مكتبة الإمام الكاظم

فهرس الكتاب

 

في سبيل الشريعة الإسلامية

مناظرات الإمام الكاظم

للإمام الكاظم (عليه السلام) مناظرات واحتجاجات هامة وبليغة مع خصومه المناوئين له، كما جرت له مناظرات أخرى مع علماء النصارى واليهود. وقد برع فيها جميعها وأفلج الجميع بما أقامه من الأدلة الدامغة على صحة ما يقول: وبطلان ما ذهبوا إليه. وقد اعترفوا كلهم بالعجز والفشل معجبين بغزارة علم الإمام وتفوقه عليهم.

1ـ مع هارون الرشيد

دخل إليه وقد عمد على القبض عليه، لأشياء كذبت عليه عنده، فأعطاه طوماراً طويلاً فيه مذاهب وشنعة نسبها إلى شيعته فقرأه (عليه السلام) ثم قال له: يا أمير المؤمنين نحن أهل بيت منينا بالتقول علينا، وربنا غفور ستور، أبي أن يكشف أسرار عباده إلا في وقت محاسبته: (يَوْمَ لاَ يَنْفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)(1).

ثم قال: حدثني أبي، عن أبيه، عن علي، عن النبي صلوات الله عليهم:

الرحم إذا مست اضطربت ثم سكنت، فإن رأى أمير المؤمنين أن تمس رحمي رحمه ويصافحني فعل. فتحول عند ذلك عن سريره ومد يمينه إلى موسى (عليه السلام) فأخذ بيمينه ثم ضمه إلى صدره، فاعتنقه وأقعده عن يمينه وقال: أشهد أنك صادق وجدك صادق ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) صادق ولقد دخلت وأنا أشد الناس حنقاً(2) وغيظاً لما رقي إليّ فيك فلما تكلمت بما تكلمت وصافحتني سرّي عني وتحول غضبي عليك رضى.

وسكت ساعة ثم قال له: أريد أن أسألك عن العباس وعلي بما صار عليّ أولى بميراث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من العباس، والعباس عم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وصنو أبيه؟

فقال له الإمام (عليه السلام): أعفني. قال: والله لا أعفيتك، فأجبني.

قال: فإن لم تعفني فآمني. قال: آمنتك، قال موسى بن جعفر (عليه السلام): إن النبي (صلّى الله عليه وآله) لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر، إن أباك العباس آمن ولم يهاجر، وإن علياً آمن وهاجر، وقال الله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا)(3) فتغيّر لون هارون.

ثم تابع الرشيد فقال: ما لكم لا تنسبون إلى عليّ وهو أبوكم وتنسبون إلى رسول الله وهو جدكم؟ فقال الكاظم (عليه السلام):

إن الله نسب المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام) إلى خليله إبراهيم (عليه السلام) بأمه مريم البكر البتول التي لم يمسها بشر في قوله تعالى: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)(4) (وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ)(5). فنسبه لأمه وحدها إلى خليله إبراهيم (عليه السلام). كما نسب داود وسليمان وأيوب وموسى وهارون (عليه السلام) بآبائهم وأمهاتهم، فضيلة لعيسى (عليه السلام) ومنزلة رفيعة بأمه وحدها. وذلك قوله في قصة مريم (عليها السلام): (إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ)(6).

بالمسيح من غير بشر. وكذلك اصطفى ربنا فاطمة (عليها السلام) وطهرها وفضلها على نساء العالمين بالحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة فقال له هارون ـ وقد اضطرب وساءه ما سمع ـ:

من أين قلتم الإنسان يدخل الفساد من قبل النساء ومن قبل الآباء لحال الخمس الذي لم يدفع إلى أهله، فقال الإمام الكاظم (عليه السلام): هذه مسألة ما سئل عنها أحد من السلاطين غيرك، ولا تيم ولا عدي ولا بنو أمية ولا سئل عنها أحد من آبائي فلا تكشفني عنها. قال الرشيد: فإن بلغني عنك كشف هذا رجعت عما آمنتك. فقال موسى (عليه السلام): لك ذلك. قال (عليه السلام): فإن الزندقة قد كثرت في الإسلام وهؤلاء الزنادقة الذين يرفعون إلينا في الأخبار، هم المنسوبون إليكم.

فقال هارون: فما الزنديق عندكم أهل البيت؟ فقال (عليه السلام): الزنديق هو الراد على الله وعلى رسوله وهم الذين يحادّون الله ورسوله. قال تعالى: (لاَ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ)(7).

وهم الملحدون، عدلوا عن التوحيد إلى الإلحاد.

فقال هارون: أخبرني عن أول من ألحد وتزندق؟ فقال (عليه السلام): أول من ألحد وتزندق في السماء إبليس اللعين، فاستكبر وافتخر على صفي الله ونجيبه آدم (عليه السلام) فقال اللعين: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)(8). فعتا عن أمر ربه وألحد فتوارث الإلحاد ذريته إلى أن تقوم الساعة فقال هارون: ولإبليس ذرية؟ فقال (عليه السلام):

نعم ألم تسمع إلى قول الله عزّ وجلّ: (إِلاَ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً * مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً) فهل عرف الرشيد من أي فريق هو؟!

ثم قال له الرشيد: بحق آبائك لما اختصرت كلمات جامعة لما تجاريناه فقال (عليه السلام): نعم. وأوتي بدواة وقرطاس فكتب:

بسم الله الرحمن الرحيم، جميع أمور الأديان أربعة:

ـ أمر لا اختلاف فيه وهو إجماع الأمة على الضرورة التي يضطرون إليها، الأخبار المجمع عليها وهي الغاية المعروض عليها كل شبهة والمستنبط منها كل حادثة وهو إجماع الأمة.

ـ وأمر يحتمل الشك والإنكار، فسبيله استيضاح أهله لمنتحليه بحجة من كتاب الله مجمع على تأويلها، وسنّة مجمع عليها لا اختلاف فيها أو قياس تعرف العقول عدله ولا يسع خاصة الأمة وعامتها الشك فيه والإنكار له. وهذان الأمران من أمر التوحيد فما دونه وأرش الخدش فما فوقه. فهذا المعروض الذي يعرض عليه أمر الدين فما ثبت لك برهانه اصطفيته، وما غمض عليك صوابه نفيته. فمن أورد واحدة من هذه الثلاث فهي الحجة البالغة التي بيّنها الله في قوله لنبيه (صلّى الله عليه وآله):

(قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ)(9).

يبلغ الحجّة البالغة الجاهل فيعلمها بجهله كما يعلمها العالم بعلمه، لأن الله عدل لا يجور، يحتج على خلقه بما يعملون، ويدعوهم إلى ما يعرفون لا إلى ما يجهلون وينكرون.

فأجازه الرشيد وأحسن لقاءه. وانصرف الإمام (عليه السلام) وقد دلّ خصمه ـ المسمى بأمير المؤمنين وخليفة المسلمين ـ على أمور الدين كما أوضح له منزلة أهل البيت (عليهم السلام) وصحة أقوالهم ودعم ما ذهب إليه بأوثق الأدلة والبراهين ولا غرو فهذا الغصن الطيّب هو من تلك الشجرة الطيّبة التي غرسها الرسول (صلّى الله عليه وآله) وتعهّد سقايتها ورعايتها.

2ـ مع الفضل بن الربيع

زار هارون الرشيد قبر النبي (صلّى الله عليه وآله) فاجتمع به الإمام (عليه السلام) وبعد انتهاء المقابلة، خرج (عليه السلام) فاجتاز على الأمين ابن الرشيد، فالتفت الأمين إلى الفضل بن الربيع قائلاً له: عاتب هذا، فقام الفضل إلى الإمام فقال له: كيف لقيت أمير المؤمنين على هذه الدابة التي إن طُلبت عليها لم تسبق وإن طَلبت عليها تلحق؟

ـ قال الإمام (عليه السلام): لست أحتاج أن أطلب، ولا أن أُطلب، ولكنها دابة تنحط عن خيلاء الخيل، وترتفع عن ذلة البعير، وخير الأمور أوسطها)(10) فتركه الإمام (عليه السلام) وانصرف وبدا على الفضل الارتباك والعجز.

3ـ مع أبي يوسف

أمر هارون الرشيد أبا يوسف(11) أن يسأل الإمام (عليه السلام) بحضرته لعله أين يبدي عليه العجز فيتخذ من ذلك وسيلة للحطّ من كرامته، ولما اجتمع (عليه السلام) بهم وجه إليه أبو يوسف السؤال التالي:

ـ ما تقول في التظليل للمحرم؟ قال الإمام: لا يصح.

ـ فيضرب الخباء في الأرض ويدخل البيت؟ قال الإمام: نعم.

ـ فما الفرق بين الموضعين؟

ـ ما تقول في الطامث أتقضي الصلاة؟ قال أبو يوسف: لا.

ـ أتقضي الصوم؟ نعم. ولمَ؟ هكذا جاء هذا.

فسكت أبو يوسف ولم يطق جواباً وبدا عليه الخجل والعجز فقال هارون:

ـ ما أراك صنعت شيئاً.

ـ رماني بحجر دامغ(12).

وتركهما الإمام (عليه السلام) وانصرف بعد أن خيّم عليهما الحزن والشقاء. ولا عجب فالإمام (عليه السلام) هو ابن الإمام جعفر الصادق الذي أسس الجامعة الإسلامية ووضع مناهجها العلمية الأصيلة، وهو سرّ أبيه (عليه السلام).

4ـ مع أبي حنيفة

دخل أبو حنيفة على الإمام الصادق (عليه السلام) فقال له:

رأيت ابنك موسى يصلي والناس يمرون بين يديه، فلم ينههم عن ذلك؟‍‍

فأمر أبو عبد الله (عليه السلام) بإحضار ولده فلما مثل بين يديه قال له:

(يا بني، إن أبا حنيفة يذكر إنك كنت تصلي والناس يمرون بين يديك؟)

فقال (عليه السلام): (نعم، يا أبتِ وإن الذي كنت أصلي له أقرب إليّ منهم، يقول الله عزّ وجلّ: (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(13).

عندها فرح الإمام الصادق (عليه السلام) وسرّ سروراً بالغاً لما أدلى به ولده من المنطق الرائع، فقام إليه وضمه إلى صدره وقال مبتهجاً:

(بأبي أنت وأمي يا مودع الأسرار)(14).

5ـ مع علماء اليهود

قصد وفد من علماء اليهود الإمام الصادق (عليه السلام) ليحاججوه في الإسلام فلمّا مثلوا بين يديه انبروا إليه يطلبون منه الحجة والدليل على نبوة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قائلين:

ـ أي معجز يدل على نبوة محمد (صلّى الله عليه وآله)؟ أجابهم (عليه السلام):

كتابه المهمين، الباهر لعقول الناظرين، مع ما أعطي من الحلال والحرام وغيرهما ممّا لو ذكرناه لطال شرحه.

ـ كيف لنا أن نعلم هذا كما وصفت؟

فانطلق الإمام الكاظم (عليه السلام) وكان آنذاك صبياً قائلاً لهم:

ـ وكيف لنا بأن نعلم ما تذكرون من آيات الله لموسى على ما تصفون؟

ـ علمنا ذلك بنقل الصادقين.

ـ فاعلموا صدق ما أنبأتكم به بخبر طفل لقنه الله تعالى من غير تعليم ولا معرفة عن الناقلين.

فبهروا وآمنوا بقول الإمام الكاظم الصبي (عليه السلام)، الذي هو المعجز بحق، وهتفوا معلنين إسلامهم قائلين: نشهد أن لا اله إلا الله وإن محمداً رسول الله، وإنكم الأئمة الهادون والحجج من عند الله على خلقه. ولما أدلى الإمام (عليه السلام) بهذه الحجة وأسلم القوم على يده، وثب إليه والده أبو عبد الله فقبّل ما بين عينيه. وقال له: أنت القائم من بعدي ثم أمره بكسوة لهم وأوصلهم فانصرفوا وهم شاكرون(15).

6ـ مع علماء النصارى

جاء قطب من أقطاب النصارى ومن علمائها النابهين يدعى (بريهة) كان يطلب الحق ويبغي الهداية. اتصل بجميع الفرق الإسلامية وأخذ يحاججهم فلم يقتنع ولم يصل إلى الهدف الذي يريده، حتى وصفت له الشيعة ووصف له هشام بن الحكم، فقصده ومعه نخبة كبيرة من علماء النصارى، فلما استقر به المجلس سأل بريهة هشام بن الحكم عن أهم المسائل الكلامية والعقائدية فأجابه عنها هشام ثم ارتحلوا جميعاً إلى التشرف بمقابلة الإمام الصادق (عليه السلام) وقبل الالتقاء به اجتمعوا بالإمام الكاظم فقصّ عليه هشام مناظراته وحديثه مع العالم النصراني (بريهة). فالتفت (عليه السلام) إلى بريهة قائلاً له:

ـ يا بريهة كيف علمك بكتابك؟ قال: أنا به عالم.

ـ كيف ثقتك بتأويله؟ قال: ما أوثقني بعلمي به!!

فأخذ (عليه السلام) يقرأ عليه الإنجيل ويرتّل عليه فصوله فلما سمع ذلك بريهة آمن بأن دين الإسلام حق وإن الإمام من شجرة النبوة فانبرى إليه قائلاً: إيّاك كنت أطلب منذ خمسين سنة، أو مثلك!!

ثم إنه أسلم وأسلمت معه زوجته وقصدوا جميعاً والده الإمام الصادق (عليه السلام) فحكى له هشام الحديث وإسلام بريهة على يد ولده الكاظم فسرّ (عليه السلام) بذلك والتفت قائلاً له: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(16).

وانبرى بريهة إلى الإمام الصادق (عليه السلام) قائلاً:

ـ جعلت فداك، أنى لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء؟!!

ـ قال: هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرأوها، ونقولها كما قالوها: إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شيء فيقول: لا أدري.

وبعدها لزم بريهة الإمام الصادق (عليه السلام) وصار من أخلص أصحابه، ولما انتقل الإمام إلى دار الخلود اتصل بالإمام الكاظم (عليه السلام) حتى توفي في عهده(17) ولا عجب فالإمام المعصوم هو الحجة.

قال أبو الحسن (عليه السلام): (إن الأرض لا تخلو من حجة وأنا والله ذلك الحجة)(18).

7ـ مع راهب نصراني

كان في الشام راهب معروف تقدسه النصارى وتعظمه، وتسمع منه، وكان يخرج لهم في كل يوم يوماً يعظهم. التقى به الإمام في ذلك اليوم الذي يعظ به وقد طافت به الرهبان وعلية القوم، فلما استقر المجلس بالإمام التفت إليه الراهب قائلاً:

ـ يا هذا، أنت غريب؟ قال (عليه السلام): نعم.

ـ منّا أو علينا؟ قال (عليه السلام): لست منكم.

ـ أنت من الأمة المرحومة؟ قال (عليه السلام): نعم.

ـ أمن علمائها أمن جهالها؟ قال (عليه السلام): لست من جهالها.

فاضطرب الراهب، وتقدم إلى الإمام يسأله عن أعقد المسائل عنده قائلاً: كيف طوبى أصلها في دار عيسى عندنا، وعندكم في دار محمد (صلّى الله عليه وآله) وأغصانها في كل دار؟

قال (عليه السلام): إنها كالشمس يصل ضوؤها إلى كل مكان وموضع وهي في السماء.

ـ قال الراهب: إن الجنة كيف لا ينفذ طعامها وإن أكلوا منه، وكيف لا ينقص شيء منه؟

ـ قال الإمام (عليه السلام) أنه كالسراج في الدنيا ولا ينقص منه شيء.

ـ قال الراهب: إن في الجنة ظلاً ممدوداً، ما هو؟

ـ قال الإمام (عليه السلام): الوقت الذي قبل طلوع الشمس، هو الظل الممدود، ثم تلا قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً)(19).

ـ قال الراهب: إن أهل الجنة يأكلون ويشربون كيف لا يكون لهم غائط ولا بول؟

ـ قال الإمام (عليه السلام): إنهم كالجنين في بطن أمه.

ـ قال الراهب: إن لأهل الجنة خدماً يأتونهم بما أرادوا بلا أمر؟

ـ قال الإمام (عليه السلام): إن الإنسان إذا احتاج إلى شيء عرفت أعضاؤه ذلك فتعرفه الخدم فيحققون مراده من غير أمر.

ـ قال الراهب: مفاتيح الجنة من ذهب أو فضة؟

ـ قال الإمام (عليه السلام): مفاتيح الجنة قول العبد: لا اله إلا الله.

ـ قال الراهب: صدقت. ثم أسلم هو وقومه(20).

8ـ مع نفيع (وهو رجل من الأنصار)

قدم مع الرشيد رجل من الأنصار يقال له (نفيع) وكان عارفاً، فحضر يوماً باب الرشيد وتبعه عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، وحضر موسى بن جعفر (عليه السلام) على حمار له، فتلقاه الحاجب بالإكرام، وأعظمه من كان هناك، وعجل له الإذن.

فقال نفيع لعبد العزيز: من هذا الشيخ؟

فقال له: أو ما تعرفه؟ هذا شيخ آل أبي طالب، هذا موسى بن جعفر (عليهما السلام).

فقال نفيع: ما رأيت أعجب من هؤلاء القوم يفعلون هذا برجل لو يقدر على زوالهم عن السرير لفعل، أما إن خرج لأسوءنّه.

فقال له عبد العزيز: لا تفعل، فإن هؤلاء أهل بيت قلما تعرض لهم أحد بخطاب إلا وسموه في الجواب وسمة يبقى عارها أبد الدهر.

وخرج الإمام الكاظم (عليه السلام) فقال إليه نفيع وأخذ بلجام حماره ثم قال له: من أنت؟ قال (عليه السلام): يا هذا إن كنت تريد النسب فأنا ابن محمد حبيب الله بن إسماعيل ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله.

وإن كنت تريد البلد، فهو الذي فرض الله عزّ وجلّ عليك وعلى المسلمين إن كنت منهم، الحج إليه، وإن كنت تريد المفاخرة، فوالله ما رضي مشركو قومي مسلمي قومك أكفا لهم حتى قالوا: يا محمد اخرج لنا أكفاءنا من قريش. خل عن الحمار.

فخلى عنه ويده ترجف وانصرف بخزي. فقال له عبد العزيز: ألم أقل لك؟(21)

9ـ مع المهدي في الحج

حج المهدي، ولما صار في (فتق العبادي) ضجّ الناس من العطش، فأمر أن يحفر بئراً، ولما بلغوا قريباً من القرار، هبّت عليهم ريح من البئر فوقعت الدلاء ومنعت العمل، فخرجت الفعلة خوفاً على أنفسهم. فأعطى علي بن يقطين لرجلين عطاءاً كثيراً ليحفرا، فنزلا فأبطئا، ثم خرجا مرعوبين قد ذهبت ألوانهما فسألهما عن الخبر. فقالا: إنا رأينا آثاراً وأثاثاً، ورأينا رجالاً ونساءً، فكلما أومأنا إلى شيء منهم صار هباء، فصار المهدي يسأل عن ذلك ولا يعلمون.

فقال الإمام الكاظم (عليه السلام): هؤلاء أصحاب الأحقاف، غضب الله عليهم فساخت بهم ديارهم(22).

10ـ المهدي العبّاسي

قال علي بن يقطين: سأل المهدي أبا الحسن (عليه السلام) عن الخمر، هل هي محرمة في كتاب الله عزّ وجلّ، فإن الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم؟ فقال له أبو الحسن:

بل هي محرمة في كتاب الله عزّ وجلّ يا أمير المؤمنين. قال المهدي:

في أي موضع هي محرمة في كتاب الله عزّ وجلّ يا أبا الحسن؟

فقال (عليه السلام): قول الله عزّ وجلّ: (إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)(23).

فأما قوله (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) يعني الزنا المعلن، ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواحش في الجاهلية.

وأما قوله عزّ وجلّ: (وَمَا بَطَنَ) يعني ما نكح الآباء، لأن الناس كانوا قبل أن يبعث النبي (صلّى الله عليه وآله) إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوجها ابنه الأكبر من بعده إذا لم تكن أمه، فحرّم الله عزّ وجلّ ذلك.

وأما (الإثم) فإنها الخمرة بعينها، وقد قال الله تعالى في موضع آخر:

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ)(24).

فأما الإثم في كتاب الله فهو الخمر والميسر، فإثمهما كبير كما قال عزّ وجل.

فقال المهدي: يا علي بن يقطين هذه والله فتوى هاشمية.

قال: فقلت له: صدقت والله يا أمير المؤمنين، الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت.

قال: فوالله ما صبر المهدي أن قال لي: صدقت يا رافضي(25).

11ـ مع أبي أحمد الخراساني

سأله أبو أحمد الخراساني: الكفر أقدم أم الشرك؟

فقال (عليه السلام) ما لك ولهذا، ما عهدي بك تكلّم الناس؟

قال: أمرني هشام بن الحكم أن أسألك.

فقال (عليه السلام): قل له الكفر أقدم، أول من كفر إبليس (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)(26) ولا يخفى أن الكفر شيء واحد، والشرك يثبت واحداً ويشرك معه غيره(27).

12ـ مع عبد الغفار

جاءه رجل يقال له عبد الغفار فسأله عن قوله تعالى:

(ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى)(28).

قال أرى هنا خروجاً من حجب وتدلياً إلى الأرض، وأرى محمداً رأى ربه بقلبه ونسب إلى بصره فكيف هذا؟

فقال أبو الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام): دنا فتدلى فإنه لم يزل عن موضع ولم يتدلّ ببدن. فقال عبد الغفار: أصفه بما وصف به نفسه حيث قال: دنا فتدلى، فلما يتدلى عن مجلسه إلا وقد زال عنه ولولا ذلك لم يصف بذلك نفسه.

فقال الإمام (عليه السلام): إن هذه لغة في قريش إذا أراد رجل منهم أن يقول قد سمعت، يقول: قد تدليت وإنما التدلي هو الفهم.

ـ وسئل (عليه السلام) عن رجل قال:

والله لأتصدقن بمال كثير فما يتصدق؟

فقال (عليه السلام): إن كان الذي حلف من أرباب شياه، فليتصدق بأربع وثمانين شاة، وإن كان من أصحاب النعم، فليتصدق بأربع وثمانين بعيراً، وإن كان من أرباب الدراهم، فليتصدق بأربع وثمانين درهماً والدليل عليه قوله تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ)(29). فعدد مواطن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قبل نزول تلك الآية فكانت أربعة وثمانين موطناً(30).

ـ سئل (عليه السلام) عن رجل نبش قبر ميت، وقطع رأس الميت، وأخذ الكفن.

فقال (عليه السلام): يقطع يد السارق لأخذ الكفن من وراء الحرز.

ويلزم مائة دينار لقطع رأس الميت، لأنا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن أمه قبل أن ينفخ فيه الروح(31).

13ـ مع المهدي العباسي أيضاً

أمر المهدي بتوسعة المسجد الحرام مع الجامع النبوي، فسأل فقهاء العصر عن جواز إجبارهم على ذلك، فأشار عليه علي بن يقطين أن يرفع استفتاءً في المسألة إلى الإمام الكاظم (عليه السلام) فاستصوب رأيه فردّ الإمام على سؤاله وكتب له: بعد البسملة: إن كانت الكعبة هي النازلة بالناس، فالناس أولى ببنائها وإن كان الناس هم النازلون بفناء الكعبة فالكعبة أولى بفنائها.

ولما انتهى الجواب إلى المهدي أمر بهدم الدور وأضافها إلى ساحة المسجدين ففزع أصحابها إلى الإمام (عليه السلام) والتمسوا منه أن يكتب لهم رسالة إلى المهدي ليعوضهم عن ثمن دورهم، فأجابهم وكتب إلى المهدي رسالة في ذلك فلما وصلت إليه أوصلهم وأرضاهم(32).

ولم يكن ذلك من الاستملاك الذي يعبر عنه في الوقت الحاضر بالاستملاك للمصلحة العامة كما فهمه بعض المعاصرين بل إن هذا حكم شرعي يتبع أدلته الخاصة التي نصت على أن للجامع فناءً وإن من نزل به لا حرمة لما يقيمه فيه من بناء.

وعن داود بن قبيصة: قال: سمعت الرضا (عليه السلام) يقول: سئل أبي (عليه السلام): هل منع الله ما أمر به، وهل نهى عما أراد، وهل أعان على ما لم يرد؟

فقال (عليه السلام): أما ما سألت: هل منع الله عما أمر به؟ فلا يجوز ذلك، ولو جاز لكان قد منع إبليس عن السجود لآدم، ولو منع إبليس لعذره ولم يلعنه.

وأما ما سألت هل نهى عما أراد؟ فلا يجوز ذلك، ولو جاز لكان حيث نهى آدم عن أكل الشجرة أراد منه أكلها، ولو أراد منه أكلها لما نادى صبيان الكتاتيب: (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى)(33) والله تعالى لا يجوز عليه أن يأمر بشيء ويريد غيره.

وأما ما سالت عنه من قولك: هل أعان على ما لم يرد؟

ولا يجوز ذلك، وجلّ الله تعالى عن أن يعين على قتل الأنبياء وتكذيبهم وقتل الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) والفضلاء من ولده، وكيف يعين على ما لم يرد؟ وقد أعد جهنم لمخالفيه، ولعنهم على تكذيبهم لطاعته، وارتكابهم لمخالفته، ولو جاز أن يعين على ما لم يرد لكان أعان فرعون على كفره وادعائه أنه رب العالمين، أفترى أراد الله من فرعون أن يدّعي الربوبية؟ يستتاب هذا القول فإن تاب من كذبه على الله وإلا ضربت عنقه(34).

 

درر من حكمه الخالدة

كان هدف أهل البيت من تعاليمهم النافعة، وحكمهم العالية، وأحاديثهم التوجيهية دعوة الأمة نحو الخير والصلاح، معتمدين السبل القويمة لنشر الإسلام، وإعلاء كلمة الله عزّ وجلّ. ولم تقتصر تعاليمهم على إلقاء الخطب والوصايا، بل كانوا يفيضون على من حولهم من توجيهاتهم القيمة جوامع الكلم ذات معان كبيرة في شتى نواحي الأخلاق والآداب والمواعظ الاجتماعية الثمينة. ولو قمنا بعملية إحصاء لكل إمام منهم (عليه السلام) لحصلنا على كتاب ضخم، وأثر نفيس في دنيا الأخلاق والمواعظ.

وقد فضلنا نموذجاً مختصراً عن بعض ما أثر عن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) من الدرر الحكيمة الخالدة مدرجة حسب الأبجدية علّنا نفي بالهدف المطلوب.

(أ)

قال (عليه السلام) عند قبر حضره: إن هذا شيئاً آخره لحقيق أن يزهد في أوله، وإن شيئاً هذا أوله لحقيق أن يخاف آخره.

ـ اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان الثقات الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات.

ـ إياك أن تمنع في طاعة الله، فتنفق مثليه في معصية الله.

ـ اشتدت مؤونة الدنيا والدين، فأما مؤونة الدنيا فإنّك لا تمد يدك إلى شيء منها إلا وجدت فاجراً قد سبقك إليه، وأما مؤونة الآخرة فإنّك لا تجد أعواناً يعينوك عليه.

ـ أولى العلم بك ما لا يصلح لك العلم إلا به، وأوجب العمل عليك ما أنت مسؤول عن العمل به، وألزم العلم لك ما دلّك على صلاح قلبك، وأظهر لك فساده، وأحدّ العلم عاقبة ما زاد في علمك العاجل، فلا تشغلن بعلم ما لا يضرك جهله، ولا تغفلن عن علم ما يزيد في جهلك تركه.

ـ أداء الأمانة والصدق يجلبان الرزق، والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق.

وسأله رجل يدعى عبيد الله بن إسحاق المدائني: إن الرجل يراني فيحلف بالله أنه يحبني، أفأحلف بالله أنه لصادق؟ فقال (عليه السلام): امتحن قلبك فإن تحبه فاحلف وإلا فلا.

ـ أفضل العبادة بعد المعرفة انتظار الفرج.

ـ إن صلاحكم من صلاح سلطانكم، وإن السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم فأحبوا له ما تحبون لأنفسكم، وأكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم.

ـ إذا كان الجور أغلب من الحق لم يحل لأحد أن يظن بأحد خيراً حتى يعرف ذلك منه.

ـ أخذ أبي بيدي، قال يا بني: إن أبي محمد بن علي أخذ بيدي، وقال: إن أبي علي بن الحسين أخذ بيدي، وقال: يا بني: افعل الخير إلى كل من طلبه منك فإن كان من أهله فقد أصبت موضعه، وإن لم يكن له بأهل كنت أهله، وإن شتمك رجل عن يمينك ثم تحوّل عن يسارك واعتذر إليك فاقبل منه.

ـ سأله رجل عن الجواد: فقال (عليه السلام): إن لكلامك وجهين. فإن كنت تسأل عن المخلوقين، فإن الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عليه. والبخيل من بخل بما افترض الله عليه، وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن أعطى، وهو الجواد إن منع لأنه إن أعطاك أعطاك ما ليس لك وإن منعك منعك ما ليس لك.

ـ إن قوماً يصحبون السلطان يتخذهم المؤمنون كهوفاً هم الآمنون يوم القيامة.

ـ إن أهل الأرض لمرحومون ما تحابوا، وأدوا الأمانة، وعملوا بالحق.

ـ إنّ الأنبياء وأولاد الأنبياء وأتباع الأنبياء خصّوا بثلاث خصال: السقم في الأبدان، وخوف السلطان، والفقر.

ـ إن الله عزّ وجلّ يقول: إني لم أغن الغني لكرامة له عليّ، ولم أفقر الفقير لهوان به عليّ، وهو ممّا ابتليت الأغنياء بالفقراء، ولولا الفقراء لم يستوجب الأغنياء الجنّة.

ـ إذا لم تستح فاعمل ما شئت.

ـ أحسن من الصدق قائله، وخير من الخير فاعله.

ـ قال علي بن جعفر: سألت أخي موسى بن جعفر فقلت له: أصلحك الله، أيكون المؤمن بخيلاً؟

قال: نعم.

فقلت: أيكون خائناً؟

قال: لا ولا يكون كاذباً ثم قال: إن أبي حدّثني عن آبائه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنه قال: كل خلة يطوي المؤمن عليها ليس الكذب والخيانة.

ـ قال (عليه السلام): جاء رجل إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال له: يا رسول الله ما حق ابني علي؟

فقال (صلّى الله عليه وآله): أن تحسن اسمه وأدبه.

(ت)

وقال (عليه السلام): التحدث بنعم الله شكر، وترك ذلك كفر، فارتبطوا نعم ربكم بالشكر، وحصّنوا أموالكم بالزكاة، وادفعوا البلاء بالدعاء، فإن الدعاء منجية، ترد البلاء وقد أبرم إبراماً.

وقال (عليه السلام): التودد إلى الناس نصف العقل.

وقال (عليه السلام): تعجّب الجاهل من العاقل أكثر من تعجّب العاقل من الجاهل.

(ر)

وقال (عليه السلام): رأس السخاء أداء الأمانة.

(س)

وقال (عليه السلام): السخي الحسن الخلق في كنف الله، لا يتخلى الله عنه حتى يدخل الجنة، وما بعث الله نبياً إلا سخياً، وما زال أبي يوصيني بالسخاء وحسن الخلق حتى مضى.

(ص)

وقال (عليه السلام): الصنيعة لا تكون صنيعة إلا عند ذي دين أو حسب، والله ينزل المعونة على قدر المؤونة، وينزل الصبر على قدر المصيبة.

(ض)

قال علي بن سويد: سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن الضعفاء ـ أي ضعفاء العقيدة ـ فكتب (عليه السلام) لي: الضعيف من لم ترفع له حجّة، ولم يعرف الاختلاف، فإذا عرف الاختلاف فليس بمستضعف.

(ع)

وقال (عليه السلام): العجب درجات منها أن يزين للعبد سوء عمله فيراه حسناً فيعجبه ويحسب أنه يحسن صنعاً، ومنها أن يؤمن العبد بربّه فيتمنّ على الله عزّ وجلّ، ولله المنّة عليه فيه.

وقال (عليه السلام): العجلة هي الخرق.

وقال (عليه السلام): عونك للضعيف من أفضل الصدقة.

وقال (عليه السلام): عليكم بالدعاء، فإنّ الدعاء لله والطلب إلى الله يرد البلاء وقد قدر وقضى ولم يبق إلا إمضاؤه، فإذا دعي الله عزّ وجلّ وسئل صرف البلاء.

(ف)

وقال (عليه السلام): فقيه واحد ينقذ يتيماً من أيتامنا المنقطعين عن مشاهدتنا بتعليم ما هو محتاج إليه، أشد على إبليس من ألف عابد، لأن العابد همه ذات نفسه فقط، وهذا همّه مع ذات نفسه ذوات عباد الله وإمائه لينقذهم من يد إبليس ومردته، ولذلك هو أفضل عند الله من ألف عابد وألف عابد.

وقال (عليه السلام): فضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب.

(ق)

وقال (عليه السلام): قلة الشكر تزهد في اصطناع المعروف.

وقال (عليه السلام): قلة الوفاء عيب بالمروءة.

وقال (عليه السلام): قلة العيال أحد اليسارين.

(ك)

وقال (عليه السلام) لعلي بن يقطين: كفّارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان.

وقال (عليه السلام): كثرة الهم تورث الهرم.

وقال (عليه السلام): كلما أحدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعملون، أحدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعدّون.

وقال (عليه السلام) ردّاً على سؤال موسى بن بكر عن الكفر:

(الكفر أقدم من الشرك وهو الجحود قال عزّ وجلّ: (إِلاَ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ)(35).

(ل)

قال (عليه السلام): لا تكن إمعة فتقول: أنا مع الناس، إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: إنما هما نجدان: نجد خير ونجد شر، فلا يكن نجد الشر أحب إليكم من نجد الخير.

وقال (عليه السلام): لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك وابق منها، فإن ذهابها ذهاب الحياء.

وقال (عليه السلام): لو ظهرت الآجال، افتضحت الآمال.

وقال (عليه السلام): لا تصلح المسألة إلا في ثلاث: في دم منقطع، أو غرم مثقل، أو حاجة مدفعة.

وقال (عليه السلام): لا خير في العيش إلا لمستمع واع، أو عالم ناطق.

وقال (عليه السلام): لا تبذل لإخوانك من نفسك ما ضرره عليك أعظم من منفعته لهم.

وقال (عليه السلام): لا تضيع حق أخيك اتكالاً على ما بينك وبينه، فإنّه ليس بأخ من ضيعت حقه، ولا يكونن أخوك أقوى على قطيعتك منك على صلته.

وقال (عليه السلام) لبعض ولده: لا تخرجن نفسك من حدّ التقصير في عبادة الله وطاعته، فإنّ الله عزّ وجلّ لا يعبد حق عبادته.

(م)

وقال (عليه السلام): المصيبة للصابر واحدة، وللجازع اثنتان.

وقال (عليه السلام): ما تسابّ اثنان إلا انحطّ الأعلى إلى مرتبة الأسفل.

وقال (عليه السلام): ليس حسن الجوار كف الأذى، ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى.

وقال (عليه السلام): المؤمن أعز من الجبل، الجبل يستغل بالمعاول، والمؤمن لا يستغل دينه بشيء.

وقال (عليه السلام): المؤمن مثل كفتيّ الميزان، كلما زيد في إيمانه زيد في بلائه.

وقال (عليه السلام): ما أهانت الدنيا قوم قط إلا هنّأهم الله إياّها، وبارك لهم فيها، وما أعزّها قوم قطّ إلا بغّضهم الله إياها.

وقال (عليه السلام): من أتى إلى أخيه مكروهاً فبنفسه بدأها.

وقال (عليه السلام): من ولده الفقر أبطره الغنى.

وقال (عليه السلام): المؤمن أخو المؤمن لأمه وأبيه وإن لم يلده أبوه، ملعون من اتهم أخاه، ملعون من لم ينصح لأخيه، ملعون من استأسر لأخيه، ملعون من احتجب عن أخيه، ملعون من اغتاب أخاه.

وقال (عليه السلام): المعروف تلو المعروف غلّ لا يفكه إلا مكافأة أو شكر.

وقال (عليه السلام): من لم يكن له من نفسه واعظ تمكن منه عدوه ـ يعني الشيطان.

وقال (عليه السلام): المغبون من غبن من عمره ساعة.

وقال (عليه السلام): من ترك التماس المعالي لانقطاع رجائه فيها لم ينل جسيماً.

وقال (عليه السلام): من تكلم في الله هلك، ومن طلب الرياسة هلك، ومن دخله العجب هلك.

وقال (عليه السلام): قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): من أصبح وهو لا يهتم بظلم أحد غفر الله بما اجترم(36).

وقال (عليه السلام): من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض.

(ن)

قال (عليه السلام): نعم المال النخل الراسخات في الوحل، المطعمات في المحل.

(و)

وقال (عليه السلام): وجدت علم الناس في أربع: أولها: أن تعرف ربك، والثانية: أن تعرف ما صنع بك، والثالثة أن تعرف ما أراد منك، والرابعة أن تعرف ما يخرجك من دينك.

(ي)

قال (عليه السلام): يعرف شدة الجور من حكم به عليه.

وقال (عليه السلام): ينادي مناد يوم القيامة ألا من كان له على الله أجر فليقم. فلا يقوم إلا من عفا وأصلح فأجره على الله.

وقال (عليه السلام): ينبغي لمن عقل عن الله أن لا يستبطئه في رزقه، ولا يتهمه في قضائه.

 

كوكبة من رواته وأصحابه

قامت مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) بمجهود كبير وعظيم بمواصلة أعمالها من أجل تثقيف الجيل وتطوير المجتمع الإنساني وتقدم المسلمين في ميادين النهضة الفكرية والعلمية والحضارية. وقد ربّت خلال فترة زمنية محدودة جيلاً صالحاً أدى رسالته الإصلاحية الشاملة وقام بمساع جليلة إلى الأجيال الصاعدة. وببركة هذه المدرسة ومجهود المسؤول عنها (عليه السلام) نضجت العقلية الإسلامية بواسطة معارف الإسلام وتعاليمه الخيّرة من المحيط النظري إلى التطبيق العملي في مشارق الأرض ومغاربها.

ولما فجع العالم الإسلامي برحيل العالم الكبير والإمام العظيم الصادق (عليه السلام) نهض الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) بعد أبيه يتسلم شؤون تلك المدرسة التي أغنت العالم الإسلامي، وأعزت العلم ورفعت مناره. واصبح بعد وفاة أبيه عميداً للشيعة في كل أمورهم، ومرشداً للنهضة الفكرية في عصره؛ وقد أقبل عليه العلماء وطلاب العلم من كل حدب وصوب ينهلون من نمير علمه، واحتفى به رجال الفكر لا يفترقون عنه، حتى بلغ الأمر بهم من شدة احتفائهم به وتقديرهم له، أنه إذا نطق بكلمة أو أفتى بموضوع بادروا إلى تدوين ذلك للحال(37).

وقد روى عنه هؤلاء العلماء جميع أنواع المعارف على اختلافها وتباعد أطرافها، من حكمة، وتفسير للذكر الحكيم، وفقه إسلامي بجميع أبوابه، وتوضيح أمور عالقة، وردود على أسئلة مختلفة من قريب أو بعيد، كما رووا عنه في الآداب الاجتماعية المواعظ والنصائح القيّمة، وأيضا فقد حثهم على العلم المفيد لهم ولمجتمعهم.

تلك الكوكبة من العلماء والرواة التي يزيد عددها على أربعة آلاف لم يكن أفرادها على مستوى واحد من حيث الثقة والعدالة، وهذا قد يحدث في كل عصر، فكان بينهم عدد من المنافقين والمتكسبين باعوا ضمائرهم بثمن رخيص؛ فلم يتحرجوا من الوضع والكذب في الحديث على لسان النبي (صلّى الله عليه وآله) وعترته الميامين ليأخذوا عوض ذلك بعض الدريهمات من السلطة الحاكمة التي أفسدت عقيدة المسلمين وخدّرت عقولهم ومزقتهم شيعاً وأحزاباً (كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ)(38). كما كان بينهم جمهرة أخرى من الضعفاء والمجهولين غير موثوق بهم تماماً.

ولا ريب أن الفئة الغالبة كانوا من العدول والثقات الذين عرفوا بالصدق والأمانة واليهم يرجع الفضل في ضبط الأحكام الإسلامية ونشر فقه أهل البيت (عليهم السلام). ونظراً لوجود هذه الطوائف المختلفة من رواة الأثر فقد انقسم الحديث إلى أصناف فكان: الحديث الصحيح، والحسن، والموثق، والضعيف. (فبعد استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) نشأت الأحزاب والفرق التي اتخذت شكلاً دينياً كان له أبلغ الأثر في قيام المذاهب الدينية في الإسلام)(39).

(وقد حاول كل حزب دعم ما يدعم بالقرآن والسنة،ومن البديهي ألاّ يجد كل حزب ما يؤيد دعواه في نصوص القرآن الكريم، فعمدوا إلى تحريف السنة الشريفة بالتحريف والزيادة، حتى وضعوا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ما لم يقل)(40).

لكنهم فشلوا ولم يحققوا مبتغاهم: لأن للحديث النبوي ضوءاً كضوء النهار يعرف به(41) وللحديث المكذوب ظلمة كظلمة الليل تنكره العقول المستقيمة إن معرفة سيرة الرسول الكريم (صلّى الله عليه وآله) وهديه فيما يأمر به وينهى عنه وفيما يحبه ويكرهه، ثم التعرف على جميع أحواله فيما يجوز وفيما لا يجوز، وكل ما نطق به من أقوال وقام به من أعمال. كل هذا يمنحنا النور الكاشف لأنظارنا والاطمئنان المريح لأنفسنا.

وعلى أي حال فإن الكثيرين من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) قد قاموا بدور مهم في التأليف والتصنيف ونشر الحضارة الإسلامية حتى ملأوا المكتبة العربية والإسلامية في عصرهم بنتاجهم القيّم، الأمر الذي دلّ بحق على أن لهم اليد الطولى في رفع منار العلم، وتهذيب الأفكار، وتقويم الأخلاق.

أما عدد أصحابه فقد ذكر أحمد بن خالد البرقي أنهم كانوا مائة وستين شخصاً(42). وهو اشتباه ظاهر إن كان مراده الحصر، ولعله أراد بهذا العدد الأعلام النابهين منهم دون أن يليهم في مراتب العلم والفقه والحديث. والحقيقة أن أغلب المنتمين لمدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) قد بقوا بعد وفاته ينهلون من علم الإمام الكاظم (عليه السلام) ويتلقون العلوم والفقه منه. وسوف نعرض طائفة من أصحابه ورواة حديثه مرتبته على حروف الهجاء:

(أ)

1ـ إبراهيم بن أبي البلاد

هو يحيى بن سليم وكنى بأبي البلاد، كان إبراهيم ثقة جليلاً رفيع المنزلة عظيم الشأن، روى عن أبي عبد الله والكاظم والرضا، وأرسل له الإمام الرضا (عليه السلام) رسالة أعرب فيها عن ثنائه وإكباره له(43).

2ـ أحمد بن الحسن

هو ابن إسماعيل النمار، مولى بني أسد، كان من أصحاب الإمام الكاظم وروى عن الإمام الرضا (عليه السلام) وقال النجاشي: هو على كل حال ثقة صحيح الحديث معتمد عليه له كتاب نوادر(44).

3ـ أحمد بن عمرو

هو ابن أبي شعبة الحلبي روى عن الإمام الكاظم والرضا وروى أبوه عن أبي عبد الله وهو من بيت عرف بالتقوى والصدق والولاء لأهل البيت (عليهم السلام)(45).

4ـ إسماعيل بن عبد الخالق

مولى لبني أسد، وجه من وجوه الشيعة، وفقيه من فقهائها، وقد عرف أهله بالعدالة والولاء لأهل البيت (عليهم السلام)؛ روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن وله كتاب(46).

5ـ إسحاق بن جرير

ثقة من أهل العلم روى عن الإمام أبي عبد الله (عليه السلام) وله كتاب، وعدّه الشيخ من أصحاب أبي الحسن موسى(47).

6ـ أبو أيوب الحر

الملقب بالجعفي ثقة جليل روى عن أبي عبد الله، وأبي الحسن روى عنه يحيى بن عمران الحلبي وأبو عبد الله البرقي وقال الشيخ أنه ثقة وله كتاب(48).

7ـ إبراهيم بن محمد الأشعري

القمي، روى عن الإمام الكاظم، وأبي الحسن الرضا، وثقه جماعة من الأعلام(49).

(ب)

8ـ بكر بن الأشعث

هو أبو إسماعيل الكوفي، روى عن الإمام، ووثقه جماعة من الأعلام(50).

9ـ بكر بن محمد

هو ابن نعيم الأزدي الغامدي، ثقة جليل من بيت رفيع بالكوفة؛ عدّه الشيخ من أصحاب الإمام الكاظم، عمّر عمراً طويلاً، وله كتاب، وروى عنه عبد الله بن مسكان واحمد بن حنبل(51).

(ث)

10ـ ثعلبة بن ميمون

الأسدي الكوفي، قال النجاشي: كان وجهاً من أصحابنا قارئاً فقيهاً نحوياً لغوياً راوية، وكان حسن العمل كثير العبادة والزهد روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن له كتاب تختلف الرواية عنه، قد رواه جماعة من الناس(52). وحكي أنه لما حجّ هارون مرّ بالكوفة فلما صار إلى الموضع الذي يعرف بمسجد (سماك) كان ثعلبة ينزل في غرفة على الطريق فسمعه هارون يدعو بلسان فصيح فوقف يسمع دعاءه وأقبل على الفضل بن الربيع فقال له: تسمع ما أسمع؟ فقال له: نعم. فقال هارون: إن أخيارنا بالكوفة(53).

وكان يلقب بأبي إسحاق الفقيه ويعد في الطليعة من علماء هذه الطائفة بالإضافة إلى ورعه وتقواه، وقد روى عنه محمد ابن عبد الله المزخزف وعلي بن اسباط والحسن بن علي الخزاز وطريف بن ناصح(54).

(ج)

11ـ جعفر بن خلف

الكوفي عدّه الشيخ من أصحاب أبي الحسن موسى، وقال إنه سمع الإمام يقول: سعد امرإ لم يمت حتى يرى منه خلفاً، وقد أراني الله ابني هذا خلفاً ـ وأشار لولده الرضا(55).

12ـ جميل بن دراج

ابن عبد الله النخعي الكوفي من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) والكاظم (عليه السلام)، وكان ثقة جليلاً من كبار العلماء، وهو أحد الستة الذين أجمعوا على تصحيح ما يصح عنهم، وكان كثير الحديث؛ روى عنه خلق كثير: كالحسن بن محبوب، وصالح بن عقبة، وأبو مالك الحضرمي وغيرهم، له مؤلفات منها كتاب اشترك في تأليفه هو ومرازم بن حكيم، وله أصل انفرد بتأليفه، وتوفي في أيام الرضا(56).

13ـ جميل بن صالح

الأسدي الكوفي، ثقة جليل من أصحاب الإمام الصادق، والكاظم (عليه السلام)، له أصل، روى عنه جماعة منهم عمار بن موسى الساباطي وغيره(57).

14ـ جهم بن أبي جهيم

ثقة جليل الشأن، رفيع المنزلة، روى عن الإمام الكاظم (عليه السلام) له أصل(58).

(ح)

15ـ حبيب بن المعلل

الخثعمي المدايني، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن قال النجاشي: ثقة صحيح الحديث، وقال الكشي مثل ذلك وأضاف أن له كتاباً(59).

16ـ حذيفة بن منصور

الخزاعي، قال النجاشي: إنه ثقة روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله وأبي الحسن، له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا، وثقة الشيخ المفيد(60).

17ـ الحسن بن الجهم

هو ابن بكير بن أعين أبو محمد الشيباني، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام موسى (عليه السلام) ووثقه، وهو ثقة روى عن أبي الحسن وولده الرضا، وله كتاب(61).

18ـ الحسن بن علي

ابن فضال بن عمرو بن أنيس التيمي الكوفي، روى عن الإمام موسى (عليه السلام) والإمام علي بن موسى (عليه السلام) وابراهيم بن محمد الأشعري ومحمد بن عبد الله بن زرارة وعلي بن عقبة وغيرهم؛ وروى عنه الفضل بن شاذان، وبالغ في الثناء عليه بالزهد والعبادة، وكان من المؤلفين. له كتاب: الزيارات، وكتاب البشارات، وكتاب النوادر، وكتاب الرد على الغالية، وكتاب الناسخ والمنسوخ، وكتاب التفسير وكتاب الابتداء والمبتدأ، توفي سنة 224هـ(62).

19ـ الحسن بن محبوب

السراد، كوفي ثقة، عدّه الشيخ من أصحاب الإمام موسى، روى عن الإمام الرضا (عليه السلام) وروي عن ستين رجلاً من أصحاب أبي عبد الله، وكان جليل القدر يعد من أعلام عصره، ألّف كتباً كثيرة منها: كتاب الحدود، وكتاب الديّات، وكتاب الفرائض، وكتاب النوادر، يقع في ألف ورقة، وكتاب التفسير(63).

20ـ الحسين بن محمد

ابن الفضل الهاشمي ثقة جليل من شيوخ بني هاشم، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن، وألّف كتاباً أسماه: (مجالس الرضا مع أهل الأديان) وقال الشيخ المفيد: كان الحسين بن محمد من خاصة الكاظم وثقاته ومن أهل الورع والعلم والفضل من شيعته(64).

21ـ الحسين بن زيد

ابن علي بن الحسين، يلقب بذي الدمعة، كان الإمام الصادق قد ربّاه، وزوجته بنت الأرقط، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن وقال رواة الأثر إنه نشأ في حجر الإمام الصادق منذ قتل أبوه، وأخذ منه علماً كثيراً، وكان لا يجالس أحداً ولا يدخل إليه إلا من يثق به، وإنما لقّب بذي الدمعة لكثرة بكائه. قالت له زوجته: ما أكثر بكاؤك؟! فأجاب: وهل ترك لي السهمان والنار سروراً يمنعني من البكاء؟ توفي سنة 140هـ وعمره ست وسبعون سنة(65).

(خ)

22ـ خالد بن نجيح

كوفي، يكنى أبا عبد الله، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن قال الكشي: كان خالد خادماً عند أبي الحسن موسى وهو الذي روى عنه في شأن ولده الرضا (عليه السلام) أنه قال فيه: (عهدي إلى ابني علي أكبر ولدي وخيرهم وأفضلهم)(66).

23ـ خالد بن سعيد

القمّاط، عدّه الشيخ في رجاله في باب الكنى من أصحاب الإمام الكاظم، ووثّقه النجاشي وقال: إنه روى عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) وله كتاب(67).

24ـ خف بن حماد

الكوفي إمامي حسن الحال، من أصحاب الإمام الكاظم وروى عنه(68).

(د)

25ـ داود بن أبي يزيد

الكوفي العطار ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن وله كتاب(69).

26ـ داود بن سليمان

عدّه الشيخ المفيد من خاصة أبي الحسن موسى (عليه السلام) وثقاته ومن أهل الورع والعلم والفقه، وممن روى النص عن الإمام موسى على إمامة ولده الرضا، فقد قال فيه: إني سألت أباك ـ من الذي يكون بعده؟

فأخبرني أنك أنت، فلما توفي أبو عبد الله ذهب الناس يميناً وشمالاً وقلت لك أنا وأصحابي، فأخبرني من الذي يكون بعدك؟ فقال (عليه السلام): ابني فلان ـ يعني الرضا ـ وترجمه الشيخ في الفهرست وقال إن له أصلاً(70).

27ـ داود بن فرقد

الأسدي، كوفي ثقة روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى وله وكتاب(71).

(ذ)

28ـ ذريح بن محمد

ابن يزيد أبو الوليد المحاربي عربي من بني محارب من بني خصفة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن، ذكره ابن عقدة وابن نوح وله كتاب، ووثّقه الشيخ والعلامة وغيرهما(72).

(ر)

29ـ ربعي بن عبد الله

ابن الجارود بن أبي سبرة الهذلي، أبو نعيم، بصري، ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام) وصحب الفضيل بن يسار وأكثر الأخذ عنه وكان خصيصاً به وقال الشيخ: له أصل(73).

30ـ رفاعة بن موسى

الأسدي النحاس، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، كان ثقة في حديثه، مسكوناً في روايته، لم يُعترض له بشيء من الغمز، حسن الطّريقة، له كتاب مبوب في الفرائض، ذكره العلامة في القسم الأول من (الخلاصة) وورد توثيقه في الوجيزة، ومشتركات الكاظمي، والحاوي وغيرها(74).

(ز)

31ـ زكريا بن إدريس

القمي روى عن أبي عبد الله، وأبي الحسن، والرضا (عليهم السلام) وكان وجيهاً عند الإمام الرضا وله كتاب(75).

(س)

32ـ سعد بن أبي خلف

كوفي ثقة روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن، له كتاب يرويه جماعة منهم: ابن أبي عمير(76) عدّه ابن داود في القسم الأول من رجاله، وورد توثيقه في (الوجيزة) و(البلغة) و(الحاوي).

33ـ سعيد بن جناح

كوفي الأصل نشأ في بغداد ومات فيها، روى عن أبي الحسن والرضا، له كتاب في (صفة الجنة والنار) وكتاب (قبض روح المؤمن والكافر) عدّه ابن داود في القسم الأول، ووثقه في الوجيزة والبلغة(77).

34ـ سليم الفراء

كوفي روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام) ثقة له كتاب يرويه جماعة منهم محمد بن أبي عمير(78).

35ـ سيف بن عميرة

النخعي عربي ثقة روى عن أبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام) له كتاب ترويه جماعات من أصحابنا، وهو ثقة وعدّه ابن النديم من فقهاء الشيعة(79).

(ش)

36ـ شعيب بن يعقوب

ابن أخت أبي بصير يحيى بن القاسم، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن ثقة، له كتاب يرويه حماد بن عيسى وغيره. وورد توثيقه في الوجيزة والبلغة والحاوي(80).

(ص)

37ـ صالح بن خالد

المحاملي، أبو شعيب الكناسي، روى عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، له كتاب يرويه جماعة منهم عباس بن معروف؛ وثّقه الشيخ في رجاله في باب الكنى كما ورد توثيقه في الوجيزة والبلغة(81).

38ـ صباح بن موسى

الساباطي ثقة روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليه السلام)(82).

39ـ صفوان بن يحيى

أبو محمد البجلي، كوفي ثقة، قال الشيخ الطوسي: إنه أوثق أهل زمانه عند أصحاب الحديث وغيرهم، وكان يصلي في كل يوم مائة وخمسين ركعة، ويصوم في السنة ثلاثة أشهر، ويخرج زكاة ماله في كل سنة ثلاثة مرات، والسبب في ذلك أنه تعاقد هو وعبد الله بن جندب ولعي بن النعمان في بيت الله الحرام أنه إن مات واحد منهم أن يقوم من بقي منهم بالصلاة والزكاة والحج عنهم فمات صاحباه وبقي صفوان فوفى لهما بذلك، فكان جميع ما يفعله من البر والخير يجعله ثلاثة أقسام، قسم له وقسمان لصاحبيه، وكان من الزهاد المتعبدين والمحتاطين، فقد كلفه شخص وهو مسافر أن يجعل معه دينارين إلى أهله في الكوفة، فقال له: إن جمالي مكرية فلابدّ أن أستأذن الأجراء.

ويكفي للتدليل على وثاقته أنه كانت له منزلة عند الإمام الرضا (عليه السلام) وكان وكيلاً له. ألّف ثلاثين كتاباً منها: كتاب الصلاة، وكتاب الصوم، وكتاب الحج، وكتاب الزكاة، وكتاب الطلاق، وكتاب الفرائض، وكتاب الشراء والبيع، وكتاب العتق والتدبير، وكتاب البشارات، وكتاب مسائل عن أبي الحسن موسى وغير ذلك. توفي سنة 210هـ بالمدينة، وبعث إليه أبو جعفر بحنوطه وكفنه، واقر إسماعيل بن موسى بالصلاة عليه(83).

(ض)

40ـ الضحاك الحضرمي

أبو مالك، كوفي عربي، أدرك أبا عبد الله (عليه السلام) وقال قوم: إنه روى عنه وقال آخرون: إنه روى عنه وعن أبي الحسن موسى (عليه السلام) وكان متكلماً ثقة في الحديث، له كتاب في الحديث رواه علي بن الحسن الطاطري(84).

(ع)

41ـ عبد الحميد بن سعيد

عدة الشيخ من صحاب الإمام موسى (عليه السلام) وروى عنه صفوان بن يحيى(85).

42ـ عبد الله بن الحارث

المخزومي، أمه من ولد جعفر بن أبي طالب، وقد وثّقه الشيخ المفيد في (الإرشاد) وعدّه من خاصة الإمام الكاظم (عليه السلام) وثقاته ومن أهل الورع والعلم والفقه(86).

43ـ عبد الله بن جندب

البجلي، عربي، كوفي، من أصحاب الإمام الكاظم والرضا (عليهما السلام) قال الشيخ الطوسي: كان وكيلاً للإمام موسى وولده الرضا، وكان عابداً رفيع المنزلة وروى الكشي في حقه أنه قال للإمام أبي الحسن: ألست عني راضياً؟ قال (عليه السلام): أي والله، ورسول الله والله عنك راض، وعن علي بن إبراهيم عن أبيه، قال: رأيت عبد الله بن جندب بالموقف ـ أي موقف عرفة ـ فلم أر موقفاً كان أحسن من موقفه، ما زال ماداً يده إلى السماء، ودموعه تسيل على خديه حتى تبلغ الأرض فلما انصرف الناس قلت له: يا أبا محمد ما رأيت موقفاً قط أحسن من موقفك!!

قال لي: والله ما دعوت فيه إلا لإخواني، وذلك لأن أبا الحسن موسى (عليه السلام) أخبرني أنه من دعا لأخيه المؤمن بظهر الغيب نودي من العرش ولك بكل واحدة مائة ألف وكرهت أن أدعو مائة ألف لواحدة لا أدري تستجاب أم لا؟

وقد وثق الرجل في الوجـــيزة والحاوي ومشتركــات الطريحي وقد أجـــمع المترجـــمون له أنه لم يغمز بوجه، وإنه ثقة بلا خلاف(87).

44ـ عبد الله بن المغيرة

هو أبو محمد البجلي كوفي، ثقة لا يعدل به أحد لجلالته ودينه وورعه، روى عن أبي الحسن موسى، قيل أنه صنف ثلاثين كتاباً، منها كتاب (الوضوء) وكتاب الصلاة. وقد روى هذه الكتب كثير من أصحابنا. قال: أتيت المدينة ووقفت على باب الرضا (عليه السلام) وقلت للغلام، قل لمولاك رجل من أهل العراق بالباب فسمعت نداء الإمام وهو يقول: ادخل يا عبد الله بن المغيرة، فدخلت فلما نظر إليّ قال: قد أجاب الله دعوتك وهداك لدينه، فقلت: أشهد أنك حجة الله وأمينه على خلقه(88).

45ـ علي بن جعفر

أخو الإمام موسى (عليه السلام) ثقة جليل من عيون الهاشميين ومن خيارهم، وفي طليعة الرواة الثقات، روى عن أبيه وبعد وفاته اختص بأخيه موسى، وروى عنه الشيء الكثير، وقد أفرد المجلسي في بحاره فصلاً لرواياته عنه، وقد ألف رسالة في الأحاديث التي رواها عن أخيه موسى، وكان قوي الإيمان، صلب العقيدة، دخل عليه بعض الواقفية فقال له: ما فعل أخوك أبو الحسن؟

ـ قد مات؟ ـ وما يدريك؟

ـ قسمت أمواله، ونطق الناطق من بعده.

ـ ومن الناطق؟ ـ ابنه علي.

ألف كتاباً في الحـــلال والحـــرام، وروى عنه جماعــــة منهم ابنـــه أحــــمد ومحمد وحفيده عـــبد الله بن الحسن، توفي سنة 210هـ(89).

46ـ علي بن حمزة

ابن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو والد سيدنا حمزة المدفون بقرب الحلة الذي يزار ويتبرك بقبره، وهو ثقة روى وأكثر الرواية، له نسخة يرويها عن الإمام موسى (عليه السلام)(90).

47ـ علي بن عبيد الله

ابن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال فيه النجاشي: إنه أزهد آل أبي طالب وأعبدهم في زمانه؛ اختص بالإمام موسى (عليه السلام) والإمام الرضا (عليه السلام)، وقال: إنه له كتاباً في الحج يرويه كله عن الإمام موسى (عليه السلام)(91).

48ـ عمر بن محمد

ابن يزيد أبو الأسود كوفي، ثقة جليل الشأن، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن وأثنى عليه الإمام أبو عبد الله (عليه السلام) فقال له: أنت والله منا أهل البيت. جعلت فداك، من آل محمد؟ من أنفسهم أما تقرأ كتاب الله عزّ وجلّ: (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ) له كتاب: مناسك الحج وفرائضه(92).

49ـ علي بن يقطين

ولد بالكوفة سنة 124هـ في أواخر دولة الأمويين، ونشأ وترعرع على أرضها؛ كان أبوه يقطين يحمل الأموال والألطاف إلى الإمام الصادق (عليه السلام)، طلبه مروان الحمار فهرب منه وهربت زوجته بولديه علي وعبيد الله إلى المدينة، ولما زالت الدولة الأموية وقامت الدولة العباسية عادت بولديها إلى وطنها وفي ذلك الوقت انتشر صيت يقطين، فقد اتصل بالسفاح وبالمنصور والمهدي ثم وشي عليه بأنه يذهب إلى (الإمامة) ولكن الله تعالى صرف عنه كيد الغادرين ولما توفي قام ولده علي مقامه فاتصل اتصالاً وثيقاً بالعباسيين وتولى بعض المناصب المهمة في الدولة، وكان في الوقت نفسه عوناً وغوثاً للشيعة، يدفع عنهم الخطوب، وكان من عيون المؤمنين الصالحين، فكان يستنيب جماعة في كل سنة ليحجوا عنه، فقد حدث سليمان بن الحسين كاتبه فقال: أحصيت لعلي بن يقطين من يحج عنه، في عام واحد مائة وخمسين رجلاً، أقل من أعطاه منهم سبعمائة درهم، واكثر من أعطاه عشرة آلاف درهم. وقد انفق أموالاً ضخمة في وجوه البر والإحسان منها أنه أوصل الإمام موسى (عليه السلام) بصلات كبيرة تتراوح ما بين المائة ألف درهم إلى ثلاث مائة ألف درهم، وقد زوج ثلاثة من أولاد الإمام منهم أبو الحسن الرضا (عليه السلام)، كما دفع ثلاثة آلاف دينار للوليمة، وكان يعول بعض عوائل الشيعة. فقد قام بنفقة الكاهلي وعياله حتى توفي، إلى غير ذلك من وجوه البر والإحسان كل ذلك يدل على إيمانه وحسن عقيدته.

تقلد علي منصب أزمة الأزمة في أيام المهدي، ومن بعده عينه هارون وزيراً له، وقد تقدم بطلب إلى الإمام موسى (عليه السلام) يطلب منه الإذن في ترك منصبه والاستقالة منه فنهاه عن ذلك وقال له:

(يا علي إن لله تعالى أولياءً مع أولياء الظلمة يدفع بهم عن أوليائه وأنت منهم يا علي). وقد سمح له الإمام في بقائه في وظيفته ليقوم بالإفراج عن الشيعة الذين اضطهدتهم السلطات العباسيّة حتى حرمتهم من جميع الحقوق المشروعة.

كان الإمام (عليه السلام) يكن لعلي أخلص الود والولاء، فقد زاره يوماً فقال (عليه السلام) لأصحابه: من سره أن يرى رجلاً من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فلينظر إلى علي بن يقطين.

فانبرى إليه بعض الحاضرين قائلاً: أهو من أهل الجنة؟

فقال الإمام (عليه السلام): أما أنا فاشهد أنه من أهل الجنة.

كان الإمام (عليه السلام) حريصاً على ابن يقطين، وكان يخاف عليه من سطوة هارون وبطشه، لأن أمر تشيّعه لم يكن خافياً على العملاء الذين يتقربون إلى السلطة بكل وسيلة، وقد علم (عليه السلام) أنهم لا يتركونه حتى يقظون عليه، فتصدّى إلى تسديده ورفع الخطر عنه. فقد ردّ له (الدراعة المذهبة) التي أهداها له هارون حتى لا يكشف أمره.

مؤلفاته: كان علي بن يقطين من عيون أهل العلم ومن الفضلاء المعروفين في عصره وهذه بعض مؤلفاته:

1ـ (الملاحم) أخذها من الإمام الصادق (عليه السلام).

2ـ (مناظرة الشاك).

3ـ (المسائل) أخذها من الإمام موسى (عليه السلام).

وقد ورد في الفهرست للشيخ الطوسي أن الذين أخبر بهذه الكتب محمد بن محمد بن النعمان، والحسين بن عبيد الله ومحمد بن الحسن(93).

وفاته: انتقل علي بن يقطين إلى دار الحق بمدينة السلام سنة 182هـ.

وله من العمر سبع وخمسون سنة، وكان الإمام موسى (عليه السلام) آنذاك في ظلمات السجون(94).

50ـ العيص بن القاسم

ابن ثابت بن عبيد بن مهران، البجلي، كوفي عربي، يكنى أبا القاسم ثقة عين، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى (عليهما السلام) وله كتاب(95).

(غ)

51ـ غياث بن إبراهيم

التميمي الأسدي بصري، سكن الكوفة، ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليهما السلام)، له كتاب مبوب في الحلال والحرام يرويه جماعة(96).

(ف)

52ـ فضالة بن أيوب

عربي سكن الأهواز، ثقة في حديثه، روى عن الإمام موسى (عليه السلام) وعدّه الكشي ممن أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عنهم من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام) وتصديقهم والإقرار لهم بالفقه والعلم، وله كتاب (الصلاة)(97).

53ـ الفيض بن المختار

الجعفي، الكوفي، روى عن أبي جعفر، وأبي عبد الله، وأبي الحسن (عليهم السلام)، ثقة عين، له كتاب يرويه ابنه جعفر، وهو أول شخص سمع النص من أبي عبد الله على إمامة ولده موسى (عليه السلام) وقد تقدم ذكره في الحديث عن (النص على الإمامة)(98).

(ق)

54ـ قيس بن موسى

الساباطي، أخو عمار الساباطي، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن وهو ثقة مقبول الحديث(99).

(م)

55ـ محمد بن جعفر

ابن سعد الأسلمي، كتب وصية الإمام موسى (عليه السلام) الأولى، وشهد في وصيته الثانية(100).

56ـ محمد بن حكيم

الخثعمي، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن، يكنى أبا جعفر، له كتاب يرويه جعفر بن محمد بن حكيم، وأثنى عليه في (الوجيزة)(101).

57ـ محمد بن زرقان

ابن الحباب صاحب الإمام موسى وله نسخة يرويها عنه، ومصاحبته للإمام (عليه السلام) دليل وثاقته ونباهة شأنه(102).

58ـ محمد بن أبي عمير

الأزدي، بغدادي الأصل والمقام، من أشهر علماء هذه الطائفة ومن عيون رواتها، وقد أجمع الأصحاب على تصحيح ما يصح عنه وعلى عد مراسيله مسانيد؛ عاصر الإمام الكاظم، والرضا، والجواد (عليهم السلام) وسوف نلخص بعض أحواله.

علمه: كان من عيون العلماء، ومن كبار الفقهاء، وقد أجمعت الأكثرية على الإقرار له بالفقه والعلم، وقد لازم ثلاثة من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وأُشبع من نمير علومهم وقد زود الفقه الإسلامي بالشيء الكثير من أحاديثه التي سمعها من الأئمة الميامين، ومراسيله بمنزلة الصحاح عند الفقهاء، وفي هذا دليل على سمو مكانته العلمية.

مؤلفاته: ألف من الكتب أربعاً وتسعين كتاباً منها:

كتاب المغازي، وكتاب الكفر والإيمان، وكتاب البداء، وكتاب الاحتجاج في الإمامة، وكتاب الحج، وكتاب فضائل الحج، وكتاب المتعة، وكتاب الاستطاعة، وكتاب الملاحم، وكتاب يوم وليلة، وكتاب مناسك الحج، وكتاب الصيام، وكتاب اختلاف الحديث، وكتاب المعارف، وكتاب الطلاق، وكتاب الرضاع.

ولكن من المؤسف أن هذه المؤلفات قد تلفت، والسبب في ذلك كما رووا أنه تركها في غرفة فسال عليها المطر فأتلفها، وقيل أن أخته دفنت كتبه أثناء حبسه فضاعت، وضاع بذلك علم هذا العالم الكبير.

عبادته: كان محمد من عيون المتقين الصالحين، فقد تربّى في بيت الإمامة، وسار على خطّ أهل البيت (عليهم السلام) من رفض الدنيا المادية، وعدم الاهتمام بملذاتها وشهواتها، ويكفي للتدليل على مدى عبادته ما رواه الفضل بن شاذان قال: دخلت العراق فرايت شخصاً يعاتب صاحبه ويقول له:

أنت رجل ذو عيال، وتحتاج أن تكسب لهم، وما آمن عليك أن تذهب عيناك لطول سجودك، وأكثر عليه التوبيخ والتقريع، فالتفت إليه وقال له: (لو ذهبت عين أحد من السجود، لذهبت عين ابن أبي عمير ما ظنك برجل سجد سجدة الشكر بعد صلاة الفجر فما رفع رأسه إلا عند زوال الشمس.

وقد عظمه وبجله جمع من المشايخ، ولا ريب أن تعظيم أولئك الأتقياء الصالحين له وإكبارهم لمنزلته ممّا يدل على سمو مكانته وعلو شأنه.

مع هارون والسجون: كان محمد بن أبي عمير من الشخصيات البارزة في العالم الشيعي نظراً لاتصاله الوثيق بأئمة أهل البيت (عليهم السلام) وفي الوقت نفسه كان عنده السجل العام الذي يتضمن أسماء الشيعة، ولقد ضاق على هارون ذلك، فأمر أن يلقى في ظلمات السجون، فبقي فيها سبعة عشر عاماً. ثم جيء به إلي الطّاغية هارون وهو مكبل بالقيود، فطلب إليه أن يعرفه بأسماء الشيعة الذين يحتفظ بأسمائهم، فامتنع وأبى، فأمر الظالم أن يضرب هذا المؤمن التّقيُّ مائة سوط، فضرب، وبلغ به الألم الشديد مبلغاً عظيمًا. يقول: كدت أن أسمي إلا أني سمعت نداء يونس بن عبد الرحمن يقول لي:

(يا محمد بن أبي عــمير، اذكر موقـــفك بين يدي الله، فتقـــويت بـــقوله وصبـــرت على الألم ولم أخبر، والحمد لله رب العالمين)(103).

من هذه الحادثة وأمثالها نقف على مدى الظلم والجور والضغط الهائل الذي واجهته الشيعة في تلك الأدوار المظلمة من الحكام العباسيين الذين كان جل همهم السلطة والمال والدنيا والملذات.

وفاته: انتقل إلى دار الخلود سنة 217هـ(104) فهنيئاً له على صلابة عودة وقوة عقيدته، وتمسكه بحبل أهل البيت الذي ما تمسك به أحد إلا نجا من الضلال، وكسب رضى الله جلّ وعلا.

59ـ محمد بن الصباح

عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) وقال فيه النجاشي: إنه كوفي ثقة، له كتاب أخبرنا عنه أحمد بن عبد الواحد وذكره ابن داود في القسم الأول من رجاله(105).

60ـ محمد بن يونس

عده الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام موسى، وقال إنه ثقة، وذكره العلامة في الخلاصة وورد توثيقه في كل من الوجيزة والبلغة(106).

61ـ مسعدة بن صدقة

العبدي يكنى أبا محمد وقيل أبو بشر، روى عن أبي عبد الله، وأبي الحسن موسى (عليهما السلام) وله كتاب، منها كتاب (خطب أمير المؤمنين)(107).

62ـ المفضل بن عمر

الجعفي الكوفي، من كبار العلماء، ومن عيون المتقين والصالحين، ومن أفذاذ عصره، له منزلة مرموقة ومكانة عليا عند أهل البيت (عليهم السلام).

ولادته: ولد بالكوفة في نهاية القرن الأول، في أيام الإمام الباقر(108).

نشأته: ونشأ بالكوفة في وقت كان الجو السياسي مضطرباً، وكانت الأحزاب السياسية والجمعيات الدينية منتشرة في جميع أنحاء العالم الإسلامي، وخصوصاً بالكوفة، فقد كانت مصدر الانطلاق لجميع الأحزاب، ونشأ المفضل في وسط هذا الخضم الهائل، وقد تغذى بحب أهل البيت (عليهم السلام)، فاتصل بهم اتصالاً وثيقاً.

وثاقته: كان من عيون الثقات الصالحين، ومن ذوي البصيرة في دينهم والدليل القاطع على ورعه وكالته عن الإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام) في قبض أموالهما، وقبض الحقوق الشرعية الراجعة لهما وصرفها بحسب نظره من إصلاح ذات البين وإعطائها للفقراء والبائسين، وبلا شك أن هذا التفويض ينم على سمو منزلته وثقته عندهم (عليهم السلام) قال في حقه الإمام الصادق (عليه السلام): (نعم العبد والله الذي لا إله إلا هو المفضل بن عمر الجعفي). وقال في حقه أيضاً الإمام الرضا في تأبينه: (إن المفضل كان أنسي ومستراحي) وأخبار كثيرة تدل على إيمانه الصادق وورعه واجتهاده في طاعة الله تعالى.

علمه: كان من كبار العلماء ومن قادة الفكر في عصره، اقتبس العلوم من الإمام الصادق (عليه السلام) اختص به سنين طويلة، وكان من عيون أصحابه الذين أخذوا العلم عنه، ويكفي للتدليل على غزارة علمه كتابه القيم (توحيد المفضل) الذي أملاه عليه الإمام الصادق (عليه السلام). يعد الكتاب من مفاخر التراث الإسلامي الذي يعتز به، وقد حقق الكتاب صدر الدين العاملي واثنى على المفضل بقوله: (ومن نظر في حديث المفضل المشهور عن الإمام الصادق (عليه السلام) علم أن ذلك الخطاب البليغ، والمعاني العجيبة، والألفاظ الغريبة، لا يخاطب الإمام بها إلا رجلاً عظيماً كثير العلم، ذكي الحس، أهلاً بتحمل الأسرار الرفيعة، والدقائق البديعة)(109).

اقرّ الإمام الصادق (عليه السلام) بمواهبه العلمية فقد حدث الفيض بن المختار: فما أكاد أشك لاختلافهم في حديثهم حتى أرجع إلى المفضل فيقضي من ذلك ما تستريح إليه نفسي ويطمئن إليه قلبي، فقال له الإمام: أجل هو كذلك وعده الشيخ المفيد من ثقات الفقهاء الصالحين(110).

مؤلفاته:

ألف المفضل عدة كتب مختلفة المواضيع تدل على طول باعه في هذه العلوم وهذه بعضها:

1ـ كتاب (يوم وليلة).

2ـ كتاب (فكر).

3ـ كتاب (بدئ الخلق والحث على الاعتبار).

4ـ كتاب (علل الشرائع).

5ـ كتاب (وصيّة المفضل).

وصيّته للشيعة: أوصى المفضل جماعة من إخوانه الشيعة بهذه الوصية القيمة الحافلة بأخلاق أهل البيت (عليهم السلام) وآدابهم وسيرتهم والحقيقة أنها يمكن أن تكون درساً حافلاً بالقيم والنصائح ومنهاجاً قويماً في الاجتماع والدين والأخلاق لكل مسلم ومسلمة(111).

63ـ منصور بن حازم

أبو أيوب البجلي الكوفي ثقة عين صدوق من أجلاء الشيعة، ومن عيون الفقهاء، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى (عليهما السلام)، ألف عدة كتب منها: كتاب (أصول الشرائع) وكتاب (الحج) وقد أجمع المترجمون على توثيقه وسعة علمه في الفقه(112).

64ـ موسى بن إبراهيم

المروزي، اختص بالإمام موسى (عليه السلام) لما كان في سجن الطاغية السندي ابن شاهك لأنّه كان معلماً لولده، وقد فسح له المجال للاتصال بالإمام، وقد ألّف كتاباً ممّا سمعه من الإمام(113)، وقد أسماه (مسند الإمام موسى بن جعفر) توجد نسخة منه في المكتبة الظاهرية بدمشق ضمن المجموع رقم (34-70) وقد استنسخها وصوّر بعض فصولها العلامة الجليل السيد محمد الحسين الحسيني الجلالي، وهي حسب تحقيقه يرجع عهدها إلى القرن السادس الهجري وعليها عدة تواريخ أقدمها سنة 531.

وقد عني السيد الجلالي عناية بالغة بتحقيق المسند فترجم لمؤلفه ترجمة وافية فذكر شيوخه ومن روى عنه، كما ذكر سند الكتاب حسب ما نص عليه الشيخ الطوسي والنجاشي، ويحتوي على 59 حديثاً شريفاً.

(ن)

65ـ نصر بن قابوس

اللخمي القابوسي، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن موسى والإمام الرضا (عليهم السلام)، وكانت له منزلة عندهم وله كتاب، وعدّه الشيخ من خاصة الإمام الكاظم (عليه السلام) ومن ثقاته، ومن أهل الورع والعلم من شيعته.

وقال الشيخ الطوسي: إنه كان وكيلاً عند الإمام الصادق (عليه السلام) عشرين سنة وهو أحد رواة النص على إمامة الإمام الرضا (عليه السلام)، وهذا يظهر عدالته ووثاقته(114).

66ـ نشيط بن صالح

ثقة، روى عن أبي الحسن موسى (عليه السلام) وله كتاب وروى العلامة أنه كان خادماً عند الإمام موسى وهو أحد رواة النص على إمامة الرضا(115).

(هـ)

67ـ هشام بن سالم

الجواليقي الجعفي، وهو من عظماء هذه الطائفة ومن عيونها، روى عن أبي الحسن، وقد عيّنه الإمام الصادق (عليه السلام) للمناظرة في التوحيد مع رجل من أهل الشام، وفي هذا دلالة على وفور علمه وتقدّمه في الفضل، وقد اعترف له بالفضل والوثاقة كثير من مترجميه(116).

68ـ هند بن الحجاج

عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) وذكر المترجمون له حديثاً مع الإمام الكاظم (عليه السلام) يدل على وثاقة الرجل واختصاصه بالإمام(117).

69ـ الهيثم بن عبد الله

الرماني الكوفي، روى عن الإمام الكاظم (عليه السلام)، والإمام الرضا (عليه السلام) وله كتاب(118).

70ـ هشام بن الحكم

من كبار علماء الأمّة الإسلامية وفي طليعة المدافعين عن مبدأ أهل البيت (عليهم السلام)، ناضل كثيراً وجاهد جهاداً مباركاً في نصرة الحق والدفاع عن الشريعة الإسلامية في عصر انعدمت فيه الحرّيات العامة، وكان الذاكر لفضائل أهل البيت (عليهم السلام) عرضة للتنكيل والانتقام من قبل الحكام العباسيين الذين بذلوا كل امكاناتهم من أجل إضعاف كيان آل الرسول (عليهم السلام). لكن هشاماً الجريء الشجاع لم يهتم بكل ذلك، بل ناظر خصومه وتفوّق عليهم، وقد تحدثت الأندية العلمية عن قوة استدلالية، وبراعة برهانه، الأمر الذي ينم عن مدى حبه لأهل البيت (عليهم السلام)، وهذه باختصار بعض شؤونه وأحواله.

ولادته: ولد بالكوفة، وليس لدينا نص يعين السنة التي ولد فيها.

نشأته: المرجح عند المترجمين أنه نشأ في مدينة واسط(119) وكان يتعاطى التجارة وانتقل أخيراً إلى بغداد فنزل في جانب الكرخ في قصر وضاح(120)، كان من أصحاب الجهم بن صفوان(121) لكنه لما التقى بالإمام الصادق (عليه السلام) وحاوره الإمام فلم يعد يقدر على مفارقته أبداً، ومنذ ذلك الحين أخذ يتلقى العلم والمعارف منه حتى أصبح في طليعة العلماء ومن أفذاذهم(122).

تخرجه: انقطع هشام إلى الإمام الصادق (عليه السلام) حتى أصبح من أبرز رجال مدرسته، ولما انتقل الإمام الصادق إلى دار الخلود اختص بولده الإمام الكاظم (عليه السلام) وأخذ يتلقى منه العلم والفضل وبذلك يكون قد أخذ العلم من منبعه الصحيح ونال شرف التلمذة عند أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

رواته: روى عنه جماعة من كبار الرواة الأحاديث التي سمعها من أهل البيت (عليهم السلام) وهم كثر توجد رواياتهم عنه في كتب الفقه والحديث من هؤلاء نذكر: محمد بن أبي عمير، صفوان بن يحيى البجلي الكوفي، النضر بن سويد الصيرفي الكوفي، نشيط بن صالح، يونس بن عبد الرحمن، حماد بن عثمان، علي بن معبد البغدادي ويونس بن يعقوب(123).

اختصاصه: اختص هشام في علم الكلام فكان من كبار المتكلمين في عصره، ومناظراته التي أجراها مع كبار المفكرين تنمّ عن تفوّقه في هذا الفن، قال ابن النديم في ترجمته: كان هشام بن الحكم من متكلمي الشيعة، وممن فتق الكلام في الإمامة، وهذّب المذهب والنظر، وكان حاذقاً بصناعة الكلام(124).

وقد ناظر هشام الفلاسفة في مختلف الميادين العلمية حتى تفوّق عليهم وكانت نوادي بغداد تعجّ بمناظراته القيّمة التي دلّت على تفوّقه في هذا الفن. ومن مناظراته هذه مناظرته مع عمرو بن عبيد.

طلب الإمام الصادق (عليه السلام) من هشام أن يقصّ عليه مناظرته مع عمرو الزعيم الروحي للمعتزلة، فامتثل هشام لأمر الإمام وأخذ يحدثه بقصته قائلاً له: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة، وعظم ذلك عليّ، لأنه كان ينكر الإمامة، ويقول:

مات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بلا وصي، فخرجت إليه ودخلت البصرة فأتيت مسجدها، وإذا أنت بحلقة كبيرة، وإذا أنا بعمرو بن عبيد وعليه شملة سوداء مؤتزر بها، وشملة أخرى مرتدٍ بها والناس يسألونه فاستفرجت الناس فأخرجوا لي، ثم قعدت في آخر القوم ثم قلت له: أيها العالم أنا رجل غريب، أتأذن لي أن أسألك عن مسألة؟

قال: نعم. فقلت له:

ألك عين؟ فما ترى بها؟ ـ أرى بها الألوان والأشخاص. ثم تابع يسأله... ألك أنف؟ ألك فم؟ ألك إذن؟ ألك يدان؟ ألك رجلان؟ ألك قلب؟ قال: أميز به كلما ورد على هذه الجوارح، فسأله هشام: أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب؟ قال: لا.

قال هشام: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة؟

فقال عمرو: يا بني، إن الجوارح إذا شكت في شيء شمته أو ذاقته، فتؤديه إلى القلب، فيتيقن اليقين، ويبطل الشك.

فإنما أقام الله القلب لشكّ الجوارح؟ قال عمرو: نعم. فقال هشام: فلابدّ من القلب، وإلا لم تستيقن الجوارح؟ قال عمرو: نعم.

وبعدما أخذ هشام من عمرو هذه المقدمات كرّ عليه في إبطال ما ذهب إليه من أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مات بلا وصي فقال له هشام:

(يا أبا مروان إن الله لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماماً يصحح لها الصحيح، وينقي ما شكّت فيه، ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماماً يردون إليه شكّهم وحيرتهم، ويقيم لك إماماً لجوارحك ترد حيرتك وشكك؟!

فسكت عمرو ولم يطق جواباً لأن هشام قد سدّ عليه كل نافذة يخرج منها.

وكان له جولات عديدة أخرى ومناظرات مع كبار المفكرين منهم:

ـ يحيى بن خالد البركي: الذي طلب إليه أن يخبره هل يكون الحق في وجهتين مختلفتين؟ فأجابه بلباقة وحنكة(125).

ـ وله مناظرة مع النظام الذي يسأل: هل أن أهل الجنة غير مخلدين فيها، وأنه لابدّ أن يدركهم الموت؟ فأجابه هشام وانصرف النظام مخذولاً لا يجد برهاناً على ما يذهب إليه(126).

ـ ومع ضرار الضبي: الذي كان جاحداً للإمامة.

أجابه هشام قائلاً: (الإمام لابدّ له من علم يقيمه الرسول له، فلا يسهى، ولا يغلط، ولا يحيف، معصوم من الذنوب مبرأ من الخطايا يحتاج إليه ولا يحتاج إلى أحد)(127).

فسكت ضرار أمام هذا المنطق المدعم بالدليل العقلي.

هذه بعض مناظرات لهذا العالم الكبير الذي فتق بها مباحث الفلسفة الكلامية، وبقيت من بعده مدداً مفيداً لكل من أراد الخوض في مثل هذه البحوث. وقد بقي جماعة يناظرون على مبادئه حتى في عصور متأخرة. نذكر منهم: أبا عيسى محمد بن هارون الوراق،وأحمد بن الحسين الراوندي وغيرهما... وقد وضع هذا الأخير كتابه: (فضيحة المعتزلة) هاجم فيه الآراء الاعتزالية ورجالها مهاجمة شديدة، معتمداً في كثير منها على آراء هشام. كما يظهر تأثيره من كتابه الذي وضعه في حدوث العلم، ونجد أثر ذلك في دفاع المعتزلة أنفسهم الذين عنوا بردها ونقضها ومنهم بشر بن المعتمر من أفضل علماء المعتزلة، فقد وضع كتاباً في الرد على هشام بن الحكم(128).

وفاته: مؤامرة من يحيى بن خالد البرمكي حيث جمع المتكلمين واختفى هارون وراء الستر ولا يعلم بذلك هشام. ثم جرت بينه وبين الفلاسفة مناظرة: حول الإمامة، وأخيراً وبعد حوار طويل بينه وبينهم صرح هشام بأن الإمام إذا أمره بحمل السيف أذعن بقوله ولبى طلبه. ولما سمع الرشيد بذلك تغيرت حاله واستولى عليه الغضب، فأمر بإلقاء القبض على هشام وعلى أصحابه، وعلم بما ضمر له من الشر، فهام على وجهه فزعاً مرعوباً حتى انتهى إلى الكوفة، فاعتلّ فيها ومات في دار ابن شراف(129).

مؤلفاته: كان هشام خصب الإنتاج ألف في مختلف الفنون والعلوم وبرز الجميع بها، لكن إن أغلب تراثه العلمي لم يعثر عليه سوى اليسير، وهذه بعض عناوينها:

1) كتاب الإمامة.

2) كتاب الدلالات على حدوث الأشياء.

3) كتاب الرد على الزنادقة.

4) كتاب على أصحاب الاثنين.

5) كتاب التوحيد.

6) كتاب الرد على هشام الجواليقي.

7) كتاب الرد على أصحاب الطبائع.

8) كتاب الشيخ والغلام.

9) كتاب التدبير.

10) كتاب الميزان.

11) كتاب الميدان.

12) كتاب الرد على من قال بإمامة المفضول.

13) كتاب اختلاف الناس في الإمامة.

14) كتاب الوصية والرد على من أنكرها.

15) كتاب الجبر والقدر.

16) كتاب الحكمين.

17) كتاب الرد على المعتزلة في طلحة والزبير.

18) كتاب القدر.

19) كتاب الألفاظ.

20) كتاب المعرفة.

21) كتاب الاستطاعة.

22) كتاب الثمانية أبواب.

23) كتاب الرد على بعض الأصحاب.

24) كتاب الأخبار كيف تفتح.

25) كتاب الرد على أرسطاليس في التوحيد.

26) كتاب الرد على المعتزلة(130).

27) كتاب المجالس في الإمامة.

28) كتاب علل التحريم

29) كتاب الرد على القدرية. وقد اطلع عليه الإمام موسى (عليه السلام) فقال: (ما ترك شيئاً).

30) كتاب الفرائض(131).

وهذه المجموعة الضخمة من المؤلفات في شتى المواضيع تدل على ثروة هشام بن الحكم العلمية وعلى سعة إطلاعه وعمق ثقافته. ويكفي مناظراته القيّمة التي خاضها مع علماء الأديان والمذاهب وكبار الفلاسفة.

(ي)

71ـ يحيى بن عبد الرحمن

الأزرق، كوفي، ثقة، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن له كتاب يرويه عدّة من أصحابنا ووثّقه جماعة من الأعلام(132).

72ـ يحيى بن عمران

ابن علي بن أبي شعبة الحلبي، روى عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليه السلام) ثقة، صحيح الحديث، له كتاب يرويه جماعة ووثّقه أكثر المترجمين له(133).

73ـ يزيد بن سليط

عدّه الشيخ في رجاله والكشي وغيرهما من أصحاب الإمام الكاظم وذكر بعضهم أنه من خاصة الإمام ومن ثقاته، ومن أهل الورع والعلم والفقه وأحد الراوين النص على إمامة الإمام الرضا (عليه السلام) وله حديث طويل مع الإمام الكاظم (عليه السلام)(134).

74ـ يونس بن عبد الرحمن

مولى علي بن يقطين من كبار علماء الأمة الإسلامية، كان وحيد عصره في تقواه وورعه، تربّى في مدرسة الإمام الكاظم، وأخذ منه العلوم والمعارف، ومن بعده اختص بولده الإمام الرضا (عليه السلام).

ولادته: كانت ولادته في أيام هشام بن عبد الملك(135).

نشأته: نشأ يونس على التقوى والصلاح وتغذى من علوم أهل البيت (عليهم السلام) وكان في جميع أدوار حياته مثالاً للتكامل الإنساني، قضى حياته في تحصيل العلوم من منبعها، من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. وقد وردت في حقه والثناء عليه أخبار كثيرة من الأئمة (عليهم السلام).

روى عبد العزيز المهتدي قال: سألت الإمام الرضا (عليه السلام) فقلت له: إني لا ألقاك فمن آخذ معالم ديني؟ فقال (عليه السلام): خذ عن يونس بن عبد الرحمن(136). وقال عنه أيضاً: يونس في زمانه كسلمان في زمانه.

وعن الإمام الجواد (عليه السلام): أنه تصفّح كتاب يونس (يوم وليلة) فردّد قائلاً:

رحم الله يونس(137).

علمه: كان علاّمة زمانه، كما قال ابن النديم(138)، اعترف له جميع المترجمين بغزارة علمه، وسعة اطلاعه ويقال أنه انتهى علم الأئمة (عليهم السلام) إلى أربعة نفر وهم: سلمان الفارسي، وجابر، والسيد، ويونس بن عبد الرحمن.

مؤلفاته: ألّف يونس كتباً كثيرة دلّت على تضلعه في كثير من العلوم، وهذه بعض مؤلفاته:

1ـ كتاب يوم وليلة عـــرض الكتاب عـــلى أبي محـــمد العـــسكري (عليه السلام) فقال: أعـــطاه الله بكل حرف نوراً يوم القيامة(139).

2ـ كتاب علل الأحداث.

3ـ كتاب الصلاة.

4ـ كتاب الصيام.

5ـ كتاب الزكاة.

6ـ كتاب الوصايا والفرائض.

7ـ كتاب جامع الآثار.

8ـ كتاب البداء(140).

9ـ كتاب السهو.

10ـ كتاب الأدب والدلالة على الخير.

11ـ كتاب الفرائض.

12ـ كتاب الجامع الكبير في الفقه.

13ـ كتاب التجارات.

14ـ كتاب تفسير القرآن.

15ـ كتاب الحدود.

16ـ كتاب الأدب.

17ـ كتاب المثالب.

18ـ كتاب علل النكاح وتحليل المتعة.

19ـ كتاب نوادر البيع.

20ـ كتاب الرد على الغلاة.

21ـ كتاب ثواب الحج.

22ـ كتاب النكاح.

23ـ كتاب الطلاق.

24ـ كتاب المكاسب.

25ـ كتاب الوضوء.

26ـ كتاب البيوع والمزروعات.

27ـ كتاب اللؤلؤ في الزهد.

28ـ كتاب الإمامة.

29ـ كتاب فضل القرآن(141).

30ـ كتاب اختلاف الحديث.

31ـ كتاب مسائله عن أبي الحسن موسى(142).

نظرة سريعة على عناوين هذه الكتب تدل دلالة واضحة على سعة معارفه، وإحاطته بمختف العلوم والفنون.

حسّاده: كل عبقري صاحب شأن لابدّ له من حسّاد حاقدين ينغّصون عليه عيشه، ويونس بن عبد الرحمن كان من أولئك الأفذاذ الموهوبين الذين خصّهم الله بمزيد من العلم والفضل. وقد شكا أمره إلى الإمام الكاظم (عليه السلام) فيما يتهمونه به فهدّأ الإمام روعه وقال له:

(مـــا يضرّك أن يكون في يـــــدك لؤلؤة، فيقــــول الناس: هي حـــصاة، وما ينفعــــك أن يكون في يدك حصاة فيقول الناس لؤلؤة)(143).

وفاته: اختاره الله إلى لقائه بعد أن أبلى بلاءً حسناً في الدفاع عن الإسلام والتبشير بمبدأ أهل البيت (عليهم السلام) وقد توفي في يثرب سنة 208هـ(144).

ولما وصل نعيه إلى الإمام الرضا (عليه السلام) قال: انظروا إلى ما ختم الله ليونس قبضه بالمدينة مجاوراً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله)(145).

رحم الله يونس بن عبد الرحمن وجزاه عن الإسلام خير الجزاء، وحشره مع (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً)(146).

75ـ يونس بن يعقوب

ابن قيس، أبو علي البجلي الدهني الكوفي، اختص بأبي عبد الله (عليه السلام) وأبي الحسن (عليه السلام) وكان يتوكّل لأبي الحسن(147) وعدّه الشيخ المفيد من فقاء أصحاب الصادقين (عليهما السلام) ومن الأعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام الذين لا يُطعن فيهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم، وهم أصحاب الأصول المدوّنة، والمصنفات المشهورة(148) وممّا يدل على وثاقته أنه وكّله أبو عبد الله وأبو الحسن (عليه السلام) ليشتري لهما بعض الأشياء فلما اشترى ذلك وأوصله إليهما قال له أحدهما:

(ما أنت عندنا بمتهم، إنما أنت رجل منّا أهل البيت فجعلك الله مع رسول الله وأهل بيته) والله فاعل ذلك إن شاء الله.

توفي في يثرب وتولى تجهيزه الإمام الرضا (عليه السلام).

وهنا نذكر بعض أصحاب الإمام (عليه السلام) الذين عرفوا بكنيتهم منهم:

76ـ أبو زكريا

عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) وهو ثقة، وقد روى عن علي بن رباط(149).

77ـ أبو شعيب

المحاملي، كوفي، ثقة من رجال أبي الحسن موسى (عليه السلام) وله كتاب(150).

78ـ أبو يحيى

المكفوف، عدّه الشيخ في باب الكنى من أصحاب الإمام الكاظم (عليه السلام) وقال في (الفهرست) له كتاب، وكذا قال النجاشي واستفاد الحائري من مصاحبته للإمام أنه محل اعتماد(151).

هؤلاء أصحاب الإمام وحملة حديثه، وقد اخترنا منهم عظماء العلماء، وكبار المؤلفين الذين زوّدوا العالم الإسلامي في عصرهم بنتاجهم الجليل ممّا يدل بوضوح أن النهضة الفكرية كانت تستند إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) فهم الذين فجّروا طاقاتهم في دنيا العرب.

وهذه الكوكبة من الرواة الأجلاء قد كشفت لنا جانباً مهماً من حياة الإمام (عليه السلام) ودلّت على أهمية الدور الذي قام به في رفع منار العلم ونشر الوعي الثقافي في ربوع العالم الإسلامي.

إن الانتماء إلى مدرسة الإمام الكاظم (عليه السلام) كان من موجبات الاعتزاز والفخر لأنها بلورت الحياة الفكرية في العالم الإسلامي وعملت على تقدّم المسلمين في جميع الميادين.

 

دروس مثالية من إمام مثالي

أهل البيت وما أدراك ما أهل البيت!! هم الصفوة المختارة التي اختارها الله جل وعلا أعلاماً منيرة على دروب الحياة لعباده، واجتباهم هداة لخلقه وحكاماً عليهم، وورثة لنبيه (صلّى الله عليه وآله) وسدنة الرسالة الإسلامية الدائمة. فقهوا الأحكام فعنهم أخذت، وعرفوا الحلال من الحرام فكانوا الأدلاء على الله، والمبشرين لدينه، والموضحين لمنهجه، عنهم أخذ علم الكتاب المجيد وما جاءت به السور.

والرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) أمر الأمة باتباعهم وطاعتهم والامتثال لأمرهم، لكن حب الجاه والسلطان حدا بالمسلمين إلى التزاحم على الخلافة بعد وفاة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، والنبي لم يدفن بعد، فزعموا هذا الأمر خوف الفتنة التي سقطوا فيها وعانوا من ويلاتها.

علم المسلمون أن الخلافة لهل البيت (عليهم السلام) لكنها تقلبت في أيدي غيرهم حتى وصلت إلى معاوية بن أبي سفيان الذي شقّ عصا الإسلام، وأحدث الفتن بين المسلمين، ولم يكتفِ القدر بهذا حتى أورثها إلى ابنه يزيد الفجور والخمور والرذيلة. واستمرت فيهم ما يقارب السبعين عاماً. قام بعد الأمويين العباسيون، فاستبدل الناس ظلماً بظلم، وجوراً بجور، هذا والأئمة الأعلام الأطهار ليس لهم أمر ولا نهي ولم يكتف الحكام الأمويون والعباسيون بتقمّصهم الخلافة بالقوّة، مستأثرين بها على أهل البيت (عليهم السلام) حتى أخذوا يتبعونهم قتلاً وسجناً وتشريداً؛ لكن الأئمة تحمّلوا مسؤولياتهم وتكاليفهم ولم يعبأوا بهذه الشدة والظلم، بل استمروا على تبليغ رسالتهم في صدّ التيارات الفكرية الفاسدة، ونشر التعاليم الإسلامية الصحيحة، وإعلاء كلمة الله تبارك وتعالى. فملأوا الدنيا وشغلوا الناس بعلومهم الغزيرة ومعارفهم الرشيدة من أجل رفع راية الإسلام خفّاقة في العالم بأسره.

ولا غرو إن كانوا كذلك، فهم أحق من غيرهم في تسلّم الخلافة، لا بل المكلّفون بعد الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) بنشر الإسلام والمحافظة على السنن الإلهية، والشرائع الإسلامية.

والإمام موسى الكاظم (عليه السلام) هو سابع الأئمة المعصومين الذين عانى الأمرّين، وقاوم الظلم، وحافظ على رسالة جده (صلّى الله عليه وآله) ولم يدار ولم يداهن بل تحمّل المسؤولية الشرعية بكل جرأة وصبر، وقام بالتكاليف الملقاة على عاتقه من الإصلاح في أمة جده (صلّى الله عليه وآله) على حد قول جده سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام) (لم أخرج أشراً ولا بطراً، وإنما خرجت طلباً للإصلاح في أمة جدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)).

 

الإمام الكاظم (عليه السلام) في حصار التكاليف

من الحاجات الفطرية للإنسان حياته الاجتماعية الشريفة مع سائر أبناء وأمته، هذه من الميول الطبيعية فيه التي تقوده إلى تحقيق ذاته.

وكل فرد في المجتمع يلتزم بمسؤولية خاصة وتكاليف خاصة عليه أن يقوم بأدائها على أكمل وجه. فإذا آمن كل واحد من أفراده بمسؤلياته التي قبلها في دائرة أعماله، ولم تتجاوز نشاطاته حدود ما رسم لنفسه منها يدار المجتمع عند ذلك بصورة صحيحة وسليمة.

والإنسان العاقل الناطق قد أحاطت به قيود وقواعد وأصول قد شملت كل شؤون حياته، وهذه الحدود والقيود هي التي تميزه عن الحيوان الأعجم على صعيد الحياة.

في حركة وسكون يجد كل منّا تكليفاً عليه، والتكاليف تبدأ من أبسط مراحل الحياة وتمتد حتى آخر حياته، وهذا هو النظام الذي تدار عليه حياة الإنسان. ولا يمكننا في أي حال أن نفصل بين الإنسان وبين تكاليفه، مهما كانت قدراته، فهناك تكليف عليه. اللهم إلا الموت، الذي يأخذ بتلابيب الإنسان ويطوي صحيفة أعماله.

والإنسان يلتزم بفطرته بمسؤوليات وقرارات، مع قطع النظر عن أحكام الأديان وأوامرها، والتكليف هذا ينشأ من علاقته بأوصافه وخصائصه وعواطفه المغروسة في نظام كيانه ووجوده، وإن كانت دوافعه إلى أداء تكاليفه مختلفة أو صعبة. وبإمكاننا القول:

إن القواعد العقلية العامة هي محور التكاليف، أما إطاعة الأحكام الدينية فإنها ترجع إلى اتباع القواعد والقرارات العقلية أيضاً، لأن أحكام الأديان وأوامرها في مراحل الحياة والمسائل الاجتماعية هي تفصيلات لإجمال المدركات العقلية ومعرفتها في الأمور الضرورية.

وليست المشكلة في معرفة التكاليف، بل المشكلة الكبرى هي العمل بالتكاليف الشاقة. وهنا يتميز كل إنسان من الاقتراب إلى مرحلة الكمال في إيمانه الراسخ والثابت والقوي، ومراقبة نفسه مراقبة دقيقة أمام الله عزّ وجلّ وتوطينها وتعويدها على التضحية والعطاء.

والمجتمع البشري وإن كان مرتعاً صالحاً لنمو الفضائل الإنسانية وظهورها وتكاملها، لكنه صالح أيضاً لظهور كثير من الرذائل والآفات.

والتكامل الاجتماعي يصاب بالركود والتوقف فيما إذا تجاوز كل فرد من الأفراد عن حدود وظائفه وتكاليفه، أو تناسى أو تنكر لمسؤولياته الكبرى الملقاة على عاتقه. فالنبتة المزروعة حديثاً بحاجة إلى عناية خاصة ومجهود خاص حتى تتطور فتصل في مراحل نموها إلى كمالها اللائق بها. والمجتمع قد يثمر ويتكامل ليس بموقعه الجغرافي وأوضاعه المادية، بل بأوضاعه التربوية الخاصة وإمكاناته المعنوية التي يقوم على أساسها المجتمع الفاضل الراقي. وفي هذا المجتمع الذي تسود فيه روح المعرفة بالتكاليف، ستكون الطهارة والصدق في ضمائر القلوب، وفي إدراكات العقول، وفي جميع شؤون الحياة الظاهرة للعيان.

إن مجتمعاً كهذا وضعه لا تنمو فيه الخيانة، ولا يظهر فيه العدوان على حقوق الآخرين، بل لا يسمح لها المجال للنمو والظهور، فيقف كل فرد فيه عند حدوده وأمام مفاسد أعماله فيحاسب نفسه ويمنعها من التجاوز عملاً بقول الرسول الأعظم: (رحم الله إمرءاً عرف حدّه فوقف عنده) ولا نضلّ الطريق إلا إذا تقاعسنا عن القيام بتكاليفنا وخفقنا تجاه واجبنا ومسؤولياتنا. فهناك كثير من الناس، مع ما لهم من إمكانات من مختلف الجهات يحاولون الاقتصاد في الإفادة من وجودهم ومن طاقاتهم، ولهذا نراهم يتهربون من المسؤوليات والأعمال التي تسلبهم بعض راحتهم وملذاتهم كما يزعمون، فهم يعيشون لأنفسهم ولا يخصصون قسماً من أوقاتهم يعود نفعها للآخرين.

هؤلاء هم أصحاب الفكر الضيّق والنشاط المحدود، تدور أمورهم على محاور شخصيّة محدودة، فيعتادون على هذه الخصائص الروحية، ولهذا فلا يتمكنون من القيام بالأعمال الكبيرة، والقضايا الاجتماعية العظيمة فنراهم قد اختفوا في مجتمعهم ولم يبرزوا طاقاتهم الشخصية.

لكن هناك فئة أخرى من الناس لا تتسامح أبداً بالنسبة إلى مسؤولياتهم باي حال من الأحوال، ولا يصابون بأي اضطراب أو قلق نفسي على أثر التطورات والتغييرات؛ بل نراهم مستعدين دائماً للمبادرة بتكاليفهم الواجبة، ومسؤولياتهم النافعة، فيستقبلونها بكل رحابة صدر ويقومون بكل جهودهم فيها. إنهم يتصوّرون أن خير إفادة من وجودهم القيام بمهام مثمرة ومفيدة لأمتهم مهما كانت شاقة، وعلى هذا فكلما كان الإنسان أكثر رشداً، وأكمل عقلاً، وأبعد رؤية، كان اشتياقه إلى القيام بمسؤولياته أكثر، وإلى أداء تكاليفه أشد وأكبر.

 

تحقيق الأهداف السامية

قالوا: لولا الأمل لبطل العمل. إن الذي يملأ حياة الإنسان أملاً هو السعي لتحقيق الآمال العالية والمثمرة، وعلى كل إنسان أن يصمم على أن يبلغ مقاماً سامياً يليق بإنسانيته، فيعمل بكل ما أعطي من قوى وإمكانات ليقوم بتكاليفه ومهامه وخدمة أبناء مجتمعه.

وما نراه ونسمعه في مجتمعنا من بعض أفواه الناس يقولون:

نريد أن نقوم بعمل خير في حياتنا، لكن مسؤولياتنا وأعمالنا قد منعتنا من التوفيق في هذا الطريق، فقد غرقنا إلى حد بعيد في مهام الحياة ومشاغلها ولم تسمح لنا الفرص المناسبة لنتمكن فيها من تحقيق ما نصبوا إليه في حياتنا.

ولا ريب أن هذه من الأخطاء الشائعة والخطيرة في مجتمعنا، ذلك أن كلاً منا لديه الفرص الكثيرة التي تحيط به والتي يستطيع بكل سهولة من القيام بمهامه لو صمم وأراد؛ فيحصل على رضى ضميره ورضى مجتمعه ورضى ربه جلّ وعلا. من هنا كان قول الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله):

(الخلق كلهم عيال الله وأقربهم إليه أنفعهم لعياله) إلى جانب ذلك عليه أن لا يغفل عن تكاليفه العادية، وإن يقوم بأعمال جليلة فيها كل الخير له ولمجتمعه.

فالتكليف الواجب علينا جميعاً أن نفيد من الفرص الكثيرة التي تسمح لنا لنقوم بهذا التكليف؛ وسوف تتاح لنا فرص كثيرة في هذا السبيل. ونحصل على نجاح باهر وتوفيق هام، لأن جميع القوى الكامنة فينا تكفي للقيام بتكاليفها. والذي يحتاج إليه العالم اليوم ويفتقده هو أن يكون له جماعة يفكّرون في تلبية نداء الآخرين وقضاء حاجاتهم، وعند القيام بمهام جليلة من أجل الآخرين ستنزل رحمة الله الواسعة على المعين والمستعين كليهما. أما ما نراه من ضغوط المجتمع الحاضر الذي سموّه (المجتمع الحديث) كما هو عليه اليوم ستفقدنا شخصيتنا شيئاً فشيئاً، وبالتالي سوف نفتقد آمالنا في الإبداع والظهور.

ولهذا فإن وصول هذا المجتمع إلى الحضارة الحقّة سوف يتأخّر ما دام الوضع كما هو عليه. وما هو السبب في ذلك؟

الحقيقة أن الخطأ الكبير لكل واحد منا هو أننا نعيش بأعين ليست بصيرة، فلا نلتفت إلى الفرص الجيدة التي تواجهنا، نعم علينا أن نفتح أعيننا جيداً ونتفحّص ما حولنا بدقة ومهارة لنقدم إلى كل الناس الخير العميم. فأسمى ما لدينا وافضل أمنياتنا أن نرهن وجودنا، ونمد أيدينا لعون الآخرين إلى حد التضحية والفداء. ومثلنا الأعلى في هذا المضمار الشريف الأئمة (عليهم السلام)، كل واحد منهم قام بتكاليفه كاملة، وضحّى بأغلى ما يملك في الوجود، فبذل النفس في سبيل الآخرين. والجود بالنفس أسمى غاية الجود!

إنّ أصغر شيء ينفقه رجل فقير الحال هو أفضل بكثير من الذي ينفق كبار الأغنياء، وكثيراً ما نسمع من البعض من يقول: لو كنت ثرياً لكنت أقدّم للناس الكثير الكثير من الأعمال والخدمات ولكن؟!

نقول لهؤلاء الذين يتمنون ولا يفعلون: إننا بإمكاننا أن نكون جميعاً أثرياء من حيث الحب والعطف والحنان لهم، فلو اكتشفنا الحاجة الحقيقية للمحتاجين، وحاولنا تلبيتها، نكون بذلنا في ذلك أفضل وأعز شيء لدينا لا وهو الحب لهم، والعطف عليهم، ممّا لا يقابله كل أموال الدنيا بأجمعها!

ولا يفوتنا أن نعلم أن بإمكاننا إذا حملنا أنفسنا على البحث والتنقيب بما يمكننا القيام به لاستطعنا تقديم الكثير الكثير من أعمال الخير والمساعدة للآخرين. وهذا العمل الروحي بحاجة إلى جرأة وتضحية ورحابة صدر وقوة إرادة، وتصميم أكيد على إسداء الفائدة المرجوّة والمحبة الخالصة لجميع الناس، وهذا بنظري أكبر اختيار وامتحان لكل إنسان في هذه الدنيا على الأرض.

ولكن علينا أن نعلم أيضاً أننا في هذا التكليف الشاق، وتحمّل المسؤولية بإمكاننا أن نجد السعادة الحقيقية. وهذا واقعاً ما قدّمه الأئمة، وقدّموا في سبيل الله، وعطفوا على عباد الله، فكسبوا بذلك رضى الناس ورضى الله سبحانه وتعالى.

 

بإرادة الإنسان تعمر الأوطان

خلق الإنسان حرّاً في أن يطيع أوامر ضميره الحيّ أو يعصيها، فكل واحد منّا يملك نفسه وإرادته فبإمكانه أن يختار الفضائل مثل:

الصدق، والشجاعة، والإيثار، والإحسان، والقول الحسن، والإخلاص، والوفاء، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتواضع، ومقاومة الهوى، والمحبّة، والصفاء، وكظم الغيظ.

أو أن يختار طريق الشهوات والرغبات والرذائل مثل: الكبرياء، والنميمة، والانقياد لهوى النفس، والغضب، والظلم، والحسد... فكل هذه الصفات من فضائل ورذائل هي تحت إرادته واختياره، وبإمكانه أن يحلّي نفسه بها بالسعي الدائم المشكور، والمحاولات المتواصلة، أو أن يختار عكس ذلك فينغمس في محيط متخلّف من الشهوات الرذيلة والميول الهوجاء، كما فعل الحكام الأمويون والعباسيون الذين غرقوا في مستنقع شهواتهم، وفجّروا في ظلمهم وجورهم من أجل حب التملّك وشهوة السلطان.

إن قوة الإرادة موهبة إلهية خيّرة لا ينبغي أن نتركها دون الإفادة منها، أو أن نصرفها في الأعمال البربرية والمنحطّة، بدلاً من أن نوظفها في تكاليفنا الشرعية. إن افتقاد الإرادة هو ضعف في اتخاذ التصميم والقرار، وهو سدّ مانع للقيام بتكاليفنا.

لكن الإفادة من الإرادة لهداية الضمير والوجدان من أجل الكفاح ضد الشهوات، وأهواء النفس، والانتصار على عبادة النفس صعب في بداية الأمر وهو بحاجة أكيدة إلى روح التضحية، ولابد من مواصلة السعي الدائم لتتقوّى روحية الإنسان تدريجياً، وتنمو أخلاقياته الفاضلة، وعندئذٍ يصبح العمل بالتكليف له أمراً عادياً جداً يتحمله المكلف بيسر وسهولة.

فلو كان الشعور بالمسؤولية قوياً في كيان الإنسان لم تعد الموانع التي تعترضه سبباً في ضعفه وانهزامه أمامها، أما إذا فشلت مساعيه ولم تثمر في مواجهة العوامل السلبية فلا أقل بأضعف الإيمان من أن يحصل على رضا ضميره وراحة نفسه، وسيكون مرفوع الرأس أمام نفسه وأمام مجتمعه وذلك أنه قدر على تحمّل خيبة الأمل والهزيمة من أجل أداء وظيفته، والقيام بدوره الإنساني ورسالته في الحياة.

وهنا أتذكّر وصية هامة نصح بها أب ابنه فقال له:

يا بني: كن أنت فقيراً لا مال في يديك، ودع الآخرين يثرون أمام عينيك بالخداع والتزوير والخيانة. عش أنت بلا جاه ولا مقام، ودع الآخرين يتسلّمون المناصب العالية بالخضوع السمج والإلحاح الملحّ. عانِ أنت الآلام والخيبة، ودع الآخرين يبلغون أمانيهم بالخضوع والتملّق. أعرض أنت عن طلب الجاه والسعي وراء الزعامة، ودع الآخرين يبلغون أمانيهم بالخضوع والتملق. أعرض أنت عن معاشرة كبار الرجال ممن يتفانى الآخرون للاقتراب منهم. من الأفضل لك أن تتقمّص لباس الفضيلة والتقوى. فإذا ابيضّ شعر رأسك ولم تلوث قطرة من سواد الفساد حسن صيتك وعلى شرفك فأدّ حقّ شكر الله، واستسلم بقلب مبتهج مسرور.

يتبين لنا من خلال هذه الوصية القيمة باختصار وكأن الأب يوصي ابنه بالبعد عن حكام بني مروان وبني العباس والاقتراب من أهل البيت (عليهم السلام) وبعدئذٍ يستسلم للموت بقلب مبتهج مسرور.

وما نراه أن الثواب والعقاب أمر ضروري في أداء التكاليف. فكما يفيد التنبيه والتوبيخ واللوم في التقليل من المفاسد، كذلك لا مجال للجدال في اثر التقدير والترغيب في زيادة الرغبة في العمل والنشاط في أداء التكاليف وتحمل المسؤولية. وقال أحد المفكرين الاجتماعيين:

ويل لأمة يشوّق فيها الخونة ويهان فيها الخدمة ذوو الشعور بالمسؤولية ويبعدون عن المناصب الحساسة في المجتمع. أمة يبلغ فيها مقاصده من يجعل همه الخداع والمراوغة، ويصل إلى مراده من لا يتمتع بأية قيمة من قيم الإنسانية. أمة يكون على من يريد أن يؤدي رسالة الإنسانية فيها أن يبقى محروماً مكظوماً من كل شيء. إن مثل هذا المجتمع لا يبقى فيه مال لنمو الأخلاق وظهور الفضيلة.

والعصر العباسي شاهد على ذلك فالإمام الكاظم (عليه السلام) العالم الفقيه، والتقي الورع، الذي أراد أن يؤدّي رسالة الإسلام الإنسانية الحقّة سائراً على خطى جده سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) الذي قال: (ما خرجت أشراً ولا بطراً وإنما خرجت طلباً للإصلاح في أمة جدي) وهكذا فعل الإمام الكاظم (عليه السلام) فعندما أراد أداء التكاليف والقيام بالرسالة الإنسانية أبعد عن منصب الخلافة وسجن وقيّد بالحديد، ودسّ إليه السمّ حتى خسر بموته الإسلام عالماً مجاهداً كبيراً، ومصلحاً اجتماعياً عظيماً.

وبديهي أن في مثل هذه البيئة التي تشبه البيئة العباسية ستتفشّى الأمراض إلى أعماق النفوس، كالغش والفساد والتزوير والرياء؛ فالأخلاق السيئة تتصدر المجتمع بدلاً من النزاهة والأخلاق الفاضلة، فقليل جداً من الأشخاص الطاهرين الأتقياء يستطيعون العيش في مثل هذه البيئات الملوّثة، وأقل منهم الذين يستطيعون استمرار بطهارتهم وتقواهم، ويعيشون حياتهم الروحية بروح عالية وكريمة بين أناس طغاة أذلاء أنانيين سفهاء في هذه البيئة الملوّثة بالضغائن والأحقاد، استمر الإمام الكاظم (عليه السلام) مجاهداً لم يداهن ولم يساير ولم يلين، بل قاوم الطغاة وألف الجماهير، وقام بتكاليفه مع ما لاقى من الاضطهاد والآلام والعذاب.

وهنا يتجلى معنى الصبر الجميل على النوائب والدواهي وهنا تبرز البطولات الخالدة على صفحات التاريخ. فأين مزار هارون الرشيد والمنصور والهادي؟؟ لقد اندثرت معالمهم، ومات ذكرهم معهم وبقي ذكر الإمام الكاظم كأبيه وأجداده حيّاً نضراً فوّاحاً، كلما ذكر محمد وآل محمد (عليهم السلام). إن الشفاه التي ترتل اسمه (عليه السلام) كما ترتل آيات التنزيل، والقلوب التي تلهج بحبه، والعقول تتحرك بالإعجاب به، ليست وقفاً على المسلمين، ولا على الفئة الأولى من تاريخ الإسلام. فهذا أمر ينطبق على الذي يتفوّق بحال من الأحوال، أما أهل البيت فهم لكل حال ولكل الأجيال، والإمام الكاظم والأئمة جميعاً باقين في الوجود منذ أن أبدع الله الخير والمجد والكمال.

لقد ذهب الأمويون والعباسيون، وانطفأت قناديل حياتهم لأنهم كانوا محكومين بغرائز الإمرة والاستبداد وحب المال والضياع، أما الأئمة المعصومون فقد تمسّكوا بشريعة الإسلام وأحكامه، ومبادئ الرسول الأعظم وأخلاقه، فكان لهم مواقف ثابتة حافظوا عليها، وحقوق معلنة ماتوا دونها. قالوا كلمة الحق فلهج بها التاريخ، ووقفوا المواقف الحقّة فنسخت عن صحفهم البطولات، وبقيت مشاعل صدقهم وشهادتهم كواكب مشرقة قبالة الشمس، لأنها تستوحي من نهج رسول الله، وتتوهج من نور الله.

الحقيقة أن الكل هباء، فوات، تراب، فناء، ما لم يتطلع إلى سمو الحقيقة العليا، إلى الله جل جلاله. فهو وحده الذي يبقى، أما الذي لا يحب البقاء في رحاب رضوان الله فهو ميّت جسداً وذكراً، وله جهنم وبئس المصير. فالموقف الموقف، والصدق الصدق، والعدل العدل،والحق الحق، والصبر وكظم الغيظ، وهذه كلها من شمائل أئمتنا التي بها فُضِّلوا على الناس، ومن أجلها استشهد الشرفاء الأتقياء. والإمام الكاظم ذلك العظيم، هزئ بالموت فإذا به ذو عرش على قلوب الملايين، يحتل قلوبهم، ويتملّك مشاعرهم ومحبّتهم وحسب أنه قال للموت هازئاً به: قد تجيء أيها الموت في كل لحظة، وترمي بالأحياء في غيابات المجهول، ولكني لا أخافك ولا أهابك، أريد أن تموت أنت وإن أحيا أنا إلى الأبد أبقى قطرة في محيط التاريخ، وأتجاوز السنين والعصور وأبقى مع الخالدين.

سجلت أسمي في قلب كل مؤمن، وعلقت ذكري على صدور أصحاب المواقف الحقة، وبقيت حياً في خواطر الأبطال الذين أحبوا الحياة الحرة الكريمة.

وبعد أربعة عشر قرناً ونيف نجد أنصار أهل البيت يسطع من نفوسهم ضوء يهدي، وعطر يفوح، وصوت يهب سامعه إلى نجدة الحق، الحق المسلوب في فلسطين وفي جنوب لبنان والبقاع الغربي من الدولة المعتدية الغاشمة دولة الصهاينة. لكن المقاومة كانت لهم بالمرصاد حيث تلقنهم الدرس تلو الدرس كل يوم فهنيئاً لكل الشهداء الشرفاء الذين ضحّوا بدمائهم الطاهرة من أجل تحرير الأرض. لقد ساروا على الخط الحسيني وقاموا بتكاليفهم الشرعية بإرادة صامدة قويّة، وقلب عامر بالإيمان، ونفس مطمئنة.

كل ذلك في سبيل الإنسانية والحضارة الهادفة إلى الطمأنينة العامة والسعادة لجميع الناس، وكلتاهما جناحان نحو الصراط المستقيم.

إن الإنسان العادي في أي مجتمع يحتاج إلى تربية فردية صالحة في مجتمع إسلامي صالح يستند إليه، وهو بحاجة بلا ريب إلى نماذج بشرية صالحة تعرفه بأمثولة السلوك الصالح في حياته وتكون له قدرة تنير له الطريق إلى المثل العليا.

وهنا لابدّ لنا من التحدث عن دور الإيمان في الشعور بالمسؤولية.

 

دور الإيمان في التعهد بالتكاليف

إن التعهد بالتكاليف والشعور بالمسؤولية التي تحيط بالشؤون الاجتماعية من كل جهة، ومن أهم الأسس لسعادة الفرد والمجتمع على حد سواء، والتربية الإسلامية العريقة تبنى على أساس الشعور بالمسؤولية، فعلى كل مسلم أن يستند إلى إيمانه أولاً ثم إلى العمل الصالح ثانياً ليضمن سعادته في حياته، ولا يجعل شيئاً آخر سواهما مستنداً لسعادته الواقعية.

والإمام زين العابدين (عليه السلام) يصف تكاليف الإنسان في مختلف الشؤون فيقول: (إعلم يرحمك الله: إن لله عليك حقوقاً محيطة بك في كل حركة تحركتها أو سكنة سكنتها، أو منزلة نزلتها، أو جارحة قلبتها، أو آلة تصرفت بها بعضها أكبر من بعض).

والإسلام يرى أن كل أحد مسؤول عن أعماله، ولا يتحمل أي فرد مسؤولية الآخرين، قال تعالى: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)(152).

إن في أعماق الإنسان قوة تدعوه إلى أداء تكاليفها ومسؤولياته، وحينما يتقبل الإنسان دعوة ضميره ويبادر إلى أداء تكاليفه فإن تلك القوة الباطنية ستؤيده، وبعد فراغه من تكليفه تملأ نفسه سروراً وارتياحاً هذه القوة هي الضمير أو الوجدان الناشئ من أعماق فطرة الإنسان وهو الذي يحملنا على ترك الرذائل، والتمسّك بالأعمال الصالحات ولكن هل الضمير وحده يضمن تنفيذ الخير على يد الإنسان فيبعثنا على اتباع التعاليم الدينية ويكون مستنداً لأداء مختلف التكاليف؟؟ الحقيقة أن الضمير الأخلاقي بما له من أهمية في ضمان سعادة الإنسان فهو لا يتمكن في جميع الأوضاع والظروف أن يمنع سقوط الإنسان وانحرافه وعلينا بعد هذا أن نلتفت إلى دائرة عمل الضمير، حيث أن أحكامه تختلف باختلاف الظروف الزمانية، والعادات القومية، اختلافاً بيناً؛ فنشاط الضمير إنما هو في الدعوة إلى أمور قد أقر بحسنها وفضلها من قبل ذلك العرف والعادة والسنن الاجتماعية. فالمرفوض في أمة من الأمم قد يكون مفضّلاً ومحبّباً عند أمة أخرى على أساس سننها وأعرافها. ويدلنا التاريخ أن الشيطان قد زين في بعض أدوار الحياة البشرية أعمالاً هي من أقبح ما يكون في الواقع، ولكن تحت ستار الأعمال الصالحة، وتلقّاها الناس حينئذٍ بصفتها أعمالاً مقبولة لديهم.

قال تعالى: (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(153).

أضف إلى ذلك كله أن الضمير من دون أن يستند إلى مستند خاص لا يقدر على المقاومة في مواجهة كثير من أهواء النفس وحب المال والسلطان وطغيان الشهوات، وهو في ساحة كفاحه مع الغرائز يفتقد شيئاً من قوة مقاومته، وربما سقط أمام أول مجاهدة لميول النفس الأمارة بالسوء، فبإمكانها أن تقلب الحقائق وتخدع الضمير وتخمد من نور المصباح المضيء الذي ينور باطن الإنسان.

وهنا يأتي دور الإيمان، الإيمان الذي يهدي الضمير ويرشد الوجدان، ويكون مستنداً صحيحاً له، وحاكماً أميناً على العادات والتقاليد والأعراف، ولا يتكلف بتنفيذ أوامر العرف والسنن الاجتماعية.

إن الذين تيقظت في ذواتهم فطرة التوحيد وآمنوا بالله إيماناً صادقاً قد استجابوا لنداء ضمائرهم استجابة تامة ويرون اتباعها إطاعة للهداية التكوينية الإلهية، فلا يثقل على كواهلهم حمل التكاليف، بل يمنحهم قوة فاعلة ونشاطاً مباركاً فيبادرون إلى أداء تكاليفهم بكل محبّة ونشاط.

 

1 - سورة الشعراء: الآية 88-89.

2 - حنقاً:الحنق شدة الاغتياظ والغضب.

3 - سورة الأنفال: الآية 73.

4 - سورة الأنعام: الآية 84.

5 - سورة الأنعام: الآية 85.

6 - سورة آل عمران: الآية 42.

7 - سورة المجادلة: الآية 22.

8 - سورة الأعراف: الآية 12 وسورة ص: الآية 76.

9 - سورة الأنعام: الآية 149.

10 - زهر الآداب، ج1، ص132.

11 - أبو يوسف هو يعقوب بن إبراهيم الأنصاري، ولد سنة 113هـ، وتوفي في بغداد سنة 182هـ وكان من أصحاب الحديث ثم غلب عليه الرأي وأخذ الفقه عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ثم عن أبي حنيفة وولي القضاء لهارون الرشيد حتى لقب بقاضي القضاة. وكان يقضي ببغداد سنة 166هـ في أيام خروج الهادي. تحف العقول، ص300، وطبقات الفقهاء، ص113. والإرشاد، ص318.

12 - المناقب، ج3، ص429.

13 - سورة ق: الآية 16.

14 - البحار، ج12، ص283.

15 - البحار، ج4، ص148.

16 - سورة آل عمران: الآية 34.

17 - البحار، ج4، ص147.

18 - الكافي، ج1، ص179.

19 - سورة الفرقان: الآية 46.

20 - المناقب، ج3، ص427.

21 - بحار الأنوار، ج17، ص206.

22 - المناقب، ج2، ص373.

23 - سورة الأعراف: الآية 33.

24 - سورة البقرة: الآية 219.

25 - بحار الأنوار، ج11، ص277.

26 - سورة البقرة: الآية 34.

27 - بحار الأنوار، ج11، ص253.

28 - سورة النجم: الآيتان 8-9.

29 - سورة التوبة: الآية 25.

30 - بحار الأنوار، ج11، ص353.

31 - بحار الأنوار، ج11، ص253.

32 - البحار، ج4، ص248.

33 - سورة طه: الآية 121.

34 - الاحتجاج، ج2، ص158.

35 - سورة البقرة: الآية 34.

36 - اجترم: اكتسب.

37 - الأنوار البهية، ص91.

38 - سورة المؤمنون: الآية 53.

39 - السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، ص89.

40 - نقد الحديث في علم الرواية وعلم الدراية للمؤلف، ج1، ص397.

41 - المصدر نفسه عن قواعد التحديث، ص165.

42 - رجال البرقي بخط الأستاذ الشيخ علي الخاقاني رحمه الله في مكتبته.

43 - جامع الرواة، ج1، ص16، ولسان الميزان، ج1، ص47.

44 - نفسه، ج1، ص44، والنجاشي، ص55.

45 - تنقيح المقال وجامع الرواة.

46 - منهج المقال، ص57.

47 - تنقيح المقال، ج1، ص112.

48 - الفهرست لابن النديم ولسان الميزان، ج1، ص478.

49 - كشف المحجة، والوجيزة.

50 - الوجيزة.

51 - لسان الميزان، ج2، ص84، والتنقيح، ج1، ص179.

52 - النجاشي.

53 - التعليقات، ص16.

54 - لسان الميزان، ج2، ص83.

55 - تنقيح المقال، ج1، ص215.

56 - الفهرست، جامع الرواة، منهج المقال.

57 - منهج المقال، ص92.

58 - النجاشي ـ الكشي.

59 - منهج المقال، ص92.

60 - التنقيح، ج1، ص258.

61 - نفسه، ج1، ص229.

62 - لسان الميزان، ج2، ص225.

63 - الفهرست للشيخ الطوسي، الفهرست لابن النديم، وتنقيح المقال.

64 - الإرشاد.

65 - تنقيح المقال، ج1، ص328 والسهمان اللذان قتل بهما أبوه زيد وأخوه يحيى. والنار هي التي أحرق بها أبوه زيد.

66 - التنقيح، ج1، ص388.

67 - نفسه، ج1، ص391.

68 - نفسه، ج1، ص401.

69 - النجاشي، ص121.

70 - تنقيح المقال، ج1، ص410 وجامع الرواة.

71 - منهج المقال، ص135.

72 - النجاشي، ص124، والفهرست.

73 - الفهرست، قال النجاشي له كتاب.

74 - تنقيح المقال، ج1، 433.

75 - جامع الرواة، ج1، ص332.

76 - النجاشي، ص135.

77 - تنقيح المقال، ج2، ص26، وجامع الرواة، ج1، ص359.

78 - النجاشي، ص146.

79 - النجاشي، ص143، والفهرست.

80 - النجاشي، ص147، والكشي ص277.

81 - النجاشي، ص151.

82 - تنقيح المقال، ج2، ص92.

83 - النجاشي، الكشي، منهج المقال، الفهرست.

84 - النجاشي، ص45 والخلاصة.

85 - تنقيح المقال، ج2، ص136.

86 - تنقيح المقال، ج2، ص176.

87 - جامع الرواة، ج1، ص479، والروضة ج1، ص162، وتنقيح المقال، ج1، ص175.

88 - النجاشي، ص159 وتنقيح المقال، ج2، ص218.

89 - الكشي، ص269، والنجاشي، ص190، وتهذيب التهذيب، ج7، ص293.

90 - تنقيح المقال، ج2، ص288.

91 - النجاشي، ص194.

92 - الكشي، ص212، والنجاشي، ص217، راجع سورة آل عمران: الآية 68.

93 - الفهرست، لابن النديم، ص328، والفهرست للشيخ الطوسي.

94 - الكشي، ص270.

95 - النجاشي، ص232.

96 - النجاشي، ص240.

97 - تنقيح المقال، ج2، ص6.

98 - النجاشي، ص242.

99 - رجال ابن داود.

100 - الكافي للشيخ الكليني.

101 - النجاشي، ص276.

102 - نفسه، ص286.

103 - الكشي، ص364، والنجاشي، ص250-251.

104 - النجاشي، ص251.

105 - تنقيح المقال، ج3، ص132.

106 - تنقيح المقال، ج3، ص203.

107 - النجاشي، ص325.

108 - النجاشي، ص325.

109 - شرح توحيد المفضل، ص17.

110 - الإرشاد للشيخ المفيد.

111 - تنقيح المقال، ج3، ص237، وشرح توحيد المفضل، ص17، والإرشاد، والنجاشي، ص226,

112 - النجاشي، ص323، والبلغة، والخلاصة، ورجال ابن داود.

113 - النجاشي، ص319.

114 - النجاشي، ص333، والإرشاد، والغيبة، والكشي.

115 - النجاشي، ص335،والخلاصة، والكشي.

116 - الكشي، والوجيزة، والبلغة.

117 - تنقيح المقال، ج3، ص304.

118 - النجاشي، ص341.

119 - تنقيح المقال وتأسيس الشيعة، ص360.

120 - تأسيس الشيعة، ص360.

121 - تاريخ الإسلام للذهبي، ج5، ص56، وفرق الشيعة، ص6 و9 وتاريخ ابن كثير.

122 - هشام بن الحكم، ص55.

123 - تنقيح المقال.

124 - الفهرست، ص263.

125 - الفصول المختارة، ج1، ص24، وعيون الأخبار، ج2، ص15.

126 - الكشي، ص165-184.

127 - بحار الأنوار، ج11، ص291-292.

128 - هشام بن الحكم، ص221.

129 - الفهرست، ص264.

130 - الفهرست، ص264.

131 - النجاشي، ص338.

132 - النجاشي، ص346، والخلاصة، والحاوي، والبلغة.

133 - النجاشي، ص346، والحاوي، والفهرست، والوجيزة.

134 - منهج المقال، ص374، وتنقيح المقال، ج3، ص326.

135 - النجاشي، ص348.

136 - الكشي، ص301.

137 - نفسه.

138 - الفهرست، ص323.

139 - الخلاصة.

140 - ذكر هذه الكتب ابن النديم في الفهرست، ص323 وذكرها النجاشي.

141 - النجاشي، ص349.

142 - الفهرست للشيخ الطوسي.

143 - الكشي، ص304.

144 - تنقيح المقال، ج3، ص339.

145 - الكشي، ص302.

146 - سورة النساء: الآية 69.

147 - النجاشي، ص348.

148 - الإرشاد.

149 - تنقيح المقال، ج3، ص17.

150 - النجاشي، ص354.

151 - تنقيح المقال، ج3، ص39.

152 - سورة الإسراء: الآية 15.

153 - سورة الكهف: الآيتان 103-104.