[374]

وقال عليه السلام: المروة مروتان مروة الحضر ومروة السفر فأما مروة الحضر فتلاوة القرآن، وحضور المساجد، وصحبة أهل الخير، والنظر في التفقه. وأما مروة السفر فبذل الزاد، والمزاح في غير ما يسخط الله، وقلة الخلاف على من صحبك، وترك الرواية عليهم إذا أنت فارقتهم.

وقال عليه السلام: اعلم أن ضارب علي عليه السلام بالسيف وقاتله لو ائتمنني واستنصحني و استشارني ثم قبلت ذلك منه لاديت إليه الامانة.

وقال سفيان: قلت لابي عبدالله عليه السلام: يجوز أن يزكي الرجل نفسه؟ قال: نعم إذا اضطر إليه، أما سمعت قول يوسف: " اجعلني على على خزائن الارض إني حفيظ عليم (1) " وقول العبد الصالح: " أنا لكم ناصح أمين (2) ".

وقال عليه السلام: أوحى الله إلى داود عليه السلام: يا داود تريد واريد، فإن اكتفيت بما اريد مما تريد كفيتك ما تريد. وأن أبيت إلا ما تريد أتعبتك فيما تريد وكان ما اريد.

قال محمد بن قيس (3) سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الفئتين يلتقيان من أهل الباطل أبيعهما السلاح؟ فقال عليه السلام: بعهما ما يكنهما: الدرع والخفتان (4) والبيضة ونحو ذلك، وقال عليه السلام: أربع لا تجزي في أربع الخيانة والغلول والسرقة والربا لا تجزي في حج. ولا عمرة. ولا جهاد. ولا صدقة.

وقال عليه السلام: إن الله يعطي الدنيا من يحب ويبغض ولا يعطي الايمان إلا أهل صفوته من خلقه.

___________________________________

(1) سورة يوسف آية 55. والظاهر أن سفيان هو سفيان الثورى المعروف الذى تقدم آنفا.

(2) سورة الاعراف آية 66.

(3) محمد بن قيس من اصحاب الصادق عليه السلام مشترك بين محمد بن قيس البجلى الثقة صاحب كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السلام ومحمد بن قيس الاسدى من فقهاء الصادقين عليهما السلام واعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والاحكام - وهم أصحاب الاصول المدونة و المصنفات المشهورة - ومحمد بن قيس أبى نصر الاسدى الكوفى وجه من وجوه العرب بالكوفة و كان خصيصا بعمر بن عبدالعزيز ثم يزيد بن عبدالملك وكان أحدهما أنفذه إلى بلد الروم في فداء المسلمين وله أيضا كتاب.

(4) الخفتان - بالفتح -: ضرب من الثياب.

(*)

[375]

وقال عليه السلام: من دعا الناس إلى نفسه وفيهم من هو أعلم منه فهو مبتدع ضال.

قيل له: ما كان في وصية لقمان؟ فقال عليه السلام: كان فيها الاعاجيب وكان من أعجب ما فيها أن قال لابنه: خف الله خيفة لو جئته ببر الثقلين لعذبك وارج الله رجاء لو جئته بذنوب الثقلين لرحمك.

ثم قال أبوعبدالله عليه السلام: ما من مؤمن إلا وفي قلبه نوران: نور خيفة ونور رجاء، لو وزن هذا لم يزد على هذا ولو وزن هذا لم يزد على هذا.

قال أبوبصير: (1) سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الايمان؟ فقال عليه السلام: الايمان بالله أن لا يعصى، قلت: فما الاسلام؟ فقال عليه السلام: من نسك نسكنا وذبح ذبيحتا.

وقال عليه السلام: لا يتكلم أحد بكلمة هدى فيؤخذ بها إلا كان له مثل أجر من أخذ بها.

ولا يتكلم بكلمة ضلالة فيؤخذ بها إلا كان عليه مثل وزر من أخذ بها.

وقيل له: إن النصارى يقولون: إن ليلة الميلاد في أربعة وعشرين من كانون فقال عليه السلام: كذبوا، بل في النصف من حزيران ويستوي الليل والنهار في النصف من آذار.

وقال عليه السلام: كان إسماعيل أكبر من إسحاق بخمس سنين.

وكان الذبيح إسماعيل عليه السلام أما تسمع قول إبراهيم عليه السلام: " رب هب لي من الصالحين (2) " إنما سأل ربه أن يرزقه غلاما من الصالحين فقال في سورة الصافات (3): " فبشرناه بغلام حليم " يعني إسماعيل، ثم قال: " وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين (4) " فمن زعم أن إسحاق أكبر من إسماعيل فقد كذب بما أنزل الله من القرآن.

وقال عليه السلام: أربعة من أخلاق الانبياء عليهم السلام: البر والسخاء والصبر على النائبة والقيام بحق المؤمن.

وقال عليه السلام: لا تعدن مصيبة اعطيت عليها الصبر واستوجبت عليها من الله ثوابا بمصيبة، إنما المصيبة أن يحرم صاحبها أجرها وثوابها إذا لم يصبر عند نزولها.

___________________________________

(1) هو يحيى بن أبى القاسم الذى مر ترجمته آنفا.

(2) سورة الصافات آية 98.

(3) السورة آية 99.

(4) السورة آية 112.

(*)

[376]

وقال عليه السلام: إن لله عبادا من خلقه في أرضه يفزع إليهم في حوائح الدنيا والآخرة اولئك هم المؤمنون حقا، آمنون يوم القيامة.

ألا وإن أحب المؤمنين إلى الله من أعان المؤمن الفقير من الفقر في دنياه ومعاشه. ومن أعان ونفع ودفع المكروه عن المؤمنين.

وقال عليه السلام: إن صلة الرحم والبر ليهونان الحساب ويعصمان من الذنوب، فصلوا إخوانكم وبروا إخوانكم ولو بحسن السلام ورد الجواب.

قال سفيان الثوري: دخلت على الصادق عليه السلام (1) فقلت له: أوصني بوصية أخفظها من بعدك؟ قال عليه السلام: وتحفظ يا سفيان؟ قلت: أجل يا ابن بنت رسول الله (2) قال عليه السلام: يا سفيان لا مروة لكذوب. ولا راحة لحسود. ولا إخاء لملوك. ولا خلة لمختال. ولا سؤدد لسيئ الخلق (3).

ثم امسك عليه السلام فقلت: يا ابن بنت رسول الله زدني؟ فقال عليه السلام: يا فيان ثق بالله تكن عارفا. وارض بما قسمه لك تكن غنيا. صاحب بمثل ما يصاحبونك به تزدد إيمانا، ولا تصاحب الفاجر فيعلمك من فجوره. وشاور في أمرك الذين يخشون الله عزوجل.

ثم أمسك عليه السلام فقلت: يا ابن بنت رسول الله زدني؟ فقال عليه السلام: يا سفيان من أراد عزا بلا سلطان وكثرة بلا إخوان وهيبة بلا مال فلينتقل من ذل معاصي الله إلى عز طاعته (4).

ثم أمسك عليه السلام فقلت: يا ابن بنت رسول الله زدني؟ فقال عليه السلام: يا سفيان أدبني أبي عليه السلام بثلاث ونهاني عن ثلاث (5): فأما اللواتي أدبني بهن فانه قال لي: يا بني من يصحب صاحب السوء لا يسلم. ومن لا يقيد ألفاظه يندم، ومن يدخل مداخل السوء يتهم.

قلت: يا ابن بنت رسول الله فما الثلاث اللواتي نهاك عنهن؟ قال عليه السلام: نهاني أن اصاحب حاسد نعمة وشامتا بمصيبة أو حامل نميمة.

___________________________________

(1) رواه الصدوق في الخصال مع اختلاف في ألفاظه أشرنا إلى بعضه.

(2) في الخصال [ يا ابن رسول الله ] ها هنا وما يأتى.

(3) السودد والسؤدد: الشرف والمجد.

(4) في الخصال [ من أراد عزا بلا عشيرة وغنى بلا مال وهيبة بلا سلطان فلينتقل من ذل معصية الله إلى عز طاعته ].

(5) في الخصال [ أمرنى والدى عليه السلام بثلاث ونهانى عن ثلاث ... إلخ ].

(*)

[377]

وقال عليه السلام: ستة لا تكون في مؤمن: العسر. والنكد (1). والحسد. واللجاجة والكذب. والبغي.

وقال عليه السلام: المؤمن بين مخافتين: ذنب قد مضى لا يدري ما يصنع الله فيه.

وعمر قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك، فهو لا يصبح إلا خائفا ولا يمسي إلا خائفا ولا يصلحه إلا الخوف.

وقال عليه السلام: من رضي بالقليل من الرزق قبل الله منه اليسير من العمل.

ومن رضي باليسير من الحلال خفت مؤونته وزكت مكسبته وخرج من حد العجز.

وقال سفيان الثوري: دخلت على أبي عبدالله عليه السلام فقلت: كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟ فقال عليه السلام: والله إني لمحزون وإني لمشتغل القلب فقلت له: وما أحزنك؟ وما أشغل قلبك؟ فقال عليه السلام لي: يا ثوري إنه من داخل قلبه صافي خالص دين الله شغله عما سواه.

يا ثوري ما الدنيا؟ وما عسى أن تكون؟ هل الدنيا إلا أكل أكلته، أو ثوب لبسته، أو مركب ركبته، إن المؤمنين لم يطمئنوا في الدنيا ولم يأمنوا قدوم الآخرة، دار الدنيا دار زوال ودار الآخرة دار قرار، أهل الدنيا أهل غفلة. إن أهل التقوى أخف أهل الدنيا مؤونة وأكثرهم معونة، إن نسيت ذكروك وإن ذكروك أعلموك فأنزل الدنيا كمنزل نزلته فارتحلت عنه، أو كمال أصبته في منامك فاستيقظت وليس في يدك شئ منه.

فكم من حريص على أمر قد شقي به حين أتاه. وكم من تارك لامر قد سعد به حين أتاه (2).

وقيل له: ما الدليل على الواحد؟ فقال عليه السلام: ما بالخلق من الحاجة.

وقال عليه السلام: لن تكونوا مؤمنين حتى تعدوا البلاء نعمة والرخاء مصيبة.

وقال عليه السلام: المال أربعة آلاف واثنا عشر ألف درهم كنز.ولم يجتمع عشرون ألفا من حلال. وصاحب الثلاثين ألفا هالك. وليس من شيعتنا من يملك مائة ألف درهم.

وقال عليه السلام: من صحة يقين المرء المسلم أن لا يرضي الناس بسخط الله. ولا يحمدهم

___________________________________

(1) عسر الرجل: ضاق خلقه وضد يسر وسهل. والنكد - بفتح وضم -: قليل الخير والعطاء.

(2) روى الكلينى مضمون هذا الخبر في الكافى ج 2 ص 133 عن جابر عن على بن الحسين عليه السلام.

(*)

[378]

على ما رزق الله. ولا يلومهم على ما لم يؤته الله، فإن رزقه (1) لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كره كاره. ولو أن أحدكم فر من رزقه كما يفر من الموت لادركه رزقه قبل موته كما يدركه الموت.

وقال عليه السلام: من شيعتنا من لا يعدو صوته سمعه ولا شحنه أذنه (2) ولا يمتدح بنا معلنا (3).

ولا يواصل لنا مبغضا. ولا يخاصم لنا وليا ولا يجالس لنا عائبا.

قال له مهزم (4): فكيف أصنع بهؤلاء المتشيعة؟ (5) قال عليه السلام: فيهم التمحيص (6) وفيهم التمييز وفيهم التنزيل، تأتي عليهم سنون تفنيهم وطاعون يقتلهم. واختلاف يبددهم. شيعتنا من لا يهر هرير الكلب (7) ولا يطمع طمع الغراب ولا يسأل وإن مات جوعا.

قلت: فأين أطلب هؤلاء؟ قال عليه السلام: اطلبهم في أطراف الارض اولئك الخفيض عيشهم (8)، المنتقلة دارهم، الذين إن شهدوا لم يعرفوا وإن غابوا لم يفتقدوا. وإن مرضوا لم يعادوا. وإن خطبوا لم يزوجوا. وإن رأوا منكرا أنكروا. وإن خاطبهم جاهل سلموا وإن لجأ إليهم ذو الحاجة منهم رحموا.

وعند الموت هم لا يحزنون. لم تختلف قلوبهم وإن رأيتهم اختلفت بهم البلدان.

وقال عليه السلام: من أراد أن يطول عمره فليقم أمره. ومن أراد أن يحط وزره فليرخ ستره (9).

ومن أراد أن يرفع ذكره فليخمل أمره (10).

وقال عليه السلام: ثلاث خصال هن أشد ما عمل به العبد: إنصاف المؤمن من نفسه ومواساة

___________________________________

(1) في الكافى ج 2 ص 57 وفيه [ فان الرزق لا يسوقه حرص حريص ولا يرده كراهية كاره ].

(2) كذا. وفى الكافى [ ولا شحناؤه بدنه ].

(3) في بعض النسخ [ ولا يمتدح بمعاملنا ]. " ولا يواصل لنا مبغضا " اى لا يواصل عدونا.

(4) هو مهزم بن أبى برزة الاسدى الكوفى من أصحاب الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام.

(5) في بعض النسخ [ الشيعة ].

(6) التمحيص: الاختبار والامتحان. وفيهم التنزيل أى نزول البلية والعذاب. وفى الكافى [ وفيهم التبديل ]. والسنون: جمع سنة اى القحط والجدب.

(7) الهرير: صوت الكلب دون نباحة من قلة صبره على البرد.

(8) خفض العيش. دناء‌ته.

(9) أرخى الستر: أرسله وأسدله. والمراد بالستر الحياء والخوف.

(10) وأخمله: جعله خاملا أى خفيا ومستورا. وفي بعض النسخ [ فليحمل ] وبعضها [ فليجمل ].

(*)

[379]

المرء لاخيه. وذكر الله على كل حال. قيل له: فما معنى ذكر الله على كل حال؟ قال عليه السلام: يذكر الله عند كل معصية يهم بها فيحول بينه وبين المعصية.

وقال عليه السلام: الهمز زيادة في القرآن (1).

وقال عليه السلام: إياكم (2) والمزاح، فإنه يجر السخيمة ويورث الضغينة وهو السب الاصغر.

وقال الحسن بن راشد (3) قال أبوعبدالله عليه السلام: إذا نزلت بك نازلة فلا تشكها إلى أحد من أهل الخلاف ولكن اذكرها لبعض إخوانك، فإنك لن تعدم خصلة من أربع خصال: إما كفاية وإما معونة بجاه أو دعوة مستجابة أو مشورة برأي.

وقال عليه السلام: لا تكونن دوارا في الاسواق ولا تكن شراء دقائق الاشياء بنفسك، فإنه يكره للمرء ذي الحسب والدين أن يلي دقائق الاشياء بنفسه (4) إلا في ثلاثة أشياء شراء العقار والرقيق والابل.

وقال عليه السلام: لا تكلم بما لا يعنيك ودع كثيرا من الكلام فيما يعنيك حتى تجد له موضعا. فرب متكلم تكلم بالحق بما يعنيه في غير موضعه فتعب. ولا تمارين سفيها ولا حليما، فإن الحليم يغلبك والسفيه يرديك. واذكر أخاك إذا تغيب بأحسن ما تحب أن يذكرك به إذا تغيبت عنه، فإن هذا هو العمل. واعمل عمل من يعلم أنه مجزي بالاحسان مأخوذ بالاجرام.

وقال له يونس (5): لولائي لكم وما عرفني الله من حقكم أحب إلي من الدنيا

___________________________________

(1) في بعض النسخ [ الهمزة زيادة في القرآن ]. يعنى نبرها.

راجع رجال النجاشى ترجمة أبان ابن تغلب.

(2) في بعض النسخ [ إياك ].

(3) هو الحسن بن راشد مولى بنى العباس بغدادى كوفى من اصحاب الصادق عليه السلام وادرك الكاظم عليه السلام وروى عنه أيضا. ويمكن أن يكون هو حسن بن راشد طفاوى من الصحاب الصادق عليه السلام له كتاب نوادر، حسن كثير العلم.

(4) دقائق الاشياء: محقراتها. والعقار: الضيعة، المتاع، وكل ما له أصل وقرار. والعقار في الاحاديث كل ملك ثابت له أصل كالارض والضياع والنخل. والرقيق: المملوك للذكر والانثى.

(5) الظاهر أنه ابوعلى يونس بن يعقوب بن قيس البجلى الكوفى من أصحاب الصادق والكاظم والرضا عليه السلام، ثقة، معتمد عليه من أصحاب الاصول المدونة ومن أعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والاحكام والفتيا وله كتاب وكان يتوكل لابى الحسن عليه السلام.

- امه منية بنت عمار بن أبى معاوية الدهنى اخت معاوية بن عمار - مات رحمه الله في ايام الرضا عليه السلام بالمدينة وبعث اليه ابوالحسن الرضا عليه السلام بحنوطه وكفنه وجميع ما يحتاج إليه.

(*)

[380]

بحذافيرها. قال يونس: فتبينت الغضب فيه. ثم قال عليه السلام: يا يونس قستنا بغير قياس ما الدنيا وما فيها هل هي إلا سد فورة، أو ستر عورة وأنت لك بمحبتنا الحياة الدائمة.

وقال عليه السلام: يا شيعة آل محمد إنه ليس منا من لم يملك نفسه عند الغضب ولم يحسن صحبة من صحبه ومرافقة من رافقه ومصالحة من صالحه ومخالفة من خالفه. يا شيعة آل محمد اتقوا الله ما استطعتم. ولا حول ولا قوة إلا بالله.وقال عبدالاعلى (1): كنت في حلقة بالمدينة فذكروا الجود، فأكثروا، فقال رجل منها يكنى أبا دلين: إن جعفر أو إنه لو لا أنه - ضم يده - فقال لي أبوعبدالله عليه السلام: تجالس أهل المدينة؟ قلت: نعم. قال عليه السلام: فما حدثت بلغني؟ فقصصت عليه الحديث، فقال عليه السلام: ويح أبا دلين إنما مثله مثل الريشة تمر بها الريح فتطيرها (2).

ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: كل معروف صدقة وأفضل الصدقة صدقة عن ظهر غنى (3). وابدأ بمن تعول. واليد العليا خير من السفلى. ولا يلوم الله على الكفاف، أتظنون أن الله بخيل وترون أن شيئا أجود من الله. إن الجواد السيد من وضع حق الله موضعه. وليس الجواد من يأخذ المال من غير حله ويضع في غير حقه أما والله إني لارجو أن ألقى الله ولم أتناول ما لا يحل بي وما ورد علي حق الله إلا أمضيته وما بت ليلة قط ولله في مالي حق لم اؤده.

___________________________________

(1) هو عبدالاعلى مولى آل سام من أصحاب الصادق عليه السلام وأنه اذن له في الكلام لانه يقع ويطير وقد تضمن عدة اخبار انه عليه السلام دعاه إلى الاكل معه من طعامه المعتاد ومن طعام اهدى له. ويمكن أن يكون الراوى هو عبدالاعلى بن اعين العجلى مولاهم الكوفى من اصحاب الصادق عليه السلام. وقيل باتحادهما.

(2) الريشة: واحدة الريش وهو للطائر بمنزلة الشعر لغيره. ولعل المراد أنه في خفته كالريشة تتبع كل ناعق وتميل مع كل ريح وهو لم يستضئ بنور العلم ولم يلجأ إلى ركن وثيق. وأبودلين في بعض النسخ [ أباد كين ]. بالتصغير. وقيل: هو ابن دكين وهو فضل بن دكين المكنى بأبى نعيم كان من أكابر محدثى قدماء الاسلام وروى عنه كلا الطائفتين ولد سنة 130 وقدم بغداد فنزل الرميلة وهى محلة بها فاجتمع إليه اصحاب الحديث ونصبوا له كرسيا صعد عليه وأخذ يعظ الناس ويذكرهم ويروى لهم الاحاديث وتوفى بالكوفة سنة 210.

(3) قال الجزرى: وفيه خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى أى ما كان عفوا قد فضل عن غنى وقيل: أراد ما فضل عن العيال والظهر قد يزاد في مثل هذا إشباعا للكلام وتمكينا، كأن صدقته مستندة إلى ظهر قوى من المال. انتهى.

مثله " خير الصدقة ما ابقيت غنى " أى أبقيت بعدها لك ولعيالك غنى والمراد نفس الغنى لكنه اضيف للايضاح والبيان كما قيل: ظهر الغيب والمراد نفس الغيب فالاضافة بيانية طلبا للتأكيد كما في حق اليقين والدار الاخرة. والمراد باليد العليا: المعطية المتعففة. واليد السفلى: المانعة أو السائلة. (*)

[381]

وقال عليه السلام: لارضاع بعد فطام (1). ولا وصال في صيام ولا يتم بعد احتلام. ولا صمت يوم إلى الليل. ولا تعرب بعد الهجرة (2). ولا هجرة بعد الفتح. ولا طلاق قبل النكاح. ولا عتق قبل ملك.

ولا يمين لولد مع والده (3). ولا للمملوك مع مولاه ولا للمرأة مع زوجها. ولا نذر في معصية. ولا يمين في قطيعة.

وقال عليه السلام: ليس من أحد - وإن ساعدته الامور - بمستخلص غضارة عيش (4) إلا من خلال مكروه. ومن انتظر بمعاجلة الفرصة مؤاجلة الاستقصاء (5) سلبته الايام فرصته لان من شأن الايام السلب وسبيل الزمن الفوت.

وقال عليه السلام: المعروف زكاة النعم. والشفاعة زكاة الجاه. والعلل زكاة الابدان. والعفو زكاة الظفر. وما اديت زكاته فهو مأمون السلب.

وكان عليه السلام يقول عند المصيبة: " الحمد لله الذي لم يجعل مصيبتي في ديني والحمد لله الذي لو شاء أن تكون مصيبتي أعظم مما كان كانت، والحمد لله على الامر الذي شاء أن يكون وكان ".

___________________________________

(1) فالمراد أن من شرب اللبن بعد فطامه من امرأة اخرى لم يحرم ذلك الرضاع، لانه رضاع بعد فطام. " ولا وصال في صيام " أى يحرم ذلك الصوم فلا يجوز. " ولا يتم بعد احتلام " أى لا يطلق اليتيم على الصبى الذى فقد أباه إذا احتلم وبلغ. واليتم - بفتح وضم -: مصدر يتم ييتم فهو يتيم. " ولا صمت يوم إلى الليل " أى ليس صومه صوما ولا يكون مشروعا فلا فضيلة له وفي الحديث " صوم الصمت حرام ".

(2) " لا تعرب بعد الهجرة " اى يحرم الالتحاق ببلاد الكفر والاقامة فيها من غير عذر وفي الخبر " من الكفر التعرب بعد الهجرة ". وروى أيضا " ان المتعرب بعد الهجرة التارك لهذا الامر بعد معرفته". فلا يبعد أن يراد بالكلام معنى عاما يشمل كل مورد بحسب الزمان والمقام. ولذا قيل: " التعرب بعد الهجرة في زماننا هذا أن يشتغل الانسان بتحصيل العلم ثم يتركه ويصير منه غريبا ". ولعل المراد بالفتح فتح مكة أو مطلق الفتح فيراد به معنى عاما.

(3) لعل المراد به نفى الصحة فلا ينعقد من الاصل كما يمكن أن يراد بها نفى اللزوم فينعقد الا أنه لا يلزم.

(4) الغضارة - بالفتح -: طيب العيش يقال: إنهم لفى غضارة من العيش أى في خير وخصب - من غضر غضارة - : اخصب. طاب عيشه، كثر ماله. " من خلال مكروه " أى بينه. وخلال الديار: ما بين بيوتها أو ما حوالى حدودها. ولعل المراد ان النيل بغضارة العيش لكل أحد لا تحصل الا بعد التعب والمشقة.

(5) لعل المراد أن من وجد الفرصة ولم يستفد منها وينتظر زمنا حتى يستوفى من المطلوب بنحو أتم ذهبت هذه الفرصة أيضا ولم ينل بشى من المطلوب أبدا. (*)

[382]

وقال عليه السلام: يقول الله: من استنقذ حيرانا من حيرته سميته حميدا، وأسكنته جنتي (1).

وقال عليه السلام: إذا أقبلت دنيا قوم كسوا محاسن غيرهم وإذا أدبرت سلبوا محاسن أنفسهم (2).

وقال عليه السلام: البنات حسنات والبنون نعم، فالحسنات تثاب عليهن والنعمة تسأل عنها.

___________________________________

(1) في بعض النسخ [ اسميه ]. " حميدا " كذا. وفي بعض النسخ: " جهيدا ".

(2) قد مضى في كلمات مولانا أمير المؤمنين على بن أبى طالب عليه السلام ما في معناه.

(*)

[383]

وروى عن الامام الكاظم الامين أبى ابراهيم ويكنى أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام في طوال هذه المعانى