الإمامة الذي دفعني إلى الحديث عن الإمامة هو سؤال بعض الأساتذة الزملاء في الجامعة اللبنانية، كلية الآداب قوله: لماذا الشيعة يعظمون دور الإمامة اكثر ممّا تستحق؟ وما هو دور الإمام بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله)؟ قبل الجواب على هذا السؤال أرى من الغريب جداً ما يدعيه غير الشيعة من أن النبي (صلّى الله عليه وآله) رحل من هذه الدنيا ولم يوص إلى أحد من بعده ليقوم مقامه، ويتحمّل مسؤولية تنفيذ الدعوة الإسلامية، فترك الأمة بلا إمام يدير شؤونها، ويجمع شملها، ويوضح السنن، ويقوّم الاعوجاج، ويقيم الحدود، ويرشد الضالين عن الخط الإسلامي الصحيح؟!! وما هو ثابت عند المؤرخين وكتاب السنن أنه (صلّى الله عليه وآله) كان يستخلف على المدينة إذا أراد سفراً، ولا يرسل جيشاً في مهمة حتى يعيّن له قائداً، وربّما عين لبعض جيوشه أكثر من قائد(1). ومن المؤسف أنه عندما يريدون تنزيه شخص أو جماعة يخلقون أفضل المبررات في نظرهم، ويعتذرون عنهم بأحسن الأعذار. من ذلك ابتدع معاوية فرقة القصاصين الذين يشيدون بمآثره، ويعيبون على عليّ وأنصاره. ثم اخترع فرقة المرجئة الذين يرجئون معايب ونقائص الخليفة إلى يوم الحساب، ويعفى من محاسبة الجماعة له إن ظلم أو أخطأ. كما نسب إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله) وإلى الله سبحانه وتعالى ما لم ينزل به سلطان. كل ذلك من أجل تصحيح عمل قام به السلف، أو من أجل مصالح دنيوية ضيّقة، وقد نسوا أو تناسوا قول الله تعالى: (... أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(2). ولو أنصف الناس الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) لاكتفوا بنص الغدير وحده دون غيره من النصوص الكثيرة، فقد شهد بيعة يوم الغدير جل المسلمين، وشاهدوا المراسيم التي اجراها الرسول (صلّى الله عليه وآله) في ذلك اليوم التاريخي ومن العجيب كيف نسيت الأمة بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ذلك اليوم، هذا والعهد قريب والرسول (صلّى الله عليه وآله) بعد لم يدفن والشهود الكثر حضور. ولا أريد أن أخوض في هذا الحديث المؤلم الذي دب الاختلاف بين المسلمين وفرّقهم فرقاً وشيعاً. ولا يخفى على كل ذي بصر أن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وحده المنصوص عليه بالخلافة من قبل الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، وكذلك أولاده عليهم الصلاة والسلام(3). وقد التزم الأئمة (عليهم السلام) في نص بعضهم على بعض، السابق منهم على اللاحق، والوالد على ولده، إقامة للحجة، وإعذاراً للأمة. وهنا أحد النصوص الكثيرة في حق الإمام موسىالكاظم (عليه السلام) من قبل أبيه الصادق (عليه السلام): قال محمد بن الوليد: سمعت علي بن جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) يقول: سمعت أبي جعفر بن محمد (عليه السلام) يقول لجماعة من خاصته وأصحابه: استوصوا يا بني موسى خيراً، فإنه أفضل ولدي، ومن أخلفه من بعدي، وهو القائم مقامي، والحجّة لله تعالى على كافة خلقه من بعدي)(4). والإمام موسى (عليه السلام) بلغ أعلى مستويات الإنسانية وقيمها في مواهبه وعبقرياته، فكان عنواناً فذاً من أفذاذ العقل الإنساني، ومثلاً رائعاً من أمثلة الخير والكمال في الأرض؛ وذلك لما أثر عنه من الفضائل والمآثر كدماثة الأخلاق، والإحسان إلى الناس، والصمود أمام الأحداث، وسعة العلم، ونبل الحلم، إلى غير ذلك من النزعات الكريمة التي يقدّسها كل إنسان يقدّر المثل العليا، ويؤمن بالانسانية الكريمة؛ وقد منحه الله تعالى الإمامة، وخصّه بالنيابة العامة عن جده الرسول الأعظم، فهو أحد أوصيائه المعصومين، وأحد خلفائه على أمته. والإمامة حسب مفهوم الشيعة، كالنبوة لا يمنحها الله إلا للذوات الخيّرة التي طهرت من الأرجاس والآثام. وهي من أسمى المناصب الإلهية لا يتوّج بها إلا أفضل الخلق وأكرمهم عند الله. وهنا لابدّ من توضيح معنى الإمامة.
معنى الإمامة الإمام لفظاً يقال للطريق الواسع الواضح، ولدليل المسافرين، ولحادي الإبل، والقدر الذي يتعلمه التلميذ كل يوم في المدرسة يقال: حفظ الصبي إمامه. والقرآن للمسلمين جاء في التنزيل: (وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)(5)،(6). والإمامة اصطلاحاً (رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص إنساني). والإمام حسب هذا التحديد هو الزعيم العام والرئيس المتبع الذي له السلطة الشاملة على جميع شؤون الناس الدينية والدنيوية فالنبي (صلّى الله عليه وآله) أولى بالمؤمنين من أنفسهم فكذلك الإمام حسب ما نص عليه النبي (صلّى الله عليه وآله) في خطابه بغدير خم حينما نصب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) خليفة وإماماً على المسلمين من بعده.
حاجة الأمة إلى الإمامة الإمامة اصل من أصول التشريع الإسلامي، اتفق المسلمون على ضرورتها، لأن الشريعة الإسلامية مجموعة من الأحكام والقواعد فيها الحدود والعقوبات، وفيها الحكم بما أنزل الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيها الجهاد في سبيل الله، والدفاع عن حياض الدين، والإرث والزواج وكل ما يتعلق بتنظيم الحياة الدنيوية والدينية تنظيماً سليماً مباركاً يعود بالفائدة على الفرد والمجتمع. جاء في السياسة الشرعية لابن تيمية: (إن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين، بل لا قيام للدين إلا بها، ولأن الله أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونصرة المظلوم وكذلك سائر ما أوجبه الله من الجهاد والعدل، وإقامة الحدود، ولا تتم إلا بالقوة والإمارة..)(7). فلابد لوجود المسلمين السياسي والديني والاجتماعي من إمام يسوس أمرهم ويعالج قضاياهم على ضوء كتاب الله، وسنّة نبيه المصطفى (صلّى الله عليه وآله)، ويسير فيهم سيرة حسنة قوامها العدل الخالص، وإظهار الحق وإرجاعه إلى مستحقه. وبذلك تصبح الإمامة ضرورة من ضروريات الحياة الإسلامية لا يمكن الاستغناء عنها، فبها تتحقق العدالة الكبرى التي ينشدها الله في الأرض عن طريق الأئمة العلماء. ومن هنا كان القول المأثور: العلماء ورثة الأنبياء. ومن الأمور الضرورية الداعية إلى قيام الإمامة: ايصال الناس إلى معرفة الله وطاعته، وارشاد المجتمع إلى الخير والحق والصلاح وتغذيته بروح الإيمان والتقوى وإبعاده عن الشرور والمفاسد.
الاتفاق على وجوبها اتفق عامة المسلمين على وجوب الإمامة بمعناها القيادي للامة سوى الخوارج فإنهم قالوا: لا يلزم الناس فرض الإمامة، وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق فيما بينهم(8). وقد أجمع المسلمون على زيف ذلك وبطلانه أما الأخبار التي تضافرت على ضرورتها هي كثيرة اخترنا منها: 1ـ قول الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية وقال (صلّى الله عليه وآله): من فارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عصبية يغضب لغضبها أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة فقتل فقتلته جاهلية)(9). وقال ابن خلدون: (إن نصب الإمام واجب قد عرف وجوبه في الشرع بإجماع الصحابة والتابعين ولم تترك الناس فوضى في عصر... واستقر ذلك إجماعاً دالاً على وجوب نصب الإمام...)(10). يبدو واضحاً ممّا تقدم أن المسلمين قد أجمعوا منذ فجر التاريخ على ضرورة الإمام، وإنها من الواجبات الشرعية التي لا تستقيم الحياة في البلاد الإسلامية بدونها.
تعيين الإمام أجمع الشيعة أن الانتخاب في الإمامة باطل، والاختيار فيها مستحيل، فحالها كحال النبوة، ليس بيد الأمة، ولا بيد أهل الحل والعقد فكما أن النبوة لا تكون بإيجاد الإنسان ورغبته كذلك الإمامة، لأنّ العصمة التي هي شرط من شروط الإمامة عند الشيعة، لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، المطلع على دخائل القلوب وخفايا النفوس، فهو عزّ وجلّ وحده يمنحها لمن يشاء من عباده ويختاره لمنصب الإمامة والخلافة. فالنبوة والإمامة، كونهما منصباً إلهياً فإن تعيينهما من مختصاته تعالى ولا يجوز فيهما الترشيح والانتخاب. وقد أعلن ذلك في القرآن الكريم. قال تعالى: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ)(11). وقال تعالى أيضاً: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)(12). والنصوص المتضافرة عن أئمة أهل البيت تدل بوضوح على وجوب تعيين الإمامة من الله عزّ وجلّ. من تلك النصوص ما استدل به حجة الله على أرضه وخليفته على عباده الذي يصلح ما فسد من نظام الدين ويقوم الاعوجاج، مهدي هذه الأمة عجل الله فرجه الشريف وذلك عندما سأله سعد بن عبد الله عن العلة التي تمنع من اختيار الناس إماماً لأنفسهم فأجابه (عليه السلام) قائلاً: ـ يختارون مصلحاً أو مفسداً؟ ـ بل مصلحاً. ـ فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد بما يخطر ببال غيره من إصلاح أو فساد؟ ـ بلى. ـ فهي العلة أوردها لك ببرهان يثق به عقلك، اخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل الكتب عليهم، وأيدهم بالوحي والعصمة، إذ هم أعلام الأمم، وأهدى إلى الاختيار، منهم مثل موسى وعيسى هل يجوز مع وفور عقلهما، وكمال علمهما إذا هما بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن. ـ لا. ـ هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه، ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه، ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلاً ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم، فوقعت خيرته على المنافقين. قال تعالى في ذلك: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ)(13) الى قوله تعالى: (...فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ)(14) فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله للنبوة واقعاً على الأفسد دون الأصلح، وهو يظن أنه الأصلح علمنا ان الاختيار ليس الا لمن يعلم ما تخفي الصدور، وتكن الضمائر)(15). من هنا نعلم أن الطاقات البشرية قاصرة عن إدراك الأصلح الذي تسعد به الأمة وإنما أمر ذلك بيد الله تعالى العالم بخفايا الأمور قال تعالى: (إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(16).
واجبات الإمام حمل الإسلام مسؤولية كبيرة على عاتق الإمام، فأوجب عليه السهر على مصالح المسلمين ورعاية شؤونهم الدينية والدنيوية، وأناط به العمل على تطوير حياتهم وارشادهم إلى الخير والصلاح. وقد ذكر المعنيون بهذه البحوث أهم الواجبات التي يجب على الإمام القيام بها من أجل صيانة الإسلام كما أراده الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله): 1ـ حراسة الإسلام وحفظ الدين وصيانته من المستهترين بالقيم الإنسانية والأخلاقي الحميدة. 2ـ حماية بيضة الإسلام لينصرف الناس في معايشهم وينتشروا في أسفارهم، آمنين على أنفسهم وأموالهم. 3ـ الدفاع عن الثغور بالعدد والعُدَد حتى لا يطمع العدو بهم فينتهك محارمهم، ويسفك دماء المسلمين، من هنا وجب الجهاد. 4ـ الجهاد ضد الكفار المحاربين للإسلام حتى يسلموا أو يدخلوا في ذمة المسلمين قياماً بحق الله بظهور دينه على الدين كله. قال تعالى: (وَيَأْبَى اللهُ إِلاَ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(17). 5ـ تنفيذ الأحكام الشرعية بالحق، وقطع الخصومات حتى لا يتعدى ظالم ولا يضعف مظلوم، وإقامة الحدود لتتوقى المحارم، وتصان الأنفس والأموال. 6ـ اختيار الأمناء والأكفاء، وتقليد الولايات للثقات النصحاء لتضبط الأعمال وتحفظ الأموال. 7ـ جباية أموال الفيء، والخراج على ما أوجبه الشرع نصاً أو اجتهاداً من غير حيف ولا عسف. 8ـ العطاء المحق لكل واحد من بيت المال من غير سرف ولا تقتير ودفعه إلى المسلمين في وقت معلوم لا تقديم فيه ولا تأخير. 9ـ الإشراف على الأمور العامة بنفسه غير معتمد على ولاته وعماله، فقد يغش الناصح ويخون الأمين فينجرف وراء أهوائه وأطماعه. قال تعالى: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ)(18). وجاء في الصحيحين من رواية ابن عمر قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالمرأة في بيت زوجها راعية ومسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل في مال أبيه راع ومسؤول عن رعيته، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)(19). وأخرج الترمذي من حديث عمرو بن مرة الجهني قال لمعاوية: سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله) يقول: (ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجات والمسكنة إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته)(20). ومن يمعن النظر فيما أثر عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يرى أن واجبات الإمام أشمل من ذلك فانها تصل إلى إقامة مجتمع يعيش أفراده في ضلال العدل والحق والحرية، ونشر الأخلاق والفضائل التي دعا إليها الدين الإسلامي، ونبذ الرذائل والبغي والفساد التي نهى عنها. فواجبات الإمام مهمة وشاملة نتمنى أن يأخذ بها رؤساء العالم اليوم أو ببعض منها. هذا من حيث الواجبات أما عن صفات الإمام، فما هي الصفات التي نص عليها الفقه الإسلامي والتي يجب أن يتحلى بها الإمام؟
صفات الإمام لابدّ أن تتوفر في الإمام جميع الصفات الرفيعة، والنزعات الخيرة والمثل الكريمة، من علم وتقوى، ورجاحة في الرأي وأصالة في التفكير ودراية تامة بما تحتاج إليه الأمة في جميع مجالاتها وقد ذكر المعنيون بالفقه الإسلامي الشروط الأساسية التي يجب أن تتوفر في الإمام عند الشيعة. أهمها(21): 1ـ العلم المؤدي إلى الاجتهاد في النوازل والأحكام. 2ـ العدالة بشروطها الجامعة وهي الامتناع من ارتكاب الذنوب، وعدم الإصرار على صغائرها. 3ـ سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان... ليصح معه مباشرة ما يدرك بها. 4ـ سلامة الأعضاء من نقص يمنع من استيفاء الحركة، وسرعة النهوض. 5ـ الرأي المفضي إلى سياسة الرعيّة، وتدبير المصالح. 6ـ الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية بيضة الإسلام وجهاد العدو، لأن الجهاد في سبيل إحقاق الحق باب من أبواب الجنة كما قال أمير المؤمنين في خطبة الجهاد. 7ـ النسب وهو أن يكون الإمام من قريش لأنها أفصح العرب وأعلمهم ويعتقد الشيعة أن الإمام يجب أن تتوفر فيه صفات أخرى فيكون أفضل الناس في ملكاته الفكرية وإبداعاته الشخصية ألا وهي العصمة.
العصمة العصمة عند الشيعة هي قاعدة أساسية في الإمامة، وهي من المبادئ الأولية في كيانهم العقائدي وقد عرفها المتكلمون فقالوا: إنها لطف من الله يفيضها على أكمل عباده، وأفضلهم عنده، وبها يمتنع من ارتكاب الآثام والجرائم عمداً أو سهواً.. هذه العقيدة أثارت عليهم التهم والطعون، فاتهمهم قوم بالغلو والإفراط في الحب، حب أهل البيت (عليهم السلام). لكنا إذا رجعنا إلى الأدلة الموضوعية نجدها مؤيدة لما تذهب إليه الشيعة، ويكفي في ذلك القرآن الكريم وآية التطهير: قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(22). تدل هذه الآية الكريمـــة دلالـــة واضحـــة على عـــصمة أهل أئمة البيت (عليهم السلام) من الذنوب وطهارتهم من الــزيغ والرجس(23)، وذلك بما جاء فيها في علم صناعة الكلام من حصر وتأكيد. فحصر إذهاب الرجس بكلمة إنما التي هي من أقوى أدوات الحصر. ـ ودخول اللام في الكلام الخبري. ـ وتكرار لفظ الطهارة، وكل ذلك يدل على الحصر والاختصاص. ـ كما أن إرادة الله بإذهاب الرجس عنهم يستحيل فيها أن يتخلف المراد عن الإرادة. قال تعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(24). وبهذا يتم الاستدلال الأكيد على عصمة أئمة أهل البيت من كل ذنب ومعصية. ومن منا لا يذكر حديث الثقلين الذي يدل بوضوح تام على العصمة فقد قرن الرسول (صلّى الله عليه وآله) بين الكتاب والعترة، فكما أن الكتاب العزيز معصوم من الخطأ والزلل فكذلك العترة، وإلاّ لما صحت المقارنة والمساواة بينهما. وبعد توفر الأدلة الموضوعية فلا مساغ للإنكار على الشيعة بذلك. وما نراه أن نصوص القرآن هي التي قادتهم إلى ذلك وصحاح السنة ودلائل العقل. حتى أن طبيعة الإسلام ذاتها اضطرتهم إلى هذه العقيدة. ونحن لسنا في صدد الدفاع عن الشيعة، لأننا نبغي الحقيقة أينما كانت فالعصمة التي يشترطونها في إمام المسلمين، لا تخرج به عن مصاف البشر، ولا تلحقه بعداد الآلهة كما يتقول المتقولون! ثم هل العصمة في ذاتها جزء الهي حتى إذا اشترطناها نكون قد قلنا في الخليفة بالحلول؟! ولا يخفى على أحد من العلماء أن العصمة رصيد نفساني كبير يتكون من تعادل جميع القوى النفسانية، وبلوغ كل واحدة منها أقصى درجة يمكن أن يبلغها الإنسان، ثم سيطرة القوى العقلية على جميع هذه القوى والغرائز سيطرة كاملة حتى لا تشذ في أمر ولا تستغل دونها في عمل(25). ثم يزيد فيقول: هذه الحصانة الذاتية التي يرتفع بها الإنسان الأعلى عن الاتضاع في طبيعته، ويمتنع بها عن الانزلاق في إرادته وعن الانحرافات التي تترسب في منطقة اللاشعوري، وتتحول عقداً نفسية تتحكم في دوافع المرء وفي سلوكه وفي اتجاهاته وملكاته وتسوقه من حيث لا يريد إلى النشوز عن الحق والشرود عن العدل. هذه الحصانة الذاتية التي توقظ مشاعر الإنسان الكامل فلا يغفل، ويعتلي بملكاته واشراقه فلا ينزلق، ولا يكبو، والتي تحفظ له صحته النفسية من كل وجه، هذه هي العصمة التي يشترطها مذهب أهل البيت في الرئيس الأعلى لحكومة الإسلام، وفي ظني أنه شرط بمنتهى الجلاء كما أنه بمنتهى الحكمة..)(26). إن المنطق العلمي بجميع أبعاده يقضي بصحة ما تذهب إليه الشيعة من اعتبار العصمة في أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أما القول المعاكس فلا يستند إلى منطق عقلي ودليل علمي. وصفة أخرى هامة جداً يقول بها الشيعة وهي:
العلم يعتقد الشيعة بأن الإمام لابدّ أن يكون أعلم الناس في عصره وأفضلهم في مقدراته العلمية. وقد أوضح هذه الجهة توضيحاً دقيقاً سماحة المغفور له الشيخ محمد رضا المظفر فقال: (أما علمه، فهو يتلقى المعارف والأحكام الإلهية، وجميع المعلومات من طريق النبي (صلّى الله عليه وآله) أو الإمام (عليه السلام) قبله، وإذا استجد شيء لابدّ أن يعلمه من طريق الإلهام بالقوة القدسية التي أودعها الله تعالى فيه، فإنّ توجه إلى شيء وشاء أن يعلمه من طريق على وجهه الحقيقي لا يخطئ فيه، كل ذلك مستنداً إلى البراهين العقلية، ولا يستند إلى تلقينات المعلمين، وإن كان علمه قابلاً للزيادة والاشتداد، ولذا قال الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله): (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً). وأضاف يقول بعد الاستدلال على ذلك: ويبدو واضحاً هذا الأمر في تاريخ الأئمة (عليهم السلام) كالنبي محمد (صلّى الله عليه وآله) فإنهم لم يتربوا على أحد، ولم يتعلّموا على يد معلم، من مبدأ طفولتهم إلى سن الرشد حتى القراءة والكتابة، ولم يثبت عن أحدهم أنه دخل الكتاتيب أو تتلمذ على يد أستاذ في شيء من الأشياء مع مالهم من منزله علمية لا تجارى. وما سئلوا عن شيء إلا أجابوا عليه في وقته، ولم تمر على ألسنتهم كلمة (لا أدري) ولا تأجيل الجواب إلى المراجعة أو التأمل أو نحو ذلك في حين أنك لا تجد شخصاً مترجماً له من فقهاء الإسلام ورواته وعلمائه إلا ذكرت في ترجمته وتربيته وتلمذته على غيره وخذ الرواية أو العلم على المعروفين وتوقفه في بعض المسائل أو شكه في كثير من المعلومات كعادة البشر في كل عصر ومصر)(27). أما الإمام كاشف الغطاء فقد عرض إلى صفات الإمام (عليه السلام) وقال فيما يختص في مواهبه العلمية: (وأن يكون أفضل أهل زمانه في كل فضيلة، وأعلمهم بكل علم، لأن الغرض منه تكميل البشر وتزكية النفوس، وتهذيبها بالعلم والعمل الصالح (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ)(28). والناقص لا يكون مكملاً، والفاقد لا يكون معطياً، فالإمام في الكمالات دون النبي وفوق البشر)(29). وكما ترى هذا هو الرأي الصريح للشيعة في علم الإمام، وليس فيه أي غلو أو هوى كما يتهمهم الخصوم. وهنا يحضرني قول من وصف كلام الإمام علي (عليه السلام) أمير المؤمنين في نهج البلاغة فقال: (كلامه دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق). وأفضل كلام يقال في هذا المجال كلمة الإمام الرضا (عليه السلام) فهي من أعمق الأدلة على الإمامة، واكثرها استيعاباً وشمولاً وبياناً لمنصبها فقال (عليه السلام): هل يعرفون قدر الإمامة ومحلها من الأمة فيجوز فيها اختيارهم؟ إن الإمامة أجل قدراً، وأعظم شأناً، وأعلى مكاناً، وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيمون إماماً باختيارهم. إن الإمامة خصّ الله بها إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد النبوة، والخلّة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرفه بها، وأشاد بها ذكــره، فقال عــزّ وجـــلّ: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً) فقال الخــــليل سروراً بها: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)؟ قال عزّ وجـــلّ: (لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)(30). فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة. ثم أكرمه الله تعالى وجعل ذريته أهل الصفوة والطهارة. فقال عزّ وجلّ: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ * وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)(31). ولم تزل الإمامة في ذريته يرثها بعض عن بعض قرناً بعد قرن حتى ورثها النبي محمد (صلّى الله عليه وآله) قال عزّ وجلّ: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)(32). فكانت الخلافة للنبي الأكرم محمد (صلّى الله عليه وآله) التي قلّدها علياً بأمر الله عزّ وجلّ فصارت له في ذريته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان بقوله عزّ وجلّ: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ)(33). فالامامة أصبحت في ولد علي خاصة إلى يوم القيامة إذ لا نبي بعد النبي محمد (صلّى الله عليه وآله)، فمن يختار هؤلاء الجهال؟ إن الإمامة هي منزلة الأنبياء، وإرث الأوصياء، وخلافة الله عزّ وجلّ وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين، وميراث الحسن والحسين (عليهما السلام) حتى وصلت إلى الإمام زين العابدين، ومنه إلى الإمام الباقر، ومنه إلى الإمام الصادق، ومنه إلى الإمام الكاظم عليهم جميعاً أفضل الصلاة وأزكى السلام، وهكذا تتابعت في هذه الذرية الطاهرة إلى الإمام المهدي الثاني عشر عجّل الله فرجه الشريف. وتعرض (عليه السلام) بعد هذا إلى علم الأنبياء والأئمة فقال: (إن الأنبياء والأئمة صلوات الله عليهم يوفقهم الله، ويؤتيهم من مخزون علمه. وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم، فيكون علمهم فوق كل علم أهل زمانهم، ثم انظروا إلى قوله تعالى: (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ)(34). وقال عزّ وجلّ: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً)(35) وقال عزّ وجلّ في الأئمة من أهل بيت نبيه (صلّى الله عليه وآله) وعترته وذريته (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً)(36). فالعبد الصالح الذي اختاره الله عزّ وجلّ لأمور عباده شرح صدره لذلك، وأودع قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم الهاماً، فهو معصوم، مؤيد، موفق، مسدد، قد أمن الخطايا والزلل، والعثار؛ يخصه الله بذلك ليكون حجته على عباده، وشاهده على خلقه. (ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(37). فهل يقدرون على مثل هذا فيختارون؟! أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدموه، تعدوا وبيت الله الحق، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنّهم لا يعلمون، وفي كتاب الله الهدى والشفاء فنبذوه واتبعوا أهواءهم فذمهم الله ومقتهم وأتعسهم، فقال عزّ وجلّ: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(38). وقال عزّ وجلّ: (فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ)(39). وقال عزّ وجلّ: (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ)(40). انتهى بذلك حديث الإمام الرضا (عليه السلام)(41) وهو حافل بأكمل وأروع صور الاستدلال والحجة الدامغة على ضرورة الإمامة، واستحالة الاختيار والانتخاب من قبل سائر الناس، ووجوب رجوع التعيين في ذلك إلى الله تعالى وحده فهو الذي يختار لهذا المنصب الرفيع من يشاء من عباده ممن تتوفر فيه صفات العلم الغزير والمعرفة الواسعة الشاملة لشؤون الحياة الفردية والجماعية. وممن يتحلى بطهارة النفس، وصفاء الذات، وعدم الانقياد والخضوع لدواعي الهوى، ونوازع الشرور والغرور. وبهذه الصفات الكاملة الشاملة يصلح الإمام لهداية الناس واصلاحهم، وارشادهم إلى طرق الخير والكمال، وغرس روح الثقة والفضيلة في نفوسهم ليكونوا كما أرادهم الله عزّ وجلّ وكما أرادهم نبي الله (صلّى الله عليه وآله): (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)(42).
النص على الإمامة ينحصر تعيين الإمام عند الشيعة في النص، وعليه فيجب على النبي (صلّى الله عليه وآله) أن يعين من يخلفه من بعده، وكذلك يجب على الإمام أن ينص على الخلف من بعده الذي يجب أن يرجع إليه الناس. وقد أجمعت كل كتب الحديث التي تعرضت لهذه المواضيع بتدوين النصوص في ذلك فقد أوصى الرسول الأكرم (يوم الدار) في أمير المؤمنين فقال (صلّى الله عليه وآله): (هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا)(43) وأخرج الطبراني الاستناد إلى سلمان الفارسي، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إن وصيي وموضع سري، وخير من أترك بعدي وينجز عدتي، ويقضي ديني علي بن أبي طالب)(44). وجاء في حلية الأولياء عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا أنس أول من يدخل عليك من هذا الباب إمام المتقين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين قال أنس: فجاء علي، فقام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مستبشراً فاعتنقه وقال له: أنت تؤدّي عني، وتسمعهم صوتي، وتبيّن لهم ما اختلفوا فيه بعدي(45). ووردت نصوص نبوية متواترة رواها الفريقان في إمامة السبطين والريحانتين (عليهما السلام) فقد قال (صلّى الله عليه وآله) فيهما: (أنتما الإمامان ولأمكما الشفاعة)(46). وقال (صلّى الله عليه وآله) وهو يشير إلى الحسين: (هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة)(47) وجاء في المراجعات بالاستناد إلى سلمان قال: دخلت على النبي (صلّى الله عليه وآله) فإذا الحسين بن علي على فخذه وهو يلثم فاه، ويقول: (أنت سيد ابن سيد، أنت إمام ابن إمام أخو إمام أبو الأئمة، وأنت حجة الله وابن حجته، وأبو حجج تسعة من صلبك تاسعهم قائمهم)(48). واستفاضت كتب الحديث بنصوص نبوية أخرى تحصر الإمامة في اثني عشر إماماً كلهم من قريش فقد روى جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: (لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة، ويكون عليهم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش)(49). وجاء في المراجعات أيضاً أخرج الصدوق بسنده إلى الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (الأئمة اثنا عشر أولهم علي وآخرهم القائم المهدي هم خلفائي وأوصيائي)(50). وروى الحافظ أبو نعيم بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (من سره يحيى حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن غرسها ربي فليوال علياً من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بالأئمة من بعدي فإنّهم عترتي خلقوا من طينتي، ورزقوا فهماً وعلماً، وويل للمكذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي)(51). ويضاف إلى هذه النصوص النبوية، النصوص التي رواها الثقات والعلماء الأتقياء عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في نص كل إمام منهم على الإمام الذي يخلفه من بعده، فقد أوصى أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما حضرته الوفاة إلى ولده الإمام الحسن (عليه السلام) وقال له: (يا بني أمرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ودفع إليّ كتبه وسلاحه، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين) ثم أقبل على الحسين فقال: (وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك هذا ـ وأشار إلى علي زين العابدين ـ ثم أخذ بيد علي بن الحسين وقال: (وأمرك رسول الله أن تدفعها إلى ابنك محمد فاقرأه من رسول الله السلام)(52). هذه النصوص تدل بوضوح وتأكيد على لزوم النص في الإمامة، وبطلان غيره وقد أخذت بها الشيعة واعتمدتها في بناء عقيدتها في الإمامة.
عصر الإمام الكاظم (عليه السلام) اتسم عصر الإمام الكاظم بموجات رهيبة من الاتجاهات العقائدية التي لا تمت إلى الإسلام بصلة، كما تميز بالنزعات الشعوبية والعنصرية والنحل الدينية، الإسلام بريء منها كل البراءة. وقد تصارعت تلك الحركات الفكرية تصارعاً بعيد المدى أحدث هزاتاً اجتماعية خطيرة. والسبب في ذلك كما يرى علماء الاجتماع يعود إلى الفتح الإسلامي الذي نقل ثقافات الأمم مع سائر علومها وعاداتها وتقاليدها إلى العالم إسلامي، بالإضافة إلى أن الإسلام قد دعا المسلمين في الوقت نفسه إلى الاستزادة من العلوم والمعارف في شتى الحقول. وهذا ما أحدث انقلاباً فكرياً في المجتمع الإسلامي فتلقحت الأفكار وتبلورت بألوان من الثقافة لم يعهد لها المجتمع نظيراً في العصور السالفة. وقد حدث ما لابدّ منه حيث تسربت تلك الطاقات العلمية إلى الجانب العقائدي من واقع الحياة، فحدثت المذاهب الإسلامية، والفرق الدينية، ممّا جعل الأمة تتشعب إلى طوائف وقع فيما بينها الكثير من المناظرات والمخاصمات والجدل، فكانت النوادي التي حفلت بالمعارك الكلامية والصراع العنيف وبصورة خاصة: خلق القرآن، وصفات الخالق الإيجابية والسلبية والقضاء والقدر.. وكان من أبرز المتصارعين في هذه الساحة علماء الكلام، والفلاسفة، علماء الحديث. من هنا نرى العديد من الكتب التي تناولت هذه المواضيع وهي حافلة بصور كثيرة من تلك الخصومات والمشاجرات والمناظرات. وكان من أخطر الدعوات المحمومة التي اندلعت في ذلك العصر هي (الإلحاد) قام به دخلاء حملوا في قرارة نفوسهم الحقد على الإسلام والكره للمسلمين، وقد ثقل عليهم امتداد الحكم الإسلامي وانتشار سلطانه في الأرض، وتثبيت شريعته الإنسانية السمحاء. فرأوا أن لا حول لهم ولا طول إلى محاربته بالقوة، فأخذوا عن طريق الخداع والحيل يبثون سمومهم في نفس الناشئة الإسلامية، وما زالوا حتى اليوم يلقون الشبه والأوهام في النفوس حتى أننا وجدنا من استجاب لهم من المسلمين المخدوعين والمغرورين، وكان لهم بالمرصاد الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وكبار رجال الفكر والقادة من أصحابه وطلابه فتصدوا لتلك الأفكار الوافدة بالأدلة العلمية القاطعة وبيّنوا فسادها وبعدها عن المنطق والعقل. فكانت تحمل احتجاجاتهم طابع الجهاد في سبيل الحق والحرص على مصالح الأمة الإسلامية. بسبب ذلك قام علماء الشيعة الجهابذة فحاضروا وناقشوا وحاوروا الملحدين والخارجين على الدين حتى دان لهم عدد غفير وعادوا إلى حظيرة الإسلام مقتنعين راضين. لكن هذا الأمر لم يرق للحكام العباسيين فتصدوا لقاعدة الحركة العلمية من الشيعة واضطهدوهم ونكّلوا بهم ومنعوهم في أغلب الأحيان من الكلام في مجالات العقيدة خوفاً على مناصبهم عندما يظهر الحق الصريح، حتى اضطر الإمام الكاظم (عليه السلام) في أيام المهدي أن بعث إلى هشام أن يكف عن الكلام نظراً لخطورة الموقف، فكفّ هشام عن ذلك حتى مات المهدي.
سياسة الحكم العباسي قام الحكم العباسي في أكثر أدواره على الظلم والجور نهج فيه العباسيون منهجاً فردياً خاصاً بعيداً عن العدل السياسي والعدل الاجتماعي، تسلموا جميع السلطات الإدارية والقضائية، ولم يكن عندهم ثمة مجلس إداري أو استشاري تعالج فيه أمور الرعيّة ومصالحها ووسائل تطورها وتقدمها. فالخليفة يحكم بحسب رأيه وهواه وكأنّه ظل الله على الأرض ـ كما يقولون ـ فالطابع الاستبدادي للحكم العباسي واضح لا لبس فيه. استبداد ونهب أموال، ومصادرة الحريات، وظلم، وإرغام الناس على ما يكرهون. والواقع أن الحكم العباسي لا يختلف في مادته وصورته عن الحكم الأموي فالنظام الإداري العباسي هو نفسه في جوهره نظام الأمويين. الدوائر الرسمية في العصر العباسي أجحفت كثيراً بحقوق العامة في الوقت نفسه كانت تصانع ذوي النفوذ والوجوه المعروفة فتمارس الظلم والجور على الأهالي المساكين الذين يدفعون الضرائب ويلبون الدعوة للجهاد، بينما كان الحكام ينفقون أموال الشعوب الإسلامية على شهواتهم وحواشيهم، ولا نغالي إذا قلنا أن التاريخ يعيد نفسه في أكثر العصور. جاء في تاريخ الإسلام أن العتابي سُئل: لماذا لا تتقرّب بأدبك إلى السلطان؟ فقال: (إني رأيته يعطي عشرة آلاف في غير شيء، ويرمي من السور في غير شيء، ولا أدري أي الرجلين أكون!!) ولما قتل المأمون ووزيره الفضل بن سهل، عرض الوزارة على أحمد بن أبي خالد فأبى أن يقبلها وقال: (لم أر أحداً تعرض للوزارة وسلمت حاله) والسبب واضح في ذلك أن الحكم العباسي لم يكن جارياً على قانون معروف أو دستور مكتوب، بل كان يجري حسب نزعات الحاكم ويمول الخليفة، فهو الذي كان يوزع الموت أو الحياة على من كره أو على من أحب. فالأحكام بالإعدام كانت تصدر من البلاط بمجرد وشاية من غير أن يطمئن أو يوثق بقول المخبر، مرة تصدر بالمفرد ومرة تصدر بالجملة. ونعطي مثلاً نموذجاً على ذلك: فقد وشي برجل يقال له: (الفضيل بن عمران) إلى أبي جعفر المنصور، وكان كاتباً لابنه جعفر وولياً لأمره، فقد وشي به أنه يعبث بجعفر، فبعث المنصور برجلين أو جلادين، وأمرهما يقتل الفضيل حيث وجداه، وكتب إلى جعفر يعلمه ما أمرهما به وقال للرجلين: لا تدفعا الكتاب إلى جعفر حتى تفرغا من قتله. فلما انتهيا إليه ضربا عنقه، وكان الفضيل عفيفاً صالحاً، فقيل للمنصور: إنه أبرأ الناس ممّا رمي به، وقد عجلت عليه، فندم على ذلك، ووجه رسولاً، وجعل له عشرة آلاف درهم إن أدركه قبل أن يقتل، فقدم الرسول فوجده جثة هامدة، فاستنكر جعفر ذلك وقال لمولاه: (ما يقول أمير المؤمنين في قتل رجل، مسلم، عفيف، دين، بلا جرم ولا جناية؟!) فأجابة مولاه سويد: (هو أمير المؤمنين يفعل ما يشاء، وهو أعلم بما يصنع). هكذا كان يعتقد أصحاب العقول البسيطة الساذجة، وهكذا كانت أرواح الناس يتصرفون بها حسب ما يشاءون، وما العجب فالملك في نظرهم يفعل ما يحلو له، فهو ظل الله على الأرض، لا يسأل عن ذنب ولا عن جرم. فمن يحاسبه؟ ليس هناك من سلطة قضائية معروفة، وليس عنده من ضمير يردعه عن المحرمات. ومع ذلك يعد نفسه خليفة المسلمين. أين هم وأين الإسلام؟! هوة ساحقة تفصل بينما هم أشبه بالقياصرة والأكاسرة!! والحقيقة أن البلاد الإسلامية أيام الحكم العباسي كانت ترزح تحت كابوس ثقيل من الظلم والجور والتعسّف، حيث كان حكام بني العباس ينفذون خططهم بالعنف والقتل على الظن. ولأوّل مرة في تاريخ الإسلام نجد النطع إلى جانب كرسي الخلافة، كما نجد الجلاد أداة للوصول إلى العرش على حد قول المؤرخ المعروف فليب حتي. على هذه الحال كان الحكم العباسي في اكثر أدواره وعهوده، وكان خاضعاً للأهواء الشخصية والعواطف القبلية. فالغلمان والنساء والندماء والعابثون كان لهم الضلع الكبير في إدارة شؤون الحكم وتوزيع الهبات والجوائز على المغنين والمغنيات. فالحكم عندهم لم يخضع لمنطق الحق والعدل اللذين أمر بهما الإسلام. هذا الوضع غير السليم جعل العصر يحفل بقيام فرق إسلامية عديدة ومذاهب وطوائف اختلفت فيما بينها في أصول الدين وفروعه.
الفرق الإسلامية أهم ما حصل من أحداث في العصر العباسي الأول قيام المذاهب الإسلامية وحدوث نزاع بين المسلمين فانقسموا إلى عدة طوائف، وفرق اختلفت فيما بينها في اكثر أمور الدين. والطريق أن الحكم العباسي هو الذي شجع على أحداث المذاهب الإسلامية، فغذاها ونمّاها، وحمل الناس بالقوّة والقهر على اعتناقها. وما نرجح في ذلك: إبعاد المسلمين عن أئمة أهل البيت الذين يمثلون واقع الدين الإسلامي الصحيح واتجاهاته الثورية في القضاء على الظلم والغبن، وإنقاذ الناس المقهورين من الجور السياسي والاستبداد الظالم، وإذا ما رجعنا قليلاً إلى الوراء نجد: العلويين قد اندفعوا في العصر الأموي إلى ساحات الجهاد المقدس لحفظ الدين وصيانة المجتمع من ظلم الأمويين وبطشهم، لقد حاولوا بتكليف شرعي إعادة المبادئ الكريمة التي ينشدها الإسلام، ويؤمن بضرورة توفيرها على جميع المواطنين، وهي تتلخص على الإيمان الكامل بحق الفرد، ونشر الاستقرار في الربوع الإسلامية، وبسط العدالة والحرية والمساواة والأخوة بين المسلمين، وتوفير كل أسباب المعيشة الهانئة والرزق الكريم والأمن على كافة الأراضي الإسلامية. هذه المبادئ اعتبرها العلويون القاعدة الأساسية لتقدم المجتمع وتطويره لينطلق في ميدان الحياة الحضارية الحرة الكريمة. وفي العصر العباسي أكمل العلويون جهادهم من أجل هذه المبادئ العليا فهبّوا إلى ميادين النضال لأن السكوت على الظالم مساعدة له على ظلمه. لذلك واجهوا صعوبات كثيرة ومشاكل معقدة، فسجنوا في السجون، ودس لهم السم، وأريقت دماؤهم، وارتفعت أجسادهم على أعواد المشانق، ولم يتخلوا عن مبادئهم المقدسة ونضالهم الشرعي في مقاومة الظلم من سلطة أي كان، داخلي أم خارجي. فالتف حولهم العدد الغفير من جماهير المؤمنين لأن العلويين حماة هذه الأمة وقادتها الشرعيين وولاة أمرها، وإنه لا يمكن بأي حال أن تتوفر للمجتمع في ذلك العصر أسباب معيشته ورخائه إلا في ظل حكمهم العادل، فالتف حولهم الثوار والمتظاهرون وهتفوا بأعلى أصواتهم (الدعوة إلى الرضا من آل محمد). وكان لابدّ من قيام ثورة عارمة اندلعت في جميع أنحاء البلاد على الحكم الأموي فأطاحت به ودكت أركانه، وقامت الدولة العباسية بمؤازرة العلويين الذين كان لهم اليد الطولى في مناصرتها وتثبيت أركانها، ولما استتب لهم الأمر وتملّكوا زمام الحكم، عملوا جاهدين على التنكيل بالعلويين وإبادتهم بأبشع الطرق والأساليب. وكان المخطط الرهيب الذي أتبعه الحكام العباسيون من السفاح إلى المنصور إلى هارون إلى المأمون إلى الهادي... كلهم عملوا على القضاء على الشيعة ومن ناصرهم من القوى المعارضة، والقوى المؤمنة التي تعرف الحق وأهله. هذا المخطّط العباسي اعتمد على عدة أمور خلاصتها: أشغال المسلمين بالقضايا العقائدية وتفرقتهم وإبعادهم عن الشؤون السياسية، من هنا وجدنا النوادي في بغداد ويثرب والبصرة وسائر أنحاء العالم الإسلامي تعج بالمناظرات الكلامية، والجدل الفلسفي واحتجاج كل فريق على الفريق الآخر لتثبيت نظريته ودحض نظرية الآخرين، وكل هذه الفرق كانت تدور وتجول حول الإطار العقائدي في الإسلام. وقد وجهت الحياة العلمية في العصور العباسية إلى أحداث المذاهب الإسلامية بعيداً عن الحياة السياسية التي يعيشها عامة المسلمين. ونقطة هامة أخرى اعتمدها المخطط العباسي هي: عزل أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عن الحياة السياسية، والرقابة المشددة عليهم، ومنع الاتصال بهم، وابعاد الناس عن الأخذ منهم فيما يعود إلى الأمور العقائدية ومعالم الدين الإسلامي. لذلك وجدنا المنصور الدوانيقي يعهد إلى الإمام مالك، أحد رؤساء المذاهب الأربعة وضع كتاب في الفقه يحمل الناس على العمل به قهراً، فامتنع مالك أوّل الأمر، وهو تلميذ الإمام جعفر الصادق، ثم رضخ لأوامر المنصور بعد الترهيب والترغيب فوضع كتابه المعروف بالموطأ. منذ ذلك الوقت بدأت الحكومات العباسية تساند أئمة المذاهب الأربعة، وتنشر فقههم، حتى أنها حملت الناس على العمل بهذه المذاهب بعد أن أغدقت عليهم الأموال الطائلة، وكرمتهم تكريماً عظيماً لإبعاد الناس عن المذهب الجعفري، مذهب الإمام الصادق ومذهب أئمة أهل البيت المتخذ برمته عن جدهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، المتخذ عن النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) الذي هو أول من وضع بذرة التشيع، هذه البذرة الطيبة المباركة، ونماها وتعاهدها بالسقي والعناية(53). وأول من شجع على انتشار مذهب مالك الرشيد حيث أمر عامله على المدينة بان لا يقطع أمراً دون أن يأخذ رأي مالك، كما كان يجلس على الأرض لاستماع حديثه تكريماً لمالك وتعظيماً لمذهبه. ثم أصدر أوامره بأن لا يهتف أيام الحج إلا مالك، فأخذ الناس يزدحمون عليه وتوافدت إليه الوفود من سائر الأقاليم لاستماع حديثه وأخذ الأحكام الشرعية منه. وكان لا يدنو إليه أحد لما أحيط به من التقدير الرسمي. فقد اجتمع به غلمان من السود غلاظ شداد يأتمرون بأمره، وينكلون بمن شاء أن ينكل به. لقد علا شأن مالك بما أعطي من السلطة من مكانة مرموقة وعناية بالغة أولتها له الحكومة العباسية كما أولت غيره من أئمة المذاهب الثلاثة الأخرى. والغرض من ذلك واضح كل الوضوح وهو إضعاف كيان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) والقضاء على الشيعة الذين كانوا من أقوى الجبهات المعادية للحكم العباسي الظالم. لكنهم فشلوا وبقي الشيعة يجاهدون وما زالوا في إعلاء كلمة الحق وصيانة الدين الإسلامي من الانحراف والتزوير. قال تعالى: (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)(54). ولا يخفى على أحد من المؤرخين وعلماء الحديث والصحابة المؤمنين أن الطائفة الشيعية حملت لواء الإصلاح وثارت في وجه الطغاة والظالمين المستبدين، وحفل تاريخها بالمآثر الطيّبة والمفاخر الحميدة وخدمة الإسلام مهما كلف الثمن. لقد جاهدوا ضد الظالمين لأن السكوت عن الظلم خيانة شرعية، والسكوت عن الظالم يعني مساعدته على ظلمه فلابد إذن من المقاومة الشرعية. وأول المقاومين للظلم بعد النبي (صلّى الله عليه وآله) الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقد كلفه ذلك جهاداً مريراً وحروباً دامية ضد المنحرفين عن الدين القويم أمثال معاوية بن أبي سفيان وأعوانه. ثم استلم راية الجهاد في سبيل الله ابنه الإمام الحسين (عليه السلام) ضد يزيد الفاجر العاهر وأعوانه الذين اشتروا الضلالة بالهدى، واشتروا الحياة الدنيا بالآخرة، واشتروا الكفر بالإيمان. أراد الإمام الحسين (عليه السلام) الخروج من أجل الإصلاح في أمة جده التي ظللها معاوية وتابع بعده ابنه يزيد في الانحراف والظلم والضلال، فكان لابدّ للإمام المعصوم إلا أن يقوم بالمسؤولية الإلهية فقال (عليه السلام): (عهد عهده إليّ أبي عن جدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)) وهكذا تابع الأئمة (عليهم السلام) الجهاد في سبيل الله في جميع العصور.
التنكيل بالعلويين مع المنصور: أصاب العلويون ألواناً من شتى المحن في العهدين الأموي والعباسي ومحنتهم في عهد المنصور كانت من أقسى المحن وأفجعها، فقد أذاقهم جميع أنواع العنف والجور والعذاب، فحاو عدة مرات إبادة شبابهم وشيوخهم، وكان ما حل بهم من التنكيل مع الحكام العباسيين وخاصة المنصور، أضعاف ما واجهوه أيام الحكم الأموي حتى قيل في ذلك: يــــا لــــــيت جـــــور بني أمية دام لنا وليــــــت عــــدل بني العباس في النار لقد واجهوا عنف الخطوب وأقسى الرزايا من أجل تحرير المجتمع الإسلامي وإنقاذه من الجور والظلم والاستبداد. لم يضعفوا أمام هذا الطاغية وأمام غيره من الحكام الظالمين، بل اندفعوا بكل فخر واعتزاز إلى ساحات الجهاد، وناضلوا في سبيل إعلاء كلمة الله حتى استشهدوا أحراراً كراماً مشجعين الأحرار والمناضلين في عصرهم وفي كل عصر على متابعة طريق النضال، فاتحين لهم أبواب الكفاح، راسمين لهم طريق الخلاص من حكم الذل والعبودية. وسوف نذكر حادثة أليمة من حوادث جسام كثيرة فعلها المنصور مع العلويين. لقد زجهم في سجن مظلم لا يعرف فيه الليل من النهار، حتى باتوا لا يعرفون وقت الصلاة فجزأوا القرآن الكريم خمسة أجزاء فكانوا يصلون الصلاة على فراغ كل واحد منهم لجزئه(55) أمر الطاغية بإحضار محمد بن إبراهيم وكان أية في بهاء وجهه وجماله ولما حضر عند المنصور التفت إليه بسخرية قائلاً: أنت المسمى بالديباج الأصفر؟ فقال: نعم. أما والله لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحداً من أهل بيتك. ثم أمر باسطوانة مبنية ففرغت، وأدخل فيها، فبنيت عليه وهو حي(56) وبقي العلويون في سجن المنصور وهم يعانون أهوالاً من الخطوب والمصائب، حتى مرضوا ومات أكثرهم، ثم أمر الطاغية بهدم السجن على من بقي منهم، فهدم عليهم، ومات أكثرهم وفيهم عبد الله بن الحسن(57). حفلت هذه المأساة الغريبة والعجيبة بأنواع الرزايا والخطوب، فقد انتهكت فيها حرمة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في ذريته وأبنائه، ولم يراقب المنصور الله فيهم ولم يرع أي حرمة لهم. لقد وهبت تلك النفوس الزكية أرواحها لله لتنقذ من شر تلك الطغمة الحاكمة عباد الله، حكام ظالمون همهم الدنيا والسلطان والجاه والمال، وفي سبيل ذلك كفروا بجميع القيم الإنسانية، وتنكّروا لجميع المبادئ الإسلامية. هذه المأساة الكبرى أثارت موجات من السخط على بني العباس فتجمهر الأحرار حول أهل البيت متمسكين بعد لهم ومبادئهم بغية إنقاذهم من هذا الوضع المتردي الأليم. وقد اندفع الشعراء بعد أحقاب من السنين المريرة بهجاء الحكام العباسيين على جرائمهم النكراء وخاصة الجريمة الأخيرة التي ذهب ضحيتها عبد الله بن الحسن. من هؤلاء الشعراء نذكر أبا فراس الحمداني الشاعر العربي الأصيل، استنكر الجريمة النكراء واندفع قائلاً في قصيدة طويلة بلغت ما يقارب الستين بيتاً نذكر منها: الـــــدين مخــــــترم، والحــق مهتضم؛ وفـــــيء آل رســــــول الله مقــــــتسم يــــا لــــلرجـــــال! أمــــا لله مــنتصف مــــــن الطــــــغاة؟ أمـا للدين منتقم؟! بــــنو عــــليّ رعــــايا فـــــي ديـارهم والأمـــــر تــــملكه النـسوان والخدم! للمتقـــــين، مـــــن الـــدنـــيا، عواقبها وإن تـــــعجل منـــــها الـــظالم الأثــــم لا يطـــــغينّ بــــــني العـــباس ملكهم! بـــــنو عـــــلي مـــواليهم وإن زعـموا أتــــــفخـــــرون عــــــليهم؟ لا أبـــالكم حـــــتى كــــــأنّ رســـــول الله جـــدكم ومـــــا تـــــوازن، يــــوماً بينكم شرف ولا تـــــساوت بـــكم، فـي موطن، قدم ولا لـــــكم مثــــلهم، في المجد، متصل ولا لجـــــدكم مــــــسعاة جــــــدهــــــم ولا لعــــرقكم مــــــن عـــــرقــهم شبه ولا نـــفـــــيلـــــتكم من أمــــــهم أمـــم قـــــام النـــــبي بـها، يـوم الغدير، لهم والله يــــــشــهد، والأمـــــلاك والأمـــم حتـــــى إذا أصبـحت في غير موضعها لكـــــنهم ســــتروا وجـــه الذي علموا ثـــــم ادعاها بــــــنو العـــــباس إرثهم وما لـــــهم قـَــــدَم، فــــيها، ولا قِـــدَم بئـــــس الجزاء جزيتم فـــي بني حسن أبـــــوهم العـــــــلم الهــــادي وأمـــهم لا بـــــيعة ردعـــــــتكم عــــن دمــائهم ولا يمــــــين، ولا قـــــربى، ولا ذمــم هــــلا صفحتم عــــن الأسرى بلا سبب للصـــــافحيـــن بـــــبدر عـن أسيركم؟ هـــلا كفــــفتم عــن الديـــــباج السنكم وعــــــن بــــــنات رسـول الله شتمكم؟ مــــا نـــــزهت لـــــرسول الله مهــجته عن الســــــياط! فـــــهلا نــزّه الحرم؟ مـــا نــال منهم بنو حرب، وإن عظمت تــــــلك الجــــــرائر، إلا دون نيـــــلكم كــــم غــــــدرة لكم في الدين واضحة! وكــــــم دم لــــــرسول الله عـــــندكم! أأنتــــــم آله فــــيما تـــــرون، وفـــــي أظــــــفاركم، مـــن بنيه الطاهرين دم؟ هيــــــهات لا قــــربت قــربى ولا رحم يومـــــاً، إذا أقـــصت الأخلاق والشيم! كـــــانت مـــــــودة ســـــلمان لـه رحم ولـــم يكـن بين نوح وابنه رحم!(58) ليـــس الرشيد كموسى في القياس ولا مأمـــونكم كـــالرضا إن أنـصف الحكم الركــــن والبـــــيت والأســـتار منزلهم وزمـــــزم، والصــفا، والحجر والحرم صـــــلى الإله علــــــيهم، أيـنما ذكروا لأنــــــهم للـــورى كهــــــف، ومعتصم يبدو واضحاً من هذا الشعر الأسى العميق على ما أصاب العلويين من النكبات والرزايا في عهد المنصور وسائر ملوك بني العباس الذين تنكروا للاحسان الذي أسداه إليهم الرسول الأعظم وعلى جدهم العباس فقد قابلوا الإحسان بالاساءة، والعفو بالعقاب المرير لذرية النبي الشريفة، وعترته الطاهرة.
مصادرة أموال العلويين لما اعتقل المنصور العلويين، وأودعهم في السجون المظلمة، عهد إلى عامله بمصادرة جميع أموالهم وبيع رقيقهم(59). كما صادر اموال الإمام الصادق (عليه السلام)، ولما هلك المنصور يروى أن المهدي أرجعها إلى ابنه الإمام موسى الكاظم (عليه السلام).
وضعهم في الاسطوانات(60) بدأ المنصور يفتش على من بقي من العلويين فمن ظفر به جعله في الاسطوانات المجوفة المبنية من الجص والآجر، حتى ظفر بغلام من ولد الحسن وكان حسن الوجه فسلمه إلى البناء وأمره أن يجعله في جوف اسطوانة ويبني عليه، فدخلت البناء رقة على هذا الولد الوسيم فترك له في الاسطوانة منفذاً يدخل منها الهواء، وقال للغلام: لا بأس عليك فاصبر فإني سأخرجك من جوف هذه الاسطوانة عندما يرخى الليل سدوله. ولما جن الليل جاء البناء فأخرج العلوي المظلوم، وقال له: اتق الله في دمي ودم العملة الذين معي، وغيّب شخصك، فإني إنما أخرجتك في ظلمة هذه الليلة لأني خفت أن يكون جدك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم القيامة خصمي بين يدي الله، وأكد عليه بأن يواري نفسه فطلب منه الغلام أن يخبر أمه لتطيب نفسها، ويقل جزعها، فهرب الغلام ولا يدري بأي أرض أقام، وجاء البناء إلى دار أم الغلام ليعلمها بخلاص ابنها من قبضة ذلك الطاغية فسمع دوياً كدوي النحل قبل أن يدخل من البكاء فعرف أنها أمه فأسرها بخبر ولدها، وانصرف عنها(61).
هلاك المنصور عهد المنصور بأمره إلى ولده المهدي، ونصبه ملكاً من بعده وأوصاه بهذه الوصية: (إني تركت بعض المسيئين من الناس على ثلاثة أصناف، فقيراً لا يرجو إلا غناك، وخائفاً لا يرجو إلا أمنك، ومسجوناً لا يرجو الفرج إلا منك، فإذا وليت فأذقهم طعم الرفاهية، لا تمدد لهم كل المد.. وقد جمعت لك من الأموال ما لم يجمعه خليفة قبلي، وبنيت لك مدينة لم يكن في الإسلام مثلها..)(62). هلك الطاغية الجبار الذي أذاق جميع الناس صنوف الظلم والجور والفقر سنة (158هـ) وانطوت بذلك صفحة سوداء من حياة الأمة الإسلامية مملوؤة بالاثم والموبقات وكان عمر الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) آنذاك ثلاثين سنة، مضى خلالها زهرة شبابه في عهد هذا الطاغية مكلوم القلب، حزين النفس، كاظم الغيظ حزناً على المسلمين عامة، وعلى ما لاقاه العلويون خاصة من التنكيل البشع، والعذاب الأليم. وسوف نرى صفحة أخرى مع ولده المهدي.
في عهد المهدي كان المهدي ألين جانباً من أبيه فقد عرف بالسخاء، وبسط الكف، وعدم القسوة على الناس عموماً، لذلك استقبله العالم الإسلامي بمزيد من الفرح والبهجة لما لاقاه من العنف والجور في حكم أبيه المنصور. وحينما استقل بالحكم أصدر مرسوماً ملكياً بالعفو عن جميع المساجين والمعتقلين السياسيين، سوى من كان في عنقه دم أو كان ذا فساد في الأرض؛ كما رد جميع الأموال المنقولة والثابتة التي صادرها أبوه من أهلها ظلماً وعدواناً، ومن هؤلاء كان الإمام موسى (عليه السلام) رد عليه كل ما صادره أبوه المنصور من الإمام الصادق (عليه السلام). يقول المؤرخون عن سبب ذلك أنه يعود إلى الوضع العام في البلاد حيث أصبح الملك على جانب عظيم من الطمأنينة والاستقرار. وسبب آخر هو ما ظفر به من الثراء العريض ممّا جمعه أبوه المنصور الذي يعده الجاحظ، من أصحاب الجمع والمنع ومن أبخل البخلاء. لكن ممّا يؤسف له أن هذا المال الذي جمعه أبوه بالتقتير والظلم قد أنفقه المهدي على اللهو والمجون والهبات الكبيرة للماجنين والمغنين والعملاء، دون أن يهتم بالطبقة الضعيفة الفقيرة فكان كل همه إشباع شهواته الشخصية، والبذخ والترف والمجون. أمّا ما ورثه من أبيه وبقي على الخط نفسه: عداؤه للعلويين وشيعتهم، فقد كان يكرههم كرهاً شديداً، ورث ذلك من أبيه المنصور الذي كان يعتقد أن لا بقاء له في الحكم إلا بالقضاء على العلويين وشيعتهم وفيما يلي نعرض بعض نزعاته الحاقدة وأعماله الجائرة وما لاقاه الإمام موسى (عليه السلام) في عهده من ظلم وجور وسجن. شاع اللهو في عهد المهدي، وساد المجون، وانتشر التحلل بين الناس، فقد ذاع شعر بشار بن برد وتغزله بالنساء حتى ضجّ منه الأشراف والغيارى على الدين. دخل على المهدي يزيد بن منصور وطلب منه أن يوقف بشاراً عند حده، فضيق عليه في بادئ الأمر ثم أطلق سراحه، وانجرف هو بتيار مكشوف من المجون والدعارة، ويعد بنظر الجاحظ المؤسس الأول للهو في دولة بني العباس. يقول الجاحظ: (إنه احتجب بادئ ذي بدء عن المغنين ثم قال: إنما اللذة في مشاهدة السرور في الدنو ممن سرني، فأما من وراء وراء فما خيرها ولذتها؟) وبلغه حسن صوت إبراهيم الموصلي وجودة غنائه فقرّبه إليه، وأعلى من شأنه(63) وكان مولعاً بشرب الخمر حتى نهاه عن ذلك وزيره يعقوب بن داود قائلاً له: (أبعد الصلاة في المسجد تفعل هذا؟!). فلم يلتفت لنصحه وقد سمع نصيحة بعض الشعراء الماجنين الذين حبذ له الاستمرار في شربها وعدم الاعتناء بقول وزيره قائلاً: فـــــدع عنـــــك يعـقوب بن داود جانباً وأقـــبل على صهباء طيبة النشر(64)
الرشوة والظلم انشغل المهدي بلهوه وملذاته عن الرعيّة، فأخذ عماله الذئاب ينهبون الأموال ويستلبون الثروات، وانتشرت الرشوة انتشاراً هائلاً عند جميع القائمين على شؤون الدولة. كما عمد إلى ظلم الناس والاجحاف بحقوقهم، فأمر بجباية أسواق بغداد، وجعل الأجرة عليها(65). كما شدد في الخراج إلى حد لا يطاق، وإذا ما اشتكى أحد من رعيته المظلومين مستغيثاً يكون مصيره السجن أو القبر(66).
اهتمامه بالوضاعين قرّب المهدي منه طائفة من علماء السوء الذين باعوا ضمائرهم بثمن رخيص، وفتكوا بالإسلام، وشوهوا معالمه، فأخذوا ينمّقون الأباطيل ويلفّقون الأكاذيب في مدح المهدي والثناء عليه، أمثال: أبي جعفر السندي، وغياث بن إبراهيم الذي عرف هوى المهدي في الحمام فحدثه عن أبي هريرة أنه قال: (لا سبق إلا في حافراً ونصل، وزاد فيه أو جناح..) فأمر له المهدي على حديثه الكاذب بعشرة آلاف درهم، ولما ولّى عنه جلساؤه قال: (أشهد أنه كذب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما قال رسول الله ذلك، ولكنه أراد أن يتقرّب إليّ..)(67). ومع علمه بكذبه فقد أوصله وأعطاه وبذلك شجع حركة وضع الحديث وهي من أعظم الكوارث التي مني بها الإسلام(68).
عداؤه للعلويين كان المهدي يكن في أعماق نفسه البغض للعلويين وشيعتهم، وقد ورث هذه البغضاء والكراهية عن أبيه المنصور، ويعود السبب في ذلك إلى الحق في تولي الحكم؛ فالثورة على الحكم الأموي قامت على أكتاف العلويين حماة العدل والحق في الإسلام؛ وكانت تحمل طابع التشيع وواقعه الذي اتخذه الثوار شعاراً لهم، فناضلوا من أجله وانضم العباسيون إلى الدعوة على هذا الأساس. روى الطبري قال: دخل المهدي على أبي عون عائداً له، وطلب منه المهدي أن يعرض عليه حوائجه ليقوم بقضائها لأنه كان من أعز أصحابه وآثارهم عنده. فقال له أبو عون: ـ حاجتي أن ترضى عن ولدي عبد الله، فقد طالت موجدتك عليه. فقال المهدي: ـ يا أبا عبد الله أنه على غير الطريق، وعلى خلاف رأينا ورأيك، إنه يسيء القول في الشيخين. فقال أبو عون: ـ هو والله يا أمير المؤمنين على الأمر الذي خرجنا عليه، ودعونا إليه، فإن كان قد بدا لكم فمرونا بما أحببتم حتى نطيعكم)(69) فالثورة على الحكم الأموي كما يتضح إنما كانت شيعية بجميع أبعادها، فالمهدي متأكد من ذلك وعموم العباسيين يجزمون أن الثورة قامت من أجل التشيع. وشاهد آخر يدل أن الحق في تسلّم الحكم للعلويين وأن العباسيين اختلسوا الحكم من أجل أطماعهم وهو: أن القاسم بن مجاشع بعث بوصيته إلى المهدي ليشهد فيها يقول بالرسالة الوصيّة: (شهد الله أن لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم، إن الدين عند الله الإسلام يشهد بذلك،ويشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأن علي بن أبي طالب وصيّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ووارث الإمامة من بعده). فلما قرأ المهدي الفقرات الأخيرة من الوصية رماها من يده ولم ينظر في باقيها)(70). لقد آمن بذلك خواص العباسيين لكن طمع العباسيين في تولي السلطة وانحرافهم من أجل أطماعهم أحدث في نفوس حكامهم الطامعين هذا البغض للعلويين.
المهدي والإمام موسى (عليه السلام) في بداية حكمه لم يتعرض المهدي إلى الإمام بمكروه، وقد اكتفى بوضعه تحت الرقابة المشددة. ولما شاع ذكره في الأوساط الإسلامية عامة، والشيعية خاصة، ثار غضب المهدي، وعمد إلى التضييق عليه، ثم إلى اعتقاله، لكنه سرعان ما أطلق سراحه لأنه رأى برهاناً إلهياً منعه عن ذلك. وذاك البرهان:
إطلاق سراح الإمام (عليه السلام) سئم الإمام (عليه السلام) من السجن، وضاق صدره من طول المدة، فلجأ إلى الله تعالى في أن يخلصه من هذه المحنة. قام في غلس الليل فجدد طهوره وصلّى لربه أربع ركعات واخذ يناجي الله ويدعوه، فاستجاب الله جلّ جلاله دعاء الإمام (عليه السلام)، فأخرج من السجن.
عودة اعتقال المهدي للإمام (عليه السلام) لما انتشر ذكر الإمام وذاع صيته في جميع الآفاق الإسلامية، خاف المهدي على كرسيه ولم يتمالك حقده وغيظه، واعتقد أن ملكه لا يستقر إلا باعتقال الإمام، فكتب إلى عامله على المدينة يأمره بارسال الإمام إليه فوراً، ولما وصلت الرسالة وبلغ الإمام الخبر، تجهز للسفر من وقته، فسار (عليه السلام) حتى انتهى إلى (زبالة) فاستقبله أبو خالد بحزن، نظر إليه الإمام نظرة رأفة ورحمة وقال له: ـ ما لي أراك منقبضاً؟!! ـ كيف لا أنقبض وأنت سائر إلى هذا الطاغية ولا آمن عليك. هدأ الإمام من روعه وأخبره أنه لا ضير عليه في سفره هذا. ثم انصرف الإمام متوجهاً إلى بغداد. فلما وصل إليها أمر المهدي باعتقاله وإيداعه السجن، ونام المهدي تلك الليلة فرأى في منامه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فخاطبه: يا محمد (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)(71). فنهض المهدي من نومه مذعوراً واستدعى حاجبه الربيع فوراً فلما مثل بين يديه سمع المهدي يردد هذه الآية المباركة، وأمره بإحضار الإمام موسى، فلما أقبل إليه عانقه وأجلسه إلى جانبه ثم قال له بعطف غير مألوف منه: (يا أبا الحسن، إني رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقرأ عليّ الآية المذكورة، أفتؤمنني أن لا تخرج عليّ أو على أحد من ولدي؟ ـ والله ما فعلت ذلك ولا هو من شأني. ـ صدقت، يا ربيع، أعطه ثلاثة آلاف دينار ورده إلى أهله إلى المدينة، فقام الربيع فشايعه وأحكم أمره وسرحه في الليل. وسارت قافلة الإمام (عليه السلام) تطوي البيداء حتى انتهت إلى (زبالة) وكان اليوم الذي عينه لأبي خالد الذي يترقب قدومه بفارغ الصبر. فلما قدم (عليه السلام) عليه بادر يلثم يديه والفرح باد عليه فأدرك الإمام سروره وقال له: (إن لهم إليّ عودة لا أتخلص منها)(72). وأشار إلى ما يصنعه له هارون من اعتقاله في سجونه.
الإمام الكاظم (عليه السلام) في عهد الهادي تولى الهادي الخلافة في أيام شبابها الغض، وفي إبان قوتها الكاملة، وثروتها الموفورة، وقد بويع له وهو في غضارة العمر وريعان الشباب، فدفعه ذلك إلى التمادي في الغرور والطيش، ومن مظاهر ذلك أنه كان إذا مشى مشت الشرطة بين يديه بالسيوف المشهورة، والأعمدة والقسي الموتورة(73) ليظهر بذلك أبهة السلطة، اتصف بنزعات شريرة ظهرت في سلوكه وفي أعماله. ومن هواياته الخاصة اللهو والغناء، أحب صوت إبراهيم الموصلي وغناه فأطربه، فوهب إليه ثلاثين ألف دينار، وهو القائل: لو عاش لنا الهادي لبنينا حيطان دورنا بالذهب(74). وقد بالغ هذا الطاغية المغرور في عدائه للعلويين والتنكيل بهم، فقطع ما أجراه لهم المهدي من الأرزاق والأعطيات، وكتب إلى جميع الآفاق في طلبهم، وحملهم إلى بغداد(75). ومن الكوارث الفظيعة التي حلّت بعترة النبي (صلّى الله عليه وآله) وذريته كارثة (فخ) التي تحدث عنها الإمام الجواد بقوله: (لم يكن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ). لقد اقترف العباسيون في هذه الجريمة أضعاف ما اقترفه الأمويون في مأساة كربلاء، فرفعوا رؤوس العلويين على الرماح ومعها الأسرى يطاف بها في الأقطار، وتركوا الجثث الطاهرة ملقاة على الأرض مبالغة منهم في التشفي والانتقام من أهل البيت (عليهم السلام). أرسلت رؤوس الأبرار الطاهرين إلى الطاغية الهادي ومعها الأسرى مقيدون بالسلاسل، وفي أيديهم وأرجلهم الحديد. أمر الطاغية بقتل الأسرى فقتلوا وصلبوا على باب الحبس(76).
تهديد الهادي للإمام موسى (عليه السلام) بعد أن أتم الهادي نكبته بالعلويين أخذ يتوعّد الأحياء منهم بالقتل والدمار وعلى رأسهم عميدهم وسيدهم الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) فقال: (والله ما خرج حسين إلا عن أمره، ولا اتبع إلا محبته لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت قتلني الله إن أبقيت عليه). وأضاف يقول في تهديده: (ولولا ما سمعت من المهدي فيما أخبر به المنصور ما كان به جعفر الصادق (عليه السلام) من الفضل المبرز على أهله في دينه، وعمله وفضله، وما بلغني من السفاح فيه من تعريضه وتفضيله، لنبشت قبره وأحرقته بالنار إحراقاً).
استهزاء الإمام به بعد التهديد خف أهل بيت الإمام وأصحابه إليه وأشاروا مجمعين عليه أن يختفي من شرّ هذا الطاغية لينقذ نفسه من ويلاته، فلم يهتم للأمر لأنه قد استشف من وراء الغيب هلاك هذا الباغي قريباً وتمثل بقول كعب بن مالك: زعـــــمت سخــــينة أن ستـــغلب ربها وليــــــغــلبن مـــــغالب الغـــلاب(77) وكان ما أراد الإمام بإذن الله سبحانه الذي قصم ظهره قبل أن ينال الإمام بسوء.
دعاء الإمام (عليه السلام) على الهادي توجه الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) نحو القبلة، وأخذ يتضرع إلى الله لينجيه من شرّ هذا الطاغية الحقود. ودعا بهذا الدعاء الجليل: (إلهي، كم من عدوّ انتضى عليّ سيف عداوته، وشحذ لي ظبة مديته، وأرهب لي شبا حدّه، وداف لي قواتل سمومه، وسدد نحوي صوائب سهامه، ولم تنم عني عين حراسته، وأضمر أن يسومني المكروه، ويجرّعني زعاف مرارته، فنظرت إلى ضعفي عن احتمال الفوادح، وعجزي عن الانتصار ممن قصدني بمحاربته، ووحدتي في كثير من ناواني، وارصادهم لي فيما لم أعمل فيه فكري في الارصاد لهم بمثله...)(78). وبعد فراغ الإمام (عليه السلام) من دعائه الشريف التفت إلى أصحابه يهدئ روعهم، ويفيض عليهم قبساً من علمه المستمد من علم جده الرسول (صلّى الله عليه وآله) قائلاً: (,حرمة هذا القبر وأشار إلى قبر النبي (صلّى الله عليه وآله) قد مات الهادي من يومه هذا، والله إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون..).
هلاك الطاغية الهادي استجاب الله سبحانه وتعالى دعاء وليه العبد الصالح فأهلك عدوه الطاغية الجبار، وأراح العباد والبلاد من شره، وروت أكثر المصادر عن سبب وفاته فقالوا: إن أمه الخيزران غضبت عليه لأنه قطع نفوذها لقصة مشهورة، وأنها خافت على ولدها هارون من شرّه، فأوعزت إلى جواريها بخنقه، فعمدت الجواري إلى قتله وهو نائم(79). وبذلك انطوت صفحة هذا الطاغية، ولم تطل خلافته فقد كانت سنة وبضعة أشهر؛ لكنها كانت ثقيلة على المسلمين الذين لاقوا خلالها أصعب المحن، وهل آلم من مشهد رؤوس أبناء النبي (صلّى الله عليه وآله) يطاف بها في الأقطار، وأسراهم يقتلون ويصلبون، لم ترع فيهم لا حرمة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ولا حرمة الإسلام، دين المحبة والعدل والتسامح!! كل هذه الأحداث الجسام من المهدي إلى المنصور إلى الهادي إلى الرشيد رآها كلها الإمام موسى بن جعفر بعينه، وشاهدها بنفسه، وذاق ويلاتها، ورافق مآسيها؛ لقد رأى الحق مضاعاً، والعدل مجافى والظلم مسيطراً، والأحرار في القبور وفي غياهب السجون. عاش في غضون صباه وفي ريعان عمره محنة المجتمع الإسلامي وشقاءه فرأى الأدوار الرهيبة التي مرّت به فلم ينتقل من جور الأمويين وظلمهم حتى وقع تحت وطأة الحكم العباسي، فأخذ يعاني التعسف والجور والاستبداد، وأخذت السلطة العباسية تمعن في نهب ثروات المسلمين وإفقارهم وصرفها على المجون والدعارة كما كان الحال أيام الحكم الأموي. ومن الطبيعي أن يكون لكل ذلك اثر كبير في حياة الإمام الكاظم (عليه السلام) المشحونة بالأسى والحزن. وقد أُلام لأنني استرسلت في الحديث عن عصر الإمام (عليه السلام) والسبب في ذلك يعود لما لهذه الأحداث الكبيرة والمؤلمة من أثر في حياة الإمام (عليه السلام) لكنه لم يلن له جانب، ولا تهاون مرّة واحدة، ولم يضعف أمام هول كل هذه الجرائم، بل دافع بكل ما أعطاه الله من قوة، وكظم غيظه، وجاهد صابراً مثابراً مطالباً بحق المسلمين المحرومين، ومناصراً للحق من أجل صيانة الدين والمحافظة على حقوق الأمة الإسلامية.
الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) وهارون لابدّ لنا من الحديث عن الأسباب التي دعت هارون الرشيد لسجن الإمام موسى (عليه السلام) وأظن أن القراء يهمهم الاطلاع على هذه الأسباب، والتعرّف على دور محنته الكبرى أيام اضطهاده في سجن الطاغية هارون. 1ـ حقد هارون الموروث كان الحقد من الصفات الرئيسية التي تميّز بها هارون، فهو لم يرق له أن يسمع الناس أن يتحدثوا عن أي شخصية تتمتع بمكانة عليا في مجتمعه، محاولاً تزهيد الناس واحتكار الذكر الحسن لنفسه، وهذا يدل على منتهى الأنانية الحاقدة، ومنتهى الضعف في الشخصية القلقة. حسد الرشيد البرامكة وحقد عليهم لما ذاع صيتهم، وتحدّث الناس عن مكارمهم حتى أنزل بهم أشد العقاب وأزال وجودهم. وحقد على الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) لما يتحلى به من شخصية فذّة لامعة بعد أن ذاع صيته العطر بين الناس، وتناقلوا فضائله، وتحدّثوا عن علمه الغزير، ومواهبه العالية. وذهب جمهور غفير من المسلمين إلى الاعتقاد بإمامته وأنه أحق بالخلافة من أي شخص آخر في عصره. وكان يذهب إلى فكرة الإمامة كبار المسؤولين في دولة هارون مثل: علي بن يقطين، وابن الأشعث، وهند بن الحجاج وأبو يوسف محمد بن الحسن وغيرهم من قادة الفكر الإسلامي. والرشيد نفسه يؤمن بأن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) هو أولى منه بهذا المنصب الهام في الأمة الإسلامية كما أدلى بذلك لابنه المأمون. لم يرقَ لهارون أن يرى في المجتمع من هو أفضل منه، وأن الجماهير وسائر الأوساط الشعبية والخاصة تؤمن أيضا هو أولى بالخلافة منه، وإن الإمام يفوقه علماً وفضلاً وحكمة وثقة، وإن المسلمين قد أجمعوا على تعظيمه، فتناقلوا فضائله وعلومه، وتدفقوا على بابه من أجل الاستفتاء في الأمور الدينية. لذلك كله حقد على الإمام وارتكب تلك الجريمة المروعة حيث أودعه في ظلمات السجون، وغيّبه عن جماهيره وشيعته، وحرم الأمة الإسلامية من الاستفادة من غزير علومه، ونبل نصائحه، وجميل توجيهاته. 2ـ حرص هارون على المُلك كان هارون يضحي في سبيل ملكه جميع القيم والمقدسات، وقد عبر عن مدى حرصه على سلطته بكلمته المعروفة التي تناقلتها الأجيال وهي: (لو نازعني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لأخذت الذي فيه عيناه). أجل! فكيف يخلي عن سراح الإمام، وكيف تطيب نفسه وقد رأى الناس أجمعوا على حب الإمام وتقديره واحترامه؟ كان هارون يخرج متنكراً إلى العامة ليقف على اتجاهاتهم ورغباتهم فلا يسمع إلا الذكر العاطر والثناء الجميل على الإمام، وحب الناس له، ورغبتهم في أن يتولّى شؤونهم، ممّا دفع به على ارتكاب جريمته وقتله. 3ـ الوشاية بالإمام (عليه السلام) من الذين بلي بهم الإسلام جماعة من الأوغاد والمتزلفين، باعوا ضمائرهم فعمدوا إلى السعي بالإمام (عليه السلام) والوشاية به عند الطاغية هارون ليتزلّفوا إليه بذلك. وقد بقي منهم نماذج في جميع مراحل التاريخ. ـ من هؤلاء من أبلغ هارون بأن الإمام تجبى له الأموال الطائلة من شتّى الأقطار الإسلامية، واشترى ضيعة تسمى (اليسرية) بثلاثين ألف دينار، فأثار ذلك كوامن الحقد عند هارون. وسياسته كانت تجاه العلويين تقضي بفقرهم، ووضع الحصار الاقتصادي عليهم. وهذه الوشاية كانت من جملة الأسباب التي دعت إلى سجن الإمام (عليه السلام)(80). ـ وفريق آخر من هؤلاء الأشرار سعوا بالإمام إلى هارون فقالوا له: إن الإمام يطالب بالخلافة، ويكتب إلى سائر الأقطار الإسلامية يدعوهم إلى نفسه، ويحفّزهم ضد الدولة العباسية وكان في طليعة هؤلاء الوشاة يحيى البرمكي. هؤلاء أثاروا كوامن الحقد على الإمام. ـ ومن الأسباب التي زادت في حقد هارون على الإمام وسببت في اعتقاله احتجاجه (عليه السلام) عليه بأنه أولى بالنبي العظيم (صلّى الله عليه وآله) من جميع المسلمين، فهو أحد أسباطه ووريثه، وإنه أحق بالخلافة من غيره وقد جرى احتجاجه (عليه السلام) معه في مرقد النبي (صلّى الله عليه وآله). أقبل هارون بوجهه على الضريح المقدّس وسلّم على النبي قائلاً: (السلام عليك يا ابن العم) وقد اعتز بك على من سواه، وافتخر على غيره برحمه الماسّة من النبي (صلّى الله عليه وآله)، وإنما نال الخلافة لقربه من الرسول (صلّى الله عليه وآله). وكان الإمام عند ذلك حاضراً فسلّم على النبي (صلّى الله عليه وآله) قائلاً: (السلام عليك يا أبتِ). ففقد الرشيد صوابه، واستولت عليه موجات من الاستياء، فاندفع هارون قائلاً بنبرات تقطر غضباً: (لما قلت إنك أقرب إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) منّا؟؟). فأجابه (عليه السلام) بجواب سديد لم يتمكن الرشيد من الرد عليه. سأله الإمام: (لو بعث الرسول (صلّى الله عليه وآله) حياً وخطب منك كريمتك هل كنت تجيبه إلى ذلك؟. فقال هارون: سبحان الله!! وكنت أفتخر بذلك على العرب والعجم. فقال الإمام (عليه السلام) مبيناً له الوجه في قربه من النبي (صلّى الله عليه وآله) قائلاً: (لكنه لا يخطب مني ولا أزوجه لأنه ولدنا ولم يلدكم فلذلك نحن أقرب إليه منكم) ثم زاد قائلاً (عليه السلام): (هل يجوز للرسول (صلّى الله عليه وآله) أن يدخل على حرمك وهنّ مكشفات؟؟). فقال هارون: لا. قال الإمام (عليه السلام) لكن له أن يدخل على حرمي ويجوز له ذلك ولذلك نحن أقرب إليه منكم)(81). وعندها ظهر عجز هارون فقال له: (لله درّك إن العلم شجرة نبتت في صدوركم فكان لكم ثمرها، ولغيركم الأوراق). واندفع هارون بعدما أعياه الدليل إلى المنطق وأمر باعتقال الإمام (عليه السلام) وزجّه في السجن(82). 4 ـ صلابة موقف الإمام (عليه السلام) كان موقف الإمام (عليه السلام) من الطاغية هارون موقفاً واضحاً كل الوضوح، تمثلت فيه صلابة العدل، وقوة الحق، والدفع عن المظلومين، والوقوف إلى جانبهم في كل شؤونهم وشجونهم، فقد أعلن لشيعته أن التعاون مع السلطة الحاكمة حرام ولا يجوز بأي وجه من الوجوه. وشاعت في الأوساط الإسلامية فتوى الإمام بحرمة الولاية من قبل هارون، وحرمة التعاون مع الحكام الظالمين فأوغر ذلك قلب هارون وحقد على الإمام حقداً بعيد الحدود. والإمام (عليه السلام) كما يعلم الجميع لا يعرف المصانعة والتسامح مع الحق، ولا يداري فيما يعود الإساءة إلى مصالح الأمة الإسلامية. فموقفه واضحاً صريحاً. لا لبس فيه. يروى أنه دخل على هارون في بعض قصوره الأنيقة الفخمة التي لم يرَ مثلها في بغداد، فسأله هارون بعد أن أسكرته نشوة الحكم قائلاً: ما هذه الدار؟ فأجابه الإمام (عليه السلام) غير مهتم بسلطانه وجبروته: هذه الدار دار الفاسقين. قال تعالى: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَـــرَوْا كُلَّ آيَةٍ لاَ يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الــــرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخـــِذُوهُ سَبِـــيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُــوا عَنْهَا غَافِلِــينَ)(83). لما سمع هارون هذا الكلام الثقيل على روحه أصابته رعدة عارمة واستولت عليه موجة من الاستياء. فقال للإمام: ـ دار مَن هي؟ ـ هي لشيعتنا فترة، ولغيرهم فتنة. ـ ما بال صاحب الدار لا يأخذها؟ ـ أخذت منه عامرة ولا يأخذها إلا معمورة. ـ أين شيعتك؟ ـ فتلا عليه الإمام (عليه السلام) قولـــه تعالى: (لَمْ يَكُـــنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَــــهُمُ الْبَــيِّنَةُ)(84). فطفح إناء الغضب عند هارون وصاح غاضباً: ـ أنحن كفار؟!! فقال الإمام: لا، ولكن كما قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ)(85). فغضب هارون وأغلظ في كلامه على الإمام(86). هكذا كان موقف الإمام (عليه السلام) مع هارون كموقف أبيه وجده (عليهم السلام) لا لين فيه ولا هوادة أمام الحق. فالغاصب لمنصب الخلافة هو مختلس للسلطة والحكم، ويجب أن يحاسب ويطالب بحقوق الأمة الإسلامية وكما قال سيد الشهداء: (ما خرجت أشراً ولا بطراً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي).
الإمام الكاظم دائرة المعارف رسالته في العقل قبل الحديث عن رسالة الإمام موسى (عليه السلام) في العقل التي تعد ثروة فكرية عظيمة، لابدّ لنا من الحديث عن منهج أهل البيت (عليهم السلام) في العقل. لأهل البيت (عليهم السلام) منهج علمي خاص لا يحيدون عنه، به يفسرون الأمور الدينية، وبه يقيسون المبادئ والآراء والمعتقدات والفلسفات وهو العقل السليم. بالعقل السليم يستدل على غيره ولا يستدل بغيره عليه. ولأهل البيت كلام كثير بهذا الموضوع ذكره الكليني في أول أصول الكافي منه: (إن الله جعل العقل دليلاً على معرفته.. ومن كان عاقلاً كان له دين.. أعلم الناس بأمر الله أحسنهم عقلاً.. العقل دليل المؤمن). وجاء في نهج البلاغة لأمير المؤمنين: (أغنى الغنى العقل). معنى هذا أن العقل هو المبدأ الأول لكل حجة ودليل، واليه تنتهي طرق العلم والمعرفة بكل شيء وكل حكم. والعقل هو القوة المبدعة التي منحها الله عزّ وجلّ إلى الإنسان وميّزه به على الحيوان الأبكم، وشرّفه على بقية الموجودات، واستطاع به أن يستخدم الكائنات، ويكشف أسرارها، وبالعقل جعله خليفة في الأرض، ينظّم الحياة عليها ويعمرها. وقد انتهى الإنسان بفضل عقله إلى غزو الفضاء والكواكب، وانطلق انطلاقة رائعة إلى اكتشافات مذهلة، وسيصل في مستقبله القريب أو البعيد إلى ما هو أعمق وأشمل من ذلك. إن كل حكم سواء أكان مصدره الوحي أم الحس والتجربة دليله العقل حيث لا وزن للسمع والبصر بلا عقل، ولا سبيل إلى العلم بمصدر الوحي إلا العقل ودلالته. وبصورة أوضح نحن نأخذ بحكم الوحي والشرع بأمر من العقل. أما حكم العقل فنأخذه ونعمل به، وإن لم ينص عليه الوحي والشرع، والخلاصة أن أبعد الناس عن الدين من يظن أن الدين بعيد عن العقل. وإن ما يقصد إليه هو العقل السليم.
معنى العقل السليم العاقل في اصطلاح القرآن الكريم وعند الناس هو الذي يضع الشيء في مكانه ويملك إرادة قوية فيحبس نفسه عما يشين بها ولا يستجيب لهواها إن يكُ مخالفاً للعقل وحكمه. قال تعالى: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ..)(87) وقال عزّ وجلّ: (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ..)(88). وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً)(89). وقال سبحانه وتعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)(90). يتضح من هذه الآيات الكريمات أن العاقل هو الذي ينقاد إلى حكم العقل، ويؤثره على هواه. وعليه يكون المراد بالعقل السليم: الإدراك النابع من العقل بالذات، العقل المستنير بالمعرفة والحق والإيمان، وليس من الجهل والتعصب والأهواء الشخصية!! وما نراه أن الرجل الواقعي الواعي لا يجزم بالفكرة الخاطفة العابرة، ولا ينطلق مع رغبته وإرادته قبل أن يتدبر ويتأمل، بل يتريّث ويملك نفسه ويبحث، حتى يهتدي إلى الرأي الناضج الأصيل. على العكس من الرجل العاطفي الذي يبتّ في الأمور برغبته وهواه قبل أن يفكر ملياً، وبتعبير أدق: يصدّق قبل أن يتصوّر. وسئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن العقل فقال: (ما عبد به الرحمن، واكتسب به الجنان. قيل له: فالذي كان في معاوية؟ فقال: تلك الشيطنة وهي شبيهة بالعقل، وليست بالعقل). ويعني بقوله (عليه السلام) أن العقل لا يقود إلى الحرام كما يفعل الشيطان. والله سبحانه وتعالى بشّر أهل العقل والفهم في كتابه حيث قال: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ)(91). هذه الآية تعد من أوضح الآيات التي جاءت في العقول السليمة. والإمام (عليه السلام) استدل بهذه الآية الكريمة على تقديم أهل العقول السليمة على غيرهم لأن الله قد بشّرهم بالهداية والنجاح، وقد تضمنت الآية التي استشهد بها (عليه السلام) جملة من الفوائد منها: 1ـ وجوب الاستدلال. 2ـ حدوث الهداية. 1ـ إذا وقف الإنسان على جملة من الأمور فيها الصحيح والفاسد، وكان في الصحيح هدايته وفي السقيم غوايته فإنّه يتحتم عليه أن يميز بينهما ليعرف الصحيح منها فيتبعه، والسقيم فيبتعد عنه، ومن الطبيعي أن ذلك لا يحصل إلا بإقامة الدليل والحجة، وبهذا يستدل على وجوب النظر والاستدلال في مثل ذلك. 2ـ كما دلّت الآية على الهداية، فمن المعلوم أن كل عارض لابدّ له من موجد كما لابدّ له من قابل، أما الموجد للهداية فهو الله تعالى ولذلك نسبها إليه بقوله: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ)، وأما القابلون لها كلهم أهل العقول المستقيمة وإلى ذلك أشار بقوله سبحانه: (وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الألْبَابِ). ومن المعلوم أن الإنسان يقبل الهداية من جهة عقله لا من جهة جسمه وأعضائه، فلو لم يكن كامل العقل لامتنع عليه حصول المعرفة والفهم كما هو ظاهر. قال الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) مخاطباً هشام بن الحكم: يا هشام: إن الله تبارك وتعالى أكمل للناس الحجج بالعقول، ونصر النبيين بالبيان، ودلّهم على ربوبيته بالأدلة فقال سبحانه: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)(92). يتوضّح من حديث الإمام هذا أن الله أكمل نفوس أنبيائه بالعقول الفاضلة ليكونوا حججاً على عباده، وهداة لهم إلى الطريق السليم لينجوا من مهالك الدنيا ومزالقها، ولو لم يمنحهم العقل لما صلحوا لقيادة الأمم وهدايتها، لأن الناقص لا يكون مكملاً لغيره، وفاقد الشيء لا يعطيه.
|
1 - ففي حرب مؤتة أمّر الرسول (صلّى الله عليه وآله) جعفر بن أبي طالب، وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة، وجعل القيادة للأول، فإن أصيب فللثاني فإن أصيب فللثالث. 2 - سورة يونس: الآية 35. 3 - راجع أئمتنا ج1 تجد نصوص الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) على الأئمة (عليهم السلام). 4 - الإرشاد، ص310. 5 - المعجم، ج1، ص27. 6 - سورة يس: الآية 12. 7 - السياسة الشرعية، ص172-173. 8 - الملل والأهواء، ج4، ص87. 9 - روى الحديث مسلم وكذلك رواه النسائي. 10 - المقدمة، ص151. 11 - سورة ص: الآية 26. 12 - سورة القصص: الآية 68. 13 - سورة الأعراف: الآية 155. 14 - سورة النساء: الآية 153. 15 - بحار الأنوار، ج13، ص127. 16 - سورة آل عمران: الآية 29. 17 - سورة التوبة: الآية 32. 18 - سورة ص: الآية 26. 19 - صحيح البخاري، ج9، ص62، ومسلم ج2، ص213. 20 - صحيح الترمذي، ج6، ص73 والخلة: الحاجة والفقر. 21 - راجع هذه الأوصاف في الأحكام السلطانية، ص4 والمقدمة لابن خلدون، ص135. 22 - سورة الأحزاب: الآية 33. 23 - الرجس: المعاصي. 24 - سورة يس: الآية 82. 25 - حياة الإمام موسى بن جعفر، ج1، ص112. 26 - المصدر نفسه، ص113. 27 - عقائد الإمامية للشيخ محمد رضا المظفر، ص51-54. 28 - سورة الجمعة: الآية 2. 29 - سورة الأنبياء: الآية 72-73. 30 - سورة البقرة: الآية 124. 31 - سورة الأنبياء: الآيتان 72-73. 32 - سورة آل عمران: الآية 68. 33 - سورة الروم: الآية 56. 34 - سورة يونس: الآية 35. 35 - سورة البقرة: الآية 269. 36 - سورة النساء: الآية 54-55. 37 - سورة الحديد: الآية 21. 38 - سورة القصص: الآية 50. 39 - سورة محمد: الآية 8. 40 - سورة المؤمن: الآية 35. 41 - راجع عيون أخبار الرضا، ج1، ص216-222 وأصول الكافي. 42 - سورة آل عمران: الآية 110. 43 - كنز العمال، ج6، ص392. 44 - نفسه، ج6، ص154. 45 - حلية الأولياء، ج1، ص63. 46 - الاتحاف بحجب الأشراف، ص129. 47 - منهاج السنة، ج4، ص210. 48 - المراجعات، ص228. 49 - المراجعات، ص227. 50 - المصدر نفسه. 51 - حلية الأولياء، ج1، ص86. 52 - كشف الغمة، ص151، وأصول الكافي للكليني. 53 - قال الإمام كاشف الغطاء (قدس الله مثواه): إن أول من وضع بذرة التشيع في حقل الإسلام هو نفس صاحب الشريعة الإسلامية ـ فوضعت بذرة التشيع مع بذرة الإسلام جنباً إلى جنب وسواء بسواء، ولم يزل غارسها يتعهدها بالسقي والعناية، حتى نمت وازدهرت في حياته ثم أثمرت بعد وفاته (أصل الشيعة وأصولها، ص87-88). 54 - سورة الصف: الآيتين 8-9. 55 - مروج الذهب، ج3، ص225. 56 - الطبري، ج9، ص398. 57 - مروج الذهب، ج3، ص225. 58 - الديوان، ص128 والغدير، ج3، ص238. 59 - البداية والنهاية، ج10، ص81. 60 - بحار الأنوار، ج47، ص306-307. 61 - عيون أخبار الرضا، ج1، ص111. 62 - تاريخ اليعقوبي، ج3، ص349. 63 - الأغاني، ج5، ص5. 64 - الفخري، ص167. 65 - تاريخ اليعقوبي، ج3، ص134. 66 - الجهشياري، ص103. 67 - تاريخ بغداد، ج2، ص193. 68 - راجع نقد الحديث في علم الرواية وعلم الدراية، ج2. 69 - الطبري، أحداث سنة 169. 70 - الطبري، ج6، ص397. 71 - سورة محمد: الآية 22. 72 - البحار، ج11، ص252 ونور الأبصار، ص136. 73 - حضارة الإسلام في دار السلام، ص84. 74 - الأغاني، ج5، ص241، ص6. 75 - اليعقوبي، ج3، ص136. 76 - الطبري، ج10، ص29. 77 - كعب بن مالك بن أبي كعب الخزرجي شاعر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأحد السبعين الذين بايعوه بالعقبة، وشهد المشاهد كلها سوى واقعة بدر وهو القائل: وبــــبـــئر بـــدر إذ يـــرد وجوهــــــهم جــــبـــريـل تـــــحت لــوائــنا ومحــمد وقد توفي في خلافة علي بن أبي طالب (عليه السلام) بعد أن كف بصره. معجم الشعراء. ص342. 78 - يعرف هذا الدعاء بدعاء الجوشن الصغير ذكر في مهج الدعوات، ص220، وفي مفاتيح الجنان وذكره ابن شهر اشوب في المناقب. 79 - الطبري، ج10، ص33 والجهشياري، ص175 واليعقوبي، ج3، ص138. 80 - الفصول المهمة، ص252. 81 - أخبار الدول، ص113 ووفيات الأعيان، ج1، ص394 والاتحاف بحب الأشراف، ص55. 82 - تذكرة الخواص، 359، طبعاً هذا منطق الظالمين الطامعين. 83 - سورة الأعراف: الآية 146. 84 - سورة البينة: الآية 1. 85 - سورة إبراهيم: الآية 28. 86 - البحار، ج11، ص279. 87 - سورة المؤمنون: الآية 71. 88 - سورة ص: الآية 51. 89 - سورة النساء: الآية 135. 90 - سورة النازعات: الآيتان 40-41. 91 - سورة الزمر: الآيتان 17-18. 92 - سورة البقرة: الآيتان 163-164. |