(ثم حقوق الافعال) *
10 - فأما حق الصلاة فأن تعلم أنها وفادة إلى الله وأنك قائم بها بين يدي الله فإذا علمت ذلك كنت خليقا أن تقوم فيها مقام الذليل الراغب الراهب الخائف، الراجي المسكين المتضرع المعظم من قام بين يديه بالسكون والاطراق (4) و خشوع الاطراف ولين الجناح وحسن المناجاة له في نفسه والطلب إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت به خطيئتك واستهلكتها ذنوبك ولا قوة إلا بالله (5).
11 - وأما حق الصوم فأن تعلم أنه حجاب ضربه الله على لسانك وسمعك و بصرك وفرجك وبطنك ليسترك به من النار (6) وهكذا جاء في الحديث " الصوم جنة من النار "
___________________________________
(1) التهوين: الاستخفاف.
يقال: هون الشئ: استخف به.
(2) المجهلة ما يحملك على الجهل.
وفيهما [ أن لا تجعله وعاء للحرام ولا تزيد على الشبع ].
(3) لعل المراد أن حفظ الفرج مما لا يحل يكون بكثرة ذكر الموت وتهديد النفس وتخويفها.
وفيهما [ وحق فرجك أن تحصنه عن الزنا وتحفظه من أن ينظر إليه ].
(4) فيهما [ المعظم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار وتقبل عليها بقلبك وتقيمها بحدودها وحقوقها]. نتهى.
أطرق الرجل: أرخى عينيه فينظر إلى الارض. وفى بعض النسخ [ مع الاطراق ].
(5) ليس في الكتاب هنا ذكر حق الحج وفيهما [ وحق الحج أن تعلم أنه وفادة إلى ربك وفرار من ذنوبك وبه قبول توبتك وقضاء الفرض الذى أوجبه الله عليك ].
(6) فيهما بعد قوله: " من النار ": [ فان تركت الصوم خرقت ستر الله عليك ]. انتهى.
(*)
[259]
فإن سكنت أطرافك في حجبتها (1) رجوت أن تكون محجوبا. وإن أنت تركتها تضطرب في حجابها وترفع جنبات الحجاب فتطلع إلى ما ليس لها بالنظرة الداعية للشهوة والقوة الخارجة عن حد التقية لله لم تأمن أن تخرق الحجاب وتخرج منه ولا قوة إلا بالله.
12 - وأما حق الصدقة فأن تعلم أنها ذخرك عند ربك ووديعتك التي لا تحتاج إلى الاشهاد (2) فإذا علمت ذلك كنت بما استودعته سرا أوثق بما استودعته علانية وكنت جديرا أن تكون أسررت إليه أمرا أعلنته، وكان الامر بينك وبينه فيها سرا على كل حال ولم تستظهر عليه فيما استودعته منها [ب] إشهاد الاسماع والابصار عليه بها كأنها أوثق في نفسك لا كأنك (3) لا تثق به في تأدية وديعتك إليك. ثم لم تمتن بها على أحد لانها لك فإذا امتننت بها لم تأمن أن تكون بها مثل تهجين (4) حالك منها إلى من مننت بها عليه لان في ذلك دليلا على أنك لم ترد نفسك بها ولو أردت نفسك بها لم تمتن بها على أحد ولا قوة إلا بالله (5).
13 - وأما حق الهدي فأن تخلص بها الارادة إلى ربك والتعرض لرحمته وقبوله ولا تريد عيون الناظرين دونه، فإذا كنت كذلك لم تكن متكلفا ولا متصنعا وكنت إنما تقصد إلى الله.
واعلم أن الله يراد باليسير ولا يراد بالعسير كما أراد بخلقه التيسير ولم يرد بهم التعسير وكذلك التذلل أولى بك من التدهقن (6) لان الكلفة والمؤونة في المتدهقنين.
فأما التذلل والتمسكن فلا كلفة فيهما ولا مؤونة عليهما
___________________________________
(1) الحجبة - بالتحريك -: جمع حاجب.
(2) لا يحتاج يوم القيامة إلى الاشهاد لما ورد في الخبر من " أن الصدقة أول ما تقع في يد الله تعالى قبل أن تقع في يد السائل ".
(3) في بعض النسخ وكأنك.
(4) التهجين: التقبيح والتحقير.
(5) فيهما [ فأن تعلم أنها ذخرك عند ربك ووديعتك التى لا تحتاج إلى الاشهاد عليها وكنت لما تستودعه سرا أوثق منك بما استودعه علانية وتعلم أنها تدفع عنك البلايا والاسقام في الدنيا وتدفع عنك النار في الاخرة ].
(6) تدهقن أى صار دهقانا وهو رئيس القرية وزعيم الفلاحين والمراد به ضد التمسكن والتذلل وتمسكن بمعنى خضع وأخبت.
(*)
[260]
لانهما الخلقة وهما موجودان في الطبيعة ولا قوة إلا بالله (1).
*