* (رسالته عليه السلام المعروفة برسالة الحقوق (1)) *
اعلم رحمك الله أن لله عليك حقوقا محيطة بك في كل حركة تحركتها، أو سكنة سكنتها أو منزلة نزلتها، أو جارحة قلبتها وآلة تصرفت بها، بعضها أكبر من بعض.
وأكبر حقوق الله عليك ما أوجبه لنفسه تبارك وتعالى من حقه الذي هو أصل الحقوق ومنه تفرع.
ثم أوجبه عليك لنفسك من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك، فجعل لبصرك عليك حقا ولسمعك عليك حقا وللسانك عليك حقا وليدك عليك حقا ولرجلك عليك حقا ولبطنك عليك حقا ولفرجك عليك حقا، فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الافعال. ثم جعل عزوجل لافعالك عليك حقوقا، فجعل لصلاتك عليك حقا ولصومك عليك حقا ولصدقتك عليك حقا ولهديك عليك حقا ولافعالك عليك حقا ثم تخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوي الحقوق الواجبة عليك، وأوجبها عليك حقوق أئمتك ثم حقوق رعيتك ثم حقوق رحمك، فهذه حقوق يتشعب منها حقوق فحقوق أئمتك ثلاثة أوجبها عليك حق سائسك بالسلطان ثم سائسك بالعلم، ثم حق سائسك بالملك وكل سائس
___________________________________
(1) رواها الصدوق في الخصال مع اختلاف وفى الفقيه أيضا عن أبى حمزة الثمالى قال: هذه رسالة على بن الحسين عليهما السلام إلى بعض أصحابه ونقله المحدث النورى رحمه الله في المستدرك ج 2 ص 274 عن التحف قائلا بعده: قلت: قال السيد على بن طاووس في فلاح السائل: وروينا باسنادنا في كتاب الرسائل عن محمد بن يعقوب الكينى باسناده إلى مولانا زين العابدين عليه السلام أنه قال: فاما حقوق الصلاة فأن تعلم أنها وفادة ... وساق مثل ما مر عن تحف العقول ومنه يعلم أن هذا الخبر الشريف المعروف بحديث الحقوق مروى في رسائل الكلينى على النحو المروى في التحف لا على النحو الموجود في الفقيه والخصال والظاهر لكل من له انس بالاحاديث أن المروى في الفقيه و الخصال مختصر مما في التحف واحتمال التعدد في غاية البعد ويؤيد الاتحاد أن النجاشى قال في ترجمة أبى حمزة: وله رسالة الحقوق عن على بن الحسين عليهما السلام أخبرنا أحمد بن على قال حدثنا الحسن بن حمزة قال: حدثنا على بن ابراهيم عن أبيه عن محمد بن الفضيل عن أبى حمزة عن على بن الحسين عليهما السلام وهذا السند أعلى وأصح من طريق الصدوق (ره) في الخصال إلى آخر ما قاله رحمه الله وقد أشرنا إلى بعض موارد الاختلاف في الهامش.
(*)
[256]
إمام (1) وحقوق رعيتك ثلاثة أوجبها عليك حق رعيتك بالسلطان، ثم حق رعيتك بالعلم فإن الجاهل رعية العالم وحق رعيتك بالملك من الازواج وما ملكت من الايمان (2). وحقوق رحمك كثيرة متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة. فأوجبها عليك حق امك، ثم حق أبيك ثم حق ولدك، ثم حقد أخيك ثم الاقرب فالاقرب والاول فالاول، ثم حق مولاك المنعم عليك، ثم حق مولاك الجارية نعمتك عليه، ثم حق ذي المعروف لديك، ثم حث مؤذنك بالصلاة، ثم حق إمامك في صلاتك، ثم حق جليسك ثم حق جارك، ثم حق صاحبك، ثم حق شريكك، ثم حق مالك، ثم حق غريمك الذي تطالبه، ثم حق غريمك الذي يطالبك، ثم حق خليطك، ثم حق خصمك المدعي عليك ثم حق خصمك الذي تدعي عليه، ثم حق مستشيرك، ثم حق المشير عليك، ثم حق مستنصحك، ثم حق الناصح لك، ثم حق من هو أكبر منك، ثم حق من هو أصغر منك، ثم حق سائلك، ثم حق من سألته، ثم حق من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل أو مسرة بذلك بقول أو فعل عن تعمد منه أو غير تعمد منه، ثم حق أهل ملتك عامة، ثم حق أهل الذمة (3)، ثم الحقوق الجارية بقدر علل الاحوال وتصرف الاسباب، فطوبى لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه ووفقه وسدده.
1 - فأما حق الله الاكبر فإنك تعبده لا تشرك به شيئا، فإذا فعلت ذلك بإخلاص جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا والآخرة ويحفظ لك ما تحب منها (4).
2 - وأما حق نفسك عليك فأن تستوفيها في طاعة الله، فتؤدي إلى لسانك حقه وإلى سمعك حقه وإلى بصرك حقه وإلى يدك حقها وإلى رجلك حقها وإلى بطنك حقه وإلى فرجك حقه وتستعين بالله على ذلك.
3 - وأما حق اللسان فإكرامه عن الخنى (5) وتعويده على الخير وحمله على الادب
___________________________________
(1) السائس: القائم بأمر والمدبر له.
(2) في الخصال بدون " من ".
(3) في الخصال والفقيه [ ثم حق أهل ملتك عليك، ثم حق أهل ذمتك ].
(4) كذا والظاهر " منهما ".
(5) الخنى: الفحش من الكلام.
(*)
[257]
وإجمامه (1) إلا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا وإعفاؤه عن الفضول الشنعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها. ويعد شاهد العقل والدليل عليه وتزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
4 - وأما حق السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقا إلى قلبك إلا لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا أو تكسب خلقا كريما فإنه باب الكلام إلى القلب يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر ولا قوة إلا بالله (2).
5 - وأما حق بصرك فغضه عما لا يحل لك وترك ابتذاله إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصرا أو تستفيد بها علما، فإن البصر باب الاعتبار (3).
6 - وأما حق رجليك فأن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك ولا تجعلهما مطيتك في الطريق المستخفة بأهلها فيها فإنها حاملتك وسالكة بك مسلك الدين والسبق لك ولا قوة إلا بالله (4).
7 - وأما حق يدك فأن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل، ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل (5) ولا تقبضها مما افترض الله عليها ولكن توقرها بقبضها عن كثير مما يحل لها وبسطها إلى كثير مما ليس عليها، فإذا هي قد عقلت وشرفت في العاجل وجب لها حسن الثواب في الآجل (6).
___________________________________
(1) في بعض النسخ [ اجماعه ]. وفى بعضها [ حله بالاداب واجمامه ].
وفى الخصال ومن لا يحضره الفقيه بعد قوله: " وتعويده الخير " هكذا [ وترك فضول التى لا فائدة فيها والبر بالناس وحسن القول فيهم ]. انتهى.
(2) فيهما [ تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع ما لا يحل سماعه ].
(3) في بعض النسخ [ تعتقد بها علما ]. وفيهما [ أن تغضه عما لا يحل لك وتعتبر بالنظرية ].
(4) فيهما [ ان لا تمشى بهما إلى ما لا يحل لك، فبهما تقف على الصراط فانظر أن لا تزل بك فتردى في النار ].
(5) أى عذاب الدنيا والاخرة أما الدنيا فلسان اللائمة من الناس وأما الاخرة فعقوبة الله.
(6) فيهما [ أن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك ].
(*)
[258 ]
8 - وأما حق بطنك فأن لا تجعله وعاء لقليل من الحرام ولا لكثير وأن تقتصد له في الحلال ولا تخرجه من حد التقوية إلى حد التهوين وذهاب المروة وضبطه إذا هم بالجوع والظمأ (1) فإن الشبع المنتهي بصاحبه إلى التخم مكسلة ومثبطة ومقطعة عن كل بر وكرم.
وإن الري المنتهي بصاحبه إلى السكر مسخفة ومجهلة ومذهبة للمروة (2).
9 - وأما حق فرجك فحفظه مما لا يحل لك والاستعانة عليه بغض البصر، فإنه من أعون الاعوان، وكثرة ذكر الموت والتهدد لنفسك بالله والتخويف لها به. وبالله العصمة والتأييد ولا حول ولا قوة إلا ه (3).
*