* (وروي عنه عليه السلام في قصار هذه المعاني) *
قال عليه السلام لبعض مواليه: عاتب فلانا وقل له: إن الله إذا أراد بعبد خيرا إذا عوتب قبل.
وكان المتوكل نذر أن يتصدق بمال كثير إن عافاه الله من علته، فلما عوفي سأل العلماء عن حد المال الكثير فاختلفوا ولم يصيبوا المعنى، فسأل أبا الحسن عليه السلام عن ذلك فقال عليه السلام: يتصدق بثمانين درهما، فسأل عن علة ذلك؟ فقال: إن الله قال لنبيه صلى الله عليه وآله: " لقد نصركم الله في مواطن كثيرة (7) " فعددنا مواطن رسول الله صلى الله عليه وآله فبلغت ثمانين
___________________________________
(1) أسنى له الجائزة: جعلها سنية.
والانزال: جمع نزل - بالتحريك - اى العطاء والفضل وأنزل القوم: أرزاقهم.
(2) الكسير بمعنى المكسور. ويجبر الكسير أى يصلحه.
(3) الحاسر: العارى والمراد الذى كان بلا درع وثوب.
(4) في المناقب [ فان الحكم في أهل البصرة الكف عنهم لما ألقوا أسلحتهم إذ لم تكن لهم فئة يرجعون إليها. والحكم في اهل صفين أن يتبع مدبرهم ويجهز على جريحهم ].
(5) في المناقب [ ولولا امير المؤمنين عليه السلام وحكمه في اهل صفين والجمل لما عرف الحكم في عصاة اهل التوحيد ].
(6) سورة ص آية 38. وبقية الاية " فامنن أو مسك بغير حساب ".
(7) سورة التوبة آية 25.
(*)
[482]
موطنا وسماها الله كثيرة فسر المتوكل بذلك وصدق بثمانين درهما.
وقال عليه السلام: إن لله بقاعا يحب أن يدعى فيها فيستجيب لمن دعاه والحير منها (1).
وقال عليه السلام: من اتقى الله يتقى. ومن أطاع الله يطاع. ومن أطاع الخالق لم يبال سخط المخلوقين. ومن أسخط الخالق فلييقن أن يحل به سخط المخلوقين.
وقال عليه السلام: إن الله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، وأنى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه والاوهام أن تناله والخطرات أن تحده والابصار عن الاحاطة به. نأى في قربه وقرب في نأيه، كيف الكيف بغير أن يقال: كيف، وأين الاين بلا أن يقال: أين، هو منقطع الكيفية والاينية، الواحد الاحد، جل جلاله وتقدست أسماؤه.
وقال الحسن بن مسعود (2): دخلت على أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام وقد نكبت إصبعي (3). وتلقاني راكب وصدم كتفي ودخلت في زحمة (4) فخرقوا على بعض ثيابي، فقلت: كفاني الله شرك من يوم فما أيشمك (5).
فقال عليه السلام لي: يا حسن هذا وأنت تغشانا (6) ترمي بذنبك من لا ذنب له، قال الحسن: فأثاب إلى عقلي وتبينت خطائي، فقلت: يا مولاي استغفر الله، فقال: يا حسن ما ذنب الايام حتى صرتم تتشئمون بها إذا جوزيتم بأعمالكم فيها، قال الحسن: أنا أستغفر الله أبدا وهي توبتي يا ابن رسول الله؟ قال عليه السلام: والله ما ينفعكم ولكن الله يعاقبكم بذمها على ما لاذم عليها فيه، أما
___________________________________
(1) الحير - بالفتح -: مخفف حائر والمراد ان الحائر الحسينى عليه السلام من هذه البقاع.
(2) لم نظفر في احد من المعاجم بمن سمى بهذا الاسم من اصحاب ابى الحسن العسكرى عليه السلام ولعله هو الحسن بن سعيد الاهوازى من اصحاب الرضا والجواد وابى الحسن العسكرى عليهم السلام وهو الذى أوصل على بن مهزيار واسحاق بن ابراهيم الحضينى إلى الرضا عليه السلام حتى جرت الخدمة على ايديهما، كان ثقة هو وأخوه الحسين وله كتب، اصله كوفى وانتقل مع اخيه إلى الاهواز وكانا اوسع اهل زمانهما علما بالفقه والاثار والمناقب.
(3) نكبت اصبعى: خدشت واصابته خدشة.
(4) الزحمة: مصدر كالزحام من زحم - كمنع -: ضايقه ودافعه في محل ضيق.
وخرق الثوب: مزقه.
(5) كذا. والظاهر [ فما أشأمك ].
(6) غشا يغشو - فلانا -: اتاه. وغشى يغشى - المكان -: اتاه.
(*)
[483]
علمت يا حسن أن الله هو المثيب والمعاقب والمجازي بالاعمال عاجلا وآجلا؟ قلت: بلى يا مولاي، قال عليه السلام: لا تعد ولا تجعل للايام صنعا في حكم الله، قال الحسن: بلى، يا مولاي.
وقال عليه السلام: من أمن مكر الله وأليم أخذه تكبر حتى يحل به قضاؤه ونافذ أمره.
ومن كان على بينة من ربه هانت عليه مصائب الدنيا ولو قرض ونشر.
وقال داود الصرمي (1): أمرني سيدي بحوائج كثيرة، فقال عليه السلام لي: قل: كيف تقول؟ فلم أحفظ مثل ما قال لي، فمد الدواة وكتب بسم الله الرحمن الرحيم أذكره إن شاء الله والامر بيد الله، فتبسمت، فقال عليه السلام: مالك؟ قلت: خير، فقال: أخبرني؟ قلت: جعلت فداك ذكرت حديثا حدثني به رجل من أصحابنا عن جدك الرضا عليه السلام إذا أمر بحاجة كتب بسم الله الرحمن الرحيم أذكر إن شاء الله، فتبسمت، فقال عليه السلام لي: يا داود ولو قلت: إن تارك التقية كتارك الصلاة لكنت صادقا.
وقال عليه السلام يوما: إن أكل البطيخ يورث الجذام، فقيل له: أليس قد أمن المؤمن إذا أتى عليه أربعون سنة من الجنون والجذام والبرص؟ قال عليه السلام: نعم، ولكن إذا خالف المؤمن ما امر به ممن آمنه لم يأمن أن تصيبه عقوبة الخلاف.
وقال عليه السلام: الشاكر أسعد بالشكر منه بالنعمة التي أوجبت الشكر، لان النعم متاع. والشكر نعم وعقبى.
وقال عليه السلام: إن الله جعل الدنيا دار بلوى والآخرة دار عقبى وجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا.
وقال عليه السلام: إن الظالم الحالم يكاد أن يعفى على ظلمه بحلمه. وإن المحق السفيه يكاد أن يطفئ نور حقه بسفهه.
وقال عليه السلام: من جمع لك وده ورأيه فاجمع له طاعتك.
وقال عليه السلام: من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره.
وقال عليه السلام: الدنيا سوق، ربح فيها قوم وخسر آخرون.
___________________________________
(1) هو أبواسماعيل داود الصرمى - بفتح الصاد وقيل: بكسرها - كان من أصحاب الهادى عليه السلام وهو شيعى إمامى حسن.
(*)
[484]
[ بسم الله الرحمن الرحيم ] " وروى عن الامام الخالص الهادى أبى محمد الحسن بن على عليهما السلام في طوال هذه المعانى " " كتابه عليه السلام إلى اسحاق بن اسماعيل النيسابوري (1) " سترنا الله وإياك بستره وتولاك في جميع أمورك بصنعه، فهمت كتابك يرحمك الله ونحن بحمد الله ونعمته أهل بيت نرق على أوليائنا ونسر بتتابع إحسان الله إليهم وفضله لديهم.
ونعتد بكل نعمة ينعمها الله تبارك وتعالى عليهم، فأتم الله عليك يا إسحاق وعلى من كان مثلك - ممن قد رحمه الله وبصره بصيرتك - نعمته. وقدر تمام نعمته دخول الجنة. وليس من نعمة وإن جل أمرها وعظم خطرها إلا و " الحمد لله " تقدست أسماؤه عليها مؤد شكرها، وأنا أقول (2) الحمد لله أفضل ما حمده حامده إلى أبد الابد بما من الله عليك من رحمته ونجاك من الهلكة وسهل سبيلك على العقبة. وايم الله إنها (3) لعقبة كؤود، شديد أمرها، صعب مسلكها، عظيم بلاؤها، قديم في الزبر الاولى ذكرها. ولقد كانت منكم في أيام الماضي عليه السلام إلى أن مضى لسبيله وفي أيامي هذه امور كنتم فيها عندي غير محمودي الرأي ولا مسددي التوفيق.
فاعلم يقينا يا إسحاق أنه من خرج من هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا يا إسحاق(4) ليس تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور، وذلك قول الله في محكم كتابه حكاية عن الظالم إذ يقول: " رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى (5) ". وأي آية أعظم
___________________________________
(1) هو ثقة من أصحاب أبى محمد العسكرى عليه السلام وممن كانت ترد عليهم التوقيعات أيضا.
وهذا التوقيع رواه الكشى في رجاله قال: حكى بعض الثقات بنيسابور أنه خرج لاسحاق بن اسماعيل من أبى محمد عليه السلام توقيع.
فوقع عليه السلام: يا اسحاق بن اسماعيل سترنا الله وإياك - إلى آخر الخبر مع - تغييرات وزيادات ورواه المجلسى في المجلد الثانى عشر من البحار الطبع الحجرى.
(2) في بعض النسخ [ فأنا أقول ].
(3) في بعض النسخ [ وإنها أيم الله ].
(4) في بعض النسخ [ يا ابن إسماعيل ].
(5) سورة طه آية 126.
(*)
[485]
من حجة الله على خلقه وأمينه في بلاده وشهيده على عباده من بعد من سلف من آبائه الاولين النبيين وآبائه الآخرين الوصيين عليهم أجمعين السلام ورحمة الله وبركاته.
فأين يتاه بكم (1) وأين تذهبون كالانعام على وجوهكم، عن الحق تصدفون وبالباطل تؤمنون وبنعمة الله تكفرون أو تكونون ممن يؤمن ببعض الكتاب ويكفر ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلا خزي في الحيوة الدنيا وطول عذاب في الآخرة الباقية. وذلك والله الخزي العظيم. إن الله بمنه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم بل برحمة منه - لا إله إلا هو - عليكم ليميز الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدروكم وليمحص ما في قلوبكم، لتسابقوا إلى رحمة الله ولتتفاضل منازلكم في جنته، ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والصوم والولاية وجعل لكم بابا تستفتحون به أبواب الفرائض ومفتاحا إلى سبيله، لولا محمد صلى الله عليه وآله والاوصياء من ولده لكنتم حيارى (2) كالبهائم لا تعرفون فرضا من الفرائض وهل تدخل مدينة (3) إلا من بابها، فلما من عليكم بإقامة الاولياء بعد نبيكم، قال الله في كتابه: " أليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا (4) " ففرض عليكم لاوليائه حقوقا أمركم بأدائها ليحل لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومآكلكم ومشاربكم، قال الله: " قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى (5) " واعلموا أن من يبخل فإنما يبخل عن نفسه والله الغنى وأنتم الفقراء، لا إله إلا هو. ولقد طالت المخاطبة فيما هو لكم وعليكم. ولو لا ما يحب الله من تمام النعمة من الله عليكم لما رأيتم لي خطا ولا سمعتم مني حرفا من بعد مضي الماضي عليه السلام وأنتم في غفلة مما إليه معادكم (6). ومن بعد إقامتى لكم إبراهيم بن عبدة (7) وكتابي الذي حمله إليكم محمد بن موسى النيسابوري والله
___________________________________
(1) تاه يتيه: ضل وذهب متحيرا.
(2) الحيارى - بالفتح والضم -: جمع حيران.
(3) في بعض النسخ [ قرية ].
(4) سورة المائدة آية 5.
(5) سورة الشورى آية 23.
(6) في بعض النسخ [ معاذكم ].
(7) إبراهيم بن عبدة ومحمد بن موسى النيسابورى كانا من أصحاب الهادى والعسكرى عليهما السلام وروى الكشى (ره) بعض توقيعات في حقهما.
(*)
[486]
المستعان على كل حال. وإياكم أن تفرطوا في جنب الله فتكونوا من الخاسرين. فبعدا وسحقا لمن رغب عن طاعة الله ولم يقبل مواعظ أوليائه. فقد أمركم الله بطاعته وطاعة رسوله وطاعة أولي الامر، رحم الله ضعفكم وغفلتكم وصبركم على أمركم فما أغر الانسان بربه الكريم ولو فهمت الصم الصلاب بعض ما هو في هذا الكتاب لتصدعت (1) قلقا وخوفا من خشية الله ورجوعا إلى طاعة الله، اعملوا ما شئتم " فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون (2) " والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله أجمعين.