[119]
بقلبه وأعاننا بلسانه وقاتل بيده فهو معنا في الجنة في درجتنا. ومن أحبنا بقلبه ولم يعنا بلسانه ولم يقاتل معنا فهو أسفل من ذلك بدرجة. ومن أحبنا بقلبه ولم يعنا بلسانه ولا بيده فهو معنا في الجنة. ومن أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه ويده فهو في أسفل درك من النار. ومن أبغضنا بقلبه وأعان علينا بلسانه ولم يعن علينا بيده فهو فوق ذلك بدرجة. ومن أبغضنا بقلبه ولم يعن علينا بلسانه ولا يده فهو في النار. إن أهل الجنة لينظرون إلى منازل شيعتنا كما ينظر الانسان إلى الكواكب التي في السماء. إذا قرأتم من المسبحات شيئا فقولوا: سبحان ربي الاعلى. [ وإذا قرأتم ] " إن الله وملائكته يصلون على النبي " فصلوا عليه في الصلاة كثيرا وفي غيرها. ليس في البدن أقل شكرا من العين فلا تعطوها سؤلها فتشغلكم عن ذكر الله عزوجل. إذا قرأتم والتين فقولوا [ في آخرها ]: " ونحن على ذلك من الشاهدين. [ إذا قرأتم " قولوا آمنا بالله " ] فقولوا: " آمنا بالله - حتى تبلغوا إلى قوله -: ونحن له مسلمون " (1). إذا قال العبد في التشهد الاخير من الصلاة المكتوبة: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ثم أحدث حدثا (2) فقد تمت صلاته. ما عبدالله عزوجل بشئ هو أشد من المشي إلى الصلاة.
اطلبوا الخير في أعناق الابل وأخفافها صادرة وواردة (3). إنما سمي نبيذ السقاية لان رسول الله صلى الله عليه وآله اتي بزبيب من الطائف فأمر أن ينبذ ويطرح في ماء زمزم لانه مر فأراد أن تسكن مرارته، فلا تشربوا إذا اعتق (4). إذا تعرى الرجل نظر إليه الشيطان فطمع فيه، فاستتروا.
ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذه و يجلس بين يدي قوم. من أكل شيئا من المؤذيات (5) فلا يقربن المسجد.
___________________________________
(1) سورة البقرة آية 131.
(2) أى أتى بشئ من المبطلات.
(3) لعل مراده عليه السلام بيعها وشرائها.
(4) اى إذا مضى عليه زمانا.
(5) كالثوم والبصل.
(*)
[120]
ليرفع الساجد مؤخره في الصلاة. إذا أراد أحدكم الغسل فليبدأ بذراعيه فليغسلهما. إذا صليت وحدك فأسمع نفسك القراءة والتكبير والتسبيح. إذا انفتلت من صلاتك (1). فعن يمينك. تزودوا من الدنيا التقوى فإنها خير ما تزودتموه منها. من كتم وجعا أصابه ثلاثة أيام من الناس وشكا إلى الله كان حقا على الله أن يعافيه منه. أبعد ما يكون العبد من الله إذا كانت همته بطنه وفرجه. لا يخرج الرجل في سفر يخاف على دينه منه. اعط السمع أربعة في الدعاء: الصلاة على النبي وآله، والطلب من ربك الجنة، والتعوذ من النار، وسؤالك إياه الحور العين. إذا فرغ الرجل من صلاته فليصل على النبي صلى الله عليه وآله وليسأل الله الجنة ويستجير به من النار ويسأله أن يزوجه الحور العين، فإنه من لم يصل على النبي رجعت دعوته ومن سأل الله الجنه سمعت الجنة فقالت: يا رب أعط عبدك ما سأل. ومن استجار به من النار قالت النار: يا رب أجر عبدك مما استجار منه. ومن سأل الحور العين سمعت الحور العين فقالت: أعط عبدك ما سأل. الغناء نوح إبليس على الجنة (2). إذا أراد أحدكم النوم فليضع يده اليمنى تحت خده الايمن وليقل: " بسم الله وضعت جنبي لله على ملة إبراهيم ودين محمد وولاية من افترض الله طاعته، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن " من قال ذلك عند منامه حفظ من اللص المغير والهدم واستغفرت له الملائكة حتى ينتبه. ومن قرأ قل هو الله أحد حين يأخذ مضجعه وكل الله به خمسين ألف ملك يحرسونه ليلته. إذا نام أحدكم فلا يضعن جنبه حتى يقول: " اعيذ نفسي وأهلي وديني ومالي وولدي وخواتيم عملي و [ ما ] خولني ربي (3) ورزقني بعزة الله وعظمة الله وجبروت الله وسلطان الله ورحمة الله ورأفة الله وغفران الله وقوة الله وقدرة الله ولا إله إلا الله وأركان الله وصنع الله وجمع الله وبرسول الله صلى الله عليه وآله وبقدرته على ما يشاء من شر السامة والهامة (4) ومن شر الجن والانس ومن شر ما ذرأ في الارض وما يخرج
___________________________________
(1) انفتل من الصلاة أى انصرف عنها.
(2) النوح: الصيحة مع الجزع.
(3) كذا وفى الخصال [ وما رزقنى ربى وخولنى ].
خوله الشئ: ملكه إياه وأعطاه متفضلا.
(4) السامة: ما يسم ولا يقتل مثل العقرب والزنبور والهامة: ما يسم ويقتل وقد تطلق على ما يدب وإن لم يقتل كالحشرات.
(*)
[121]
منها ومن شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم وهو على كل شئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله " فإن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعوذ الحسن والحسين بها وبذلك أمرنا رسول الله صلى الله عليهم أجمعين. نحن الخزان لدين الله ونحن مصابيح العلم. إذا مضى منا علم بدا علم، لا يضل من اتبعنا ولا يهتدي من أنكرنا ولا ينجو من أعان علينا عدونا، ولا يعان من أسلمنا، ولا يخلو عنا بطمع في حطام الدنيا الزائلة عنه، فإنه من آثر الدنيا علينا (1) عظمت حسرته غدا وذلك قول الله: " أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين (2) ". اغسلوا صبيانكم من الغمر فإن الشيطان يشم الغمر(3) فيفزع الصبي في رقاده ويتأذى به الكاتبان(4). لكم من النساء أول نظرة فلا تتبعوها واحذروا الفتنة. مد من الخمر يلقى الله عزوجل حين يلقاه كعابد وثن فقال له حجر بن عدي (5): يا أمير المؤمنين من المدمن للخمر؟
___________________________________
(1) أى قدم نفسه علينا وغصب حقنا.
(2) سورة الزمر آية 56. وقوله: فرطت أى قصرت.
(3) الغمر - بالتحريك -: الدسم والزهومة من اللحم والوضر من السمن وفى الحديث لا يبيتن أحدكم ويده غمرة.
(4) أى الملكان الموكلان على الانسان ويكتبان أعماله وأفعاله من الخير والشر.
(5) بتقديم الحاء المهملة على الجيم المعجمة الساكنة من قبيلة كندة وكان رحمه الله من أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام بل من خواصه وكان مقيما بالكوفة إلى زمن زياد بن أبيه فأخذه زياد وحبسه وأصحابه ثم بعث بهم إلى معاوية بن أى سفيان حتى انتهوا إلى مرج عذراء (قرية بغوطة دمشق على أميال منها) وحبسوا به وكانوا أربعة عشر رجلا فجاء رسل معاوية إليهم فقال لهم: إنا قد امرنا أن نعرض عليكم البراءة من على واللعن له فان فعلتم هذا تركناكم وإن ابيتم قتلناكم وأمير المؤمنين يزعم أن دماءكم قد حلت بشهادة أهل مصركم عليكم غير أنه عفى عن ذلك فابرؤوا من هذا الرجل يخل سبيلكم، قالوا: لسنا فاعلين، فامروا بقيودهم فحلت واتى باكفانهم فقاموا الليل كله يصلون فلما أصبحوا قال أصحاب معاوية: يا هؤلاء قد رأيناكم البارحة اطلتم الصلاة وأحسنتم الدعاء فأخبرونا ما قولكم في عثمان؟ قالوا: هو أول من جار في الحكم وعمل بغير الحق، فقالوا: أمير المؤمنين أعرف بكم، ثم قاموا إليهم وقالوا: تبرؤون من هذا الرجل قالوا: بل نتولاه فأخذ كل رجل منهم رجلا يقتله فقال: لهم حجر: دعونى أصلى ركعتين فانى والله ما توضأت قط إلا صليت فقالوا له: صل فصلى ثم انصرف فقال: والله ما صليت صلاة قط أقصر منها ولولا أن يروا أن ما بى جزع من الموت لاحببت ان استكثر منها فمشى إليه هدبة بن الفياض الاعور بالسيف فارعدت فرائصه فقال: كلا زعمت أنك لا تجزع من الموت فانا ندعك فابرء من صاحبك فقال: مالى لا أجزع وأنا أرى قبرا محفورا وكفنا منشورا وسيفا مشهورا وإنى والله إن جزعت لا أقول ما يسخط الرب، ثم قتله رضوان الله عليه وقد عظم قتله على قلوب المسلمين وعابوا معاوية على ذلك. (*)
[122]
قال: الذي إذا وجدها شربها. من شرب مسكرا لم تقبل صلاته أربعين ليلة. من قال لمسلم قولا يريد به انتقاص مروته حبسه الله في طينة خبال (1) حتى يأتي مما قال بمخرج. لا ينم الرجل مع الرجل في ثوب واحد ولا المرأة مع المرأة في ثوب واحد ومن فعل ذلك وجب عليه الادب وهو التعزير. كلوا الدباء (2) فإنه يزيد في الدماغ وكان يعجب النبي صلى الله عليه وآله. كلوا الاترج قبل الطعام وبعده فإن آل محمد صلى الله عليه وآله يأكلونه. الكمثرى يجلو القلب ويسكن أوجاعه بإذن الله. إذا قام الرجل في الصلاة أقبل إبليس ينظر إليه حسدا لما يرى من رحمة الله التي تغشاه. شر الامور محدثاتها (3). خير الامور ما كان لله عزوجل رضى. من عبد الدنيا وآثرها على الآخرة استوخم العاقبة (4). لو يعلم المصلي ما يغشاه من رحمة الله ما انفتل ولا سره أن يرفع رأسه من السجدة.
إياكم والتسويف في العمل، بادروا به إذا أمكنكم. ما كان لكم من رزق فسيأتيكم على ضعفكم وما كان عليكم فلن تقدروا على دفعه بحيلة. مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر. إذا وضع الرجل في الركاب يقال: " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون (5) ". وإذا خرج أحدكم في سفر فليقل: " اللهم أنت الصاحب في السفر والحامل على الظهر والخليفة في الاهل والمال والولد".
وإذا نزلتم فقولوا: " اللهم أنزلنا منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ".
إذا دخلتم الاسواق لحاجة فقولوا: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله اللهم إني أعوذ بك من صفقة خاسرة ويمين فاجرة وأعوذ بك من بوار الايم (6). المنتظر وقت الصلاة بعد العصر زائر لله وحق على الله عزوجل
___________________________________
(1) يقال: انتقص الرجل أى عابه.
والخبال: الفساد وطينة الخبال فسرت بصديد أهل النار.
(2) الدباء: القرع وهو نوع من اليقطين. والاترج: الترنج.
(3) المحدثات -: ما لم يكن معروفا في كتاب ولا سنة ولا إجماع ومنه الخبر " إياكم و محدثات الامور ".
(4) " آثرها " اى اختاره وفضله عليها.
واستوخم العاقبة: وجدها وخيما أى ثقيلا.
(5) سورة الزخرف آية 12، 14.
(6) الصفقة: ضرب اليد على اليد في البيع وكانت العرب إذا وجب البيع ضرب أحدهما يده على يد صاحبه، ثم اسعملت الصفقة في عقد البيع والمراد بها ههنا بيعة خاسرة.
والبوار: الكساد و الايم مرأة لا زوج لها وفى النسخ: " بواء الاثم " أى جزاؤه.
لكنه تصحيف.
(*)
[123]
أن يكرم زائره ويعطيه ما سأل.
الحاج والمعتمر وفد الله وحق على الله أن يكرم وفده (1) ويحبوه بالمغفرة. من سقى صبيا مسكرا وهو لا يعقل حبسه الله في طينة خبال حتى يأتي مما فعل بمخرج. الصدقة جنة عظيمة وحجاب للمؤمن من النار ووقاية للكافر من تلف المال ويعجل له الخلف ويدفع السقم عن بدنه، وماله في الآخرة من نصيب. باللسان يكب أهل النار في النار، وباللسان يستوجب أهل القبور النور، فاحفظوا ألسنتكم واشغلوها بذكر الله. من عمل الصور سئل عنها يوم القيامة. إذا أخذت من أحدكم قذاة (2) فليقل: أماط الله عنك ما تكره. إذا خرج أحدكم من الحمام فقال له أخوه: طاب حميمك، فليقل: أنعم الله بالك. وإذا قال له: حياك الله بالسلام فليقل: وأنت فحياك الله بالسلام وأحلك دار المقام. السؤال بعد المدح فامدحوا الله ثم سلوه الحوائج وأثنوا عليه قبل طلبها. يا صاحب الدعاء لا تسأل مالا يكون ولا يحل. إذا هنأتم الرجل من مولود ذكر فقولوا: بارك الله لك في هبته وبلغ أشده ورزقت بره. إذا قدم أحدكم من مكة فقبل عينيه وفمه الذي قبل الحجر الاسود الذي قبله رسول الله صلى الله عليه وآله وقبل موضع سجوده وجبهته، وإذا هنأتموه فقولوا: قبل الله نسكك وشكر سعيك وأخلف عليك نفقتك ولا جعله آخر عهدك ببيته الحرام. إحذروا السفلة فإن السفلة لا يخاف الله عزوجل. إن الله اطلع فاختارنا واختار لنا شيعتنا، ينصروننا ويفرحون بفرحنا ويحزنون بحزننا ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، أولئك منا وإلينا. ما من شيعتنا أحد يقارف أمرا (3) نهيناه عنه فيموت حتى يبتلى ببلية تمحص بها ذنوبه (4) إما في مال أو ولد وإما في نفسه ___________________________________
(1) الوافد: الوارد القادم.
ويحبوه أى يعطيه، من حباه بكذا أى أعطاه إياه بلا جزاء.
(2) القذى والقذاة: ما يقع في العين أو في الشراب من تراب وتبن ونحوهما وأماط: أى نحاه وأبعده.
(3) أى يقارب أمرا ويدنوه.
(4) تمحص بها ذنوبه أى تطهر بها.
ويخلص بها.
وفى سورة آل عمران 141 " وليمحص الله الذين آمنوا ".
(*)
[124]
حتى يلقى الله محبنا وما له ذنب وإنه ليبقى عليه شئ من ذنوبه فيشدد عليه عند الموت فيمحص ذنوبه. الميت من شيعتنا صديق شهيد، صدق بأمرنا وأحب فينا وأبغض فينا، يريد بذلك وجه الله، مؤمنا بالله ورسوله. من أذاع سرنا أذاقه الله بأس الحديد (1). اختنوا أولادكم يوم السابع ولا يمنعكم حر ولا برد، فإنه طهر للجسد وإن الارض لتضج على الله من بول الاقلف (2). أصناف السكر أربعة: سكر الشباب (3) وسكر المال وسكر النوم وسكر الملك. احب للمؤمن أن يطلى في كل خمسة عشر يوما مرة بالنورة. أقلوا أكل الحيتان فإنها تذيب البدن وتكثر البلغم وتغلظ النفس. الحسو باللبن (4) شفاء من كل داء إلا الموت. كلوا الرمان بشحمه. فإنه دباغ للمعدة (5) وحياة للقلب ويذهب بوسواس الشيطان. كلوا الهندباء (6) فإنه ما من صباح إلا وعليه قطرة من قطر الجنة. اشربوا ماء السماء. فإنه طهور للبدن ويدفع الاسقام قال الله عزوجل: " وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان (7) ". الحبة السوداء ما من داء إلا وفيها منه شفاء إلا السام. لحوم البقر داء وألبانها شفاء كذلك أسمانها. ما تأكل الحامل شيئا ولا تبدأ به أفضل من الرطب قال الله: " وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا (8) " حنكوا أولادكم بالتمر (9) فهكذا فعل
___________________________________
(1) يعنى بالسيف في الدنيا لان من أذاع سر أهل البيت سيما في زمان خلفاء الجور قتل به.
(2) الاقلف: الذى لم يختن.
(3) في الخصال [ سكر الشراب ].
(4) الحسو من البن: شربه شيئا بعد الشئ والحسوة - بالضم والفتح -: الجرعة.
(5) أى أزال ما بها من رطوبة ونتن.
(6) الهندباء: نبات يقال له بالفارسية: (كاسنى).
(7) سورة الانفال آية 11.
(8) سورة مريم آية 25.
(9) الحنك - بالتحريك - أعلى باطن الفم والاسفل من طرف مقدم اللحيين وقد يطلق على ما تحت الذقن.
وتحنك المولود بالتمر هو أن يمضغ حتى يصير مايعا فيوضع في فيه ليصل شئ إلى جوفه يقال: حنك اى مضغ فدلك بحنكه.
(*)
[125]
رسول الله صلى الله عليه وآله بالحسن والحسين.
إذا أراد أحدكم أن يأتي أهله فلا يعاجلنها وليمكث يكن منها مثل الذي يكون منه.
إذا رأى أحدكم امرأة تعجبه فليلق أهله فإن عندها مثل الذي رأى ولا يجعل للشيطان على قلبه سبيلا وليصرف بصره عنها، فإن لم تكن له زوجة فليصل ركعتين ويحمد الله كثيرا.
إذا أراد أحدكم غشيان زوجته فليقل الكلام فإن الكلام عند ذلك يورث الخرس (1).
لا ينظرن أحدكم إلى باطن فرج المرأة، فإنه يورث البرص.
وإذا أتى أحدكم زوجته فليقل: " اللهم إني استحللت فرجها بأمرك وقبلتها بأمانك فإن قضيت منها ولدا فاجعله ذكرا سويا ولا تجعل للشيطان فيه شركا ونصيبا ".
الحقنة من الاربعة التي قال رسول الله صلى الله عليه وآله فيها ما قال، وأفضل ما تداويتم به الحقنة وهي تعظم البطن وتنقي داء الجوف وتقوي الجسد. استعطوا بالبنفسج، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: لو يعلم الناس ما في البنفسج لحسوه حسوا (2).
إذا أراد أحدكم إتيان أهله فليتوق الاهلة وأنصاف الشهور فإن الشيطان يطلب الولد في هذين الوقتين. توقوا الحجامة يوم الاربعاء ويوم الجمعة، فإن الاربعاء نحس مستمر وفيه خلقت جهنم. وفي يوم الجمعة ساعة لا يحتجم فيه أحد إلا مات.
___________________________________
(1) الغشيان - بالكسر -: الاتيان بالمجامعة.
والخرس - بالتحريك -: آفة تصيب اللسان فتمنعه من الكلام.
(2) أى شربوه شيئا بعد شئ.
واعلم أنه ينبغى أن يراعى الانسان في استعمال ما جاء عن الائمة عليهم السلام في خواص بعض النباتات بل في كل ما صدر عنهم في الطب والتداوى الاهوية والامكنة والامزجة فما قيل على هواء مكة والمدينة لا يجوز استعماله في سائر الاهوية وما روى في العسل أنه شفاء من كل داء فهو صحيح ومعناه أنه شفاء من كل داء بارد وما روى في الاستنجاء بالماء البارد لصاحب البواسير فان ذلك اذا كان بواسيره من الحرارة وهكذا في غير ذلك انظر سفينة البحار المجلد الثانى ص 78 قول المشايخ في ذلك.
(*)
[126]
(عهده عليه السلام إلى الاشتر حين ولاه مصر وأعمالها) [ بسم الله الرحمن الرحيم ] (1).هذا ما أمر به عبدالله علي أمير المؤمنين مالك بن الحارث الاشتر في عهده إليه حين ولاه مصر: جباية خراجها ومجاهدة عدوها واستصلاح أهلها وعمارة بلادها. أمره بتقوى الله وإيثار طاعته واتباع ما أمر الله به في كتابه: من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها وأن ينصر الله بيده وقلبه ولسانه، فإنه قد تكفل بنصل من نصره إنه قوي عزيز وأمره أن يكسر من نفسه عند الشهوات فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم ربي إن ربي غفور رحيم. وأن يعتمد كتاب الله عند الشبهات، فإن فيه تبيان كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون. وأن يتحرى رضا الله، ولا يتعرض لسخطه ولا يصر على معصيته، فإنه لا ملجأ من الله إلا إليه. ثم اعلم يا مالك أني وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك من عدل و جور وأن الناس ينظرون من امورك في مثل ما كنت تنظر فيه من امور الولاة قبلك. ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم. وإنما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده. فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح بالقصد فيما تجمع وما ترعى به رعيتك. فاملك هواك وشح بنفسك عما لا يحل لك (2)، فإن الشح بالنفس الانصاف منها فيما أحببت وكرهت. وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة
___________________________________
(1) مختار هذا العهد منقول في النهج ودعائم الاسلام مع اختلاف.
وهو مالك بن الحارث الاشتر النخعى من اليمن كان من أكابر أصحابه عليه السلام ذو النجدة والشجاعة روى أن الطرماح لما دخل على معاوية قال له: قل لابن أبى طالب: انى جمعت العساكر بعدد حب جاورس الكوفة وها أنا قاصده فقال له الطرماح: ان لعلى عليه السلام ديكا أشتر يلتقط جميع ذلك فانكسر من قوله معاوية.
(2) أى وابخل بنفسك عن الوقوع في غير الحل.
(*)
[127]
لهم واللطف بالاحسان إليهم. ولا تكوننن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم (1) فإنهم صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق، تفرط منهم الزلل (2) وتعرض لهم العلل ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفو [ ه ] فإنك فوقهم ووالي الامر عليك فوقك والله فوق من ولاك بما عرفك من كتابه وبصرك من سنن نبيه صلى الله عليه وآله. عليك بما كتبنا لك في عهدنا هذا لا تنصبن نفسك لحرب الله، فإنه لا يد لك بنقمته (3) ولا غنى بك عن عفوه ورحمته. فلا تند من على عفو ولا تبجحن بعقوبة (4) ولا تسرعن إلى بادرة وجدت عنها مندوحة ولا تقولن إني مؤمر آمر فاطاع (5) فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين و تقرب من الفتن، فتعوذ بالله من درك الشقاء. وإذا أعجبك ما أنت فيه من سلطانك فحدثت لك به ابهة أو مخيلة (6) فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك على مالا تقدر عليه من نفسك فإن ذلك يطامن إليك من طماحك (7) ويكف عنك من غربك و يفئ إليك ما عزب من عقلك. وإياك ومساماته في عظمته (8) أو التشبه به في جبروته، فإن الله يذل كل جبار ويهين كل مختال فخور. أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن خاصتك ومن أهلك ومن لك فيه هوى
___________________________________
(1) الضارى من الكلاب: ما لهج بالصيد وتعود بأكله وأولع به.
(2) تفرط: تسبق. والزلل: الخطأ.
وأراد بالعلل الامور الصارفة لهم عما ينبغى من إجراء أوامر الوالى على وجوهها.
(3) يعنى لا تخالف أمر الله بالظلم والجور فليس لك يد أن تدفع نقمته.
(4) بجح كفرح لفظا ومعنى.
(5) البادرة: حدة الغضب. والمندوحة: السعة والفسحة. والمؤمر - كمعظم -: المسلط.
والادغال: الافساد. والنهك: الضعف ونهكه أضعفه.
(6) الابهة - بضم الهمزة وفتح الباء مشددة وسكونها -: العظمة والكبرياء.
والمخيلة: الكبر والعجب.
(7) يطامن أى يخفض ويسكن.
والطماح: الفخر والنشوز والجماح.
وارتفاع البصر والغرب: الحدة ويفئ أى يرجع ما غاب عن عقلك.
(8) المساماة: المفاخرة والمباراة في السمو أى العلو.
(*)
[128]
من رعيتك، فإنك إن لا تفعل تظلم ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده ومن خاصمه الله أدحض حجته (1) وكان لله حربا حتى ينزع ويتوب. وليس شئ أدعى إلى تغيير نعمة من إقامة على ظلم، فإن الله يسمع دعوة المظلومين وهو للظالمين بمرصاد و من يكن كذلك فهو رهين هلاك في الدنيا والآخرة. وليكن أحب الامور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها (2) للرعية فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة (3) وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة. وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء وأقل له معونة في البلاء وأكره للانصاف وأسأل بالالحاف (4) وأقل شكرا عند الاعطاء وأبطأ عذرا عند المنع وأضعف صبرا عند ملمات الامور من الخاصة، وإنما عمود الدين وجماع المسلمين والعدة للاعداء أهل العامة من الامة فليكن لهم صغوك (5) واعمد لاعم الامور منفعة وخيرها عاقبة ولا قوة إلا بالله. وليكن أبعد رعيتك منك وأشنأهم عندك أطلبهم لعيوب الناس، فإن في الناس عيوبا الوالي أحق من سترها فلا تكشفن ما غاب عنك واستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من رعيتك واطلق عن الناس عقد كل حقد (6) واقطع عنك سبب كل وتر واقبل العذر وادرء الحدود بالشبهات. وتغاب عن كل ما لا يضح لك ولا تعجلن إلى تصديق ساع فإن الساعي غاش وإن تشبه بالناصحين (7).
___________________________________
(1) أدحض: أبطل. وحربا أى محاربا. وينزع أى يقلع عن ظلمه. وأدعى أى أشد دعوة.
(2) في النهج [ أجمعها لرضى الرعية ].
(3) يجحف أى يذهب برضى الخاصة.
(4) الالحاف: الالحاح والشدة في السؤال.
(5) الصغو: الميل. وفى بعض النسخ [ صغوك ].
(6) أى احلل عقد الاحقاد من قلوب الناس بحسن السيرة مع الناس.
والوتر - بالاكسر -: العداوة أى اقطع عنك أسباب العداوات بترك الاساءة إلى الرعية.
(7) الساعي: النمام بمعاتب الناس. والغاش: الخائن.
(*)
[129]
لا تدخلن في مشورتك بخيلا يخذلك عن الفضل ويعدك الفقر (1). ولا جبانا يضعف عليك الامور ولا حريصا يزين لك الشره بالجور، فإن البخل والجور والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله كمونها في الاشرار (2). أيقن ان شر وزرائك من كان للاشرار وزيرا ومن شركهم في الآثام وقام بامورهم في عباد الله. فلا يكونن لك بطانة تشركهم في أمانتك (3) كما شركوا في سلطان غيرك فأوردوهم وأوردوهم مصارع السوء ولا يعجبنك شاهد ما يحضرونك به، فإنهم أعوان الاثمة(4) وإخوان الظلمة وعباب كل طمع ودغل وأنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل أدبهم ونفاذهم ممن قد تصفح الامور فعرف مساويها بما جرى عليه منها (5) فأولئك أخف عليك مؤونة وأحسن لك معونة وأحنى عليك عطفا (6) وأقل لغيركم إلفا، لم يعاون ظالما على ظلمه ولا آثما على إثمه. ولم يكن مع غيرك له سيرة أجحفت بالمسلمين والمعاهدين (7) فاتخذ أولئك خاصة لخلوتك وملائك ثم ليكن آثرهم عندك أقولهم بمر الحق (8) وأحوطهم على الضعفاء بالانصاف وأقلهم لك
___________________________________
(1) في النهج [ يعدل بك عن الفضل ] والفضل هنا الاحسان بالبذل والجود. ويعدك أى يخوفك. والشره - بالتحريك: أشد الحرص. وفى النهج [ يضعفك عن الامور ] بمعنى تحملك على الضعف.
(2) أى يجتمع كلها فيهم سوء الظن بكرم الله وفضله. وفى النهج [ فان البخل والجبن والحرص ].
(3) البطانة - بالكسر -: الخاصة، من بطانة الثوب خلاف ظهارته.
(4) الاثمة: جمع آثم، كظلمة: جمع ظالم.
والعباب - بضم العين -: معظم السيل وعباب البحر: موجه.
(5) تصفح: تأمل ونظر مليا. والمساوى: جمع مساءة وهى القبيح.
وفى النهج [ وأنت واجد منهم خير الخلق ممن له مثل أرائهم ونفاذهم وليس عليه آصارهم وأوزارهم ممن لم يعاون ظالما على ظلمه ولا آثما على إثمه ].
(6) أحنى عليك أى أشفق و " عطفا " مصدر جيئ به من غير لفظ فعله.
والالف - بالكسر -: الالفة والمحبة.
(7) اجحف بهم: ساتأصلهم وأهلكهم وفى النهج [ فاتخذ أولئك خاصة لخلواتك وحفلاتك ].
والمعاهدين: أهل الكتاب.
(8) أى ليكن أفضلهم لديك أكثرهم قولا بالحق المر.
(*)
[130]
مناظرة (1) فيما يكون منك مما كره الله لاوليائه واقعا ذلك من هواك حيث وقع (2) فإنهم يقفونك على الحق ويبصرونك ما يعود عليك نفعه والصق بأهل الورع و الصدق وذوي العقول والاحساب، ثم رضهم على أن لا يطروك (3) ولا يبجحوك بباطل لم تفعله فإن كثرة الاطراء تحدث الزهو وتدني من الغرة والاقرار بذلك يوجب المقت من الله. لا يكوننن المحسن والمسيئ عندك بمنزلة سواء، فإن ذلك تزهيد لاهل الاحسان في الاحسان وتدريب لاهل الاساءة على الاساءة فالزم كلا منهم ما ألزم نفسه (4) أدبا منك ينفعك الله به وتنفع به أعوانك. ثم اعلم أنه ليس شئ بأدعى لحسن ظن وال برعيته من إحسانه إليهم و تخفيفه المؤونات عليهم وقلة استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم فليكن في ذلك أمر يجتمع لك به حسن ظنك برعيتك، فإن حسن الظن يقطع عنك نصبا طويلا وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده (5) وأحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده. فاعرف هذه المنزلة لك وعليك لتزدك بصيرة في حسن الصنع واستكثار حسن البلاء عند العامة مع ما يوجب الله بها لك في المعاد. ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الامة واجتمعت بها الالفة وصلحت
___________________________________
(1) وفى النهج [ مساعدة ].
وقوله: " فيما يكون منك " أى يقع ويصدر.
(2) أى لا يساعدك على ما كره الله حال كونه نازلا من ميلك إليه.
ومن قوله عليه السلام " ثم ليكن " على هنا تنبيه على من ينبغى أن يتخذ عونا ووزيرا وميزه باوصاف أخص.
(3) رضهم اى عودهم على أن لا يطروك أى يزيدوا في مدحك من أطرى إطراء: أحسن الثناء وبالغ في المدح.
ولا يبجحوك أى ولا يفرحوك بنسبة عمل إليك.
قوله: " تدنى " أى تقرب.
والزهو: العجب.
والغرة - بالكسر -: الحمية والانفة.
وهذا كله أمر بأن يلازم أهل الورع والصدق منهم ثم أن يروضهم ويؤدبهم بالنهى عن الاطراء له أو يوجبوا له سرورا بقول باطل ينسبونه فيه إلى فعل ما يفعله.
(4) والتدريب: الاعتياد والتجرى.
وقوله: " وما ألزم نفسه " في مقابلة الاحسان أو الاساءة بمثلها.
(5) اى اختبارك عنده.
(*)
[131]
عليها الرعية.
ولا تحدثن سنة تضر بشئ مما مضى من تلك السنن، فيكون الاجر لمن سنها والوزر عليك بما نقضت منها.
وأكثر مدارسة العلماء مثافنة الحكماء (1) في تثبيت ما صلح عليه أهل بلادك وإقامة ما استقام به الناس من قبلك، فإن ذلك يحق الحق ويدفع الباطل ويكتفى به دليلا ومثالا لان السنن الصالحة هي السبيل إلى طاعة الله. ثم اعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض ولا غنى ببعضها عن بعض فمنها جنود الله. ومنها كتاب العامة والخاصة. ومنها قضاة العدل. ومنها عمال الانصاف والرفق. ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس (2). ومنها التجار وأهل الصناعات. ومنها طبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة وكلا قد سمى الله سهمه ووضع على حد فريضته في كتابه أو سنة نبيه صلى الله عليه وآله. وعهدا عندنا محفوظا (3). فالجنود بإذن الله حصون الرعية وزين الولاة وعز الدين وسبيل الامن والخفض (4) وليس تقوم الرعية إلا بهم، ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يصلون به إلى جهاد عدوهم ويعتمدون عليه ويكون من وراء حاجاتهم ثم لا بقاء لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال والكتاب لما يحكمون من الامور ويظهرون من الانصاف ويجمعون من المنافع ويؤمنون عليه من خواص الامور وعوامها. ولا قوام لهم جميعا إلا بالتجار وذوي الصناعات فيما يجمعون
___________________________________
(1) المثافنة: المجالسة والملازمة.
وفى بعض نسخ النهج [ ومنافثة ] أى المحادثة.
(2) " مسلمة الناس " قال بعض شراح النهج: هذا تفصيل لاهل الخراج ويجوز أن يكون تفسير لاهل الجزية والخراج معا لان للامام أن يقبل أهل الخراج من سائر المسلمين وأهل الذمة.
(3) أراد عليه السلام بالسهم الذى سماه الله الاستحقاق لكل من ذوى الاستحقاق في كتابه إجمالا من الصدقات كالفقراء والمساكين وعمال الخراج والصدقة وفصله في سنة نبيه صلى الله عليه وآله، وحده الذى وضع الله عليه عهدا منه أهل بيت نبيه هو مرتبته ومنزلته من أهل المدينة الذين لا يقوم الا بهم فان للجندى منزلة وحدا محدودا وكذلك العمال والكتاب والقضاة وغيرهم فان لكل منهم حدا يقف عنده وفريضة يلزمها عليها عهدا من الله محفوظا عند نبيه وأهل بيته عليهم السلام.
(4) يعنى الراحة والسعة والعيش.
(*)
[132]
من مرافقهم (1) ويقيمون من أسواقهم ويكفونهم من الترفق بأيديهم مما لا يبلغه رفق غيرهم.
ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفدهم (2) وفي فئ الله لكل سعة ولكل على الوالي حق بقدر يصلحه وليس يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله من ذلك إلا بالاهتمام والاستعانة بالله وتوطين نفسه على لزوم الحق والصبر فيما خف على وثقل.
فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولامامك وأنقاهم جيبا (3) وأفضلهم حلما وأجمعهم علما وسياسة ممن يبطئ عن الغضب ويسرع إلى العذر، ويرأف بالضعفاء وينبو على الاقوياء (4) ممن لا يثيره العنف ولا يقعد به الضعف ثم الصق بذوي الاحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة. ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة، فإنهم جماع من الكرم (5) وشعب من العرف، يهدون إلى حسن الظن بالله والايمان بقدره. ثم تفقد أمورهم بما يتفقد الوالد من ولده ولا يتفاقمن في نفسك شئ قويتهم به (6). ولا تحقرن لطفا تعاهدتهم به وإن قل، فإنه داعية لهم إلى بذل النصيحة وحسن الظن بك. فلا تدع تفقد لطيف أمورهم اتكالا على جسيمها، فإن لليسير من لطفك موضعا ينتفعون به وللجسيم موقعا لا يستغنون عنه.
___________________________________
(1) المرافق: المنافع.
(2) الرفد: العطاء والمعونة.
(3) الجيب من القميص: طوقه.
وأيضا: الصدر والقلب، يقال: فلان نقى الجيب أى أمين الصدر والقلب.
وأيضا: الامين، يقال: رجل ناصح الجيب أى أمين لا غش فيه.
(4) النبو: العلو والارتفاع وينبو أى يشتد ويعلو عليهم ليكف أيديهم عن الظلم.
والعنف - مثلث العين -: الشدة والمشقة، ضد الرفق.
ويحتمل أن يكون بمعنى اللوم كما جاء في اللغة أيضا.
(5) أى مجموع منه.
والعرف: المعروف.
ومراده عليه السلام شرح أوصاف الذين يؤخذ منهم الجند ويكون منهم رؤساؤه.
(6) تفاقم الامر: عظم أى لا تعد ما قويتهم به عظيما ولا ما تلطفك حقيرا بل لكل موضع وموقع.
(*)
[133]
وليكن آثر رؤوس جنودك من واساهم في معونته (1) وأفضل عليهم في بذله ممن يسعهم ويسع من ورائهم من الخلوف من أهلهم حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو. ثم واتر إعلامهم (2) ذات نفسك في إيثارهم والتكرمة لهم والارصاد بالتوسعة. وحقق ذلك بحسن الفعال والاثر والعطف، فإن عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك. وإن أفضل قرة العيون للولاة استفاضة العدل في البلاد (3) وظهور مودة الرعية لانه لا تظهر مودتهم إلا بسلامة صدورهم. ولا تصح نصيحتهم إلا بحوطتهم على ولاة أمورهم (4) وقلة استثقال دولتهم وترك استبطاء انقطاع مدتهم (5). ثم لا تكلن جنودك إلى مغنم وزعته بينهم بل أحدث لهم مع كل مغنم بدلا مما سواه مما أفاء الله عليهم، تستنصر بهم به ويكون داعية لهم إلى العودة لنصر الله ولدينه. واخصص أهل النجدة (6) في أملهم إلى منتهى غاية آمالك من النصيحة بالبذل وحسن الثناء عليهم ولطيف التعهد لهم رجلا رجلا وما أبلى في كل مشهد، فإن كثرة الذكر منك لحسن فعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل إن شاء الله. ثم لا تدع أن يكون لك
___________________________________
(1) آثر أى أكرم وأفضل وأعلى منزلة.
من واساهم أى ساعدهم وعاونهم.
وأفضل عليهم أى أفاض وأحسن إليهم، فلا يقتر عليهم في الفرض ولا ينقص منهم شيئا ويجعل البذل شاملا لمن تركوهم في الديار.
والخلوف - مضمومتين جمع خلف بفتح فسكون -: من يخلف في الديار من النساء والعجزة.
(2) واتر: أمر من المواترة وهى إرسال الكتب بعضها أثر بعض والاعلام: الاطلاع.
ويحتمل أن يكون وآثر بالثاء: أمر من الافعال أى أكرم وفضل.
والاعلام: جمع علم: سيد القوم ورئيسهم.
(3) الاستفاضة: الانتشار والاتساع.
وفى النهج [ الاستقامة ].
(4) الحوطة: الحيطة: مصدر حاطه بمعنى حفظه وتعهده أى بحفظهم على ولاتهم وحرصهم على بقائهم.
(5) استثقل الشئ: عده وجده ثقيللا.
واستبطأ الشئ: عده اوجده بطيئا، فيعدون زمنهم قصيرا.
(6) النجدة: الشدة والبأس والشجاعة.
والناكل: الجبان الضعيف والمراد هنا المتاخر القاعد.
(*)
[134]
عليهم عيون (1) من أهل الامانة والقول بالحق عند الناس فيثبتون بلاء كل ذي بلاء منهم ليثق أولئك بعلمك ببلائهم. ثم اعرف لكل امرئ منهم ما أبلى ولا تضمن بلاء امرئ إلى غيره ولا تقصرن به دون غاية بلائه (2) وكاف كلام منهم بما كان منه واخصصه منك بهزة. ولا يدعونك شرف امرئ إلى أن تعظم من بلائه ما كان صغيرا ولا ضعة امرئ (3) على أن تصغر من بلائه ما كان عظيما. ولا يفسدن امرءا عندك علة إن عرضت له (4) ولا نبوة حديث له، قد كان له فيها حسن بلاء، فإن العزة لله يؤتيه من يشاء والعاقبة للمتقين. وإن استشهد أحد من جنودك وأهل النكاية في عدوك فاخلفه في عياله بما يخلف به الوصي الشفيق الموثق به حتى لا يرى عليهم أثر فقده، فإن ذلك يعطف عليك قلوب شيعتك ويستشعرون به طاعتك ويسلسون لركوب معاريض التلف الشديد في ولايتك (5).
وقد كانت من رسول الله صلى الله عليه وآله سنن في المشركين ومنا بعده سنن، قد جرت بها سنن وأمثال في الظالمين ومن توجه قبلتنا وتسمى بديننا.
وقد قال الله لقوم أحب إرشادهم: " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا لله وأطيعوا الرسول واولي الامر منكم فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (6) " وقال: " ولو ردوه إلى الرسول وإلى اولي الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولو لا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا (7) "
___________________________________
(1) العين: الرقيب والناظر والجاسوس.
(2) لا تضم عمل امرئ إلى غيره ولا تقصر به في الجزاء دون ما يبلغ منتهى عمله.
(3) الضعة: من مصادر وضع - كشرف -: صار وضيعا أى دنيا.
(4) أى لا يفسدن عندك أحدا علة تعرض له.
ونبوة الزمان: خطبه وجفوته.
(5) يسلسون: ينقادون ويسهل عليهم.
(6) سورة النساء آية 62.
(7) سورة النساء آية 85.
(*)
[135]
فالرد إلى الله الاخذ بمحكم كتابه (1) والرد إلى الرسول الاخذ بسنته الجامعة غير المتفرقة (2) ونحن أهل رسول الله الذين نستنبط المحكم من كتابه ونميز المتشابه منه ونعرف الناسخ مما نسخ الله ووضع إصره (3). فسر في عدوك بمثل ما شاهدت منا في مثلهم من الاعداء وواتر إلينا الكتب (4) بالاخبار بكل حدث يأتك منا أمر عام والله المستعان. ثم انظر في أمر الاحكام بين الناس بنية صالحة فإن الحكم في إنصاف المظلوم من الظالم والاخذ للضعيف من القوي وإقامة حدود الله على سنتها و منهاجها مما يصلح عباد الله وبلاده. فاختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك وأنفسهم للعلم والحلم والورع والسخاء ممن لا تضيق به الامور ولا تمحكه الخصوم (5) ولا يتمادى في إثبات الزلة ولا يحصر من الفئ (6) إلى الحق إذا عرفه ولا تشرف نفسه على طمع (7) ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه (8) وأوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج وأقلهم تبرما بمراجعة الخصوم (9) وأصبرهم على تكشف الامور وأصرمهم (10) عند اتضاح الحكم، ممن لا يزدهيه إطراء (11) ولا يستميله إغراق ولا يصغى للتبليغ. فول
___________________________________
(1) محكم الكتاب:نصه الصريح.
(2) أى الاخذ بما أجمع عليه مما لا يختلف في نسبته إليه، فلا يكون مما افترق به الاراء في نسبته إليه.
(3) الاصر: الثقل أى ثقل التكليف كما قال الله تعالى في سورة الاعراف آية 156: " ويضع عنهم إصرهم والاغلال التى كانت عليهم ".
(4) واتر: أمر من المواترة. والحدث - بفتحين -: الحادثة أى الامر الحادث.
(5) لا تمحكه: لا تغضبه - من محك الرجل: نازع في الكلام وتمادى في اللجاجة عند المساومة - أى ولا تحمله مخاصمة الخصوم عند اللجاجة على رأيه. والزلة: السقطة والخطيئة.
(6) حصر: ضاق صدره أى إذا عرف الحق لا يضيق صدره من الرجوع إليه.
وفى بعض النسخ [ في انبات الزلة ولا يحصر من العى ].
(7) الاشراف على الشى: الاطلاع عليه من فوق.
(8) أى ينبغى له التامل في الحكم فلا يكتفى بما يبدو له باول فهم.
(9) التبرم: الضجر. والملل.
(10) وأصرمهم: أقطعهم للخصومة عند وضوح الحكم.
(11) لا يزدهيه: افتعال من الزهو: العجب والفخر.
والاطراء: المبالغة في المدح أى لا تحمله على الكبر والعجب ولا يستخفه زيادة الثناء عليه.
وفى النهج [ ولا يستميله اغراء ].
(*)
[136]
قضاءك من كان كذلك وهم قليل. ثم أكثر تعهد قضائه (1) وافتح له في البذل ما يزيح علته (2) ويستعين به وتقل معه حاجته إلى الناس وأعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك، ليأمن بذلك اغتيال الرجال إياه عندك. وأحسن توقيره في صحبتك وقربه في مجلسك وأمض قضاءه وأنفذ حكمه واشدد عضده واجعل أعوانه خيار من ترضى من نظرائه من الفقهاء وأهل الورع والنصيحة لله ولعباد الله، ليناظرهم فيما شبه عليه ويلطف عليهم لعلم ما غاب عنه ويكونون شهداء على قضائه بين الناس إن شاء الله. ثم حملة الاخبار لاطرافك قضاة تجتهد فيهم نفسه (3) لا يختلفون ولا يتدابرون في حكم الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وآله فإن الاختلاف في الحكم إضاعة للعدل وغرة في الدين (4) وسبب من الفرقة. وقد بين الله ما يأتون وما ينفقون وأمر برد ما لا يعلمون إلى من استودعه الله علم كتابه واستحفظه الحكم فيه، فإنما اختلاف القضاة في دخول البغى بينهم واكتفاء كل امرئ منهم برأيه دون من فرض الله ولايته، ليس يصلح الدين ولا أهل الدين على ذلك. ولكن على الحاكم أن يحكم بما عنده من الاثر والسنة، فإذا أعياه ذلك (5) رد الحكم إلى أهله، فإن غاب أهله عنه ناظر غيره من فقهاء المسلمين ليس له ترك ذلك إلى غيره وليس لقاضيين من أهل الملة أن يقيما على اختلاف في [ ال ] حكم دون ما رفع ذلك إلى ولي الامر فيكم فيكون هو الحاكم بما علمه الله، ثم يجتمعان على حكمه فيما وافقهما أو خالفهما فانظر في ذلك نظرا بليغا فإن هذا الدين قد كان أسيرا بأيدي الاشرار يعمل فيه بالهوى وتطلب به الدنيا. واكتب إلى قضاة بلدانك فليرفعوا إليك كل حكم اختلفوا فيه على حقوقه. ثم تصفح تلك الاحكام فما وافق كتاب الله وسنة نبيه والاثر من إمامك فأمضه واحملهم عليه. وما اشتبه عليك فاجمع له الفقهاء
___________________________________
(1) تعهد: تفقد وتحفظ.
(2) يزيح: يبعد ويزول وفى النهج [ يزيل ]. أى وسع له حتى يكون ما يأخذه كافيا لمعيشته.
(3) كذا. وفى بعض النسخ [ حملة الاختيار ] وفى بعضها [ حمل الاختيار ].
وقيل الصحيح " ثم اختيار حملة الاخبار لاطرافك قضاة تجتهد فيه نفوسهم " وإن نعثر على نسخة مصححة بعد نشر إليها في آخر الكتاب.
وفى دعائم الاسلام " واختر لاطرافك قضاة تجهد فيهم نفسك - إلخ " مع اختلاف كثير.
(4) الغرة - بالكسر -: الغفلة.
(5) أعياه: أعجزه ولم يهتد لوجه مراده.
(*)