الاذان قبل طلوع الفجر، فقال: لا إنما الاذان عند طلوع الفجر، أول ما يطلع قلت: فان كان يريد أن يؤذن الناس بالصلاة وينبههم، قال: فلا يؤذن، ولكن ليقل وينادي بالصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم يقولها مرارا، وإذا طلع الفجر أذن، فلم يكن بينه وبين أن يقيم إلا جلسة خفيفة بقدر الشهادتين، وأخف من ذلك. ومنه: عن أبي الحسن عليه السلام قال: الصلاة خير من النوم بدعة بني امية، وليس ذلك من أصل الاذان ولا بأس إذا أراد الرجل أن ينبه الناس للصلاة أن ينادي بذلك، ولا يجعله من أصل الاذان فانا لا نراه أذانا.

 

(1) التهذيب ج 1 ص 333.

 

[173]

14. " (باب) " * " (حكاية الاذان والدعاء بعده) " * 1 - ثواب الاعمال ومجالس الصدوق والعيون: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى، عن عباس مولى الرضا، عن الرضا عليه السلام قال: سمعته يقول: من قال حين يسمع أذان الصبح: " اللهم إني أسألك باقبال نهارك، وإدبار ليلك، وحضور صلواتك، وأصوات دعائك، (وتسبيح ملائكتك) أن تتوب على إنك أنت التواب الرحيم " وقال مثل ذلك إذا سمع أذان المغرب، ثم مات من يومه أو من ليلته تلك، كان تائبا (1). أقول: في المجالس " قال كان أبو عبد الله الصادق عليه السلام يقول ". فلاح السائل: باسناده، عن هارون بن موسى، عن محمد بن همام، عن الحسن ابن أحمد المالكي، عن أحمد بن هليل الكرخي، عن العباس الشامي، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: كان جعفر بن محمد عليهما السلام يقول: من قال: حين يسمع أذان الصبح وأذان المغرب هذا الدعاء ثم مات من يومه أو من ليلته كان تائبا وهو " اللهم إني أسألك باقبال ليلك " إلى آخر الدعاء (2). كشف الغمة: عن عباس مولى الرضا عليه السلام مثله (3). مصباح الشيخ: أذن للمغرب وقل: وذكر الدعاء. بيان: " باقبال نهارك " الباء إما سببية أي كما أنعمت على بتلك النعم، فأنعم على بتوفيق التوبة. أو بقبولها أو قسمية، وتحتمل الظرفية على بعد، قوله:

 

(1) ثواب الاعمال ص 138، أمالي الصدوق ص 160، عيون اخبار الرضا عليه السلام ج 1 ص 253. (2) فلاح السائل ص 227. (3) كشف الغمة ج 3 ص 122.

 

[174]

" دعائك " في بعض النسخ بالهمزة، وفي بعضها بالتاء جمع داع كقاض وقضاة، وبعده " وتسبيح ملائكتك " في أكثر الروايات وليس في بعضها. 2 - دعوات الراوندي: شكى رجل إلى أبي عبد الله عليه السلام الفقر، فقال: أذن كلما سمعت الاذان كما يؤذن المؤذن. 3 - المكارم: إذا قال المؤذن: " الله أكبر " فقل مثل ذلك، وإذا قال: " أشهد أن لا إله إلا الله " و " أشهد أن محمدا رسول الله " فقل: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، أكتفي بهما عن كل من أبى وجحد، واعين بهما من أقر وشهد (1). وقد روي أن المؤذن إذا قال: " أشهد أن محمدا رسول الله " فقل: صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين، اللهم اجعل عملي برا، ومودة آل محمد في قلبي مستقرا، وأدر على الرزق درا، وإذا قال: " حى على الصلاة حى على الفلاح " فقل: لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (2). الاداب الدينية: مثله، وزاد فيه ويقول عند قول: " حي على خير العمل " مرحبا بالقائلين عدلا، وبالصلاة مرحبا وأهلا بيان: قال في الفقيه: (3) كان ابن النباح يقول في أذانه: " حي على خير العمل حى على خير العمل " فإذا رآه علي عليه السلام قال: مرحبا بالقائلين إلى آخره وقوله عدلا أي كلاما حقا وثوابا، وهو الفصل المتقدم الذي حذفه عمر، وقال الجوهري: الرحب بالضم السعة، وقولهم: مرحبا وأهلا أي أتيت سعة وأتيت أهلا فاستأنس ولا تستوحش انتهى، وعلى ما في الفقيه لعله كان يقول ذلك إذا رآه في وقت الصلاة عند مجيئه للاذان، أو عند الفراغ منه، ولعل الطبرسي - ره - أخذ من رواية اخرى. 4 - مجالس الصدوق والمكارم: روي أن من سمع الاذان فقال كما يقول

 

(1 - 2) مكارم الاخلاق ص 344. (3) الفقيه ج 1 ص 187، وابن النباح مؤذن علي بن أبي طالب، روى عنه جعفر بن أبي ثروان، واسمه عامر على ما ذكره الفيروزآبادى.

 

[175]

المؤذن زيد في رزقه (1). 5 - ثواب الاعمال والمجالس: للصدوق، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح عن الحارث بن مغيرة النضري، عن أبي عبد الله الصادق قال: من سمع المؤذن يقول: " أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله " فقال مصدقا محتسبا: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، أكتفي بهما عن كل من أبى وجحد، واعين بهما من أقر وشهد، كان له من الاجر عدد من أنكر وجحد، وعدد من أقر وشهد (2). المحاسن: عن ابن محبوب مثله (3). بيان: في ثواب الاعمال (4) واصدق بها من أقر وشهد، إلا غفر الله له بعدد من أنكر. 6 - العلل عن علي بن أحمد بن محمد، عن محمد بن جعفر الاسدي، عن موسى بن عمران النخعي، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبيه، عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن سمعت الاذان وأنت على الخلاء، فقل مثل ما يقول المؤذن، ولا تدع ذكر الله عزوجل في تلك الحال، لان ذكر الله حسن على كل حال. ثم قال عليه السلام: لما ناجى الله عزوجل موسى بن عمران، قال موسى: يا رب أبعيد أنت مني، فاناديك ؟ أم قريب فأناجيك ؟ فأوحى الله عزوجل إليه يا موسى أنا جليس من ذكرني، فقال موسى: يا رب إني أكون في حال اجلك أن أذكرك فيها، قال: يا موسى ! اذكرني على كل حال (5).

 

(1) مكارم الاخلاق ص 345. (2) ثواب الاعمال ص 29 و 30، أمالي الصدوق ص 129. (3) المحاسن ص 49. (4) في المصدر المطبوع ليس هكذا، بل هو مطابق لنسخة الامالى. (5) علل الشرائع ج 1 ص 269.

 

[176]

ومنه: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد، عن حريز، عن محمد بن مسلم قال: قال لي: يا ابن مسلم لاتدعن ذكر الله عزوجل - على كل حال، فلو سمعت المنادي ينادي بالاذان وأنت على الخلاء، فاذكر الله عزوجل، وقل كما يقول (1). ومنه: عن ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين ابن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن زرارة قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: ما أقول إذا سمعت الاذان ؟ قال: اذكر الله مع كل ذاكر (2). بيان: يحتمل الحكاية أو الاعم منه ومن ذكر آخر، واستحباب الحكاية موضع وفاق بين الاصحاب كما ذكر في المنتهى وغيره والظاهر أن الحكاية لجميع ألفاظ الاذان وقال الشيخ في المبسوط: (3) روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يقول: إذا قال: حى على الصلاة " لا حول ولا قوة إلا بالله ". ولعل الرواية عامية لاشتهارها بينهم، وقد رووا بأسانيد عن عمر ومعاوية أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إذا قال المؤذن: الله أكبر الله أكبر، قال أحدكم: الله أكبر الله أكبر ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، ثم قال: أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله قال: أشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قال: حى على الصلاة، قال: لا حول ولاقوة إلا بالله، ثم قال: حى على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: الله أكبر الله أكبر قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله، من قلبه دخل الجنة رواه مسلم في صحيحه (4) وغيره في غيره وما ورد في كتبنا فالظاهر أنه مأخوذ منهم أو ورد تقية، وظاهر الاخبار المعتبرة حكاية جميع الفصول. وقال في المبسوط: من كان خارج الصلاة وسمع المؤذن يؤذن فينبغي أن يقطع

 

(1 - 2) علل الشرائع ج 1 ص 269. (3) المبسوط ج 1 ص 97، الطبعة الحديثة. (4) وأخرجه في مشكاة المصابيح ص 65.

 

[177]

كلامه إن كان متكلما، وإن كان يقرؤ القرآن فالافضل له أن يقطع القرآن ويقول كما يقول المؤذن وصرح بأنه لا يستحب حكايته في الصلاة، وبه قطع في التذكرة وقال أيضا متى قاله في الصلاة لم تبطل صلاته إلا في قوله حي على الصلاة فانه متى قال ذلك مع العلم بأنه لا يجوز (1) فانه يفسد الصلاة، لانه ليس بتحميد ولا تكبير، بل هو من كلام الادميين المحض، فان قال بدلا من ذلك: لا حول ولا قوة إلا بالله، لم تبطل صلاته، وتبعه على ذلك جماعة من الاصحاب. ولو فرغ من الصلاة ولم يحكه فالظاهر سقوطها لفوات محلها، واختاره الشهيد رحمه الله وقال الشيخ في المبسوط إنه مخير واختاره في التذكرة وقال في الخلاف يؤتي به لا من حيث كونه أذانا بل من حيث كونه ذكرا وقال جماعة من الاصحاب إن المستحب حكاية الاذان المشروع، فأذان العصر يوم الجمعة وعرفة وأمثالهما لا يحكى. 7 - العلل: عن محمد بن أحمد السناني، عن حمزة بن القاسم العلوي، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن جعفر بن سليمان، عن سليمان بن مقبل قال: قلت لموسى بن جعفر عليهما السلام: لاي علة يستحب للانسان إذا سمع الاذان أن يقول كما يقول المؤذن وإن كان على البول والغائط ؟ قال: إن ذلك يزيد في الرزق (2). الخصال: باسناده عن سعيد بن علاقة، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: إجابة المؤذن يزيد في الرزق (3). مشكوة الانوار: عنه عليه السلام مثله. 8 - فقه الرضا: قال عليه السلام: يقول بين الاذان والاقامة في جميع الصلوات " اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، صلى على محمد وآل محمد، وأعط محمدا يوم القيامة سؤله آمين رب العالمين، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة محمد صلى

 

(1) الظاهر من كلام الشيخ أنه يرى الجاهل في أمثال ذلك معذورا، وهو خلاف المشهور، ولكنه لا يخلو من قوة. منه، كذا في هامش الاصل بخطه قدس سره. (2) علل الشرايع ج 1 ص 269 و 270. (3) الخصال ج 2 ص 93 في حديث.

 

[178]

الله عليه وعلى آله، واقدمهم بين يدي حوائجي كلها، فصل عليهم، واجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين واجعل صلاتي بهم مقبولة، ودعائي بهم مستجابا وامنن على بطاعتهم يا أرحم الراحمين " يقول هذا في جميع الصلوات. ويقول: بعد أذان الفجر " اللهم إني أسألك باقبال نهارك " إلى آخر ما مر. وإن أحببت أن تجلس بين الاذان والاقامة فافعل، فان فيه فضلا كثيرا، وإنما ذلك على الامام وأما المنفرد فيخطو تجاه القبلة خطوة برجله اليمنى، ثم يقول: " بالله أستفتح، وبمحمد صلى الله عليه وآله أستنجح وأتوجه، اللهم صل على محمد وآل محمد واجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين " وإن لم تفعل أيضا أجزأك (1). 9 - فلاح السائل: قال: وروى محمد بن وهبان، عن علي بن حبشي ابن قوني عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن الحسن بن معاوية بن وهب، عن أبيه قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول بين الاذان والاقامة: " سبحان من لاتبيد معالمه سبحان من لا ينسى من ذكره، سبحان من لا يخيب سائله، سبحان من ليس له حاجب يغشى، ولا بواب يرشى، ولا ترجمان يناجى، سبحان من اختار لنفسه أحسن الاسماء سبحان من فلق البحر لموسى، سبحان من لا يزداد على كثرة العطاء إلا كرما وجودا سبحان من هو هكذا ولا هكذا غيره " (2). 10 - مصباح الشيخ: إذا سجد بين الاذان والاقامة قال فيها: " لا إله إلا أنت ربي سجدت لك خاضعا خاشعا ذليلا " وإذا رفع رأسه قال: " سبحان من لاتبيد معالمه " إلى آخر الدعاء. بيان: لاتبيد أي لا تهلك ولا تفنى " معالمه " أي ما يعلم به ذاته وصفاته، ويستدل به عليها مما خلقها في الافاق والانفس، وما يعلم به شرعه ودينه وفرائضه وسننه و أحكامه من الحجج والرسل والاوصياء والكتاب والسنة " من لا ينسى من ذكره " أي لا يترك جزاء من ذكره، أو استعار النسيان لترك الجزاء والهداية والتوفيق، وفي النهاية غشيه يغشاء غشيانا

 

(1) فقه الرضا ص 6. (2) فلاح السائل ص 152.

 

[179]

إذا جاءه، وقال: الترجمان بالضم والفتح، هو الذي يترجم الكلام أي ينقله من لغة إلى لغة اخرى، وفي القاموس الترجمان كعنفوان وزعفران وريهقان المفسر للسان. 11 - دعائم الاسلام: روينا عن علي بن الحسين أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا سمع المؤذن، قال كما يقول، فإذا قال " حى على الصلاة حي على الفلاح حى على خير العمل " قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا انقضت الاقامة قال: " اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، أعط محمدا سؤله يوم القيامة، وبلغه الدرجة الوسيلة من الجنة، وتقبل شفاعته في امته " (1). وعن علي عليه السلام أنه قال: ثلاث لا يدعهن إلا عاجز: رجل سمع مؤذنا لا يقول كما قال، ورجل لقي جنازة لا يسلم على أهلها ويأخذ بجواب السرير، ورجل أدرك الامام ساجدا لم يكبر ويسجد ولا يعتد بها (2). وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا قال المؤذن " الله أكبر " فقل: " الله أكبر " فإذا قال: " أشهد أن لا إله إلا الله " فقل: " أشهد أن لا إله إلا الله " فإذا قال: " أشهد أن محمدا رسول الله " فقل: " أشهد أن محمدا رسول الله " فإذا قال: " قد قامت الصلاة " فقل: " اللهم أقمها وأدمها واجعلنا من خير صالحي أهلها عملا " وإذا قال المؤذن: " قد قامت الصلاة " فقد وجب على الناس الصمت والقيام، إلا أن لا يكون لهم إمام فيقدم بعضهم بعضا (3). بيان: فيه إشعار بحكاية الاقامة كما ذكره بعض الاصحاب، واعترف الشهيد الثاني وغيره بعدم النص عليه، وإثباته بهذا الخبر مع عدم صراحته مشكل، و الاظهر تخصيصها بالاذان، والمشهور بين العامة جريانها في الاقامة. 12 - مبسوط الشيخ: روي أنه إذا سمع المؤذن يؤذن يقول " أشهد أن لا إله إلا الله " يقول: " وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، رضيت بالله ربا وبالاسلام دينا، وبمحمد رسولا وبالائمة الطاهرين أئمة " ويصلى على محمد وآله ثم يقول " اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمدا

 

(1 - 3) دعائم الاسلام ج 1 ص 145. (*)

 

[180]

الوسيلة والفضيلة، وارزقه المقام المحمود الذي وعدته " وارزقني شفاعته يوم القيامة ". ويقول عند أذان المغرب " أللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي (1). بيان: أقول: روى البخاري مثل الدعاء الاول عن النبي صلى الله عليه وآله وأن من قاله حين يسمع النداء حلت له شفاعتي، وروى أبو داود الدعاء الثاني عن ام سلمة عن النبي صلى الله عليه وآله ولعله رحمه الله أخذهما من كتبهم (2) وقال النووي: إنا وصف الدعوة بالتمام لانها ذكر الله عزوجل يدعى بها إلى عبادته، وهذه الاشياء وما والاها هي التى تستحق صفة الكمال والتمام، وما سوى ذلك من امور الدنيا بعرض النقص و الفساد، ويحتمل أنها وصفت بالتمام لكونها محمية عن النسخ والابدال، باقية إلى يوم التناد. ومعنى قوله عليه السلام " والصلاة القائمة " أي الدائمة التي لا تغيرها ملة ولا تنسخها شريعة، والمقام المحمود هو مقام الشفاعة الذي وعده الله تعالى في قوله: " عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " (3) فقد روي عن ابن عباس أنه قال في هذه الاية: أي مقاما يحمدك فيه الاولون والآخرون وتشرف على جميع الخلائق تسأل فتعطى وتشفع فتشفع، ليس أحد إلا تحت لوائك. أقول: ولعل مفاد الدعاء الثاني أني لما أكملت يومي بفرطات وتقصيرات، وهذا ابتداء زمان آخر، فاغفر لي ما سلف في يومي لاكون مغفورا في تلك الليلة، مع أن الليلة محل الحوادث والطوارق، وقبض الارواح إلى عوالمها. 13 - فلاح السائل: باسناده عن هارون بن موسى التلعكبرى، عن محمد بن همام عن حميد بن زياد، عن الحسن بن محمد بن سماعة، عن المحسن بن معاوية بن وهب

 

(1) المبسوط ج 1 ص 97. (2) راجع مشكاة المصابيح ص 65. (3) أسرى: 79.

 

[181]

عن أبيه قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام وقت المغرب فإذا هو قد أذن وجلس، فسمعته يدعو بدعاء ما سمعت بمثله، فسكت حتى فرغ من صلاته ثم قلت: يا سيدي لقد سمعت منك دعاء ما سمعت بمثله قط قال: هذا دعاء أمير المؤمنين ليلة بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو " يامن ليس معه رب يدعى، يامن ليس فوقه خالق يخشى، يا من ليس دونه إله يتقى، يا من ليس له وزير يغشى، يامن ليس له بواب ينادى، يامن لا يزداد على كثرة السؤال إلا كرما وجودا، يامن لا يزداد على عظم الجرم إلا رحمة وعفوا، صل على محمد وآل محمد وافعل بي ما أنت أهله فانك أهل التقوى و أهل المغفرة وأنت أهل الجود والخير والكرم " (1). بيان: يدل على استحباب الجلوس بين أذان المغرب وإقامته، وقد مر في خبر آخر أيضا مشتمل على فضل عظيم في خصوص المغرب، وقد روي في الصحيح (2) عنهم عليهم السلام القعود بين الاذان والاقامة في الصلاة كلها إذا لم يكن قبل الاقامة صلاة يصليها وفي صحيح آخر (3) افرق بين الاذان والاقامة بجلوس أو بركعتين وعن أبي عبد الله عليه السلام لابد من قعود بين الاذان والاقامة (4) وإنما يعارضها خبر مرسل عن أبي عبد الله عليه السلام (5) قال: بين كل أذانين قعدة إلا المغرب، فان بينهما نفسا، فرد تلك الاخبار الكثيرة أو تخصيصها بهذا الخبر مشكل، مع أنه يحتمل أن يكون المراد عدم المبالغة الكثيرة فيها أو يحمل على ضيق الوقت. قوله عليه السلام: أهل التقوى، أي أنت أهل لان يتقى سطوتك وعذابك لعظمتك وللمغفرة بسعة رحمتك. 14 - مصباح الشيخ: قال بعد أذان المغرب تقول " يامن ليس معه رب يدعى يامن ليس فوقه إله يخشى، يامن ليس دونه ملك يتقى، يامن ليس له وزير يؤتى يامن ليس له حاجب يرشى، يامن ليس له بواب يغشى، يامن لا يزداد على كثرة

 

(1) فلاح السائل ص 228. (2 - 4) التهذيب ج 1 ص 151. (5) التهذيب ج 1 ص 152.

 

[182]

السؤال إلا كرما وجودا، وعلى كثرة الذنوب إلا عفوا وصفحا، صل على محمد وآله واغفر لي ذنوبي كلهاء، واقض لى حوائجى كلها من حوائج الدنيا والآخرة، برحمتك يا أرحم الراحمين. فائدة: قال في الذكرى: قال ابن البراج رحمه الله يستحب لمن أذن أو أقام أن يقول في نفسه عند " حي على خير العمل " آل محمد خير البرية مرتين، و يقول أيضا إذا فرغ من قوله " حى على الصلاة ": لا حول ولا قوة إلا بالله وكذلك يقول عند قوله " حى على الفلاح " وإذا قال: قد قامت الصلاة، قال: اللهم أقمها وأدمها واجعلني من خير صالحي أهلها عملا، وإذا فرغ من قوله " قد قامت الصلاة " قال: اللهم رب الدعوة التامة، والصلاة القائمة، أعط محمدا سؤله يوم القيامة، وبلغه الدرجة و الوسيلة من الجنة، وتقبل شفاعته في امته. 15 - مصباح الشيخ: يستحب أن يقول في السجدة بين الاذان والاقامة: " اللهم اجعل قلبي بارا، ورزقي دارا، واجعل لي عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله مستقرا وقرارا. بيان: في البلد الامين (1) وغيره " ورزقي دارا وعيشى قارا، واجعل لي عند قر نبيك محمد صلى الله عليه وآله وفي النفلية " وعيشي قارا ورزقي دارا " وفي بعض الكتب بعد ذلك وعملي سارا، وفي بعضها " عند رسولك " بغير ذكر القبر، وفي الكافي (2) في حديث مرفوع يقول الرجل إذا فرغ من الاذان وجلس " اللهم اجعل قلبي بارا، ورزقي دارا، واجعل لي عند قر نبيك قرارا ومستقرا ". وقال الشهيد الثاني رفع الله مقامه في شرح النفلية: " اللهم اجعل قلبي بارا " البار المطيع والمحسن، والمعنى عليهما سؤال الله أن يجعل قلبه مطيعا لسيده وخالقه ومحسنا في تقلباته وحركاته وسكناته، فان الاعضاء تتبعه في ذلك كله " وعيشي قارا " الاجود كون القار هنا متعديا والمفعول محذوفا، أي قارا لعيني، يقال أقر الله عينك:

 

(1) البلد الامين ص 6. (2) الكافي ج 3 ص 308.

 

[183]

أي صادف فؤادك ما يرضيك من العيش فتقر عينك من النظر إلى غيره قاله الهروي، ويجوز كونه لازما أي مستقرا لا يحوج إلى الخروج إليه في سفر ونحوه. وقد روي (1) أن من سعادة الرجل أن يكون معيشته في بلده. أو قارا في الحالة المهناة لا يتكدر بشئ من المنغصات فيضطرب " ورزقي دارا " أي يزيد ويتجدد شيئا فشيئا كما يدر اللبن " واجعل لي عند قبر رسولك مستقرا وقرارا " المستقر المكان، والقرار المقام، أي اجعل لي عنده مكانا أقر فيه، وقيل: هما مترادفان. ونقل المصنف في بعض تحقيقاته أن المستقر في الدنيا والقرار في الآخرة كأنه يسأل أن يكون المحيا والممات عنده، واختص الدنيا بالمستقر لقوله تعالى: " ولكم في الارض مستقر " (2) والآخرة بالقرار لقوله تعالى: " وإن الآخرة هي دار القرار " (3) وفيه أن القبر لا يكون في الآخرة وإطلاق الآخرة على الممات خاصة بعيد، نعم في بعض روايات الحديث " واجعل لي عند رسولك " بغير ذكر القبر، ويمكن تنزيل التأويل حينئذ عليه، بأن يكون السؤال بأن يكون مقامه في الدنيا والآخرة في جواره صلى الله عليه وآله انتهى كلامه زيد إكرامه. وقيل: المراد بالقار أن يكون مستقرا دائما غير منقطع، والعمل السار هو الذي يصير سببا لسرور عامله وبهجته في الدارين، لكن تلك الفقرة غير موجودة في الاصول المعتبرة. 16 - البلد الامين: في أدعية السر: يا محمد ! من أراد من امتك الامان من بليتي، والاستجابة لدعوته، فليقل حين يسمع تأذين المغرب: " يا مسلط نقمه على أعدائه بالخذلان لهم في الدنيا والعذاب لهم في الاخرة، ويا موسعا على أوليائه بعصمته إياهم في الدنيا وحسن عائدته، ويا شديد النكال بالانتقام، ويا حسن المجازاة بالثواب، يا بارئ خلق الجنة والنار، وملزم أهلهما عملهما، والعالم بمن يصير

 

(1) الخصال ج 1 ص 77. (2) البقرة: 36 والاعراف: 24. (3) غافر: 39.

 

[184]

إلى جنته وناره، يا هادي يا مضل يا كافي يا معافي يا معاقب، اهدني بهداك وعافني بمعافاتك من سكنى جهنم مع الشياطين، وارحمني فانك إن لم ترحمني أكن من الخاسرين، أعذني من الخسران بدخول النار وحرمان الجنة، بحق لا إله إلا أنت يا ذا الفضل العظيم ". فانه إذا قال ذلك تغمدته في ذلك المقام الذي يقول فيه برحمتي (1). 17 - المجازات النبوية: قال صلى الله عليه وآله: وقد سمع مؤذنا يقول: " أشهد أن لا إله إلا الله ": صدقك كل رطب ويابس. قال السيد: وهذا الكلام مجاز لان الرطب واليابس من الشجر والاعشاب و الماء والتراب لا كلام لهما ولا روح فيهما، وإنما أراد عليه السلام أن تصديقهما بلسان الخلق لا بلسان النطق، فجميع المخلوقات شاهدة بأن لا إله إلا الله سبحانه، بما فيها من تأثير القدرة وإتقان الصنعة فهي من هذه الوجوه متكلمة وإن كانت خرسا، ومفصحة وإن كانت عجما، كما قال الشاعر: وفي كل شئ له آية * تدل على أنه واحد (2).

 

(1) البلد الامين ص 514. (2) المجازات النبوية ص 140، وفيه " من تأثير الصبغة واتقان الصنعة ".

 

[185]

15 - * " (باب) " * * " (وصف الصلاة من فاتحتها إلى خاتمتها) " * * " (وجمل أحكامها وواجباتها وسننها) " * 1 - مجالس الصدوق: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد ابن عيسى قال: قال لي أبو عبد الله عليه السلام يوما: تحسن أن تصلي يا حماد ؟ قال: فقلت يا سيدي أنا أحفظ كتاب حريز في الصلاة، قال: فقال: لا عليك قم صل قال: فقمت بين يديه متوجها إلى القبلة فاستفتحت الصلاة وركعت وسجدت فقال: يا حماد لا تحسن أن تصلي ما أقبح بالرجل أن يأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة. قال حماد: فأصابني في نفسي الذل، فقلت: جعلت فداك فعلمني الصلاة، فقام أبو عبد الله عليه السلام مستقبل القبلة منتصبا فأرسل يديه جميعا على فخذيه قد ضم أصابعه وقرب بين قديمه حتى كان بينهما قدر ثلاث أصابع مفرجات، واستقبل بأصابع رجليه جميعا (القبلة) يب لم يحرفهما عن القبلة بخشوع واستكانة، وقال: الله أكبر ثم قرء الحمد بترتيل، وقل هو الله أحد ثم صبر هنيئة بقدر ما تنفس وهو قائم، ثم قال: الله أكبر، وهو قائم ثم ركع وملا كفيه من ركبتيه متفرجات، ورد ركبته إلى خلف حتى استوى ظهره حتى لو صب عليه قطرة من ماء أو دهن لم تزل لاستواء ظهره ومد عنقه وغمض عينيه، ثم سبح ثلاثا بترتيل، فقال: " سبحان ربي العظيم وبحمده " ثم استوى قائما فلما استمكن من القيام، قال: " سمع الله لمن حمده " ثم كبر وهو قائم، ورفع يديه حيال وجهه ثم سجد ووضع كفيه مضمومتي الاصابع بين ركبتيه حيال وجهه، فقال: " سبحان ربي الاعلى وبحمده " ثلاث مرات ولم يضع شيئا من بدنه على شئ وسجد على ثمانية أعظم: الجبهة، والكفين


 

[186]

وعيني الركبتين، وأنامل إبهامي الرجلين، فهذه السبعة فرض، ووضع الانف على الارض سنة، وهو الارغام ثم رفع رأسه من السجود، فلما استوى جالسا قال: " الله أكبر " ثم قعد على جانبه الايسر قد وضع ظاهر قدمه اليمنى على باطن قدمه الايسر وقال: " أستغفر الله ربي وأتوب إليه " ثم كبر وهو جالس، وسجد السجدة الثانية، و قال كما قال في الاولى، ولم يستعن بشئ من جسده على شئ في ركوع ولا سجود كان مجنحا ولم يضع ذراعيه على الارض، فصلى ركعتين على هذا. ثم قال: يا حماد هكذا صل ولا تلتف ولا تعبث بيديك وأصابعك ولاتبزق عن يمينك ولا عن يسارك ولا بين يديك (1). كتاب العلل: لمحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن جده، عن حماد مثله، وزاد بعد قوله فصلى ركعتين على هذا " ويداه مضمومتا الاصابع، وهو جالس في التشهد، فلما فرغ من التشهد سلم فقال: يا حماد ! إلى آخر الخبر. تبيين وتوضيح الحديث حسن (2) وفي الفقيه صحيح (3) وعليه مدار عمل الاصحاب " تحسن " (4) أي تعلم " أنا أحفظ " قال الوالد قدس سره: يفهم من عدم منعه عليه السلام عن العمل به جواز العمل به بل حجية خبر الواحد، وإن أمكن أن يقال: يفهم من تأديبه عليه السلام منعه عن العمل سيما مع إمكان العلم لوجود المعصوم وإمكان الاخذ عنه، " لا عليك " أي لا بأس عليك في العمل به، لكن صل ليحصل لك العلم، أو لا بأس عليك في الصلاة عندنا، أو ليس عليك العمل بكتابه، بل يجب عليك الاستعلام " فاستفتحت الصلاة " أي كبرت تكبيرة الاحرام والظاهر أنه أتي بالواجبات وترك المندوبات لعدم العلم أو

 

(1) أمالي الصدوق ص 248. (2) لمكان ابراهيم بن هاشم. (3) الفقيه ج 1 ص 196، وطريقه " عن أبيه عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن محمد ابن عيسى بن عبيد والحسن بن ظريف وعلي بن اسماعيل كلهم عن حماد. (4) في بعض نسخ الحديث: " أتحسن " منه، كذا بخطه قدس سره في هامش الاصل.

 

[187]

ليعلم أقل الواجب بتقريره عليه السلام وما يفهم منه ظاهرا من ترك القراءة والاذكار الواجبة فبعيد عن مثله " ما أقبح بالرجل " وفي التهذيب والكافي (1) وبعض نسخ الفقيه " منكم " وقال الشيخ البهائي قدس سره: فصل عليه السلام بين فعل التعجب ومعموله وهو مختلف فيه بين النحاة، فمنعه الاخفش والمبرد وجوزه المازنى والفراء بالظرف ناقلا عن العرب أنهم يقولون ما أحسن بالرجل أن يصدق، وصدوره عن الامام عليه السلام من أقوى الحجج على جوازه (2) و " منكم " حال من الرجل أو وصف له، فان لامه جنسية والمراد ما أقبح بالرجل من الشيعة أو من صلحائهم " بحدودها " متعلق بيقيم " تامة " حال من حدودها أو نعت ثان لصلاة، وظاهر أنه ترك المندوبات ويؤيده عدم الامر بالقضاء قال في الذكرى: الظاهر أن صلاة حماد كانت مسقطة للقضاء، وإلا لامره بقضائها، ولكنه عدل به إلى الصلاة التامة. " فقام أبو عبد الله عليه السلام " الظاهر أنها لم تكن صلاة حقيقية، بل كانت للتعليم للكلام في أثنائها ظاهرا ويمكن أن تكون حقيقية، وكان الكلام بعدها، وإنما ذكر حماد في أثنائها للبيان " منتصبا " أي بلا انحناء أو انخناس أو إطراق أو حركة، وما نسب إلى أبي الصلاح من استحباب إرسال الذقن إلى الصدر لامستند له ظاهرا (3) ولعله فهمه من الخشوع " على فخذيه " أي قبالة ركبتيه " قد ضم أصابعه " يشمل الابهامين أيضا كما هو

 

(1) التهذيب ج 1 ص 157 ط حجر، ج 2 ص 81 ط نجف، الكافي ج 3 ص 311 ط الاخوندى ج 1 ص 85 ط الحجر. (2) ان لم يكن الحديث منقولا بالمعنى. (3) لعل مستنده ما سيأتي تحت الرقم 6 من جامع البزنطى، ولكن الظاهر من القرآن الكريم أن ذلك مرغوب عنه، حيث وصف به الكفار والمجرمين كما في قوله تعالى: " ان نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين " والمراد بالخضوع هنا نكس الرؤس بارسال الذقن إلى الصدر كما في قوله تعالى: " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم " السجدة: 12، مع أن الايات الكريمة التى تمدح المؤمنين بصلواتهم لم يمدحهم بالخضوع بل ولم يذكرهم به في غيرها، ولا بنكس الرؤس.

 

[188]

المشهور، " قدر ثلاثة أصابع " المشهور بين الاصحاب أنه يستحب أن يكون بينهما ثلاثة أصابع مفرجات إلى شبر، وفي صحيحة زرارة أقله أصبع، وأوله بعضهم بطول الاصبع ليقرب من الثلاثة ويظهر منها أنه لابد أن يكون في الركوع بينهما قدر شبر " بخشوع واستكانة " متعلق بقام، وقال الشهيد الثاني - ره -: الخشوع الخضوع والتطأمن والتواضع ويجوز أن يراد به الخوف من الله والتذلل إليه كما فسر به قوله تعالى: " الذينهم في صلاتهم خاشعون " (1) بحيث لا يلتفت يمينا ولا شمالا، بل يجعل نظره إلى موضع سجوده والاستكانة استفعال من الكون أو افتعال من السكون وهي الذلة والمسكنة. وقال الوالد قدس سره: فهم حماد الخشوع إما من النظر إلى موضع السجود، وإما من الطمأنينة وتغير اللون، أو من بيانه عليه السلام، ويمكن أن تفهم النية من الخشوع لانها إرادة الفعل لله، والخشوع دال عليها، ولذا لم يذكرها مع ذكر أكثر المستحبات. " ثم قرء الحمد بترتيل " قال الشيخ البهائي قدس سره: الترتيل التأني، وتبيين الحروف بحيث يتمكن السامع من عدها، مأخوذ من قولهم ثغر رتل ومرتل إذا كان مفلجا وبه فسر في قوله تعالى: " ورتل القرآن ترتيلا " (2) وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه حفظ الوقوف وبيان الحروف، أي مراعاة الوقف التام والحسن، والاتيان بالحروف على الصفات المعتبرة من الهمس والجهر والاستعلاء والاطباق والغنة وأمثالها والترتيل بكل من هذين التفسيرين مستحب، ومن حمل الامر في الآية على الوجوب فسر الترتيل باخراج الحروف من مخارجها على وجه يتميز ولا يندمج بعضها في بعض.

 

(1) المؤمنون: 2، والخشوع على ما في القرآن الكريم انما هو خشوع البصر كما في قوله تعالى " خشعا أبصارهم " القمر: 7، وخشوع القلب كما في قوله عزوجل: " ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله " الحديد: 16، وخشوع الصوت كما في قوله " وخشعت الاصوات للرحمن فلا تسمع الا همسا " طه: 108 وخشوع الصلاة محمولة على المعاني الثلاث. (2) المزمل: 4.

 

[189]

" هنيهة " في بعض نسخ الحديث هنية بضم الهاء وتشديد الياء بمعنى الوقت اليسير، تصغير هنة بمعنى الوقت، وربما قيل هنيهة بابدال الياء هاء، وأما هنيئة بالهمزة فغير صواب نص عليه في القاموس كذا ذكره الشيخ البهائي - ره - لكن أكثر النسخ هنا بالهمزة وفي المجالس وفي بعض نسخ التهذيب بالهاء. " بقدر ما تنفس " وفي ساير الكتب " يتنفس " على البناء للمفعول، ويدل على استحباب السكتة بعد السورة، وأن حدها قدر ما يتنفس، قال في الذكرى: من المستحبات السكوت إذا فرغ من الحمد أو السورة، وهما سكتتان لرواية إسحاق بن عمار (1) عن الصادق عليه السلام المشتملة على أن ابي بن كعب قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله سكتتان إذا فرغ من ام القرآن وإذا فرغ من السورة وفي رواية حماد تقرير السكتة بعد السورة بنفس، وقال ابن الجنيد: روى سمرة وابي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وآله أن السكتة الاولى بعد تكبيرة الافتتاح والثانية بعد الحمد (2). ثم قال الظاهر: استحباب السكوت عقيب الحمد في الاخيرتين قبل الركوع وكذا عقيب التسبيح. " ثم قال: الله أكبر " في التهذيب " ثم رفع يديه حيال وجهه وقال: الله أكبر " أي بازاء وجهه، ولم يذكر ذلك في تكبيرة الاحرام، اكتفاء بذلك وبما يأتي بعده، وربما يستدل بهذا على عدم وجوب الرفع، لان السيد قال بوجوب الرفع في جميع التكبيرات والمشهور استحبابه في الجميع، ولم يقل أحد بعدم الوجوب في تكبيرة الاحرام، والوجوب في سايرها، بل يمكن القول بالعكس كما هو ظاهر

 

(1) التهذيب ج 1 ص 221. (2) ومن المندوب بعد قراءة الحمد قول " الحمد لله رب العالمين " حمدا وشكرا على ما هداه الله إلى صراطه المستقيم، كما ورد به روايات أهل البيت، لكنه لا يقول ذلك الا سرا بالاخفات التام كحديث النفس، وهكذا بعد قراءة سورة التوحيد يقول بالاخفات: " كذلك الله ربي كذلك الله ربي " وبعد قراءة الجحد " ربى الله وديني الاسلام " وبعد قراءة النصر " سبحان الله وبحمده استغفر الله وأتوب إليه " ولعل النبي صلى الله عليه وآله كان يقول ذلك سرا، وتخيل المسلمون أنه يتنفس هنيهة.

 

[190]

ابن الجنيد، لكن الظاهر أن عدم الذكر هنا لسهو الراوي أو الاكتفاء بما يذكر بعده، وسيأتي القول فيه. والمشهور بين الاصحاب فيما سوى تكبيرة الاحرام الاستحباب وأوجب ابن أبي عقيل تكبير الركوع والسجود، وسلار تكبير الركوع والسجود والقيام والقعود والجلوس في التشهدين أيضا ونقل الشيخ في المبسوط عن بعض أصحابنا القول بوجوب تكبيرة الركوع متى تركها متعمدا بطلت صلاته وألزم على السيد القول بوجوب جميع التكبيرات، للقول بوجوب رفع اليدين في الجميع، والاحوط عدم الترك، لاسيما قبل الركوع، وقبل كل سجدة. ثم إنه يدل على أنه يتم التكبير قائما ثم يركع، وهو المشهور بين الاصحاب، وقال الشيخ في الخلاف: ويجوز أن يهوى بالتكبير ثم الظاهر من كلام أكثر الاصحاب أنه يضع اليدين معا على الركبتين، كما يفهم من هذا الخبر، وذكر جماعة منهم الشهيد رحمهم الله في النفلية استحباب البداءة بوضع اليمنى قبل اليسرى، لرواية زرارة (1) ولعل التخيير أوجه. " وملا كفيه من ركبتيه " أي ماسهما بكل كفيه، ولم يكتف بوضع أطرافهما والظاهر أن المراد بالكف هنا ما يشمل الاصابع، والمشهور أن الانحناء إلى أن يصل الاصابع إلى الركبتين هو الواجب، والزايد مستحب كما يدل عليه بعض الاخبار، وقال الشهيد في البيان: الاقرب وجوب انحناء يبلغ معه الكفان، ولا يكفيه بلوغ أطراف الاصابع، وفي رواية يكفي. وفي الفقيه: " لاستواء ظهره ورد ركبتيه " على المصدر علة اخرى لعدم الزوال وليست هذه الفقرة في الكافي والتهذيب. " ومد عنقه " على صيغة الفعل والمصدر هنا بعيد، وإن احتمله بعض، وفي الفقيه " ونصب عنقه وغمض عينيه " هذا ينافي ما هو المشهور بين الاصحاب من نظر المصلي حال ركوعه إلى مابين قدميه، كما يدل عليه خبر زرارة، والشيخ في النهاية عمل بالخبرين

 

(1) التهذيب ج 1 ص 157.

 

[191]

معا، وجعل التغميض أفضل، والمحقق عمل بخبر حماد، والشهيد في الذكرى، جمع بين الخبرين بأن الناظر إلى مابين قدميه يقرب صورته من صورة المغمض، وليس ببعيد إن قلنا إنه عليه السلام اكتفى بالفعل ولم يبين بالقول، والقول بالتخيير أظهر. " فقال سبحان ربي العظيم وبحمده " إي انزه ربي عما لا يليق بعز جلاله تنزيها، وأنا متلبس بحمده على ما وفقني له من تنزيهه وعبادته، كأنه لما أسند التسبيح إلى نفسه خاف أن يكون في هذا الاسناد نوع تبجح بأنه مصدر لهذا الفعل فتدارك ذلك بقوله وأنا متلبس بحمده، على أن صيرني أهلا لتسبيحه، وقابلا لعبادته. فسبحان مصدر بمعنى التنزيه كغفران، ولا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بفعل مضمر، كمعاذ الله، وهو هنا مضاف إلى المفعول، وربما جوز كونه مضافا إلى الفاعل بمعنى التنزه، والواو في " وبحمده " للحالية، وربما جعلت عاطفة (1) وقيل: زائدة والباء للمصاحبة والحمد مضاف إلى المفعول، ومتعلق الجار عامل المصدر أي سبحت الله حامدا، والمعنى نزهته عما لا يليق به وأثبت له ما يليق به، ويحتمل كونها للاستعانة والحمد مضاف إلى الفاعل أي سبحته بما حمد به نفسه إذ ليس كل تنزيه محمودا وقيل: الواو عاطفة ومتعلق الجار محذوف أي وبحمده سبحته لا بحولي وقوتي، فيكون مما اقيم فيه المسبب مقام السبب، ويحتمل تعلق الجار بعامل المصدر على هذا التقدير أيضا ويكون المعطوف عليه محذوفا يشعر به العظيم، وحاصله أنزه تنزيها ربي العظيم بصفات عظمته وبحمده، والعظيم في صفاته تعالى من يقصر عنه كل شئ سواه، أو من اجتمعت له صفات الكمال، أو من انتفت عنه صفات النقص. " قال سمع الله لمن حمده " أي استجاب لكل من حمده، وعدي باللام لتضمينه معنى الاستجابة كما عدي بالى لتضمينه معنى الاصغاء في قوله تعالى: " لا يسمعون إلى الملاء الاعلى " (2) وفي النهاية أي أجاب حمده وتقبله يقال اسمع دعائي أي أجب لان غرض السائل الاجابة والقبول انتهى.

 

(1) زاد في ط الكمبانى " فيكون من قبيل عطف الجملة الاسمية على الفعلية " لكن المؤلف - ره - ضرب عليه في الاصل، ولذلك أسقطناه. (2) الصافات: 8.

 

[192]

وهذه الكلمة محتملة بحسب اللفظ للدعاء والثناء، وفي رواية المفضل (1) عن الصادق عليه السلام تصريح بكونها دعاء، فانه قال: قلت له: جعلت فداك علمني دعاء جامعا فقال لي: احمد الله فانه لا يبقى أحد يصلي إلا دعا لك، يقول: " سمع الله لمن حمده " ويدل على أن قول: " سمع الله لمن حمده " بعد إتمام القيام، وقال الشهيد الثاني - رحمه الله - وذكر بعض أصحابنا أنه يقول " سمع الله لمن حمده " في حال ارتفاعه وباقي الاذكار بعده والرواية تدفعه. " ثم كبر وهو قائم " يدل على أنه يستحب أن يكون تمام هذا التكبير في حال القيام، وقال في الذكرى: ولو كبر في هويه جاز، وترك الافضل، قيل: ولا يستحب مده ليطابق الهوى، لما ورد أن التكبير جزم، وقال ابن أبي عقيل: يبدأ بالتكبير قائما، ويكون انقضاء التكبير مع مستقره ساجدا، وخير الشيخ في الخلاف بين هذا وبين التكبير قائما وفي الكافي (2) باسناده إلى المعلى بن خنيس، عن أبي - عبد الله عليه السلام قال: كان علي بن الحسين إذا أهوى ساجدا انكب وهو يكبر انتهى، والاول أفضل لكونه أكثر رواية، وإن كان التخيير قويا، ويمكن حمل خبر السجاد عليه السلام على النافلة. " بين ركبتيه " في الكافي " بين يدي ركبتيه " أي قدامهما وقريبا منهما، و في الفقيه " ووضع يديه على الارض قبل ركبتيه، فقال " وفيه وفي الكافي " وأنامل إبهامي الرجلين والانف " وفي التهذيب والكافي بعد ذلك " وقال: سبعة منها فرض يسجد عليها وهي التي ذكرها الله في كتابه فقال: " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا " (3) وهي الجبهة والكفان والركبتان والابهامان، ووضع الانف على الارض سنة، ثم رفع رأسه " إلى آخر الخبر.

 

(1) الكافي ج 2 ص 503. (2) الكافي ج 3 ص 336. (3) الجن: 18.

 

[193]

فأما استحباب وضع اليدين قبل الركبتين (1) فقال في المنتهى عليه فتوى علمائنا أجمع، والتجويز الوارد في صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله (2) وغيرها يدل على عدم الوجوب، وحملها الشيخ على الضرورة، وقال في الذكرى: ويستحب أن يكونا معا وروي السبق باليمنى. أقول: هي رواية عمار (3) واختاره الجعفي والعمل بالمشهور أولى، لقول الباقر عليه السلام في صحيحة زرارة (3) وابدأ بيديك تضعهما على الارض قبل ركبتيك تضعهما معا. وأما السجدة على الاعضاء السبعة فقد نقل جماعة الاجماع على وجوبها، وذكر السيد وابن إدريس عوض الكفين المفصل عند الزندين وهو ضعيف، والمراد بالكفين ما يشمل الاصابع، وصرح أكثر المتأخرين بأنه يكفي في وضع الكفين وغيرهما المسمى ولا يجب الاستيعاب، ولم نجد قائلا بخلاف ذلك، إلا العلامة في المنتهى، حيث قال: هل يجب استيعاب جميع الكف بالسجود، عندي فيه تردد، ثم الاحوط اعتبار باطنهما، لكون ذلك هو المعهود كما هو ظاهر الاكثر وصريح جماعة وجوز المرتضى وابن الجنيد وابن إدريس إلقاء زنديه. وظاهر أكثر الاخبار اعتبار الابهامين (5) واستقرب في المنتهى جواز السجود

 

(1) يرغب في ذلك قوله تعالى في مدح داود عليه السلام " وخر راكعا وأناب " ص: 24. والمعنى أنه خر إلى الارض ساجدا لله لكنه بعد ما صار بهيئة الركوع، ولازم ذلك استقبال الارض بباطن الكفين عامة وسيأتي توضيحه. (2) التهذيب ج 1 ص 222. (3) لم نجده. (4) التهذيب ج 1 ص 157، الكافي ج 3 ص 335. (5) بل الاعتبار بالاصبع الذي هو أطول من سائر الاصابع، فان كان هو الابهام تعين وان كان هو الذى يلى الابهام مع استقامة تعين، ولو تساويا، اعتمد عليهما معا، هذا هو المعتبر من حيث طبيعة السجدة، كما هو ظاهر وسيأتى مزيد توضيح له.

 

[194]

على ظاهر إبهامي الرجلين وهو غير بعيد، عملا باطلاق الاخبار، وذكر ابن إدريس طرفي الابهامين، وفي المبسوط: إن وضع بعض أصابع رجليه أجزأ، وابن زهرة: يسجد على أطراف القدمين، وأبو الصلاح: أطراف أصابع الرجلين، واستوجه الشهيد تعين الابهامين وهو ظاهر الاكثر، قال: نعم لو تعذر السجود عليهما لعدمهما أو قصرهما أجزأ على بقية الاصابع وهو قوي. وقالوا: يجب الاعتماد على مواضع الاعضاء بالقاء ثقلها عليها، فلو تحامل عنها لم يجز، ولعل ذلك هو المتبادر من السجود على الاعضاء، والجمع في الانامل (1) لعله على التجوز أو أنه عليه السلام وضع الابهامين على الارض، ولكل منهما أنملتان فتصير أربعا، كذا ذكره الوالد قدس سره، والاول أظهر، إذ في الاخير أيضا مع مخالفته للمشهور وساير الاخبار لابد من تجوز إذ إطلاق الانملة على العقد الاسفل مجاز، قال الفيروزآبادي: الانملة بتثليث الميم والهمزة تسع لغات: التي فيها الظفر انتهى. " فهذه السبعة فرض " أي واجب أو ثبت وجوبها من القرآن " ووضع الانف على الارض سنة " أي مستحب كما هو المشهور أو ثبت وجوبه من السنة (2) والظاهر

 

(1) والجمع في الانامل لان الامام يكون خلقته على أحسن خلقة، والخلق الحسن في أنامل الرجل هو تساوى الابهام والذي يليه ومن كان هذا خلقه، انما يعتمد في سجدته على أربع أنامل في كل رجل أنملتان. (2) قوله عليه السلام " فهذه السبعة فرض " معناه أن وقوعها على الارض ثابت بظاهر القرآن الكريم - كما هو شأن سائر الفرائض - وانما كان كذلك. فان السجدة هو الوقوع على الارض عبادة للخالق، ويسمى بالفارسية (به خاك افتادن) لقوله تعالى: " أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون " النحل: 48، وقوله عزوجل، " ولله يسجد من في السموات والارض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والاصال " الرعد: 15، وغير ذلك. لكن ظل الشجر والحجر والجبال وغير ذلك يقع على الارض دفعة واحدة كخرور السقف والعمود وامثال ذلك، وأما الانسان وهو حي ذو

 

[195]

أن هذا من كلامه عليه السلام في هذا المقام إما في أثناء الصلاة، على أن لا تكون صلاة

 

مفاصل لا يمكنه أن يقع على الارض سالما الاعلى الهيئة المعتادة كما قال (ع) " ان ابن آدم يسجد على سبعة أعظم " يعنى طبيعة السجدة بمراعاة خلقة الانسان وفطرته، فإذا سجد الانسان بمعنى أنه وقع على الارض يكون جبهته وكفاه وركبتاه ورؤس أصابع رجليه واقعة على الارض. واما وقوع الذقن بدل الجبهة كما في قوله عزوجل: " ان الذين اوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للاذقان سجدا " إلى قوله عزوجل: " ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعا " أسرى 107 - 109، فهو وصف لسجدة النصارى فانهم لم يتنبهوا أن ابن آدم انما يسجد على سبعة أعظم فطرة وطبعا، بل وقعوا على الارض منبطحين على وجوههم كما يقع العمود ولما لم يمكنهم الذكر والتوجه إلى قبلتهم بهذا الحال رفعوا رؤسهم وجعلوا أذقانهم على الارض، فلا تغفل. ويتفرع على ذلك: أن الاحسن والاليق بحال المتعبد الساجد أن يخر إلى الارض باستقبال الارض بباطن كفيه ثم ايقاع ركبتيه على الارض من دون تمالك بحيث يسمع لوقع الاعضاء عند وقوعها على الارض صوت، كما يسمع عند خرور السقف والعمود والحائط، ثم بعد تمالك البدن على أربعة أعظم بل ستة، يضع جبهته على الارض ويسوى رؤس أصابع رجليه سويا كما مر شرحه. ولذلك مدح الله عزوجل السجود كذلك ورغب المؤمنين إليه بقوله عز من قائل " و رفع أبويه على العرش وخروا له سجدا ": يوسف: 100 " انما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون " السجدة: 15 (وهى آية السجدة). والاحسن أن يكون ذاك الخرور بصورة الركوع كما قال عزوجل في مدح داود: " وخر راكعا وأناب " ص: 24 يعنى أنه خر إلى الارض ساجدا بحالة الركوع لا بحالة القعود ووضع الركبتين قبل اليدين، على ما هو دأب الاكثرين. وأما قوله عليه السلام " ووضع الانف على الارض سنة " أي سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وآله

 

[196]

حقيقة أو بعدها كما عرفت، ويمكن أن يكون من كلام حماد سمعه منه عليه السلام في غير تلك الحال. وقال الشيخ البهائي طيب الله مضجعه: تفسيره عليه السلام المساجد بالاعضاء السبعة التي يسجد عليها هو المشهور بين المفسرين (1) والمروي عن أبي جعفر محمد بن

 

من دون أن يكون ذلك داخلا في حقيقة السجدة، كما قال نفسه صلى الله عليه وآله: " أمرت أن أسجد على سبعة أعظم " وانما فعله رسول الله صلى الله عليه وآله لان بأنفه - روحنا وأرواح العالمين له الفداء - كان قنى، والقنا: أن يكون في عظم الانف احديداب في وسطه، والانف إذا كان كذلك يقع على الارض حين السجود طبعا وقهرا، الا أن يسجد على مرتفع كاللوح المعمول في هذا العصر، لكنه صلى الله عليه وآله كان يسجد على الارض والخمرة، فيقع عرنين انفه على الارض سنة دائمة. ولما كانت السنة هذه في فريضة يجب الاخذ بها في حال الاختيار والامكان، بحيث لو تركه المصلى كان راغبا عن سنته، ومن رغب عن سنته فليس منه في شئ، واما إذا كان في حال الاضطرار أو كان بأنفه خنسا فلا عليه. (1) رواه في المجمع عن سعيد بن جبير والزجاج والفراء، ومبنى هذا التفسير على أن يكون المساجد جمع مسجد - بكسر الميم وفتح الجيم - اسم آلة فلا يصدق الا على الاعضاء السبعة التى لا يسجد الا بها، وهذا أنسب من حيث السياق وتفريع الفاء، حيث فرع عدم الشرك على كون المساجد لله مطلقا، والمعنى أن ما يتحقق به السجدة ملك لله عزوجل فلا تدعوا أي لا تسجدوا بها لاحد غير الله عزوجل أبدا. وأما إذا جعلنا المساجد جمع مسجد - اسم مكان من السجدة - فلا يقع الفاء موقعها من التفريع الكامل، ويكون المعنى: ان المساجد متخذة لعبادة الله عزوجل والسجود له فلا تعبدوا فيها أحدا مع الله عزوجل ولا تسجدوا فيها لاحد غيره، فيكون النهى عن الشرك في العبادة والسجدة لغير الله عزوجل مخصوصا بالمساجد. وان حملنا الاية على كلا المعنيين، على ما أشرنا قبل ذلك (ج 81 ص 34 وج 82 ص 316) فقد أخذنا بالحظ الاوفر من كتاب الله عزوجل وقوله صلى الله عليه وآله " نزل القرآن على

 

[197]

علي بن موسى عليهم السلام أيضا حين سأله المعتصم عن هذه الآية ومعنى " فلا تدعوا مع الله أحدا " فلا تشركوا معه غيره في سجودكم عليها، وأما ما قاله بعض المفسرين من أن المراد بها المساجد المشهورة فلا تعويل عليه، بعد التفسير المروي عن الامامين عليهما السلام. ثم قال رحمه الله: ما تضمنه الحديث من سجوده عليه السلام على الانف الظاهر أنه سنة مغايرة للارغام المستحب في السجود، فانه وضع الانف على الرغام بفتح الراء وهو التراب، والسجود على الانف كما روي عن علي عليه السلام " لا يجزي صلاة لا يصيب الانف ما يصيب الجبين " يتحقق بوضعه على ما يصح السجود عليه وإن لم يكن ترابا، وربما قيل الارغام يتحقق بملاصقة الانف للارض، وإن لم يكن معه اعتماد، ولهذا فسره بعض علمائنا بمماسة الانف التراب، والسجود يكون معه اعتماد في الجملة، فبينهما عموم من وجه، وفي كلام شيخنا الشهيد ما يعطي أن الارغام والسجود على الانف أمر واحد، مع أنه عد في بعض مؤلفاته كلا منهما سنة عليحدة. ثم على تفسير الارغام بوضع الانف على التراب هل تتأدي سنة الارغام بوضعه على مطلق ما يصح السجود عليه وإن لم يكن ترابا ؟ حكم بعض أصحابنا بذلك وجعل التراب أفضل، وفيه ما فيه فليتأمل انتهى. أقول: وجه التأمل أنه قياس مع الفارق كما ذكره في الحاشية، وتعبيره عليه السلام بوضع الانف على الارض ثم تفسيره بالارغام يشعر بكون الارغام أعم من الوضع على التراب، واحتمل الوالد ره الاكتفاء بوضعه على شئ، وإن لم يكن مما يصح السجود عليه كساير المساجد، سوى الجبهة وهو بعيد. ثم اعلم أن استحباب الارغام مما أجمع عليه الاصحاب على ما ذكره العلامة رحمه الله لكن قال الصدوق في الفقيه والمقنع: الارغام سنة في الصلاة، فمن تركه

 

سبعة أحرف فاقرؤا ما تيسر منه ".

 

[198]

متعمدا فلا صلاة له (1) والاشهر الاظهر أنه يكفي فيه إصابة جزء من الانف الارض أي جزء كان، واعتبر السيد رضي الله عنه إصابة الطرف الذي يلي الحاجبين، وقال ابن الجنيد: يماس الارض بطرف الانف وحدبته إذا أمكن ذلك للرجل والمرءة. " فلما استوى جالسا " يدل على أنه يستحب أن يكون التكبير بعد الاعتدال لا في أثناء الرفع كما هو ظاهر الاكثر، وقال في الذكرى: قال ابن الجنيد: إذا أراد أن يدخل في فعل من فرائض الصلاة، ابتدأ بالتكبير مع حال ابتدائه وهو منتصب القامة لافظ به رافع يديه إلى نحو صدره، وإذا أراد أن يخرج من ذلك الفعل كان تكبيره بعد الخروج منه، وحصوله فيما يليه من انتصاب ظهره في القيام، وتمكنه من السجود، ويقرب منه كلام المرتضى، وليس في هذا مخالفة للتكبير في الاعتدال بل هو نص عليه، وفي المعتبر أشار إلى مخالفة كلام المرتضى لانه لم يذكر في المصباح الاعتدال وضعفه برواية حماد انتهى. " ثم قعد على جانبه الايسر " هذا يوهم أن التورك بعد التكبير ولم يقل به أحد وليس في رواية أخرى مثله. وقد روى الشيخ في الموثق (2) عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا تقع بين السجدتين إقعاء، وروى الصدوق في معاني الاخبار (3) أنه قال الاقعاء أن يضع الرجل إلييه على عقبيه، وهذا يشمل ما ورد في الخبر، وقد نهي عنه مطلقا في خبر أبي بصير فلعل " ثم " ههنا ليست للتراخي الزماني، بل للتراخي الرتبي، والترتيب المعنوي، وهذا هو الذي قطع الاصحاب باستحبابه بين السجدتين وفي التشهد. وقال الشيخ وأكثر المتأخرين: هو أن يجلس على وركه الايسر ويخرج رجليه جميعا من تحته ويجعل رجله اليسرى على الارض، وظاهر قدمه اليمنى على باطن

 

(1) قد عرفت وجه ذلك، وأن المراد بالسنة: هي سيرة رسول الله صلى الله عليه وآله في امتثال أوامر الله عزوجل، لا الاستحباب كما هو اصطلاح المتأخرين من الفقهاء. (2) التهذيب ج 1 ص 222. (3) معاني الاخبار: 300 في حديث.

 

[199]

قدمه اليسرى، ويقضي بمقعدته إلى الارض كما هو مدلول هذا الخبر، ونقل عن المرتضى في المصباح أنه قال: يجلس مماسا بوركه الايسر مع ظاهر فخذه اليسرى للارض، رافعا فخذه اليمنى على عرقوبه الايسر، وينصب طرف إبهام رجله اليمنى على الارض ويستقبل بركبتيه معا القبلة. وعن ابن الجنيد أنه قال في الجلوس بين السجدتين يضع إليته على بطن قدميه ولا يقعد على مقدم رجليه وأصابعهما، ولا يقعي إقعاء الكلب، وقال في تورك التشهد: يلزق إليتيه جميعا ووركه الايسر وظاهر فخذه الايسر بالارض فلا يجزيه غير ذلك (1) ولو كان في طين، ويجعل بطن ساقه الايمن على رجله اليسرى، وباطن فخذه الايمن على عرقوبه الايسر، ويلزق حرف إبهام رجله اليمنى مما يلي حرفها الايسر بالارض، وباقي أصابعها عاليا عليها، ولا يستقبل بركبتيه جميعا القبلة، و المعتمد الاول وما ذكره السيد وابن الجنيد في التشهد أسهل غالبا. " على باطن قدمه الايسر " في الفقيه اليسرى وفي التهذيب في الاول أيضا الايمن " أستغفر الله " واستحباب هذا الاستغفار مقطوع به في كلام الاصحاب، وسيأتي غيره من الادعية، وقال في المنتهى: إذا جلس عقيب السجدة الاولى دعا مستحبا ذهب إليه علماؤنا. ثم اعلم أنه ليس في بعض نسخ الحديث لفظ الجلالة، وقال الشهيد الثاني رحمه الله: ليس في التهذيب بخط الشيخ رحمه الله لفظ " الله " بعد " أستغفر " وتبعه الشهيد في الذكرى والمحقق في المعتبر. " ثم كبر وهو جالس " يدل على استحباب التكبير للسجود الثاني ولا خلاف فيه، وعلى أنه يستحب إتمام التكبير جالسا ثم الهوى إلى السجود لا في أثنائه و هو المشهور وقد عرفت ما يفهم من كلام المرتضى وابن الجنيد " وقال كما قال في الاولى " قال الشيخ البهائي قدس سره الظاهر أن مراده أنه عليه السلام قال فيها ما قاله في السجدة الاولى من الذكر يعني سبحان ربي الاعلى وبحمده ثلاث مرات، فاستدلال

 

(1) ووجهه أن تلك الجلسة وهو التورك حين الجلوس سنة للنبى صلى الله عليه وآله اتخذها في جلوس الصلاة فمن تركها عمدا فلا صلاة له.

 

[200]

شيخنا في الذكرى بهذه العبارة على أنه عليه السلام كبر بعد رفعه من السجدة الثانية فيه ما فيه انتهى، وذكر الاكثر استحباب هذا التكبير. " كان مجنحا ": بالجيم والنون المشددة والحاء المهملة أي رافعا مرفقيه عن الارض حال السجود، جاعلا يديه كالجناحين فقوله: ولم يضع ذراعيه على الارض عطف تفسيري، ونقل على استحباب التجنيح الاجماع. " فصلى ركعتين على هذا " قال الشيخ البهائي رحمه الله: هذا يعطي أنه عليه السلام قرأ سورة التوحيد في الركعة الثانية أيضا وهو ينافي ما هو المشهور بين أصحابنا من استحباب مغايرة السورة في الركعتين وكراهة تكرار الواحدة فيهما إذا أحسن غيرها، كما رواه علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام (1) ويؤيد ما مال إليه بعضهم من استثناء سورة الاخلاص من هذا الحكم، وهو جيد، يعضده ما رواه زرارة عن أبي جعفر عليه السلام من أن رسول الله صلى الله عليه وآله صلى ركعتين وقرء في كل منهما قل هو الله أحد وكون ذلك لبيان الجواز بعيد. وفي التهذيب والكافي بعد ذلك " ويداه مضمومتا الاصابع وهو جالس في التشهد فلما فرغ من التشهد سلم، فقال: يا حماد هكذا صل " وليس بعد ذلك فيهما شئ ولذا احتمل الوالد - ره - كونه من كلام الصدوق، والظاهر أنه من تمام الخبر، وقال في المنتهى: يستحب أن يضع يديه على فخذيه مبسوطة الاصابع مضمومة، ذهب إليه علماؤنا انتهى، ويدل على المنع من الالتفات كراهة أو تحريما كما مر تفصيله و كراهة العبث باليدين، أي أن يفعل بهما غير ما هو المستحب من كونهما عليه في أحوال الصلاة كما سيأتي، والعبث بالاصابع الفرقعة أو الاعم منه، ويدل على كراهة البزاق إلى القبلة لشرفها وإلى اليمين لشرفها، وتضمنه للالتفات غالبا وإلى اليسار للاخير فقط، وفي رواية عبد الله بن سنان (2) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: الرجل يكون في المسجد في الصلاة فيريد أن يبزق ؟ فقال: عن يساره، وإن كان في

 

(1) التهذيب ج 1 ص 154، قرب الاسناد ص 95 ط حجر ص 124 ط نجف. (2) التهذيب ج 1 ص 326، وقد مر في باب أحكام المساجد.

 

[201]

غير صلاة فلا يبزق حذاء القبلة، ويبزق عن يمينه ويساره، وفي خبر طلحة بن زيد (1) عنه عليه السلام لايبزقن أحدكم في الصلاة قبل وجهه ولا عن يمينه، وليبزق عن يساره وتحت قدمه اليسرى، فالبزق إلى اليسار إما أخف كراهة أو خبر النهي محمول على ما إذا تضمن التفاتا. ثم اعلم أن الآداب المذكورة في هذا الخبر مشتركة بين الرجل والمرءة إلا إرسال اليدين حال القيام، فان المستحب لها وضع كل يد على الثدي الذي بجنبها والتفريق بين القدمين، فان المستحب لها جمعهما، والتجافي في الركوع والسجود المفهوم من قوله: " ولم يضع شيئا من بدنه على شئ منه " فان المستحب لها تركه والتورك بين السجدتين، فانه يستحب لها ضم فخذيها ورفع ركبتيها، ووضع اليدين على الركبتين، فانها تضعهما فوق ركبتيها، وسيأتي تفصيل تلك الاحكام إنشاء الله. 2 - العلل: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: عليك بالاقبال على صلاتك فانما يحسب لك منها ما أقبلت عليه منها بقلبك، ولا تعبث فيها بيديك ولا برأسك ولا بلحيتك، ولاتحدث نفسك، ولا تتثآءب، ولا تتمطا ولا تكفر، فانما يفعل ذلك المجوس، ولا تقولن إذا فرغت من قراءتك " آمين " فان شئت قلت: " الحمد لله رب العالمين " (2).

 

(1) التهذيب ج 1 ص 326 وقد مر في باب أحكام المساجد. (2) انما تبادر الشيعة عند الفراغ من قراءة الفاتحة بقولهم " الحمد لله رب العالمين " لانهم - بحمد الله وحسن تأييده - يجدون أنفسهم متلبسين بنعمة الهداية خارجين عن حدى الافراط والتفريط، سالكين صراط اهل البيت - عليهم صلوات الله الرحمن - الذين أنعم الله عليهم بحقائق دينه القيم، فيشكرون الله عزوجل على تلك النعمة الفاخرة، وإذا قالوا: " اهدنا الصراط المستقيم " سألوا الله عزوجل أن يثبتهم على دينه الحق وصراطه المستقيم لا يزيغون ولا يرتابون.

 

[202]

وقال: لا تلثم ولا تحتفز، ولا تقع على قدميك، ولا تفترش ذراعيك، ولا تفرقع أصابعك، فان ذلك كله نقصان في الصلاة، وقال: لا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا، فانها من خلال النفاق، وقد نهى الله عزوجل المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى يعني من النوم، وقال للمنافقين " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤن الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا " (1). توضيح: قال في النهاية: فيه التثاؤب من الشيطان: التثاؤب معروف وهو مصدر تثاءبت، والاسم الثوباء وإنما جعله من الشيطان كراهية له، لانه إنما يكون مع ثقل البدن وامتلائه واسترخائه وميله إلى الكسل والنوم، وأضافه إلى الشيطان لانه الذي يدعو إلى إعطاء النفس شهوتها، وأراد به التحذير من السبب الذي يتولد منه، وهو التوسع في المطعم والشبع، فيثقل عن الطاعات، ويكسل عن الخيرات انتهى. وقال الكرماني في شرح البخاري فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وآله " إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع ولا يقل: " ها " فانما ذلكم من الشيطان يضحك منه " هو بالهمزة على الاصح، وقيل بالواو وهو تنفس ينفتح منه الفم من الامتلاء وكدورة الحواس وأمر برده بوضع اليد على الفم أو بتطبيق السن لئلا يبلغ الشيطان مراده من ضحكه وتشويه صورته، ودخوله في فمه. وقال الطيبي: هو فتح الحيوان فمه لما عراه من تمط وتمدد لكسل وامتلاء،

 

وأما أهل الخلاف علينا، فهم لشكهم في تحصيل الايمان وارتيابهم في أصل الهداية إذا قالوا " اهدنا الصراط المستقيم " طلبوا من الله أن يهديهم إلى حقيقة الايمان وسلوك صراطه المستقيم، وإذا فرغوا من القراءة، بادروا إلى تأييد المسألة والطلب بقولهم آمين. (1) علل الشرايع ج 2 ص 47، والاية في سورة النساء: 142، ولعل الاية تشمل القيام إلى الركعة التالية بعد الجلوس من الاولى، فلا يقوم متكاسلا، بل ناشطا للقيام بين يدى الرب الجليل بأن يرفع عجزه أولا حتى يحصل له هيئة الركوع ثم يقيم صلبه ويستوى قائما عكس ما فعل عند الهوى إلى السجود.

 

[203]

وهي جالبة للنوم الذي هو من حبائل الشيطان فانه يدخل على المصلي ويخرجه عن صلاته، ولذا جعله سببا لدخول الشيطان، والكظم المنع والامساك " ولا يقل: " ها " بل يدفعه باليد للامر بالكظم، وضحك الشيطان عبارة عن رضاه بتلك الفعلة انتهى. والتمطي معروف وقيل أصله من التمطط وهو التمدد، وهما نهيان بصيغة الخبر، وفي بعض النسخ ولا تتمط فيكونان بصيغة النهي والمشهور بين الاصحاب كراهتهما هذا مع الامكان، أو المراد رفع ما يوجبهما قبل الصلاة قال في المنتهى: يكره التثاؤب في الصلاة لانه استراحة في الصلاة، ومغير لهيئتها المشروعة، وكذا يكره التمطى أيضا لهذه العلة، ويؤيد ذلك ما رواه الشيخ في الحسن (1) عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يتثاءب في الصلاة ويتمطا قال: هو من الشيطان ولن تملكه، ثم قال: وفي ذلك دلالة على رجحان الترك مع الامكان، وقال: يكره العبث في الصلاة بالاجماع لانه يذهب بخشوعها، ويكره التنخم والبصاق وفرقعة الاصابع لما فيها من التشاغل عن الخضوع انتهى. والتكفير وضع اليمين على الشمال، وسيأتي حكمه وحكم قول آمين والتحميد واللثام. " ولا تحتفز ": قال في النهاية: الحفز الحث والاعجال، ومنه حديث أبي بكر أنه دب إلى الصف راكعا وقد حفزه النفس، ومنه الحديث إنه عليه وآله الصلاة أتي بتمر فجعل يقسمه وهو محتفز أي مستعجل مستوفز يريد القيام، ومنه حديث ابن عباس أنه ذكر عنده القدر فاحتفز أي قلق وشخص به ضجرا، وقيل: استوى جالسا على وركيه كأنه ينهض، ومنه حديث على عليه السلام إذا صلت المرءة فلتحتفز إذا جلست وإذا سجدت ولا تخوى أي تتضام وتجتمع انتهى. وفي بعض النسخ ولا تحتقن فالمراد به مدافعة الاخبثين، وقال في المنتهى: يكره مدافعة الاخبثين، وهو قول من يحفظ عنه العلم، وقال: ولو صلى كذلك صحت صلاته

 

(1) التهذيب ج 1 ص 228.

 

[204]

ذهب إلى علماؤنا وسيأتي بعض الكلام فيه مع تفسير الاقعاء. والنهي عن افتراش الذراعين إنما هو في السجود قال في المنتهى: الاعتدال في السجود مستحب ذهب إليه العلماء كافة، روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: اعتدلوا في السجود ولا يسجد أحدكم وهو باسط ذراعيه على الارض وعن جابر قال إذا سجد أحدكم فليعتدل ولا يفترش ذراعيه افتراش الكلب، ثم قال: والافتراش المنهي عنه في هذه الاحاديث هو عبارة عن بسط الذراعين على الارض، كما هو في حديث حماد. " قال لا تقم " في الكافي: " ولا تقم " بدون قال والتثاقل قريب من التكاسل، و لذا لم يذكر في الاستشهاد وكونها من خلال النفاق إما لان المنافق يكثر أكله فيكثر نومه والكسل والنعاس والثقل تتولد منهما (1) كما روي: المؤمن يأكل في معاء واحد والمنافق يأكل في سبعة أمعاء، أو لانه مع الايمان الكامل يستولي خوف الله على القلب فيذهب بالكسل والنعاس وإن كان ضعيفا وبعيد العهد من النوم، بخلاف المنافق. 3 - فقه الرضا: قال صلوات الله عليه: إذا أردت أن تقوم إلى الصلاة، فلا تقم إليها متكاسلا، ولامتناعسا، ولا مستعجلا، ولامتلاهيا، ولكن تأتيها على السكون والوقار والتؤدة، وعليك الخشوع والخضوع، متواضعا لله عزوجل، متخاشعا عليك خشية وسيماء الخوف، راجيا خائفا بالطمأنينة، على الوجل والحذر فقف بين يديه كالعبد الآبق المذنب بين يدي مولاه، فصف قدميك، وانصب نفسك، ولا تلتفت يمينا وشمالا، وتحسب كأنك تراه، فان لم تكن تراه فانه يراك. ولا تعبث بلحيتك، ولا بشئ من جوارحك، ولا تفرقع أصابعك، ولا تحك بدنك، ولا تولع بأنفك، ولا بثوبك، ولا تصلي وأنت متلثم، ولا يجوز للنساء الصلاة وهن متنقبات، ويكون بصرك في موضع سجودك مادمت قائما، وأظهر عليك الجزع والهلع والخوف، وارغب مع ذلك إلى الله عزوجل، ولاتتك مرة على

 

(1) بل لانه غير راغب في العبادة، والمراد بالتكاسل ليس هو الكسل العارض على الانسان قهرا، بل هو اظهار الكسل حين القيام والقعود وظهور الفتور في أقواله وأفعاله فالفرق بين الكسل والتكاسل هو الفرق بين الجهل والتجاهل.

 

[205]

رجلك ومرة على الاخرى، وتصلي صلاة مودع ترى أنك لا تصلي أبدا. واعلم أنك بين يدي الجبار: ولا تعبث بشئ من الاشياء ولاتحدث لنفسك وافرغ قلبك، وليكن شغلك في صلوتك، وأرسل يديك الصقهما بفخذيك، فإذا افتحتت الصلاة فكبر، وارفع يديك بحذاء اذنيك، ولا تجاوز بابهاميك حذاء اذنيك، ولا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة حتى تجاوز بهما رأسك، ولا بأس بذلك في النافلة والوتر، فإذا ركعت فالقم ركبتيك براحتيك، وتفرج بين أصابعك، واقبض عليهما وإذا رفعت رأسك من الركوع فانصب قائما حتى ترجع مفاصلك كلها إلى المكان ثم اسجد وضع جبينك على الارض وأرغم (1) على راحتيك، واضمم أصابعك، وضعهما مستقبل القبلة، وإذا جلست فلا تجلس على يمينك، ولكن انصب يمينك، واقعد على إليتيك، ولا تضع يدك بعضه على بعض، لكن أرسلهما إرسالا، فان ذلك تكفير أهل الكتاب. ولا تتمطى في صلاتك ولا تتجشأ، وامنعهما بجهدك وطاقتك، فإذا عطست فقل: " الحمد لله " ولا تطأ موضوع سجودك، ولا تتقدم مرة ولا تتأخر اخرى، ولاتصل وبك شئ من الاخبثين، وإن كنت في الصلاة فوجدت غمزا فانصرف إلا أن يكون شيئا تصبر عليه من غير إضرار بالصلاة. وأقبل على الله بجميع القلب وبوجهك حتى يقبل الله عليك، وأسبغ الوضوء وعفر جبينك في التراب، وإذا أقبلت على صلاتك أقبل الله عليك بوجهه، وإذا أعرضت أعرض الله عنك. وأروي عن العالم عليه السلام أنه قال: ربما لم يرفع من الصلاة إلا النصف أو الثلث والسدس، على قدر إقبال العبد على صلاته، وربما لا يرفع منها شئ، يرد في وجهه كما يرد الثوب الخلق، وتنادي: صيغتني ضيعك الله كما ضيعتني، ولا يعطي الله القلب الغافل شيئا. وروي: إذا دخل العبد في الصلاة لم يزل الله ينظر إليه حتى يفرغ منها.

 

(1) الظاهر تمام الكلام عند قوله ارغم، فيكون قد سقط بعده مثل قولنا " واتك ".

 

[206]

وقال أبو عبد الله عليه السلام: إذا أحرم العبد في صلاته أقبل الله عليه بوجهه، و يوكل به ملكا يلتقط القرآن من فيه التقاطا، فان أعرض أعرض الله عنه، ووكله إلى الملك. فإذا زالت الشمس فصل ثمان ركعات منها ركعتان بفاتحة وقل هو الله أحد، والثانية بفاتحة وقل يا أيها الكافرون، وست ركعات بما أحببت من القرآن، ثم أقم إن شئت جمعت بين الاذان والاقامة، وإن شئت فرقت بركعتين منها. ثم افتتح الصلاة، وارفع يديك ولا تجاوز بهما وجهك وابسطهما بسطا، ثم كبر ثلاث تكبيرات، ثم تقول: " اللهم أنت الملك الحق المبين، لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوءا وظلمت نفسي، فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " ثم تكبر تكبيرتين وتقول: " لبيك وسعديك، والخير بين يديك، والشر ليس إليك والمهدي من هديت، عبدك وابن عبديك، بين يديك، منك وبك ولك وإليك، لاملجأ ولامنجا ولا مفر إلا إليك، سبحانك وحنانيك، تباركت وتعاليت، سبحانك رب البيت الحرام، والركن والمقام، والحل والحرام ". ثم تكبر تكبيرتين وتقول: " وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا على ملة إبراهيم ودين محمد وولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام مسلما وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، لا إله غيرك، ولا معبود سواك، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم " وتجهر ببسم الله على مقدار قراءتك. واعلم أن السابعة هي الفريضة، وهي تكبيرة الافتتاح وبها تحريم الصلاة (1)

 

(1) نفس التكبيرة لا تحرم الصلاة، بل التحريم انما يتحقق بالنية لبا والتكبير لفظا معا، فان نوى التحريم عند السابعة كانت هي تكبيرة الاحرام، وان نواه عند الاولى كانت هي، والظاهر أنه يجب عليه النية عند التكبيرة الاولى، فان النبي صلى الله عليه وآله: كان يفتتح الصلاة بها.

 

[207]

وروي أن تحريمها التكبير وتحليلها التسليم. وانو عند افتتاح الصلاة ذكر الله عزوجل وذكر رسول الله، واجعل واحدا من الائمة نصب عينيك ! ! ؟ (1) ولا تجاوز بأطراف أصابعك شحمة اذنيك، ثم تقرأ فاتحة الكتاب، وسورة في الركعتين الاولتين وفي الركعتين الاخراوين الحمد وحده، وإلا فسبح فيهما ثلاثا ثلاثا تقول: " سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر " تقولها في كل ركعة منهما ثلاث مرات ولا تقرأ في المكتوبة سورة ناقصة ولا بأس في النوافل وأسمع القراءة والتسبيح اذنيك فيما لا تجهر فيه من الصلوات بالقراءة، و هي الظهر والعصر، وارفع فوق ذلك فيما تجهر فيه بالقراءة. وأقبل على صلاتك بجميع الجوارح والقلب، إجلالا لله تبارك وتعالى، و لا تكن من الغافلين، فان الله جل جلاله يقبل على المصلي بقدر إقباله على الصلاة وإنما يحسب له منها بقدر ما يقبل عليه (2). فإذا ركعت فمد ظهرك ولا تنكس رأسك، وقل في ركوعك بعد التكبير " اللهم لك ركعت، ولك خشعت، وبك اعتصمت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، أنت ربي، خشع لك قلبي وسمعي وبصري وشعري وبشري ومخي ولحمي ودمي وعصبي وعظامي وجميع جوارحي، وما أقلت الارض مني غير مستنكف ولا مستكبر لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت سبحان ربي العظيم وبحمده ثلاث مرات وإن شئت خمس مرات، وإن شئت سبع مرات، وإن شئت التسع فهو أفضل ويكون نظرك في وقت القراءة إلى موضع سجودك، وفي وقت الركوع بين رجليك، ثم اعتدل حتى يرجع كل عضو منك إلى موضعه، وقل: سمع الله لمن حمده، بالله أقوم وأقعد أهل الكبرياء، والعظمة لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت. ثم كبر واسجد، والسجود على سبعة أعضاء على الجبهة، واليدين، والركبتين والابهامين من القدمين، وليس على الانف سجود، وإنما هو الارغام، ويكون

 

(1) سيأتي الكلام فيه. (2) فقيه الرضا: 7.

 

[208]

بصرك في وقت السجود إلى أنفك، وبين السجدتين في حجرك، وكذلك في وقت التشهد وقل في سجودك " اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، وعليك توكلت، أنت ربي سجد لك وجهي وشعري ومخى ولحمي ودمي وعصبي وعظامي، سجد وجهي البالي الفاني الذليل المهين للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين، سبحان ربي الاعلى وبحمده، مثل ما قلت في الركوع. ثم ارفع رأسك من السجود واقبض إليك قبضا، وتمكن من الجلوس، وقل بين سجدتيك " اللهم اغفر لي وارحمني واهدني وعافني، فاني لما أنزلت إلى من خير فقير " ثم اسجد الثانية وقل فيه ما قلت في الاولى، ثم ارفع رأسك وتمكن من الارض. ثم قم إلى الثانية، فإذا أردت أن تنهض إلى القيام فاتك على يديك، وتمكن من الارض ثم انهض قائما وافعل مثل ما فعلت في الركعة الاولى، فان كنت في صلاة فيها قنوت فاقنت، وقل في قنوتك بعد فراغك من القراءة قبل الركوع: " اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الحليم الكريم، لا إله إلا أنت العلي العظيم، سبحانك رب السموات السبع و رب الارضين السبع وما فيهن وما بينهن ورب العرش العظيم بالله، ليس كمثله شئ صل على محمد على آل محمد، واغفر لي ولوالدي ولجميع المؤمنين والمؤمنات إنك على ذلك قادر " ثم اركع وقل في ركوعك مثل ما قلت. فإذا تشهدت في الثانية فقل: " بسم الله وبالله والحمد لله والاسماء الحسنى كلها لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة " ولا تزيد على ذلك، ثم انهض إلى الثالثة وقل إذا نهضت " بحول الله أقوم وأقعد " واقرأ في الركعتين الاخريين إن شئت الحمد وحده، وإن شئت سبحت ثلاث مرات. فإذا صليت الركعة الرابعة فقل في تشهده " بسم الله وبالله، والحمد لله، والاسماء الحسنى كلها لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده و رسوله، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة، التحيات لله، والصلوات الطيبات


 

[209]

الزاكيات الغاديات الرائحات التامات الناعمات المباركات الصالحات لله ما طاب وزكى، وطهر ونمى، وخلص، وما خبث فلغير الله. أشهد أنك نعم الرب، وأن محمدا نعم الرسول، وأن علي بن أبي طالب نعم الولي وأن الجنة حق والنار حق والموت حق والبعث حق وأن الساعة آتية لاريب فيها وأن الله يبعث من في القبور، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدينا الله. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد وارحم محمدا وآل محمد أفضل ما صليت وباركت ورحمت وترحمت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، اللهم صل على محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن والحسين، وعلى الائمة الراشدين من آله طه ويس، اللهم صل على نورك الانور، وعلى حبلك الاطول، وعلى عروتك الاوثق، وعلى وجهك الاكرم، وعلى جنبك الاوجب، وعلى بابك الادنى وعلى سبيلك الصراط اللهم صل على الهادين المهديين الراشدين الفاضلين الطيبين الطاهرين الاخيار الابرار. اللهم صل على جبرئيل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل وعلى ملائكتك المقربين، وأنبيائك المرسلين، ورسلك أجمعين، من أهل السموات والارضين، وأهل طاعتك أكتعين، واخصص محمدا بأفضل الصلاة والتسليم، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام عليك وعلى أهل بيتك الطيبين، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، ثم سلم عن يمينك، وإن شئت يمينا وشمالا، وإن شئت تجاه القبلة. وإذا فرغت من صلاة الزوال، فارفع يديك ثم قل " اللهم إنى أتقرب إليك بجودك وكرمك، وأتقرب إليك بمحمد عبدك ورسولك، وأتقرب إليك بملائكتك وأنبيائك ورسلك، وأسألك أن تصلي على محمد وعلى آل محمد، وأسألك أن تقيل عثرتي، وتستر عورتي، وتغفر ذنوبي، وتقضي حوائجي، ولا تعذبني بقبيح فعالى،


 

[210]

فان جودك وعفوك يسعني " ثم تخر ساجدا وتقول في سجودك " يا أهل التقوى والمغفرة يا أرحم الراحمين أنت مولاي وسيدي ومالك رقي، أنت خير لي من أبي وامي ومن الناس أجمعين بي إليك فقر وفاقة وأنت غني عني، أسألك بوجهك الكريم، وأسألك أن تصلي على محمد وعلى إخوته النبيين والائمة الطاهرين، وتستجيب دعائي، و ترحم تضرعي، وتصرف عني أنواع البلاء يا رحمن ". واعلم أن ثلاث صلوات إذا حل وقتهن ينبغي لك أن تبتدأ بهن ولا تصلي بين أيديهن نافلة: صلاة استقبال النهار، وهي الفجر، وصلاة استقبال الليل وهي المغرب وصلاة يوم الجمعة (1). واقنت في أربع صلوات: الفجر والمغرب والعتمة وصلاة الجمعة، والقنوت كلها قبل الركوع بعد الفراغ من القراءة، وأدنى القنوت ثلاث تسبيحات. ومكن الالية اليسرى من الارض فانه نروى أن من لم يمكن الالية اليسرى من الارض ولو في الطين فكأنه ما صلى، وتضم أصابع يديك في جميع الصلوات تجاه القبلة عند السجود، وتفرقها عند الركوع، والقم راحتيك بركبتيك، ولا تلصق إحدى القدمين بالاخرى وأنت قائم، ولا في وقت الركوع، وليكن بينهما أربع أصابع أو شبر (2). وأدنى ما يجزي في الصلاة فيما تكمل به الفرائض تكبير الافتتاح، وتمام الركوع والسجود، وأدنى ما يجزي من التشهد الشهادتان، فإذا كبرت فاشخص ببصرك نحو سجودك، وأرسل منكبيك، وضع يديك على فخذيك قبالة ركبتيك، فانه أحرى أن تقيم بصلاتك، ولاتقدم رجلا على رجل، ولاتنفخ في موضع سجودك، ولا تعبث بالحصا، فان أردت ذلك فليكن ذلك قبل دخولك في الصلاة (3).

 

(1) وذلك لان وقت هذه الصلوات الثلاث مفروض وأولها محدود فإذا دخل وقتهن و اشتغل المصلى بالنوافل فقد ضيع الفرض حال الاختيار والامكان. (2) فقه الرضا: 8. (3) فقه الرضا: 9 متفرقا على السطور.

 

[211]

توضيح وتنقيح ذكر الصدوق رحمه الله كثيرا من ذلك في الفقيه بأدنى تغيير، قوله: " متكاسلا " أي متثاقلا " ولا متناعسا " أي بأن يكون النوم غالبا عليك " ولا مستعجلا " أي حال الصلاة أو قبلها أيضا " ولامتلاهيا " أي غافلا عما تأتي به بأن لا تكون مع حضور القلب، قال في النهاية: يقال: لهوت بالشئ ألهو لهوا، وتلهيت به إذا لعبت به و تشاغلت وغفلت به عن غيره، وألهاه عن كذا أي شغله، ولهيت عن الشئ بالكسر ألهى إذا سلوت عنه وتركت ذكره، وإذا غفلت عنه واشتغلت. " على السكون " أي سكون الجوارح " والوقار " أي حضور القلب " والتؤدة " التأني في الافعال " والخشوع والخضوع " البكاء والتضرع أو حضور القلب واطمينان الجوارح، والفقرات بعضها مؤكدة لبعض. " فصف بين قديمك " أي تكونان محاذيتين لا تكون إحداهما أقرب إلى القبلة من الاخرى، أو يكون الفصل بينهما مساويا، وهذا لا يناسب كون أصابع رجليه جميعا إلى القبلة، كما ورد في صحيحة زرارة (1) إلا بتوسع في إحداهما، ولعله لذلك قال في النفلية وأن يستقبل بالابهامين القبلة " وانصب نفسك " بكسر الصاد على المجرد أي أقمها مستويا بأن يقيم صلبه، كما روي عن الباقر عليه السلام (2) في قوله تعالى " فصل لربك وانحر " قال: النحر الاعتدال في القيام بأن يقيم صلبه ونحره، أو على بناء الافعال أي أتعب نفسك في العبادة كما قيل في قوله تعالى: " فإذا فرغت فانصب ". " ولا تلتفت " أي لا بالعين ولا بالوجه، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا تلتفتوا في صلاتكم فانه لا صلاة لملتفت، وقال صلى الله عليه وآله: أما يخاف الذي يحول وجهه في الصلاة أن يحول الله وجهه وجه حمار ؟ " فان لم تكن تراه " أي إن لم تكن في مراقبة الله سبحانه وعرفانه في هذا المقام فكن في مقام مراقبة أنه يراك، وبين المقامين فرق ظاهر، والمقام الاول مقام

 

(1) التهذيب ج 1 ص 157. (2) التهذيب ج 1 ص 158.

 

[212]

الصديقين كما قال أمير المؤمنين عليه السلام: لم أكن لاعبد ربا لم أره، ويحتمل على بعد أن تكون علة للفقرة الاولى أي إذا كان الله يراك وأنت تعلم ذلك، فكأنك تراه، فإذا تذكرت ذلك وعملت بمقتضاه فعبدته كأنك تراه. والفرقعة تنقيض الاصابع بحيث يسمع لها صوت " ولا تولع بأنفك ولا بثوبك " بفتح اللام يقال فلان مولع به بالفتح أي مغري به أي لا تكن حريصا باللعب بأنفك ومسه ولا بالنظر إلى ثوبك ولمسه " ولا تصلي وأنت متلثم " المشهور كراهة اللثام للرجل من غير ضرورة، إن لم يمنع القراءة وسماعها، وشيئا من الواجبات، وإلا حرم، وأطلق المفيد المنع من اللثام للرجل، وقال في المعتبر: الظاهر أنه يريد الكراهة وكذا المشهور كراهة النقاب للمرءة على التفصيل لمذكور " ويكون بصرك في موضع سجودك " هذا هو المشهور بين الاصحاب، وفسر الشيخ الطبرسي رحمه الله الخشوع بغمض البصر (1) والاخبار الصحيحة تدل على الاول " والهلع " بالتحريك أفحش الجزع. " ولاتتك مرة " قال الشهيد في النفلية في سياق المستحبات: وعدم التورك

 

(1) بل بغض البصر قال في قوله تعالى: " الذينهم في صلاتهم خاشعون " (ج 7 ص 99) أي خاضعون متواضعون متذللون لا يرفعون أبصارهم عن مواضع سجودهم ولا يلتفتون يمينا ولا شمالا، وروى أن النبي صلى الله عليه وآله رأى رجلا يعبث بلحيته في صلاته، فقال: أما انه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه، وفي هذا دلالة على أن الخشوع في الصلاة يكون بالقلب وبالجوارح فأما بالقلب فهو أن يفرغ قلبه بجمع الهمة لها والاعراض عما سواها، فلا يكون فيه غير العبادة والمعبود، وأما بالجوارح فهو غض البصر والاقبال عليها وترك الالتفات والعبث وروى أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يرفع بصره إلى السماء في صلاته فلما نزلت الاية طأطأ رأسه ورمى ببصره إلى الارض. أقول: غض البصر: هو خفضه وكفه وكسره، فينطبق على كون البصر في موضع السجود بحيث إذا رآه الرائى حسب أنه غمض بصره وأطبق جفنيها، وقد عرفت في ص 188 أن الخشوع يكون بالقلب والبصر والصوت كلها.

 

[213]

وهو الاعتماد على إحدى الرجلين تارة وعلى الاخرى اخرى، وعد في الذكرى من المستحبات أن يثبت على قدميه، ولايتكي مرة على هذه ومرة على هذه، ولا يتقدم مرة ويتأخر أخرى. قال: قالهما الجعفي. " وارفع يديك بحذاء اذنيك " أختلف الاصحاب في حد الرفع، فقال الشيخ: يحاذي بيديه شحمي اذنيه، وعن ابن أبي عقيل يرفعهما حذو منكبيه أو حيال خديه لا يجاوز بهما اذنيه، وقال ابن بابويه: يرفعهما إلى النحر ولا يجاوز بهما الاذنين حيال الخد، والكل متقارب، وجعل الفاضلان مدلول قول الشيخ أولى، وقالا في بحث تكبير الركوع: يرفع يديه حذاء وجهه، وفي رواية إلى أذنيه، وبها قال الشيخ وقال الشافعي إلى منكبيه، وبه رواية عن أهل البيت أيضا والاخبار أيضا متقاربة. وفي رواية صفوان (1) رأيت أبا عبد الله عليه السلام إذا كبر في الصلاة رفع يديه حتى كان يبلغ اذنيه، ويدل على عدم بلوغ الاذنين. وقال الشيخ البهائي - رحمه الله -: المحاذات لا يستلزم البلوغ، والظاهر من الاخبار: ومقتضى الجمع بينها محاذاة أسفل اليد النحر، وأعلاه الاذن، أو التخيير بين تلك المراتب بحيث لا يجاوز الوجه، وأخبار العامة أيضا في ذلك مختلفة ففي بعض أخبارهم كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه، وفي بعضها رفع يديه إلى قريب من أذنيه، وفي بعضها حتى يحاذي أذنيه، وفي بعضها رفع يديه حتى كانت بحيال منكبيه وحاذى إبهاميه اذنيه ثم كبر، وفي بعضها إلى شحمة أذنيه. وقال في الذكرى: يكره أن يجاوز بهما رأسه أو أذنيه اختيارا لما رواه العامة من نهي النبي صلى الله عليه وآله ورواه ابن أبي عقيل فقال قد جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله مر برجل يصلي وقد رفع يديه فوق رأسه، فقال: مالي أرى أقواما يرفعون أيديهم فوق رؤسهم

 

(1) التهذيب ج 1 ص 152.

 

[214]

كأنها آذان خيل شمس ؟ (1) ويستحب أن تكونا مبسوطتين، ويستقبل بباطن كفيه القبلة، وذهب جماعة من الاصحاب إلى استحباب ضم الاصابع حين الرفع، ونقل الفاضلان عن المرتضى وابن الجنيد تفريق الابهام وضم الباقي، ونقله في الذكرى عن المفيد وابن البراج وابن إدريس وجعله أولى. والظاهر أن ضم الجميع أولى لكونه أنسب بما استدلوا به فان ضم الاصابع ليس فيما رأيناه من الاخبار، واستدل بعضهم بخبر حماد، وليس فيه رفع اليدين في تكبيرة الافتتاح وإنما ذكره في التكبير بعد الركوع وليس فيه ضم الاصابع نعم ذكر ضم الاصابع في أول الخبر والظاهر استمراره وإلا لنقل الراوي، والمشهور بينهم أنه يبتدئ برفع يديه عند ابتدائه بالتكبير، ويكون انتهاء الرفع عند انتهاء التكبير ويرسلهما بعد ذلك. وقال في المعتبر: وهو قول علمائنا ولم أعرف فيه خلافا، ولانه لا يتحقق رفعهما بالتكبير إلا كذلك، وقريب منه كلام العلامة في المنتهى، وقال في التذكرة: قال ابن سنان: (2) رأيت الصادق عليه السلام يرفع يديه حيال وجهه حين استفتح وظاهره يقتضي ابتداء التكبير مع ابتداء الرفع، وانتهاءه مع انتهائه، وهو أحد وجهي الشافعية والثاني يرفع ثم يكبر عند الارسال وهو عبارة بعض علمائنا وظاهر كلام الشافعي أنه يكبر بين الرفع والارسال انتهى. وأقول: هذا القول الاخير أيضا نسبه الشهيد الثاني في شرح الالفية إلى بعض الاصحاب، كما يظهر على بعض الوجوه مما رواه الكليني في الحسن (3) عن أبي - عبد الله عليه السلام قال: إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ثم ابسطهما بسطا ثم كبر ثلاث تكبيرات إلى آخر الخبر، فالاقوال فيه عندنا ثلاثة، ولعل الاول أظهر، وأما هذا الخبر فالمراد بالبسط إما بسط الاصابع أي لا تكون الاصابع مضمومة أو بسط اليدين

 

(1) ورواه في المعتبر: 169، والمنتهى ج 1 ص 296. (2) التهذيب ج 1 ص 152. (3) الكافي ج 3 ص 310.

 

[215]

أي إرسالهما بعد الرفع، وعلى الاول ينبغي أن تكون كلمة " ثم " منسلخة عن معني التأخير والتراخي معا وعلى الثاني من التراخي فقط. وقوله عليه السلام: " ثم كبر ثلاث تكبيرات " إما المراد منه ثم تمم ثلاث تكبيرات أي كبر بعد ذلك تكبيرتين ليتم الثلاث، أو الغرض بيان الجميع، فعلى الاول لا حاجة إلى انسلاخ ثم عن شئ، وعلى الثاني ينبغي أنسلاخها عنهما معا على المشهور، و بالجملة الاستدلال بمثل هذا الخبر على ما يخالف ظواهر الروايات الاخر في البسط بعد الرفع أو تأخير التكبيرات عن الرفع مشكل. " ولا ترفع يديك بالدعاء " تدل عليه موثقة سماعة (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا افتتحت الصلاة فكبرت فلا تجاوز أذنيك ولا ترفع يديك بالدعاء في المكتوبة تجاوز بهما رأسك، حيث تدل منطوقا على المنع في الفريضة، ومفهوما على الجواز في النافلة، ويؤيده ما مر من خبر علي عليه السلام. والظاهر أن المراد هنا الرفع في القنوت وذكر الوتر بعد النافلة تخصيص بعد التعميم. ونقل في المنتهى الاجماع على أنه يستحب للمصلي وضع الكفين على عيني الركبتين مفرجات الاصابع عند الركوع، قال: وهو مذهب العلماء كافة، ثم قال: ويستحب له أن يرد ركبتيه إلى خلفه، وأن يسوي ظهره ويمد عنقه محاذيا لظهره وهو مذهب العلماء كافة. " وضع جبينك " أي جبهتك مجازا للمجاورة " وارغم على راحتيك " كذا في النسخة التي عندنا، ولعل المعنى على تقدير صحته أوصلهما إلى الرغام متكئا عليهما فانه يستحب إيصال اليدين وساير المساجد سوى الجبهة إلى ما يصح السجود عليه والتراب أفضل، والظاهر أدعم بالدال والعين المهملتين من قولهم دعمه كمنعه إذا أقامه، والتضمين مشترك إن لم تكن زيادة " على " أيضا من النساخ. وقال في المنتهى: يستحب أن يضع راحتيه على الارض مبسوطتين مضمومتي الاصابع بين منكبيه موجهات إلى القبلة، وهو قول أهل العلم، ثم استشهد بما رواه الشيخ في

 

(1) التهذيب ج ص 152.

 

[216]

الصحيح (1) عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام لما علمه الصلاة " ولا تلزق كفيك بركبتيك ولا تدنهما من وجهك بين ذلك حيال منكبيك ولا تجعلهما بين يدي ركبتيك ولكن تحرفهما عن ذلك شيئا وابسطهما على الارض بسطا، واقبضهما إليك قبضا، وإن كان تحتهما ثوب فلا يضرك، وإن أفضيت بهما إلى الارض فهو أفضل، ولا تفرجن بين أصابعك في سجودك، ولكن اضممهن جميعا ". قوله: " ولكن انصب يمينك " نصب اليمين معناه جعله على اليسار، وبما ذكره السيد وابن الجنيد أنسب " ولا تضع يدك " أي عند القيام ويحتمل الاعم والاول أظهر، وسيأتي حكمه " ولا تطأ موضع سجودك " أي في حال الصلاة بأن تمشي إليه أو مطلقا إكراما له إذا كان شيئا مخصوصا بالصلاة. وذكر الاصحاب كراهة مدافعة الاخبثين والنوم أيضا إذا كانت قبل الصلاة، وإذا عرضت في الاثناء فالمشهور وجوب الاتمام مع إمكان الصبر عليها، وإلا فيبطل الصلاة ويدفعها ويستأنف، وظاهر هذا الخبر وبعض الروايات الاخر جواز القطع مع منافاتها لحضور القلب والاتيان بمستحبات الصلاة، وليس ببعيد والعمل بالمشهور أحوط، وقال في الذكرى: إذا أراد القطع فالاحوط التحلل بالتسليم لعموم " وتحليلها التسليم " وفيه نظر (2). " وعفر حببينك " أي بعد الصلاة في سجدة الشكر، أو فيها بالسجود على التراب، فالمراد بالجبين الجبهة، ويحتمل الاعم منهما " وابسطهما بسطا " شبيه بما مر في خبر الكافي، والتأويل مشترك، وإن كان في هذا المكان أسهل. " أعوذ بالله السميع العليم " هذا أحد أنواع الاستعاذة، وسيأتي الكلام فيها " على مقدار قراءتك " أي جهرها في الجهرية، وإن كانت في الاخفاتية، " واجعل واحدا ":

 

(1) التهذيب ج 1 ص 157. (2) لا وجه لهذا النظر فانه إذا قطع صلاته من دون تسليم فقه أبطله، وقد قال الله عزوجل: " أطيعوا الله واطيعوا الرسول ولا تبطلوا اعمالكم " القتال: 33 وان سلم يكون له مابين التحريم والتسليم يكتب له، وقد أرشد أهل البيت عليهم السلام إلى ذلك في غير واحد من الموارد كما في قطع الصلاة عندما نسى المصلى ودخل في الصلاة من دون اقامة كما مر باب الاذان ص 165.

 

[217]

لم يذكر في خبر آخر (1) " وأسمع القراءة " يدل على ما هو المشهور من أن

 

(1) اعترف قدس سره بأن قوله " واجعل واحدا من الائمة نصب عينيك " لم يذكر في خبر آخر، لكنه لم يتعرض لبيانه ولا لرده، لكنك بعد ما عرفت مرارا أن هذا الكتاب هو كتاب التكليف لابن أبي العزاقر الشلمغاني، يهون عليك قوله ذلك، وقد تحول الرجل بعد ذلك حلوليا من أصحاب الحلول والاتحاد. وقد روى الشيخ في الفقيه ص 267 عن روح ابن أبي القاسم بن روح أنه قال: لما عمل محمد بن على الشلمغانى كتاب التكليف قال الشيخ يعنى أبا القاسم: اطلبوه إلى لانظره، فجاؤا به فقرأه من أوله إلى آخره فقال: ما فيه شئ الا وقد روى عن الائمة في موضعين أو ثلاثة فانه كذب عليهم في روايتها لعنه الله. ثم روى الشيخ عن محمد بن أحمد بن داود والحسين بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه قالا: مما أخطأ محمد بن على في المذهب في باب الشهادة أنه روى عن العالم أنه قال: إذا كان لاخيك المؤمن على رجل حق فدفعه عنه ولم يكن له من البينة عليه الا شاهد واحد وكان الشاهد ثقة رجعت إلى الشاهد فسألته عن شهادته، فإذا أقامها عندك شهدت معه عند الحاكم على مثل ما يشهد عنده، لئلا يقوى حق امرئ مسلم، واللفظ لابن بابويه قال: هذا كذب منه لسنا نعرف ذلك، فإذا رجعت إلى هذا الكتاب المعروف عندنا بفقه الرضا ترى نص الخبر بألفاظه ص 41 س 31. وقد كان الكتاب حتى القرن التاسع معروفا عند العلماء بانه كتاب التكليف لابن أبي العزاقر فهذا ابن أبي جمهور الاحسائي صاحب كتاب غوالى اللئالى قد أكثر النقل عنه فقد قال في كتابه الغوالى المسلك الاول من الباب الاول: روى في كتاب التكليف لابن أبي العزاقر رواه عن العالم عليه السلام أنه قال: من شهد على مؤمن بما يثلمه أو يثلم ماله أو مروته سماه الله كذابا وان كان صادقا، ومن شهد لمؤمن ما يحيى به ماله أو يعينه على عدوه أو يحفظ دمه سماه الله صادقا وان كان كاذبا. ثم قال: وروى أيضا صاحب هذا الكتاب عن العالم عليه السلام قال: إذا كان لاخيك المؤمن على رجل... إلى آخر الحديث.

 

[218]

الحد الادنى من القراءة مطلقا إسماع النفس، ولا خلاف فيه ظاهرا، بل نقل عليه

 

وهذان الحديثان كما أشرنا قبل ذلك يوجد في الفقه الرضوي بنص الفاظه ص 41 باب الشهادة وكلاهما مردودان. وروى الشيخ في الغيبة عن محمد بن أحمد بن داود القمى قال: حدثنى سلامة بن محمد قال: أنفذ الشيخ الحسين بن روح كتاب التكليف إلى قم وكتب إلى جماعة الفقهاء بها وقال لهم: انظروا في هذا الكتاب وانظروا فيه شئ يخالفكم ؟ فكتبوا إليه: انه كله صحيح وما فيه شئ يخالف الا قوله في الصاع في الفطرة، نصف صاع من طعام، و الطعام عندنا مثل الشعير من كل واحد صاع. وهذا الخبر بنصه يوجد في كتاب الفقه الرضوي ص 25 س 23 ولفظه: " وروى الفطرة نصف صاع من بر وسائره صاعا صاعا ". فهذه ثلاث روايات توجد في هذا الكتاب، قد أنكر ما أصحابنا القدماء الناقدين لكتاب التكليف الناظرين فيه، أضف إلى ذلك ما أشرنا إليه ج 80 ص 78 من أنه نص في ص 41 من الكتاب أن زكاة الجلود الميتة دباغته، وقد نسب هذا القول إلى الشلمغانى صاحب كتاب التكليف أيضا، وهكذا عرفت في ج 51 ص 375 من أنه حدد الكر قائلا في ص 4 ص 19: والعلامة في ذلك أن تأخذ الحجر فترمى به في وسطه فان بلغت أمواجه من الحجر جنبى الغدير فهو دون الكر وان لم يبلغ فهو كر و لا ينجسه شئ " وهذا التحديد، لم ينقل الا من الشلمغانى كما في المستدرك ج 1 ص 27، وقال شارح الدروس: وحدده الشلمغانى بما لا يتحرك جنباه عند طرح حجر في وسطه إلى أن قال: وأما ما ذهب إليه الشلمغانى فلا مستند، وقد رده المصنف في الذكرى بأنه خلاف الاجماع. فعلى هذا لاريب في أن الكتاب هو كتاب التكليف، لابن أبي العزاقر الشلمغانى وقد كان يعرفه الاصحاب أمثال ابن أبي جمهور الاحسائي حتى القرن التاسع، مع شواهد اخرى في سياق ألفاظه تشهد أنه كتاب معمول عمله فقيه متفقه ومفت متردد أحيانا في فتواه حتى أنه ينقل في باب الدعاء ص 55 دعاء فيه: " اللهم أظهر الحق وأهله واجعلني ممن أقول به وأنتظره، اللهم قيم قائم آل محمد وأظهر دعوته برضا من آل محمد اللهم

 

[219]

الاجماع، وسيأتي تمام أحكام القراءة والجهر والاخفات في محالها. " ويكون بصرك في وقت السجود إلى أنفك " هذا مشهور بين الاصحاب، حيث قالوا: يستحب أن يكون نظره ساجدا إلى طرف أنفه، واعترفوا بعدم النص على الخصوص كالنظر جالسا أو متشهدا حجره (1) واستدلوا عليهما بأن فيهما الخشوع والاقبال على العبادة بمعونة مادل على كراهة التغميض في الصلاة، وهذا الخبر يصلح للتأييد، بل هو أقوى مما تمسكوا به، ويمكن القول باستحباب النظر في الجلوس إلى موضع السجود لعموم الاخبار الدالة على النظر في الصلاة إلى موضع السجود، فخرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي والله يعلم " واقبض إليك قبضا " أي اليدين كما في صحيحة زرارة " وابسطهما على الارض بسطا واقبضهما إليك قبضا " أي إذا رفع رأسه من السجدة ضم كفيه إليه ثم رفعهما بالتكبير لا أنه يرفعهما بالتكبير " عن الارض برفع واحد، وفي كلام علي بن بابويه ما يفسر ذلك فانه قال " إذا رفع رأسه من السجدة الاولى قبض يديه إليه قبضا، فإذا تمكن من الجلوس رفعهما بالتكبير. " ولا تزيد على ذلك " هذا موافق لما ذكره الصدوق في الفقيه إلا أنه لم يقل ولا تزيد على ذلك، وظاهره أنه لا يجب عنده الصلاة على محمد وآله في التشهدين مع أن ظاهر كلامه وجوب الصلاة عند ذكره صلى الله عليه وآله مطلقا، ويمكن أن يقال: إنه يقول بوجوبها لذكره صلى الله عليه وآله لا لكونها جزءا من التشهد وقال الشهيد في الذكرى: والصدوق في المقنع اقتصر في التشهدين على الشهادتين، ولم

 

أظهر رايته وقو عزمه وعجل خروجه وانصر جيوشه واعضد انصاره وابلغ طلبته و أنجح أمله وأصلح شأنه وقرب أوانه، اللهم املاء به الدنيا قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما " وهذا ينص على أن الكتاب قد عمل رسالة عملية فتوائية بعد غيبة امامنا المنتظر لا أنه من املاء الامام ابى الحسن الرضا عليه السلام. واما كلامه هذا " واجعل واحدا من الائمة نصب عينيك " فلم أر أحدا نقله عنه، ولا من ينكر عليه ذلك وينقد عليه، ولعله مما زيد عليه في كتابه، أو زاده نفسه بعد اعتقاده بالحلول والاتحاد، ولم يكن في النسخ التى نقدها الاصحاب في الصدر الاول. (1) إذا قلنا بحفظ خشوع البصر في تمام الحالات، وكان خشوع البصر بغضه واغضائه:

 

[220]

يذكر الصلاة على النبي وآله، ثم قال: وأدنى ما يجزي في التشهد أن يقول الشهادتين أو يقول بسم الله وبالله ثم يسلم، ووالده في الرسالة لم يذكر الصلاة على النبي وآله في التشهد الاول، والقولان شاذان لا يعتدان ويعارضهما إجماع الامامية على الوجوب انتهى. " وهي الفجر " يدل على عدم جواز النافلة بعد طلوع الفجر كما يدل عليه بعض الروايات، والمشهور امتداد وقتها إلى طلوع الحمرة، كما هو مدلول روايات اخر. " واقنت في أربع صلوات " أي القنوت فيها آكد وظاهره أن قنوت الجمعة أيضا مثل ساير الصلوات كما هو مذهب الصدوق. " ومكن الالية اليسرى " أي في الجلوس مطلقا " وليكن بينهما أربع أصابع " أي مضمومات وهي قريبة من ثلاث متفرجات، ولذا فسر الفقهاء أدنى التفريج بهما معا " وأرسل منكبيك " أي لا ترفعهما، وتدل عليه صحيحة زرارة وذكره الاصحاب، وقال في المنتهى يكره أن ينفخ في موضع سجوده ذهب إليه علماؤنا لانه فعل ليس من الصلاة، فيكره ترك العبادة له وتؤيده صحيحة محمد بن مسلم (1) انتهى ويظهر من بعض الروايات الجواز مطلقا ومن بعضها الجواز إذا لم يوذ أحدا، فلذا حمل على الكراهة، ويمكن حمل أخبار النهي على الايذاء، والتجويز على عدمه. " فان أردت ذلك " أي تسوية الحصا لموضع السجود أو غيره " فافعل ذلك قبل دخولك في الصلاة ". 4 - اربعين الشهيد: باسناده عن الصدوق، عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن العلا، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أتي النبي صلى الله عليه وآله رجل من ثقيف ورجل من الانصار فقال له الثقفي: حاجتي يارسول الله، فقال له: (سبقك أخوك الانصاري، فقال له: يارسول الله

 

وقع نظر المصلى حين القيام إلى موضع سجوده، وحين الركوع بين قدميه، وحين السجود إلى أنفه وحين الجلوس إلى حجره - كل ذلك قهرا وطبعا. ولايحتاج مواردها إلى نص خاص. (1) التهذيب ج 1 ص 222. (*)

 

[221]

إني عجلان على ظهر سفر، فقال له) الانصاري إني قد أذنت له يارسول الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: إن شئت سألتني، وإن شئت أنبأتك، فقال نبئني يارسول الله، فقال: جئت تسألني عن الصلاة، وعن الوضوء، وعن الركوع، وعن السجود، فقال: أجل، والذي بعثك بالحق ماجئت أسألك إلا عنه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: أسبغ الوضوء واملا يديك من ركبتيك، وعفر جبينك في التراب، وصل صلاة مودع. ثم قال: خرجه ابن أبي عمير، عن معاوية ورفاعة ولم يذكر وضوءا (1). ومنه: بالاسناد المتقدم، عن فضالة، عن حماد بن عثمان، عن محمد بن موسى الهذلي، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وآله الثقفي يسأل عن الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا قمت في صلاتك فأقبل على الله بوجهك يقبل عليك فإذا ركعت فانشر أصابعك على ركبتيك، وارفع صلبك، فإذا سجدت فمكن جبهتك من الارض، ولا تنقر كنقر الديك (2). بيان: " وارفع صلبك " أي لا تخفضه كثيرا ليخرج عن التساوي. 5 - تفسير النعماني: باسناده المذكور في كتاب القرآن عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: حدود الصلاة أربعة: معرفة الوقت، والتوجه إلى القبلة، والركوع، و السجود، وهذه عوام في جميع العالم، وما يتصل بها من جميع أفعال الصلاة، و الاذان والاقامة وغير ذلك، ولما علم الله سبحانه أن العباد لا يستطيعون أن يؤدوا هذه الحدود كلها على حقائقها، جعل فيها فرائض وهي الاربعة المذكورة، فجعل فيها من غير هذه الاربعة المذكورة من القراءة والدعاء والتسبيح والتكبير والاذان والاقامة وما شاكل ذلك سنة واجبة من أحبها يعمل بها، فهذا ذكر حدود الصلاة (3). بيان: لعل المراد بالفرائض الاركان والشروط، وظاهره استحباب غيرها، وينبغي حملها على أنه لا تبطل الصلاة بنسيانها أو أن من لا يعلمها تسقط عنه، و يؤيده أن في بعض النسخ " من أحسنها يعمل بها " أو المراد أنه ليس فيها من الاهتمام

 

(1 و 2) أربعين الشهيد: 192. (3) تفسير النعماني المطبوع في البحار ج 93 ص 63.

 

[222]

بأدائها والعمل بمستحباتها مثل ما في الاربعة، وبالجملة لا يعارض بمثله سائر الاخبار الصحيحة المشهورة، فلابد من تأويل فيه. 6 - وجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي - رحمه الله - نقلا من جامع البزنطي باسناده، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا قمت في صلاتك فاخشع فيها، ولا تحدث نفسك إن قدرت على ذلك، واخضع برقبتك، ولا تلتفت فيها، ولايجز طرفك موضع سجودك، وصف قدميك، وأثبتهما، وأرخ يديك، ولا تكفر ولا تورك. قال البزنطي رحمه الله: فانه بلغني عن أبي عبد الله عليه السلام أن قوما عذبوا لانهم كانوا يتوركون تضجرا بالصلاة. ايضاح: قال الصدوق - رضي الله عنه - في الفقيه (1) ولا تتورك فان الله عزوجل قد عذب قوما على التورك كان أحدهم يضع يديه على وركيه من ملالة الصلاة انتهى، وقال الجزري في النهاية: فيه كره أن يسجد الرجل متوركا هو أن يرفع وركيه إذا سجد وحتى يفحش في ذلك، وقيل: هو أن يلصق إليتيه بعقبيه في السجود، وقال الازهري: التورك في الصلاة ضربان سنة ومكروه، أما السنة فأن ينحي رجليه في التشهد الاخير ويلصق مقعدته بالارض، وهو من وضع الورك عليها والورك ما فوق الفخذ، وهي مؤنثة، وأما المكروه فأن يضع يديه على وركيه في الصلاة وهو قائم، وقد نهي عنه انتهى. وقال العلامة في المنتهي: يكره التورك في الصلاة، وهو أن يعتمد بيديه على وركيه وهو التخصر رواه الجمهور، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن التخصر في الصلاة، ومن طريق الخاصة رواية أبي بصير (2) عن أبي عبد الله عليه السلام ولا تتورك فان قوما عذبوا بنقض الاصابع والتورك في الصلاة. والشهيد رحمه الله في النفلية فسر التورك بالاعتماد على إحدى الرجلين تارة وعلى الاخرى اخرى، والتخصر بقبض خصره بيده وحكم بكراهتهما معا.

 

(1) الفقيه ج 1 ص 198. (2) التهذيب ج 1 ص 228 في حديث.

 

[223]

7 - ووجدت بخط بعض الافاضل نقلا من جامع البزنطي، عن الحلبي قال: قال الصادق عليه السلام: إن قوما عذبوا بأنهم كانوا يتوركون في الصلاة يضع أحدهم كفيه على وركيه من ملالة الصلاة، فقلنا: الرجل يعيى في المشي فيضع يده على وركيه قال: لا بأس. 8 - تفسير الامام: قال عليه السلام: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: افتتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم، ولا يقبل الله تعالى صلاة بغير طهور (1). 9 - فلاح السائل: باسناده عن الحسين بن سعيد، عن حماد وفضالة، عن معاوية بن عمار قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: رجلان افتتحا الصلاة في ساعة واحدة فتلا هذا من القرآن فكانت تلاوته أكثر من دعائه، ودعا هذا فكان دعاؤه أكثر من تلاوته ثم انصرفا في ساعة واحدة أيهما أفضل ؟ فقال: كل فيه فضل، كل حسن، قال: قلت: قد علمت أن كلام حسن وأن كلا فيه فضل، فقال: الدعاء أفضل، أما سمعت قول الله تبارك وتعالى " وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين " هي والله العبادة هي والله العبادة أليست هي العبادة، هي والله العبادة، هي والله العبادة أليست أشد هن، هي والله أشدهن، هي والله أشدهن هي والله أشدهن (2). ومنه: باسناده عن الحسن بن محبوب يرفعه إلى أبي جعفر عليه السلام أنه سئل أيهما أفضل في الصلاة كثرة القراءة أو طول اللبث في الركوع والسجود ؟ فقال: كثرة اللبث في الركوع والسجود أما تسمع لقول الله تعالى " فاقرؤا ما تيسر منه وأقيموا الصلاة " (3) إنما عنى باقامة الصلاة طول اللبث في الركوع والسجود، قال: قلت: فأيهما أفضل كثرة القراءة أو كثرة الدعاء ؟ قال: كثرة الدعاء: أما تسمع لقوله تعالى

 

(1) تفسير الامام ص 239. (2) فلاح السائل: 30. (3) المزمل: 20.

 

[224]

" قل ما يعبؤبكم ربي لولا دعاؤكم " (1). بيان: الخبران يدلان على أن كثرة الذكر والدعاء في الصلاة أفضل من تطويل القراءة. 10 - المعتبر: عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: اجمع طرفك ولا ترفعه إلى السماء (2). 11 - الهداية: إذا دخلت في الصلاة فاعلم أنك بين يدي من يراك ولا تراه فإذا كبرت فاشخص ببصرك إلى موضع سجودك، وأرسل منكبيك ويديك على فخذيك قبالة ركبتيك، فانه أحرى أن تهتم بصلاتك، وإياك أن تعبث بلحيتك أو برأسك أو بيديك، ولا تفرقع أصابعك، ولاتقدم رجلا على رجل، واجعل بين قديمك قدر أصبع إلى شبر لا أكثر من ذلك، ولاتنفخ في موضع سجودك، فإذا أردت النفخ فليكن قبل دخولك في الصلاة، ولا تمط ولا تثاوب، فان ذلك كله نقصان في الصلاة، ولا تلتفت عن يمينك ولا عن يسارك، فان التفت حتى ترى من خلفك فقد وجب عليك إعادة الصلاة. واشغل قلبك بصلاتك، فانه لاتقبل من صلاتك إلا ما أقبلت عليها منها بقلبك فإذا فرغت من القراءة فارفع يدك وكبر واركع وضع يدك اليمنى على ركبتك اليمنى قبل اليسرى، وضع راحتيك على ركبتيك، ولقم أصابعك عن الركبة وفرجها وتمد عنقك ويكون نظرك في الركوع مابين قدميك إلى موضع سجودك. وسبح في الركوع ثلاث تسبيحات، فإذا رفعت رأسك من الركوع فانتصب قائما وارفع يديك وقل: " سمع الله لمن حمده " ثم كبر واهو إلى السجود، وضع يديك جميعا معا، وإن كان بينهما وبين الارض ثوب فلا بأس، وإن أفضيت بهما إلى الارض فهو أفضل، وتنظر في السجود إلى طرف أنفك وترغم بأنفك فان الارغام سنة، ومن لم يرغم بأنفه في سجوده فلا صلاة له، ويجزيك في وضع الجبهة من قصاص الشعر إلى

 

(1) فلاح السائل: 30، والاية في سورة الفرقان: 77. (2) المعتبر: 193.

 

[225]

الحاجبين مقدار درهم، ويكون سجودك كما يتخوى البعير الضامر عند بروكه تكون شبه المعلق لا يكون شئ من جسدك على شئ منه (1). 12 - كتاب زيد النرسى: عن أبي الحسن الاول عليه السلام أنه رآه يصلي فكان إذا كبر في الصلاة ألزق أصابع يديه الابهام والسباحة والوسطي والتي تليها وفرج بينهما وبين الخنصر، ثم رفع يديه بالتكبير قبالة وجهه ثم يرسل يديه و يلزق بالفخذين، ولا يفرج بين أصابع يديه، فإذا ركع كبر ورفع يديه بالتكبير قبالة وجهه ثم يلقم ركبتيه كفيه، ويفرج بين الاصابع، فإذا اعتدل لم يرفع يديه، وضم الاصابع بعضها إلى بعض كما كانت، ويلزق يديه مع الفخذين، ثم يكبر ويرفعهما قبالة وجهه كما هي ملتزق الاصابع، فيسجد ويبادر بهما إلى الارض من قبل ركبتيه، ويضعهما مع الوجه بحذائه فيبسطهما على الارض بسطا، ويفرج بين الاصابع كلها، ويجنح بيديه ولا يجنح بالركوع فرأيته كذلك يفعل، ويرفع يديه عند كل تكبيرة فيلزق الاصابع ولا يفرج بين الاصابع إلا في الركوع، والسجود وإذا بسطهما على الارض. بيان: التفريج بين الخنصر والتي تليها وعدم التجنيح في الركوع وتفريج الاصابع في السجود مخالف لسائر الاخبار، ولعلها محمولة على عذر أو اشتباه الراوي ويمكن حمل الوسط على عدم التجنيح الكثير كما في السجود.

 

(1) الهداية: 38 و 39. ط الاسلامية.

 

[226]

16. * (باب) * * " (آداب الصلاة) " * الايات: النساء: إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم، وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤن الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا (1). الاعراف: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد (2). التوبة: وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون (3). المؤمنون: قد أفلح المؤمنون * الذين في صلوتهم خاشعون (4). تفسير: " يخادعون الله " خداعهم إظهارهم الايمان الذين حقنوا به دماءهم وأموالهم، أو يخادعون نبي الله كما سمي مبايعة النبي مبايعته تعالى للاختصاص، ولان ذلك بأمره " وهو خادعهم " أي مجازيهم على خداعهم أو حكمه بحقن دمائهم مع علمه بباطنهم وأخذهم بالعقوبات بغتة في الدنيا والاخرة، شبيه بالخداع فاستعير لهذا اسمه وقيل: هو أن يعطيهم الله نورا يوم القيمة يمشون به مع المسلمين ثم يسلبهم ذلك النور، ويضرب بينهم بسور " قاموا كسالى " أي متثاقلين كأنهم مجبورون " يراؤن الناس " يعني أنهم لا يعملون شيئا من العبادات على وجه القربة، وإنما يفعلون ذلك إبقاء على أنفسهم، وحذرا من القتل وسلب الاموال: إذا رآهم المسلمون صلوا ليروهم أنهم يدينون بدينهم، وإن لم يرهم أحد لم يصلوا.

 

(1) النساء: 142. (2) الاعراف: 31. (3) براءة: 54. (4) المؤمنون: 2 و 3.

 

[227]

وروى العياشي (1) عن مسعدة بن زياد، عن أبي عبد الله، عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله سئل فيما النجاة غدا ؟ قال: النجاة ألا تخادعوا الله فيخدعكم فان من يخادع الله يخدعه، ونفسه يخدع لو شعر، فقيل له: وكيف يخادع الله ؟ قال: يعمل بما أمره الله ثم يريد به غيره، فاتقوا الرياء فانه شرك بالله، إن المرائي يدعى يوم القيامة بأربعة أسماء: يا كافر ! يا فاجر ! يا غادر ! يا خاسر ! حبط عملك، وبطل أجرك، ولا خلاق لك اليوم، فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له. " ولا يذكرون الله إلا قليلا " أي ذكرا قليلا، وقال الطبرسي رحمه الله (2): معناه لا يذكرون الله عن نية خالصة، ولو ذكروه مخلصين لكان كثيرا، وإنما وصف بالقلة لانه لغير الله، وقيل: لا يذكرون الله إلا ذكرا يسيرا نحو التكبير، والاذكار التي يجهر بها، ويتركون التسبيح وما يخافت به من القراءة وغيرها، وقيل: إنما وصف بالقلة لانه سبحانه لم يقبله ومارد الله فهو قليل. " خذوا زينتكم " قد مر في أبواب اللباس (3). " وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم " أي وما منعهم قبول نفقاتهم إلا كفرهم، وفي الكافي (4) عن الصادق عليه السلام لا يضر مع الايمان عمل، ولا ينفع مع الكفر عمل ألا ترى أنه قال: " وما منعهم أن تقبل منهم " الاية. " إلا وهم كسالى " متثاقلين " ولا ينفقون إلا وهم كارهون " لانهم لا يرجون بهما ثوابا ولا يخافون على تركهما عقابا. " قد أفلح المؤمنون " " قد " حرف تأكيد يثبت المتوقع ويفيد الثبات في الماضي، والفلاح الظفر بالمراد، وقيل البقاء في الخير، وأفلح دخل في الفلاح " الذينهم

 

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 283. (2) مجمع البيان ج 3 ص 129. (3) راجع ج 83 ص 164. (4) الكافي ج 2 ص 464.

 

[228]

في صلاتهم خاشعون " قال الطبرسي رحمه الله (1) أي خاضعون متواضعون متذللون لا يرفعون أبصارهم عن مواضع سجودهم، ولا يلتفون يمينا ولا شمالا، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله رأى رجلا يعبث بلحيته في صلاته، فقال: أما إنه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه، وفي هذا دلالة على أن الخشوع في الصلاة يكون بالقلب وبالجوارح، فأما بالقلب فانه يفرغ قلبه بجمع الهمة لها والاعراض عما سواها، فلا يكون فيه غير العبادة والمعبود، وأما بالجوارح فهو غض البصر والاقبال عليها وترك الالتفات والعبث قال ابن عباس خشع فلا يعرف من على يمينه ولا من على يساره، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يرفع بصره إلى السماء في صلاته، فلما نزلت هذه الاية طأطأ رأسه و رمى ببصره إلى الارض انتهى. أقول: وقد عرفت أن غض البصر ليس من الخشوع المطلوب في الصلاة إلا ما ورد في رواية حماد في الركوع (2) وقد مر مع ما يعارضه خصوصا، وسيأتي بعض الاخبار فيه مع معارضاتها، وقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يغمض الرجل عينيه في الصلاة، وفي رواية زرارة " اخشع ببصرك ولا ترفعه إلى السماء ". وأما خشوع الجوارح فهو حفظها عما لا يناسب الصلاة أو ينافي التوجه إليها بالقلب، وقيل: هو فعل جميع المندوبات وترك جميع المكروهات المتعلقة بالجوارح المبينة في الفروع، وفسر بعض أهل اللغة وبعض المفسرين الخشوع في الاعضاء بالسكون (3) ويؤيده ماروي في هذا الباب، عن سيد العابدين أنه عليه السلام إذا قام في

 

(1) مجمع البيان ج 7 ص 99. (2) ما ورد في رواية حماد هو الغمض، ولا يكون الا باطباق الجفنين واما الغض فهو الاغضاء وكف الطرف وكسره فهو دون ذلك شبه الغمض، وقد اشتبه عليه ذلك رضوان الله عليه، كما أشرنا إليه قبل ذلك في ص 212 وقد عرفت في ص 188 أن الخشوع يتعلق بالقلب والصوت والبصر بدلالة القرآن المجيد وكلها مراد في هذه الاية لاطلاقها. (3) وذلك لان أصل الخشوع هو التخفض والتطأمن، إذا كان عن ذل، فخشوع

 

[229]

الصلاة كان كأنه ساق شجرة لايترحك منه إلا ما حركت الريح منه (1) وفي الرواية النبوية المتقدمة أيضا إيماء إليه. ثم الظاهر شمول الصلاة للفرايض والنوافل جميعا، ولذا قيل إنما اضيف إليهم لان المصلي هو المنتفع بها وحده، وهي عدته وذخيرته، فهي صلاته، وأما المصلى له فغني متعال عن الحاجة إليها والانتفاع بها، وإن خصت بالفرائض كما يشعر به بعض الروايات أمكن اعتبار مزيد الاختصاص وزيادة الانتفاع وعلى كل حال إنما لم يطلق ويهمل إيماء إلى ذلك للتحريص والترغيب وفي ترتب الفلاح على الخشوع في الصلاة لا على الصلاة وحدها ولا عليهما جميعا من التنبيه على فضل الخشوع مالا يخفى. 1 - تفسير علي بن إبراهيم: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن زرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال: قلت له: بما استوجب إبليس من الله أن أعطاه ما أعطاه ؟ فقال: بشئ كان منه شكره الله عليه، قلت: وما كان منه جعلت فداك ؟ قال: ركعتان ركعهما في السماء أربعة آلاف سنة (2). 2 - بشارة المصطفى: باسناده عن سعيد بن زيد، عن كميل بن زياد، عن أمير المؤمنين عليه السلام فيما أوصاه به قال: يا كميل ! لاتغتر بأقوام يصلون فيطيلون، ويصومون فيداومون، ويتصدقون فيحسنون، فانهم موقوفون (3).

 

الصوت بأن لا يعتلى فلا يسمع الا همسا، وخشوع البصر بأن يتخفض ويكف فلا ينظر الا إلى الارض وخشوع الجوارح كالمنكبين واليدين والاصابع بأن يسترسل مادا إلى الارض وخشوع القلب بأن لا يطغى إلى ههنا وههنا من أمور المعاش والحياة، بل يكون ساكنا بذكر الله عزوجل وحمده وثنائه ولا يكون ذلك الا بالتوجه إلى قراءته وتسبيحه وتحميده، لا يكون ذلك لقلقة لسان كالاوراد العرفانية التى تلوكها الدراويش. (1) الكافي ج 3 ص 300. (2) تفسير القمي ص 35. (3) في المصدر: فيحسبون أنهم موفقون، والظاهر أنه تصحيف.

 

[230]

يا كميل اقسم بالله لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: إن الشيطان إذا حمل قوما على الفواحش مثل الزنا وشرب الخمر والربا وما أشبه ذلك من الخناء والمآثم حبب إليهم العبادة الشديدة والخشوع والركوع والخضوع والسجود، ثم حملهم على ولاية الائمة الذين يدعون إلى النار ويوم القيمة لا ينصرون (1). يا كميل ليس الشأن أن تصلي وتصوم وتتصدق، الشأن أن تكون الصلاة فعلت بقلب تقي، وعمل عند الله مرضي، وخشوع سوي. يا كميل انظر فيم تصلي ؟ وعلى ما تصلي ؟ إن لم تكن من وجهه وحله فلا قبول (2). 3 - مصباح الشريعة: قال الصادق عليه السلام: إذا استقبلت القبلة فانس الدنيا و ما فيها، والخلق وماهم فيه، واستفرغ قلبك عن كل شاغل يشغلك عن الله، وعاين بسرك عظمة الله، واذكر وقوفك بين يديه يوم تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق، وقف على قدم الخوف والرجاء. فإذا كبرت فاستصغر مابين السموات العلى والثرى دون كبريائه فان الله تعالى إذا اطلع على قلب العبد وهو يكبر وفي قلبه عارض عن حقيقة تكبيره، قال: يا كاذب أتخدعني، وعزتي وجلالي لاحرمنك حلاوة ذكري، ولاحجبنك عن قربي والمسارة بمناجاتي. واعلم أنه غير محتاج إلى خدمتك وهو غني عن عبادتك ودعاتك، وإنما ذلك يفضله ليرحمك، ويبعدك من عقوبته، وينشر عليك من بركات حنانيته ويهديك إلى سبيل رضاه، ويفتح عليك باب مغفرته، فلو خلق الله عزوجل على ضعف ما خلق من العوالم أضعافا مضاعفة على سرمد الابد، لكان عنده سواء كفروا بأجمعهم به أو وحدوه، فليس له من عبادة الخلق إلا إظهار الكرم والقدرة، فاجعل الحياء رداء، والعجز إزارا، وادخل تحت سر سلطان الله، تغتم فوائد ربوبيته،

 

(1) بشارة المصطفى: 33. (2) المصدر نفسه ص 34.

 

[231]

مستعينا به ومستغيثا إليه (1). 4 - العياشي: عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا تقم إلى الصلاة متكاسلا ولامتناعسا، ولا متثاقلا، فانها من خلل النفاق، فان الله نهى المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى يعني من النوم (2). ومنه: عن الحلبي قال: سألته عن قول الله: " يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلوة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " قال: لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى يعني سكر النوم يقول: وبكم نعاس يمنعكم أن تعلموا ما تقولون في ركوعكم وسجودكم وتكبيركم، وليس كما يصف كثير من الناس، يزعمون أن المؤمنين يسكرون من الشراب، والمؤمن لا يشرب مسكرا ولا يسكر (3). ومنه: عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا تقم إلى الصلاة متكاسلا و لامتناعسا ولا متثاقلا فانها من خلل النفاق، قال للمنافقين: " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤن الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا " (4). ومنه: عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الصلاة الوسطى الظهر وقوموا لله قانتين: إقبال الرجل على صلاته، ومحافظته على وقتها حتى لا يلهيه عنها ولا يشغله شئ (5). 5 - تفسير الامام العسكري عليه السلام: قوله عزوجل " ويقيمون الصلاة " قال الامام عليه السلام: ثم وصفهم بعد فقال: " ويقيمون الصلاة " يعني باتمام ركوعها وسجودها وحفظ مواقيتها وحدودها، وصيانتها عما يفسدها أو ينقصها. ثم قال الامام عليه السلام: حدثني أبي عن أبيه عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان من خيار أصحابه عنده أبو ذر الغفاري، فجاءه ذات يوم فقال: يارسول الله إن لي غنيمات

 

(1) مصباح الشريعة الباب 13 ص 10 و 11. (2 و 3) تفسير العياشي ج 1 ص 242 في سورة النساء الاية 43. (4) تفسير العياشي ج 1 ص 282 في سورة النساء الاية 142. (5) تفسير العياشي ج 1 ص 125.

 

[232]

قدر ستين شاة فأكره أن أبدو فيها وافارق حضرتك وخدمتك، وأكره أن أكلها إلى راع فيظلمها ويسئ رعايتها، فكيف أصنع ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ابد فيها فبدا فيها. فلما كان في اليوم السابع جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا ذر ! قال: لبيك يارسول الله قال صلى الله عليه وآله: ما فعلت غنيماتك ؟ قال: يارسول الله ! إن لها قصة عجيبة قال: وماهي ؟ قال: يارسول الله ! بينا أنا في صلاتي إذ عدا الذئب على غنمي، فقلت: يا رب صلاتي (و) يا رب غنمي، فآثرت صلاتي على غنمي، وأحضر الشيطان ببالي يا أبا ذر أين أنت إذ عدت الذئاب على غنمك وأنت تصلي فأهلكتها وما يبقى لك في الدنيا ما تعيش به ؟ فقلت للشيطان: يبقى لي توحيد الله تعالى والايمان برسول الله وموالاة أخيه سيد الخلق بعده علي بن أبي طالب وموالاة الائمة الهادين الطاهرين من ولده، و معاداة أعدائهم، فكلما فات من الدنيا بعد ذلك جلل. فأقبلت على صلاتي فجاء ذئب فأخذ حملا فذهب به وأنا احس به: إذ أقبل على الذئب أسد فقطعه نصفين، واستنقذ الحمل ورده إلى القطيع ثم ناداني: يا أبا ذر أقبل على صلاتك، فان الله قد وكلني بغنمك إلى أن تصلي فأقبلت على صلاتي وقد غشيني من التعجب مالا يعلمه إلا الله تعالى حتى فرغت منها، فجاءني الاسد و قال لي: امض إلى محمد فأخبره أن الله تعالى قد أكرم صاحبك الحافظ لشريعتك، و وكل أسدا بغنمه يحفظها. فعجب من حول رسول الله صلى الله عليه وآله فقال رسول الله: صدقت يا أبا ذر ولقد آمنت به أنا وعلي وفاطمة والحسن والحسين، فقال بعض المنافقين: هذا لمواطأة بين محمد وأبي ذر يريد أن يخدعنا بغروره، واتفق منهم رجال عشرون رجلا وقالوا نذهب إلى غنمه وننظر إليها إذا صلي هل يأتي الاسد فيحفظ غنمه ؟ فيتبين بذلك كذبه فذهبوا و نظروا وأبو ذر قائم يصلي، والاسد يطوف حول غنمه ويرعاها، ويرد إلى القطيع ما شذ عنه منها، حتى إذا فرغ من صلاته ناداه الاسد: هاك قطيعك مسلما وافر


 

[233]

العدد سالما. ثم ناداهم الاسد: معاشر المنافقين أنكرتم لمولى محمد وعلي وآلهما الطيبين والمتوسل إلى الله بهم أن يسخرني الله ربي لحفظ غنمه والذي أكرم محمدا وآله الطيبين الطاهرين، لقد جعلني الله طوع يد أبي ذر حتى لو أمرني بافتراسكم و هلاككم لاهلكتكم، والذي لا يحلف بأعظم منه، لو سأل الله بمحمد وآله الطيبين أن يحول البحار دهن زنبق ولبان، والجبال مسكا وعنبرا وكافورا، وقضبان الاشجار قضيب الزمرد والزبرجد، لما منعه الله ذلك. فلما جاء أبو ذر رحمه الله رسول الله، قال له رسول الله صلى الله عليه وآله: يا أبا ذر إنك أحسنت طاعة الله فسخر لك من يطيعك في كف العوادي عنك، فأنت من أفاضل من مدحه الله عزوجل بأنه يقيم الصلاة (1). بيان: قال في النهاية: فيه: كان إذا اهتم بشئ بدا أي خرج إلى البدو، ومنه الحديث " من بدا جفا " أي من نزل البادية صار فيه جفاء الاعراب، وقال: " جلل " أي هين يسير انتهى، هاك أي خذ. 6 - مجالس الصدوق: عن الحسين بن إبراهيم بن ناتانة، عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز، عن ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام إذا صليت صلاة فريضة فصلها لوقتها صلاة مودع يخاف أن لا يعود إليها أبدا، ثم اصرف ببصرك إلى موضع سجودك، فلو تعلم من عن يمينك وشمالك لاحسنت صلاتك، واعلم أنك بين يدي من يراك ولا تراه (2). ومنه: عن الحسين بن أحمد بن إدريس، عن أبيه، عن إبراهيم بن هشام، عن ابن محبوب مثله (3).

 

(1) تفسير الامام ص 34 و 35. (2) أمالي الصدوق: 299. (3) أمالي الصدوق: 155، ومثله في ثواب الاعمال: 33.

 

[234]

فلاح السائل: باسناده إلى كتاب المشيخة لابن محبوب مثله (1). مشكوة الانوار: نقلا عن المحاسن مثله (2). 7 - الخصال ومجالس الصدوق: بأسانيد جمة، عن النبي صلى الله عليه وآله قال إن الله كره لكم العبث في الصلاة (3). 8 - مجالس الصدوق: عن علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن جده أحمد، عن الحسن بن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: دخل رجل مسجدا فيه رسول الله صلى الله عليه وآله فخفف سجوده دون ما ينبغي، ودون ما يكون من السجود، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: نقر كنقر الغراب، لو مات على هذا مات على غير دين محمد (4). 9 - ثواب الاعمال: عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن فضال مثله (5). المحاسن: عن ابن فضال مثله (6). بيان: قال في النهاية: نقرة الغراب تخفيف السجود، وأنه لا يمكث فيه إلا قدر وضع الغراب منقاره فيما يريد أكله. 10 - ثواب الاعمال ومجالس الصدوق: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن علي الكوفي، عن الحسن بن علي بن فضال، عن أحمد بن الحسن الميثمي عن أبي بصير قال: دخلت على ام حميدة اعزيها بأبي عبد الله الصادق عليه السلام فبكت وبكيت لبكائها، ثم قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد الله عليه السلام عند الموت لرأيت عجبا فتح عينيه ثم قال أجمعوا إلى كل من بيني وبينه قرابة، قالت: فلم نترك أحدا

 

(1) فلاح السائل: 157. (2) مشكاة الانوار: 73. (3) الخصال ج 2 ص 102، أمالي الصدوق: 181. (4) أمالي الصدوق: 290. (5) ثواب الاعمال: 206. (6) المحاسن ص 79.

 

[235]

إلا جمعناه، قالت: فنظر إليهم ثم قال: إن شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة (1). 11 - مجالس الصدوق: عن جعفر بن محمد بن مسرور، عن الحسين بن محمد ابن عامر، عن عمه عبد الله، عن ابن محبوب، عن مالك بن عطية، عن الثمالي عن علي بن الحسين عليه السلام قال: المنافق ينهى ولا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، إذا قام في الصلاة اعترض، وإذا ركع ربض، وإذا سجد نقر، وإذا جلس شغر الخبر (2). بيان: " اعترض " أقول: رواه الكليني بسند آخر (3) وزاد فيه قلت: يا ابن رسول الله ! وما الاعتراض ؟ قال: الالتفات ومع قطع النظر عن الرواية يحتمل أن يكون المراد أنه يعترض القرآن فيكتفي بشئ منه من غير أن يقرأ الفاتحة كما هو مذهب بعض العامة، أو سورة كاملة معها كما هو مذهب بعضهم. " وإذا ركع ربض " قال في الصحاح: ربوض البقر والغنم والفرس والكلب مثل بروك الابل انتهى فيحتمل أن يكون المعنى أنه يدلى رأسه وينحني كثيرا كأنه رابض أو يسقط نفسه من الركوع إلى السجود من غير مكث فيه أيضا ومن غير أن يستتم قائما كالغنم، أو كناية عن عدم الانفراج والتجافي بين الاعضاء، وإذا جلس شغر في القاموس شغر الكلب كمنع رفع إحدى رجليه بال أو لم يبل انتهى، وهو إشارة إلى بعض معاني الاقعاء كما سيأتي. 13 - تفسير علي بن ابراهيم: " قد أفلح المؤمنون الذينهم في صلوتهم خاشعون " قال: غضك بصرك في صلاتك، وإقبالك عليها (4). بيان: لو كان من رواية كما هو الظاهر، فيمكن القول بالتخيير بين النظر إلى موضع السجود والغمض (5) أو حمله على من يتوقف حضور قلبه عليه، كما قيل

 

(1) ثواب الاعمال: 205، أمالي الصدوق: 290، وتراه في المحاسن: 80. (2) امالي الصدوق: 295. (3) الكافي ج 2 ص 396. (4) تفسير القمي: 444 في سورة المؤمنون. (5) قد عرفت الفرق بين الغض والغمض وأن الغض يستلزم النظر إلى موضع السجود قهرا.

 

[236]

بهما، أو يكون كناية عن الاعراض عما سوى الله، ولا يكون محمولا على الحقيقة فتكون الفقرة الثانية مفسرة للاولى ومؤكدة لها. 13 - قرب الاسناد: عن محمد بن عيسى والحسن بن ظريف وعلي بن إسماعيل كلهم، عن حماد بن عيسى، عن الصادق، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن نقرة الغراب وفرشة الاسد (1). بيان: فرشة الاسد بالشين المعجمة قال في النهاية فيه أنه نهى عن افتراش السبع في الصلاة، وهو أن يبسط ذراعيه في السجود ولا يرفعهما عن الارض كما يبسط الكلب والذئب ذراعيهما، والافتراش افتعال من الفرش والفراش انتهى، وفي بعض النسخ فرسة بالمهملة وهو تصحيف وعلى تقدير صحته المعنى أن لايتم أفعال الصلاة كالاسد يأكل بعض فريسته ويدع بعضها. 14 - العلل: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن الصفار، عن علي بن إسماعيل عن محمد بن عمر، عن أبيه، عن علي بن المغيرة، عن أبان بن تغلب قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: إني رأيت علي بن الحسين عليه السلام إذا قام في الصلاة غشي لونه لون آخر فقال لي: والله إن علي بن الحسين كان يعرف الذي يقوم بين يديه (2). 15 - قرب الاسناد: عن أحمد بن إسحاق بن سعد، عن بكر بن محمد الازدي قال: سأل أبو بصير الصادق عليه السلام وأنا جالس عنده عن الحور العين، فقال له: جعلت فداك أخلق من خلق الدنيا أو (خلق من) خلق الجنة ؟ فقال له: ما أنت وذاك ؟ عليك بالصلاة، فان آخر ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله وحث عليه الصلاة، إياكم أن يستخف أحدكم بصلاته فلا هو إذا كان شابا أتمها، ولا هو إذا كان شيخا قوي عليها، وما أشد من سرقة الصلاة، فإذا قام أحدكم فليعتدل وإذا ركع فليتمكن وإذا رفع رأسه فليعتدل وإذا سجد فليتفرج وليتمكن فإذا رفع رأسه فليعتدل، وإذا سجد

 

(1) قرب الاسناد ص 15 ط نجف. (2) علل الشرايع ج 1 ص 220.

 

[237]

فليتفرج وإذا رفع رأسه فليلبث حتى يسكن. ثم سألته عن وقت صلاة المغرب فقال: إذا غاب القرص ثم سألته عن وقت صلاة العشاء الآخرة قال: إذا غاب الشفق قال: وآية الشفق الحمرة، قال: وقال بيده هكذا (1). بيان: ما أنت وذاك أي سل عما يعنيك وينفعك، " فلا هو إذا كان شابا " أي لا ينبغي ترك الاهتمام بها لا عند الشباب ولا عند المشيب، والاعتدال إقامة الصلب وعدم الميل إلى أحد الجانبين أزيد من الاخر والتمكن الاستقرار وعدم الحركة و الاطمينان. 16 - مجالس ابن الشيخ: عن جماعة، عن أبي المفضل، عن الحسن بن علي العاقولي عن موسى بن عمر بن يزيد، عن معمر بن خلاد، عن الرضا، عن آبائه عليهم السلام قال: جاء خالد بن زيد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: يارسول الله ! أوصني وأقلل لعلي أن أحفظ قال: اوصيك بخمس باليأس عما في أيدي الناس فانه الغنى، واياك والطمع فانه الفقر الحاضر، وصل صلاة مودع، وإياك وما تعتذر منه، وأحب لاخيك ما تحب لنفسك (2). 17 - العلل: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن الحسين بن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن بعض أصحابنا عن الثمالي قال: رأيت علي بن الحسين عليه السلام يصلي فسقط رداؤه على أحد منكبيه، فلم يسوه حتى فرغ من صلاته، قال: فسألته عن ذلك فقال: ويحك بين يدي من كنت ؟ إن العبد لا يقبل من صلاته إلا ما أقبل عليه منها بقلبه (3). بيان: في ساير الكتب (4) بعد قوله بقلبه، فقلت: جعلت فداك هلكنا، فقال:

 

(1) قرب الاسناد ص 18 ط حجر ص 27 ط نجف. (2) أمالي الطوسي ج 2 ص 122. (3) علل الشرائع ج 1 ص 221. (4) كالتهذيب ج 1 ص 233.

 

[238]

كلا إن الله يتم ذلك بالنوافل. أقول: هل يستحب للغير التأسي به عليه السلام في ذلك ؟ يحتمله لعموم التأسي، و عدمه لعدم اشتراك العلة ومعلومية الاختصاص إلا لمن كان له في الاستغراق في العبادة حظ بالغ يناسب هذا الجناب، والاخير عندي أظهر وإن كان ظاهر بعض الاصحاب الاول. 18 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أيوب بن نوح، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام إن العبد لترفع له من صلاته نصفها أو ثلثها أو ربعها أو خمسها وما يرفع له إلا ما أقبل عليه منها بقلبه، وإنما أمرنا بالنوافل ليتم لهم بها ما نقصوا من الفريضة (1). 19 - الخصال: عن أحمد بن محمد العطار، عن سعد بن عبد الله، عن الحسن بن موسى الخشاب، عن غياث بن ابراهيم، عن اسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن الله عزوجل كره لي ست خصال وكرههن للاوصياء من ولدي وأتباعهم من بعدي: العبث في الصلاة، والرفث في الصوم، والمن بعد الصدقة وإتيان المساجد جنبا، والتطلع في الدور، والضحك بين القبور (2). المحاسن: عن أبيه، عن محمد بن سليمان، عن أبيه، عن الصادق عليه السلام مثله (3). مجالس الصدوق: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن الخشاب مثله (4). بيان: العبث ظاهره العبث باليد سواء كان باللحية أو بالانف أو بالاصابع أو غير ذلك، ويحتمل شموله لغير اليد أيضا كالرأس والشفة وغيرهما.

 

(1) علل الشرايع ج 2 ص 18. (2) الخصال ج 1 ص 159، وفي المطبوعة ذكر العلل وهو سهو وما في الصلب هو الموافق لنسخة الاصل. (3) المحاسن ص 10. (4) أمالي الصدوق ص 38. (*)

 

[239]

20 - قرب الاسناد: عن السندي بن محمد، عن أبي البختري، عن الصادق، عن أبيه، عن علي عليهم السلام قال: الالتفات في الصلاة اختلاس من الشيطان، فاياكم والالتفات في الصلاة، فان الله تبارك وتعالى يقبل على العبد إذا قام في الصلاة فإذا التفت قال الله تبارك وتعالى: يا ابن آدم عمن تلتفت ؟ ثلاثة فإذا التفت بالرابعة أعرض الله عنه (1). 21 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى، عن القاسم ابن يحيى، عن جده الحسن، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يقومن أحدكم في الصلاة متكاسلا ولا ناعسا ولا يفكرن في نفسه فانه بين يدي ربه عزوجل، وإنما للعبد من صلاته ما أقبل عليه منها بقلبه (2). وقال عليه السلام: لا يعبث الرجل في صلاته بلحيته، ولا بما يشغله عن صلاته (3). وقال عليه السلام: ليخشع الرجل في صلاته، فانه من خشع قلبه لله عزوجل خشعت جوارحه فلا يعبث بشئ (4). وقال عليه السلام: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فليصل صلاة مودع (5). وقال عليه السلام: إذا قام أحدكم بين يدي الله جل جلاله فلينحر بصدره، وليقم صلبه ولا ينحني (6). بيان: قوله " فلينحر " بالنون أي يجعله محاذيا لنحره أو محاذيا للقبلة، قال الفيروزآبادي: والداران يتناحران: يتقابلان، ونحرت الدار الدار كمنع استقبلتها، و الرجل في الصلاة انتصب ونهد صدره أو وضع يمينه على شماله أو انتصب بنحره إزاء القبلة انتهى، وفي بعض النسخ بالتاء أي فليقصد بصدره ليقيمه. 22 - ثواب الاعمال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن

 

(1) قرب الاسناد ص 70 ط حجر ص 92 ط نجف وله شرح في ص 64 راجعه. (2) الخصال ج 2 ص 156 و 157. (3) الخصال ج 2 ص 160. (4 - 6) الخصال ج 2 ص 165.

 

[240]

علي بن حسان، عن سهل بن دارم، عن أبيه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من حبس ريقه إجلالا لله في صلاته أورثه الله صحة حتى الممات (1). ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن سلمة بن الخطاب، عن الحسين ابن سيف، عن أبيه، عمن سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: من صلى ركعتين يعلم ما يقول فيهما انصرف وليس بينه وبين الله عزوجل ذنب إلا غفره له (2). دعوات الراوندي: عنه عليه السلام مثله. 23 - ثواب الاعمال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد، عن زيد بن علي، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ركعتان خفيفتان في تفكر خير من قيام ليلة (3). مكارم الاخلاق عنه صلى الله عليه وآله مثله (4). 24 - ثواب الاعمال: عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن إبراهيم الكرخي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: لا يجمع الله عزوجل لمؤمن الورع والزهد في الدنيا إلا رجوت له الجنة، قال: ثم قال: وإني لاحب للرجل منكم المؤمن إذا قام في صلاة فريضة أن يقبل بقلبه إلى الله ولا يشغل قلبه بأمر الدنيا، فليس من مؤمن يقبل بقلبه في صلاته إلى الله إلا أقبل الله إليه بوجهه، وأقبل بقلوب المؤمنين إليه بالمحبة له بعد حب الله عزوجل إياه (5). مجالس المفيد: عن أحمد بن محمد بن الحسن بن الوليد، عن أبيه مثله (6). 25 - ثواب الاعمال: عن أبيه، عن سعد، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب

 

(1) ثواب الاعمال ص 28. (2 - 3) ثواب الاعمال ص 40. (4) مكارم الاخلاق ص 347. (5) ثواب الاعمال ص 121. (6) مجالس المفيد ص 96 المجلس الثامن عشر تحت الرقم 6.

 

[241]

عن الحكم بن مسكين، عن خضر بن عبد الله، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: إذا قام العبد إلى الصلاة أقبل الله عزوجل عليه بوجهه، فلا يزال مقبلا عليه حتى يلتفت ثلاث مرات، فإذا التفت ثلاث مرات أعرض عنه (1). المحاسن: عن محمد بن علي، عن الحكم بن مسكين مثله (2). 26 - ومنه عن أبيه، عن النضر، عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من صلى وأقبل على صلاته لم يحدث نفسه ولم يسه فيها أقبل الله عليه ما أقبل عليها، فربما رفع نصفها وثلثها وربعها وخمسها، وإنما امر بالسنة ليكمل ما ذهب من المكتوبة (3). ومنه، في رواية القداح، عن جعفر، عن أبيه عليه السلام قال قال علي عليه السلام: للمصلي ثلاث خصال: ملائكة حافين به من قدميه إلى أعنان السماء، والبر يغشى عليه من رأسه إلى قدمه، وملك عن يمينه وعن يساره، فان التفت قال الرب تبارك وتعالى: إلى خير مني تلتفت ؟ يا ابن آدم لو يعلم المصلي من يناجي ما انفتل (4). بيان: قال الفيروزآبادى: حافين من حول العرش محدقين بأحفته أي جوانبه، وقال: أعنان السماء نواحيها، وعنانها بالكسر ما بدالك منها إذا نظرتها قوله عليه السلام " يغشى عليه " في بعض النسخ بالغين أي يجعل مغشيا عليه محيطا به وفي بعضها بالفاء أي ينثر عليه وفي بعضها " ينثر " وهو أظهر، وفي ثواب الاعمال يتناثر (5). 27 - المحاسن: في رواية أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته، ولا يرد على الحوض لا والله (6).

 

(1) ثواب الاعمال ص 206. (2) المحاسن ص 80. (3) المحاسن ص 29. (4) المحاسن ص 50. (5) ثواب الاعمال ص 33. (6) المحاسن ص 79 (*).

 

[242]

ومنه: في روايه عبد الله بن ميمون القداح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أبصر على ابن أبي طالب عليه السلام رجلا ينقر بصلاته، فقال: منذ كم صليت بهذه الصلاة ؟ فقال له الرجل: منذ كذا وكذا، فقال: مثلك عند الله كمثل الغراب إذا مانقر لومت مت على غير ملة أبي القاسم صلى الله عليه وآله ثم قال علي عليه السلام: إن أسرق الناس من سرق صلاته (1). ومنه: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن إسماعيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن ربكم لرحيم يشكر القليل، إن العبد ليصلي الركعتين يريد بها وجه الله فيدخله الله به الجنة (2). ومنه: عن جعفر بن محمد بن الاشعث، عن ابن القداح، عن أبي عبد الله، عن أبيه عليهما السلام قال: صلى النبي صلى الله عليه وآله صلاة وجهر فيها بالقراءة، فلما انصرف قال لاصحابه: هل أسقطت شيئا في القرآن ؟ قال: فسكت القوم، فقال النبي صلى الله عليه وآله: أفيكم ابى بن كعب ؟ فقالوا: نعم، فقال: هل أسقطت فيها بشئ ؟ قال: نعم يارسول الله، إنه كان كذا وكذا، فغضب صلى الله عليه وآله ثم قال: ما بال أقوام يتلى عليهم كتاب الله فلا يدرون ما يتلى عليهم منه ؟ ولا ما يترك ؟ هكذا هلكت بنو إسرائيل حضرت أبدانهم وغابت قلوبهم، ولا يقبل الله صلاة عبد لا يحضر قلبه مع بدنه (3). بيان: هذه الرواية مخالفة للمشهور بين الامامية من عدم جواز السهو على النبي وموافقة لمذهب الصدوق وشيخه، ويمكن حملها على التقية بقرينة كون الراوى زيديا وأكثر أخباره موافقة لرواية المخالفين كما لا يخفى على المتتبع. 28 - المحاسن: بالاسناد المتقدم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال الله تبارك وتعالى إنما أقبل الصلاة لمن تواضع لعظمتي، ويكف نفسه عن الشهوات من أجلي، و يقطع نهاره بذكري، ولا يتعاظم على خلقي، ويطعم الجائع، ويكسو العاري، و يرحم المصاب، ويؤوي الغريب، فذلك يشرق نوره مثل الشمس، أجعل له في الظلمات نورا وفي الجهالة علما، أكلاه بعزتي وأستحفظه بملائكتي، يدعوني فألبيه

 

(1) المحاسن ص 82. (2) المحاسن ص 253 في حديث. (3) المحاسن ص 260 و 261، لكنه مخالف لقوله تعالى: " سنقرئك فلا تنسى " الاية.

 

[243]

ويسألني فاعطيه، فمثل ذلك عندي كمثل جنات الفردوس، لا تيبس ثمارها، ولا تتغير عن حالها (1). 29 - فقه الرضا عليه السلام: قال: لا صلاة إلا باسباغ الوضوء، وإحضار النية، و خلوص اليقين، وإفراغ القلب، وترك الاشغال، وهو قوله " فإذا فرغت فانصب * وإلى ربك فارغب " (2). بيان: لعل الاستشهاد بالجزء الاخير من الاية، ويحتمل أن يكون بالجزئين معا بناء على أن معناها فإذا فرغت من دنياك فانصب أي اتعب في عبادة ربك، أو إذا فرغت من جهاد أعدائك فانصب بالعبادة لله، وسيأتي الكلام فيها. 30 - المحاسن: عن أبيه، عن خلف بن حماد، عن ابن مسكان، عن الحلبي وأبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تخفيف الفريضة وتطويل النافلة من العبادة (3). بيان: لعله محمول على الجماعة فان التخفيف فيها مطلوب كما سيأتي أو التطويل الخارج عن العادة والاول أظهر. 31 - فقه الرضا: قال عليه السلام: للمصلي ثلاث خصال: يتناثر عليه البر من أعنان السماء إلى مفرق رأسه، وتحف به الملائكة من موضع قدميه إلى عنان السماء، وينادى مناد لو يعلم المصلي ماله في الصلاة من الفضل والكرامة ما انفتل منها، ولو يعلم المناجي لمن يناجي ما انفتل، وإذا أحرم العبد في صلاته أقبل الله عليه بوجهه، ووكل به ملكا يلتقط القرآن من فيه التقاطا فأن أعرض أعرض الله عنه ووكله إلى الملك، فإن هو أقبل على صلاته بكليته رفعت صلاته كاملة، وإن سهى فيها بحديث النفس، نقص من صلاته بقدر ما سهى وغفل، ورفع من صلاته ما أقبل عليه منها، ولا يعطي الله القلب الغافل شيئا وإنما جعلت النافلة لتكمل بها الفريضة (4).

 

(1) المحاسن ص 15 و 294. (2) فقه الرضا ص 2، س 7 والايتان في سورة الانشراح. (3) المحاسن ص 324. (4) فقه الرضا ص 13 س 28.

 

[244]

32 - المحاسن: عن علي بن الحكم، عن أبان، عن مسمع قال كتب إلى أبو عبد الله عليه السلام إني احب لك أن تتخذ في دارك مسجدا في بعض بيوتك، ثم تلبس ثوبين طمرين غليظين ثم تسأل الله أن يعتقك من النار، وأن يدخلك الجنة ولاتتلكلم بكلمة باطلة ولا بكلمة بغي (1). 33 - العياشي: عن محمد بن حمزة، عمن أخبره، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله تعالى " خذوا ما آتيناكم بقوة " (2) قال: السجود ووضع اليدين على الركبتين في السجود (3). بيان: كذا في النسخ التي عندنا، والظاهر في الركوع وعلى تقديره يحتمل أن يكون المراد وضع اليدين على الركبتين عند القيام من السجود. 34 - تفسير الامام: قال عليه السلام في قوله عزوجل: " وأقيموا الصلاة " أي باتمام وضوئها وتكبيرها، وقيامها، وقرائتها، وركوعها، وسجودها وحدودها (4). وقال رسول الله أيما عبد التفت في صلاته قال الله: يا عبدي إلى من تقصد ومن تطلب ؟ أربا غيري تريد أو رقيبا سواي تطلب ؟ أو جوادا خلاى تبغي وأنا أكرم الاكرمين، وأجود الاجودين، وأفضل المعطين اثيبك ثوابا لا يحصى قدره، أقبل على فاني عليك مقبل، وملائكتي عليك مقبلون، فان أقبل زال عنه إثم ما كان منه، فان التفت ثانية أعاد الله له مقالته، فان أقبل على صلاته غفر الله له وتجاوز عنه ما كان منه، فان التفت ثالثة أعاد الله له مقالته، فان أقبل على صلاته غفر الله له ما تقدم من ذنبه، فان التفت رابعة أعرض الله عنه، وأعرضت الملائكة عنه، ويقول: وليتك يا عبدي إلى ما توليت (5). 35 - المناقب: لابن شهر آشوب: عن أبي حازم في خبر قال رجل لزين العابدين عليه السلام: تعرف الصلاة ؟ فحملت عليه فقال عليه السلام: مهلا يا أبا حازم فان العلماء هم الحلماء الرحماء، ثم واجه السائل فقال: نعم أعرفها فسأله عن أفعالها وتروكها وفرائضها

 

(1) المحاسن ص 612. (2) الاعراف: 171. (3) تفسير العياشي ج 2 ص 37. (4) تفسير الامام ص 166 و 238. (5) تفسير الامام ص 240.

 

[245]

ونوافلها حتى بلغ قوله: ما افتتاحها ؟ قال: التكبير، قال: ما برهانها ؟ قال: القراءة، قال: ماخشوعها ؟ قال: النظر إلى موضع السجود، قال: ما تحريمها ؟ قال: التكبير قال: ما تحليلها ؟ قال: التسليم، قال: ماجوهرها ؟ قال: التسبيح، قال: ما شعارها ؟ قال: التعقيب، قال: ما تمامها ؟ قال: الصلاة على محمد وآل محمد، قال: ما سبب قبولها ؟ قال: ولايتنا والبراءة من أعدائنا فقال: ما تركت لاحد حجة، ثم نهض يقول: " الله أعلم حيث يجعل رسالته " وتوارى (1). بيان: الظاهر أن السائل كان الخضر عليه السلام والبرهان الحجة وكون القراءة برهان الصلاة لكونها حجة لصحتها وقبولها، أو بها نورها وظهورها، أو بها يتميز المؤمن عن المخالف الذي لا يعتقد وجوبها، قال في النهاية: فيه الصدقة برهان: البرهان الحجة والدليل، أي إنها حجة لطالب الاجر من أجل أنها فرض يجازي الله به وعليه، وقيل: هي دليل على صحة إيمان صاحبها لطيب نفسه باخراجها انتهى، وجوهر الشئ حقيقته، والحمل للمبالغة أي التسبيح له مدخل عظيم في تمامية الصلاة كأنه جوهرها قال الفيروزآبادي: الجوهر كل حجر يستخرج منه شئ ينتفع به، ومن الشئ ما وضعت عليه جبلته والجرئ المقدم، وإنما جعل التعقيب شعار الصلاة لشدة ملابسته لها، ومدخليته في كمالها لحفظها من الضياع. 36 - المناقب من كتاب الانوار: أنه عليه السلام كان قائما يصلي حتى وقف ابنه محمد عليه السلام وهو طفل إلى بئر في داره بالمدينة بعيدة القعر، فسقط فيها فنظرت إليه امه فصرخت وأقبلت نحو البئر تضرب بنفسها حذاء البئر، وتستغيث، وتقول: يا ابن رسول الله غرق ولدك محمد، وهو لا ينثني عن صلاته، وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر. فلما طال عليها ذلك قالت: حزنا على ولدها: ما أقصى قلوبكم يا أهل بيت رسول الله ؟ فأقبل على صلاته ولم يخرج عنها إلا عن كمالها وإتمامها، ثم أقبل عليها وجلس على أرجاء البئر ومد يده إلى قعرها وكانت لاتتال إلا برشا طويل، فأخرج ابنه محمدا على يديه يناغي ويضحك لم يبتل به ثوب ولا جسد بالماء، فقال: هاك !

 

(1) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 130 (*).

 

[246]

ضعيفة اليقين بالله، فضحكت لسلامة ولدها وبكت لقوله " يا ضعيفة اليقين بالله " فقال: لاتثريب عليك اليوم، لو علمت أني كنت بين يدي جبار لوملت بوجهي عنه لمال بوجهه عني أفمن يرى راحم بعده ؟ (1). بيان: قال في النهاية: ناغت الام صبيها لاطفته وشاغلته بالمحادثة والملاعبة والتثريب التوبيخ، وجزاء " لو " مقدر أو هي للتمني. 37 - فقه الرضا: قال عليه السلام: سئل بعض العلماء من آل محمد صلى الله عليه وآله فقيل له: جعلت فداك ما معنى الصلاة في الحقيقة ؟ قال: صلة الله للعبد بالرحمة، وطلب الوصال إلى الله من العبد إذا كان يدخل بالنية، ويكبر بالتعظيم والاجلال، ويقرء بالترتيل، ويركع بالخشوع، ويرفع بالتواضع، ويسجد بالذل والخضوع، ويتشهد بالاخلاص مع الامل ويسلم بالرحمة والرغبة، وينصرف بالخوف والرجاء، فإذا فعل ذلك أداها بالحقيقة، ثم قيل: ما أدب الصلاة ؟ قال: حضور القلب، وإفراغ الجوارح، وذل المقام بين يدي الله تبارك وتعالى، ويجعل الجنة عن يمينه، والنار يراها عن يساره، والصراط بين يديه، والله أمامه. وقيل: إن الناس متفاوتون في أمر الصلاة، فعبد يرى قرب الله منه في الصلاة وعبد يرى قيام الله عليه في الصلاة، وعبد يرى شهادة الله في الصلاة، وعبد يرى قيام الله له في الصلاة، وهذا كله على مقدار مراتب إيمانهم. وقيل: إن الصلاة أفضل العبادة لله، وهي أحسن صورة خلقها الله، فمن أداها بكمالها وتمامها فقد أدى واجب حقها، ومن تهاون فيها ضرب بها وجهه (2). 38 - رجال الكشي: عن محمد بن مسعود، عن علي بن الحسن، عن معمر بن خلاد قال: قال أبو الحسن الرضا عليه السلام: إن رجلا من أصحاب علي عليه السلام يقال له: قيس كان يصلي فلما صلى ركعة أقبل أسود فصار في موضع السجود، فلما نحى جبينه عن موضعه تطوق الاسود في عنقه ثم انساب في قميصه. وإني أقبلت يوما من الفرع

 

(1) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 135. (2) فقه الرضا (القسم الثاني الذى ينسب إلى أحمد بن محمد بن عيسى) ص 63.

 

[247]

فحضرت الصلاة فنزلت فصرت إلى ثمامة فلما صليت ركعة أقبل أفعى نحوي فأقبلت على صلاتي لم اخففها ولم ينتقص منها شئ فدنا مني ثم رجع إلى ثمامة، فلما فرغت من صلاتي ولم اخفف دعائي دعوت بعضهم معي فقلت: دونك الافعى تحت الثمامة فقتله، ومن لم يخف إلا الله كفاه (1). مشكوة الانوار: عن معمر مثله (2). توضيح: قال في النهاية: انسابت حية أي دخلت وجرت، وقال: الفرع بضم الفاء وسكون الراء موضع معروف بين مكة والمدينة وقال: الثمام نبت صغير وقصير لا يطول انتهى، والظاهر أن المصير إلى الثمامة لكونها سترة. 39 - فلاح السائل: روى صاحب كتاب زهرة المهج وتواريخ الحجج باسناده عن الحسن بن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن ابن أبي يعفور قال: قال مولانا الصادق عليه السلام: كان علي بن الحسين عليه السلام إذا حضرت الصلاة اقشعر جلده واصفر لونه و ارتعد كالسعفة (3). وروى الكليني ما معناه أن مولانا زين العابدين عليه السلام كان إذا قال: " مالك يوم الدين " يكررها في قراءته حتى كان يظن من يراه أنه قد أشرف على مماته (4). وروي أن مولانا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام كان يتلو القرآن في صلاته، فغشي عليه، فلما أفاق، سئل ما الذي أوجب ما انتهت حاله إليه ؟ فقال: ما معناه، مازلت اكرر آيات القرآن حتى بلغت إلى حال كأنني سمعتها مشافهة ممن أنزلها (5).

 

(1) رجال الكشى ص 88، وفيه " أقبل أسود سالخ " والسالخ: صفة للاسود من الحيات يقال أسود سالخ غير مضاف لانه ينسلخ جلده كل عام والانثى أسودة مأخوذة مأخذ الموصوفات الجامدة كأرنبة ولا توصف بسالخة. (2) مشكاة الانوار ص 14 و 15. (3) فلاح السائل ص 101. (4) فلاح السائل ص 104. (5) فلاح السائل: ص 107 و 108.

 

[248]

وروينا باسنادنا في كتاب الرسائل عن محمد بن يعقوب الكليني باسناده إلى مولانا زين العابدين عليه السلام أنه قال: فأما حقوق الصلاة، فأن تعلم أنها وفادة إلى الله، وأنك فيها قائم بين يدي الله، فإذا علمت ذلك كنت خليقا أن تقوم فيها مقام العبد الذليل الراغب الراهب الخائف الراجي المستكين المتضرع المعظم مقام من يقوم بين يديه، بالسكون والوقار، وخشوع الاطراف، ولين الجناح، وحسن المناجاة له في نفسه والطلب إليه في فكاك رقبته التي أحاطت بها خطيئته، واستهلكتها ذنوبه، ولاقوة إلا بالله (1). وروى جعفر بن أحمد القمي في كتاب زهد النبي قال: كان النبي صلى الله عليه وآله إذا قام إلى الصلاة يربد وجهه خوفا من الله تعالى، وكان لصدره أو لجوفه أزيز كأزيز المرجل (2). وقال في رواية اخرى: إن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا قام إلى الصلاة كأنه ثوب ملقى (3). وذكر مصنف كتاب اللؤلويات في باب الخشوع قال: كان علي بن أبي طالب عليه السلام إذا حضر وقت الصلاة يتزلزل ويتلون، فيقال له: مالك يا أمير المؤمنين ؟ فيقول: جاء وقت أمانة الله التي عرضها على السماوات والارض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها و حملها الانسان، فلا أدري احسن أداء ما حملت أم لا (4). وروي الكليني باسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أبي يقول كان علي بن الحسين عليهما السلام إذا قام في الصلاة كأنه ساق شجرة لا يتحرك منه شئ إلا ما حركت الريح منه (5). ورويت باسنادي من كتاب أصل جامع ما يحتاج إليه المؤمن في دينه في اليوم والليلة عن أبي أيوب قال: كان أبو جعفر وأبو عبد الله عليهما السلام إذا قاما إلى الصلاة تغيرت ألوانهما حمرة ومرة صفرة كانما يناجيان شيئا يريانه (6).

 

(1) فلاح السائل لم نجده في المطبوع. (2 و 3) فلاح السائل ص 161. (4) فلاح السائل لم نجده في المطبوع. (5 و 6) فلاح السائل ص 161.

 

[249]

بيان: قال الجوهري: الربدة لون إلى الغبرة وقد اربد اربدادا وتربد وجه فلان أي تغير من الغضب، وقال في النهاية: فيه كان إذا نزل عليه الوحي اربد وجهه أي تغير إلى الغبرة، وقيل: الربدة لون بين السواد والغبرة، وقال: فيه أنه كان يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء، أي خنين من الجوف بالخاء المعجمة، وهو صوت البكاء وقيل: أن يجيش جوفه ويغلي بالبكاء. 40 - جامع الاخبار: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يجوز صلاة امرئ حتى يطهر خمس جوارح: الوجه واليدين والرأس والرجلين بالماء، والقلب بالتوبة (1). 41 - غوالى اللئالى: قال النبي صلى الله عليه وآله: إن الرجلين من امتي يقومان في الصلاة وركوعهما وسجودهما واحد وإن مابين صلاتيهما مثل مابين السماء والارض. وقال صلى الله عليه وآله: من صلى ركعتين ولم يحدث فيهما نفسه بشئ من امور الدنيا غفر الله له ذنوبه. وروى معاذ بن جبل عنه عليه السلام أنه قال: من عرف من على يمينه وشماله متعمدا في الصلاة فلا صلاة له. وقال صلى الله عليه وآله: إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له سدسها ولا عشرها، وإنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها. 42 - مجالس الشيخ: باسناده عن هشام بن سالم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن العبد إذا عجل فقام لحاجته يقول الله تبارك وتعالى: أما يعلم عبدي أني أنا أقضى الحوائج (2). 43 - مجالس الشيخ وجامع الورام ومكارم الاخلاق: في وصية النبي صلى الله عليه وآله لابي ذر قال: يا أبا ذر ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة، والقلب لاه (3).

 

(1) جامع الاخبار ص 76. (2) أمالي الطوسي ج 2 ص 278. (3) أمالي الطوسي ج 2 ص 146 تنبيه الخواطر ج 2 ص 59، مكارم الاخلاق: 545 وفيها " والقلب ساه ".

 

[250]

44 - الخصال: عن المظفر بن جعفر العلوي، عن جعفر بن محمد بن مسعود العياشي عن أبيه، عن عبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد ابن حمران، عن أبيه، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان علي بن الحسين عليه السلام إذا قام في صلاته غشي لونه لون آخر، وكان قيامه في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله وكان يصلي صلاة مودع يرى أن لا يصلي بعدها أبدا. وقال: إن العبد لا يقبل من صلاته إلا ما أقبل عليه منها بقلبه، فقال رجل هلكنا فقال: كلا إن الله متم ذلك بالنوافل الحديث (1). 45 - فلاح السائل قال رحمه الله: ذكر الكراجكي في كتاب كنز الفوائد قال: جاء في الحديث أن أبا جعفر المنصور خرج في يوم جمعة متوكئا على يد الصادق جعفر بن محمد عليه السلام فقال رجل يقال له رزام مولى خالد بن عبد الله: من هذا الذي بلغ من خطره ما يعتمد أمير المؤمنين على يده ؟ فقيل له: هذا أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فقال إني والله ما علمت لوددت أن خد أبي جعفر نعل لجعفر، ثم قام فوقف بين يدي المنصور فقال له: أسأل يا أمير المؤمنين ؟ فقال له المنصور: سل هذا فقال إني اريدك بالسؤال، فقال له المنصور: سل هذا، فالتفت رزام إلى الامام جعفر بن محمد عليه السلام فقال له: أخبرني عن الصلاة وحدودها، فقال له الصادق عليه السلام: للصلاة أربعة آلاف حد لست تؤاخذ بها. فقال: أخبرني بمالا يحل تركه ولا تتم الصلاة إلا به، فقال أبو عبد الله عليه السلام: لايتم الصلاة إلا لذي طهر سابغ، وتمام بالغ، غير نازغ ولا زائغ، عرف فوقف، وأخبت فثبت، فهو واقف بين اليأس والطمع، والصبر والجزع، كأن الوعد له صنع، والوعيد به وقع، يذل عرضه، ويمثل غرضه، وبذل في الله المهجة، وتنكب إليه المحجة، غير مرتغم بارتغام، يقطع علائق الاهتمام، بعين من له قصد، وإليه وفد، ومنه استرفد.

 

(1) الخصال ج 2 ص 100 في حديث.

 

[251]

فإذا أتى بذلك كانت هي الصلاة التي بها امر، وعنها اخبر، وإنها هي الصلاة التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، فالتفت المنصور إلي أبي عبد الله عليه السلام فقال: يا أبا عبد الله لانزال من بحرك نغترف، وإليك نزدلف، تبصر من العمى، وتجلو بنورك الطخياء، فنحن نعوم في سبحات قدسك، وطامي بحرك (1). بيان: " غير نازغ " قال الفيروزآبادي: نزغه كمنعه طعن فيه واغتابه، وبينهم أفسد وأغرى ووسوس " ولا زائغ " من قوله تعالى: " وأما الذين في قلوبهم زيغ " أي ميل " عرف ": أي عرف الله " فوقف " بين يديه، أو على المعرفة " وأخبت " أي خشع " فثبت " عليه " يذل عرضه " في بعض النسخ بالباء بصيغة الماضي وفي بعضها بالياء المثناة بصيغة المستقبل وفي القاموس العرض بالتحريك حطام الدنيا، وما كان من مال، والغنيمة والطمع، و اسم لما لا دوام له، ويحتمل أكثر تلك الوجوه بأن يكون الغرض الاعراض عن تلك الاغراض الدنيوية، وأن يكون بضم الاول وفتح الثاني جمع عرضة بمعنى المانع أي ما يمنعك من الحضور والاخلاص، وكونه جمع العارض بمعنى الخد بعيد لفظا، وأن يكون بكسر الاول وسكون الثاني بمعنى الجسد أو النفس، أو بالمعنى المعروف وبالتحريك بأحد معانيه أنسب. " ويمثل غرضه " أي يجعل مقصوده من العبادة نصب عينه، وفي بعض النسخ تمثل بصيغة الماضي، وعرضه بالعين المهملة أي تمثل في نظره معروضه وما يريد أن يعرضه لديه من المقاصد، والاول أظهر. " وتنكب إليه المحجة " التنكب إذا عدي بعن فهو بمعنى التجنب، وإذا عدي بالى فهو بمعنى الميل، في النهاية في حديث حجة الوداع: فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس أي يميلها إليهم انتهى، ويحتمل أن يكون إليه متعلقا بالمحجة أي تنكب في السبيل إليه عمن سواه. " غير مرتغم بارتغام " المراغمة الهجران والتباعد، والمغاضبة أي لا يكون سجوده وإيصال أنفه إلى الرغام على وجه يوجب بعده من الملك العلام أو على وجه

 

(1) فلاح السائل ص 23.

 

[252]

السخط وعدم الرضا، فقوله عليه السلام " يقطع علائق الاهتمام " مستأنف أي الاهتمام بالدنيا ويحتمل أن يكون صفه لارتغام، فالمراد الاهتمام بالعبادة " بعين من له قصد " أي يعلم أنه مطلع عليه، وفي بعض النسخ " بغير من له قصد " فهو متعلق بالاهتمام أي يقطع علائق الاهتمام بغيره تعالى، والاسترفاد طلب الرفد والعطاء، والازدلاف القرب، والطخياء الليلة المظلمة ومن الكلام مالا يفهم و " العوم " السباحة و " سبحات قدسك " أي أنواره أو محاسن قدسك لانك إذا رأيت الشئ الحسن قلت سبحان الله، وطما الماء علا والبحر امتلا. 46 - مجالس الصدوق: باسناده عن الحسين بن زيد، عن أبيه، عن الصادق عليه السلام، عن آبائه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إن الله كره لكم أيتها الامة أربعا وعشرين خصلة ونهاكم عنه: كره لكم العبث في الصلاة الخبر (1). 47 - مشكوة الانوار: نقلا من المحاسن، عن الحسن بن صالح قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: من توضأ فأسبغ الوضوء ثم صلى ركعتين فأتم ركوعها وسجودها ثم جلس فأثنى على الله وصلى على رسول الله صلى الله عليه وآله ثم سأل الله حاجته فقد طلب الخير في مظانه، ومن طلب الخير في مظانه لم يخب (2). ومن كتاب آخر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: اعمل عمل من قد عاين (3). وقال عليه السلام: لا دين لمن لا عهد له، ولا إيمان لمن لا إمانة له، ولا صلاة لمن لا زكاة له، ولا زكاة لمن لا ورع له (4). 48 - كتاب جعفر بن محمد بن شريح، عن حميد بن شعيب، عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ما من عبد يقوم إلى الصلاة فيقبل بوجهه إلى الله إلا أقبل الله إليه بوجهه، فان التفت صرف الله وجهه عنه، ولا يحسب من صلاته إلا ما أقبل بقلبه إلى الله، ولقد صلى أبو جعفر عليه السلام ذات يوم فوقع على رأسه شئ فلم

 

(1) أمالي الصدوق: 181، وقد مر الاشارة إليه تحت الرقم 7. (2) مشكاة الانوار: 75. (3 - 4) مشكاة الانوار: 46. (*)

 

[253]

ينزعه من رأسه حتى قام إليه جعفر فنزعه من رأسه تعظيما لله وإقبالا على صلاته، و هو قول الله " أقم وجهك للدين حنيفا " (1) وهي أيضا في الولاية. بيان: أي هذا ظاهر الاية وفي باطن الاية فسر الدين بالولاية، أو المعنى أن الحنيف إشارة إلى الولاية. 49 - سعد السعود: وجدت في صحف إدريس عليه السلام: إذا دخلتم في الصلاة فاصرفوا لها خواطركم وأفكاركم وادعوا الله دعاء طاهرا متفرغا، وسلوه مصالحكم ومنافعكم بخضوع وخشوع وطاعة واستكانة، وإذا ركعتم وسجدتم فأبعدوا عن نفوسكم أفكار الدنيا وهواجس السوء، وأفعال الشر واعتقاد المكر، ومآكل السحت والعدوان، والاحقاد، واطرحوا بينكم ذلك كله (2). 50 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل أيصلح له أن يغمض عينيه متعمدا في صلاته ؟ قال: لا بأس (3). 51 - نوادر الراوندي: باسناده، عن موسى بن جعفر، عن آبائه عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا صلاة لمن لايتم ركوعها وسجودها (4). وبهذا الاسناد قال: قال النبي صلى الله عليه وآله: من أسبغ وضوءه وأحسن صلاته، وأدى زكاة ماله، وملك غضبه، وسجن لسانه، وبذل معروفه، وأدى النصيحة لاهل بيت نبيه، فقد استكمل حقائق الايمان، وأبواب الجنان له مفتحة (5). أقول: قد مر بأسانيد جمة (6). 52 - ووجدت بخط الشيخ محمد بن علي الجبعي: نقلا من خط الشيخ الشهيد قدس الله روحهما قال: روى جابر بن عبد الله الانصاري قال: كنت مع مولانا

 

(1) الروم: 30. (2) سعد السعود: 40. (3) المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 284. (4 - 5) نوادر الراوندي: 5. (6) راجع ج 69 ص 154 - 175 باب درجات الايمان وحقائقه.

 

[254]

أمير المؤمنين عليه السلام فرأى رجلا قائما يصلي فقال له: يا هذا أتعرف تأويل الصلاة ؟ فقال: يا مولاي وهل للصلاة تأويل غير العبادة ؟ فقال: أي والذي بعث محمدا بالنبوة وما بعث الله نبيه بأمر من الامور إلا وله تشابه وتأويل وتنزيل وكل ذلك يدل على التعبد فقال له: علمني ما هو يا مولاي ؟ فقال عليه السلام: تأويل تكبيرتك الاولى إلى إحرامك أن تخطر في نفسك إذا قلت: الله أكبر من أن يوصف بقيام أو قعود، وفي الثانية أن يوصف بحركة أو جمود، وفي الثالثة أن يوصف بجسم أو يشبه بشبه أو يقاس بقياس، وتخطر في الرابعة أن تحله الاعراض أو تولمه الامراض، وتخطر في الخامسة أن يوصف بجوهر أو بعرض أو يحل شيئا أو يحل فيه شئ، وتخطر في السادسة أن يجوز عليه ما يجوز على المحدثين من الزوال والانتقال، والتغير من حال إلى حال، وتخطر في السابعة أن تحله الحواس الخمس. ثم تأويل مد عنقك في الركوع تخطر في نفسك آمنت بك ولو ضربت عنقي، ثم تأويل رفع رأسك من الركوع إذا قلت: " سمع الله لمن حمده الحمد لله رب العالمين " تأويله: الذي أخرجني من العدم إلى الوجود، وتأويل السجدة الاولى أن تخطر في نفسك وأنت ساجد: منها خلقتني، ورفع رأسك تأويله: ومنها أخرجتني، والسجدة الثانية: وفيها تعيدني، ورفع رأسك تخطر بقلبك: ومنها تخرجني تارة اخرى. وتأويل قعودك على جانبك الايسر ورفع رجلك اليمنى وطرحك على اليسرى تخطر بقلبك اللهم إني أقمت الحق وأمت الباطل، وتأويل تشهدك تجديد الايمان ومعاودة الاسلام، والاقرار بالبعث بعد الموت، وتأويل قراءة التحيات تمجيد الرب سبحانه، وتعظيمه عما قال الظالمون ونعته الملحدون، وتأويل قولك: " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " ترحم عن الله سبحانه فمعناها هذه أمان لكم من عذاب يوم القيامة. ثم قال أمير المؤمنين عليه السلام: من لم يعلم تأويل صلاته هكذا، فهي خداج، أي ناقصة.


 

[255]

بيان: " الذي أخرجني " لعل المعنى أنه لما أمر الله تعالى بعد الركوع الذي هو تذلل العبد واستكانته عند ربه برفع الرأس، فمعناه أنه رفعك الله عن المذلة في الدارين، ونجاك من الهلكة فيهما، ولا يقدر على ذلك إلا الذي خلقه، وأخرجه من العدم إلى الوجود، فهذا مستلزم للاقرار بالخلق. وأما السجدة الاولى فانما تدل على الخلق، لان مثل هذا التذلل لا يليق إلا بالخالق، وإنما أمر بالسجدة بالتراب لانه مبدء خلقه، وكذا الرفع يدل على أن الذي خلقه من التراب قادر على أن يخلصه من تعلقات هذه الدنيا الدنية، و يجعله جليس رب الارباب، ثم يسجد للاقرار بأن له بعد هذه الرفعة مذلة تحت التراب ثم يرفعه عنها رفعة لا مذلة بعدها يوم الحساب. وأما التورك فلما كانت اليسرى أضعف الجانبين وأخسهما فناسبت الباطل، واليمنى أقوى الجانبين وأشرفهما ناسبت الحق، فلما رفع اليمنى على اليسرى أشعر بذلك بأني أقمت الحق وأمت الباطل، مع أن فيه مخالفة العامة أيضا في الاقعاء فقد أقام هذا الحق وأمات هذا الباطل الذي ابتدعوه، ولما كانت الصلاة معراج المؤمن فإذن السلام كناية عن دخوله المجلس الخاص للمعبود، وهو دار الامن والامان، فكأنه بشارة بالامن من عذاب يوم القيامة، أو أن الامام إذا سلم على المأمومين بأمره تعالى فكأنه بشرهم بالسلامة والرحمة والبركات من مفيض الخيرات. ويؤيد الاخير أنه روي في الفقيه (1) قال رجل لامير المؤمنين عليه السلام: يا ابن عم خير خلق الله ما معنى رفع رجلك اليمنى وطرحك اليسرى في التشهد ؟ قال: تأويله اللهم أمت الباطل وأقم الحق، قال فما معنى قول الامام السلام عليكم ؟ فقال: إن الامام يترحم عن الله عزوجل ويقول في ترجمته لاهل الجماعة: أمان لكم من عذاب الله يوم القيامة، وتحت كل منها أسرار لاتخفى على العارفين، وذكرها يوجب ملال الغافلين. وقال الشهيدان في النفلية وشرحها: واول في الرواية التي رواها أحمد بن

 

(1) فقيه من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 210.

 

[256]

أبي عبد الله (1) عن علي عليه السلام التكبير الاول من هذه التكبيرات السبع " أن يلمس بالاخماس " أي بالاصابع الخمس، أو يدرك بالحواس أو أن يوصف بقيام أو قعود و الثاني أن يوصف بحركة أو جمود أي سكون مراعاة للمقابلة، وإن كان الجمود أي سكون مراعاة للمقابلة، وإن كان الجمود أعم والثالث أن يوصف بجسم أو يشبه بشبيه، والرابع أن تحله الاعراض وتؤلمه الامراض أي لا تتعلق به الامراض فتؤلمه، لا أن يجوز تعلق الامراض ولا تؤلمه كقوله تعالى: " الذي رفع السماوات بغير عمد ترونها " والخامس أن يوصف بجوهر أو عرض أو يجعل في شئ، والسادس أن يجوز عليه الزوال وهو العدم أو الانتقال من مكان إلى مكان أو التغير من حال إلى حال، والسابع أن تحله الحواس الخمس الظاهرة التي هي الباصرة والسامعة والشامة والذائقة واللامسة والخمس الباطنة التي هي الحس المشترك والخيال والوهم والحافظة والمتخيلة، وإن كانت منفية عنه تعالى إلا أن الاطلاق لا ينصرف إليها انتهى. 53 - بيان التنزيل: لابن شهر آشوب قيل: كان النبي صلى الله عليه وآله إذا صلى رفع بصره إلى السماء، فلما نزل " الذينهم في صلوتهم خاشعون " طأطأ رأسه ورمى ببصره إلى الارض. ومنه: نقلا من تفسير القشيري أن أمير المؤمنين عليه السلام كان إذا حضر وقت الصلاة تلون وتزلزل فقيل له: مالك ؟ فقال: جاء وقت أمانة عرضها الله على السموات والارض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الانسان، وأنا في ضعفي فلا أدري احسن أداء ما حملت أولا. 54 - دعوات الراوندي: عن محمد بن الحسن بن كثير الخزاز، عن أبيه قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام وعليه قميص غليظ خشن تحت ثيابه، وفوقه جبة صوف وفوقها قميص غليظ، فمسستهما فقلت: إن الناس يكرهون لباس الصوف، قال: كلا كان أبي محمد بن علي عليه السلام يلبسها وكان علي بن الحسين عليه السلام يلبسها وكانوا يلبسون أغلظ ثيابهم إذا قاموا إلى الصلاة.

 

(1) راجع علل الشرايع ج 2 ص 10.

 

[257]

وكان عليه السلام إذا صلى برز إلى موضع خشن فيصلي فيه ويسجد على الارض فأتى الجبان وهو جبل بالمدينة يوما ثم قام على حجارة خشنة محرقة فأقبل يصلي وكان كثير البكاء فرفع رأسه من السجود وكأنما غمس في الماء من كثرة دموعه. وعن ربيعة بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا صليت فصل صلاة مودع. 55 - عدة الداعي: فيما أوحى الله إلى داود عليه السلام لربما صلى العبد فأضرب بها وجهه، وأحجب عني صوته، أتدري من ذلك يا داود ؟ ذلك الذي يكثر الالتفات إلى حرم المؤمنين بعين الفسق، وذلك الذي حدثته نفسه لو ولي أمرا لضرب فيه الاعناق ظلما. يا داود نح على خطيئتك كالمرءة الثكلى على ولدها، وكم ركعة طويلة فيها بكاء بخشية قد صلاها صاحبها لا تساوي عندي فتيلا حين نظرت في قلبه ووجدته إن سلم من الصلاة وبرزت له امرءة وعرضت عليه نفسها أجابها وإن عامله مؤمن خانه (1). وعن النبي صلى الله عليه وآله قال: ألا أدلكم على أكسل الناس، وأسرق الناس، وأبخل الناس، وأجفى الناس، وأعجز الناس ؟ قالوا: بلى يارسول الله صلى الله عليه وآله قال: فأما أبخل الناس فرجل يمر بمسلم ولا يسلم عليه، وأما أكسل الناس فعبد صحيح فارغ لا يذكر الله بشفة ولا بلسان، وأما أسرق الناس فالذي يسرق من صلاته فصلاته تلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجهه، وأما أجفى الناس فرجل ذكرت بين يديه فلم يصل علي، وأما أعجز الناس فمن عجز عن الدعاء. وعنهم عليهم السلام صلاة ركعتين بفص عقيق تعدل ألف ركعة بغيره. وعن النبي صلى الله عليه وآله: قال: أوحى الله إلى أن يا أخا المرسلين يا أخا المنذرين أنذر قومك لا يدخلوا بيتا من بيوتي ولاحد من عبادي عند أحدهم مظلمة، فاني ألعنه مادام قائما يصلي بين يدي حتى يرد تلك المظلمة، فأكون سمعه الذي يسمع به، و أكون بصره الذي يبصر به، ويكون من أوليائي وأصفيائي ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء في الجنة.

 

(1) عدة الداعي: 23.

 

[258]

وروي أن إبراهيم عليه السلام كان يسمع تأوهه على حد ميل حتى مدحه الله تعالى بقوله " إن إبراهيم لحليم أواه منيب " وكان في صلاته يسمع له أزيز كأزيز المرجل وكذلك كان يسمع من صدر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله مثل ذلك، وكانت فاطمة عليها السلام تنهج في الصلاة من خيفة الله تعالى. بيان: النهج بالتحريك البهر وتتابع النفس وقد نهج بالكسر ينهج ذكره الجوهري. 56 - العدة: روى المفضل بن عمر، عن الصادق، عن أبيه، عن جده عليهم السلام أن الحسن بن علي عليه السلام كان إذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عزوجل: وكان إذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم، وسأل الله الجنة، وتعوذ بالله من النار. وقالت عايشة: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يحدثنا ونحدثه، فإذا حضرت الصلاة فكأنه لم يعرفنا ولم نعرفه. وعن النبي صلى الله عليه وآله قال: لو صليتم حتى تكونوا كالاوتار، وصمتم حتى تكونوا كالحنايا (1) لم يقبل الله منكم إلا بورع. وعنه صلى الله عليه وآله قال: العبادة مع أكل الحرام كالبناء على الرمل، وقيل على الماء. توضيح: " أوتار القوس " جمع الوتر بالتحريك معروف وفي النهاية حنيت الشئ عطفته، ومنه الحديث لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا هي جمع حنية أو حنى وهما القوس فعيل بمعنى مفعول، لانها محنية أي معطوفة. 57 - العدة: قال النبي صلى الله عليه وآله: يابا ذر مادمت في الصلاة فانك تقرع باب الملك ومن يكثر قرع باب الملك يفتح له. يا أبا ذر ما من مؤمن يقوم إلى الصلاة إلا تناثر عليه البر ما بينه وبين العرش

 

(1) في روايات العامة: " لو صمتم حتى تكونوا كالاوتار، وصليتم حتى تكونوا كالحنايا " وهو أنسب، منه رحمه الله بخطه في هامش الاصل.

 

[259]

ووكل الله به ملكا ينادي يا ابن آدم لو تعلم مالك في صلاتك ولمن تناجي ما سئمت ولا التفت. وفيما أوحى الله إلى ابن عمران: يا موسى عجل التوبة وأخر الذنب، وتأن في المكث بين يدي في الصلاة، ولا ترج غيري. اتخذني جنة للشدايد وحصنا لملمات الامور. وعن النبي صلى الله عليه وآله أن ربك يباهي الملائكة بثلاثة نفر: رجل يصبح في أرض قفر فيؤذن ويقيم ثم يصلي فيقول ربك عزوجل للملائكة: انظروا إلى عبدي يصلي ولا يراه أحد غيري، فينزل سبعون ألف ملك يصلون وراءه ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم، ورجل قام من الليل يصلي وحده فسجد ونام وهو ساجد، فيقول انظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده ساجد لي، ورجل في زحف فيفر أصحابه ويثبت هو يقاتل حتى قتل. وعنهم عليهم السلام صلاة ركعتين بتدبر خير من قيام ليلة والقلب ساه. وعنهم عليهم السلام: ليس لك من صلاتك إلا ما أحضرت فيه قلبك. ومن سنن إدريس عليه السلام إذا دخلتم في الصلاة فاصرفوا إليها خواطركم وأفكاركم وادعوا الله دعاء ظاهرا متفرغا واسألوه مصالحكم ومنافعكم بخضوع وخشوع وطاعة واستكانة. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: من صلى صلاة يرائي بها فقد أشرك، ثم قرء هذه الاية " قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " (1). 58 - اسرار الصلاة: للشهيد الثاني رحمه الله روي عن النبي صلى الله عليه وآله أن العبد إذا اشتغل بالصلاة جاءه الشيطان وقال له: اذكر كذا اذكر كذا حتى يضل الرجل أن يدري كم صلى. وقال صلى الله عليه وآله: أما يخاف الذي يحول وجهه في الصلاة أن يحول الله وجهه

 

(1) الكهف: 110.

 

[260]

وجه حمار. وعنه صلى الله عليه وآله من حبس نفسه في صلاة الفريضة فأتم ركوعها وسجودها وخشوعها ثم مجد الله عزوجل وعظمه وحمده حتى يدخل وقت صلاة اخرى، لم يلغ بينهما كتب الله له كأجر الحاج المعتمر، وكان من أهل عليين. بيان: " لم يلغ بينهما " أي لم يأت بفعل أو قول يكون ملغى لا نفع يترتب عليه في الاخرة. 59 - أسرار الصلاة: عن النبي صلى الله عليه وآله أن من الصلاة لما يقبل نصفها وثلثها وربعها وخمسها إلى العشر، وإن منها لما يلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها، وإنما لك من صلاتك ما أقبلت عليه بقلبك. وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله إذا قام العبد المؤمن في صلاته نظر الله إليه أو قال أقبل الله عليه حتى ينصرف، وأظلته الرحمة من فوق رأسه إلى افق السماء والملائكة تحفه من حوله إلى افق السماء، ووكل الله به ملكا قائما على رأسه، يقول: أيها المصلي لو تعلم من ينظر إليك ومن تناجي ما التفت ولا زلت من موضعك أبدا. وقال الصادق عليه السلام: لاتجمع الرغبة والرهبة في قلب إلا وجبت له الجنة، فإذا صليت فأقبل بقلبك على الله عزوجل فانه ليس من عبد مؤمن يقبل بقلبه على الله عزوجل في صلاته ودعائه إلا أقبل الله عليه بقلوب المؤمنين، وأيده مع مودتهم إياه بالجنة. وعن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام أنهما قالا: مالك من صلاتك إلا ما أقبلت عليه فيها، فان أوهمها كلها أو غفل عن أدائها لفت فضرب بها وجه صاحبها. وروي عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كنت في صلاتك فعليك بالخشوع والاقبال على صلاتك، فان الله تعالى يقول: " الذينهم في صلوتهم خاشعون ".


 

[261]

وعنه عليه السلام قال: كان علي بن الحسين عليه السلام إذا قام إلى الصلاة تغير لونه، فإذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقا. وروى العيص ابن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: والله إنه ليأتي على الرجل خمسون سنة وما قبل الله منه صلاة واحدة، فأي شئ أشد من هذا ؟ والله إنكم لتعرفون من جيرانكم وأصحابكم من لو كان يصلي لبعضكم ما قبلها منه لاستخفافه بها، إن الله عزوجل لا يقبل إلا الحسن، فكيف تقبل ما يستخف به. وعن أبي الحسن الرضا عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: طوبى لمن أخلص لله العبادة والدعاء، ولم يشتغل قلبه بما تراه عيناه، ولم ينس ذكر الله بما تسمع اذناه ولم يحزن صدره بما اعطي غيره. وقال النبي صلى الله عليه وآله: إذا قام العبد إلى الصلاة فكان هواه وقلبه إلى الله تعالى انصرف كيوم ولدته امه. وقال صلى الله عليه وآله: إن الله مقبل على العبد ما لم يلتفت. وقال صلى الله عليه وآله - وقد رأى مصليا يعبث بلحيته: أما هذا لو خشع قلبه لخشعت جوارحه. وقال صلى الله عليه وآله: يمضي على الرجل ستون سنة أو سبعون ما قبل الله منه صلاة واحدة. 60 - اعلام الدين: كان علي بن الحسين عليه السلام إذا صلى تبرز إلى مكان خشن يتخفى ويصلي فيه وكان كثير البكاء، قال: فخرج يوما في حر شديد إلى الجبان ليصلي فيه فتبعه مولى له وهو ساجد على الحجارة وهي خشنة حارة وهو يبكي فجلس مولاه حتى فرغ فرفع رأسه وكأنه قد غمس رأسه ووجهه في الماء من كثرة الدموع الخبر. 61 - مشكوة الانوار: نقلا من المحاسن، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله يبغض الشهرتين: شهرة اللباس وشهرة الصلاة (1).

 

(1) مشكاة الانوار: 320.

 

[262]

وعن أبي جعفر عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله عند عائشة ليلتها قالت: يارسول الله ولم تتعب نفسك وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فقال: يا عائشة ألا أكون عبدا شكورا (1). قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقوم على أصابع رجليه فأنزل الله، " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " (2). وعن علي بن يقطين قال: قال أبو الحسن موسى عليه السلام مر أصحابك أن يكفوا ألسنتهم ويدعو الخصومة في الدين، ويجتهدوا في عبادة الله، وإذا قام أحدهم في صلاة فريضة فليحسن صلاته، وليتم ركوعه وسجوده، ولا يشغل قلبه بشئ من امور الدنيا فاني سمعت أبي عليه السلام يقول: إن ملك الموت يتصفح وجوه المؤمنين عند حضور الصلوات المفروضات (3). 62 - ثواب الاعمال: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن صفوان، عن هارون بن خارجة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: الصلاة وكل بها ملك ليس له عمل غيرها، فإذا فرغ منها قبضها ثم صعد بها، فان كانت مما تقبل قبلت، وإن كانت مما لاتقبل قيل له ردها على عبدي فينزل بها حتى يضرب بها وجهه، ثم يقول له: اف لك لا يزال لك عمل يعنتني (4). المحاسن: عن أبيه، عن صفوان، عن ابن خارجة عنه عليه السلام مثله (5). 63 - كتاب الغايات: للشيخ جعفر بن أحمد القمي، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: خياركم ألينكم مناكب في الصلاة.

 

(1) مشكاة الانوار: 35. (2) المصدر نفسه: 35. (3) مشكاة الانوار: 68. (4) ثواب الاعمال: 206. (5) المحاسن: 82.

 

[263]

بيان: قال في النهاية: فيه خياركم ألاينكم مناكب في الصلاة، هي جمع ألين بمعنى السكون والوقار والخشوع انتهى، ويحتمل أن يكون كناية عن كثرة الصلاة أو التفسح للواردين في الجماعة. 64 - معاني الاخبار: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر، عن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: اعلم أن الصلاة حجزة الله في الارض فمن أحب أن يعلم ما أدرك من نفع صلاته فلينظر، فان كانت صلاته حجزته عن الفواحش والمنكر فانما أدرك من نفعها بقدر ما احتجز (1). بيان: قال في النهاية فيه: أن الرحم أخذت بحجزة الرحمن، أي اعتصمت به والتجأت إليه مستجيرة، وأصل الحجزة موضع شد الازار، ثم قيل للازار حجزة للمجاورة، واحتجر الرجل بالازار إذا شده على وسطه، فاستعاره للاعتصام والالتجاء والتمسك بالشئ والتعلق به، ومنه الحديث الاخر: والنبي آخذ بحجزة الله، أي بسبب منه، والانحجاز مطاوع حجزه إذا منعه. وقال في القاموس: حجزه يحجزه ويحجزه حجز أمنعه وكفه فانحجز، وبينهما فصل، والحجزة الذين يمنعون بعض الناس من بعض ويفصلون بينهم بالحق، و تحاجزا: تمانعا، وشدة الحجزة كناية عن الصبر انتهى والظاهر أن المراد هنا ما يحجز الناس عن المعاصي ويحتمل السبب أيضا. 65 - تفسير علي بن ابراهيم: " اتل ما اوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " قال من لم تنه الصلاة عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا (2). 66 - دعائم الاسلام: عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: أسرق

 

(1) معاني الاخبار: 236 في حديث. (2) تفسير القمي: 496، في سورة النعكبوت الاية 45.

 

[264]

السراق من سرق من صلاته يعني لا يتمها (1). وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: من لم يتم وضوءه وركوعه وسجوده وخشوعه فصلاته خداج، يعني ناقصة غير تامة (2). وعنه عليه السلام قال: الصلاة ميزان فمن وفى استوفى (3). وعنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: صلاة ركعتين خفيفتين في تمكن خير من قيام ليلة (4). وعنه عليه السلام قال: مثل الذي لايتم صلاته كمثل حبلى حملت إذا دنا نفاسها أسقطت، فلا هي ذات حمل ولا ذات ولد (5). وعنه عليه السلام أنه دخل المسجد فنظر إلى أنس بن مالك يصلي وينظر حوله، فقال له: يا أنس صل صلاة مودع ترى أنك لا تصلي بعدها صلاة أبدا، اضرب ببصرك موضع سجودك لا تعرف من عن يمينك ولا عن شمالك، واعلم أنك بين يدي من يراك ولا تراه (6). وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال في قول الله عزوجل: " الذينهم في صلوتهم خاشعون " قال: الخشوع غض البصر في الصلاة، وقال: من التفت بالكلية في صلاته قطعها (7). وعن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: بنيت الصلاة على أربعة أسهم: سهم منها إسباغ الوضوء، وسهم منها الركوع، وسهم منها السجود، وسهم منها الخشوع، فقيل: يا رسول الله، وما الخشوع ؟ قال صلى الله عليه وآله: التواضع في الصلاة، وأن يقبل العبد بقلبه كله على ربه، فإذا هو أتم ركوعها وسجودها وأتم سهامها صعدت إلى السماء لها نور يتلالؤ، وفتحت أبواب السماء لها، وتقول حافظت على حفظك الله، فتقول الملائكة

 

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 135 وفيه: لايتم فرائضها. (2 - 5) دعائم الاسلام ج 1 ص 136. (6 و 7) دعائم الاسلام ج 1 ص 157 و 158.

 

[265]

صلى الله على صاحب هذه الصلاة، وإذا لم يتم سهامها صعدت ولها ظلمة وغلقت أبواب السماء دونها وتقول ضيعتني ضيعك الله، ويضرب الله بها وجهه (1). وروينا عن علي بن الحسين أنه صلى فسقط الرداء عن منكبيه، فتركه حتى فرغ من صلاته، فقال له بعض أصحابه: يا ابن رسول الله ! سقط رداؤك عن منكبيك فتركته ومضيت في صلاتك ؟ فقال: ويحك تدري بين يدي من كنت ؟ شغلني والله ذلك عن هذا، أتعلم أنه لا يقبل من صلاة العبد إلا ما أقبل عليه، فقال له: يا ابن رسول الله هلكنا إذا قال: كلا إن الله يتم ذلك بالنوافل (2). وعنه عليه السلام أنه كان إذا توضأ للصلاة وأخذ في الدخول فيها اصفر وجهه وتغير فقيل له مرة في ذلك، فقال: إني اريد الوقوف بين يدي ملك عظيم (3). وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما كانا إذا قاما في الصلاة تغيرت ألوانهما مرة حمرة ومرة صفرة كأنهما يناجيان شيئا يريانه (4). وعن علي عليه السلام أنه كان إذا دخل الصلاة كان كأنه بناء ثابت أو عمود قائم لا يتحرك، وكان ربما ركع أو سجد فيقع الطير عليه، ولم يطق أحد أن يحكي صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله إلا علي بن أبي طالب وعلي بن الحسين عليهما السلام (5). وعن جعفر بن محمد أنه سئل عن الرجل يقول في الصلاة هل يراوح بين رجليه أو يقدم رجلا ويؤخر اخرى من غير علة ؟ قال: لا بأس بذلك ما لم يتفاحش (6). وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله نهى أن يفرق المصلي بين قدميه في الصلاة، وقال إن ذلك فعل اليهود، ولكن أكثر ما يكون ذلك نحو الشبر فما دونه وكلما جمعهما فهو أفضل إلا أن تكون به علة (7). وعن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام أنهما قالا: إنما للعبد من صلاته ما أقبل عليه منها، فإذا أوهمها كلها لفت فضرب بها وجهه (8).

 

(1 - 3 و 8) دعائم الاسلام ج 1 ص 158. (4 - 7) دعائم الاسلام ج 1 ص 159.

 

[266]

وعن جعفر بن محمد أنه قال: إذا أحرمت في الصلاة فأقبل عليها، فانك إذا أقبلت أقبل الله عليك وإذا أعرضت أعرض الله عنك، فربما لم يرفع من الصلاة إلا الثلث أو الربع أو السدس، على قدر إقبال المصلي على صلاته، ولا يعطى الله الغافل شيئا (1). وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال ليرم أحدكم ببصره في صلاته إلى موضع سجوده ونهى أن يطمح الرجل ببصره إلى السماء وهو في الصلاة (2). بيان: يدل على كراهة النظر إلى السماء في الصلاة ؟ ونقل عليه في المنتهى الاجماع، وقال: روى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ما بال أقوام يرفعون أبصارهم في صلاتهم، لينتهن عن ذلك أو ليخطفن أبصارهم وفي خبر زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال أجمع بصرك ولا ترفعه إلى السماء. وأما تغميض العين فقد عرفت أن ظاهر أكثر الاخبار استحباب النظر إلى موضع السجود، وقال في المنتهى: يكره تغميض العين في الصلاة، وروي النهي عنه من طريق العامة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله، ومن طريق الخاصة عن مسمع عن أبي عبد الله عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله نهى أن يغمض الرجل عينه في الصلاة (3) ويحتمل التخيير كما مر والافضل النظر إلى موضع السجود في القيام، وعد الشهيد - ره - في النفلية من المكروهات تحديد النظر إلى شئ بعينه وإن كان بين يديه، بل ينظر نظر خاشع والتقدم والتأخر إلا لضرورة. 67 - الدعائم: عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه نظر إلى رجل يصلي وهو يعبث بلحيته فقال: أما إنه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه (4).

 

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 151. (2) دعائم الاسلام ج 1 ص 157. (3) رواه في التهذيب ج 1 ص 225، لكنك قد عرفت فيما سبق غير مرة أن الغض غير الغمض، والمسنون هو الغض الذى به يقع الطرف على موضع السجود، والمكروه هو الغمض بتطبيق الاجفان. (4) دعائم الاسلام ج 1 ص 174.

 

[267]

وقال صلى الله عليه وآله: إن الله كره لكم ستا: العبث في الصلاة، والمن في الصدقة، و الرفث في الصيام، والضحك عند القبور، وإدخال الاعين في الدور بغير إذن، والجلوس في المساجد وأنتم جنب (1). وعن علي عليه السلام قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله: إياكم وشدة التثاؤب في الصلاة(2). وعن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه كره التثاؤب والتمطي في الصلاة (3). قال المؤلف: وذلك لان هذا إنما يعتري من الكسل فهو منهي عنه أن يعتمد أو يستعمل، والتثاؤب شئ يعتري على غير تعمد، فمن اعتراه ولم يملكه فليمسك يده على فيه ولا يثنه ولا يمده (4). وقد روينا عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا تثاءب في الصلاة ردها بيمينه (5). وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه نهى أن يغمض المصلي عينيه في الصلاة (6). 68 - أصل: من اصول الاصحاب، عن أحمد بن إسماعيل، عن أحمد بن إدريس، عن الحسن بن علي بن عبد الله بن المغيرة، عن جعفر بن محمد بن عبيد الله ابن عبد الله، عن عبد الله بن المغيرة، عن طلحة بن زيد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ليس السارق من يسرق الناس، ولكنه الذي يسرق الصلاة. 69 - كتاب عاصم بن حميد: عن أبي عبيدة الحذاء، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن من أغبط أوليائي عندي رجل خفيف الحاذ، ذو حظ

 

(1 - 4) دعائم الاسلام ج 1 ص 174.زاد في المصدر: فانها عوة الشيطان. (5 و 6) دعائم الاسلام ج 1 ص 175، وههنا ينتهى أصل المؤلف الذى كان عندنا و بعده في الجزوة الاخرى، ولكنه يظهر من ذيل الصفحة أن بعد ذلك ينقل الحديث من مشكاة الانوار، لا أصل من أصول أصحابنا.

 

[268]

من صلاة أحسن عبادة ربه في الغيب، وكان غامضا في الناس، جعل رزقه كفافا فصبر عجلت عليه منيته مات فقل تراثه وقلت بواكيه. 17. * " (باب) " * * " (ما يجوز فعله في الصلاة ومالايجوز) " * * " (وما يقطعها وما لا يقطعها) " * الايات: النساء: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلوة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولاجنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا " (1).

 

(1) النساء: 43، وقد مر في ج 81 ص 33 و 133 شطر مما يتعلق بالاية وأقول هنا: أن السكر خلاف الصحو، يقال له بالفارسية " مستى " وهي حالة تعترى المشاعر حين يمتلئ الرأس - وفيها الدماغ - من الابخرة المتصاعدة إليها كالغيم الذى يملا أرجاء السماء فإذا ذهبت وصحي الرجل عاد المشاعر بحالها من الادراك وتمالك الاعضاء كالسماء الصاحية إذا صحي من الغيم. وهذا الامتلاء قد يكون لغضب أو عشق أو هم أو يكون باقتحام نازلة كما قال عزوجل " وجاءت سكرة الموت " أو لغلبة النوم كما قال عزوجل: " لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون " وقد يكون بشرب المسكرات كالشراب والنبيذ أو شرب الحشيش والافيون أو أكل بعض المخدرات كالشيلم والافيون، الا أن الناس في عرفهم تداولوا كلمة السكر بينهم عند حصول السكر من الشراب ولا موجب لحمل ألفاظ القرآن الحكيم على عرف الناس الذى قد يتبدل بتبدل الاعصار، بل انما يحمل على أصل اللسان وأساس اللغة: " لسان عربي مبين ". ومن السكر سكر الابصار كما في قوله تعالى: " لقالوا سكرت أبصارنا " يعنون حارت أبصارنا كأنها تبصر من وراء غيم وضباب فلم نتحقق العروج إلى السماء، وهذا مما يسلم

 

[269]

وقال تعالى: " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أوردوها إن الله كان على كل شئ حسيبا " (1). المائدة: إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلوة و

 

أن السكر ليس هو سكر الشراب فقط، حتى يعترض على الاية بانها كيف تجوز شرب المسكرات وتجعله اصلا ثم يتفرع عليه النهى عن الاقتراب إلى الصلاة حال السكر. إذا عرفت ذلك فاعلم أن الذى سكر من النوم أو الافيون أو الخمر، إذا تحقق سكره ذهب عنه التحفظ في القول والعمل بذهاب المشاعر، فلا هو يدرى ما يقول - إذا تكلم - ولعله يقول هجرا أو يقول كلمة الكفر، ولا هو يقدر على حفظ عدد الركعات وهو واجب عليه خصوصا مع فرضه وكونه ركنا بالنسبة إلى الركعتين الاوليين، فلا يدرى بثنتين صلى الظهر أم بثمانيا. بل الذى سكر إذا تحقق سكره أرخى وكاء السته منه فلا يعقل ولا يحس بما يخرج منه من الفسوة والضرطة وغيرهما، وقد مر في كتاب الطهارة ج 80 ص 215 أن السكر كالاغماء والجنون والنوم أمارة عقلائية فطرية لنقض الطهارة، فلا يجوز لهذا السكران أن يقرب من المسجد، ولا من عبادة الصلاة، حتى يصحو من سكره، ويكون صحوه بحيث يعلم ما يقول إذا تكلم. فقوله تعالى: " حتى تعلموا ما تقولون " حد للصحو الذى يجوز معه الاقتراب من الصلوات بكلا معنييه، لا أنه يجب أن يعلم ويفهم ما يقوله من القراءة والتسبيح والتهليل بحيث إذا غفل عن ذكره وقراءته كانت صلاته باطلة، والا لكانت صلاة الاكثرين وخصوصا الاعجمين الذين لم يتعلموا العربية باطلة. (1) النساء: 86. والاية - كما أشرنا إلى ذلك قبلا من المتشابهات بأم الكتاب تشبه أنها مستقلة برأسها وليست كذلك، بل هي مؤولة أولها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الصلاة سنة في فريضة، فلو ترك المصلى رد السلام متعمدا بطلت صلاته، وان تركه جاهلا أو ساهيا أو لا يدري فلا شئ عليه. وزعم جمهور المخالفين أن الاية من المحكمات أم الكتاب مستقلة برأسها كسائر الفرائض فليست داخلة في الصلاة، ولما كان كلاما آدميا يخاطب آدميا من البشر لا

 

[270]

يؤتون الزكوة وهم راكعون (1). تفسير: قد مر في كتاب الطهارة أن في الاية وجهين أحدهما المنع عن قرب الصلاة والدخول فيها حال السكر من خمر ونحوها أو من النوم كما مر في بعض الروايات وذكره بعض المفسرين، أو الاعم كما هو ظاهر القاضي، وفي الكافي (2) ومنه سكر النوم وهو يفيد التعميم، وفي مجمع البيان (3) عن الكاظم عليه السلام أن المراد به سكر الشراب ثم نسختها آية تحريم الخمر كما روت العامة أن عبد الرحمن بن عوف صنع طعاما وشرابا لجماعة من الصحابة قبل نزول تحريم الخمر، فأكلوا وشربوا فلما ثملوا دخل وقت المغرب، فقدموا أحدهم ليصلي بهم فقرأ " أعبد ما تعبدون و أنتم عابدون ما أعبد " فنزلت الاية فكانوا لا يشربون الخمر في أوقات الصلاة، فإذا صلوا العشاء شربوا فلا يصبحون إلا وقد ذهب عنهم السكر وسيأتي عن العياشي تفسيره بسكر الخمر، وقد مر تأويله بسكر النوم، والجمع بالتعميم أولى. وربما يجمع بينهما بأنه لما كانت الحكمة يقتضي تحريم الخمر متدرجا و كان قوم من المسلمين يصلون سكارى منها قبل استقرار تحريمها، نزلت هذه الاية و خوطبوا بمثل هذا الخطاب، ثم لما ثبت تحريمها واستقر وصاروا ممن لا ينبغي أن يخاطبوا بمثله - لان المؤمنين لا يسكرون من الشراب بعد أن حرم عليهم - جاز أن يقال: الاية منسوخة بتحريم الخمر، بمعنى عدم حسن خطابهم بمثله بعد ذلك، لا بمعنى جواز الصلاة مع السكر، ثم لما عم الحكم ساير ما يمنع من حضور القلب جاز أن يفسر بسكر النوم ونحوه تارة وأن يعمم الحكم اخرى، فلا تنافي بين الروايات.

 

يجوز فعله في الصلاة لكونه نقضا لتحريم، الصلاة منافيا لها بالطبع. ولان تحليل الصلاة هو التسليم فإذا سلم وكان سلامه جائزا خرج من الصلاة وضعا. (1) المائدة: 55. (2) الكافي ج 3 ص 371. (3) مجمع البيان ج 3 ص 51.

 

[271]

ثم إن المخاطب بذلك المكلف به المؤمنون العاقلون، إلى أن يذهب عقلهم، فيجب عليهم ما يأمنون معه من فعل الصلاة حال السكر. والحاصل أن المراد نهيهم عن أن يكونوا في وقت الاشتغال بالصلاة سكارى، بأن لا يشربوا في وقت يؤدي إلى تلبسهم بالصلاة حال سكرهم، وليس الخطاب متوجها إليهم حال سكرهم إذ السكران غير متأهل لهذا الخطاب. أو يكون جنبا إلا أن يكونوا مسافرين غير واجدين للماء فانه يجوز لهم دخول الصلاة بالتيمم مع أنه لا يرتفع به حدثهم، فقد دخلوا في الصلاة مع الجنابة. وثانيهما أن المراد بالصلاة هنا مواضعها تسمية للمحل باسم الحال، أو على حذف المضاف، والمعنى لا تقربوا المساجد في حالتين إحداهما حالة السكر، فان الاغلب أن الذي يأتي المسجد إنما يأتيه للصلاة، وهي مشتملة على أذكار وأقوال يمنع السكر من الاتيان بها على وجهها، والحالة الثانية حالة الجنابة إلا اجتيازا كما مر تفصيله. وقيل وجه ثالث وهو أن يكون الصلاة في قوله سبحانه: " لا تقربوا الصلوة " على معناها الحقيقي ويراد بها عند قوله تعالى: " ولاجنبا " مواضعها على طريقة الاستخدام، وعلى التقادير يدل على المنع من إيقاع ما يوجب كون الصلاة حالة السكر وإن كان في الاول والثالث أظهر، فيشمل على من لم يشرب إذا علم أن بعد الشرب تقع صلاته مع السكر، أو شرب وعلم أنه إذا دخل في الصلاة يقع بعضها على السكر. وأما سكر النوم فان بلغ إلى حد لا يعقل شيئا أصلا ويبطل سمعه فدخوله في الصلاة مع تلك الحالة يكون حراما، ولو علم أنه لا يعقل عقلا كاملا، ولا يكون قلبه حاضرا متنبها لما يقوله ويأتي به كما هو ظاهر الاخبار فالنهي على التنزيه و لو قيل بالتعميم كان محمولا على المنع المطلق أعم من التحريم والتنزيه، كما هو مقتضى الجمع بين الاخبار، ولو كان في أول الوقت نومان، وإذا دخل في الصلاة لا يكون له حضور القلب فيها، وإذا نام ليذهب عنه تلك الحاله يخرج وقت الفضيلة فأيهما أفضل ؟ الترجيح بينهما لا يخلو من إشكال، واختار بعض المتأخرين ترجيح


 

[272]

حضور القلب، فانه روح العبادة ولا يخلو من قوة. و " حتى " في قوله سبحانه: " حتى تعلموا " يحتمل أن يكون تعليلية كما في: أسلمت حتى أدخل الجنة، وأن يكون بمعنى " إلى أن " كما في: أسير حتى تغيب الشمس. واستدل به على بطلان صلاة السكران لاقتضاء النهي في العبادة الفساد على بعض الوجوه، وعلى منع السكران من دخول المسجد، وفي قوله جل شأنه " حتى تعلموا ما تقولون " إشعار بأنه ينبغي للمصلي أن يعلم ما يقوله في الصلاة ويلاحظ معاني ما يقرؤه ويأتي به من الادعية والاذكار، كما دل عليه ما مر من الاخبار (1). قوله سبحانه: " وإذا حييتم بتحية فحيوا " (2) أي بنوع من أنواع التحايا والتحية مشتقة من الحياة، لان المسلم إذا قال: سلام عليكم " فقد دعا للمخاطب

 

(1) قد وقع في طبعة الكمبانى ههنا ص 204 خمسة أسطر أسقطناها لما سيجئ بعينها في محلها قبيل ذكر الاخبار. (2) النساء: 86، وأصل التحية أن يقول الرجل حياك الله، دعاء له بالحياة ولكن هذا دعاء جاهلية جهلا بأن الحياة لا تدوم لاحد، ولو دامت لكانت سأما وبرما، فهو دعاء لايجاب، ولا هو مرغوب فيه. نعم ما يرغب فيه من الحياة أن تكون على سلام دائم في النفس والاهل والمال و الولد، ولذلك عدل الاسلام عن تحية الجاهلية " حياك الله " إلى قول السلام والدعاء به للمؤمنين حتى لانفسهم قال الله عزوجل: " فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة " النور: 61. فالسلام هو التحية التى جاءت من عند الله مباركة طيبة، وهو تحية أهل الجنة قال الله عزوجل: " دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام " يونس: 10 وهو تحية الملائكة المقربين وأنبياء الله المرسلين ابتداء وردا كما فيما حكاه الله عزوجل في غير واحد من آياته البيات، واولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده.

 

[273]

بالسلامة من كل مكروه، والموت من أشد المكاره، على أن كل مكروه منغص للحيوة مكدر لها. ولنقدم مباحث ليظهر ما هو المقصود من نقل الاية: الاول: اختلف في التحية فقيل هي السلام، لانه تحية الاسلام، وهو الظاهر من كلام أكثر اللغويين والمفسرين، قال في القاموس التحية السلام وقال البيضاوي الجمهور على أنه السلام، وقيل تشمل كل دعاء وتحية من القول، قال: في المغرب حياه بمعنى أحياه تحية كبقاه بمعنى أبقاه تبقية، هذا أصلها ثم سمي ما يحيى به من سلام ونحوه تحية، وقيل يشمل كل بر من الفعل والقول، كما يظهر من علي بن إبراهيم في تفسيره (1) حيث قال السلام وغيره من البر، وإن احتمل أن يكون مراده البر من القول، وقيل: المراد بالتحية العطية وأوجب الثواب أو الرد على المتهب ذكره في الكشاف وهو ضعيف، بل الظاهر أن المراد به السلام أو يشمله وغيره من التحية والاكرام كما تدل عليه الاخبار عن الائمة الكرام عليهم السلام. فقد روي (2) في الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام إذا عطس أحدكم قولوا: يرحمكم الله، ويقول هو يغفر الله لكم ويرحمكم، قال الله تعالى: " وإذا حييتم " الاية. وفي مناقب ابن شهر آشوب (3) جاءت جارية للحسن عليه السلام بطاق ريحان فقال لها: أنت حر لوجه الله، فقيل له في ذلك فقال أدبنا الله تعالى فقال: " إذا حييتم " الاية وكان أحسن منها إعتاقها. وفي الكافي (4) في الصحيح عن الصادق عليه السلام: رد جواب الكتاب واجب كوجوب رد السلام، وقد مرت الاخبار في ذلك في محله.

 

(1) تفسير القمي: 133. (2) الخصال ج 2 ص 168. (3) مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 18. (4) الكافي ج 2 ص 670.

 

[274]

وقال في مجمع البيان (1): التحية السلام يقال حيا تحية إذا سلم، وقال في تفسير الاية: أمر الله المسلمين برد السلام على المسلم بأحسن مما سلم إن كان مؤمنا وإلا فليقل وعليكم، لا يزيد على ذلك، فقوله: " بأحسن منها " للمسلمين خاصة وقوله: " أو ردوها " لاهل الكتاب عن ابن عباس، فإذا قال المسلم: السلام عليكم فقلت وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته فقد حييته بأحسن منها وهذا منتهى السلام وقيل قوله: " أو ردوها " للمسلمين أيضا قالوا إذا سلم عليك رد عليه بأحسن مما سلم عليك، أو بمثل ما قال، وهذا أقوى لما روي عن النبي صلى الله عليه وآله قال: إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا: وعليكم. وذكر الحسن أن رجلا دخل على النبي صلى الله عليه وآله فقال: السلام عليك، فقال النبي صلى الله عليه وآله: وعليك السلام ورحمة الله، فجاءه آخر فقال: السلام عليك و رحمة الله، فقال صلى الله عليه وآله: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، فجاءه آخر فقال: السلام عليك ورحمة الله وبركاته، فقال النبي صلى الله عليه وآله وعليك، فقيل يارسول الله ! زدت للاول والثاني في التحية، ولم تزد للثالث ؟ فقال: إنه لم يبق لي من التحية شيئا فرددت عليه مثله انتهى. وبالجملة لا إشكال في شمول الاية للسلام ووجوب رده، وأما ساير التحيات من الاقوال والافعال فشمول الاية لها مشكل، والاحوط ردها في غير الصلاة، وأما فيها فسيأتي القول فيه. الثاني: قال بعض الاصحاب: لو قال: السلام عليك أو عليكم السلام بتقديم الظرف فهو صحيح يوجب الرد، وقال في التذكرة: لو قال عليكم السلام، لم يكن مسلما إنما هي صيغة جواب، ويناسبه ماروى العامة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لمن قال عليك السلام يارسول الله !: لا تقل عليك السلام فان عليك السلام تحية الموتى (2) إذا سلمت فقل سلام عليك، فيقول الراد عليك السلام. وكذا اختلفوا في سلام وسلاما والسلام وسلامي عليك، وسلام الله عليك

 

(1) المجمع ج 3 ص 84 و 85. (2) يعنى عند الوداع عن الاحبة.

 

[275]

وظاهر ابن إدريس عدم وجوب الرد في أمثالها، ولا يبعد القول بالوجوب لعموم الاية (1) والخبر المتقدم عامي مع أنها ليس بصريح في عدم الرد، بل قد روي أنه صلى الله عليه وآله رد عليه السلام بعد ذلك. الثالث: هل يتعين في غير الصلاة رده بعليكم السلام بتقديم عليكم ؟ ظاهر التذكرة ذلك، حيث قال: وصيغة الجواب وعليكم السلام، ولو قال وعليك السلام للواحد جاز، ولو ترك العطف وقال عليكم السلام، فهو جواب خلافا لبعض الشافعية فلو تلاقى اثنان فسلم كل واحد منهما على الاخر وجب على كل واحد منهما جواب الاخر، ولا يحصل الجواب بالسلام انتهى. والمستفاد من كلام ابن إدريس خلافه، ولعله أقوى لما في حسنة إبراهيم بن هاشم " فإذا سلم عليكم مسلم فقولوا: سلام عليكم، فإذا سلم عليكم كافر فقولوا عليك (2). الرابع: ظاهر أكثر الاصحاب عدم وجوب الرد بالاحسن لظاهر الاية، و الاخبار المعتبرة، ولا عبرة بما يوهمه بعض الاخبار العامية من وجوب الرد بالاحسن إذا كان المسلم مؤمنا. الخامس: الرد واجب كفاية لاعينا، وحكى عليه في التذكرة الاجماع، وقد مرت الاخبار في ذلك، وعموم الاية مخصص بالاخبار المؤيدة بالاجماع، ثم الظاهر أنه إنما يسقط برد من كان داخلا في السلام عليكم، فلا يسقط برد من لم يكن داخلا فيهم، وهل يسقط برد الصبى المميز ؟ فيه إشكال والاحوط بل الاقوى عدم الاكتفاء

 

(1) حيث ان الاية تشمل المخاطبة العرفية بحذف الظرف وعدمه، على أن الله العزيز قد حكا في القرآن الكريم تسليم الملائكة على ابراهيم وجوابه عليه الصلاة والسلام كذلك: " ولقد جاءت رسلنا ابراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام " هود: 69، إذا دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون " الذاريات: 25، إلى غير ذلك من الايات وقد مر أن تحية أهل الجنة " سلام " بحذف الظرف، وهو أيضا في غير واحد من الايات. (2) الكافي ج 2 ص 648 في حديث (*).

 

[276]

ولو كان المسلم صبيا مميزا ففي وجوب الرد عليه وجهان أظهرهما ذلك لعموم الاية. السادس: المشهور أن وجوب الرد فوري لانه المتبادر من الرد في مثل هذا المقام، وللفاء الدالة على التعقيب بلا مهلة، وربما يمنع ذلك في الجزائية. والتارك له فورا يأثم، وقيل: يبقى في ذمته مثل سائر الحقوق وفيه نظر. السابع: صرح جماعة من الاصحاب بوجوب الاسماع تحقيقا أو تقديرا، ولم أجد أحدا صرح بخلافه في غير حال الصلاة. وقال في التذكرة: ولو ناداه من وراء ستر أو حائط وقال: السلام عليكم يا فلان أو كتب كتابا وسلم عليه فيه أو أرسل رسولا فقال: سلم على فلان فبلغه الكتاب والرسالة قال بعض الشافعية: يجب عليه الجواب، لان تحية الغائب إنما تكون بالمنادات أو الكتاب أو الرسالة، وقد قال تعالى: " وإذا حييتم بتحية " الاية، والوجه أنه إن سمع النداء وجب الجواب وإلا فلا، وقال - ره -: وما يعتاده الناس من السلام عند القيام ومفارقة الجماعة دعاء لاتحية يستحب الجواب عنه، ولا يجب انتهى، وما ذكره في المقام الاول موجه وفي الثاني الاحوط بل الاظهر وجوب الجواب لعموم الاية. الثامن: قيل: يحرم سلام المرءة على الاجنبي لان إسماع صوتها حرام وأن صوتها عورة: وتوقف فيه بعض المتأخرين وهو في محله إذ الظاهر من كثير من الاخبار عدم كون صوتها عورة كما سيأتي في محله، نعم يفهم من بعض الاخبار كراهة السلام على الشابة منهن حذرا من الريبة والشهوة. وعلى المشهور من التحريم هل يجب على الاجنبي الرد عليها ؟ يحتمل ذلك لعموم الدليل، والعدم لكون المتبادر التحية المشروعة، وهو مختار التذكرة حيث قال: لو سلم رجل على امرءة أو بالعكس، فان كان بينهما زوجية أو محرمية أو كانت عجوزة خارجة عن مظنة الفتنة، ثبت استحقاق الجواب وإلا فلا، وفي وجوب الرد عليها لو سلم عليها أجنبي وجهان فيحتمل الوجوب نظرا إلى عموم الاية فيجوز اختصاص تحريم الاسماع بغيره ويحتمل العدم كما اختاره العلامة ويحتمل وجوب الرد خفيا كما قيل.


 

[277]

التاسع: قال في التذكرة: ولا يسلم على أهل الذمة ابتداء، ولو سلم عليه ذمي أو من لم يعرفه فبان ذميا رد بغير السلام، بأن يقول هداك الله، أو أنعم الله صباحك، أو أطال الله بقاءك، ولو رد بالسلام لم يزد في الجواب على قوله وعليك انتهى. وقد مرت الاخبار الدالة على المنع من ابتدائهم بالسلام، وعلى الرد عليهم بعليك أو عليكم، وهل الاقتصار على ما ذكر على الوجوب حتى لا يجوز المثل أو على الاستحباب ؟ فيه تردد، وأما ما ذكره رحمه الله من الرد بغير السلام، فلم أره في الاخبار وهل يجب عليهم الرد فيه إشكال ولعل العدم أقوى، وإن كان الرد أحوط. العاشر: قالوا: يكره أن يخص طائفة من الجمع بالسلام، ويستحب أن يسلم الراكب على الماشي، والقائم على الجالس، والطائفة القليلة على الكثيرة والصغير على الكبير، وأصحاب الخيل على أصحاب البغال، وهما على أصحاب الحمير، وقد مر جميع ذلك (1) وإنما ذكرناها هنا استطرادا. الحادى عشر: إذا سلم عليه وهو في الصلاة وجب عليه الراد لفظا، والظاهر أنه لا خلاف فيه بين الاصحاب، ونسبه في التذكرة إلى علمائنا وقال في المنتهى: ويجوز له أن يرد السلام إذا سلم عليه نطقا ذهب إليه علماؤنا أجمع، ولعله أراد بالجواز نفي التحريم ردا لقول بعض العامة، قال في الذكرى: وظاهر الاصحاب مجرد الجواز للخبرين والظاهر أنهم أرادوا به شرعيته، ويبقى الوجوب معلوما من القواعد الشرعية. قال: وبالغ بعض الاصحاب في ذلك فقال يبطل الصلاة إذا اشتغل بالاذكار ولما يرد السلام، وهو من مشرب اجتماع الامر والنهي في الصلاة، والاصح عدم البطلان بترك رده انتهى، ويدل على وجوب رد السلام في حال الصلاة الاية لعموما ويدل على شرعيته في الصلاة روايات كثيرة سيأتي بعضها، وكثير منها بلفظ الامر الدال على الوجوب على المشهور. الثاني عشر: المشهور بين الاصحاب أنه إذا سلم عليه في الصلاة بقوله " سلام عليكم " يجب أن يكون الجواب مثله، ولايجوز الجواب بعليكم السلام، ونسبه

 

(1) راجع ج 76 ص 1 - 15.

 

[278]

المرتضى إلى الشيعة، وقال المحقق هو مذهب الاصحاب، قاله الشيخ وهو حسن، ولم يخالف في ذلك ظاهرا إلا ابن إدريس، حيث قال في السرائر: إذا كان المسلم عليه قال له: سلام عليكم أو السلام عليكم أو سلام عليك أو عليكم السلام، فله أن يرد بأى هذه الالفاظ كان، لانه رد سلام مأمور به قال: فان سلم بغير ما بيناه فلا يجوز للمصلي الرد عليه انتهى، واتباع المشهور أولى. ولو غير عليكم بعليك، ففي حصول الرد به تردد، ولو أضاف في الجواب إلى عليكم السلام ما يوجب كونه أحسن، ففي حصول القربة به تردد، ورجح بعض المحققين ذلك نظرا إلى الولاية. ولو قال المسلم عليكم السلام فظاهر المحقق عدم جواز إجابته إلا إذا قصد الدعاء، وكان مستحقا له، وتردد فيه العلامة في المنتهى، وعلى تقدير الجواز هل يجب ؟ فيه أيضا تردد للشك في دخوله تحت المراد في الاية، ولعل الوجوب أقوى، وعلى تقديره هل يتعين سلام عليكم، أو يجوز الجواب بالمثل ؟ نقل ابن إدريس الاول عن بعض الاصحاب، واختار الثاني، واستشكله العلامة في التذكرة والنهاية كما سيأتي، ولا يبعد كون الجواب بالمثل أولى نظرا إلى الاية وصحيحة محمد بن مسلم (1) الدالة على الجواب بالمثل، وكذا صحيحة (2) منصور بن حازم وإن عارضهما بعض الاخبار، ولا يبعد القول بالتخيير أيضا. الثالث عشر: لو سلم عليه بغير ما ذكر من الالفاظ فعند ابن إدريس والمحقق لا يجب إجابته، وقال المحقق نعم، لو دعا له وكان مستحقا وقصد الدعاء لا رد السلام لا أمنع منه، وقال العلامة في التذكرة: لو سلم بقوله سلام عليكم رد مثله، ولا يقول وعليك السلام لانه عكس القرآن، ولقول الصادق عليه السلام وقد سأله عثمان بن عيسى (3) عن

 

(1) التهذيب ج 1 ص 229. (2) التهذيب ج 1 ص 230. (3) التهذيب ج 1 ص 229، الكافي ج 3 ص 366، عن عثمان بن عيسى، عن سماعة.

 

[279]

الرجل يسلم عليه في الصلاة يقول سلام عليكم ولا يقول وعليكم السلام، فان رسول الله صلى الله عليه وآله كان قائما يصلي فمر به عمار بن ياسر فسلم عليه فرد النبي صلى الله عليه وآله هكذا، ولو سلم عليه بغير اللفظ المذكور فان سمي تحية فالوجه جواز الرد به وبقوله سلام عليكم لعموم الاية ولو لم يسم تحية جاز إجابته بالدعاء له، إذا كان مستحقا له، وقصد الدعاء لا رد السلام. ولو سلم عليه بقوله عليك السلام ففي جواز إجابته بالصورة إشكال من النهي، ومن جواز رد مثل التحية انتهى ونحوه قال في النهاية، وأوجب الرد في المختلف و قال في المنتهى: لو حياه بغير السلام فعندي فيه تردد أقربه جواز رده لعموم الاية انتهى. والمسألة في غاية الاشكال، وإن كان جواز الرد بقصد الدعاء لا يخلو من قوة و في التحية بالالفاظ الفارسية أشد إشكالا، وكذا التحيات الملحونة كقولهم " سام إليك " وأمثاله، ولو أجاب في الاول بالتحية العربية وفي الثاني بالسلام الصحيح بقصد الدعاء فيهما لم أبعد جوازه، وإن كان الاحوط إعادة الصلاة لو وقع ذلك، سواء أجاب أم لا. الرابع عشر: يجب إسماعه تحقيقا أو تقديرا على المشهور بين الاصحاب، وظاهر اختيار المحقق في المعتبر خلافه، والاول أقوى، والاخبار الدالة على خلافه لعلها محمولة على التقية إذ المشهور بين العامة وعدم وجوب الرد مطلقا، وقال في التذكرة لو اتقى رد فيما بينه وبين نفسه، تحصيلا لثواب الرد وتخليصا من الضرر. وقال في الذكرى: يجب إسماعه تحقيقا أو تقديرا كما في سائر الموارد، وقد روى منصور بن حازم (1) عن الصادق عليه السلام: يرد عليه ردا خفيا، وروى عمار (2) عنه عليه السلام: رد عليه فيما بينك وبين نفسك ولا ترفع صوتك، وهما مشعران بعدم اشتراط إسماع المسلم والاقرب اشتراط إسماعه لتحصيل قضاء حقه من السلام، ولا تكفي الاشارة بالرد عن السلام لفظا ردا على الشافعي، ولو كان في موضع تقية رد

 

(1 - 2) التهذيب ج 1 ص 230.

 

[280]

خفيا وأشار، وعليه تحمل الروايتان السابقتان. الخامس عشر: لو قام غيره بالواجب من الرد، فهل يجوز للمصلي الرد أم لا قيل: نعم لاطلاق الامر، وقيل لا لحصول الامتثال، فيسقط الوجوب، ولا دليل على الاستحباب، وكذا الجواز إلا أن يقصد به الدعاء، وكان مستحقا له فحينئذ لا يبعد الجواز كما اختاره بعض المتأخرين، ويظهر من المحقق فيما اختاره في المسألة المتقدمة. السادس عشر: لو ترك المصلي الرد واشتغل باتمام الصلاة يأثم، وهل تبطل الصلاة ؟ قيل نعم للنهي المقتضي للفساد، وقيل إن أتى بشئ من الاذكار في زمان الرد بطلت، وقيل إن أتى بشئ من القراءة أو الاذكار في زمان وجوب الرد فلا يعتد بها بناء على أن الامر بالشئ يستلزم النهي عن ضده، والنهي عن العبادة يستلزم الفساد، لكن لا يستلزم بطلان الصلاة، إذ لادليل على أن الكلام الذي يكون من قبيل الذكر والدعاء والقرآن يبطل الصلاة إن كان حراما. فان استمر على ترك الرد وقلنا ببقائه في ذمته يلزم بطلان الصلاة، لانه لم يتدارك القراءة والذكر على وجه صحيح، والحق أن الحكم بالبطلان موقوف على مقدمات أكثرها بل كلها في محل المنع، لكن الاحتياط يقتضي إعادة مثل تلك الصلاة. ثم الظاهر أن الفورية المعتبرة في رد السلام إنما هو تعجيله بحيث لا يعد تاركا له عرفا وعلى هذا لا يضر إتمام كلمة أو كلام لو وقع السلام في أثنائهما. السابع عشر: ذكر جماعة من الاصحاب منهم العلامة والشهيدان أنه لا يكره التسليم على المصلي والاخبار في ذلك مختلفة كما سيأتي بعضها، ولعل أخبار المنع محمولة على التقية، وسيأتي تمام القول فيها، وإنما أطنبنا الكلام في هذه لكثرة، الجدوى، وعموم البلوى بها، والله يعلم حقايق الاحكام وحججه الكرام (1). قوله تعالى: " الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكوة وهم راكعون " (2) قد مر تفسير الاية مفصلا في أبواب النصوص على أمير المؤمنين عليه السلام، وبيان أنها نزلت فيه عليه السلام عند التصدق بخاتمه في الركوع بالاخبار المتواترة من طرق الخاصة والعامة فيدل على

 

(1) وسيجئ " تمام الكلام في آخر الباب انشاء الله. (2) المائدة: 55.

 

[281]

أن الفعل القليل لا يبطل الصلاة، وأن نية التصدق والزكاة لا تحتاج إلى اللفظ، وأنها في الصلاة جائزة لا تنافي التوجه إلى الصلاة واستدامة نيتها، وأنه تصح نية الزكاة كذلك احتسابا على الفقير وصحة نية الصوم في الصلاة وكذا نية الوقوف بالعرفة وبالمشعر فيها، هذا ما ذكره الاصحاب ويناسب هذا المقام. وأقول: تدل على أن التوجه إلى قرية اخرى غير الصلاة لا ينافي كمال الصلاة وحضور القلب المطلوب فيها. 1 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون في صلاته في الصف هل يصلح له أن يتقدم إلى الثاني أو الثالث أو يتأخر وراءه في جانب الصف الآخر ؟: قال إذا رأى خللا فلا بأس (1). بيان: حمل على عدم الاستدبار، ويدل على أن المشي بأقدام كثيرة ليس من الفعل الكثير المبطل للصلاة، كما سيأتي تحقيقه. 2 - المجازات النبوية: فيما رواه شداد بن الهاد قال: سجد رسول الله صلى الله عليه وآله سجدة أطال فيها، فقال الناس عند انقضاء الصلاة: يارسول الله إنك سجدت بين ظهراني صلاتك أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر أو أنه أتاك الوحي ؟ فقال عليه السلام: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني هذا ارتحلني فكرهت أن اعجله حتى يقضي حاجته فكان الحسن أو الحسين عليه السلام قد جاء والنبي صلى الله عليه وآله في سجدته فامتطا ظهره. قال السيد: هذا الحديث مشهور وهو حجة لمن يجوز انتظار الامام بركوعه إذا سمع خفق النعال حتى يدخل الواردون معه في الصلاة، وانتظاره صلى الله عليه وآله ابنه حتى يقضي منه حاجته، يدل على أن من فعل هذا الفعل وأشباهه لا يخرج به من الصلاة. وقوله عليه السلام: ارتحلني، استعارة والمراد أنه جعل ظهره كالراحلة له والمطية التي تحمله (2). 3 - السرائر: نقلا من جامع البزنطي قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يمسح

 

(1) المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 279 و 280. (2) المجازت النبوية ص 265 باختصار.

 

[282]

جبهته من التراب وهو في صلاته قبل أن يسلم، قال: لا بأس (1). 4 - قرب الاسناد وكتاب المسائل باسنادهما عن علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن رجل يكون في صلاته فيعلم أن ريحا قد خرجت منه، ولا يجد ريحا ولا يسمع صوتا، قال: يعيد الوضوء والصلاة، ولا يعتد بشئ مما صلى إذا علم ذلك يقينا (2). بيان: اعلم أن الحدث الواقع في أثناء الصلاة إما أن يكون عمدا أو سهوا أو سبقه الحدث من غير اختيار، ففي العمد نقل جماعة من الاصحاب الاتفاق على كونه مبطلا للصلاة، وإن أوهم كلام الصدوق وابن أبي عقيل خلافه، وفي السهو أيضا المشهور البطلان بل ادعى عليه في التذكرة الاجماع (3) لكن المحقق في الشرايع وجماعة نقلوا الخلاف في السهو بأنه يتطهر ويبني، ومنهم من خص بالمتيمم المحدث ناسيا في أثناء الصلاة، وقد مضى الكلام فيه. وأما إذا سبقه الحدث بغير اختياره فالمشهور أيضا الابطال، وحكي عن المرتضى والشيخ أنه يتطهر ويبني على صلاته، وذهب الصدوق إلى أنه إن أحدث بعد رفع الرأس من السجدة الاخيرة يبني ويتم، ويشمل ظاهر كلامه العمد أيضا ولا يخلو من قوة، وهذا الخبر يدل على المشهور في الجميع في الجملة، والاحتياط في الجميع ظاهر متبع. 5 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن الصادق عليه السلام، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام لا يقطع الصلاة التبسم ويقطعها

 

(1) السرائر: 469، وسيجئ مكررا تحت الرقم 25. (2) قرب الاسناد ص 29 ط حجر، المسائل في البحار ج 10 ص 284. (3) ان كان سها عن كونه في الصلاة وأحدث عمدا واختيارا فهو داخل في القسم الاول، وان سبقه الحدث بلا اختيار منه فهو داخل في القسم الثالث وحكمه أن يتطهر ويبني على صلاته والوجه فيه ما ذكرناه في ج 80 ص 225 راجعه ان شئت.

 

[283]

القهقهة (1). وقال عليه السلام: إذا غلبتك عينك وأنت في الصلاة فاقطع الصلاة ونم، فانك لا تدري تدعو لك أو على نفسك (2). وقال عليه السلام: الالتفات الفاحش يقطع الصلاة، وينبغي لمن يفعل ذلك أن يبدأ الصلاة بالاذان والاقامة والتكبير (3). وقال عليه السلام: إذا أصاب أحدكم دابة وهو في صلاته فليدفنها ويتفل عليها، أو يصيرها في ثوبه حتى ينصرف (4). بيان: الخبر مشتمل على أحكام: الاول: عدم قطع الصلاة بالتبسم، ولا خلاف فيه بين الاصحاب، ونقل الاجماع عليه جماعة من الاصحاب، ويدل عليه أخبار كثيرة، نعم عده بعضهم من مكروهات الصلاة. الثاني: القطع بالقهقهة وهو أيضا إجماعي على ما نقله الفاضلان وغيرهما، ويدل عليه الاخبار المستفيضة وفسر الشهيدان وجماعة القهقهة بالضحك المشتمل على الصوت، لوقوعها في الاخبار في مقابل التبسم، ومنهم من فسرها بمطلق الضحك ظنا منهم أن التبسم ليس بداخل فيه، ويظهر من بعض الاخبار وكلام بعض أهل اللغة كونه من أفراد الضحك، وأما المفهوم من كلام أهل اللغة في تفسير القهقهة ففي القاموس هي الترجيع في الضحك أو شدة الضحك، وفي الصحاح القهقهة في الضحك معروف، وهو أن يقول: قه قه انتهى. وقال الشهيد الثاني - ره - في الروضة: هي الضحك المشتمل على الصوت، وإن لم يكن فيه ترجيع ولا شدة، وهو مشكل لكونه مخالفا لكلام أهل اللغة، والتعويل على محض المقابلة الموهمة للحصر الواقعة في الخبر في إثبات ذلك غير موجه، والاحوط

 

(1 و 2) الخصال ج 2 ص 165. (3) الخصال ج 2 ص 162. (4) الخصال ج 2 ص 161.

 

[284]

في عادمة الوضعين الترك والاتمام، والاعادة مع الفعل، ثم إن النصوص يشتمل السهو أيضا لكن نقل العلامة في التذكرة والشهيد في الذكرى الاجماع على عدم الابطال به، ولو وقت على وجه لا يمكن دفعه لمقابلة لاعب ونحوه فاستقرب الشهيد في الذكرى البطلان، وإن لم يأثم لعموم الخبر، وهو متجه بل يظهر من التذكرة أنه متفق عليه بين الاصحاب. الثالث: جواز قطع الصلاة لغلبة النوم، فلو كانت الغلبة على وجه لا يمكنه إتمام الصلاة والاتيان بأفعالها أصلا، فلا ريب في جوازه، ولو لم تبلغ هذا الحد لكن لا يمكنه حضور القلب في الصلاة، فقطع الصلاة به على طريقة الاصحاب مشكل لحكمهم بحرمة قطع الصلاة اختيارا إلا ما ثبت بدليل، ولم يعد الاكثر هذه ونحوه منه، لكن دلائلهم على أصل الحكم مدخولة، وعلى تقدير ثبوته أمثال تلك الاخبار لعلها كافية في التخصيص. وقسم الشهيد في الذكرى قطع الصلاة إلى الاقسام الخمسة، فقال: قد يحرم و هو القطع بدون الضرورة، وقد يجب كما في حفظ الصبي والمال المحترم عن التلف، و إنقاذ الغريق والمحترق حيث يتعين عليه، بأن لم يكن من يحصل به الكفاية، أو كان وعلم أنه لا يفعل، فان استمر حينئذ بطلت صلاته، بناء على أن الامر بالشئ يستلزم النهي عن ضده، والنهي في العبادة يستلزم الفساد، وقد يستحب كالقطع لاستدراك الاذان والاقامة، وقراءة الجمعة والمنافقين في الظهر والجمعة، والائتمام بامام العصر، وقد يباح كما في قتل الحية التي لا يغلب على الظن أذاها، وإحراز المال الذي لا يضر فوته، وقد يكره كاحراز المال اليسير الذي لا يبالي بفواته، واحتمل التحريم حينئذ، وتبعه الشهيد الثاني قدس سره وقيد المال الذي لا يضر فوته باليسير. وبالجملة - رد الاخبار الدالة على قطع الصلاة لاستدراك بعض المندوبات والفضائل لا يتجه طرحها لتلك القاعدة التي لم تثبت كليتها، وسينفعك ذلك في كثير من الاخبار الاتية. الرابع: أن الالتفات الفاحش يقطع الصلاة، وقد مر تفسير الفاحش والاختلاف


 

[285]

فيه في باب القبلة. الخامس: أنه إذا بطلت الصلاة ووجبت إعادتها يستحب إعادة الاذان والاقامة والتكبيرات الافتتاحية، ويدل على ما سوى الاذان غيره والافضل إعادتها جميعا. السادس: تجويز دفن الدابة والتفل عليها أو شدها في ثوبه، وعدم تجويز قتلها، وهو على الكراهة لما سيأتي من تجويز القتل أيضا. 6 - المعتبر والمنتهى: نقلا من جامع البزنطي، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن عمارا سلم على رسول الله صلى الله عليه وآله فرد عليه. 7 - السرائر: نقلا من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن يحيى، عن غياث، عن جعفر عليه السلام في رجل عطس في الصلاة فسمته رجل، قال: فسدت صلاة ذلك الرجل (1). بيان: قال ابن إدريس عند إيراد الخبر: التسميت الدعاء للعاطس بالسين والشين معا، وليس على فسادها دليل، لان الدعاء لا يقطع الصلاة انتهى، وقال الجوهري: التسميت ذكر اسم الله على الشئ، وتسميت العاطس أن يقول له: يرحمك الله بالسين والشين جميعا، قال ثعلب الاختيار بالسين لانه مأخوذ من السمت وهو القصد والحجة، وقال أبو عبيد: الشين أعلا في كلامهم وأكثر، وقال أيضا تشميت العاطس دعاء له وكل داع لاحد بخير فهو مشمت ومسمت، وفي النهاية التسميت بالسين والشين الدعاء بالخير والبركة، والمعجمة أعلاهما انتهى. أقول: فظهر أن المراد به مطلق الدعاء للعاطس بأن يقول يرحمك الله و يغفر الله لك (2) وما أشبهه، وجوازه بل استحبابه مشهور بين الاصحاب، وتردد فيه

 

(1) السرائر ص 476. (2) أقول: ان كان سمته بعنوان التخاطب العرفي كما إذا قال " يرحمك الله " فصلاته فاسدة لانه كلام مع الادمين وان كان دعا له في نفسه من غير أن يخاطبه خصوصا إذا لم يسمعه فصلاته صحيحة، والذي ورد به عن أبي عبد الله عليه السلام أنه إذا سمع العطسة في الصلاة يحمد الله ويصلى على النبي صلى الله عليه وآله.

 

[286]

المحقق في المعتبر، ثم قال: والجواز أشبه بالمذهب، وهو أظهر لعموم تجويز الدعاء وعموم استحباب الدعاء للمؤمنين، وعموم الاخبار الدالة على أن من حق المؤمن على المؤمن التسميت له إذا عطس ولعل هذا الخبر محمول على التقية لانه نسب إلى الشافعي وبعض العامة القول بالتحريم، ويؤيده أن الراوي للخبر عامي وظاهر المنتهى اشتراط كون العاطس مؤمنا وهو أحوط وإن ورد بعض الاخبار بلفظ المسلم الشامل للمخالفين أيضا وفي بعض الاخبار أن الصادق عليه السلام شمت رجلا نصرانيا فقال له: يرحمك الله، والاحوط ترك ذلك في الصلاة، وفي التذكرة أن استحباب التسميت على الكفاية وهو خلاف ظاهر الاخبار، وذكر فيه أيضا أنه إنما يستحب إذا قال العاطس: الحمد لله، وفي بعض الاخبار اشتراط أن يصلي العاطس على النبي وآله، وعمم الشهيد الثاني الحكم، ولم يشترط شيئا منهما، ولعل الشرطين للاستحباب أو لتأكده، ويستحب للعاطس أن يدعو له بعد التسميت، ويحتمل الوجوب لشمول التحية له على بعض الوجوه كما عرفت، والاحتياط لا يترك. وقال في المنتهى: بعد ذكر جواز التسميت: قال بعض الجمهور: يستحب إخفاؤه ولم يثبت عندي. 8 - السرائر: نقلا من كتاب النوادر لمحمد بن علي بن محبوب، عن الحسين، عن الحسن، عن زرعة، عن سماعة قال: سألت عن القلس وهي الجشاء فيرتفع الطعام من جوفه وهو صائم من غير أن يكون فيه قئ أو هو قائم في الصلاة ؟ قال: لا ينقض وضوءه، ولا يقطع صلاته، ولا يفطر صيامه (1). بيان: قال في النهاية: القلس بالتحريك، وقيل: بالسكون ما خرج من الجوف ملء الفم أو دونه وليس بقئ، فان قاء فهو القئ، وفي القاموس: التجشؤ تنفس المعدة والاسم كهمزة وظاهر الاصحاب الاتفاق على عدم بطلان الصلاة بالقيئ والقلس، نعم لو كان القئ عمدا، واشتمل على فعل كثير يوجب البطلان عندهم لذلك. 9 - السرائر: من كتاب النوادر المذكور عن محمد بن الحسين، عن الحسن بن علي

 

(1) السرائر ص 477.

 

[287]

ابن فضال عن أبي إسحاق ثعلبة، عن عبد الله بن هلال قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام إن حالنا قد تغيرت، قال: فادع في صلاتك الفريضة، قلت: أيجوز في الفريضة، فأسمي حاجتي للدين والدنيا ؟ قال: نعم، فان رسول الله صلى الله عليه وآله قد قنت ودعا على قوم بأسمائهم وأسماء آبائهم وعشائرهم، وفعله علي عليه السلام من بعده (1). 10 - قرب الاسناد: عن الحسن بن طريف، عن الحسين بن علوان، عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال: كنت أسمع أبي يقول إذا دخلت المسجد الحرام والقوم يصلون فلا تسلم عليهم، وسلم على النبي صلى الله عليه وآله، ثم أقبل على صلاتك وإذا دخلت على قوم جلوس فسلم عليهم (2). ومنه: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل وهو في وقت صلاة الزوال أيقطعه بكلام ؟ قال: لا بأس (3). بيان: ظاهره جواز قطع النافلة بالكلام، ويمكن حمله على الضرورة أو على الكلام بعد التسليم من كل ركعتين والاخير أظهر. 11 - السرائر: نقلا من نوادر أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن علي عن الحلبي قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يخطو أمامه في الصلاة خطوتين أو ثلاثة ؟ قال: نعم، لا بأس، وعن الرجل يقرب نعله بيده أو رجله في الصلاة ؟ قال: نعم (4).

 

(1) السرائر ص 476. (2) قرب الاسناد ص 45 ط حجر ص 61 ط نجف. (3) قرب الاسناد ص 90 ط حجر ص 119 ط نجف. (4) السرائر ص 465.

 

[288]

تحقيق أنيق اعلم أنه حكى الفاضلان وغيرهما الاجماع على أن الفعل الكثير الخارج من الصلاة مما لم يكن من جنسها عامدا مبطل قال في المنتهى: ويجب عليه ترك الفعل الكثير الخارج عن أفعال الصلاة، فلو فعله عامدا بطلت صلاته، وهو قول أهلم العلم كافة، لانه يخرج به عن كونه مصليا، والقليل لا يبطل الصلاة بالاجماع، قال: ولم يحد الشارع القلة والكثرة، فالمرجع في ذلك إلى العادة، وكل ما ثبت أن النبي والائمة عليهم السلام فعلوه في الصلاة أو أمروا به فهو من القليل، كقتل البرغوث و الحية والعقرب، وكما روى الجمهور عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يحمل أمامة بنت أبي العاص فكان إذا سجد وضعها فإذا قام رفعها (1) انتهى. وللاصحاب في تحديده اختلاف شديد، فمنهم من حدده بما سمي كثيرا عرفا، ومنهم من قال: مايخرج به فاعله عن كونه مصليا عرفا وفي السرائر ما سمي في العادة كثيرا مثل الاكل والشرب واللبس وغير ذلك مما إذا فعله الانسان لا يسمى مصليا بل يسمى آكلا وشاربا، ولا يسمى فاعله في العادة مصليا. وقال العلامة في التذكرة: اختلف العلماء في حد الكثرة فالذي عول عليه علماؤنا البناء على العادة، فما يسمى في العادة كثيرا فهو كثير، وإلا فلا، لان عادة الشرع رد الناس فيما لم ينص عليه إلى عرفهم، وبه قال بعض الشافعية. وقال بعضهم: القليل مالا يسمع زمانه لفعل ركعة من الصلاة، والكثير ما اتسع وقال بعضهم: مالايحتاج إلى فعل اليدين معا كرفع العمامة وحل الازرار فهو قليل وما يحتاج إليهما معا كتكوير العمامة وعقد السراويل فهو كثير، وقال بعضهم: القليل مالا يظن الناظر إلى فاعله أنه ليس في الصلاة والكثير ما يظن به الناظر إلى فاعله الاعراض عن الصلاة انتهى. أقول: ما ذكره إنما يتجه إذا ورد هذا اللفظ في نص ولم يعلم له حقيقة شرعية

 

(1) رواه أبو قتادة عنه صلى الله عليه وآله، في حديث متفق عليه كما في مشكاة المصابيح ص 90.

 

[289]

والحقيقة اللغوية لم تكن معلومة أو كان معلوما أنه ليس بمراد فيرجع فيه إلى العرف، ولم أر هذا اللفظ في نص وإنما ذكره القوم وادعوا عليه الاجماع، فكل ما ثبت تحقق الاجماع فيه يكون مبطلا. نعم ورد في بعض الروايات منافاة بعض الافعال للصلاة كموثقة سماعة (1) قال: سألته عن الرجل يكون قائما في الصلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعا يتخوف ضيعته وهلاكه، قال: يقطع صلاته ويحرز متاعه، ثم يستقبل الصلاة، قلت: فيكون في الفريضة فتغلب عليه دابة، أو تفلت دابته فيخاف أن تذهب، أو يصيب فيها عنت فقال: لا بأس بأن يقطع صلاته ويتحرز ويعود إلى صلاته. وموثقة عمار (2) عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سأله عن الرجل يكون في الصلاة فيرى حية بحياله هل يجوز له أن يتناولها ويقتلها ؟ قال: إن كان بينها وبينه خطوة واحدة فليخط وليقتلها وإلا فلا. ورواية حريز (3) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق، أو غريم لك عليه مال، أو حية تتخوفها على نفسك، فاقطع الصلاة واتبع غلامك أو غريمك واقتل الحية. وبازائهما روايات كثيرة دالة على تجويز أفعال كثيرة في الصلاة سيأتي بعضها في هذا الباب، كالخروج عن المسجد وإزالة النجاسة والعود إليه والبناء، ولا أرى معنى للخروج عن كونه مصليا عرفا، فان الصلاة إنما تعرف بالشرع لا بالعرف، فكل ماحكم الشارع بأنه مخرج عن الصلاة فهو ينافيها وإلا فلا. وأيضا المراد بالعرف إن كان عرف العوام فكثير من الافعال التي وردت الاخبار بجوازها في الصلاة وقال بها أكثر الاصحاب يعدونها منافية للصلاة، ويحكمون بأن فاعلها غير مصل، وإن كان المراد عرف العلماء فحكمهم بذلك من دليل فليرجع إلى دليلهم. ولما كان العمدة في هذا الحكم الاجماع، فلنذكر ماجوزه بعض الاصحاب من

 

(1 - 2) التهذيب ج 1 ص 230. (3) الكافي ج 3 ص 367.

 

[290]

الاعمال، ليعلم عدم تحقق الاجماع فيها، ثم لنورد الاخبار الواردة في ذلك. فأما أقوال العلماء، فقال العلامة: الخطوة الواحدة والضربة قليل والثلاث كثيرة وفي الفعلين للشافعي وجهان: أحدهما أنه كثير لتكرره، والاصح خلافه، لان النبي صلى الله عليه وآله خلع نعليه في الصلاة وهما فعلان، وفي كون الثلاثة كثيرة مبطلة تأمل، و ذكر أيضا أن الثلاثة المبطلة يراد بها الخطوات المتباعدة، أما الحركات الخفيفة كتحريك الاصابع في مسبحة أو حكة فالاقرب منع الابطال بها، فهي الكثرة بمثابة الفعل القليل ويحتمل الابطال للكثرة. وقال في المنتهى: لا بأس أن يعد الرجل عدد ركعاته بأصابعه أو بشئ يكون معه من الحصا وشبهه، وعليه علماؤنا أجمع، بشرط أن لا يتلفظ، بل يعقده في ضميره و ليس مكروها، وبه قال أهل العلم كافة إلا أبا حنيفة، فانه كرهه، وكذلك الشافعي انتهي. وقال في التذكرة: الفعلة الواحدة لا تبطل، فان تفاحشت فاشكال، كالوثبة الفاحشة، فانها لافراطها وبعدها من حال المصلي يوجب البطلان، وذكر أيضا أن الكثرة إذا توالى أبطل أما مع التفرق ففيه فاشكال ينشؤ من صدق الكثرة عليه، وعدمه للتفرق فان النبي صلى الله عليه وآله كان يضع أمامة ويرفعها، ولو خطا خطوة ثم بعد زمان خطوة اخرى لم تبطل صلاته، وقال بعض الشافعية: ينبغي أن يقع بين الاولى و الثانية قدر ركعة. ثم إن جماعة من الاصحاب صرحوا بجواز أشياء في الصلاة لم يخالف فيه وحصر ابن حمزة العمل القليل في ثمانية مثل الايماء وقتل المؤذيات من الحية و العقرب والتصفيق وضرب الحائط تنبيها على الحاجة، وما لا يمكن التحرز منه كازدراد مايخرج من خلل الاسنان، وقتل القمل والبرغوث، وغسل ما أصاب الثوب من الرعاف ما لم ينحرف عن القبلة أو يتكلم، وحمد الله تعالى على العطاس، ورد السلام بمثله. وزاد في الذكرى عد الركعات والتسبيح بالاصابع والاشارة باليد والتنحنح و ضرب المرءة على فخذها، ورمي الغير بحصاة طلبا لاقباله، وضم الجارية إليه، و


 

[291]

إرضاع الصبي حال التشهد، ورفع القلنسوة من الارض، ووضعها على الرأس، ولبس العمامة والرداء، ومسح الجبهة، وستطلع في الاخبار الاتية على ما يجوز فعله في الصلاة من الافعال الكثيرة، وخبر سماعة وحريز يمكن حملهما على ما إذا احتاج إلى الاستدبار أو الكلام، وخبر عمار مع ضعفه يمكن حمله على الكراهة، والاحتياط ترك غير ما ورد في الاخبار، بل ترك بعض ما ورد فيها مع عدم صحة أسانيدها أو معارضتها بأخبار اخرى. ثم المشهور أن إبطال الفعل الكثير مخصوص بصورة العمد كما صرح به الاكثر ونسبه في التذكرة إلى علمائنا مؤذنا بدعوى الاجماع، ونسبه في الذكرى إلى الاجماع وقال الشهيد الثاني رحمه الله: لو استلزم الفعل الكثير ناسيا انمحاء صورة الصلاة رأسا توجه البطلان أيضا لكن الاصحاب أطلقوا الحكم بعدم البطلان. 12 - الخصال: عن أحمد بن الحسن القطان، عن الحسن بن علي السكري عن محمد بن زكريا الجوهري، عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جابر الجعفي عن الباقر عليه السلام قال: إذا أرادت المرءة الحاجة وهي في صلاتها صفقت بيديها، والرجل يومي برأسه وهو في صلاته، ويشير بيده ويسبح (1). ايضاح: قال في الذكرى: يجوز الايماء بالرأس، والاشارة باليد، والتسبيح للرجل، والتصفيق للمرءة عند إرادة الحاجة، رواه الحلبي (2) عن الصادق عليه السلام و روى عنه حنان بن سدير (3) أن النبي صلى الله عليه وآله أومأ برأسه في الصلاة، وروى عنه (4) عمار التنحنح ليسمع من عنده فيشير إليه، والتسبيح للرجل والمرءة، وضرب المرءة على فخذها. وقال في التذكرة: يجوز التنبيه على الحاجة إما بالتصفيق أو بتلاوة القرآن، أو بتسبيح أو تهليل، ثم قال: ولا فرق بين الرجل والمرءة في ذلك وبه قال مالك

 

(1) الخصال ج 2 ص 141. (2) الكافي ج 3 ص 365. (3 - 4) الفقيه ج 1 ص 242.

 

[292]

وقال الشافعي: يسبح الرجل وتصفق المرءة لقوله صلى الله عليه وآله إذا نابكم شئ في الصلاة فالتسبيح للرجال والتصفيق للنساء (1) ولو خالفا فسبحت المرءة وصفق الرجل لم تبطل الصلاة عنده، بل خالفا السنة. ثم قال: لو صفقت المرءة أو الرجل على وجه اللعب لا للاعلام بطلت صلاتهما لان اللعب ينافي الصلاة، ويحتمل ذلك مع الكثرة خاصة انتهى واشتهار تخصيص التسبيح بالرجال والتصفيق بالنساء بين المخالفين مما يوهم التقية فيه، وروى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وآله مالي رأيتكم أكثرتم التصفيق من نابه شئ في صلاة فليسبح فانه إذا سبح التفت إليه وأما التصفيق للنساء. وفسر بعض العامة التصفيق بأن يضرب بظهور أصابع اليمنى صفحة الكف اليسرى أو بأصبعين من يمينها على كفها اليسرى لئلا يشبه اللهو ولا وجه له، لان الضرب على وجه اللهو ممتاز عن الضرب لغيره في الكيفية ولايجوز تخصيص النص من غير مخصص مع أن منافاة مطلق اللعب للصلاة غير ثابت، وقد وردت أخبار في حصر مبطلات الصلاة في أشياء ليس اللعب منها. وقال العلامة - رحمه الله - أيضا في النهاية إذا صفقت ضربت بطن كفها الايمن على ظهر الكف الايسر، أو بطن الاصابع على ظهر الاصابع الاخرى، ولا ينبغي أن يضرب البطن على البطن لانه لعب، ولو فعلته على وجه اللعب بطلت صلاتها مع الكثرة وفي القلة إشكال ينشأ من تسويغ القليل، ومن منافاة اللعب الصلاة انتهى. 13 - الاحتجاج: كتب الحميري إلى القائم عليه السلام: هل يجوز للرجل إذا صلى الفريضة أو النافلة وبيده السبحة أن يديرها وهو في الصلاة ؟ فأجاب عليه السلام: يجوز ذلك إذا خاف السهو والغلط (2). 14 - قرب الاسناد: عن الحسن بن طريف، عن الحسين بن علوان، عن الصادق، عن أبيه عليهما السلام أن عليا عليه السلام كان في الصلاة يتقي بثوبه حر الارض

 

(1) رواه سهل بن سعد في حديث متفق عليه كما في المشكاة ص 91. (2) الاحتجاج: 274. (*)

 

[293]

وبردها (1). وقال: إن عليا عليه السلام كان يقول لا يقطع الصلاة الرعاف ولا القئ ولا الاز (2). بيان: الرعاف محمول على ما إذا لم يزد على الدرهم أو يمكنه إزالته بدون الاستدبار والكلام والفعل الكثير أيضا على طريقة الاصحاب، وفي القاموس: الاز ضربان العرق ووجع في خراج ونحوه، وفي الصحاح الازيز صوت الرعد وصوت غليان القدر، وقد أزت القدر تؤز أزيرا غلت، والاز التهيج والاغراء انتهى، والظاهر أن المراد هنا قراقر البطن. 15 - قرب الاسناد: عن محمد بن الوليد، عن ابن بكير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلى فيه وهو لا يصلي فيه، قال: فلا يعلمه، قلت: فان أعلمه ؟ قال: يعيد (3). بيان: الظاهر أن عدم الصلاة لاجل النجاسة لانه مما يخفي غالبا. ويحتمل الاعم، وعلى التقادير الظاهر أن الاعادة محمول على الاستحباب كما عرفت. 16 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون راكعا أو ساجدا فيحكه بعض جسده، هل يصلح له أن يرفع يده من ركوعه أو سجوده فيحطه مما حكه (4) قال: لا بأس - إذا شق عليه - أن يحكه، والصبر إلى أن يفرغ أفضل (5). وسألته عن الرجل يحرك بعض أسنانه وهو في الصلاة هل يصلح له أن ينزعها ويطرحها ؟ قال: إن كان لا يجد دما فلينزعه، وليرم به، وإن كان دمي

 

(1) قرب الاسناد ص 72 ط نجف. (2) قرب الاسناد ص 73 ط نجف ص 54 ط حجر. (3) قرب الاسناد ص 79 ط حجر: 103 ط نجف. (4) فيحك ماحكه خ ل، كما في المصدر المطبوع. (5) قرب الاسناد ص 114 ط نجف.

 

[294]

فلينصرف (1). وسألته عن الرجل يكون له الثالول أو الجرح هل يصلح له وهو في صلاته أن يقطع رأس الثالول أو ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح ويطرحه ؟ قال: إن لم يتخوف أن يسيل الدم فلا بأس، وإن تخوف أن يسيل الدم فلا يفعل، وإن فعل فقد نقض من ذلك الصلاة، ولا ينقض الوضوء (2). وسألته عن الرجل يكون في الصلاة فرماه، رجل فشجه فسال الدم فانصرف فغسله ولم يتكلم حتى رجع إلى المسجد، هل يعتد بما صلى أو يستقبل الصلاة ؟ قال: يستقبل الصلاة ولا يعتد بما صلى (3). وسألته عن رجل كان في صلاته فرماه رجل فشجه فسال الدم هل ينقض ذلك وضوءه ؟ قال: لا ينقض الوضوء، ولكنه يقطع الصلاة (4). وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يمسح بعض أسنانه أو داخل فيه بثوبه وهو في الصلاة ؟ قال إن كان شيئا يؤذيه أو يجد طعمه فلا بأس (5). وسألته عن الرجل يشتكي بطنه أو شيئا من جسده هل يصلح له أن يضع يده عليه أو يغمزه في الصلاة ؟ قال: لا بأس (6). وسألته عن رجل يقرض أظافيره أو لحيته بأسنانه وهو في صلاته ؟ وما عليه إن فعل ذلك متعمدا ؟ قال: إن كان ناسيا فلا بأس، وإن كان متعمدا فلا يصلح له (7). وسألته عن الرجل يقرض لحيته ويعض عليها وهو في الصلاة ما عليه ؟ قال: ذلك الولع فلا يفعل، وإن فعل فلا شئ عليه، ولكن لا يتعوده (8). وسألته عن الرجل هل يصلح أن ينظر في نقش خاتمه وهو في الصلاة كأنه يريد قراءته أو في مصحف أو في كتاب في القبلة ؟ قال: ذلك نقص في الصلاة، وليس يقطعها (9). وسألته عن الرجل يكون في صلاته فينظر إلى ثوبه قد انخرق أو أصابه شئ

 

(1) قرب الاسناد: 114 ط نجف. (2 - 9) قرب الاسناد ص 115 ط نجف ص 88 ط حجر.

 

[295]

هل يصلح له أن ينظر فيه أو يفتشه ؟ قال: إن كان في مقدم ثوبه أو جانبه فلا بأس وإن كان في مؤخره فلا يلتفت فانه لا يصلح له (1). وسألته عن الرجل يرى في ثوبه خرء الحمام أو غيره هل يصلح له أن يحكه وهو في صلاته ؟ قال: لا بأس (2). وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيستفتح الرجل الاية هل يفتح عليه وهل يقطع ذلك الصلاة ؟ قال: لا يصلح أن يفتح عليه (3). وسألته عن الرجل يقول في صلاته: اللهم رد إلى مالي وولدي، هل يقطع ذلك صلاته ؟ قال: لا يفعل ذلك أحب إلى (4). وسألته عن الرجل يمسح جبهته من التراب وهو في الصلاة قبل أن يسلم قال: لا بأس (5). وسألته عن الرجل والمرءة يضع المصحف أمامه ينظر فيه ويقرء ويصلي قال لا يعتد بتلك الصلاة (6). وسألته عن رجل ذكر وهو في صلاته أنه لم يستنج من الخلا ؟ قال: ينصرف و يستنجي من الخلا ويعيد الصلاة، وإن ذكر وقد فرغ أجزأه ذلك ولا إعادة عليه (7). وسألته عن رجل بال ثم تمسح فأجاد التمسح ثم توضأ وقام فصلى قال: يعيد الوضوء فيمسك ذكره ويتوضؤ ويعيد صلاته ولا يعتد بشئ مما صلى (8). وسألته عن رجل أخذ من شعره ولم يمسحه بالماء ثم يقوم فيصلي ؟ قال: ينصرف فيمسحه بالماء ولا يعتد بصلاته تلك (9). وسألته عن رجل يكون في صلاته وإلى جانبه رجل راقد، فيريد أن يوقظه

 

(1) قرب الاسناد ص 116 ط نجف. (2 - 3) قرب الاسناد ص 117 ط نجف. (4 - 7) قرب الاسناد ص 118 ط نجف. (8 - 9) قرب الاسناد ص 119 ط نجف.

 

[296]

فيسبح ويرفع صوته لا يريد إلا ليستيقظ الرجل أيقطع ذلك صلاته أو ما عليه ؟ قال: لا يقطع ذلك صلاته ولا شئ عليه (1). وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيستأذن إنسان على الباب فيسبح ويرفع صوته ليسمع خادمه فتأتيه فيريها بيده أن على الباب إنسانا أيقطع ذلك صلاته أو ماذا عليه ؟ قال: لا بأس (2). وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يغمض عينه في الصلاة متعمدا ؟ قال: لا بأس (3). وسألته عن الرجل هل يصلح أن يرفع طرفه إلى السماء وهو في صلاته ؟ قال: لا بأس (4). وسألته عن الرجل يكون في الصلاة فيستمع الكلام أو غيره فينصت ليسمعه ما عليه إن فعل ذلك ؟ قال: هو نقص وليس عليه شئ (5). وسألته عن الرجل يكون في صلاته فيرمي الكلب وغيره بالحجر ما عليه ؟ قال: ليس عليه شئ ولا يقطع ذلك صلاته (6). وسألته عن الرجل هل يصلح له وهو في صلاته أن يقتل القملة أو النملة أو الفارة أو الحلمة أو شبه ذلك ؟ قال: أما القملة فلا يصلح له، ولكن يرمي بها خارجا من المسجد أو يدفنها تحت رجليه (7). وسألته عن الرجل يكون في الصلاة فيسلم عليه الرجل هل يصلح له أن يرد ؟ قال: نعم، يقول: السلام عليك فيشير عليه بأصبعه (8).

 

(1) قرب الاسناد ص 120 ط نجف. (2 - 4) قرب الاسناد ص 121 ط نجف. (5) قرب الاسناد ص 122 ط نجف. (6) قرب الاسناد ص 123. (7) قرب الاسناد ص 125. (8) قرب الاسناد ص 126.

 

[297]

وسألته عن رجل رعف وهو في صلاته وخلفه ماء هل يصلح أن ينكص على عقبيه حتى يتناول الماء فيغسل الدم ؟ قال: إذا لم يلتفت فلا بأس (1). وسألته عن الرجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته، قال: إذا كانت الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلي ولا يعتد به، وإن كانت نافلة لم يقطع ذلك صلاته، ولكن لا يعود (2). وسألته عن المرءة يكون في صلاة الفريضة وولدها إلى جنبها فيبكي وهي قاعدة، هل يصلح لها أن يتناوله فتقعده في حجرها وتسكته وترضعه ؟ قال عليه السلام: لا بأس (3). كتاب المسائل: لعلي بن جعفر عنه عليه السلام مثل الجميع (4). بيان: قوله: " فيحطه " أي اليد بتأويل العضو، وفي بعض النسخ " فيحك ما حكه " وهو أظهر " وإن كان دمي فلينصرف " أي يترك الصلاة ولا يدل على الاستيناف لكنه أظهر وقد مر القول فيه " يستقبل الصلاة " يحتمل أن يكون للاستدبار لا للفعل الكثير " أو داخل فيه بثوبه " أي يدخل طرف ثوبه لاخراجه " أو يجد طعمه " إما لتحقق الاكل حينئذ أو لشغل الخاطر به فيشكل الاستدلال به على تحريم الاكل وإن كان متعمدا " فلا يصلح له " فيه إشعار بالفرق في الفعل الكثير بين الناسي و المتعمد، لكن الظاهر أن " لا يصلح له " اريد به الكراهة، وليس الفعل بكثير لما تقدم ولما سيأتي، والولع بالتحريك الحرص في الشئ واعتياده. " فيستفتح الرجل " أي ينسي آية فيسأله ليبينها له، ولعل عدم الصلوح على الكراهة لئلا تسقط أعماله وقراءته عن التوالي، أو يوجب سهوه فيها أو يحمل على ما إذا تكلم بجزء ناقص لا يطلق عليه القرآن " أحب إلى " يدل على كراهة

 

(1 - 2) قرب الاسناد: 126. (3) قرب الاسناد ص 133 ط نجف. (4) راجع كتاب المسائل المطبوع في البحار ح 10 ص 250 - 291. متفرقا على الصفحات.

 

[298]

الدعاء للامور الدنيوية في الصلاة وهو خلاف المشهور، قال في الذكرى: الدعاء كلام فمباحه مباح وحرامه حرام. وقال - رحمه الله -: يجوز أن يمسح جبهته إذا لصق بها التراب لرواية الحلبي (1) وفي الفقيه يكره ذلك في الصلاة ويكره أن يتركه بعد ما صلى انتهى و عد في النفلية من المكروهات مسح التراب عن الجبهة إلا بعد الصلاة. أقول: الكراهة غير معلومة وقد دلت أخبار صحيحة على الجواز، وعلى أنهم عليهم السلام كانوا يفعلون ذلك وسيأتي بعضها. قوله: " لا يعتد بتلك الصلاة " عمل به جماعة من الاصحاب منهم الشيخ في الخلاف والمبسوط حيث قالوا بعدم جواز القراءة من المصحف مع الامكان. وذهب الفاضلان وجماعة إلى جواز القراءة من المصحف مطلقا لما رواه الشيخ عن الحسن الصيقل (2) قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: ما تقول في الرجل يصلي وهو ينظر في المصحف ليقرء فيه يضع السراج قريبا منه ؟ فقال: لا بأس بذلك، وفصل الشهيد الثاني وجماعة فمنعوه في الفريضة وجوزوه في النافلة، وهذا وجه جمع بين الخبرين وإن لم يذكر الاصحاب خبر علي بن جعفر وتمسكوا في المنع بوجوه ضعيفة ويمكن جمع الخبرين بالضرورة وعدمها، والاحوط عدم القراءة في المصحف في الفريضة إلا عند الضرورة وإن كان الجواز مطلقا لا يخلو من قوة وقد مر الكلام في ناسي الاستنجاء. " فيمسك ذكره " أي للاستنجاء " ويتوضؤ " أي يستنجي والوضوء الاول الظاهر أنه وضوء الصلاة، وإعادته موافقة لمذهب الصدوق وحمل على الاستحباب، وإعادة الصلاة لعدم المسح بالماء للحديد خلاف المشهور والحمل على الاستحباب أيضا مشكل وقد مر الكلام فيه، ونفي البأس في التغميض والنظر إلى السماء لا ينافي الكراهة فيهما كما مر.

 

(1) التهذيب ج 1 ص 222. (2) التهذيب ج 1 ص 220.

 

[299]

قوله عليه السلام: " هو نقص " يدل على أن السكوت في أثناء الصلاة غير مبطل، وحمل على القليل إذ المشهور أن الطويل الذى يخرج به عن كونه مصليا مبطل للصلاة عمدا واحتمل بعضهم كالشهيدين بطلان الصلاة به سهوا أيضا إذا أدى إلى إمحاء صورة الصلاة مطلقا كمن سكت ساعة أو ساعتين أو معظم اليوم والكلام فيه كالكلام في الفعل الكثير. قوله عليه السلام: " أما القملة " التعرض لحكم القملة والسكوت عن سائر لانها التي تؤذي الانسان، فلابد له من دفعها، فأمره بالالقاء والدفن دون القتل، فيدل على كراهة قتلها كما ذكره الاصحاب، ودلت عليه أخبار كثيرة. وأما سائرها فحكمها عدم التعرض لها أو جواز قتلها، ويحتمل أن يكون المراد القملة وشبهها ليشمل الحلمة والنملة كما روى في الفقيه (1) باسناده عن محمد بن مسلم أنه سأل أبا جعفر عليه السلام عن الرجل تؤذيه الدابة وهي يصلي ؟ قال: يلقيها عنه إن شاء أو يدفنها في الحصا، وقد روي تجويز قتلها في الصحيح عن الحلبي (2) أنه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يقتل البقة والبرغوث والقملة والذباب في الصلاة أينقض ذلك صلاته ووضوءه ؟ قال: لا. قوله عليه السلام: " يقول السلام عليك " أي إن قال السلام عليك كما هو الشايع أو مطلقا كما مر، وأما الاشارة بالاصبع فاما لخفائه وعدم سماع المسل، فيكون محمولا على التقية، أو مع السماع أيضا تعبدا على سبيل الاستحباب، والاول أظهر، فقد روى شارح السنة من علماء العامة عن عبد الله قال: كنت اسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في الصلاة فيرد علينا فلما قدمنا من عند النجاشي سلمنا فلم يرد، فقيل له، فقال: إن في الصلاة لشغلا (3). ثم قال: اختلف أهل العلم في رد السلام في الصلاة، روي عن أبي هريرة أنه

 

(1) الفقيه ج 1 ص 241. (2) التهذيب ج 1 ص 230. (3) مشكاة المصابيح ص 91، رواه عن عبد الله بن مسعود في حديث متفق عليه.

 

[300]

كان إذا سلم عليه في الصلاة رده حتى يسمع، وعن جابر نحو ذلك وهو قول سعيد ابن المسيب، والحسن وقتادة كانوا لا يرون به بأسا وأكثر الفقهاء على أنه لايرد فلو رد بالسلام بطلت صلاته " ويشير بيده " روي عن صهيب قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وآله وهو يصلي فسلمت عليه فرد علي إشارة بأصبعه، وعن ابن عمر قال: قلت لبلال: كيف كان النبي صلى الله عليه وآله يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو في الصلاة ؟ قال: كان يشير بيده، وقال ابن عمر: إنه يرد إشارة، وقال أبو حنيفة: لا يرد السلام ولا يشير، وقال عطاء والنخعي وسفيان الثوري: إذا انصرف من الصلاة رد السلام قال الخطابي: ورد السلام بعد الخروج سنة، وقد رد النبي صلى الله عليه وآله علي ابن مسعود بعد الفراغ من صلاته السلام، والاشارة حسنة انتهى. والعجب أن الشهيد قدس سره في النفلية عد الاشارة بأصبعه عند رد السلام من السنن، وقال الشهيد الثاني في شرحه المستند ماروي أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا سلم عليه أشار بيده، وحمل على جواز الجمع بينهما مع إخفاء اللفظ لتكون الاشارة مؤذنة به انتهى ولا يخفى ما فيه بعدما عرفت. قوله: " وتسكته " أي بغير الكلام، إما بالارضاع فقط، أو بالتحريك و شبهه أيضا. 17 - الخصال: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن الصادق، عن أبيه قال: لا تسلموا على المصلي لان المصلي لايستطيع أن يرد السلام، لان التسليم من المسلم تطوع و الرد فريضة (1). بيان: الظاهر أن النهي عن التسليم محمول على التقية بقرينة التعليل، فانه أيضا محمول عليها كما عرفت، والحكمان مشهوران عندهم، ويؤيده أيضا أن الراوي عامي. 18 - العيون: عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن

 

(1) الخصال ج 2 ص 82.

 

[301]

محمد بن عيسى، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: رأيت الرضا عليه السلام إذا سجد يحرك ثلاث أصابع من أصابعه واحدة بعد واحدة تحريكا خفيفا كأنه يعد التسبيح ثم يرفع رأسه (1). بيان: لعل العد للتعليم لا لاحتياجه عليه السلام إلى ذلك، كما علمنا بذلك جوازه. 19 - معاني الاخبار: باسناده عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله أمر بقتل الاسودين في الصلاة، قال معمر: قلت: ليحيى: وما معنى الاسودين ؟ قال: الحية والعقرب (2). بيان: الاسودان على التغليب كالعمرين قال في النهاية: الاسود أخبث الحيات وأعظمها، وهي من الصفة الغالبة حتى استعمل استعمال الاسماء وجمع جمعها، و منه الحديث أمر بقتل الاسودين، أي الحية والعقرب. 20 - قرب الاسناد: عن محمد بن خالد الطيالسي، عن إسماعيل بن عبد الخالق قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون في الجماعة مع القوم يصلي المكتوبة فيعرض له رعاف كيف يصنع ؟ قال: يخرج فان وجد ماء قبل أن يتكلم فليغسل الرعاف ثم ليعد فليبن على صلاته (3). ايضاح: قال في المنتهى: لا يقطع الصلاة رعاف ولا قئ ولو جاءه الرعاف أزاله وأتم الصلاة ما لم يفعل ما ينافي الصلاة، ذهب إليه علماؤنا لانه ليس بناقض للطهارة على ما بيناه، والازالة من مصلحة الصلاة فلا يبطلها، لان التقدير عدم الفعل الكثير (4) ثم ذكر أخبارا كثيرة دالة عليه، وذكر خبرين معارضين حملهما على فعل المنافي، أو الاحتياج إلى فعل كثير أو على الاستحباب.

 

(1) عيون الاخبار ج 2 ص 8 في حديث. (2) معاني الاخبار ص 229. (3) قرب الاسناد ص 60 ط حجر: 79 ط نجف. (4) راجع في ذلك ج 80 ص 225.

 

[302]

21 - المحاسن: عن إدريس بن الحسن، عن يوسف بن عبد الرحمن قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: من تأمل خلف امرأة فلا صلاة له، قال يونس: إذا كان في الصلاة (1). بيان: حمل على نفي الكمال. 22 - المحاسن: عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سئل عن رجل صلى الفريضة فلما رفع رأسه من السجدة الثانية من الركعة الرابعة أحدث، فقال: أما صلاته فقد مضت، وأما التشهد فسنة في الصلاة فليتوضأ وليعد إلى مجلسه أو مكان نظيف فيتشهد (2). بيان: يدل على مذهب الصدوق ومخالف للمشهور كما مر. 23 - المحاسن: عن محمد بن عيسى اليقطيني، عن عبيد الله الدهقان، عن درست، عن ابن اذينة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لدغت رسول الله صلى الله عليه وآله عقرب و هو يصلي بالناس فأخذ النعل فضربها ثم قال بعد ما انصرف: لعنك الله فما تدعين برا ولا فاجرا إلا آذيتيه، قال: ثم دعا بملح جريش فدلك به موضع اللدغة، ثم قال: لو علم الناس ما في الملح الجريش ما احتاجوا معه إلى ترياق ولا إلى غيره (3). 24 - فقه الرضا: قال عليه السلام: إن عطست وأنت في الصلاة أو سمعت عطسة

 

(1) المحاسن ص 82. (2) المحاسن: 325، ويحمل الحديث على ما إذا سبقه الحدث من دون اختيار. لما عرفت من أنه كلما غلب الله على العبد فالله أولى له بالعذر، فان كان الحدث في الاثناء، انصرف وتوضأ ثم بنى على صلاته، وان كان مضت صلاته وبقى التسليم المحلل فلا شئ عليه بعد التحليل القهري الوارد عليه من دون اختياره، نعم إذا كان في الاثناء يقتصر في تحصيل طهارته على أقل الافعال، فلو تكلم في أثنائه أو استدبر - وكان الماء في مقابله - أو أحدث حدثا آخر أو غير ذلك فقد بطلت صلاته وعليه الاعادة. (3) المحاسن: 590.

 

[303]

فاحمد الله على أي حالة تكون، وصل على النبي صلى الله عليه وآله (1). تأييد: قال في المنتهى: يجوز للمصلي أن يحمد الله إذا عطس ويصلي على نبيه صلى الله عليه وآله، وأن يفعل ذلك إذا عطس غيره، وهو مذهب أهل البيت عليهم السلام، وبه قال الشافعي وأبو يوسف وأحمد، وقال أبو حنيفة: تبطل صلاته، ثم قال: ويجوز أن يحمد الله على كل نعمة (2). 25 - السرائر: نقلا من جامع البزنطي قال: سألت الرضا عليه السلام عن الرجل يمسح جبهته من التراب وهو في صلاته قبل أن يسلم قال: لا بأس. قال: وسألته عن رجل يلتفت في صلاته هل يقطع ذلك صلاته ؟ قال: إذا كانت الفريضة والتفت إلى خلفه فقد قطع صلاته، فيعيد ما صلى ولا يعتد به، وإن كانت نافلة فلا يقطع ذلك صلاته ولكن لا يعود (3). 26 - السرائر: نقلا من كتاب محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن حسين بن عثمان، عن ابن مسكان قال محمد بن إدريس: واسم ابن مسكان الحسين وهو ابن أخي جابر الجعفي غريق في الولاية لاهل البيت عليهم السلام عن محمد بن مسلم قال: سألته عن الرجل يسلم عن القوم في الصلاة، فقال: إذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة فسلم عليه، تقول: " السلام عليك " وأشر إليه بأصبعك (4). 27 - كتاب المسائل: عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل يكون في أصبعه أو في شئ من يده الشئ ليصلحه، له أن يبله ببصاقه ويمسحه في صلاته ؟ قال: لا بأس (5). قال: فسألته عن المرءة تكون في صلاتها قائمة يبكي ابنها إلى جنبها هل يصلح

 

(1) فقه الرضا: 53 باب العطاس. (2 و 3) السرائر: 469. (4) السرائر: 476. (5) المسائل - البحار ج 10 ص 280.

 

[304]

لها أن تتناوله وتحمله وهي قائمة ؟ قال: لاتحمل وهي قائمة (1). قال: وسألته عن رجل وجد ريحا في بطنه فوضع يده على أنفه فخرج من المسجد متعمدا حتى خرجت الريح من بطنه ثم عاد إلى المسجد فصلى ولم يتوضأ أيجزيه ذلك ؟ قال: لا يجزيه ذلك، حتى يتوضأ ولا يعتد بشئ مما صلي (2). بيان: " لاتحمل وهي قائمة " يمكن أن يكون ذلك لاستلزام زيادة الركوع بناء على عدم اشتراط النية في ذلك، وظاهر بعض الاصحاب اشتراطها، قال في الذكرى: يجب أن يقصد بهويه الركوع، فلو هوى بسجدة العزيمة أو غيرها في النافلة أو هوى لقتل حية أو لقضاء حاجة، فلما انتهى إلى حد الراكع أراد أن يجعله ركوعا لم يجزه، فيجب عليه الانتصاب ثم الهوى للركوع، ولا يكون ذلك زيادة ركوع انتهى. وروى الشيخ والصدوق عن زكريا الاعور (3) قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام يصلي قائما وإلى جانبه رجل كبير يريد أن يقوم ومعه عصا له فأراد أن يتناولها، فانحط أبو الحسن عليه السلام وهو قائم في صلاته فناول الرجل العصا ثم عاد إلى صلاته، وهذا يدل على الجواز وعلى الاشتراط المذكور، وذكر العلامة والشهيد وغيرهما مضمون الرواية من غير رد. ويمكن الجمع بينهما بحمل هذا الخبر على الفريضة أو الكراهة وخبر الاعور على النافلة أو على الجواز، والاول أظهر، ووضع اليد على الانف لايهام أنه خرج منه الدم لئلا يطلع الناس على خروج الريح منه، فيفتضح بذلك، ويمكن أن يستدل به على أنه لا يحسن إظهار المعائب وليس إخفاؤها من الرياء المذموم، و قد ورد هذا في طرق المخالفين، وقال بعضهم: هو نوع من الادب في إخفاء القبيح و التورية بالاحسن عن الاقبح، لا من الكذب والرياء، بل من التجمل والحياء.

 

(1) المسائل - البحار ج 10 ص 264. (2) المسائل - البحار ج 10 ص 284. (3) التهذيب ج 1 ص 230، الفقيه ج 1 ص 243.

 

[305]

28 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي وفي كمه شئ من الطير ؟ قال: إن خاف عليه ذهابا فلا بأس (1). وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يستدخل الدواء ويصلي وهو معه هل ينقض الوضوء ؟ قال: لا تنقض الوضوء ولا يصلي حتى يطرحه (2). وسألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلي وفي فيه الخرز واللؤلؤ ؟ قال: إن كان يمنعه من قراءته فلا، وإن كان لا يمنعه فلا بأس (3). قال: وسألته عن الرجل يخطي في التشهد والقنوت هل يصلح له أن يردده حتى يتذكر أو ينصت ساعة ويتذكر قال: لا بأس أن يردد وينصت ساعة حتى يتذكر وليس في القنوت سهو ولا التشهد (4). قال: وسألته عن الرجل يخطئ في قراءته هل يصلح له أن ينصت ساعة و يتذكر ؟ قال: لا بأس (5). بيان: الظاهر أن المنع عن الصلاة مع الدواء لاحتمال فجأة الحدث أو لمنعه حضور القلب، لا لكونه حاملا للنجاسة، كما توهم، فان النجاسة في الباطن لا يخل بصحة الصلاة وأما الخرز فالظاهر أنه مع عدم منافاة القراءة لا خلاف في جواز كونه في الفم، قال في التذكرة: لو كان في فمه شئ لا يذوب صحت صلاته، إن لم يمنع القراءة وأما اللؤلؤ فيدل على جواز الصلاة معه ردا لمن توهم كونه جزء من الحيوان الذي لا يؤكل لحمه، وقد مر الكلام (6) ويدل على جواز تكرير القراءة والاذكار لتذكر ما بعده، واستشكل في القراءة لتوهم القرآن، وسيأتي أن مثل

 

(1) قرب الاسناد ص 113 ط نجف. (2) قرب الاسناد ص 114 ط نجف 99 ط حجر. (3) قرب الاسناد ص 88 ط حجر. (4 - 5) قرب الاسناد ص 124 ط نجف. (6) راجع ج 83 ص 173.

 

[306]

ذلك ليس بداخل في القرآن المنهي عنه، وقد مر تكرير بعض الايات من بعضهم عليهم السلام وكذا يدل تجويز الصمت في أثناء القراءة والذكر، وحمل على ما إذا لم يخرج من كونه قاريا أو مصليا وقد تقدم القول فيه. 29 - العياشي: عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السلام في قول الله " ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى " قال هذا قبل أن يحرم الخمر (1). 30 - أربعين الشهيد: باسناده، عن الشيخ، عن ابن أبي حميد، عن محمد ابن الحسن بن الوليد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سلم عمار على رسول الله صلى الله عليه وآله في الصلاة فرد عليه، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: إن السماء اسم من أسماء الله عزوجل (2). بيان: ظاهره أن السلام الداخل في التسليم يراد به اسمه تعالى وقد دل عليه غيره من الاخبار أيضا قال في النهاية: التسليم مشتق من السلام اسم الله تعالى لسلامته من العيب والنقص، وقيل: معناه أن الله مطلع عليكم فلا تغفلوا وقيل: معناه اسم السلام عليكم أي اسم الله عليكم، إذ كان اسم الله تعالى يذكر على الاعمال توقعا لاجتماع معاني الخيرات فيه وانتفاء عوارض الفساد عنه، وقيل معناه سلمت مني فاجعلني أسلم منك، من السلامة بمعنى السلام انتهى، والغرض من ذلك إما أنه ذكر الله تعالى لاشتماله على الاسم أو أنه دعاء لذلك. 31 - الذكرى: قال: روى البزنطي عن الباقر عليه السلام قال: إذا دخلت المسجد والناس يصلون فسلم عليهم، وإذا سلم عليك فاردد، فاني أفعله، فان عمار بن ياسر مر على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يصلي، فقال: السلام عليك يارسول الله ورحمة الله وبركاته ! فرد عليه السلام (3). 32 - كتاب مثنى بن الوليد قال: كنت جالسا عند أبي عبد الله عليه السلام فقال له:

 

(1) تفسير العياشي ج 1 ص 242. (2) أربعين الشهيد: 195. (3) الذكرى:

 

[307]

ناجية أبو حبيب الطحان أصلحك الله إني أكون اصلي بالليل النافلة فأسمع من الرغاء ما أعلم أن الغلام قد نام عنها فأضرب الحايط لاوقظه ؟ قال: نعم وما بأس بذلك أنت رجل في طاعة ربك تطلب رزقك. إن الفضل بن عباس صلى بقوم وسمع رجلا خلفه يفرقع أصبعه فلم يزل يغيظ حتى انفتل فلما انفتل قال: أيكم عبث بأصبعه ؟ قال صاحبها: أنا فقال: قال له: سبحان الله ألا كففت عن أصبعك، فان صاحب الصلاة إذا كان قائما فيها كان كالمودع لها لاتعد إلى مثلها أبدا صل صلاة مودع لا ترجع إلى مثلها أبدا أتدري من تناجي ؟ لاتعد إلى مثل ذلك (1). 32 - دعائم الاسلام: عن علي صلوات الله عليه قال: من تكلم في صلاته أعاد (2). وعنه عليه السلام قال: كنت إذا جئت النبي صلى الله عليه وآله استأذنت فان كان يصلي سبح فعلمت فدخلت، وإن لم يكن يصلي أذن لي فدخلت (3). وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه سئل عن الرجل يريد الحاجة وهو في الصلاة قال: يسبح (4). وعنه عليه السلام قال: الضحك في الصلاة يقطع الصلاة فأما التبسم فلا يقطعها (5) وعنه عليه السلام قال في الرجل يريد الحاجة وهو في الصلاة يسبح أو يشير أو يؤمئ برأسه، ولا يلتفت وإذا أرادت المرءة الحاجة وهي في الصلاة صفقت بيديها (6). وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه نهى عن النفخ في الصلاة (7). وعن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه نهى أن ينفخ الرجل في موضع سجوده في الصلاة (8). وعن علي عليه السلام قال: إذا تنخم أحدكم فليحفر لها ويدفنها تحت رجليه، يعني

 

(1) رواه الشيخ في التهذيب ج 1 ص 228، والكليني في الكافي ج 3 ص 301، إلى قوله: تطلب رزقك. (2 - 5) دعائم الاسلام ج 1 ص 172. (6 - 8) دعائم الاسلام ج 1 ص 173.

 

[308]

إذا وقت على الحصا أو على الرمل أو ما أشبه ذلك (1). وعن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه نهى عن النخامة في القبلة وأنه صلى الله عليه وآله نظر إلى نخامة في قبلة المسجد فلعن صاحبها، وكان غائبا، فبلغ ذلك امرأته فأتت فحكت النخامة وجعلت مكانها خلوقا، فأثنى رسول الله صلى الله عليه وآله عليها خيرا لما حفظت من أمر زوجها (2). وعن جعفر بن محمد عليه السلام في الرجل تؤذيه الدابة وهو يصلي قال: يلقيها عنه ويدفنها في الحصا (3). وسئل عن الرجل يرى العقرب أو الحية وهو في الصلاة قال: يقتلها (4). وعن علي عليه السلام أنه قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وآله عن أربع: عن تقليب الحصا في الصلاة، وأن اصلي وأنا عاقص رأسي من خلفي، وأن أحتجم وأنا صائم، وأن أخص يوم الجمعة بالصوم (5). بيان: عقص الشعر جمعه في وسط الرأس وظفره وليه كما ذكره الاصحاب، وفي النهاية أصل العقص اللي وإدخال أطراف الشعر في اصوله، ومنه حديث ابن عباس الذي يصلي ورأسه معقوص كالذي يصلي وهو مكتوف، أراد أنه إذا كان شعره منثورا سقط على الارض عند السجود، فيعطي صاحبه ثواب السجود به، وإذا كان معقوصا صار في معنى ما لم يسجد، وشبهه بالمكتوف وهو المشدود اليدين، لانهما لا يقعان على الارض في السجود انتهى. واختلف الاصحاب في حكمه فذهب الشيخ، وجماعة من الاصحاب إلى التحريم واستدل عليه باجماع الفرقة، وبرواية مصادف (6) عن أبي عبد الله عليه السلام في رجل صلى

 

(1 - 2) دعائم الاسلام ج 1 ص 173 ولفظ الثاني هكذا " وجعلت مكانها خلوقا فرأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: ماهذا ؟ فأخبر بما كان من المرءة، فأثنى عليها خيرا لما حفظت من أمر زوجها، فجعلت العامة تخلق المساجد قياسا على هذا، ولم يفعله رسول الله صلى الله عليه وآله، وكثير من الناس ينهى عنه ويكرهه، وكثير يراه ويستحسنه، على الاصل الذي ذكرناه. (3 - 5) دعائم الاسلام ج 1 ص 174. (6) التهذيب ج 1 ص 202.

 

[309]

صلاة فريضة وهو معقوص الشعر، قال: يعيد صلاته، وهو استدلال ضعيف لمنع الاجماع وضعف الرواية، ولا يبعد حملها على التقية، وذهب المحقق وأكثر الاصحاب إلى الكراهة، وهو أقوى، وعلى التقديرين الحكم مختص بالرجال، وأما النساء فلا كراهة ولا تحريم في حقهن إجماعا، وأما صوم يوم الجمعة فسيأتي الكلام فيه. 34 - الدعائم: عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه سئل عن الرجل يعد آلآى في الصلاة ؟ قال: ذلك أحصى للقرآن (1). وعن علي عليه السلام قال: إذا عطس أحدكم في الصلاة فليعطس كعطاس الهر رويدا (2). وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: من عطس في الصلاة فليحمد الله وليصل على النبي سرا في نفسه (3). وعنه عليه السلام أنه رخص في مسح الجبهة من التراب في الصلاة: ونهى (أن يغمض المصلي عينيه وهو في الصلاة و) أن يتورك في الصلاة، وهو أن يجعل المصلي يديه على وركيه (4). وعن عليه السلام أنه سئل عن سكران صلى وهو سكران ؟ قال: يعيد الصلاة (5). 35 - مشكوة الانوار: عن الباقر عليه السلام قال: لا تسلموا على اليهود والنصارى ولا على المجوس ولا على عبدة الاوثان، ولا على موائد شراب الخمر، ولا على صاحب الشطرنج والنرد، ولا على المخنث ولا على الشاعر الذي يقذف المحصنات، و لا على المصلي وذلك أن المصلي لايستطيع أن يرد السلام، لان التسليم من المسلم تطوع، والرد عليه فريضة، ولا على آكل الربا، ولا على رجل جالس على غائط ولا على الذي في الحمام، ولا على الفاسق المعلن بفسقه (6). 36 - مجمع الدعوات: عن إسحاق بن محمد بن مروان الكوفي، عن أبيه، عن

 

(1 - 2) دعائم الاسلام ج 1 ص 174. (3 - 4) دعائم الاسلام ج 1 ص 175. (5) دعائم الاسلام ج 1 ص 198. (6) مشكاة الانوار: 198.

 

[310]

الحسن بن محبوب عن خالد بن سعيد، عن عامر الشعبي، عن عدي بن حاتم قال: دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام فوجدته قائما يصلي متغيرا لونه، فلم أر مصليا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله أتم ركوعا ولا سجودا منه، فسعيت نحوه فلما سمع بحسي أشار إلى بيده فوقفت حتى صلى ركعتين أوجزهما وأكملهما، ثم سلم ثم سجد سجدة أطالها الخبر. 37 - كتاب عاصم بن حميد: عن أبي بصير ومحمد بن مسلم قالا سألنا أبي جعفر عليه السلام عن الرجل يدخل المسجد فيسلم والناس في الصلاة قال: يردون السلام عليه قال: ثم قال: إن عمار بن ياسر دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو في الصلاة فسلم فرد رسول الله صلى الله عليه وآله عليه. تكملة: ذكر الاصحاب بعض مبطلات الصلاة، منها ما ذكر في ضمن الاخبار، ومنها ما لم يذكر فمنها التكلم بحرفين فصاعدا ونقل الاجماع عليه (1) وقد ظهر من كثير من الاخبار السابقة بعضها صريحا وبعضها تلويحا، حيث جوزوا الافعال لاعلام الغير، ولو كان الكلام جائزا لم يحتج إلى ذلك، وكان أولى. وأجمعوا ظاهرا على عدم البطلان بالحرف الواحد غير المفهم، وإن شمله بعض الاطلاقات، والاحوط الترك، وأما الواحد المفهم كع وق فالاكثر على إبطاله كما هو الاظهر، واستشكل العلامة في التذكرة فيه. وأما التنحنح فالظاهر عدم كونه مبطلا كما صرح به جماعة، لعدم صدق التكلم عليه لغة وعرفا، ويدل على جوازه موثقة عمار (2) وقال في المنتهى: لو تنحنح

 

(1) ويدل عليه قوله صلى الله عليه وآله " تحريمها التكبير وتحليلها التسليم " حيث حرم الكلام بعد التحريم حتى يسلم فيحل له الكلام، ويؤيده ما ورد في علل جعل التسليم تحليلا للصلاة على ما سيجئ في بابه. ولا يذهب عليك أن التكلم بحرف أو حرفين انما يبطل الصلاة إذا كان يريد الكلام كما إذا خاطب أحدا أو زجر دابة ولو بحرف غير مفهم للمعنى، واما إذا خرج من فيه حرف أو حرفان وكان لها معنى عند العرف لكنه لم يرد الكلام والتكلم، بل كان بعنوان التنحنح أو دفع الخلط و السعال، فلا بطلان، وسيجئ مزيد بيان لذلك. (2) الفقيه ج 1 ص 242.

 

[311]

بحرفين وسمي كلاما بطل صلاته، وهذا الفرض مستبعد بل يمكن ادعاء استحالته إلا أن ينضم إليه كلام آخر. وكذا الكلام في التأوه بحرفين، وحكم الاكثر فيه بالابطال، وهو محل نظر إلا أن يصدق عليه الكلام عرفا، ولو تأوه كذلك خوفا من النار، ففي البطلان وجهان، واختار المحقق في المعتبر عدمه استنادا إلى أن ذلك منقول عن كثير من الصلحاء في الصلاة، قال ووصف إبراهيم بذلك يؤذن بجوازه، وكذا الانين بحرفين مبطل على المشهور ويدل عليه رواية طلحة بن زيد (1) ولا فرق عند الاصحاب في الابطال بين كون الكلام لمصلحة الصلاة أو لمصلحة اخرى، ويفهم من المعتبر والمنتهى كونه إجماعيا، وذكر العلامة في النهاية عدم الابطال، وهو نادر، وإشارة الاخرس غير مبطل لانها ليست بكلام، وفيه وجه ضعيف بالبطلان. ثم اعلم أنه لا خلاف بين الاصحاب في أن الكلام إنما يبطل إذا كان عمدا، فلو تكلم سهوا لم يبطل (2)، ويلزم سجدتا السهود كما سيأتي، ولو ظن إتمام الصلاة

 

(1) التهذيب ج 1 ص 230. (2) إذا تكلم المصلى بكلام عمدا بمعنى أنه مع التوجه إلى كونه في الصلاة عمد إلى التكلم بالكلام، فقد أعرض بكلامه ذلك عن صلاته وأبطل تحريم صلاته وهو التكبير المحرم، فيكون خارجا عن الصلاة وضعا، قاطعا لصلاته شرعا، مبطلا لعمله وقد حرم الله عليه ذلك بقوله عزوجل: " أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم " وهكذا إذا تكلم بكلام متعمدا إلى الكلام، الا أنه سها عن صلاته وزعم أنه خارج عن الصلاة كالذى ظن تمامها أو كان مكرها، بطلت صلاته أيضا لتعمد الكلام الذي ينافي تكبيرة الاحرام وضعا الا أنه غير آثم كالذى يفطر في شهر رمضان كرها واجبارا، يبطل صومه لتعمد الافطار. وأما إذا تكلم بكلام سهوا، بمعنى أنه لم يرد الكلام، بل أراد أن يتنفس أو يتنحنح أو يسعل فخنق وخرج من فيه كلام بحرف أو حرفين فلا بطلان حينئذ ولا اثم، لعدم منافاته تحريم الصلاة ومثله ما إذا أراد أن يسبح الله أو يحمده أو يقرء قراءة فغلط فيها وخرج من فيه ما يشبه كلام الادمى قهرا.

 

[312]

فتكلم لم تفسد صلاته على المشهور بين الاصحاب وذهب الشيخ في النهاية إلى البطلان والاول أقرب لدلالة الاخبار الكثيرة عليه (1) ولو تكلم مكرها فالظاهر البطلان، وتردد في المنتهى ثم اختار الابطال. ومنها الاكل والشرب وذهب جماعة منهم الشيخ في الخلاف و المبسوط إلى الابطال، ومنعه المحقق في المعتبر، وطالبه بالدليل على ذلك (2) واستقرب عدم البطلان إلا مع الكثرة، واختاره جماعة من المتأخرين ولا يخلو من قوة قال في المنتهى: ولو ترك في فيه شيئا يذوب كالسكر، فذاب فابتلعه لم يفسد صلاته عندنا، وعند الجمهور، لانه ليس أكلا، أما لو بقي بين أسنانه شئ من بقايا الغذاء فابتلعه في الصلاة لم تفسد صلاته قولا واحدا لانه لا يمكن التحرز عنه، وكذا لو كان في فيه لقمة ولم يبلعها إلا في الصلاة لانه فعل قليل انتهى. ولو وضع في فيه لقمة ومضغها وابتلعها، أو تناول قلة فشرب منها، فقال العلامة في التذكرة والنهاية أنه مبطل، ونقل في المنتهى إجماع الاصحاب على عدم بطلان الصلاة بالاكل والشرب ناسيا. واستثنى القائلون بالمنع الشرب في صلاة الوتر لمريد الصوم، وخائف العطش فيه لرواية سعيد الاعرج (3) قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام إني أبيت واريد الصوم فأكون في الوتر فأعطش فأكره أن أقطع الدعاء وأشرب، وأكره أن أصبح وأنا عطشان وأمامي قلة بيني وبينها خطوتين أو ثلاثة، قال عليه السلام: تسعى إليها وتشرب منها حاجتك وتعود إلى الدعاء.

 

(1) سيأتي الكلام فيها مشروحا انشاء الله تعالى. (2) الاصل في ذلك قوله صلى الله عليه وآله " تحريمها التكبير وتحليلها التسليم " فيحرم على المصلى بعد تكبيرة الاحرام تعمد كل فعل ينافى أفعال الصلاة " كل كلام ينافي ذكر الله عزوجل، نعم إذا دخل في فيه شئ أو ماء دافق ودخل جوفه من غير تعمد منه للازدراد، كان مغلوبا عليه، وكل ما غلب الله على العبد، فالله أولى له بالعذر. (3) التهذيب ج 1 ص 230.

 

[313]

واستقرب في المنتهى اعتبار القلة ههنا، وحمل الرواية عليها، ويفهم منه أن الفعل الكثير قادح في النوافل أيضا وهو ظاهر إطلاقاتهم، وقد تردد فيه بعض المتأخرين نظرا إلى مادل على اختلاف حكم الفريضة والنافلة، ووقوع المساهلة التامة فيها مثل فعلها جالسا وراكبا وماشيا إلى غير القبلة، وبدون السورة، والاحوط عدم إيقاع ما لم يرد فيه نص بالخصوص. ومنها البكاء للامور الدنيوية كذهاب مال أو فوت محبوب، ذهب الشيخان وجماعة إلى بطلان الصلاة به، ولا يعلم فيه مخالف من القدماء، وتوقف فيه بعض المتأخرين لضعف مستنده، واجيب أن ضعفه منجبر بالشهرة، والاحوط الاجتناب وهذا إذا كان البكاء لامور الدنيا، وأما البكاء خشية من الله تعالى أو حبا له أو ندامة على ما صدر منه من الزلات فهو من أعظم القربات كما يدل عليه الروايات (1). ثم اعلم أن الاصحاب أطلقوا البكاء للامور الدنيوية، وهو يشتمل ما إذا كان لطلبها أيضا والظاهر أنه أيضا من الطاعات كما يظهر من الاخبار فالاصوب تخصيصه بالبكاء لفقدها كما ورد في الخبر (2) حيث قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن البكاء في الصلاة أيقطع الصلاة ؟ قال: إن بكى لذكر جنة أو نار فذلك هو أفضل الاعمال في الصلاة، وإن كان لذكر ميت له فصلاته فاسدة، حيث خص البطلان بما هو من قبيل فقد شئ. فان قيل: مفهوم الجزء الاول من الخبر يدل على أن ما لم يكن من الامور الاخروية يكون مبطلا، قلت: مفهومه يدل على أن ما لم يكن كذلك ليس أفضل الاعمال وعدم كونه كذلك لا يستلزم الابطال.

 

(1) هذا إذا كان البكاء من دون صوت، أعنى بخروج الدمع فقط وأما إذا كان مع الصوت فهو فعل مناف لافعال الصلاة، وتعمده مبطل لها، فالبكاء مع الصوت كالقهقهة والبكاء من دون صوت بسيلان الدمع كالتبسم. (2) التهذيب ج 1 ص 218.

 

[314]

وقال الشهيد الثاني ره: أعلم أن البكاء المبطل للصلاة هو المشتمل على الصوت لا مجرد خروج الدمع مع احتمال الاكتفاء به في البطلان، ووجه الاحتمالين اختلاف معنى البكاء مقصورا وممدودا، والشك في إرادة أيهما من الاخبار، قال الجوهري البكاء يمد ويقصر، فإذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء، وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها انتهى. وهذا الفرق لا يظهر من كلام غيره من اللغويين والعرف لا يفرق بينهما والظاهر من كلام الاصحاب الاعم فالاحوط تركهما، ولو عرض بغير اختيار فالاحوط الاتمام ثم الاعادة، والله تعالى يعلم وحججه حقائق الاحكام (1).

 

(1) ومما يتعلق بقوله تعالى: " وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ان الله كان على كل شئ حسيبا " أن لفظ " تحية " بتنكيرها تدل على أن كل تحية سواء كانت تحية الجاهلية أو تحية الاسلام أو تحية أهل الكتاب أو الصابئين مثلا يجب أن يرد جوابها، الا أن الجواب أبدا، لا يكون الا بما علمه الله عزوجل بقوله: " فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة " على ما عرفت سابقا، وهو تحية أهل الجنة وتحية الانبياء والمرسلين والملائكة المقربين، وهو سلام عليكم " أو " السلام عليكم. فهذه التحية - أعنى التسليم - ان وقع في جواب تحية المسلمين بالسلام يكون ردا لها بمثلها، وان وقع في جواب تحيات غيرهم وبغير السلام يكون ردا لها بأحسن منها، فان تحية الاسلام أحسن التحيات كما عرفت وجهه ص 272. فالمراد بالاحسن ليس من حيث الصيغة حتى يقال ان " السلام عليكم " أحسن من " سلام عليكم " وهكذا، بل من حيث أصل التحية، فإذا ورد على المصلى أحد وحياه بتحية - أي تحية كانت وبأى صيغة كانت - يحب عليه رد تحيته بالسلام يقول: " سلام عليكم " أو بحذف الخبر، ولذك رد النبي صلى الله عليه وآله على عمار بقوله " سلام عليك "، ولو كان المراد هو الاحسن من حيث الصيغة، لاخذ به النبي صلى الله عليه وآله فانه هو المبلغ عن الله عزوجل فهو أولى من كل أحد أن يأخذ بما جاء به من عند الله العزيز الحكيم، خصوصا والمسلم هو عمار الذى ملئ ايمانا من قرنه إلى قدمه يشتاق إليه الجنة.

 

[315]

18. (باب) * " (من لاتقبل صلاته وبيان بعض ما) " * * " (نهى عنه في الصلاة) " * 1 - العلل: عن الحسين بن أحمد، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسين بن خالد قال: قلت للرضا عليه السلام: إنا روينا عن النبي صلى الله عليه وآله أن من شرب الخمر لم يحتسب صلاته أربعين صباحا ؟ فقال: صدقوا، فقلت: وكيف لا يحتسب صلاته أربعين صباحا لا أقل من ذلك ولا أكثر ؟ قال: لان الله تبارك وتعالى قدر خلق الانسان فصير النطفة أربعين يوما، ثم نقلها فصيرها علقة أربعين يوما، ثم نقلها فصيرها مضغة أربعين يوما، وهذا إذا شرب الخمر بقيت في مشاشه على قدر ما خلق منه وكذلك يجتمع غذاؤه وأكله وشربه تبقى في مشاشة أربعين يوما (1). بيان: لعل المراد أن بناء بدن الانسان على وجه يكون التغيير الكامل فيه بعد أربعين يوما كالتغيير من النطفة إلى العلقة إلى ساير المراتب، فالتغيير عن الحالة التي حصلت في البدن من شرب الخمر إلى حالة اخرى بحيث لا يبقى فيه أثر منها لا يكون إلا بعد مضي تلك المدة. وقال شيخنا البهائي قدس الله روحه: لعل المراد بعدم القبول هنا عدم ترتب الثواب عليها في تلك المدة لا عدم إجزائها، فانها مجزية اتفاقا، وهو يؤيد ما يستفاد من كلام السيد المرتضى أنار الله برهانه، من أن قبول العبادة أمر مغاير للاجزاء، فالعبادة المجزية هي المبرئة للذمة المخرجة عن عهدة التكليف، والمقبولة هي ما يترتب عليها الثواب، ولا تلازم بينها، ولا اتحاد، كما يظن.

 

وبهذا يظهر الجواب عما قد يورد على سياق الاية الشريفة أنه: كيف خبر جواب التحية بين الاحسن وغير الاحسن والعكس أولى، بل كيف جعل غير الاحسن كالاستدراك بقوله " أو ردوها " كأنه أضرب عن الاحسن ويأمرهم برد التحية مثلها ؟ (1) علل الشرايع ج 2 ص 34 وفيه " في مثانته ".

 

[316]

ومما يدل على ذلك قوله تعالى: " إنما يتقبل الله من المتقين " (1) مع أن عبادة غير المتقين مجزية إجماعا، وقوله تعالى حكاية عن إبراهيم واسماعيل: " ربنا تقبل منا " (2) مع أنهما لا يفعلان غير المجزي، وقوله تعالى: " فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الاخر " (3) مع أن كلا منهما فعل ما أمر به من القربان، وقوله صلى الله عليه وآله: إن من الصلاة ما يقبل نصفها وثلثها وربعها، وإن منها لما تلف كما يلف الثوب الخلق فيضرب بها وجه صاحبها، والتقريب ظاهر، ولان الناس لم يزالوا في ساير الاعصار والامصار يدعون الله تعالى بقبول أعمالهم بعد الفراغ منها، ولو اتحد القبول والاجزاء لم يحسن هذا الدعاء إلا قبل الفعل كما لا يخفى، فهذه وجوه خمسة تدل على انفكاك الاجزاء عن القبول. وقد يجاب عن الاول بأن التقوى على مراتب ثلاث أولها التنزه عن الشرك وعليه قوله تعالى: " وألزمهم كلمة التقوى " (4) قال المفسرون هي قول لا إله إلا الله وثانيها التجنب عن المعاصي، وثالثها التنزه عما يشغل عن الحق جل وعلا ولعل المراد بالمتقين أصحاب المرتبة الاولى، وعبادة غير المتقين بهذا المعنى غير مجزية، وسقوط القضاء، لان الاسلام يجب ما قبله. وعن الثاني بأن السؤال قد يكون للواقع، والغرض منه بسط الكلام مع المحبوب، وعرض الافتقار لديه، كما قالوه في قوله تعالى " ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا " (5) على بعض الوجوه. وعن الثالث بأنه تعبير بعدم القبول عن عدم الاجزاء، ولعله لخلل في الفعل.

 

(1) المائدة: 27. (2) البقرة: 127. (3) المائدة: 27. (4) الفتح: 26. (5) البقرة: 286.

 

[317]

وعن الرابع أنه كناية عن نقص الثواب، وفوات معظمه. وعن الخامس أن الدعاء لعله لزيادة الثواب وتضعيفه، وفي النفس من هذه الاجوبة شئ، وعلى ما قيل في الجواب عن الرابع ينزل عدم قبول صلاة شارب الخمر عند السيد المرتضى (رض) انتهى كلامه رفع الله مقامه، والحق أنه يطلق القبول في الاخبار على الاجزاء تارة بمعنى كونه مسقطا للقضاء أو للعقاب، أو موجبا للثواب في الجملة أيضا، وعلى كمال العمل وترتب الثواب الجزيل والاثار الجليلة عليه كما مر في قوله تعالى " إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " (1) وعلى الاعم منهما كما سيأتي في بعض الاخبار، وفي هذا الخبر منزل على المعنى الثاني عند الاصحاب. 2 - كتاب زيد النرسي: عن علي بن زيد قال: حضرت أبا عبد الله عليه السلام ورجل يسأله عن شارب الخمر أتقبل له صلاة ؟ فقال أبو عبد الله عليه السلام: لاتقبل صلاة شارب المسكر أربعين يوما إلا أن يتوب، قال له الرجل: فان مات من يومه وساعته ؟ قال: تقبل توبته وصلاته إذا تاب، وهو يعقله، فأما أن يكون في سكره فما يعبؤ بتوبته. 3 - كتاب جعفر بن محمد بن شريح: عن عبد الله بن طلحة النهدي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة: جبار كفار، وجنب نام على غير طهارة، ومتضمخ بخلوق. 4 - الخصال: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد ابن أبي عبد الله البرقي، عن محمد بن علي الكوفي، عن ابن بقاح، عن زكريا بن محمد عن عبد الملك بن عمير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أربعة لاتقبل لهم صلاة: الامام الجائر والرجل يؤم القوم وهم له كارهون، والعبد الابق من مولاه من غير ضرورة، والمرءة تخرج من بيت زوجها بغير إذنه (2). ومنه: عن أبيه، عن أحمد بن إدريس ومحمد بن يحيى العطار، عن محمد بن أحمد الاشعري، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال:

 

(1) العنكبوت: 45. (2) الخصال ج 1 ص 115.

 

[318]

قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ثمانية لا يقبل الله لهم صلاة: العبد الابق حتى يرجع إلى مولاه والناشز عن زوجها وهو عليها ساخط، ومانع الزكاة، وتارك الوضوء، والجارية المدركة تصلي بغير خمار، وإمام قوم يصلي بهم وهم له كارهون، والزنين قال: يارسول الله وما الزنين ؟ قال: الذي يدافع الغائط والبول، والسكران فهؤلاء الثمانية لاتقبل منهم صلاة (1). معاني الاخبار: عن محمد بن موسى بن المتوكل، عن أحمد بن إدريس ومحمد العطار مثله (2). المحاسن: عن أبيه، عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام مثله (3). الهداية: مرسلا مثله (4). بيان: قد مر الخبر بشرحه في كتاب الطهارة (5) والقبول فيه أعم من الاجزاء والكمال، وفي الثلاثة الاولة الظاهر عدم الكمال كما هو المشهور وإن ورد في الابق في خبر الساباطي وغيره أنه بمنزلة المرتد، ويظهر من الصدوق القول به، فان الظاهر أنه على المبالغة والتشبيه في المخالفة العظيمة، وربما يقال: بعدم الصحة فيها، بناء على أن الامر بالشئ يستلزم النهي عن ضده، والنهي في العبادة مستلزم الفساد، كما ذكره العلامة رحمه الله وغيره، وفيهما أبحاث طويلة حققت في الاصول. وفي الرابع لا خلاف في كونه محمولا على عدم الاجزاء وكذا الخامس، وفي السادس والسابع على نفي الكمال كما نقل عليهما الاجماع، وأما الثامن فان حمل على السكران حقيقة فهو محمول على عدم الصحة اتفاقا، ويجب القضاء، وإن حمل على النشوان، فالمشهور عدم الكمال، وإن كان الاحوط القضاء أيضا.

 

(1) الخصال ج 2 ص 38. (2) معاني الاخبار ص 404. (3) المحاسن ص 12. (4) الهداية ص 40 ط الاسلامية. (5) راجع ج 80 ص 232.

 

[319]

والزنين في بعض النسخ بالباء الموحدة وفي بعضها بالنون، وكلاهما صحيحان، قال في النهاية: فيه لا يقبل الله صلاة الزنين هو الذي يدافع الاخبثين، وهو بوزن السجيل هكذا رواه بعضهم والمشهور بالنون كما روي لا يصلين أحدكم وهو زنين أي حاقن، يقال: زن فذن أي حقن فقطر، وقيل: هو الذي يدافع الاخبثين معا. 5 - الخصال: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن الحسن الصفار، عن معاوية بن حكيم، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن عثمان، عن الفضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول من شرب الخمر لم يقبل صلاته أربعين يوما فان ترك الصلاة في هذه الايام ضوعفت عليه العذاب لترك الصلاة (1). وخبر آخر: إن شارب الخمر توفف صلاته بين السماء والارض، فإذا تاب ردت عليه (2). بيان: " ردت عليه " أي مقبولة أو ثوابها وكون المراد عدم القبول مع التوبة أيضا بعيد. 6 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن المفيد، عن محمد بن عمر الجعابي، عن ابن عقدة الحافظ، عن محمد بن عبد الله بن غالب، عن الحسين بن رياح، عن ابن عميرة، عن محمد بن مروان، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله عليه السلام قال ثلاثة لا يقبل الله لهم صلاة: عبد آبق من مواليه حتى يرجع إليهم فيضع يده في أيديهم، ورجل أم قوما وهم له كارهون، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط (3). مجالس المفيد: عن الجعابي مثله (4). كتاب جعفر بن محمد بن شريح، عن عبد الله بن طلحة، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله. 7 - معاني الاخبار ومجالس الصدوق: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن يعقوب بن يزيد، عن يحيى بن المبارك، عن عبد الله بن جبلة، عن إسحاق بن عمار قال: سمعت

 

(1 - 2) الخصال ج 2 ص 109، ورواه في ثواب الاعمال ص 218. (3) أمالي الطوسي ج 1 ص 196. (4) أمالي المفيد ص 110.

 

[320]

أبا عبد الله عليه السلام يقول: لا صلاة لحاقن ولا لحاقب ولا لحاذق، فالحاقن الذي به البول، والحاقب الذي به الغائط والحاذق الذي به ضغطة الخف (1). بيان: قال في النهاية: فيه أنه نهى عن صلاة الحاقب والحاقن، الحاقب الذي احتاج إلى الغائط فلم يتبرز، فانحصر غائطه، والحاقن هو الذي حبس بوله كالحاقب للغايط وقال: الحاذق الذي ضاق عليه خفه فخرق رجله أي عصرها وضغطها وهو فاعل بمعنى مفعول انتهى، وعد الاصحاب هذه الثلاثة من مكروهات الصلاة. 8 - العلل والخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى، عن القاسم بن يحيى، عن جده الحسن، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن الصادق عليه السلام عن آبائه قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إذا غلبتك عينك وأنت في الصلاة فاقطع الصلاة ونم، فانك لا تدري لعلك أن تدعو على نفسك (2). 9 - الخصال: بالاسناد المتقدم قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من شرب الخمر لم تقبل صلاته أربعين يوما وليلة (3). ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي، عن ثعلبة، عن ميسر، عن أبي جعفر عليه السلام قال شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم: قول الرجل: تبارك اسمك وتعالى جدك، وإنما هو شئ قالته الجن بجهالة فحكى الله عنهم، وقول الرجل: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين (4).

 

(1) معاني الاخبار ص 237، أمالي الصدوق ص 248. (2) علل الشرايع ج 2 ص 42، الخصال ج 2 ص 165. (3) الخصال ج 2 ص 167. (4) الخصال ج 1 ص 26، قال الطبرسي في قوله تعالى: " وأنه تعالى جد ربنا ": والمعنى تعالى جلال ربنا وعظمته عن اتخاذ الصحابة والولد، عن الحسن ومجاهد، وقيل: معناه تعالت صفات الله التى هي له خصوصا وهي الصفات العالية ليست للمخلوقين عن أبي مسلم وقيل: تعالى قدرة ربنا، عن ابن عباس، وقيل: تعالى ذكره عن مجاهد، وقيل فعله وأمره عن الضحاك، وقيل علا ملك ربنا عن الاخفش، وقيل تعالى آلاؤه ونعمه على الخلق عن

 

[321]

بيان: قال الفيروزآبادي: الجد البخت والحظ والحظوة والرزق والعظمة،

 

القرظي، والجميع يرجع إلى معنى واحد وهو العظمة والجلال ومنه قول انس بن مالك: كان الرجل إذا قرء سورة البقرة جد في أعيننا: أي عظم. وعن الربيع بن أنس أنه قال: ليس لله جد وانما قالته الجن بجهالة فحكاه سبحانه كما قالت، وروى ذلك عن أبي جعفر الباقر وأبي عبد الله الصادق عليهما السلام انتهى. ومما روى في ذلك ما في تفسير القمي ص 698 قال: انه شئ قالته الجن بجهالة فلم يرضه الله تعالى منهم، ومعنى " جد ربنا " أي بخت ربنا. أقول: اختلف المفسرون في توجيه النصب في قوله تعالى " وأنه " " وأنهم "، و " أنا " الواقعة في صدر آيات هذه السورة، والذى ظهر لى بعد التدبر في الايات أن النصب هو الصحيح وأن ذلك كله عطف على الرشد في قوله " يهدى إلى الرشد " والمعنى أن الجن بعد ما سمعوا القرآن قالوا انا سمعنا قرآنا عجبا يهدى إلى الرشد وهو توحيد الله عزوجل فأمنا به ولن نشرك بعد ذلك بربنا أحدا، ويهدى إلى أنه - تعالى جد ربنا - ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا حيث قال: ان الله اتخذ صاحبة وولدا. ومن عجيب ما فيه أنه يحكى من أحوالنا ما هو غائب عن أبصار البشر وحواسهم يخبر بأنا ظننا أن لن تقول الجن والانس على الله كذبا، وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا، وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع وأنا... وأنا... وأنا.. فهذه الايات تحكى أن الجن بعد ما سمعوا القرآن العزيز وعرفوا ما فيه من المعارف الحقة - أصولا وفروعا - آمنوا به ثم انصرفوا إلى سائر اخوانهم فأنذروهم بالقرآن وبينوا لهم معارفه وحقائقه، الا انهم حينما شرعوا في بيان تلك الحقائق والمعارف لاخوانهم، جذبتهم العظمة الالهية فقالوا من عند أنفسهم تعظيما لله عزوجل: " تعالى جد ربنا " وجعلوه جملة معترضة بين الكلامين وكان اصل الكلام " وأنه ما اتخذ ربنا صاحبة ولا ولدا ". فكل ما بينوه من حقائق القرآن الكريم وأخباره الغيبية في كلماتهم هذه، موجود في القرآن العزيز، الا معنى هذه الجملة المعترضة " تعالى جد ربنا " فان الجد هو الحظ والبخت

 

[322]

وقال الجزري: في حديث الدعاء: " تبارك اسمك وتعالى جدك " أي علا جلالك وعظمتك والجد الحظ والسعادة والغناء انتهى وفي حديث آخر أن ابن مسعود كان يقول ذلك و لعل ابن مسعود كان يقرء هذا الذكر بعد الركوع أو عند افتتاح الصلاة كما سيأتي، والمنع لان الجن أرادوا بقولهم هذا: البخت، ولايجوز إطلاق ذلك عليه تعالى، وابن مسعود لما أراد به ما هو المراد في الاية جهلا فكأنه أراد هذا المعنى أو يقال: إنه وإن لم يقصد هذا المعنى وأراد به العظمة أو غيرها فلما كان موهما لهذا المعنى لا ينبغي إطلاقه على الله، لا سيما في الصلاة، وما ورد في بعض الادعية فلعله أيضا من طريق المخالفين، أو اريد به معنى آخر أو يقال: لا ينبغي ذكر مثل ذلك في الصلاة وإن جاز في غيرها، وعلى أي حال الظاهر أن المراد به إفساد الكمال إن لم يرد به معنى ينافي عظمة ذي الجلال. وأما التسليم فالمراد به ذكره في التشهد الاول كما هو دأبهم، واستمر إلى اليوم وسيأتي التصريح به في خبر الاعمش، وقال الصدوق في الفقيه بعد إيراد الرواية: يعني

 

والنصيب وتوجب هذه الجملة حطا من عظمة الله وقدرته، حيث يسند عظمة الله وقدرته و جلاله إلى البخت والاتفاق. فإذا قال المصلى على ما كان يقوله ابن مسعود في تشهده: " تبارك اسمك وتعالى جدك " فقد نقض مفهوم الصلاة وهو التوجه والدعاء وتحميد الله عزوجل وتمجيده. وأما قول الرجل " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " فان كان يقوله في التشهد الاول فقد أبطل تحريم صلاته وخرج عنها، وان كان يقوله في التشهد الاخير، فان كان بعد التسليم على النبي صلى الله عليه وآله فلا بأس به حيث أنه قد خرج عن الصلاة بالتسليم المبيح على ما سيجئ شرحه في محله، وان كان قبل ذلك أو بدونه بطلت صلاته كما في التشهد الاول، نعم إذا قاله بعد: " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " خطابا للنبي وآله: فلا بأس به أيضا، فان هذا السلام أيضا مخرج عن الصلاة مبيح للتكلم بالكلام الادمى. وأما سند الحديث، فقد رواه في الفقيه ج 1 ص 261 مرسلا ورواه الشيخ في التهذيب باسناده إلى أحمد بن محمد بن عيسى، وهو صحيح كسند الخصال المؤيدة بالفقيه. (*)

 

[323]

في التشهد الاول وأما في التشهد الثاني بعد الشهادين فلا بأس به، لان المصلي إذا تشهد الشهادتين في التشهد الاخير فقد فرغ من الصلاة. 10 - المحاسن: عن محمد بن على، عن عيسى بن عبد الله العمري، عن أبيه عن جده، عن علي بن أبي طالب عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يصلي أحدكم وبه أحد العصرين: يعني البول والغائط (1). معاني الاخبار: عن محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه، عن محمد بن علي الكوفي مثله (2). بيان في المعاني: " العقدين " بدل العصرين أي ما يعقده في بطنه ويحبسه وما في المحاسن أظهر، قال الفيروزآبادي العصر الحبس، وفي الحديث أمر بلالا أن يؤذن قبل الفجر ليعتصر معتصرهم أراد قاضي الحاجة. 11 - المحاسن: عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن أبي الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لا صلاة لحاقن وحاقنة، وهو بمنزلة من هو في ثوبه (3). توضيح: الخبر محمول على المبالغة في نفي الفضل والكمال، قال في المنتهى بعد إيراد هذه الصحيحة: المراد بذلك نفي الكمال لا الصحة، ثم نقل الاجماع على أنه إن صلى كذلك صحت صلاته، ونقل عن مالك وبعض العامة القول بالاعادة. 12 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن المرءة المغاضبة زوجها هل لها صلاة أو ما حالها ؟ قال: لا تزال عاصية حتى يرضى عنها (4). بيان: في الجواب إشعار بعدم البطلان كما لا يخفى. 13 - المجازات النبوية: عن النبي صلى الله عليه وآله قال: لا يصلي الرجل وهو زناء

 

(1) المحاسن: 82. (2) معاني الاخبار: 164. (3) المحاسن: 83، ورواه في التهذيب ج 1 ص 230. (4) المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 285.

 

[324]

قال السيد: أصل الزناء الضيق والاجتماع ويقال: قد زنا بوله زنوا إذا احتقن وأزنا الرجل بوله إزناء إذا حقنه، فسمى الحاقن زناء لاجتماع البول فيه وضيق وعائه عليه ووصف الرجل بالضيق مجاز وإنما الضيق في وعاء البول إلا أن ذلك الموضع لما كان شيئا من جملته ونوطا معلقا به، جاز أن يجري اسمه عليه، والزناء أحسن من الحاقن لان الحاقن قد يحقن القليل كما يحقن الكثير، والزناء هو الضيق ولا يكاد يضيق وعاء البول إلا من الكثير دون القليل (1). 14 - الخصال: عن ستة من مشايخه رضي الله عنهم، عن أحمد بن يحيى بن زكريا، عن بكر بن عبد الله، عن تميم بن بهلول، عن أبي معاوية، عن الاعمش، عن جعفر بن محمد عليهما السلام في حديث طويل في ذكر شرائع الدين قال: ويقال في افتتاح الصلاة " تعالى عرشك " ولا يقال: " تعالى جدك " ولا يقال: في التشهد الاول " السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " لان تحليل الصلاة هو التسليم، وإذا قلت هذا فقد سلمت (2).

 

(1) المجازت النبوية: 77. (2) الخصال ج 2 ص 151.

 

[325]

19 - * (باب) * * " (النهى عن التكفير) " * 1 - الخصال: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن محمد بن عيسى، عن القاسم ابن يحيى، عن جده الحسن، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لا يجمع المسلم يديه في صلاته وهو قائم بين يدي الله عزوجل يتشبه بأهل الكفر يعني المجوس (1). 2 - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه قال: إذا كنت قائما في الصلاة فلا تضع يدك اليمنى على اليسرى ولا اليسرى على اليمنى، فان ذلك تكفير أهل الكتاب ولكن أرسلهما إرسالا فانه أحرى أن لا تشغل نفسك عن الصلاة (2). 3 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: قال علي بن الحسين عليه السلام وضع الرجل إحدى يديه على الاخرى في الصلاة عمل وليس في الصلاة عمل (3). 4 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر قال: سألته عن الرجل يكون في صلاته أيضع إحدى يديه على الاخرى بكفه أو ذراعيه ؟ قال: لا يصلح ذلك، فان فعل فلا يعود له. قال علي قال موسى: سألت أبي جعفرا عن ذلك فقال: أخبرني أبي محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: ذلك عمل، وليس في الصلاة عمل (4).

 

(1) الخصال ج 2 ص 161. (2) دعائم الاسلام ج 1 ص 159. (3) قرب الاسناد: 95 ط حجر، 125 ط نجف. (4) المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 277. وأما يكون التكفير عملا لان

 

[326]

بيان: " وليس في الصلاة عمل " أي لا ينبغي أن يعمل في الصلاة عمل غير أفعال الصلاة، أو هو بدعة ولايجوز الابتداع فيها، أو فعل كثير كما فهمه بعض الاصحاب. ثم اعلم أن هذا هو الذي عبر عنه الاصحاب بالكتف والتكفير، واختلف الاصحاب في حكمه ومعناه، أما حكمه فالمشهور بين الاصحاب تحريمه وبطلان الصلاة بتعمده، ونقل الشيخ والمرتضى عليه إجماع الفرقة، وخالف فيه ابن الجنيد فجعل تركه مستحبا، وأبو الصلاح حيث جعل فعله مكروها، واستوجهه المحقق في المعتبر، واختار بعض المحققين من المتأخرين التحريم بدون الابطال، والاحوط الترك والاعادة مع الاتيان به عمدا من غير تقية، وإن كان ما استوجهه المحقق - ره - لا يخلو من وجه، إلا إذا قصد به العبادة فيكون بدعة محرمة. وأما معناه فالتكفير في اللغة الخضوع، وأن ينحني الانسان ويطأطي رأسه قريبا من الركوع، واختلف الاصحاب في تفسيره، فالفاضلان فسراه بوضع اليمين على

 

أصل العمل ينسب إلى اليدين كما في قوله تعالى: " أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت ايدينا أنعاما فهم لها مالكون " يس: 71 وقال: " ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم أفلا يشكرون " يس: 35 وأما الاعمال التى يصدر من سائر الجوارح فانما يطلق عليها العمل لانها مكتسبة بالايدي مجازا كما قال عزوجل " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدى الناس " الروم: 41. فعلى هذا وضع اليد على اليد تكفيرا وتعظيما لله عزوجل عمل من أعمال اليد، وليس العمل من حقيقة الصلاة ومفهومها - وهو الدعاء والتوجه - في شئ حتى يكون من أجزائها الواجبة أو المندوبة. وأما رفع اليدين بالتكبيرات ورفعها مقابل الوجه عند القنوت فهما أيضا عملان خارجان عن مفهوم الصلاة - كما هو ظاهر - الا أن النبي صلى الله عليه وآله ادخلهما في الصلاة سنة في فريضة من تركهما عمدا بطلت صلاته، فالتكفير على ما هو سيرة المخالفين علينا تبعا للمجوس حيث يتكتفون عند أعاظمهم قياما، بدعة أبدعوها في الصلاة، وكل بدعة سبيلها إلى النار. (*)

 

[327]

الشمال، وقيده العلامة في المنتهى والتذكرة بحال القراءة، وقال الشيخ: لا فرق بين وضع اليمين على الشمال وبالعكس، وتبعه ابن إدريس والشهيدان وقال في المنتهى: قال الشيخ في الخلاف: يحرم وضع الشمال على اليمين، وعندي فيه تردد انتهى. والظاهر أنه لافرق في الكراهة أو التحريم بين أن يكون الوضع فوق السرة أو تحتها، وبين أن يكون بينهما حائل أم لا، وبين أن يكون الوضع على الزند أو على الساعد وقد صرح بالجميع جماعة من الاصحاب، واستشكل العلامة في النهاية الاخير، ولا ريب في جواز التكفير حال التقية، بل قد يجب، ولو تركه والحال هذه فالظاهر عدم بطلان الصلاة لتوجه النهي إلى أمر خارج عن العبادة، وإن كان الاحوط الاعادة وقد مضت أخبار في ذلك في باب آداب الصلاة. 5 - العياشي: عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت: أيضع الرجل يده على ذراعه في الصلاة ؟ قال: لا بأس إن بني إسرائيل كانوا إذا دخلوا في الصلاة دخلوا متماوتين كأنهم موتى، فانزل الله على نبيه صلى الله عليه وآله: " خذ ما آتيتك بقوة " (1) فإذا دخلت الصلاة فادخل فيها بجلد وقوة، ثم ذكرها في طلب الرزق: فإذا طلبت الرزق فاطلبه بقوة (2). بيان: على نبيه أي على موسى عليه السلام فيكون نقلا بالمعنى، لبيان أن المخاطب بالذات هو موسى عليه السلام أو على نبينا صلى الله عليه وآله أي الغرض من إيراد تلك القصة، أن قوله تعالى لبني إسرائيل خذوا ما آتيناكم بقوة بيان أنه ينبغي لهذه الامة أيضا أن يأتوا بمثله، وذكر ذلك بعد تجويز وضع اليد على الذراع أنه نوع من التماوت، فلا ينبغي إشعارا بأن ما ذكرناه إنما كان تقية، ويحتمل أن يكون الخبر بتمامه محمولا على التقية، ويكون المراد أن إرسال اليد من التماوت. ويمكن أن لا يكون هذا الكلام متعلقا بالسابق، بل ذكره للمناسبة، فيكون مؤيدا لتوقف العلامة في منع وضع اليد على الذراع والساعد، لكن بمثل هذا الخبر الذي

 

(1) الاعراف: 144. (2) تفسير العياشي ج 2 ص 36.

 

[328]

هو في غاية الاجمال يشكل الاستدلال على حكم. قوله " ثم ذكرها ": يمكن أن يكون من كلام الراوي أي ثم ذكر عليه السلام القوة وحسنها في طلب الرزق، وقال فاطلبه بقوة ويحتمل أن يكون في الاصل " قال: إذا طلبت ". ويحتمل أن يكون من كلامه عليه السلام أي الاخذ بالقوة في الاية ليس مقصورا على العبادات، بل يشمل طلب الرزق أيضا والله تعالى يعلم.


 

[329]

20. * " (باب) " * * " (ما يستحب قبل الصلاة من الاداب) " * 1 - تفسير علي بن إبراهيم: " خذوا زينتكم عند كل مسجد " (1) روي أنه المشط عند كل صلاة (2). 2 - العلل: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن عبد الله بن ميمون القداح قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لولا أن أشق على امتي لامرتهم بالسواك مع كل صلاة (3). 3 - الاداب الدينية للطبرسي: يستحب السواك عند كل صلاة، وروي أن ركعتين بسواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك. وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: لا يخلو المؤمن من خمس: مشط وسواك و خاتم عقيق وسجادة وسبحة فيها أربع وثلاثون حبة. 4 - العياشي: عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قوله تعالى " خذوا زينتكم " عند كل مسجد " قال: هو المشط عند كل صلاة فريضة ونافلة (4). ومنه: عن عمار النوفلي، عن أبيه قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: المشط يذهب بالوباء قال: وكان لابي عبد الله عليه السلام مشط في المسجد يتمشط به إذا فرغ من صلاته (5). 5 - جامع الاخبار: قال أمير المؤمنين عليه السلام: ركعتان بسواك أحب إلى الله من

 

(1) الاعراف: 31. (2) تفسير القمي: 214. (3) علل الشرايع ج 1 ص 277. (4 - 5) تفسير العياشي ج 2 ص 13.

 

[330]

سبعين ركعة بغير سواك (1). 6 - اعلام الدين للديلمي: قال قال النبي صلى الله عليه وآله: إن أفواهكم طرق القرآن فطيبوها بالسواك فان صلاة على أثر السواك خير من خمس وسبعين صلاة بغير سواك. 7 - ثواب الاعمال: عن علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن جده أحمد، عن أبيه، عن المفضل، عن الصادق عليه السلام قال: ركعتان يصليهما متعطر أفضل من سبعين ركعة يصليها غير متعطر (2). بيان: تدل هذه الاخبار على استحباب السواك قبل الصلاة، وهل يكتفي بما يقع قبل الوضوء ؟ الاظهر ذلك (3) وإن كان الافضل إعادته متصلا بالصلاة و التمشط قبل الصلاة وبعدها، والقبل أفضل، والاحوط عدم الترك لتفسير الامر الوارد في الاية بالزينة به في الاخبار الكثيرة، والتعطر عندها، وكل ذلك مذكور في كلام الاكثر.

 

(1) جامع الاخبار: 68. (2) ثواب الاعمال: 37. (3) الفطرة تقتضي السواك قبل مضمضة الوضوء، كما هو سنة رسول الله صلى الله عليه وآله.

 

[331]

21. * (باب) * * " (القيام والاستقلال فيه وغيره من أحكامه وآدابه) " * * " (وكيفية صلاة المريض) " * الايات: البقرة: وقوموا لله قانتين (1). آل عمران: الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم (2). تفسير: " وقوموا " استدل به على وجوب القيام في الجملة إما في الصلاة الوسطى

 

(1) البقرة: 238، وقد مر بعض القول فيها في ج 82 ص 278 والظاهر من الاية عطف قوله تعالى: " وقوموا لله قانتين " على " حافظوا " فيكون الامر بظاهره مستقلا كما في: " حافظوا على الصلوات " فيكون واجبا عليحدة في عرض الصلاة، الا أنه لما كان متشابها أوله رسول الله صلى الله عليه وآله وجعله داخل الصلاة. فعلى هذا يكون القيام في حال الصلاة واجبا بالسنة من تركه عمدا فلا صلاة له، ومن تركه ناسيا أو ساهيا أو لا يدري فلا شئ عليه، وقد عرفت في هذا المجلد (ج 84) ص 90 أن هذا القيام يجب أن يكون عن استقرار وأمنة. (2) آل عمران: 191، وفي ايراد الاية الكريمة في الباب تأمل حيث لا أمر فيه بل الله عزوجل يمدح اولى الالباب بأنهم يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم و يتفكرون في خلق السماوات والارض (قائلين) ربنا ما خلقت هذا باطلا، سبحانك، فقنا عذاب النار، وإذا رجعنا إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وجدنا الاية متعلقة بقيام الليل تهجدا يتذكر المصلى هذه الايات الخمس، ويذكر الله في القيام والقعود وفي الضجعة بين ركعتي الفجر وركعتي الغداة. وأما الاية التى تتعلق بالبحث عن هذا الموضوع قوله تعالى: " فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة " النساء: 103 على ما عرفت في ج 82 ص 314، فراجع.

 

[332]

أو مطلقا حال القنوت إن حمل على القنوت المصطلح، أو مطلقا، واورد عليه بأن الظاهر من قوله تعالى " حافظوا على الصلوات " ارادة العموم بالنسبة إلى الواجب والمندوب فالامر للاستحباب وحينئذ لا ترجيح، ويحمل الامر على الوجوب على تخصيص الصلوات بالفرائض، وإن حملنا الامر المذكور على الاستحباب يمكن أن يجعل ذلك قرينة لارادة القيام في جميع الصلوات من قوله " قوموا " وحمل الامر به على الاستحباب وانصراف القنوت إلى الامر المعهود وتبادره إلى الذهن بعد ثبوت استحبابه يؤيد هذا الحمل. ويمكن أن يجاب بأن حمل المعرف باللام على المعهود المنساق إلى الذهن و هو مطلق الصلاة اليومية أولى من حمل الامر على الاستحباب، والقنوت تبادره في المعنى المخصوص إنما هو في عرف الفقهاء، وعلى تقدير التسليم يمكن أن يكون الامر بالقيام للوجوب، والقيد للاستحباب، ويكفي في الحالية المقارنة في الجملة ولا يخفى ما فيه، والحق أن الاستدلال على الوجوب بالاية مشكل لكن الاخبار المستفيضة المؤيدة بالاجماع يكفينا لاثبات وجوب القيام، والاية مؤيدة لها. " لله " يدل على وجوب النية والاخلاص فيها " قانتين " سيأتي تفسيره. " الذين يذكرون الله قياما " قال الطبرسي - ره -: (1) وصفهم بذكر الله تعالى قائمين وقاعدين ومضطجعين، أي: في ساير الاحوال لان أحوال المكلفين لا يخلو من هذه الاحوال الثلاثة، وقيل: معناه يصلون لله على قدر إمكانهم في صحتهم وسقمهم، فالصحيح يصلي قائما، والسقيم يصلي جالسا وعلى جنبه أي مضطجعا، فسمى الصلاة ذكرا رواه علي ابن إبراهيم في تفسيره (2) انتهى.

 

(1) مجمع البيان ج 2 ص 556. (2) تفسير القمي ص 117.

 

[333]

وروى الكليني (1) في الحسن، عن أبي جعفر عليه السلام في هذه الاية قال: الصحيح يصلي قائما " وقعودا " المريض يصلي جالسا " وعلى جنوبهم " الذي يكون أضعف من المريض الذي يصلي جالسا، وقد مر ما يؤيد التفسير الاول للطبرسي في باب الذكر. أقول: سيأتي ساير الايات في ذلك في باب صلاة الخوف. 1 - العياشي: عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سمعته يقول: في قول الله " الذين يذكرون الله قياما " الاصحاء " وقعودا " يعني المرضى " وعلى جنوبهم " قال: أعل ممن يصلي جالسا وأوجع. وفي رواية اخرى: عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام وذكر نحو ما مر برواية الكليني (2). 2 - المحاسن: في رواية أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال علي: من لم يقم صلبه في الصلاة فلا صلاة له (3). بيان: لا خلاف في وجوب القيام في الصلاة بين علماء الاسلام، ونقل الاجماع عليه أكثرهم ونقل الفاضلان وغيرهما الاجماع على ركنيته، ويظهر من نهاية العلامة قول من ابن أبي عقيل بعدم ركنيته، فانه قسم أفعال الصلاة إلى فرض وهو ما إذا أخل به عمدا أو سهوا بطلت الصلاة، وإلى سنة وهو ما إذا أخل به عمدا بطلت لا سهوا، وإلى فضيلة وهو ما لا يبطل بتركه مطلقا، وجعل الاول الصلاة بعد دخول الوقت، و الاستقبال، والتكبير، والركوع، والسجود، ولم يتعرض للقيام. ويمكن الاستدلال بهذا الخبر علي الوجوب والركنية معا، ويدل على وجوب الانتصاب في القيام أيضام بدون انحناء وانخناس، فان الصلب عظم من الكاهل إلى

 

(1) الكافي ج 3 ص 411. (2) تفسير العياشي ج 1 ص 211. (3) المحاسن ص 80، والمراد باقامة الصلب ليس في حال القيام فقط، بل هو عام لجميع حالات الصلاة من القيام والركوع والسجود والجلسة بين السجدتين وللتشهد، وان شئت راجع في ذلك ج 82 ص 316.

 

[334]

العجب، وهو أصل الذنب، وإقامته يستلزم الانتصاب ويمكن أن يقال: استعمال لا صلاة وأشباهه في نفي الكمال شاع، بحيث يشكل الاستدلال به على نفي الصحة وإن كان في الاصل حقيقة فيه. ثم إنه معلوم أن القيام ليس بركن في جميع الحالات، لان من نسي القراءة أو أبعاضها أو جلس في موضع القيام لا تجب عليه إعادة الصلاة، فلذا ذهب بعضهم إلى أن الركن هو القيام المتصل بالركوع (1) وقيل: القيام في حال كل فعل تابع له، وتحقيق هذه الامور لا يناسب هذا الكتاب بل لاثمرة لها سوى الاطناب. 3 - العيون: عن محمد بن عمر الحافظ، عن جعفر بن محمد الحسيني، عن عيسى ابن مهران، عن عبد السلام بن صالح الهروي وبأسانيد ثلاثة اخرى، عن الرضا، آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا لم يستطع الرجل أن يصلي قائما فليصل جالسا، فان لم يستطع جالسا فليصل مستلقيا ناصبا رجليه حيال القبلة يومئ إيماء (2). صحيفة الرضا: عنه عليه السلام مثله (3). 4 - تفسير النعماني: بالاسناد المذكور في كتاب القرآن عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: وأما الرخصة التي هي الاطلاق بعد النهي، فمنه " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين " (4) فالفريضة منه أن يصلي الرجل صلاة الفريضة على الارض بركوع وسجود تام، ثم رخص للخائف فقال سبحانه: " فان خفتم فرجالا أو ركبانا " (5) ومثله قوله عزوجل: " فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم " (6).

 

(1) بمعنى أن الركوع الذي هو ركن بفرض القرآن الكريم، انما هو الركوع من قيام حال الاختيار. (2) عيون الاخبار ج 2 ص 68 و 36، بالاسنادين. (3) صحيفة الرضا ص 15. (4) البقرة: 238. (5) البقرة: 239. (6) النساء: 103.

 

[335]

ومعنى الاية أن الصحيح يصلي قائما، والمريض يصلي قاعدا، ومن لم يقدر أن يصلي قاعدا صلى مضطجعا، ويومي إيماء فهذه رخصة جاءت بعد العزيمة (1). بيان: المشهور بين الاصحاب أنه مع العجز عن الاستقلال في القيام يعتمد على شئ، فمع العجز عن القيام مطلقا حتى مع الانحناء والاتكاء يصلي قاعدا، ونقلوا على تلك الاحكام الاجماع، لكن اختلفوا في حد العجز المسوغ للقعود فالمشهور أنه العجز عن القيام أصلا وهو مستند إلى علمه بنفسه ونقل عن المفيد أن حده أن لا يتمكن من المشي بمقدار الصلاة، لما رواه الشيخ عن سليمان بن حفص (2) المروزي قال: قال الفقيه عليه السلام: المريض إنما يصلي قاعدا إذا صار بالحال التي لا يقدر فيها أن يمشي مقدار صلاته إلى أن يفرغ قائما. والخبر يحتمل وجهين: أحدهما أن من يقدر على المشي بقدر الصلاة يقدر على الصلاة قائما، وثانيهما أن من قدر على المشي مصليا ولم يقدر على القيام مستقرا فالصلاة ماشيا أفضل من الصلاة جالسا، ولو حمل على الاول بناء على الغالب لا ينافي المشهور كثيرا. ثم إنهم اختلفوا فيما إذا قدر على الصلاة مستقرا متكئا وعليها ماشيا فالاكثر رجحوا الاستقرار، ونقل عن العلامة ترجيح المشي، وكذا اختلفوا فيما إذا قدر على المشي فقط، هل هو مقدم على الجلوس أم الجلوس مقدم عليه ؟ فذهب الشهيد و جماعة إلى الثاني، والشهيد الثاني إلى الاول بحمل الرواية على المعنى الثاني مؤيدا له بأن مع المشي يفوت وصف القيام ومع الجلوس أصله، ولا يخفى ما فيه، إذا لاستقرار واجب برأسه يجتمع هو وضده مع القيام والقعود معا. والمسألة في غاية الاشكال، ولا يبعد أن يكون الصلاة جالسا أوفق لفحوى الاخبار كما لا يخفى على المتأمل فيها، والخبر المتقدم له محملان متعادلان يشكل الاستدلال به على أحدهما.

 

(1) تفسير النعماني المطبوع في البحار ج 93 ص 28. (2) التهذيب ج 1 ص 305.

 

[336]

واعلم أن العجز يتحقق بحصول الالم الشديد الذي لا يتحمل عادة، ولا يعتبر العجز الكلى، ولا يختص القعود بكيفية وجوبا، بل يجلس كيف شاء، نعم المشهور أنه يستحب أن يتربع قارئا ويثني رجليه راكعا، ويتورك متشهدا، و فسر التربع ههنا بأن ينصب فخذيه وساقيه، وتثنية الرجلين بأن يفترشهما تحته و يجلس على صدورهما بغير إقعاء، وقد مر معنى التورك. وذكر جماعة من الاصحاب في كيفية ركوع القاعد وجهين أحدهما أن ينحني بحيث يصير بالنسبة إلى القاعد المنتصب كالراكع القائم بالنسبة إلى القائم المنتصب، و ثانيهما أن ينحني بحيث يحاذي جبهته موضع سجوده، وأدناه أن يحاذي جبهته قدام ركبتيه ولا يبعد تحقق الركوع بكل منهما والظاهر عدم وجوب رفع الفخذين عن الارض وأوجبه الشهيد في بعض كتبه مستندا إلى وجه ضعيف. ثم إنه لا خلاف بين الاصحاب في أنه مع العجز عن الجلوس أيضا يضطجع متوجها إلى القبلة، واختلفوا في الترتيب حينئذ فالمشهور أنه يضطجع على الايمن فان تعذر فعلى الايسر، فان تعذر فيستلقي، ويظهر من المعتبر والمنتهى الاتفاق على تقديم الايمن، ومن المحقق في الشرايع والعلامة في بعض كتبه والشيخ في موضع من المبسوط التخيير بين الايمن والايسر، وجعل العلامة رحمه الله في النهاية الايمن أفضل. ثم على القول بتقديم الايمن، إن عجز عنه، فظاهر بعضهم تقديم الايسر، وبعضهم التخيير بينه وبين الاستلقاء، وبعضهم الانتقال إلى الاستلقاء فقط، ولعل تقديم الايسر أحوط بل أظهر لفحوى بعض الايات والاخبار. وتدل رواية العيون ورواية مرسلة (1) رواها الشيخ عن الصادق عليه السلام، على أن بعد العجز عن القعود ينتقل إلى الاستلقاء وقال المحقق في المعتبر بعد إيراد رواية التهذيب وإيراد رواية عمار (2) قبلها دالة على تقدم الاضطجاع: الرواية الاولى

 

(1) التهذيب ج 1 ص 183. (2) سيجئ بألفاظه تحت الرقم 5.

 

[337]

أشهر وأظهر بين الاصحاب. أقول: يمكن حمل أخبار الانتقال أولا إلى الاستلقاء على التقية، فانه مذهب أبي حنيفة وبعض الشافعية، وراوي خبر العيون عامي وأخبار الرضا عليه السلام كثيرا ما ترد على التقية، ومع قطع النظر عن ذلك، والاجماع المنقول، يمكن القول بالتخيير، وحمل تقديم الاضطجاع على الافضلية، والعمل بالمشهور أحوط وأولى. ثم المشهور أن الايماء بالرأس مقدم على الايماء بالعين، والاخبار مختلفة، وبعضها مجملة، والعمل بالمشهور أحوط، ومع الايماء بالرأس فليجعل السجود أخفض من الركوع، كما ذكره الاصحاب وورد في بعض الروايات. 5 - المعتبر: روى أصحابنا عن حماد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعدا يوجه كما يوجه الرجل في لحده، وينام على جانبه الايمن، ثم يؤمي بالصلاة، فان لم يقدر على جانبه الايمن فكيف ما قدر، فانه جائز، ويستقبل بوجهه القبلة، ثم يؤمي بالصلاة إيماء. بيان: روى الشيخ بسند موثق عن عمار (1) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: المريض إذا لم يقدر أن يصلي قاعدا كيف قدر صلى إما أن يوجه فيومي إيماء، وقال: يوجه كما يوجه الرجل في لحده وينام على جنبه الايمن ثم يومي بالصلاة فان لم يقدر أن ينام على جنبه الايمن فكيف ما قدر، فانه له جائز، ويستقبل بوجهه القبلة ويومئ إيماء. وتشابه الخبرين في أكثر الالفاظ يوهم اشتباه عمار بحماد منه رحمه الله أو من النساخ، وتغيير عبارة الخبر لتصحيح مضمونه نقلا بالمعنى، وجلالته تقتضي كونه خبرا آخر، واشتباه النساخ بعيد لاتفاق ما رأينا من النسخ على حماد، وساير أجزاء الخبر كما نقلنا، إلا أن يكون من الناسخ الاول والله أعلم. 6 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن المريض الذي لايستطيع القعود ولا الايماء

 

(1) التهذيب ج 1 ص 305.

 

[338]

كيف يصلي وهو مضطجع ؟ قال: يرفع مروحة إلى وجهه ويضع على جبينه و يكبر هو (1). وسألته عن رجل نزع الماء من عينه أو يشتكي عينه وشق عليه السجود، هل يجزيه أن يؤمي وهو قاعد أو يصلي وهو مضطجع ؟ قال: يؤمئ وهو قاعد (2). بيان: المشهور بين الاصحاب أنه إن قدر المريض على رفع موضع السجود والسجدة عليه وجب، ويدل عليه أخبار، والعمل به متعين. وأما إذا صلى بالايماء هل يجب عليه أن يضع على جبهته شيئا حال الايماء ؟ لم يتعرض له الاكثر، ونقل عن بعضهم القول بالوجوب، ويدل عليه هذا الخبر وموثقة سماعة (3) والاحوط العمل به، وإن أمكن حملهما على الاستحباب، لخلو كثير من الاخبار عنه. قوله عليه السلام: " يومي وهو قاعد " محمول على القدرة على القعود، ولا ريب أن مع القدرة عليه لا يجوز الاضطجاع، والخبر بجزئيه يدل على تقدم الاضطجاع على الاستلقاء. 7 - مجالس ابن الشيخ: عن أبيه، عن محمد بن محمد بن مخلد، عن عبد الواحد بن محمد، عن يحيى بن أبي طالب، عن أبي بكر الحنفي، عن سفيان، عن ابن الزبير، عن جابر أن النبي صلى الله عليه وآله عاد مريضا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها، فأخذ عودا ليصلي عليه فأخذه فرمى به، وقال: على الارض إن استطعت، وإلا فأوم إيماء، واجعل سجودك أخفض من ركوعك (4). بيان: الخبر عامي ولا يعارض الاخبار المعتبرة. 8 - طب الائمة: عن الحسن بن أورمة، عن عبد الله بن المغيرة، عن بزيع المؤذن قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام إني اريد أن أقدح عيني، فقال لي: استخر الله وافعل، قلت: لهم يزعمون أنه ينبغي للرجل أن ينام على ظهره كذا وكذا، ولا

 

(1 - 2) قرب الاسناد ص 97 ط حجر ص 128 ط نجف. (3) التهذيب ج 1 ص 339. (4) أمالي الطوسي ج 1 ص 396. (*)

 

[339]

يصلي قاعدا ؟ فقال: افعل (1). توضيح: قال الجوهري قدحت العين إذا أخرجت منها الماء الفاسد، قوله عليه السلام " استخر الله " أي اسأل الله أن يجعل خيرك فيه، قال في التذكرة: لو كان به رمد وهو قادر على القيام، فقال العالم بالطب: إذا صلى مستلقيا رجا له البرء، جاز ذلك، وبه قال أبو حنيفة والثوري، وقال مالك والاوزاعي: لا يجوز لان ابن عباس لم يرخص له الصحابة في الصلاة مستلقيا. 9 - دعوات الراوندي: قال النبي صلى الله عليه وآله: يصلي المريض قائما إن استطاع فان لم يستطع صلى قاعدا، فان لم يستطع أن يسجد أومأ برأسه، وجعل مقصده إلى القبلة متوجها إليها، فان لم يستطع أن يصلي قاعدا صلى على جنبه الايمن مستقبل القبلة، فان لم يستطع أن يصلي على جنبه الايمن صلى مستلقيا ورجلاه إلى القبلة. وروي عنهم عليهم السلام أن المريض تلزمه الصلاة إذا كان عقله ثابتا، فان لم يتمكن من القيام بنفسه اعتمد على حائط أو عكازة وليصل قائما فان لم يتمكن فليصل جالسا، فإذا أراد الركوع قام فركع، فان لم يقدر فليركع جالسا، فان لم يتمكن من السجود إذا صلى جالسا رفع خمرة وسجد عليها، فان لم يتمكن من الصلاة جالسا فليصل مضطجعا على جانبه الايمن وليسجد، فان لم يتمكن من السجود أومأ إيماء، وإن لم يتمكن من الاضطجاع فليستلق على قفاه، وليصل موميا يبدء الصلاة بالتكبير يقرأ فإذا أراد الركوع غمض عينيه، فإذا أراد الرفع فتحهما، وإذا أراد السجود غمضهما، فإذا أراد رفع رأسه ثانيا فتحهما، وعلى هذا تكون صلاته. 10 - قرب الاسناد: عن محمد بن الوليد، عن عبد الله بن بكير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الصلاة قاعدا ويتوكأ على عصا أو على حائط ؟ فقال: لا ما شأن أبيك وشأن هذا ؟ ما بلغ أبوك هذا بعد إن سوى رسول الله صلى الله عليه وآله بعد ما عظم وبعد ما ثقل كان يصلي وهو قائم ورفع إحدى رجليه حتى أنزل الله تبارك وتعالى: " طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " فوضعها. ثم قال أبو عبد الله عليه السلام لا بأس بالصلاة وهو قاعد، وهو على نصف صلاة القائم

 

(1) طب الائمة: 87.

 

[340]

ولا بأس بالتوكي على عصا والاتكاء على الحائط، قال: ولكن يقرأ وهو قاعد فإذا بقيت آيات قام فقرأهن ثم ركع (1). بيان: " لا بأس بالصلاة وهو قاعد " أي النافلة، ولا خلاف في جواز الجلوس فيها مع الاختيار أيضا، قال في المعتبر: وهو إطباق العلماء وفي المنتهى أنه لايعرف فيه مخالف، وكأنهما لم يعتبرا خلاف ابن إدريس حيث منع من الجلوس في النافلة في غير الوتيرة اختيارا، والاشهر أظهر، وما ذكره عليه السلام في أول الخبر للتأكيد في إدراك فضل القيام عند السهولة وعدم العسر والعذر، وقد جوز بعض الاصحاب الاضطجاع والاستلقاء مع القدرة على القيام وهو بعيد، والظاهر أن تجويز الاتكاء على العصا و الحائط أيضا في النافلة، فأما القيام قبل الركوع فهو أيضا محمول على الفضل للاخبار الدالة على جواز الجلوس في الجميع، وأوجبوا ذلك في الفريضة مع القدرة عليه والعجز عن القيام في الجميع، وهو حسن. 11 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يستند إلى حائط المسجد وهو يصلي يضع يده على الحائط وهو قائم من غير مرض ولا علة ؟ قال: لا بأس (2). وسألته عن رجل يكون في الصلاة هل يصلح له أن يقدم رجلا ويؤخر اخرى من غير مرص ولا علة ؟ قال: لا بأس (3). وسألته عن رجل يكون في صلاة الفريضة فيقوم في الركعتين الاوليين هل يصلح له أن يتناول حائط المسجد فينهض ويستعين به على القيام من غير ضعف ولا علة ؟ قال: لا بأس (4). كتاب المسائل: لعلي بن جعفر عن أخيه عليه السلام مثله (5).

 

(1) قرب الاسناد ص 79 ط حجر 104 ط نجف. (2) قرب الاسناد ص 94 ط حجر: 123 ط نجف. (3 - 4) قرب الاسناد ص 124 ط نجف. (5) المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 275.

 

[341]

بيان: المشهور بين الاصحاب وجوب الاستقلال في القيام، وذهب أبو الصلاح إلى جواز الاستناد على كراهة، ولا يخلو من قوة، وعلى المشهور حملوا هذه الرواية وأمثالها على استناد قليل لا يكون بحيث لو زال السناد لسقط، فان الواجب عندهم ترك هذا الاستناد لا مطلقا، ويمكن حمل تلك الاخبار على النافلة، وأخبار المنع على الفريضة، ثم على تقدير الوجوب إذا أخل بالاستقلال عمدا بطلت صلاته والظاهر عدم البطلان بالنسيان، وأما الاستعانة بشئ حال النهوض فقد صرح بعض المتأخرين بأن حكمه حكم الاستناد وهو ضعيف، فقد دلت هذه الرواية على الجواز من غير معارض. 12 - كتاب المسائل: لعلي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن المريض إذا كان لايستطيع القيام كيف يصلي ؟ قال: يصلي النافلة وهو جالس، و يحسب كل ركعتين بركعة، وأما الفريضة فيحتسب كل ركعة بركعة وهو جالس إذا كان لايستطيع القيام (1). بيان: الظاهر أن تضعيف النافلة إذا صلاها جالسا محمول على الافضلية، لما رواه أبو بصير (2) عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عمن صلى جالسا من غير عذر أتكون صلاته ركعتين بركعة ؟ فقال: هي تامة لكم، فان الظاهر أن الخطاب إلى الشيعة مطلقا وكون الخطاب إلى العميان والمشايخ بعيد عن الخبر كما لا يخفى. وقال الشهيد في الذكرى بعد إيراد هذه الرواية عقيب روايات التضعيف: فتحمل الاخبار الاولة على الاستحباب، وهذا على الجواز، ثم قال: ويستحب القيام بعد القراءة ليركع قائما ويحسب له بصلاة القائم، وقال الشيخ في المبسوط يجوز أن يصلي النوافل جالسا مع القدرة على القيام، وقد روي أنه يصلي بدل كل ركعة ركعتين، وروي أنه ركعة بركعة وهما جميعا جائزان. 13 - تفسير علي بن ابراهيم: عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن علي بن أبي

 

(1) المسائل المطبوع في البحار ج 10 ص 277. (2) التهذيب ج 1 ص 184.

 

[342]

حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام قالا: كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا صلى قام على أصابع رجليه حتى تورمت فأنزل الله تعالى " طه " بلغة طيئ يا محمد " ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " (1). ايضاح: رواه في الكافي (2) بسند موثق، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام و فيه يقوم على أطراف أصابع رجليه، وقال الطبرسي - ره - (3) روي أن النبي صلى الله عليه وآله كان يرفع إحدى رجليه في الصلاة ليزيد تعبه، فأنزل الله الاية فوضعها قال: روي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام. أقول: لعله كان أولا الصلاة على تلك الهيئات مشروعة فنسخت، ولايجوز الان الصلاة مع رفع إحدى الرجلين، ولا مع القيام على الاصابع، والمشهور وجوب الاعتماد على الرجلين، وعدم جواز تباعدهما بما يخرج عن حد القيام عرفا. 14 - العلل والعيون: عن ابن عبدوس، عن ابن قتيبة، عن الفضل بن شاذان فيما رواه من العلل عن الرضا عليه السلام قال: صلاة القاعد على نصف صلاة القائم (4). 15 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل صلي نافلة وهو جالس من غير علة كيف بحسب صلاته ؟ قال: ركعتين بركعة (5). 16 - دعائم الاسلام: روينا عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله سئل عن صلاة العليل فقال: يصلى قائما، فان لم يستطع صلى جالسا قيل: يارسول الله ومتى يصلي جالسا ؟ قال: إذا لم يستطع أن يقرأ فاتحة الكتاب و

 

(1) تفسير القمي: 417. (2) الكافي ج 2 ص 95. (3) مجمع البيان ج 7 ص 2. (4) علل الشرايع ج 1 ص 249، عيون الاخبار ج 2 ص 108. (5) قرب الاسناد ص 96 ط حجر: 126 ط نجف.

 

[343]

ثلاث آيات قائما، وإن لم يستطع أن يسجد أومأ إيماءا برأسه وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فان لم يستطع أن يصلي جالسا صلى مضطجعا لجنبه الايمن ووجهه إلى القبلة، فان لم يستطع أن يصلي على جنبه الايمن صلى مستلقيا ورجلاه مما يلي القبلة يومي إيماء (1). وعن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: من أصابه رعاف لم يرقا صلى إيماء (2). وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: المريض إذا ثقل وترك الصلاة أياما أعاد ما ترك إذا استطاع الصلاة (3). وعنه عليه السلام أنه قال: من صلى جالسا تربع في حال القيام، وثنى رجله في حال الركوع والسجود والجلوس، إن قدر على ذلك (4). وعنه عليه السلام أنه قال: يجزي المريض أن يقرء فاتحة الكتاب في الفريضة ويجزئه أن يسبح في الركوع والسجود تسبيحة واحدة (5).

 

(1 - 5) دعائم الاسلام ج 1 ص 198.

 

[344]

22. " (باب) " * " (آداب القيام إلى الصلاة والادعية عنده) " * * " (والنية والتكبيرات الافتتاحية) " * * " (وتكبيرة الاحرام) " * الايات: البقرة: وقوموا لله قانتين (1). الانعام: قل إن صلوتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك امرت وأنا أول المسلمين (2). اسرى: وكبرة تكبيرا (3). الكهف: واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي يريدون وجهه (4). وقال سبحانه: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا (5). طه: إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري (6). المدثر: وربك فكبر (7). البينة: وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين (8).

 

(1) البقرة: 238. (2) الانعام: 162 أمره صلى الله عليه وآله أن يقول ذلك، لكن الاية متشابهة أولها رسول الله صلى الله عليه وآله إلى التوجه في الصلاة فتكون سنة. (3) أسرى: 111. (4) الكهف: 28. (5) الكهف: 110. (6) طه: 14. (7) المدثر: 4. (8) البينة: 5.

 

[345]

الكوثر: فصل لربك وانحر. تفسير: " وقوموا لله " يدل على وجوب النية والاخلاص فيها كما مر " ونسكي " قيل عبادتي وتقربي كله فيكون تعميما بعد تخصيص فيدل على امتياز الصلاة عن سائر العبادات واختصاصها بمزيد الفضل، وقيل مناسك حجي وقيل ذبحي لان المشركين كانوا يشركون فيهما الاصنام. " ومحياي ومماتي " أي ما آتي به في حيائي وأموت عليه من الايمان والاعمال الصالحة، وقيل العبادات والخيرات الواقعة حال الحياة التي تقع بعد الموت بالوصية ونحوها كالتدبير، وقيل نفس الحياة والموت أي إنما اريد الحياة إذا كان موافقا لرضاه وكذا الموت، أو المعنى أنهما منه تعالى، وقيل طاعتي في حياتي لله، وجزائي بعد موتي من الله، وقيل جميع ما آتي عليه في حياتي حتى الحياة وجميع ما أموت عليه حتى الموت " لله رب العالمين " أي أجعلهما لله لانه رب العالمين، ولا يستحق العبادة غيره، أو شكر المنعم واجب، أو كل ذلك منه إذ العبادات بتوفيقه وهدايته والمحيا والممات بخلقه وتدبير، أو يقال كونه لله في العبادات بمعنى أنه المستحق لان يفعل له، وفي غيرها بمعنى أنه بقدرته وخلقه، وعلى بعض الوجوه المتقدمة في المحيا والممات لانحتاج إلى تلك التكلفات. " لا شريك له " أي في الالهية أو في العبادة والاحياء والاماتة، أو لا أشرك معه في تلك الامور أحدا " وبذلك أمرت " أي بالاخلاص المذكور، أو بالقول المذكور والاعتقاد به أمرني ربي " وأنا أول المسلمين " فان إسلام كل نبي مقدم على إسلام امته، أو لانه صلى الله عليه وآله أول من أقر في عالم الذر كما يشهد به غير واحد من الخبر ويحتمل أن يراد بالمسلمين المنقادون لجميع الاوامر والنواهي. ثم الاية تدل على تحريم فسمي الشرك الظاهر كعبادة الاصنام والكواكب ونحوها، والخفي كالريا والسمعة، وأنه لا يجوز إسناد شئ من ذلك إلى غيره تعالى لا مستقلا ولا مشاركا كالكواكب والافلاك والعقول وغيرها، وأما قصد حصول


 

[346]

الثواب والخلاص من العقاب فلا ينافي الاخلاص لانهما بأمره تعالى وتكليف أكثر الخلق باخلاص النية منهما قريب من التكليف بالمحال، بل هو عينه، نعم ذلك درجة المقربين من الانبياء والاوصياء والصديقين صلوات الله عليهم أجمعين، ومن ادعى ذلك من غيرهم فلعله لم يفهم معنى النية، وجعلها محض حضور البال، وهو ليس من النية في شئ، والنية هو الغرض الواقعي الباعث على الفعل. وهذا مثل أن يقال: في طريقك أسد ولا تخف منه، وأعددنا لك مائة ألف تومان للعمل الفلاني، ولا يكن باعثك على العمل ذلك، وهذا إنما يصدق في دعواه إذا علم من نفسه أنه لو أيقن أن الله يدخله بطاعته النار وبمعصيته الجنة يختار الطاعة ويترك المعصية تقربا إلى الله تعالى، وأين عامة الخلق من هذه الدرجة القصوى و المنزلة العليا ؟ وقد مر تحقيق ذلك وساير ما يتعلق به في باب الاخلاص (1) من هذا الكتاب، وفي بعض مؤلفاتنا العربية والفارسية، نعم يمكن أن يراد في هذه الاية ذلك بناء على أن من خوطب به صلى الله عليه وآله صاحب هذه الدرجة الجليلة، لكن الظاهر أن الخطاب لتعليم الامة. ثم اعلم أنه ربما يستدل بهذه الاية على كون الاخلاص المذكور من أحكام الاسلام، وأن كل مسلم مأمور بذلك، لقوله: " وأنا أول المسلمين " فانه يدل على أن غيره أيضا مكلف مأمور بذلك، وأنه أولهم، مع ما ثبت من عموم التأسي وعلى أن صحة الصلاة بل سائر العبادات موقوفة على الاخلاص المذكور، وما تضمنه من معرفة الله ووحدانيته وكونه ربا للعالمين، أي منشئا ومريبا لهم، فيستلزم ذلك وجوب العلم بكونه قادرا وعالما وحكيما، إذ الاخلاص يستلزم ذلك. وقد يناقش في استلزام وجوب الاخلاص المذكور توقف صحة العبادة على الاخلاص نفسه، وما يستلزمه من المعرفة لان كل ما كان واجبا لشئ لا يجب أن يبطل ذلك عند عدمه بالكلية، ويجاب بأنه إذا ثبت كون العبادة مأمورا بها على هذا الوجه، فإذا لم يأت بها على الوجه الخاص لم يأت بالمأمور به، فتكون باطلة، و

 

(1) راجع ج 70 ص 213 - 250.

 

[347]

يعترض عليه بأن ذلك إذا كان الامر بالعبادة هو الذي تضمن هذا الوجه، لا أن يكون بأمر عليحدة، وهنا كذلك. وقيل يمكن الاستدلال بها على وجوب المعرفة وتوقف الصحة عليها للامر بذلك القول فانه يفهم منه أنه يجب قول ذلك ومعرفة القول وفهمه وصدقه مع المتعلقات متوقفة عليها، ويمكن المناقشة في أكثر تلك الوجوه. وأقول: يمكن الاستدلال بالامر بالقول على رجحان قراءة تلك الاية بل وجوبها على طريقة الاصحاب في مقدمة الصلاة كما ورد في الاخبار، فتكون مؤيدة لها، ولو ثبت الاجماع على عدم الوجوب لثبت تأكد الاستحباب. " وكبره تكبيرا " استدل به على وجوب التكبير في الصلاة لعدم وجوبه في غيرها اتفاقا، وفيه ما فيه " بالغداة والعشي " أي طرفي النهار فيستفتحون يومهم بالدعاء ويختمونه به أو في مجامع أوقاتهم أي يدامون على الصلاة والدعاء كأنه لا شغل لهم غيره، وقيل المراد صلاة الفجر والعصر " يريدون وجهه " أي رضوانه، وقيل تعظيمه والقربة إليه دون الرياء والسمعة، ويدل على رفعة شأن الاخلاص، وأن المخلصين هم المقربون وهم الذين يلزم مصاحبتهم ومودتهم ومعاشرتهم. " فمن كان يرجو لقاء ربه " أي يأمل حسن لقاء ربه، وأن يلقاه لقا رضا و قبول أو يخاف سوء لقاء ربه كذا في الكشاف، وقال في مجمع البيان: (1) أي يطمع في لقاء ثواب ربه ويأمله ويقر بالبعث إليه، والوقوف بين يديه، وقيل معناه يخشى لقاء عقاب ربه، وقيل إن الرجاء يستعمل في كلا المعنيين الخوف والامل، وفي التوحيد (2) عن أمير المؤمنين عليه السلام يؤمن بأنه مبعوث. " فليعمل عملا صالحا " أي نافعا متضمنا للصلاح والخير، وفي المجمع أي خالصا لله يتقرب به إليه " ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " في المجمع أي أحدا غيره من ملك أو بشر أو حجر أو شجر، وقيل معناه لا يرائي في عبادة ربه أحدا، وقال مجاهد: جاء

 

(1) مجمع البيان ج 6 ص 499. (2) توحيد الصدوق: 267 ط مكتبة الصدوق في حديث.

 

[348]

رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: إني أتصدق وأصل الرحم ولا أصنع ذلك إلا لله فيذكر ذلك مني وأحمد عليه فيسرني ذلك وأعجب به، فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله ولم يقل شيئا فنزلت الاية. قال عطا: عن ابن عباس إن الله تعالى قال: " ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " و لم يقل ولا يشرك به، فانه أراد العمل الذي يعمل لله، ويحب أن يحمد عليه، قال: ولذلك يستحب للرجل أن يدفع صدقته إلى غيره ليقسمها كيلا يعظمه من يصله بها. وروي عبادة بن الصامت وشداد بن أوس قالا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: من صلى صلاة يرائي بها فقد أشرك، ومن صام صوما يرائي به، فقد أشرك، ثم قرأ هذه الاية. وفي تفسير علي بن إبراهيم (1) فهذا الشرك شرك رياء، وعن الباقر عليه السلام سئل رسول الله صلى الله عليه وآله عن تفسير هذه الاية فقال: من صلى مراءات الناس فهو مشرك ومن زكى مراءات الناس فهو مشرك، ومن صام مراءات الناس فهو مشرك، ومن حج مراءات الناس فهو مشرك، ومن عمل عملا مما أمره الله عزوجل مراءات الناس فهو مشرك، ولا يقبل الله عمل مراء. وفي الكافي (2) عنه عليه السلام في هذه الاية: الرجل يعمل شيئا من الثواب لا يطلب به وجه الله، إنما يطلب تزكية الناس يشتهي أن يسمع به الناس، فهذا الذي أشرك بعبادة ربه، ثم قال: ما من عبد أسر خيرا فذهبت الايام أبدا حتى يظهر الله له خيرا وما من عبد يسر شرا فذهبت الايام حتى يظهر الله له شرا. وروى العياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن تفسير هذه الاية فقال: من صلى أو صام أو أعتق أو حج يريد محمدة الناس فقد أشرك في عمله، وهو شرك مغفور (3) يعني أنه ليس من الشرك الذي قال الله: " إن الله لا يغفر أن يشرك به " (4) وذلك

 

(1) تفسير القمي: 407. (2) الكافي ج 2 ص 293. (3) تفسير العياشي ج 2 ص 352. (4) النساء: 48.

 

[349]

لان المراد بذلك الشرك الجلي وهذا هو الشرك الخفي. وللاية تفاسير اخر بحسب بطونها فمنها ما رواه في الكافي والتهذيب (1) باسنادهما عن الوشا قال: دخلت على الرضا عليه السلام وبين يديه إبريق يريد أن يتوضأ منه للصلاة فدنوت لاصب عليه، فأبى ذلك، وقال: مه يا حسن ! فقلت: لم تنهاني أن أصب عليك ؟ تكره أن اوجر ؟ فقال: تؤجر أنت واوزر أنا، فقلت له: وكيف ذلك ؟ فقال: أما سمعت الله يقول: " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " ها أنا ذا أتوضأ للصلاة، وهي العبادة، فأكره أن يشركني فيها أحد. وبمضمونه رواية اخرى عن الرضا عليه السلام (2) ورواية اخرى (3) عن أمير المؤمنين عليه السلام. فعلى هذا المعنى تدل على عدم جواز تولية الغير شيئا من العبادة لا بعضا ولا كلا، ولا استعانة، إلا ما أخرجه الدليل، فلا تجوز التولية في الوضوء لا بعضا ولا كلا اختيارا كما مر، ولا في الغسل والتيمم، ولا الاتكاء في الصلاة، بل يجب الاستقلال بالقيام والقعود وغيرهما اختيارا، فلا يجوز أن يأخذ القرآن أو الكتاب غير المصلي ليقرأه إن جوزناه لكن مع إجمال الاية وتعارض التفاسير الواردة فيها، يشكل الحكم بالتحريم بمجردها إلا بمعاونة الاخبار فلينظر فيها وقد مر الكلام فيها. ومنها ما رواه العياشي (4) عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن هذه الاية فقال: العمل الصالح المعرفة بالائمة ولا يشرك بعبادة ربه أحدا التسليم لعلي عليه السلام لا يشرك في الخلافة من ليس ذلك له ولا هو من أهله. وروى علي بن إبراهيم (5) عنه عليه السلام " ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " قال:

 

(1) الكافي ج 3 ص 69، التهذيب ج 1 ص 104. (2) ارشاد المفيد: 295. (3) تراه في علل الشرايع ج 1 ص 264، المقنع ص 2 ط حجر، الفقيه ج 1 ص 27. (4) تفسير العياشي ج 2 ص 353. (5) تفسير القمي: 407.

 

[350]

لا يتخذ مع ولاية آل محمد عليهم السلام غيرهم، وولايتهم العمل الصالح من أشرك بعبادة ربه فقد أشرك بولايتنا وكفر بها، وجحد أمير المؤمنين عليه السلام حقه وولايته. " فاعبدني " (1) لعل تفريعه على التوحيد يشعر بالاخلاص " وأقم الصلاة لذكري " فيه دلالة على الاخلاص على بعض الوجوه الاتية. " وربك فكبر " أي خصص ربك بالتكبير، وهو وصفه بالكبرياء عقدا و قولا، وقال الطبرسي - رحمه الله - أي عظمه ونزهه عما لا يليق به، وقيل كبر في الصلاة فقل الله أكبر انتهى، واستدل به الاصحاب على وجوب تكبيرة الاحرام بأن ظاهره وجوب التكبير، وليس في غير الصلاة، فيجب أن يكون فيها (2) وفيه من النظر مالا يخفى. " وما امروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " قال الطبرسي رحمه الله: أي لم يأمرهم الله تعالى إلا لان يعبدوا الله وحده لا يشركون بعبادته، ولا يخلطون بعبادته عبادة من سواه. أقول: دلالتها على الاخلاص ظاهرة، وبها استدل الاصحاب على وجوب النية، ولعل في ذكر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة بعد ذلك إشعارا بشدة اشتراط الاخلاص فيهما، ومدخليته في صحتهما وكمالهما، وتعقيبه بقوله: " وذلك دين القيمة " أي دين الملة القيمة، يدل على أن الاخلاص من عمدة أجزاء الدين والملة و شرايطهما ولوازمهما. " فصل لربك " يدل على وجوب النية وإخلاصها في خصوص الصلاة " وانحر " قيل: المراد به نحر الابل (3) قالوا كان اناس يصلون وينحرون لغير الله فأمر الله نبيه أن يصلي وينحر لله عزوجل أي فصل لوجه ربك إذا صليت لا لغيره، وانحر لوجهه وباسمه إذا نحرت، مخالفا أعمالهم في العبادة والنحر لغيره كالاوثان.

 

(1) طه: 14. (2) قد عرفت وجه الاستدلال بالاية في ج 83 ص 160 و 257. (3) راجع ج 82 ص 184 ولنا في تفسير سورة الكوثر رسالة لا بأس بمراجعتها.

 

[351]

وقيل هي صلاة الفجر بجمع، والنحر بمعنى، وقيل صلاة العيد فيكون دليلا على وجوبها، وقيل صل صلاة الفرض لربك، واستقبل القبلة بنحرك، من قولهم منازلنا تتناحر أي تتقابل. وروي الشيخ عن حريز، عن رجل، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: " فصل لربك وانحر " قال: النحر الاعتدال في القيام أن يقيم صلبه ونحره (1) وهذا معنى آخر، قال في القاموس: نحر الدار الدار كمنع استقبلتها، والرجل في الصلاة انتصب ونهد صدره أو انتصب بنحره إزاء القبلة، انتهى. وقيل: إن معناه ارفع يديك في الصلاة بالتكبير إلى محاذاة النحر، أي نحر الصدر، وهو أعلاه، وهو الذي يقتضيه روايات عن أهل البيت عليهم السلام كما سيأتي وهو أقوى الوجوه من حيث الاخبار. 1 - مجمع البيان: عن عمر بن يزيد قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: في قوله: " فصل لربك وانحر " هو رفع يديك حذاء وجهك (2). قال: وروى عبد الله بن سنان عنه عليه السلام مثله (3). وعن جميل قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: " فصل لربك وانحر " فقال: بيده هكذا، يعني استقبل بيديه حذاء وجهه القبلة في افتتاح الصلاة (4). وعن حماد بن عثمان قال: سألت الصادق عليه السلام ما النحر ؟ فرفع يديه إلى صدره فقال: هكذا، ثم رفعهما فوق ذلك، فقال: هكذا يعني استقبل بيديه القبلة في استفتاح الصلاة (5). وعن مقاتل بن حيان عن الاصبغ بن نباتة، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: لما نزلت هذه السورة قال النبي صلى الله عليه وآله لجبرئيل: ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ؟ قال: ليست بنحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت، وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع وإذا سجدت، فانه صلاتنا وصلاة الملائكة في السماوات

 

(1) التهذيب ج 1 ص 158. (2 - 5) مجمع البيان ج 10 ص 550.

 

[352]

السبع، فان لكل شئ زينة وإن زينة الصلاة رفع الايدي عند كل تكبيرة (1). وقال النبي صلى الله عليه وآله رفع اليدين من الاستكانة، قلت: وما الاستكانة ؟ قال ألا تقرء هذه الاية " فما استكانوا لربهم وما يتضرعون " أورده الواحدي والثعلبي في تفسيريهما (2). هذا آخر ما نقلناه عن الطبرسي رحمه الله وهذه الاخبار تدل على أن المراد بها رفع اليدين في الصلاة حذاء النحر، وهو يؤيد ما نسب إلى السيد من وجوب رفع اليدين في جميع التكبيرات، بناء على أن الامر للوجوب، لا سيما أوامر القرآن ولو قيل بأنه لا معنى لوجوب كيفية المستحب، فلا مانع من القول به في تكبيرة الاحرام إن سلم استحباب ساير التكبيرات، لكن في كون الامر للوجوب كلام، و الاحتياط ظاهر. والاية تؤيد الاخبار الواردة بالرفع إلى النحر، وقد مر القول في الجمع بين الاخبار في ذلك، وفي رواية حماد إشعار بالتخيير بين الرفع إلى المصدر وإلى النحر، بأن يكون المعنى أن كليهما داخل في النحر سواء كان انتهاء الكف محاذيا للنحر، وسائرها للصدر، أو ابتداؤها محاذيا للنحر وسائرها للوجه. 2 - عدة الداعي: روى الشيخ أبو محمد جعفر بن أحمد بن علي القمي نزيل الري في كتابه المنبئ عن زهد النبي صلى الله عليه وآله عن عبد الواحد عمن حدثه، عن معاذ بن جبل قال: قلت حدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وحفظته من دقة ما حدثك به، قال: نعم وبكى معاذ، ثم قال: بأبي وامي حدثني وأنا رديفه قال: بينا نحن نسير إذ رفع بصره إلى السماء فقال: " الحمد لله الذي يقضي في خلقه ما أحب " ثم قال يا معاذ: قلت لبيك يارسول الله ! إمام الخير ونبي الرحمة، قال: احدثك ما حدث: نبي امته إن حفظته نفعك عيشك، وإن سمعته ولم تحفظه انقطعت حجتك عند الله. ثم قال: ان الله خلق سبعة أملاك قبل أن يخلق السموات، فجعل في كل سماء

 

(1 - 2) مجمع البيان ج 10 ص 550 والاية الاخيرة في المؤمنين 76.

 

[353]

ملكا قد جللها بعظمته، وجعل على كل باب من أبواب السماوات ملكا بوابا فتكتب الحفظة عمل العبد من حين يصبح إلى حين يمسى، ثم ترتفع الحفظة بعمله وله نور كنور الشمس حتى إذا بلغ سماء الدنيا فتزكيه وتكثره فيقول الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، أنا ملك الغيبة، فمن اغتاب لاأدع عمله يجاوزني إلى غيري أمرني بذلك ربي. قال: ثم تجئ الحفظة من الغد ومعهم عمل صالح فتمر به وتزكيه وتكثره حتى يبلغ السماء الثانية، فيقول الملك الذي في السماء الثانية: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، إنما أراد بهذا عرض الدنيا، أنا صاحب الدنيا لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري. قال: ثم تصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا بصدقة وصلاة فتعجب به الحفظة و تجاوزه إلى السماء الثالثة، فيقول الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وظهره، أنا ملك صاحب الكبر فيقول: إنه عمل وتكبر فيه على الناس في مجالسهم أمرني ربي أن لاادع عمله يتجاوزني إلى غيري. قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد يزهر كالكوكب الدري في السماء له دوي بالتسبيح والصوم والحج فتمر به إلى ملك السماء الرابعة فيقول لهم الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحب وبطنه، أنا ملك العجب إنه كان يعجب بنفسه، وإنه عمل وأدخل نفسه العجب أمرني ربي لا أدع عمله يتجاوزني إلى غيري. قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد كالعروس المزفوفة إلى أهلها فتمر به إلى ملك السماء الخامسة بالجهاد والصلاة مابين الصلاتين، ولذلك العمل رنين كرنين الابل عليه ضوء كضوء الشمس، فيقول الملك قفوا أنا ملك الحسد، واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه واحملوه على عاتقه إنه كان يحسد من يتعلم أو يعمل لله بطاعته، وإذا رأى لاحد فضلا في العمل والعبادة حسده ووقع فيه، فيحملونه على عاتقه و يلعنه عمله. قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد من صلاة وزكاة وحج وعمرة فيتجاوز إلى


 

[354]

السماء السادسة فيقول الملك: قفوا أنا صاحب الرحمة اضربوا بهذا العمل وجه صاحبه واطمسوا عينيه لان صاحبه لم يرحم شيئا إذا أصاب عبدا من عباد الله ذنبا للاخرة أو ضرا في الدنيا شمت به، أمرني ربي أن لاأدع عمله يجاوزني. قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد بفقه واجتهاد وورع، وله صوت كالرعد، وضوء كضوء البرق، ومعه ثلاثة آلاف ملك، فتمر به إلى ملك السماء السابعة فيقول الملك: قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه، أنا ملك الحجاب، أحجب كل عمل ليس لله إنه أراد رفعة عند القواد، وذكرا في المجالس، وصيتا في المدائن أمرني ربي أن لا أدع عمله يجاوزني إلى غيري ما لم يكن لله خالصا. قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد مبتهجا به من صلاة وزكاة وصيام وحج وعمرة وحسن خلق وصمت وذكر كثير تشيعه ملائكة السماوات والملائكة السبعة بجماعتهم، فيطوف الحجب كلها حتى يقوموا بين يديه سبحانه، فيشهدوا له بعمل ودعاء، يقول الله أنتم حفظة عمل عبدي، وأنا رقيب على ما في نفسه، إنه لم يردني بهذا العمل، عليه لعنتي فتقول الملائكة: عليه لعنتك ولعنتنا. قال: ثم بكى معاذ قال: قلت: يارسول الله صلى الله عليه وآله ما أعمل قال: اقتد بنبيك يا معاذ في اليقين، قال: قلت أنت رسول الله وأنا معاذ قال صلى الله عليه وآله: وإن كان في عملك تقصير يا معاذ فاقطع لسانك عن إخوانك، وعن حملة القرآن، ولتكن ذنوبك عليك لا تحملها على إخوانك، ولا تزك نفسك بتذميم إخوانك، ولا ترفع نفسك بوضع إخوانك، ولا تراء بعملك، ولا تدخل من الدنيا في الاخرة، ولا تفحش في مجلسك لكي يحذروك بسوء خلقك، ولاتناج مع رجل وأنت مع آخر، ولا تتعظم على الناس فينقطع عنك خيرات الدنيا ولا تمزق الناس فتمزقك كلاب أهل النار، قال الله تعالى: " والناشطات نشطا " (1) أفتدري ما الناشطات ؟ كلاب أهل النار تنشط اللحم والعظم قلت: ومن يطيق هذه الخصال ؟ قال: يا معاذ أما إنه يسير على من يسره الله عليه. قال: وما رأيت معاذا يكثر تلاوة القرآن كما يكثر تلاوة هذا الحديث.

 

(1) النازعات: 2.

 

[355]

فلاح السائل: باسناده عن هارون بن موسى التلعكبري، عن أحمد بن محمد ابن عقدة، عن محمد بن سالم بن جبهان، عن عبد العزيز، عن الحسن بن علي، عن سنان عن عبد الواحد، عن رجل عن معاذ (1) مثله. 3 - كتاب جعفر بن محمد بن شريح: عن حميد بن شعيب، عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: أرايت هؤلاء الذين يرخصون في الصلاة. فلم جعل للاذان وقت، وللصلاة وقت ؟ إذا توجه إلى الصلاة فليكبر وليقل: اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت حتى يفرغ من تكبيره والكاذبون يقولون ليست صلاة كذبوا عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين. بيان: ليست صلاة لعل المعنى أنهم يقولون ليست التكبيرات داخلة في الصلاة ولا استحباب فيها. ومن الكتاب المذكور عن حميد، عن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رجلا دخل مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله ورسول الله جالس فقام الرجل يصلي فكبر ثم قرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: عجل العبد على ربه ثم دخل رجل آخر فصلى على محمد وآله وذكر الله وكبر وقرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: سل تعط. 4 - العلل: عن علي بن حاتم، عن القاسم بن محمد، عن حمدان بن الحسين عن الحسين بن الوليد، عن الحسين بن إبراهيم، عن محمد بن زياد، عن هشام بن الحكم، عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: قلت له: لاي علة صار التكبير في الافتتاح سبع تكبيرات أفضل ؟ ولاي علة يقال: في الركوع " سبحان ربي العظيم وبحمده " ويقال: في السجود " سبحان ربي الاعلى وبحمده " ؟ قال: يا هشام إن الله تبارك وتعالى خلق السماوات سبعا والارضين سبعا، والحجب سبعا، فلما اسري بالنبي صلى الله عليه وآله وكان من ربه كقاب قوسين أو أدنى، رفع له حجاب من حجبه فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله وجعل يقول الكلمات التي يقال في الافتتاح، فلما رفع له الثاني كبر فلم يزل كذلك حتى بلغ سبع حجب وكبر سبع تكبيرات، فلذلك

 

(1) فلاح السائل ص 121 - 124.

 

[356]

العلة تكبر للافتتاح في الصلاة سبع تكبيرات. فلما ذكر ما رأى من عظمة الله، ارتعدت فرائصه فانبرك على ركبتيه وأخذ يقول: " سبحان ربي العظيم وبحمده " فلما اعتدل من ركوعه قائما نظر إليه في موضع أعلى من ذلك الموضع، خر على وجهه وجعل يقول: " سبحان ربي الاعلى وبحمده " فلما قال سبع مرات سكن ذلك الرعب، فلذلك جرت به السنة (1). بيان: " وجعل يقول الكلمات " لعلها كلمات اخر سوى ما نقل إلينا، أو المراد هذه الادعية المنقولة وخفف علينا بأن نقرأها بعد الثلاث والخمس والسبع، وكان صلى الله عليه وآله يقرؤها بعد كل تكبير، " والانبراك " هنا اطلق على الركوع مجازا " نظر إليه " الضمير راجع إلى عظمة الله بتأويل أو إليه تعالى على حذف المضاف، أو على المجاز، أو راجع إلى ما رأى، ويدل على استحباب تكرار ذكر السجود سبع مرات. 5 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن النضر وفضالة معا، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان في الصلاة وإلى جانبه الحسين بن علي عليه السلام فكبر رسول الله صلى الله عليه وآله فلم يجد الحسين التكبير، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله يكبر ويعالج الحسين التكبير فلم يجده حتى أكمل سبع تكبيرات، فأجاد الحسين عليه السلام التكبير في السابعة، فقال أبو عبد الله عليه السلام: وصارت سنة (2). ومنه: بالاسناد المتقدم عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وآله إلى الصلاة وقد كان الحسين ابن علي عليه السلام أبطأ عن الكلام حتى تخوفوا أن لا يتكلم، وأن يكون به خرس، فخرج به رسول الله صلى الله عليه وآله حامله على عنقه، وصف الناس خلفه، فأقامه رسول الله صلى الله عليه وآله على يمينه، فافتتح رسول الله صلى الله عليه وآله الصلاة فكبر الحسين (3) حتى كبر رسول الله صلى الله عليه وآله سبع

 

(1) علل الشرايع ج 2 ص 22. (2) علل الشرايع ج 2 ص 21. (3) ولم يكبر الحسين ظ، ولكن رواه في الفقيه ج 1 ص 199، وفيه: " فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله تكبيره عاد فكبر وكبر الحسين عليه السلام " الخ.

 

[357]

تكبيرات وكبر الحسين عليه السلام فجرت السنة بذلك. قال زرارة: فقلت لابي جعفر عليه السلام فكيف نصنع ؟ قال: تكبر سبعا، وتسبح سبعا، وتحمد الله وتثني عليه ثم تقرأ (1). توضيح: اعلم أنه لا خلاف بين الاصحاب في استحباب الافتتاح بسبع تكبيرات واختلفوا في عمومها، فذهب المحقق وابن إدريس والشهيد - ره - وجماعة إلى العموم وبعضهم نص على شمول النوافل أيضا، وقال المرتضى - ره - باختصاصها بالفرائض دون النوافل، وابن الجنيد خصها بالمنفرد. وقال المفيد في المقنعة: يستحب التوجه في سبع صلوات، وقال الشيخ في التهذيب (2): ذكر ذلك علي بن الحسين بن بابويه في رسالته ولم أجد بها خبرا مسندا وتفصيلها ما ذكره أول كل فريضة وأول ركعة من صلاة الليل، وفي المفردة من الوتر وفي أول كل ركعة من ركعتي الزوال وفي أول ركعة من نوافل المغرب، وفي أول ركعة من ركعتي الاحرام، فهذه الستة مواضع ذكرها علي بن الحسين وزاد الشيخ يعني المفيد الوتيرة (3) والاول أظهر لعموم الاخبار. ثم إنه لا خلاف بينهم في أن المصلي مخير في جعل أي السبع شاء تكبيرة الافتتاح، وذكر الشيخ في المصباح أن الاولى جعلها الاخيرة، وتبعه في ذلك جماعة ولم يظهر لهم مستند إلا كون دعاء التوجه بعدها، وهو لا يصلح دليلا. وظاهر خبر الحسين عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله جعلها الاولى، ولذا ذهب بعض المحدثين إلى أن تعيين الاولى متعين، ويمكن المناقشة فيه بأن كون أول وضعها كذلك لا يستلزم استمرار هذا الحكم، مع أن العلل الواردة فيها كثيرة، وساير العلل لا يدل على شئ. وكان الوالد قدس سره يميل إلى أن يكون المصلي مخيرا بين الافتتاح بواحدة

 

(1) علل الشرايع ج 2 ص 21. (2) التهذيب ج 2 ص 94 ط نجف. (3) المقنعة ص 17. (*)

 

[358]

وثلاث وخمس وسبع، ومع اختيار كل منها يكون الجميع فردا للواجب المخير كما قيل في تسبيحات الركوع والسجود، وهذا أظهر من أكثر الاخبار كما لا يخفى على المتأمل فيها، بل بعضها كالصريح في ذلك. فما ذكروه من أن كلا منها قارنتها النية فهي تكبيرة الاحرام، إن أرادوا نية الصلاة، فهي مستمرة من أول التكبيرات إلى آخرها مع أنهم جوزوا تقديم النية في الوضوء عند غسل اليدين، لكونه من مستحبات الوضوء فأي مانع من تقديم نية الصلاة عند أول التكبيرات المستحبة فيها، وإن أرادوا نية كونها تكبيرة الاحرام فلم يرد ذلك في خبر. وعمدة الفائدة التي تتخيل في ذلك جواز إيقاع منافيات الصلاة في أثناء التكبيرات، وهذه أيضا غير معلومة، إذ يمكن أن يقال بجواز إيقاع المنافيات قبل السابعة، وإن قارنت نية الصلاة الاولى، لان الست من الاجزاء المستحبة أو لانه لم يتم الافتتاح بعد بناء على ما اختاره الوالد رحمه الله لكنهم نقلوا الاجماع على ذلك وتخيير الامام في تعيين الواحدة التي يجهر بها يومي إلى ما ذكروه، إذ الظاهر أن فائدة الجهر علم المأمومين بدخول الامام في الصلاة. فالاولى والاحوط رعاية الجهتين معا بأن يتذكر النية عند واحدة منها، ولا يوقع مبطلا بعد التكبيرة الاولى، ولولا ما قطع به الاصحاب من بطلان الصلاة إذا قارنت النية تكبيرتين منها لكان الاحوط مقارنة النية للاولى والاخيرة معا. ثم ظاهر العلامة وجماعة أن موضع دعاء التوجه عقيب تكبيرة الافتتاح أيتها كانت، وظاهر الاخبار تعقيبه السابعة، وإن نوى بالافتتاح غيرها، وهو عندي أقوى. قوله عليه السلام في الخبر الاول " فلم يجد " على بناء الافعال من الاجادة بمعنى إيقاعه جيدا، وفي بعص النسخ " فلم يحر " بالحاء والراء المهملتين من قولهم ما أحار جوابا أي مارد والابطاء عن الكلام لعله كان عند الناس لورود الاخبار الكثيرة بتكلمهم عليهم السلام عند الولادة، بل في الرحم، وكذا التخوف كان من الناس لا منه عليه السلام.


 

[359]

6 - العلل: بالاسناد المتقدم عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن جبير، عن زيد الشحام، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قلت له: ما الافتتاح ؟ فقال تكبيرة تجزيك، قلت: فالسبع ؟ قال ذاك الفضل (1). 7 - الاحتجاج: كتب الحميري إلى القائم عليه السلام يسأل عن التوجه للصلاة أن يقول على ملة إبراهيم ودين محمد صلى الله عليه وآله فان بعض أصحابنا ذكر أنه إذا قال على دين محمد فقد أبدع لانا لم نجده في شئ من كتب الصلاة، خلا حديثا واحدا في كتاب القاسم بن محمد عن جده الحسن بن راشد أن الصادق عليه السلام قال للحسن: كيف تتوجه ؟ قال أقول لبيك وسعديك، فقال له الصادق عليه السلام: ليس عن هذا أسألك كيف تقول " وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا مسلما " قال الحسن: أقوله: فقال له الصادق عليه السلام: إذا قلت ذلك فقل: " على ملة إبراهيم ودين محمد ومنهاج علي بن أبي طالب والايتمام بآل محمد حنيفا مسلما وما أنا من المشركين ". فأجاب عليه السلام التوجه كله ليس بفريضة، والسنة المؤكدة فيه التي هي كالاجماع الذي لا خلاف فيه " وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض حنيفا مسلما على ملة إبراهيم ودين محمد وهدى أمير المؤمنين وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك امرت وأنا من المسلمين، اللهم اجعلني من المسلمين أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم " ثم يقرء الحمد. قال الفقيه الذي لا يشك في علمه: الدين لمحمد والهداية لعلي أمير المؤمنين لانها له عليه السلام وفي عقبه باقية إلى يوم القيامة، فمن كان كذلك فهو من المهتدين، ومن شك فلا دين له، ونعوذ بالله من الضلالة بعد الهدى (2). 8 - العيون والخصال: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن عبد الله الخلنجي، عن الحسن بن راشد قال: سألت الرضا عليه السلام عن تكبيرات الافتتاح فقال:

 

(1) علل الشرايع ج 2 ص 21. (2) الاحتجاج ص 271.

 

[360]

سبع قلت: روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه كان يكبر واحدة فقال إن النبي صلى الله عليه وآله كان يكبر واحدة يجهر بها ويسر ستا (1). 9 - الخصال: عن أبيه، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن بكير، عن زرارة قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام وسمعته استفتح الصلاة بسبع تكبيرات ولاء (2). ومنه: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير عن حماد، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كنت إماما فانه يجزيك أن تكبر واحدة تجهر بها وتسر ستا (3). ومنه: عن أبيه، عن سعد، عن يعقوب بن يزيد، عن حماد، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: أدنى ما يجزي من التكبير في التوجه إلى الصلاة تكبيرة واحدة، وثلاث تكبيرات، وخمس، وسبع أفضل (4). ايضاح: قال الشهيد قدس سره في الذكرى والنفلية وغيره: يستحب للامام الجهر بتكبيرة الافتتاح ليعلم من خلفه افتتاحه والاسرار للمأموم أما المنفرد فله الخيرة في ذلك، وأطلق الجعفي رفع الصوت بها، والتوجه بست غيرها أو أربع أو اثنتين والدعاء بينها، ويجوز الولاء بينها بغير دعاء، وذكروا استحباب إسرار الامام بغير تكبيرة الاحرام. 10 - الخصال: في خبر الاعمش عن الصادق عليه السلام قال يقال في افتتاح الصلاة: تعالى عرشك، ولا يقال: تعالى جدك (5). ومنه: قال: قال أبي - رض - في رسالته إلى: من السنة التوجه في ست صلوات، وهي أول ركعة من صلاة الليل، والمفردة من الوتر، وأول ركعة من ركعتي الزوال، وأول ركعة

 

(1) عيون الاخبار ج 1 ص 278، الخصال ج 2 ص 4. (2 - 4) الخصال ج 2 ص 5. (5) الخصال ج 2 ص 151.

 

[361]

من ركعتي الاحرام، وأول ركعة من نوافل المغرب وأول ركعة من الفريضة (1). بيان: اعترف الاصحاب بعدم النص في ذلك لكنه موجود في الفقه الرضوي كما سيأتي، ويمكن حمله على تأكد الاستحباب في تلك المواضع لا نفيه في غيرها. 11 - الخصال: عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن محمد بن يحيى العطار، عن محمد ابن أحمد بن يحيى الاشعري، عن موسى بن عمر، عن عبد الله بن المغيرة، عن صباح المزني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: تكبيرات الصلاة خمس و تسعون تكبيرة في اليوم والليلة منها تكبيرة القنوت (2). بيان: استدل به على نفي ما ذهب إليه المفيد من استحباب التكبير عند القيام من التشهد الاول بدلا من تكبير القنوت، فانها تكون حينئذ أربعا وتسعين، مع التصريح فيه بتكبير القنوت، وسيأتي القول فيه. 12 - العلل: عن علي بن حاتم، عن إبراهيم بن علي، عن أحمد بن محمد الانصاري عن الحسين بن علي العلوي، عن أبي حكيم الزاهد، عن أحمد بن عبد الله قال: قال رجل لامير المؤمنين عليه السلام: يا ابن عم خير خلق الله ما معنى رفع يديك في التكبيرة الاولى ؟ فقال عليه السلام قوله " الله أكبر " يعني الواحد الاحد الذي ليش كمثله شئ لا يقاس بشئ، ولا يلبس بالاجناس، ولا يدرك بالحواس، قال الرجل: ما معنى مد عنقك في الركوع ؟ قال: تأويله آمنت بوحدانيتك، ولو ضربت عنقي (3). 13 - مجالس ابن الشيخ: عن والده السعيد، عن محمد بن محمد بن مخلد، عن عبد الواحد ابن محمد، عن أحمد بن زياد السمسار، عن أبي نعيم، عن قيس بن سليم، عن علقمة بن وائل عن أبيه، قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وآله فكبر حين افتتح الصلاة، ورفع يديه حين أراد الركوع وبعد الركوع (4).

 

(1) الخصال ج 1 ص 162. (2) الخصال ج 2 ص 145. (3) علل الشرايع ج 2 ص 10. (4) أمالي الطوسى ج 1 ص 394.

 

[362]

ومنه: عن أبيه عن هلال بن محمد الحفار، عن إسماعيل بن علي الدعبلي، عن أبيه عن أبي مقاتل الكشى، عن أبي مقاتل السمرقندي، عن مقاتل بن حيان، عن الاصبغ ابن نباته، عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: لما نزلت على النبي صلى الله عليه وآله " فصل لربك وانحر " قال: يا جبرئيل ما هذه النحيرة التي أمر بها ربى ؟ فقال: يا محمد إنها ليست نحيرة ولكنها رفع الايدي في الصلاة (1). 14 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه قال: على الامام أن يرفع يديه في الصلاة، وليس على غيره أن يرفع يديه في التكبير (2). بيان: حمل الشيخ في التهذيب (3) هذا الخبر على أن فعل الامام أكبر فضلا وأشد تأكيدا، وإن كان فعل المأموم أيضا فيه فضل، واستدل به على عدم وجوب الرفع مطلقا لعدم القائل بالفصل بين الامام وغيره. 15 - العلل والعيون: عن عبد الواحد بن عبدوس، عن علي بن محمد بن قتيبة، عن الفضل بن شاذان فيما روي من العلل، عن الرضا عليه السلام فان قال: فلم بدأ بالاستفتاح والركوع والسجود والقيام والقعود بالتكبير ؟ قيل: للعلة التي ذكرناها في الاذان. فان قال: فلم جعل الدعاء في الركعة الاولى قبل القراءة، ولم جعل في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة ؟ قيل: لانه أحب أن يفتح قيامه لربه وعبادته بالتحميد والتقديس والرغبة والرهبة ويختمه بمثل ذلك، ليكون في القيام عند القنوت طول فأحرى أن يدرك المدرك الركوع فلا تفوته الركعة في الجماعة. فان قال: فلم جعل التكبير في الاستفتاح سبع مرات ؟ قيل: إنما جعل ذلك لان التكبير في الركعة الاولى هي الاصل سبع تكبيرات، تكبيرة الاستفتاح وتكبيرة الركوع، وتكبيرتين في السجود وتكبيرة أيضا للركوع، وتكبيرتين للسجود، فإذا كبر الانسان أول الصلاة سبع تكبيرات فقد أحرز التكبير كله، فان سهى في شئ منها أو

 

(1) أمالي الطوسي ج 1 ص 386. (2) قرب الاسناد ص 95 ط حجر 125 ط نجف. (3) التهذيب ج 1 ص 218.

 

[363]

تركها لم يدخل عليه نقص في صلاته. فان قال: فلم يرفع اليدان في التكبير ؟ قيل: لان رفع اليدين هو ضرب من الابتهال والتبتل والتضرع، فأوجب الله عزوجل أن يكون العبد في وقت ذكره متبتلا متضرعا مبتهلا، ولان في رفع اليدين إحضار النية، وإقبال القلب على ما قال و قصد (4). بيان: قوله عليه السلام: " فأحرى " أي أليق وأنسب، ولعله علة اخرى، ويؤيده أن في بعض النسخ " واخرى " قوله عليه السلام " إنما جعل " في العلل قبل ذلك زيادة " قيل: لان الفرض منها واحد وسايرها سنة، وإنما جعل " الخ - والحاصل أن التكبيرات الافتتاحية في الصلاة التي فرضت أولا وهي ركعتان سبع أولها تكبيرة الافتتاح وهي افتتاح الصلاة، والثانية افتتاح الركوع، والثالثة افتتاح السجدة الاولى، والرابعة افتتاح السجدة الثانية، وكذا في الركعة الثانية ثلاث تكبيرات، لافتتاح الركوع، وكل من السجدتين، فجعلت الست لتدارك نسيان ما سيأتي من التكبيرات، وأما تكبيرة الاحرام فهي أول الفعل لا تنسى، وتكبيرات الرفع من السجدتين لما لم تكن للافتتاح لم يكن فيها من الفضل ما كان في الافتتاحية، فلذا لم يقدم لها تكبير. وفي العلل بعد قوله " نقص في صلاته " زيادة وهي هذه " كما قال أبو جعفر و أبو عبد الله عليهما السلام: من كبر أول صلاته سبع تكبيرات أجزأه ذلك وإنما عنى بذلك إذا تركها ساهيا أو ناسيا ". قال مصنف هذا الكتاب غلط الفضل أن تكبيرة الاحرام فريضة، وإنما هي سنة واجبة انتهى. وأقول: لعل الفضل استدل بقوله تعالى " وربك فكبر " على وجوبها فحكم بكونها فريضة، والقرينة عليه بطلان الصلاة بتركها سهوا، وهذا من خواص الفريضة وفي العلل بعد قوله " وقصد " لان الغرض من الذكر إنما هو الاستفتاح، وكل سنة فانها تؤدى على جهة الفرض، فلما أن كان في الاستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين

 

(1) علل الشرايع ج 1 ص 247 و 251، عيون الاخبار ج 2 ص 108 - 111 متفرقا.

 

[364]

أحب أن يؤدوا السنة على جهة ما يؤدوا الفرض " انتهى والتبتل الانقطاع عن الخلق والاتصال بجنابه سبحانه، والاقبال على عبادته، والتضرع والابتهال، المسكنة والمبالغة في الدعاء، وتطلق على معان اخرى أوردناها في كتاب الدعاء لا يناسب المقام. وحاصل الكلام أن في وقت ذكره تعالى التضرع والابتهال مناسب مطلوب لا سيما وقت هذا الذكر المخصوص، أعني تكبيرة الافتتاح لانه وقت إحضار نية الصلاة والاخلاص القربة وقطع النظر عن جميع الاغراض، فناسب رفع اليد إلى الله و نفض اليد عما سواه، وتنزيهه عن مشابهة من عداه. ثم لما كانت هذه الوجوه مخصوصة بتكبيرة الاحرام بين الوجه في التكبيرات الاخر بأن السنة تابعة للفريضة في الكيفية، فلذا ترفع اليدان في ساير التكبيرات، وإن لم يكن فيها كمال تلك الوجوه، وإنما قلنا كمال تلك الوجوه إذ يمكن إجراء شئ منها فيها كما لا يخفى، وفيه دلالة على وجوب النية ومقارنتها لتكبيرة الاحرام. 16 - المحاسن: عن أبيه، عن محمد بن إسماعيل رفعه إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: قال النبي صلى الله عليه وآله لعلى عليه السلام: عليك برفع يديك إلى ربك وكثرة تقليبهما (1). 17 - فقه الرضا: قال العالم عليه السلام: إن رجلا أتى المسجد فكبر حين دخل ثم قرأ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: أعجل العبد ربه، ثم أتى رجل آخر فحمد الله وأثنى عليه، ثم كبر فقال صلى الله عليه وآله: سل تعط (2). وسألته عن أخف ما يكون من التكبير قال: ثلا تكبيرات: قال: ولا بأس بتكبيرة واحدة (3). وذكر عليه السلام في وصف صلاة الليل: ثم افتتح الصلاة، وتوجه بعد التكبير فانه من السنة التوجه في ست صلوات وهي أول ركعة من صلاة الليل، والمفرد من الوتر، و

 

(1) المحاسن ص 17. (2) فقه الرضا ص 11 س 5. (3) فقه الرضا ص.

 

[365]

أول ركعة من ركعتي الزوال، وأول ركعة من نوافل المغرب، وأول ركعة من ركعتي الاحرام، وأول ركعة من ركعات الفرائض (1). الهداية: مرسلا مثله (2). 18 - المكارم ومصباح الشيخ: في القول عند التوجه إلى القبلة " اللهم إليك توجهت، ورضاك طلبت، وثوابك ابتغيت، وبك آمنت، وعلى توكلت، اللهم صل على محمد وآل محمد، وافتح مسامع قلبي لذكرك وثبتنى على دينك، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب " (3). أقول: قد مر الدعاء في باب أدعية دخول المسجد مسندا عن أبي محمد العسكري عليه السلام بأدني تغيير (7). 19 - فلاح السائل: إذا أتيت مصلاك فاستقبل القبلة وقل: " اللهم إني اقدم إليك محمدا نبيك نبي الرحمة وأهل بيته الاوصياء بين يدي حوائجي وأتوجه بهم إليك فاجعلني بهم عندك وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين، اللهم اجعل صلاتي بهم مقبولة، ودعائي بهم مستجابا، وذنبي بهم مغفورا، ورزقي بهم مبسوطا، وانظر إلي بوجهك الكريم نظرة أستكمل بها الكرامة والايمان، ثم لا تصرفه إلا بمغفرتك و توبتك، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب اللهم إليك توجهت ورضاك طلبت وثوابك ابتغيت وبك آمنت وعليك توكلت، اللهم أقبل إلى بوجهك وأقبل إليك بقلبي، اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك الحمد لله الذي جعلني ممن يناجيه، اللهم لك الحمد على ما هديتني، ولك الحمد على ما فضلتني، ولك الحمد على كل بلاء حسن أبليتني، اللهم تقبل صلاتي وتقبل دعائي، واغفر لي وارحمني

 

(1) فقه الرضا ص 13. (2) الهداية ص 38. (3) مكارم الاخلاق ص 344. (4) راجع ص 27 من هذا المجلد. (*)

 

[366]

وتب علي إنك أنت التواب الرحيم " (1). 20 - أقول: قد مر في كتاب التوحيد أن رجلا قال عند الصادق عليه السلام: " الله أكبر " فقال " الله أكبر من أي شئ ؟ فقال: من كل شئ، فقال أبو عبد الله عليه السلام: حددته فقال الرجل: كيف أقول ؟ فقال: قل: الله أكبر من أن يوصف (2). 21 - فلاح السائل: روى أبو جعفر بن بابويه في كتاب زهد أمير المؤمنين عليه السلام باسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال: كان علي إذا قام إلى الصلاة فقال: " وجهت وجهي للذي فطر السموات والارض " تغير لونه حتى يعرف ذلك في وجهه (3). وباسناده إلى التلعكبري عن محمد بن همام، عن عبد الله بن العلا المذاري، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن حماد، عن حريز، عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: افتتح في ثلاثة مواطن بالتوجه والتكبير: في أول الزوال، وصلاة الليل، والمفردة من الوتر، وقد يجزيك فيما سوى ذلك من التطوع أن تكبر تكبيرة واحدة لكل ركعتين (4). وقد روينا السبع تكبيرات باسنادنا إلى كتاب ابن خانبة. ومنه: قال: ويقول بعد ثلاث تكبيرات من تكبيرات الافتتاح ما رواه الحلبي وغيره عن الصادق عليه السلام " اللهم أنت الملك الحق لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك عملت سوء وظلمت نفسي فاغفر لي ذنبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " ثم يكبر تكبيرتين و يقول: " لبيك وسعديك، والخير في يديك، والشر ليس إليك، والمهدي من هديت، عبدك وابن عبديك، بين يديك، منك وبك ولك وإليك، لا ملجا ولا منجا ولا مفر منك إلا إليك، سبحانك وحنانيك، تباركت وتعاليت سبحانك رب البيت الحرام " ثم يكبر تكبيرتين اخريين كما أشرنا إليه.

 

(1) فلاح السائل ص 92. (2) الحديث في الكافي ج 1 ص 117. (3) فلاح السائل ص 101. (4) فلاح السائل ص 130.

 

[367]

ثم يتوجه كما كنا نبهنا عليه ويقول: " وجهت وجهي للذي فطر السموات و الارض على ملة إبراهيم ودين محمد ومنهاج على حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك امرت وأنا من المسلمين أعوذ بالله من الشيطان الرجيم " (1). توضيح: قال الكفعمي: الملك هو التام الملك الجامع لاصناف المملوكات أو المتصرف بالامر والنهي في المأمورين، أو الذي يستغني في ذاته عن كل موجود في ذاته وصفاته انتهى، وقيل: هو القادر العظيم الشأن الذي له التسلط على ما سواه بالايجاد والافناء الحق الثابت الذي لا يعتريه الزوال والانتقال. وقال في النهاية: الحق هو الموجود حقيقة المتحقق وجوده وإلهيته، والحق ضد الباطل وفي رواية الكفعمي وغيره بعد ذلك المبين، وهو المظهر حكمته بما أبان من تدبيره وأوضح من بنيانه أو الذي أظهر الاشياء وأخرجها من العدم. " لبيك وسعديك " أي إقامة على طاعتك بعد إقامة، وإسعادا لك بعد إسعاد، يعني مساعدة على امتثال أمرك بعد المساعدة وفي النهاية: " لبيك " أي إجابتي لك يا رب، وهو مأخوذ من لب بالمكان وألب إذا أقام به، وألب على كذا إذا لم يفارقه، ولم يستعمل إلا على لفظ التثنية في معنى التكرير أي إجابة بعد إجابة، وهو منصوب على المصدر بعامل لا يظهر كأنك قلت: الب إلبابا بعد إلباب، وقيل: معناه اتجاهي وقصدي يا رب إليك من قولهم: داري تلب دارك أي تواجهها، وقيل: معناه إخلاصي لك من قولهم حسب لباب إذا كان خالصا محضا، ومنه لب الطعام ولبابه انتهى وزاد في القاموس معنى آخر قال: أو معناه محبتي لك. من امرءة لبة: محبة زوجها. وفي النهاية: " سعديك " أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة، وإسعاد بعد إسعاد ولهذا ثنى وهو من المصادر المنصوبة بفعل لا يظهر في الاستعمال، قال الجرمي لم يسمع سعديك مفردا انتهى " والخير في يديك " أي بقدرتك أو بنعمتك وإحسانك أو بهما أو ببسطك وقبضك، فانهما محض الخير إذا كانا منك أو النعماء الظاهرة والباطنة كل ذلك

 

(1) فلاح السائل 227.

 

[368]

ذكره الوالد قدس سره. ويحتمل أن يكون المراد القدرة على الضر والنفع والبلية والنعمة إذعانا بأن كل ما يصل من الله إلى العبد من الصحة والمرض والغنا والفقر والحياة والموت وأشباهها فهو محض الخير والمصلحة وأكده بقوله " والشر ليس إليك " أي لا ينسب إليك بل هو منسوب إلينا لسوء أعمالنا وضعف قابليتنا وما ينسب إليك من ذلك فهو محض الخير و النفع والجود " والمهدي " بالهداية الخاصة " من هديت " كما قال تعالى: كلكم ضال إلا من هديت " عبدك " مبتدء والظرف خبره، أو خبر مبتدأ محذوف، أي أنا عبدك فالظرف خبر بعد خبر أو حال. وإنما قال " وابن عبديك " إظهارا لغاية الافتقار والاضطرار إليه سبحانه للاستعطاف، وقيل: إنما قال ذلك لان في الشاهد أولاد العبيد أعز عندهم من العبد الجديد " بين يديك " أي تحت قدرتك راض بكل ما تفعله به، أو واقف بين يديك متوجه إليك للعبادة " منك " أي وجوده وحياته منك " وبك " أي بقاؤه وجميع أموره بفضلك وقدرتك " والخيرات " الصادرة منه من الافعال والتروك بحولك و قوتك وعونك وهدايتك " ولك " أي مملوك لك أو أعماله خالصة لك " وإليك " أي مرجعه في الدنيا والاخرة إليك " لا ملجأ ولا منجا ولا مفر " الثلاثة إما مصادر أي ليس التجاؤه ونجاته وفراره منك ومن عقابك وعذابك إلا إليك إذ لا يقدر أحد غيرك على أن يخلصه مما تريده به، أو أسماء مكان، أي ليس محل الالتجاء والنجاة والفرار منك إلا إليك. " سبحانك وحنانيك " والحنان بالتخفيف الرحمة أي انزهك عما لا يليق بك تنزيها والحال أني أسألك رحمة بعد رحمة، أي أنا أبدا محتاج إلى رحمتك، فان الامكان علة للاحتياج ولا ينفك عني أبدا " تباركت " أي كثر خيرك من البركة وهي كثرة الخير أو تزايدت عن كل شئ وتعاليت عنه في صفاتك وأفعالك، فان البركة تتضمن معني الزيادة أو دمت من بروك الطير على الماء.


 

[369]

وقال الطبرسي رحمه الله في قوله تعالى " تبارك الذي نزل الفرقان " (1) تفاعل من البركة معناه عظمت بركاته وكثرت عن ابن عباس، والبركة الكثرة في الخير. وقيل: معناه تقدس وجل بما لم يزل عليه من الصفات ولا يزال وقيل معناه قام بكل بركة وجاء بكل بركة " سبحانك رب البيت " أي انزهك عن أن تكون في جهة من الجهات وأن يكون البيت الذي توجهت إليه مسكنك وتحتاج إليه بل أنت ربه خلقته وكرمته وتعبدت الخلايق بالتوجه إليه. " وجهت وجهي " أي وجه قلبي " للذي فطر السماوات والارض " أو وجه جسدي إلى بيته والجهة التي أمرني بالتوجه إليها، والفطر الابتداء والاختراع والايجاد بعد العدم، قال ابن عباس ماكنت أدري فاطر السماوات والارض حتى احتكم إلى أعرابيان في بئر فقال أحدهما أنا فطرتها (2) أي ابتدأت حفرها، والصلاة إما لبيان أنه لا يستحق العبادة إلا من كان خالقا لجميع الموجودات فكأنه قال إنما صرفت وجهي وتوجهت بشراشري إلى الله وأخلصت العبادة له وأعرضت عما سواه، لانه خالق السماوات والارض، ومن كان خالقا لهما فهو خالق لما سواهما، أو المراد بخالقهما خالقهما وخالق ما فيهما، أو هي للاشعار بأن توجهي إلى تلك الجهة ليس لكونه تعالى فيها بل لانه خالق الارض والسماوات، وجميع الجهات، وخالق المكان لا يجوز أن يكون فيه أو محتاجا إليه. وفي بعض الروايات بعد ذلك " عالم الغيب والشهادة " أي أخلص العبادة للذي لا يخفى عليه شئ ويعلم ما ظهر للحواس وما غاب عنها، ومن كان كذلك يستحق العبادة، أو لابد من الاخلاص في عبادته لانه عالم بالبواطن، أو المعنى أنه ليس في شئ من الاماكن ذاتا حاضر في جميعها علما وتدبيرا وتأثيرا وقدرة، فنسبته إلى الجميع على السواء لكونه خالقا للجميع مربيا لها وعالما بها وليس في شئ منها. " على ملة إبراهيم " أي التوحيد التام الخالص في الظاهر والباطن، وهو ملل

 

(1) الفرقان: 1، راجع مجمع البيان ج 7 ص 160. (2) أي شققتها.

 

[370]

جميع الانبياء وإنما نسب إليه صلى الله عليه وآله لتشريفه، ولان ذلك ظهر منه أكثر من غيره، وهو حال من فاعل وجهت أي حال كوني على ملة إبراهيم، أو قائم مقام المصدر أي توجها كائنا على ملة إبراهيم مطابقا لها، والاول أظهر. " ودين محمد صلى الله عليه وآله وشريعته " اصولا وفروعا " ومنهاج على " وطريقته المطابقة لمنهاج الرسول صلى الله عليه وآله وإنما نسب إليه لظهوره منه بسببه وبسبب الائمة من ذريته صلوات الله عليهم للخلق. " حنيفا مسلما " هما حالان أيضا من الضمير في وجهت، والحنيف المائل عن الباطل إلى الحق أي مائلا عن الاديان الباطلة والطرايق المبتدعة وعن التوجه إلى غير جناب قدسه تعالى والمسلم المنقاد لاوامره ونواهيه " وما أنا من المشركين " بالشرك الظاهر والخفى، وقد مر تفسير البواقي وما دل عليه هذا الدعاء هو الاخلاص المطلوب في الصلاة وسائر العبادات، فالقصد مقدم على التكبير لانه الباعث على الفعل والتلفظ بعده تأكيدا لما قصده. 22 - الكافي: بسنده عن صفوان الجمال قال: شهدت أبا عبد الله عليه السلام واستقبل القبلة قبل التبكير وقال: اللهم لا تؤيسني من روحك، ولا تقنطني من رحمتك، ولا تؤمني مكرك، فانه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون " (1). وبسنده الصحيح عن علي بن النعمان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول من قال هذا القول كان مع محمد وآل محمد إذا قام من قبل أن يستفتح الصلاة " اللهم إني أتوجه إليك بمحمد وآل محمد، واقدمهم بين يدي صلاتي وأتقرب بهم إليك، فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين، أنت مننت علي بمعرفتهم فاختم لي بطاعتهم ومعرفتهم وولايتهم، فانها السعادة فاختم لي بها فانك على كل شئ قدير " (2). وبسند صحيح، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا قمت إلى الصلاة فقل: اللهم إني اقدم إليك محمدا صلى الله عليه وآله بين يدي حاجتي وأتوجه به إليك فاجعلني به وجيها عندك

 

(1 - 2) الكافي ج 2 ص 544.

 

[371]

في الدنيا والاخرة ومن المقربين، واجعل صلاتي به مقبولة، وذنبي به مغفورا، ودعائي به مستجابا، إنك أنت الغفور الرحيم (1). بيان: " اللهم إني اقدم إليك محمدا " أي أسألك بحقه أو أجعله شفيعي " اجعل صلاتي به " أي بشفاعته أو بسبب متابعته أو بتوسلي به " إنك أنت الغفور الرحيم " أي لا يقدر على المغفرة والرحمة غيرك. أقول: في بعض الكتب إني اقدم إليك محمدا وآل محمد صلى الله عليه وعليهم بين حوائجي " ثم ساير الضمائر بصيغة الجمع، روى السيد ابن الباقي في اختياره الدعاء الاول عن أمير المؤمنين عليه السلام إلى قوله إنك على كل شئ قدير، وزاد بعده " اللهم اجعلني مع محمد وآل محمد في كل عافية وبلاء، وفي كل مثوى ومنقلب، اللهم اجعل محياي محياهم، ومماتي مماتهم، واجعلني معهم في المواطن كلها، ولا تفرق بيني وبينهم إنك على كل شئ قدير ". 23 - المنتهى: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى. ومنه ومن المعتبر قال الرضا عليه السلام: لا عمل إلا بنية (2). 24 - السرائر: نقلا من كتاب حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا قران بين صلاتين، ولا قران بين فريضة ونافلة (3). بيان: يدل على عدم جواز صلاتين بنية واحدة سواء كانا فرضين أو نقلين أو مختلفين، ولا خلاف فيه بين الاصحاب، ثم إن هذه الاخبار مما استدل به على وجوب النية بعد الايات السالفة، ولا خلاف في وجوبها في الجملة بين المسلمين، وإنما اختلف في اجزائها، ولا خلاف في وجوب نية القربة بأحد معانيها، بأن يكون غرضه الواقعي وغاية فعله إما طاعة الامر أو شكر المنعم، أو حبا له أو لكونه أهلا له، أو

 

(1) الكافي ج 2 ص 544. (2) المعتبر ص 36. (3) السرائر ص 472.

 

[372]

لتحصيل المثوبات الاخروية على الاظهر، والحاصل أن لا يكون باعثه على الفعل رثاء الناس والتقرب إلى المخلوقين. قال أبو الصلاح: يستحب أن يرجو بفعلها مزيد الثواب والنجاة من العقاب، وليقتدى به ويرغم الضالون انتهى، وأما حصول المنافع الدنيوية من الله تعالى فلا يمكن الجزم ببطلان عمل قرن بهذه النية فان صلوات الحاجة من جملة العبادات مع أنه لا يمكن أن يتصور خلوص المصلي عن حصول هذا المطلب الذي يصلي له وورد في كثير من الاخبار أن صلاة الليل مثلا يزيد في الرزق، وبعد سماع ذلك يشكل خلوص النية عنه، وقد مر تفصيل ذلك في باب الاخلاص. وأمانية الوجوب والندب والاداء والقضاء، فقد ذكر الاكثر وجوبها، بل ادعى بعضهم الاجماع عليها، وعندي في جميع ذلك نظر لعدم دليل من النصوص عليه، نعم لا يبعد وجوب تعيين الفعل الذي يأتي به بحيث يتميز عن غيره، وهذا أمر قلما ينفك عنه المكلف، فان من يقوم إلى قريضة الظهر تتعين عنده نوعا من التعين ثم يقصده وقصد إيقاع الفعل أيضا شئ لا ينفك عنه الفاعل بالارادة والاختيار. وأما القربة فهي أصعب الامور ولا يتيسر تصحيحها عند إرادة الصلاة، بل يتوقف على مجاهدات عظيمة وتفكرات صحيحة، وإزالة حب الدنيا والاموال والاعتبارات الدنيوية عن النفس، والتوسل في جميع ذلك بجناب الحق تعالى ليتيسر له إحدى المعاني السابقة بحسب استعداده وقابليته، وما صادفه من توفيق الله وهدايته فان كلا يعمل على شاكلته، ونية كل امرئ تابع لما استقر في قلبه من حب الله وأحب الدنيا أو حب الجاه أو المال أو غير ذلك، وقلع عروق هذه الاغراض عن النفس في غاية العسر والاشكال، ومعها تصحيح النية من قبيل المحال، ولذا ورد " نية المؤمن خير من عمله " والمراد إخلاص القصد من أغراضه وعلله، ولما جعل أكثر الخلق خطور البال النية صاروا من هذا الاشكال والضيق في غايه الفسحة، فكم من عابد من أهل الدنيا يظن أن نيته خالصة لله، ولا يعبد في جميع عصره إلا نفسه وهواه، فيسعى غاية السعي فيما يحمده الناس من الطاعات، وإذا عرضت له عبادة لا يرتضيها الناس ولا يحمدون عليها


 

[373]

يصير عندها كالاموات، ومن تتبع أغراض النفوس وداءها ودواءها، يعرف ذلك بأدنى تأمل في أحوال نفسه، وإلا فلا يستيقظ من سنة هذه الغفلة إلا عند حلول رمسه، وفقنا الله وجميع المؤمنين لسلوك مسالك المتقين، وتحصيل نياتهم على اليقين. 25 - المجازات النبوية: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: لكل شئ وجه ووجه دينكم الصلاة، فلا يشينن أحدكم وجه دينه، ولكل شئ أنف وأنف الصلاة التكبير (1). توضيح: أي كما أن الانسان بلا أنف ناقص معيوب، فكذا الصلاة بغير تكبير مشوه قبيح، فلو حمل على ما يشمل تكبيرة الاحرام كان كناية عن البطلان، ولو كان المراد غيرها كان المراد نقصان الكمال، وفي أكثر روايات العامة أنفة قال في النهاية: فيه لكل شئ أنفة وأنفة الصلاة التكبيرة الاولى، أنفة الشئ ابتداؤه، هكذا روي بضم الهمزة، قال الهروي: والفصيح بالفتح. وقال السيد الرضي - رض - في شرح الخبر: وهذا القول مجاز، والمراد أن الصلاة يعرف بها جملة الدين كما أن الوجه يعرف بها جملة الانسان، لانها أظهر العبادات وأشهر المفروضات وجعل أنفها التكبير، لانه أول ما يبدو من أشراطها، ويسمع من أذكارها وأركانها. 26 - الذكرى: روى ابن أبي عقيل قال: جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله مر برجل يصلي وقد رفع يديه فوق رأسه، فقال: مالي أرى أقواما يرفعون أيديهم فوق رؤسهم كأنها آذان خيل شمس. المعتبر والمنتهى: عن علي عليه السلام مثله (2). بيان: روي المخالفون هذه الرواية في كتبهم، فبعضهم روى " آذان خيل " و بعضهم " أذناب خيل " قال في النهاية فيه مالي أراكم رافعي أيديكم في الصلاة كأنها أذناب خيل شمس هي جمع شموس، وهو النفور من الدواب الذي لا يستقر لشغبه وحدته انتهى، والعامة حملوها على رفع الايدي، في التكبير لعدم قولهم بشرعية

 

(1) المجازات النبوية ص 132. (2) المعتبر: 169، المنتهى ج 1 ص 296.

 

[374]

القنوت في أكثر الصلوات، وتبعهم الاصحاب فاستدلوا بها على كراهة تجاوز اليد عن الرأس، في التكبير، ولعل الرفع للقنوت فيها أظهر، ويحتمل التعميم أيضا والاحوط الترك فيهما معا. 27 - العلل: عن أبيه، عن سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يجزيك إذا كنت وحدك ثلاث تكبيرات، وإذا كنت إماما أجزأك تكبيرة واحدة، لان معك ذا الحاجة والضعيف والكبير (1). 28 - المحاسن: عن أحمد بن الحسن، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار بن موسى الساباطي، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن رجل جاء مبادرا، والامام راكع فركع، قال: أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة وللركوع (2). بيان: اشتهر بين الاصحاب أنه يشترط القصد إلى الافتتاح، فلو قصد به تكبير الركوع لم ينعقد، وهو كذلك لدلالة صحيحة ابن أبي يعفور (3) وغيرها عليه، ولو قصدهما معا كما في المأموم، فذهب ابن الجنيد والشيخ في الخلاف محتجا بالاجماع إلى الاجزاء، ويدل عليه رواية معاوية بن شريح (4) عن الصادق عليه السلام وهذا الخبر و لم يذكره الاصحاب. وذهب العلامة وجماعة إلى المنع استنادا إلى أن الفعل الواحد لا يتصف بالوجوب والاستحباب، وهو ممنوع، إذ يجوز اجتماعهما من جهتين وأمثالها كثيرة ولو نذر تكبيرة الركوع لم يجز عنهما عند المانعين استنادا إلى أن تغاير الاسباب يوجب تغاير المسببات، وهو أيضا ممنوع، والاظهر الاجزاء في الجميع، وإن كان الاحوط عدم الاكتفاء مطلقا.

 

(1) علل الشرايع ج 2 ص 23. (2) المحاسن ص 326. (3) التهذيب ج 1 ص 176. (4) التهذيب ج 1 ص 258.

 

[375]

29 - فلاح السائل: رويت بعدة طرق إلى هارون بن موسى، عن محمد بن علي ابن معمر، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن ابن أبي نجران، عن الرضا عليه السلام قال: تقول بعد الاقامة قبل الاستفتاح في كل صلاة " اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، بلغ محمدا صلى الله عليه وآله الدرجة والوسيلة والفضل والفضيلة وبالله أستفتح، وبالله أستنجح وبمحمد رسول الله وآل محمد صلى الله وعليهم أتوجه اللهم صل على محمد وآل محمد فاجعلني بهم عندك وجيها في الدنيا والاخرة ومن المقربين " (1). ويقول أيضا ما رواه ابن أبي عمير، عن بكر بن محمد الازدي، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث هذا المراد منه قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول لاصحابه من أقام الصلاة وقال قبل أن يحرم ويكبر " يا محسن قد أتاك المسئ وقد أمرت المحسن أن يتجاوز عن المسئ وأنت المحسن وأنا المسئ فبحق محمد وآل محمد صل على محمد وآل محمد، وتجاوز عن قبيح ما تعلم مني " فيقول الله ملائكتي اشهدوا أني قد عفوت عنه، و أرضيت عنه أهل تبعاته (2). ايضاح: ذكر الدعائين في المصباح متصلتين بهذا الترتيب، قال ثم أقم وقل " اللهم رب هذه الدعوة التامة " وزاد بعد قوله محمدا " وآله " وفيه " بالله أستفتح " بدن الواو " واجعلني بهم وجيها وأنا المسئ فصل على محمد وآل محمد وتجاوز عن قبيح ما عندي بحسن ما عندك يا أرحم الراحمين " كذا ذكر في صلاة العصر، وفي صلاة الظهر ذكر مثل ما في الاصل وفي رواية الكفعمي عن قبيح ما تعلم مني يا ذا الجلال والاكرام قوله: " رب هذه الدعوة التامة " أي الاذان والاقامة، فانهما دعوة إلى الصلاة وتمامهما في إفادة ما وضعا له ظاهرا، وهي الصلاة، فالمصدر بمعنى المفعول والصلاة القائمة في هذا الوقت إشارة إلى قوله " قد قامت الصلاة " أو القائمة إلى يوم القيامة كما مر " والدرجة " أي المختصة به صلى الله عليه وآله في القيامة وهي درجة الشفاعة الكبرى " والوسيلة " هي المنبر المعروف الذي يعطيه الله في القيامة كما ورد في الاخبار قال في النهاية هي في الاصل ما يتوصل به إلى الشئ ويتقرب به وجمعها وسائل يقال وسل إليه وسيلة وتوسل والمراد به

 

(1 - 2) فلاح السائل ص 155.

 

[376]

في الحديث القرب من الله تعالى، وقيل هي الشفاعة يوم القيامة، وقيل: هي منزل من منازل الجنة، والفضل الزيادة على جميع الخلق في القرب والكمال، والفضيلة الدرجة الرفيعة في الفضل. " بالله " أي بعونه وتوفيقه " أستفتح " الصلاة وأدخل فيها أو أطلب فتح أبواب الفيض والهداية والتوفيق، أو أطلب النصرة والظفر على الشيطان، وفي القاموس الاستفتاح الاستنصار والافتتاح " وبالله أستنجح " أي بعونه وتأييده أطلب النجح و هو الظفر بالمطلوب، أو منه سبحانه أطلب تنجز حاجتي، قال في القاموس النجاح بالفتح والنجح بالضم الظفر بالشئ وتنجح الحاجة واستنجحها تنجزها " وبمحمد " أي بشفاعته وبالتوصل به " أتوجه " إلى الله، والوجيه ذو الجاه والمنزلة ثم الظاهر من الشيخ وغيره أنه يقرأ الدعائين متصلين بعد الاقامة، ويحتمل أن يكون الدعاء الثاني محله بين السادسة والسابعة، أو قبل تكبيرة الاحرام، سواء جعلها السابعة أو غيرها إن جعلنا قوله عليه السلام " ويكبر " تفسيرا لقوله " ويحرم " وتأكيدا له كما هو الظاهر وإن جعلنا التكبير أعم منها فيدل على ما فهمه القوم، وكل منهما حسن، و الشهيد قدس سره في الذكرى فهمه كما فهمنا، حيث قال: وقد ورد الدعاء عقيب السادسة بقوله " يا محسن " الدعاء ثم قال: وورد أيضا أنه يقول: رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء، ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب. 30 - دعائم الاسلام: عن علي عليه السلام في قول الله عزوجل " فصل لربك وانحر " قال: النحر رفع اليدين في الصلاة نحو الوجه (1). وعن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا افتتحت الصلاة فارفع كفيك ولا تجاوز بهما اذنيك وابسطهما بسطا ثم كبر (2). وعنه عليه السلام قال: افتتاح الصلاة تكبيرة الاحرام، فمن تركها أعاد، وتحريم

 

(1) دعائم الاسلام ج 1 ص 156. (2) دعائم الاسلام ج 1 ص 157.

 

[377]

الصلاة التكبيرة وتحليلها التسليم (1). وعن علي عليه السلام قال: إذا افتتحت الصلاة فقل: الله أكبر، وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض عالم الغيب والشهادة حنيفا مسلما وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياى ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين (2). وعن جعفر بن محمد، عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يرفع يديه حين يكبر تكبيرة الاحرام حذاء أذنيه، وحين يكبر للركوع وحين يرفع رأسه من الركوع وروينا ذلك (3) عن أبي جعفر عليه السلام. وعن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: إذا قمت إلى الصلاة فقل: بسم الله وبالله، ومن الله وإلى الله، وكما شاء الله، ولا قوة إلا بالله، اللهم اجعلني من زواراك و عمار مساجدك، وافتح لي باب رحمتك، وأغلق عني باب معصيتك، الحمد لله الذي جعلني ممن يناجيه، اللهم أقبل على برحمتك، جل ثناؤك ثم افتتح الصلاة (4). وعنه عن آبائه عليهم السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: إنما الاعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى (5). وعن أبي جعفر عليه السلام قال: لا ينبغي للرجل أن يدخل في صلاة حتى ينويها، ومن صلى فكانت نيته الصلاة، لم يدخل فيها غيرها قبلت منه، إذا كانت ظاهرة و باطنة (6). بيان: لم يدخل فيها غيرها: أي لم يدخل مع نية أفعال الصلاة بأن يكون قيامه لدفع وجع في رجليه مثلا ورفع يديه لتطيير الذباب وانحناؤه في الركوع لرفع

 

(1 و 2) دعائم الاسلام ج 1 ص 157. (3) دعائم الاسلام ج 1 ص 162. (4) دعائم الاسلام ج 1 ص 167. (5 و 6) دعائم الاسلام ج 1 ص 156.

 

[378]

شئ من الارض، والاظهر أن المعنى أن تكون نية الصلاة لله وراعى فيها الاخلاص. ظاهرا وباطنا. 31 - مجمع البيان: في قوله تعالى " وتبتل إليه تبتيلا " (1) روى محمد بن مسلم وزرارة وحمران، عن أبي جعفر عليه السلام وأبي عبد الله عليه السلام أن التبتل هنا رفع اليدين في الصلاة (2). بيان: الظاهر أن المراد به رفع اليدين في التكبيرات، ويحتمل القنوت و الاعم. 32 - الذكرى: زاد ابن الجنيد بعد التوجه استحباب تكبيرات سبع، و سبحان الله سبعا، والحمد لله سبعا، ولا إله إلا الله سبعا من غير رفع يديه ونسبه إلى الائمة (3). وروى زرارة عن الباقر عليه السلام إذا كبرت في أول الصلاة بعد الاستفتاح إحدى و عشرين تكبيرة ثم نسيت التكبير أجزأك (4). بيان: ظاهر كلامه رحمه الله في نقل مذهب ابن الجنيد استحباب سبع تكبيرات سوى التكبيرات الافتتاحية، واستحباب التهليل أيضا سبعا وقال في النفلية: وروي التسبيح بعده سبعا والتحميد سبعا وقال الشهيد الثاني رحمه الله في شرحه: ذكره ابن الجنيد، ونسبه إلى الائمة ولم نقف عليه، وكذا اعترف المصنف في الذكرى بذلك انتهى. والعجب أنهم لم يتعرضوا لصحيحة زرارة السابقة المشتملة على التكبير و التسبيح والتحميد سبعا، والظاهر فيها أن التكبيرات هي الافتتاحيات ولعل مراد ابن الجنيد أيضا ذلك، وأما التهليل فليس في تلك الرواية، وحمل الثناء عليه بعيد

 

(1) المزمل: 8. (2) مجمع البيان ج 10 ص 379. (3) الذكرى ص 179. (4) رواه في الفقيه ج 1 ص 227.

 

[379]

مع أنه ليس فيه عدد، ولعله كان في تلك الرواية عنده أو أخذه من رواية اخرى. وروى بعض الثقات أنه رأى في تلك الرواية في بعض النسخ بعد قوله " وتسبح سبعا و تهلل سبعا " وعلى التقادير هذه الرواية مما يؤيد كلام ابن الجنيد، والعمل بالموجود في تلك الصحيحة عندنا حسن، وأما رواية زرارة فهي صحيحة في التهذيب (1) وفيه هكذا إذا أنت كبرت في أول صلاتك بعد الاستفتاح باحدى وعشرين تكبيرة ثم نسيت التكبير كله، ولم تكبر أجزأك التكبير الاول عن تكبير الصلاة كلها، ولعله محمول على الرباعية. والمراد بالاستفتاح تكبيرة الاحرام أي إذا كبرت بعدها إحدى وعشرين تكبيرة، وهي عدد التكبيرات المستحبة في الرباعية إذ في كل ركعة خمس تكبيرات واحدة للركوع، ولكل سجدة اثنتان، وواحدة للقنوت، فإذا نسيت جميع التكبيرات المستحبة أجزأك التكبير الاول أي التكبيرات الاول على إرادة الجنس أي الاحدى والعشرين، فعلى هذا تكون في الثلاثية ست عشرة وفي الثنائية إحدى عشرة كل ذلك سوى تكبيرة الافتتاح. 33 - قرب الاسناد: عن عبد الله بن الحسن، عن جده علي بن جعفر، عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن رجل دخل في صلاته فنسي أن يكبر وذكر حين ركع هل يجزيه ذلك ؟ وإن كان قد صلى ركعة أو اثنتين ؟ وهل يعتد بما صلى ؟ قال: يعتد بما يفتتح به من التكبير (3). توضيح: " أن يكبر " أي تكبير الركوع، فقوله " يعتد بما يفتتح " أي بالتكبيرات الافتتاحية المستحبة، لانها لتدارك افتتاحات الصلاة كما مر أو المراد نسيان التكبيرات الافتتاحية، فالمراد بما يفتتح تكبيرة الاحرام ويحتمل أن يكون المراد نسيان تكبيرة الاحرام ويكون المراد بالجواب عدم الاعتداد بشئ لم يفتتح فيه بالتكبير وهو بعيد والاول أظهر الوجوه.

 

(1) التهذيب ج 1 ص 176. (2) قرب الاسناد ص 90 ط حجر ص 117 ط نجف.

 

[380]

34 - الكافي: باسناده عن الصادق عليه السلام في رسالة طويلة كتبها إلى أصحابه قال: دعوا رفع أيديكم في الصلاة إلا مرة واحدة حين يفتتح الصلاة، فان الناس قد شهروكم بذلك، والله المستعان ولا قوة إلا بالله (1). 35 - العلل: لمحمد بن علي بن إبراهيم قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من لم يعرف تأويل الصلاة فصلاته خداج، يعني ناقصة، قيل له: ما معنى تكبيرة الافتتاح " الله أكبر " فقال: هو أكبر من أن يلمس بالاخماس، ويدرك بالحواس، ومعنى الله هو الذي ذكرناه أنه يخرج الشئ من حد العدم إلى الوجود، وأكبر أكبر من أن يوصف. ومنه: قال تفسير التوجه والاستعاذة بالله عزوجل " لبيك " إجابة لطيفة وإقرار بالعبودية " وسعديك " تسعد من تشاء في الدنيا والاخرة " والخير في يديك " يعني من عندك " والشر ليس إليك ". " سبحانك " أنفة لله لما قالت العادلون في الله " وحنانيك " أي رحمتيك رحمة في الدنيا ورحمة في الاخرة " تباركت وتعاليت " من العلو " سبحانك رب البيت " يعني البيت المعمور وبيت الله بمكة " وجهت وجهي " أي أقبلت إلى ربي ووليت عما سواه للذي فطر السموات والارض " يعني اخترع قال: كن " حنيفا " أي ظاهرا " على ملة إبراهيم " والملة الحنيفية التي جاء بها إبراهيم العشرة التى لا تنسخ ولم تنسخ إلى يوم القيامة، وهو قول الله عزوجل لنبيه: ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وهى عشر، خمس في الرأس وخمس في البدن، فأما التى في الرأس فطم الشعر وأخذ الشارب وعفا اللحي والسواك والخلال، وقد روي التى في الرأس المضمضة و الاستنشاق والسواك وقص الشارب، وأما التي في البدن فحلق الشعر من البدن والختان وتقليم الاظافير والغسل من الجنابة والاستنجاء بالماء، وقد روي غير هذا: الاستنجاء والختان وحلق العانة وقص الاظافير ونتف الابطين فهذا معنى قوله حنيفا مسلما. وقوله " إن صلاتي ونسكي " فالنسك ما ذبح لله ولكل خير اريد به وجه الله فهو من النسك، وقوله " محياي ومماتي " أي ما فعلته في حياتي وأمرت به بعد موتي،

 

(1) الكافي ج 8 ص 7 في حديث طويل. (*)

 

[381]

فهو لله رب العالمين، لا يشاركه فيه أحد. 36 - الهداية: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إنما الاعمال بالنيات. وروي أن نية المؤمن خير من عمله، ونية الكافر شر من عمله. وروي أن بالنيات خلد أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، وقال عز وجل: " قل كل يعمل على شاكلته " (1) يعني على نيته، ولا يجب على الانسان أن يجدد لكل عمل نية، وكل عمل من الطاعات إذا عمله العبد لم يرد به إلا الله عزوجل فهو عمل بنيته، وكل عمل عمله العبد من الطاعات يريد به غير الله، فهو عمل بغير نية، وهو غير مقبول (2). بيان: قوله " لا يجب " يحتمل وجهين الاول أن النية إنما تجب في ابتداء الصلاة ثم لا تجب تجديدها الكل فعل من أفعالها، الثاني أن النية تابعة لحالة الانسان فإذا كانت حالته مقتضية لايقاع الفعل لوجه الله فهي مكنونة في قلبه عند كل صلاة و عبادة، فلا يلزم تذكرها والتفتيش عنها كما مر تحقيقه، وفي بعض النسخ " ويجب " فالمعنى ظاهر. 37 - العلل: لمحمد بن علي بن إبراهيم: أقل ما يجب من التكبير في كل صلاة جملتها ما قاله الصادق عليه السلام إن أقل ما يجب في الصلوات الخمس من التكبير خمس وتسعون تكبيرة، منها تكبيرات القنوت، وليس في النهوض من التشهد وتكبيرة، و إنما كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إذا قام من التشهد بالله أقوم وأقعد أهل الكبرياء والجبروت والعظمة، ولو كان في النهوض من التشهد تكبير لكان التكبير في الصلاة كلها تسعا وتسعين تكبيرة. وفي صلاة الغداة إحدى عشرة تكبيرة، وفي صلاة الظهر إحدى وعشرون تكبيرة، وفي صلاة العصر إحدى وعشرون تكبيرة، وفي صلاة المغرب ست عشرة تكبيرة، وفي صلاة العشاء إحدى وعشرون تكبيرة، وخمس تكبيرات القنوت هكذا قال:

 

(1) أسرى: 84. (2) الهداية ص 12 و 13.

 

[382]

الصادق عليه السلام. 38 - تفسير سعد بن عبد الله: برواية ابن قولويه عنه باسناده عنهم عليهم السلام قال: الشرك على ثلاثة أوجه فشرك بالله، وشرك بالاعمال، وشرك بالرياء، وساق الحديث إلى أن قال: وأما شرك الرياء فقول الله عزوجل " فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا " (1) فهم قوم يحبون أن يباروا الناس في صلاتهم وصومهم وعبادتهم فسماهم الله مشركين. 39 - كتاب زيد النرسى: عن سماعة، عن أبي بصير قال: رأيت أبا عبد الله عليه السلام يصلي فإذا رفع يديه بالتكبير للافتتاح والركوع والسجود يرفعهما قبالة وجهه أو دون ذلك بقليل.

 

(1) الكهف: 110.

 

[383]

صورة فتوغرافية من نسخة الاصل - وهي اول صفحة منها - لخزانة الوجيه الموفق المرزا فخر الدين النصيري الاميني المحترم


 

[384]

صورة اخرى من نسخة الاصل - وهو آخر صفحة منها تقع في طبعتنا هذه ص 267 راجعه


 

[385]

بسمه تعالى ههنا أنهينا الجزء الخامس من المجلد الثامن عشر من كتاب بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار - صلوات الله وسلامه عليهم مادام الليل والنهار - وهو الجزء الرابع والثمانون حسب تجزئتنا في هذه الطبعة الرائقة وقد بذلنا جهدنا في تصحيحه ومقابلته فخرج بحمد الله ومشيته نقيا من الاغلاط الا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر وكل عنه النظر، لا يكاد يخفى على القارئ الكريم، ومن الله نسأل العصمة وهو ولي التوفيق. السيد ابراهيم الميانجي - محمد الباقر البهبودي


 

[386]

كلمة المصحح: - بسم الله الرحمن الرحيم وعليه توكلي وبه نستعين الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد وعترته الطاهرين. وبعد: فهذا هو الجزء الخامس من المجلد الثامن عشر، وقد انتهى رقمه في سلسلة الاجزاء حسب تجزئتنا إلى 84، حوى في طيه اربعة عشر بابا من ابواب كتاب الصلاة. وقد قابلناه على طبعة الكمباني المشهورة بطبع امين الضرب، وهكذا على نص المصادر التي استخرجت الاحاديث منها، ثم على نسخة الاصل التي كانت بخط يده - رضوان الله عليه - يبتدئ من باب احكام القبلة إلى اواخر باب آداب الصلاة (ص 28 - 267) من هذه الطبعة، ترى صورتين منها فتوغرافيتين فيما يلي، والنسخة لخزانة كتب الفاضل البحاث الوجيه الموفق المرزا فخر الدين النصيري الاميني نقيا من الاغلاط الا نزرا زهيدا زاغ عنه البصر وكل عنه النظر، لا يكاد يخفى على القارئ الكريم، ومن الله نسأل العصمة وهو ولي التوفيق. السيد ابراهيم الميانجي - محمد الباقر البهبودي


 

[386]

كلمة المصحح: - بسم الله الرحمن الرحيم وعليه توكلي وبه نستعين الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمد وعترته الطاهرين. وبعد: فهذا هو الجزء الخامس من المجلد الثامن عشر، وقد انتهى رقمه في سلسلة الاجزاء حسب تجزئتنا إلى 84، حوى في طيه اربعة عشر بابا من ابواب كتاب الصلاة. وقد قابلناه على طبعة الكمباني المشهورة بطبع امين الضرب، وهكذا على نص المصادر التي استخرجت الاحاديث منها، ثم على نسخة الاصل التي كانت بخط يده - رضوان الله عليه - يبتدئ من باب احكام القبلة إلى اواخر باب آداب الصلاة (ص 28 - 267) من هذه الطبعة، ترى صورتين منها فتوغرافيتين فيما يلي، والنسخة لخزانة كتب الفاضل البحاث الوجيه الموفق المرزا فخر الدين النصيري الاميني زاده الله توفيقا لحفظ كتب السلف عن الضياع والتلف، فقد اودعها سماحته للعرض والمقابلة، خدمة للدين وأهله، فجزاه الله عنا وعن المسلمين اهل العلم خير جزاء المحسنين. محمد الباقر البهبودي المحتج بكتاب الله على الناصب جمادي الاولى عام 1390 ه‍.