فهرس الكتاب

 

وصايا

وصية إلى أمير المؤمنين (1)

يا عليّ! قد بعثتك وأنا بك ضنين، فلا تدعنّ حقاً لغد فإن لكل يوم ما فيه، وابرز للنّاس وقدّم الوضيع على الشريف، والضعيف على القويّ، والنّساء قبل الرجال، ولا تدخلنّ أحداً يغلبك على أمرك، وشاور القرآن فإنّه أمامك.

يا علي(2)! من كظم غيظاً وهو يقدر على إمضائه أعقبه الله تعالى يوم القيامة أمناً، وإيماناً يجد طعمه.

يا عليّ! أفضل الجهاد من أصبح ولم يهمّ بظلم أحد.

يا عليّ! من خاف الناس لسانه فهو من أهل النار.

يا عليّ! شرّ النّاس من أكرمه النّاس اتّقاء شرّه.

يا عليّ! شارب الخمر كعابد الوثن.

يا عليّ! شرّ النّاس من باع آخرته بدنياه، وشرّ من ذلك من باع آخرته بدنيا غيره.

يا عليّ! إنّ من اليقين ألاّ تُرضي أحداً بسخط الله، ولا تحمد أحداً على ما آتاك الله، ولا تذمّ أحداً على ما لم يؤتك الله، فإنّ الرزق لا يجرّه حرص حريص، ولا يصرفه كراهة كاره، إن الله بحكمته وفضله جعل الرّوح والفرح في اليقين والرضى، وجعل الهمّ والحزن في الشّك والسخط.

يا عليّ! إذا ولد لك غلام أو جارية فأذّن في أذنه اليمنى، وأقم في اليسرى، فإنه لا يضره الشيطان أبداً.

يا عليّ! لا تحلف بالله كاذباً ولا صادقاً من غير ضرورة، ولا تجعل الله عرضة ليمينك، فإن الله لا يرحم ولا يرعى من حلف باسمه كاذباً.

يا عليّ! إذا رأيت هالكة فقل: اللهم بحق محمد وآل محمد. قال عليّ: قلت يا رسول الله (تلقى آدم من ربه كلمات) ما هذه الكلمات؟ قال:

يا عليّ! إن الله أهبط آدم بالهند، وأهبط حواء بجدّة، والحيّة بأصبهان، وإبليس بسمنان، ولم يكن في الجنة شيء أحسن من الحية والطاووس، وكان للحية ٍقوائم كقوائم البعير، فدخل إبليس جوفها فغرّ آدم وخدعه، فغضب الله على الحيّة وألقى عنها قوائمها، وقال: جعلت رزقك التراب، وجعلتك تمشين على بطنك، لا رحم الله من رحمك؛ وغضب على الطاووس لأنّه كان دلّ إبليس على الشجرة، فمسح منه صوته ورجليه، فمكث آدم بالهند مائة عام لا يرفع رأسه إلى السماء، واضعاً يده على رأسه، يبكي على خطيئته، فبعث الله جبرائيل فقال: يا آدم! الربّ عز وجل يقرئك السّلام، ويقول: يا آدم ألم أخلقك بيدي؟ ألم أنفخ فيك روحي؟ ألم أسجد لك الملائكة؟ ألم أزوّجك حواء أمتي؟ ألم أسكنك جّنّتي؟ فما هذا البكاء؟ يا آدم! تكلم بهذه الكلمات فإن الله قابل توبتك: (سبحانك لا إله إلاّ أنت، علمت سوءاً وظلمت نفسي، فتب عليّ! إنّك أنت التّوّاب الرحيم).

يا عليّ إذا رأيت حيّة في الطريق فاقتلها، فإنّي قد اشترطت على الجنّ ألاّ يظهروا في صورة الحيّات.

يا عليّ! من لم يقبل المعذرة من متنصّلٍ، صادقاً كان أو كاذباً، لم ينل شفاعتي.

يا عليّ! إن الله عزّ وجل أحب الكذب في الصلاح، وأبغض الصدق في الفساد.

يا عليّ! من ترك الخمر لغير الله، سقاه الله تعالى من رحيق مختوم، فقال عليّ: لغير الله؟ قال: نعم والله صيانةً لنفسه، يشكره الله على ذلك.

يا عليّ! شارب الخمر لا يقبل الله عزّ وجل صلاته أربعين يوماً، وإن مات في الأربعين مات كافراً.

يا عليّ! كل مسكر حرام، وما أسكر كثيره فالجرعة منه حرام.

يا عليّ! تأتي على شارب الخمر ساعة لا يعرف ربّه عزّ وجلّ.

يا عليّ! من لم تنتفع بدينه ولا بدنياه، فلا خير في مجالسته, ومن لم يوجب لك فلا توجب له، ولا كرامة.

يا عليّ! حرّم الله الجنّة على كل فاحش بذيء، لا يبالي بما قال ولا ما قيل له.

يا عليّ! طوبى لمن طال عمره، وحسن عمله.

يا عليّ! لا تمزح فيذهب بهاؤك، ولا تكذب فيذهب نورك، وإيّاك وخصلتين: الضجر والكسل، فإنك إن ضجرت لم تصبر على الحق، وإن كسلت لم تؤدّ حقاً.

يا عليّ! لكلّ ذنب توبة، إلاّ سوء الخلق، فإن صاحبه كلمّا خرج من ذنب دخل في ذنب آخر.

يا عليّ! من استولى عليه الضجر رحلت عنه الراحة.

يا عليّ! إن إزالة الجبال الرواسي، أهون من إزالة مُلك مؤجل لا تنقص أيّامه.

يا عليّ! خلق الله عزّ وجل الجنة في لبنتين: لبنة من ذهب ولبنة من فضّة، وجعل حيطانها الياقوت، وسقفها الزبرجد، وحصاها اللؤلؤ، وترابها الزعفران والمسك الأذفر، ثم قال لها: تكلمي! فقالت: لا إله إلاّ الله الحي القيوم، قد سعد من يدخلني؛ فقال الله جلّ جلاله: (وعزتي وجلالي لا يدخلها مدمن خمر، ولا نمّام، ولا ديّوث، ولا شرطي، ولا مخنّث، ولا نبّاش، ولا عشّار، ولا قاطع رحم، ولا قدريّ).

يا عليّ! آفة الحسب الافتخار.

يا عليّ! من خاف الله عزّ وجل، أخاف منه كل شيء، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء.

يا عليّ! كره الله لأمتي العبث في الصلاة، والمنّ في الصدقة، وإتيان المساجد جنباً، والضحك بين القبور، والتطلع في الدور، والنظر إلى فروج النساء لأنه يورث العمى، وكره الكلام عند الجماع لأنه يورث الخرس، وكره النوم بين العشاءين لأنه يحرم الرزق، وكره الغسل تحت السماء إلا بمئزر، وكره دخول الأنهار إلا بمئزر، فإن فيها سكاناً من الملائكة، وكره دخول الحمام إلا بمئزر، وكره الكلام بين الأذان والإقامة في صلاة الغداة، وكره ركوب البحر في وقت هيجانه، وكره النوم فوق سطح ليس بمحجّر، وقال: من نام على سطح غير محجّر، فقد برئت منه الذمّة، وكره أن ينام الرجل في بيت وحده، وكره أن يغشى الرجل امرأته وهي حائض، فإن فعل وخرج الولد مجنوناً أو به برص فلا يلومنّ إلا نفسه، وكره أن يكلم الرجل مجذوماً، إلا أن يكون بينه وبينه قدر ذراع. وقال (عليه السلام): فرّ من المجذوم فرارك من الأسد، وكره أن يأتي الرجل أهله وقد احتلم، حتى يغتسل من الاحتلام، فإن فعل ذلك وخرج الولد مجنوناً فلا يلومنّ إلا نفسه، وكره التبول على شط نهر جارٍ، وكره أن يُحدث رجل تحت شجرة أو نخلة قد أثمرت، وكره أن يُحدث الرجل وهو قائم، وكره أن ينتعل الرجل وهو قائم، وكره أن يدخل الرجل بيتاً مظلماً إلا بالسراج.

يا عليّ! لا رضاع بعد فطام، ولا يتم بعد احتلام.

يا عليّ! أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله.

يا عليّ! سر سنتين برّ والدتك، سر سنة صل رحمك، سر ميلاً عد مريضاً، سر ميلين شيع جنازة، سر ثلاثة أميال أجب دعوة، سر أربعة أميال زر أخاً في الله، سر خمسة أميال أجب الملهوف، سر ستة أميال انصر المظلوم، وعليك بالاستغفار.

يا عليّ! والله لو أن الوضيع في قعر بئر، لبعث الله عزّ وجل إليه ريحاً ترفعه فوق الأخيار، في دولة الأشرار.

يا عليّ! من انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنة الله، ومن منع أجيراً أجره فعليه لعنة الله، ومن أحدث حدثاً أو آوى محدثاً فعليه لعنة الله، فقيل: يا رسول الله! وما ذلك الحدث؟ قال القتل.

يا عليّ! المؤمن من أمنه المسلمون على أموالهم ودمائهم، والمسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه، والمهاجر من هجر السيئات.

يا عليّ! من أطاع امرأته أكبّه الله عزّ وجل على وجهه في النار.

فقال عليّ (عليه السلام): فما تلك الطاعة؟ قال: يأذن لها في الذهاب إلى الحمامات والعُرُسات والنائحات، ولبس الثياب الرقاق.

يا عليّ! إن الله تبارك وتعالى، قد أذهب بالإسلام نخوة الجاهلية وتفاخرها بآبائها، ألا إن الناس من آدم وآدم من تراب، وأكرمهم عند الله أتقاهم.

يا عليّ! من السحت ثمن الميتة، وثمن الكلب، وثمن الخمر، ومهر الزانية، والرشوة في الحكم، وأجر الكاهن.

يا عليّ! من تعلم علماً ليماري به السفهاء، أو يجادل به العلماء، أو ليدعو الناس إلى نفسه، فهو من أهل النار.

يا عليّ! ما أحد من الأولين والآخرين، إلا وهو يتمنى يوم القيامة أنه لم يعط من الدنيا إلا قوتاً.

يا عليّ! من كذب عليّ متعمداً، فليتبوّأ مقعده من النار.

يا عليّ! إذا مات العبد قال الناس: ما خلّف؟ وقالت الملائكة: ما قدّم؟

يا عليّ! الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.

يا عليّ! موت الفجأة راحة للمؤمن، وحسرة للكافر.

يا عليّ! أوحى الله تبارك وتعالى، إلى الدنيا: اخدمي من خدمني، وأتعبي من خدمك.

يا عليّ! إن الدنيا لو عدلت عند الله تبارك وتعالى جناح بعوضة لما سقي الكافر منها شربة من ماء.

يا عليّ! شرّ الناس من اتهم الله في قضائه.

يا عليّ! أنين المؤمن تسبيح، وصياحه تهليل، ونومه على الفراش عبادة، وتقلبه من جنب إلى جنب جهاد في سبيل الله، يمشي في الناس وما عليه من ذنب.

يا عليّ! لو أهدي إلى كراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لقبلت.

يا عليّ! الإسلام عريان، ولباسه الحياء، وزينته الوفاء، ومروءته العمل الصالح، وعماده الورع، ولكل شيء أساس، وأساس الإسلام محبتّنا أهل البيت.

يا عليّ! ليس على النساء جمعة ولا جماعة، ولا أذان ولا إقامة، ولا عيادة مريض، ولا اتباع جنازة، ولا هرولة بين الصفا والمروة، ولا استلام الحجر، ولا حلق، ولا تولّي القضاء، ولا تُستشار، ولا تذبح إلا عند الضرورة، ولا تجهز بالتلبية، ولا تقيم عند قبر، ولا تسمع الخطبة، ولا تتولّى التزويج بنفسها، ولا تخرج من بيت زوجها إلاّ بإذنه، فإن خرجت بغير إذنه لعنها الله وجبرائيل وميكائيل، ولا تعطي من بيت زوجها شيئاً إلا بإذنه، ولا تبيت وزوجها عليها ساخط وإن كان لها ظالماً.

يا عليّ! سوء الخلق شؤم، وطاعة المرأة ندامة.

يا عليّ! إن كان الشؤم في شيء ففي لسان المرأة.

يا عليّ! نجا المُخِفّون.

يا عليّ! السواك من السّنّة، ومطهوةٌ للفم، ويجلو البصر، ويرضي الرحمن، ويبيّض الأسنان، ويذهب بالحفرة، ويشيد اللّثة، ويشهي الطعام، ويذهب بالبلغم، ويزيد في الحفظ، ويضاعف الحسنات، وتفرح به الملائكة.

يا عليّ! ما بعث الله عزّ وجل نبياً إلاّ وجعل ذرّيته من صلبه، وجعل ذريتي من صلبك، ولولاك ما كانت لي من ذريّة.

يا عليّ! إن عبد المطلب كان لا يستقسم بالأزلام، ولا يعبد الأصنام، ولا يأكل ما ذبح على النصب، ويقول: أنا على دين أبي إبراهيم.

يا عليّ! ثلاثة من حلل الله: رجل زاره أخاه المؤمن في الله، فهو زَوْرُ الله، وحق على الله أن يكرم زوره، ويعطيه ما سأل، ورجل صلى، ثم عقب إلى الصلاة، فهو ضيف الله، وحق على الله أن يكرم ضيفه، والحاج والمعتمر، فهما وفد الله، وحق على الله أن يكرم وفده.

يا عليّ! ثلاث منجيات: تكف لسانك، وتبكي على خطيئتك، ويسعك بيتك.

يا عليّ! ينبغي أن تكون في المؤمن ثماني خصال: وقار عند الهزاهز، وصبر عند البلاء، وشكر عند الرخاء، وقنوع بما رزقه الله عزّ وجل، ولا يظلم الأعداء، ولا يتحامل على الأصدقاء، بدنه منه في تعب، والناس منه في راحة.

يا عليّ! أربع لا تُردّ بدعوة: دعوة إمام عادل، ووالد لولده، والرجل يدعو لأخيه المؤمن بظهر الغيب، والمظلوم، يقول الله عزّ وجل: (وعزتي وجلالي لأنتصرن لك ولو بعد حين).

يا عليّ! ثمانية إن أهينوا فلا يلوموا إلا أنفسهم: الذاهب إلى مائدة لم يُدع إليها، والمتأمّر على رب البيت، وطالب الخير من أعدائه، وطالب الفضل من اللئام، والداخل بين اثنين في سر لم يُدخلاه فيه، والمستخف بالسلطان، والجالس في مجلس ليس له بأهل، والمقبل بالحديث على من لم يسمع منه.

يا عليّ! صلة الرحم تزيد في العمر.

يا عليّ! اثنتا عشرة خصلة ينبغي للمسلم أن يتعلمها على المائدة: أربع منها فريضة، وأربع منها أدب. فأما الفريضة: فالمعرفة بما يأكل، والتسمية، والشكر، والرضا. وأما السنة: فالجلوس على الرجل اليسرى، والأكل بثلاث أصابع، وأن يأكل مما يليه، ومصّ الأصابع. وأما الأدب: فتصغير اللقمة، والمضغ الشديد، وقلة النظر في وجوه الناس، وغسل اليدين.

يا عليّ! كفر بالله العظيم من هذه الأمة عشرة: القتّات، والساحر، والديوث، وناكح المرأة حراماً في دبرها، وناكح البهيمة، ومن نكح ذات محرم، والساعي في الفتنة، وبائع السلاح من أهل الحرب، ومانع الزكاة، ومن وجد سعة فمات ولم يحج.

يا عليّ! لا وليمة إلا في خمس: في عرس، أو خرس، أو عذار، أو وكار، أو ركاز.

يا عليّ! لا ينبغي للعاقل أن يكون ظاعناً إلا في ثلاث: مرمّة لمعاش، أو تزود لمعاد، أو لذة في غير محرم.

يا عليّ! ثلاث من مكارم الأخلاق في الدنيا والآخرة: أن تعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، وتحلم عمن جهل عليك.

يا عليّ! ثلاثة إن أنصفتهم ظلموك: السفلة، وأهلك، وخادمك.

يا عليّ! بادر بأربع قبل أربع: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك.

يا عليّ! ثمانية لا يقبل منهم الصلاة: العبد الآبق حتى يرجع إلى مولاه، والناشز زوجها عليها ساخط، ومانع الزكاة، وتارك الوضوء، والجارية المدركة تصلي بغير خمار، وإمام قوم يصلي بهم وهم له كارهون، والسكران، والزنين، وهو الذي يدافع للبول والغائط.

يا عليّ! أربع من كن فيه بنى الله له بيتاً في الجنة: من آوى اليتيم، ورحم الضعيف، وأشفق على والديه، ورفق بمملوكه.

يا عليّ! ثلاثة لا ينتصفون من ثلاثة: حر من عبد، وعالم من جاهل، وقوي من ضعيف.

يا عليّ! ثلاثة لا تطيقها هذه الأمة: المواساة للأخ في ماله، وإنصاف الناس من نفسه، وذكر الله عزّ وجل على كل حال، وهو(سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) ولكن إذا ورد على ما يحرم عليه، خاف الله عزّ وجل عنده وتركه.

يا عليّ! ثلاث من لقي الله عزّ وجل بهن فهو من أفضل الناس: من أتى الله بما افترض عليه فهو من أعبد الناس، ومن ورع من محارم الله فهو من أورع الناس، ومن قنع بما رزقه الله فهو من أغنى الناس.

يا عليّ! ثلاث من حقائق الإيمان: الإنفاق من الإقتار، وإنصافك الناس من نفسك، وبذل العلم للمتعلم.

يا عليّ! سبع من كنّ فيه فقد استكمل حقيقة الإيمان، وأبواب الجنّة مفتحة له: من أسبغ وضوءه، وأحسن صلاته، وأدّى زكاة ماله، وكفّ غضبه، وسجن لسانه، واستغفر لذنبه، وأدّى النصيحة لأهل بيت نبيّه.

يا عليّ! لعن الله ثلاثة: آكل زاده وحده، وراكب الفلاة وحده، ونائم في بيت وحده.

يا عليّ! ثلاث يتخوف منهن الجنون: التغوط بين القبور، والمشي في خفّ واحد، الرّجل ينام وحده.

يا عليّ! ثلاث من لم يكنّ فيه لم يتم عمله: ورع يحجزه عن معاصي الله، وخلق يداري به الناس، وحلم يرد به جهل الجهّال.

يا عليّ! ثلاث يحسن فيهن الكذب: المكيدة في الحرب، وعدتك زوجتك، والإصلاح بين الناس. وثلاثة مجالستهم تميت القلب: مجالسة الأتراك، ومجالسة الأغنياء، والحديث مع النساء.

يا عليّ! ثلاث فرحات للمؤمن في الدنيا: لقاء الإخوان، وتفطير الصائم، والتهجّد في آخر الليل.

يا عليّ! أنهاك عن ثلاث خصال: الحسد، والحرص، والكبر.

يا عليّ! أربع خصال من الشقاء: جمود العين، وقساوة القلب، وبعد الأمل، وحب الشقاء.

يا عليّ! ثلاث درجات، وثلاث كفّارات، وثلاث مهلكات، وثلاث منجيات. فأمّا الدّرجات: فإسباغ الوضوء في السبرات، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، والمشي بالليل والنهار إلى الجماعات. وأمّا الكفّارات: فإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والتهجد بالليل والناس نيام. وأما المهلكات: فشحّ مطاع، وهوى متّبع، وإعجاب المرء بنفسه. وأمّا المنجيات: فخوف الله في السر والعلانية، والقصد في الغناء والفقر، وكلمة العدل في الرضا والسخط.

يا عليّ! تسعة أشياء تورث النسيان: أكل التفاح الحامض، وأكل الكزبرة، والجبن، وسئور الفأرة، وقراءة كتابة القبور، والمشي بين امرأتين، وطرح القملة، والحجامة في النقرة، والبول في الماء الراكد.

يا عليّ! العيش في ثلاث: دار قوراء، وجارية حسناء، وفرس قبّاء.

يا عليّ! ثلاث يزدن في الحفظ، ويذهبن البلغم: اللبان، والسواك، وقراءة القرآن.

يا عليّ! النّوم أربعة: نوم الأنبياء (عليهم السلام) على أقفيتهم، ونوم المؤمنين على إيمانهم، ونوم الكفار والمنافقين على أيسارهم، ونوم الشياطين على وجوههم.

يا عليّ! أربعة من قواصم الظهر: إمام يعصي الله عزّ وجل ويطاع أمره، وزوجة يحفظها زوجها وهي تخونه، وفقر لا يجد صاحبه مداوياً، وجار سوء في دار مقام.

يا عليّ! ثلاث يقسين القلب: استماع اللهو، وطلب العيد، وإتيان باب السلطان.

يا عليّ! إن عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن؛ وأجراها الله عزّ وجل له في الإسلام: حرّم نساء الآباء على الأبناء، فأنزل الله عزّ وجل: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء)، ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وتصدق به، فأنزل الله عزّ وجل: (واعلموا أنّما غنمتم من شيء فأن لله خمسه)، ولما حفر بئر زمزم سمّاها سقاية الحاج فأنزل الله تبارك وتعالى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر)، وسنّ في القتل مائة من الإبل، فأجرى الله عزّ وجل ذلك في الإسلام، ولم يكن، ولم يكن للطواف عدد عند قريش، فسنّ لهم عبد المطلب سبعة أشواط فأجرى الله سبحانه ذلك في الإسلام.

يا عليّ! أعجب الناس إيماناً، وأعظمهم يقيناً، قوم يكونون في آخر الزمان، لم يلحقوا النبي، وحجب عنهم الحجة، فآمنوا بسواد على بياض.

يا عليّ! لا تصلّ في جلد ما لا يشرب لبنه، ولا يؤكل لحمه، ولا تصلّ في ذات الجيش، ولا في ذات الصلاصل، ولا في ضجنان.

يا عليّ! كل من البيض ما اختلف طرفاه، ومن السمك ما كان له قشر، ومن الطير ما دفّ، واترك منه ما صفّ، وكل من طير الماء ما كانت له قانصة أو صيصية.

يا عليّ! كلّ ذي ناب من السباع، ومخلب من الطير، فحرام لا تأكله.

يا عليّ! لا يقتل والد بولده.

يا عليّ! لا يقبل الله دعاء قلب ساهٍ.

يا عليّ! ليس على زانٍ عقر، ولا حدّ في التعريض، ولا شفاعة في حدّ، ولا يمين في قطيعة رحم، ولا يمين لولد مع والده، ولا لامرأة مع زوجها، ولا لعبد مع مولاه، ولا صمت يوم إلى الليل، ولا وصال في صيام، ولا تعرّب بعد هجرة.

يا عليّ! ركعتان يصليهما العالم، أفضل من ألف ركعة يصليها العابد.

يا عليّ! لا تصوم المرأة تطوعاً إلا بإذن زوجها، ولا يصوم العبد تطوعاً إلا بإذن مولاه، ولا يصوم الضيف تطوعاً إلا بإذن صاحبه.

يا عليّ! صوم يوم الفطر حرام، وصوم يوم الأضحى حرام، وصوم يوم الوصال حرام، وصوم الصمت حرام، وصوم نذر المعصية حرام، وصوم الدهر حرام.

يا عليّ! في الزنا ست خصال: ثلاث منها في الدنيا وثلاث منها في الآخرة. فأما التي في الدنيا: فيذهب بالبهاء، ويعجل الفناء، ويقطع الرزق. وأما التي في الآخرة: فسوء الحساب، وسخط الرحمن، والخلود في النار.

يا عليّ! من منع قيراطاً من زكاة ماله، فليس بمؤمن ولا بمسلم، ولا كرامة.

يا عليّ! الصدقة ترد القضاء الذي قد أبرم إبراماً.

يا عليّ! تارك الزكاة يسأل الله الرجعة إلى الدنيا، وذلك قول الله عز وجل: (حتى إذا جاء أحدهم الموت قال ربّ ارجعون) الآية.

يا عليّ! تارك الحج وهو مستطيع كافر، يقول الله تبارك وتعالى: (ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين).

يا عليّ! من سوّف الحجّ حتى يموت، بعثه الله عزّ وجل يوم القيامة يهودياً أو نصرانياً.

يا عليّ! افتتح بالملح، واختتم بالملح، فإنه شفاء من اثنين وسبعين داء.

يا عليّ! لو قد قمت على المقام المحمود، لشفعت في أبي وعمي وأمي وأخ كان لي في الجاهلية.

يا عليّ! أنا ابن الذبيحين، أنا دعوة أبي إبراهيم.

يا عليّ! العقل ما اكتسب به الجنة، وطلب به رضى الرحمن.

يا عليّ! إن أول خلق خلقه الله عزّ وجل العقل فقال له: أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، فقال: (وعزتي وجلالي، ما خلقت خلقاً هو أحب إلي منك، بك أؤاخذ، وبك أثيب، وبك أعاقب).

يا عليّ! لا صدقة وذو رحم محتاج.

يا عليّ! درهم في الخضاب، خير من ألف درهم ينفق في سبيل الله، وفيه أربع عشرة خصلة: يطرد الريح من الأذنين، ويجلو البصر، ويليّن الخياشيم، ويطيّب النكهة، ويشدّ اللثة، ويذهب بالصنان، ويقل وسوسة الشيطان، وتفرح به الملائكة، ويستبشر به المؤمن، ويغيظ به الكافر، وهو زينة وطيب، ويستحي منه منكر ونكير، وهو براءة له في قبره.

يا عليّ! لا خير في القول إلا مع الفعل، ولا في المنظر إلا مع الخبر، ولا في المال إلا مع الجود، ولا في الصدق إلا مع الوفاء، ولا في الفقه إلا مع الورع، ولا في الصدقة إلا مع النيّة، ولا في الحياء إلا مع الصمت، ولا في الوطن إلا مع الأمن والسرور.

يا عليّ! حرّم من الشاة سبعة أشياء: الدم، والمذاكير، والمثانة، والنخاع، والغدد، والطحال، والمرارة.

يا عليّ! لا تماكس في أربعة أشياء: في شراء الأضحية، والكفن، والنسمة، والكرى إلى مكة.

يا عليّ! ألا أخبركم بأشبهكم بي خلقاً؟ قال: بلى يا رسول الله. قال: أحسنكم خلقاً، وأعظمكم حلماً، وأبرّكم بقرابته، وأشدكم من نفسه إنصافاً.

يا عليّ! أمان لأمتي من الغرق إذا هم ركبوا في السفن فقرأوا (بسم الله الرحمن الرحيم وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون بسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم).

يا عليّ! أمان لأمتي من السرق: (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذلّ وكبّره تكبيراً).

يا عليّ! أمان لأمتي من الهدم: (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراً).

يا عليّ! أمان لأمتي من الهمّ: (لا حول ولا قوة إلا بالله لا ملجأ من الله إلا إليه).

يا عليّ! أمان لأمتي من الحرق: (إنّ وليّي الله الذي نزّل الكتاب وهو يتولى الصالحين وما قدروا الله حقّ قدره).

يا عليّ! من خاف السباع فليقرأ: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم فإن أعرضوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو ربّ العرش العظيم).

يا عليّ! من استصعبت عليه دابته، فليقرأ في أذنها اليمنى: (وله أسلم من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون).

يا عليّ! من كان في بطنه ماء أصفر فكتب على بطنه آية الكرسي، ويشربه فإنه يبرأ بإذن الله تعالى.

يا عليّ! من خاف ساحراً أو شيطاناً فليقرأ: (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبّر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكّرون).

يا عليّ! حق الولد على والده: أن يحسن اسمه، وأدبه، ويضعه موضعاً صالحاً. وحقّ الوالد على ولده: أن لا يسميه باسمه، ولا يمشي بين يديه، ولا يجلس أمامه، ولا يدخل معه الحمام.

يا عليّ! ثلاثة من الوسواس: أكل الطين، وتقليم الأظفار بالأسنان، وأكل اللحية.

يا عليّ! لعن الله والدين حملا ولدهما على عقوقهما.

يا عليّ! يلزم الوالدين من عقوق ولدهما، ما يلزم الولد لهما من عقوقهما.

يا عليّ! رحم الله والدين حملا ولدهما على برّهما.

يا عليّ! من أحزن والديه فقد عقّهما.

يا عليّ! من اغتُيب عنده أخوه المسلم، واستطاع نصره فلم ينصره، خذله الله تعالى في الدنيا والآخرة.

يا عليّ! من كفى يتيماً في نفقته بماله، حتى يستغني، وجبت له الجنة البتة.

يا عليّ! من مسح يده على رأس يتيم ترحّماً، أعطاه الله عزّ وجل بكل شعرة نوراً يوم القيامة.

يا عليّ! لا فقر أشد من الجهل، ولا مال أعود من العقل، ولا وحدة أوحش من العجب، ولا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكفّ عن محارم الله تعالى، ولا حسب كحسن الخلق، ولا عبادة مثل التفكّر.

يا عليّ! آفة الحديث الكذب، وآفة العلم النسيان، وآفة العبادة العزّة, وآفة الجمال الخيلاء، وآفة العلم الحسد.

يا عليّ! أربعة يذهبن ضياعاً: الأكل على الشبع، والسراج في القمر، والزرع في السبخة، والصنيعة إلى غير أهلها.

يا عليّ! من نسي الصلاة عليّ، فقد أخطأ طريق الجنة.

يا عليّ! إياك ونقرة الغراب، وفريسة الأسد.

يا عليّ! لأن أدخل يدي في فم التنين إلى المرفق، أحبّ إلي من أن أسأل من لم يكن ثم كان.

يا عليّ! إنّ أعتى الناس على الله عزّ وجل القاتل غير قاتله، والضارب غير ضاربه، ومن تولى غير مواليه فقد كفر بما أنزل الله عز وجل.

يا عليّ! تختم باليمين، فإنها فضيلة من الله عزّ وجل للمقربين. قال: بم أتختم يا رسول الله؟ قال: بالعقيق الأحمر، فإنه أول جبل أقر لله تعالى بالربوبية، ولي بالنبوة، ولك بالوصية، ولولدك بالإمامة، ولشيعتك بالجنة، ولأعدائك بالنار.

يا عليّ! إن الله عزّ وجل أشرف على الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين، ثم اطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين، ثم اطّلع الثالثة فاختار الأئمة ولدك على رجال العالمين، ثم اطّلع الرابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين.

يا عليّ! إنّي رأيت اسمك مقروناً باسمي في أربعة مواطن، فأنست بالنظر إليه: إنّي بلغت بيت المقدس في معراجي إلى السماء، فوجدت على صخرتها: (لا إله إلا الله، محمّد رسول الله (صلّى الله علّيه وآله)، أيدته بوزيره، ونصرته بوزيره). فقلت لجبرائيل: من وزيري؟ فقال: علي بن أبي طالب. فلمّا انتهيت إلى سدرة المنتهى، وجدت مكتوباً عليها: (إنّي أنا الله، لا إله إلا أنا وحدي، محمّد صفوتي من خلقي، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره). فقلت لجبرائيل: من وزيري؟ فقال: عليّ بن أبي طالب (عليه السلام). فلمّا جاوزت سدرة المنتهى فانتهيت إلى عرش ربّ العالمين، جلّ جلاله، وجدت مكتوباً على قوائمه: (إنّي أنا الله، لا إله إلاّ أنا وحدي، محمّد حبيبي، أيّدته بوزيره ونصرته بوزيره). فلمّا رفعت رأسي وجدت على بطنان العرش مكتوباً: (إنّي أنا الله، لا إله إلا أنا وحدي، محمّد عبدي ورسولي، أيدته بوزيره ونصرته بوزيره).

يا عليّ! إن الله تبارك أعطاني سبع خصال: أنت أول من ينشقّ القبر عنه معي، وأنت أوّل من يقف على الصراط معي، وأنت أوّل من يكسى إذا كسيت، ويحيا إذا حييت، وأنت أول من يسكن معي في علّيّين، وأنت أوّل من يشرب معي من الرحيق المختوم، الذي ختامه مسك.

يا عليّ! إذا رأيت الهلال فكبّر ثلاثاً، وقل: (الحمد لله الذي خلقني وخلقك، وقدّرك منازل، وجعلك آيةً للعالمين).

يا عليّ! إذا نظرت في المرآة فكبّر ثلاثاً وقل: (اللهم كما حسّنت خلقي، فحسّن خلقي).

يا عليّ! إذا أثني عليك في وجهك فقل: (اللهم اجعلني خيراً ممّا يظنّون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون).

يا عليّ! لا تهتم لرزق غدٍ، فإنّ كلّ غد يأتي رزقه.

يا عليّ! إيّاك واللّجاجة، فإنّ أوّلها جهل، وآخرها ندامة.

يا عليّ! عليك بالسّواك، فإنّ السّواك مطهرةٌ للفم، ومرضاة للربّ، ومجلاة للعين، والخلال يحبّبك إلى الملائكة، والملائكة تتأذى بريح فم من لا يتخلّل بعد الطعام.

يا عليّ! ما كرهته لنفسك فاكرهه لغيرك، وما أحببته لنفسك فأحببه لأخيك.

وصية إلى معاذ (3)

يا معاذ! علّمهم كتاب الله، وأحسن أدبهم على الأخلاق الصالحة، وأنزل النّاس منازلهم - خيرهم وشرّهم - وأنفذ فيهم أمر الله، ولا تحاشِ في أمره ولا ماله أحداً، فإنّها ليست بولايتك ولا مالك، وأدّ إليهم الأمانة في كل قليل وكثير، وعليك بالرفق والعفو في غير تركٍ للحق، لقول الجاهل: قد تركت من حق الله، واعتذر إلى أهل عملك من كلّ أمر خشيت أن يقع إليك منه عيب حتى يعذروك، وأمت أمر الجاهلية إلا ما سنّه الإسلام.

وأظهر أمر الإسلام كلّه، صغيره وكبيره، وليكن أكثر همّك الصلاة، فإنها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين، وذكّر الناس بالله واليوم الآخر، واتبع الموعظة، فإنه أقوى لهم على العمل بما يحبّ الله، ثم بثّ فيهم المعلمين، واعبد الله الذي إليه ترجع، ولا تخف في الله لومة لائم.

وأوصيك بتقوى الله وصدق الحديث، وحبّ الآخرة، والجزع من الحساب، ولزوم الإيمان، والفقه والقرآن، وكظم الغيظ، وخفض الجناح.

وإيّاك أن تشتم مسلماً، أو تطيع آثماً، أو تعصي إماماً عادلاً، أو تكذّب صادقاً، أو تصدق كاذباّ، واذكر ربّك عند كل شجر وحجر، وأحدث لكل ذنب توبة، السّر بالسر، والعلانية بالعلانية.

يا معاذ! لولا أنّني أرى ألاّ نلتقي إلى يوم القيامة، لقصّرت في الوصيّة، ولكنّني أرى أن لا نلتقي أبداً، ثم اعلم، يا معاذ، أنّ أحبكم إليّ من يلقاني على مثل الحال التي فارقني عليها.

وصية إلى ابن مسعود (4)

لا تزالون فيها ما عشتم، فأحدثوا لله شكراً. فإنّي قرأت كتاب الله الذي أنزل عليّ وعلى من كان قبلي فما وجدت من يدخلون الجنّة إلاّ الصابرين.

يا بن مسعود! قال الله تعالى: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)(5) (أولئك يجزون الغرفة بما صبروا)(6) (إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون)(7).

يا بن مسعود! قال الله تعالى: (وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً)(8) (أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا)(9) يقول الله تعالى: (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء)(10) (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين)(11).

قلنا: يا رسول الله! فمن الصابرون؟

قال (صلّى الله علّيه وآله): الذين يصبرون على طاعة الله، واجتنبوا معصيته (12)، الذين كسبوا طيباً، وأنفقوا قصداً، وقدموا فضلاً، فأفلحوا وأصلحوا(13).

يا بن مسعود! عليهم الخشوع والوقار والسّكينة والتّفكّر، واللّين والعدل [والتعليم] والاعتبار والتدبير، والتقوى والإحسان والتحرّج، والحبّ في الله والبغض في الله، وأداء الأمانة، والعدل في الحكومة، وإقامة الشهادة، ومعاونة أهل الحق [على المسيء] والعفو عمّن ظلم.

يا بن مسعود! إذا ابتلوا صبروا، وإذا أعطوا شكروا، وإذا حكموا عدلوا، وإذا قالوا صدقوا، وإذا عاهدوا وفوا، وإذا أساءوا استغفروا، وإذا أحسنوا استبشروا (وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً)، و(إذا مرّوا باللغو مروا كراماً)، (والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً). ويقولون للناس حسناً.

يا بن مسعود! والذي بعثني بالحقّ إنّ هؤلاء هم الفائزون(14).

يا بن مسعود! فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، فإنّ النّور إذا وقع في القلب انشرح وانفسح.

فقيل: يا رسول الله! أفهل لذلك من علامة؟

فقال: نعم، التجافي عن دار الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والاستعداد للموت قبل نزوله(15). فمن زهد في الدّنيا قصر أمله فيها، وتركها لأهلها.

يا بن مسعود! قول الله تعالى: (ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)(16) يعني أيكم أزهد في الدنيا إنّها دار الغرور ودار من لا دار له، ولها يجمع من لا عقل له، إنّ أحمق النّاس من طلب الدنيا، قال الله تعالى: (اعلموا أنّما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثمّ يكون حطاماً وفي الآخرة عذاب شديد)(17) وقال تعالى: (وآتيناه الحكم صبيّاً)(18) يعني الزهد في الدنيا، وقال تعالى لموسى (عليه السلام): (يا موسى! لن يتزين المتزيّنون بزينة أزين في عيني من الزهد. يا موسى! إذا رأيت الفقر مقبلاً فقل: مرحباً بشعار الصالحين، وإذا رأيت الغنى مقبلاً فقل: ذنب عجلت عقوبته).

يا بن مسعود [انظر] قول الله تعالى: (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبواباً وسرراً عليها يتكئون وزخرفاً وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين)(19) وقوله: (من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموماً مدحوراً ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً)(20).

يا بن مسعود! من اشتاق إلى الجّنة سارع إلى الخيرات(21)، من خاف النّار ترك الشهوات، ومن ترقّب الموت أعرض عن اللّذّات، ومن زهد في الدّنيا هانت عليه المصيبات.

يا بن مسعود! [اقرأ] قول الله تعالى: (زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا والله عنده حسن المآب)(22).

يا بن مسعود! إن الله اصطفى موسى بالكلام والمناجاة حتى كان يرى خضرة البقل في بطنه من هزله، وما سأل موسى (عليه السلام) حين تولى إلى الظل، إلا طعاماً يأكله من [الـ]جوع.

يا بن مسعود! إن شئت نبّأتك بأمر نوح [نبي الله] (عليه السلام): إنّه عاش ألف سنة إلا خمسين عاماً، يدعو إلى الله، فكان إذا أصبح قال: لا أمسي، وإذا أمسى قال: لا أصبح، وكان لباسه الشعر، وطعامه الشعير، وإن شئت نبّأتك بأمر سليمان (عليه السلام) مع ما كان فيه من الملك، كان يأكل الشعير، ويطعم الناس الحوّارى(23)، وكان لباسه الشعر، وكان إذا جنّه الليل شدّ يده إلى عنقه، فلا يزال قائماً يصلي حتى يصبح، وإن شئت نبأتك بأمر إبراهيم خليل الرّحمن (عليه السلام) كان لباسه الصوف، وطعامه الشعير، وكان إذا جنّه الليل شدّ يده إلى عنقه، فلا يزال قائماً يصلي حتى يصبح، وإن شئت نبأتك بأمر إبراهيم خليل الرّحمن (عليه السلام) كان لباسه الصوف، وطعامه الشعير.

وإن شئت نبأتك بأمر يحيى (عليه السلام)، كان لباسه اللّيف، وكان يأكل ورق الشجر، وإن شئت نبّأتك بأمر عيسى ابن مريم (عليه السلام) فهو العجب، كان يقول: (إدامي الجوع، وشعاري الخوف، ولباسي الصوف، ودابّتي رجلاي، وسراجي بالليل القمر، واصطلائي في الشتاء مشارق الشمس، وفاكهتي وريحاني بقول الأرض ممّا يأكل الوحوش والأنعام، أبيت وليس لي شيء، وأصبح وليس لي شيء، وليس على وجه الأرض أحد أغنى منّي).

يا بن مسعود! كل هذا منهم، يبغضون ما أبغض الله، ويصغّرون ما صغّر الله، ويزهدون مما أزهد الله، وقد أثنى الله عليهم في محكم كتابه:

فقال لنوح: (إنّه كان عبداً شكوراً)(24).

وقال لإبراهيم: (واتخذ الله إبراهيم خليلاً)(25).

وقال لداود (عليه السلام): (إنّا جعلناك خليفة في الأرض)(26).

وقال لموسى (عليه السلام): (وكلّم الله موسى تكليماً)(27).

وقال أيضاً لموسى (عليه السلام): (وقربناه نجياً)(28).

وقال ليحيى (عليه السلام) (وآتيناه الحكم صبياً)(29).

وقال لعيسى (عليه السلام): (يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلاً وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل إذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني...) (30).

وقال: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين) (31).

يا بن مسعود! كل ذلك لما خوّفهم الله في كتابه من قوله: (وإن جهنم لموعدهم أجمعين لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزءٌ مقسومٌ) (32).

وقال تعالى: (وجيء بالنبيين والشهداء وقضى بينهم بالحق وهم لا يظلمون) (33).

يا بن مسعود! النّار لمن ركب محرّماً، والجنة لمن أطاع الله، فعليك بالزهد، فإن ذلك ممّا يباهي الله به الملائكة، وبه يقبل [الله] عليك بوجهه، ويصلّي عليك الجبار (34).

يا بن مسعود! سيأتي من بعدي أقوام يأكلون طيبات الطعام (35) وألوانها، ويركبون الدواب، ويتزيّنون بزينة المرأة لزوجها، ويتبرّجون تبرج النساء، وزيهم زي الملوك الجبابرة، هم منافقون هذه الأمّة في آخر الزمان، شاربو القهوات، لاعبون بالكعاب، راكبون الشهوات، تاركون الجماعات، راقدون عن العتمات، مفرطون في الغدوات، يقول الله تعالى: (فخلف من بعدهم خلفٌ أضاعوا الصّلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً) (36).

يا بن مسعود! مثلهم الدفلى، زهرتها حسنة وطعمها مرّ، كلامهم الحكمة، وأعمالهم داء لا تقبل الدواء: (أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوبٍ أقفالها) (37).

يا بن مسعود! ما ينفع (38) من يتنعم في الدنيا إذا أخلد في النّار؟ (يعلمون ظاهــر مـــن الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غـــافـــلون)(39) يبنون الدور، ويشيدون القصور، ويزخرفون المساجد، ليست همتهم إلاّ الدنيا، عاكفون عليها، معتمدون فيها، آلهتهم بطونهم، قال الله تعالى: (وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون وإذا بطشتم بطشتم جبارين فاتقوا الله وأطيعون) (40) [و] قال الله تعالى: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون)(41). وما هو إلاّ منافق، جعل دينه هواه وإلهه بطنه، كل ما اشتهى من الحلال والحرام لم يمتنع منه، قال الله تعالى: (وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع) (42).

يا بن مسعود! محاريبهم نساؤهم، وشرفهم الدراهم والدنانير، وهمّهم بطونهم، أولئك [هم] شرّ الأشرار، الفتنة منهم وإليهم تعود.

يا بن مسعود! [اقرأ] قول الله تعـــالى: (أفرأيت إن متّعناهم سنين ثم جــاءهم مـــا كانوا يوعـــدون ما أغنى عنهم ما كانوا يمتّعون) (43).

يا بن مسعود! أجسادهم لا تشبع، وقلوبهم لا تخشع.

يا بن مسعود! الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء! فمن أدرك ذلك الزمان [ممّن يظهر] من أعقابكم، فلا يسلّم عليهم في ناديهم، ولا يشيّع جنائزهم، ولا يعد مرضاهم، فإنّهم يستنّون بسنّتكم، ويظهرون بدعواكم، ويخالفون أفعالكم، فيموتون على غير ملّتكم، أولئك ليسوا منّي ولست منهم (44).

يا بن مسعود! لا تخافنّ أحداً غير الله، فإنّ الله تعالى يقول: (أين ما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة) (45) ويقول: (يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً فضرب بينهم بسور باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم تكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاءكم أمر الله وغركم بالله الغرور فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كـــفروا مأواكم النار هــي مولاكم وبئس المصــــير)(46).

يا بن مسعود! عليهم لعنة منّي ومن جميع المرسلين والملائكة المقربين، وعليهم غضب الله، وسوء الحساب، في الدنيا والآخرة، وقال الله: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون ترى كثيراً منهم يتولون الذين كفروا لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ولكن كثيراً منهم فاسقون) (47).

يا بن مسعود! أولئك يظهرون الحرص الفاحش، والحسد الظاهر، ويقطعون الأرحام، ويزهدون في الخير، وقد قال الله تعالى: (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) (48). وقال تعالى: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً) (49).

يا بن مسعود! يأتي على الناس زمانٌ الصابر [فيه] على دينه، مثل القابض على الجمر بكفّه، فإن كان في ذلك الزمان ذئباً، وإلا أكلته الذئاب.

يا بن مسعود! علماؤهم وفقهاؤهم خونة فجرة، ألا إنهم أشرار خلق الله، وكذلك أتباعهم، ومن يأتيهم، ويأخذ منهم، ويحبهم، ويجالسهم، ويشاورهم، أشرار خلق الله، يدخلهم نار جهنم (صم بكم عمي فهم لا يرجعون) (50)، (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصمّاً مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا) (51)، (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب) (52)، (إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً وهي تفور تكاد تميز من الغيظ)(53)، (كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب الحريق)(54)، (لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون) (55).

يا بن مسعود! يدّعون أنّهم على ديني وسنّتي ومنهاجي وشرائعي، إنّهم منّي برآء وأنا منهم بريء.

يا بن مسعود! لا تجالسوهم في الملأ، ولا تبايعوهم في الأسواق، ولا تهدوهم [إلى] الطريق، ولا تسقوهم الماء، قال الله تعالى: (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون)(56)، ويقول الله تعالى: (ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب) (57).

يا بن مسعود! ما أكثر ما تلقى أمتي منهم العداوة والبغضاء، والجدال، أولئك أذلاء (58) هذه الأمة في دنياهم. والذي بعثني بالحق ليخسفنّ الله بهم، ويمسخهم قردة وخنازير. قال: فبكى رسول الله (صلّى الله علّيه وآله)، وبكينا لبكائه وقلنا: يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال: رحمة للأشقياء، يقول الله تعالى: (ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت وأخذوا من مكان قريب)(59). يعني العلماء والفقهاء.

يا بن مسعود! من تعلم العلم يريد به الدنيا، وآثر عليه حبّ الدنيا وزينتها، استوجب سخط الله عليه، وكان في الدرك الأسفل من النّار، مع اليهود والنصارى، الذين نبذوا كتاب الله تعالى، قال الله تعالى: (فلمّا جاءهـــم ما عـــرفوا كفروا به فلعـــنة الله عـــلى الكافرين) (60).

يا بن مسعود! من تعلم القرآن للدنيا وزينتها، حرّم الله عليه الجنّة.

يا بن مسعود! من تعلم العلم ولم يعمل بما فيه، حشره الله يوم القيامة أعمى. ومن تعلم العلم رئاءً وسمعة، يريد به الدنيا، نزع الله بركته، وضيّق عليه معيشته، ووكله الله إلى نفسه، ومن وكله الله إلى نفسه فقد هلك، قال الله تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً) (61).

يا بن مسعود! فليكن جلساؤك الأبرار، وإخوانك الأتقياء والزهاد، لأن الله تعالى قال في كتابه: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) (62).

يا بن مسعود! اعلم أنهم يرون المعروف منكراً والمنكر معروفاً، ففي ذلك يطبع الله على قلوبهم، فلا يكون فيهم الشاهد بالحق، ولا القوّامون بالقسط، قال الله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين) (63).

يا بن مسعود يتفاضلون بأحسابهم وأموالهم، يقول الله تعالى: (وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى) (64).

يا بن مسعود! عليك بخشية الله تعالى وأداء الفرائض، فإنّه يقول: (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) (65). ويقول: (رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه) (66).

يا بن مسعود! دع عنك ما لا يغنيك وعليك بما يغنيك، فإن الله تعالى يقول: (لكل امرئ يومئذ شأن يغنيه) (67).

يا بن مسعود! إيّاك أن تدع طاعة الله، وتقصد معصيته شفقة على أهلك، لأن الله تعالى يقول: (يا أيّها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً إن وعــد الله حق فلا تغـــرنكم الحياة الدنيا ولا يغـــرنكم بالله الغــــرور) (68).

يا بن مسعود! احذر الدنيا ولذّاتها، وشهواتها، وزينتها، وأكل الحرام، والذهب والفضة، والركب (69) والنّساء، فإنّه سبحانه يقول: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد) (70).

يا بن مسعود! لا تغترّنّ بالله، ولا تغترنّ بصلاحك [وعلمك]، وعملك وبرّك وعبادتك.

يا بن مسعود! إذا تلوت كتاب الله تعالى، فأتيت على آية فيها أمر ونهي، فردّدها نظراً واعتباراً فيها، ولا تسه عن ذلك، فإن نهيه يدل على ترك المعاصي، وأمره يدل على [عمل] البرّ والصلاح، فإن الله تعالى يقول: (فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون) (71).

يا بن مسعود! لا تحقرنّ ذنباً، ولا تصغرنه، واجتنب الكبائر، فإن العبد إذا نظر يوم القيامة إلى ذنوبه، دمعت عيناه قيحاً ودماً، يقول الله تعالى: (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوءٍ تود لو أن بينها وبينه أمداً بعيداً) (72).

يا بن مسعود! إذا قيل لك: اتق الله، فلا تغضب، فإنّه يقول: (وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم) (73).

يا بن مسعود! قصّر أملك، فإذا أصبحت فقل: (إنّي لا أمسي) وإذا أمسيت فقل: (إنّي لا أصبح). واعزم على مفارقة الدنيا، وأحب لقاء الله، ولا تكره لقاءه، فإن الله يحب لقاء من يحب لقاءه، ويكره لقاء من يكره لقاءه.

يا بن مسعود! لا تغرس الأشجار، ولا تجر الأنهار، ولا تزخرف البنيان، ولا تتخذ الحيطان والبستان، فإن الله تعالى يقول: (ألهاكم التكاثر) (74).

يا بن مسعود! والذي بعثني بالحق، ليأتي على الناس زمان يستحلون الخمر ويسمونها: النبيذ (75)، عليهم لعنة الله والملائكة والنّاس أجمعين، أنا منهم بريء وهم منّي برآء.

يا بن مسعود! الزاني بأمّه أهون عند الله ممّن يدخل في ماله من الربا مثقال حبة من خردل، ومن شرب المسكر قليلاً كان أو كثيراً، فهو أشد عند الله من آكل الرّبا (76) لأنه مفتاح كل شر.

يا بن مسعود! أولئك يظلمون الأبرار ويصدقون الفجّار، [والفسقة]، الحق عندهم باطل، والباطل عندهم حقّ، هذا كله للدنيا، وهم يعلمون أنّهم على غير حق، ولكن زين الشيطان لهم أعمالهم فصدهم عن السبيل، فهم لا يهتدون. (رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون).

يا بن مسعود! قال تعالى: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين) (77).

يا بن مسعود! إنهم ليعيبون على من يقتدي بسنّتي وبفرائض الله، قال الله تعالى: (فاتخذتموهم سخرياً حتى أنسوكم ذكري وكنتم منهم تضحكون إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون) (78).

يا بن مسعود! إذا عملت عملاً من البر، وأنت تريد بذلك غير الله فلا ترج بذلك منه ثواباً، فإنّه يقول: (فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً) (79).

يا بن مسعود! إذا مدحك النّاس فقالوا: إنّك تصوم النّهار وتقوم الليل، وأنت على غير ذلك، فلا تفرح بذلك، فإن الله تعالى يقول: (لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب أليم) (80).

يا بن مسعود! أكثر من الصالحات والبر، فإن المحسن والمسيء يندمان، يقول المحسن: يا ليتني ازددت من الحسنات، ويقول المسيء: قصرت، وتصديق ذلك قوله تعالى: (ولا أقسم بالنفس اللوامة) (81).

يا بن مسعود! لا تقدم الذنب، ولا تؤخر التوبة، ولكن قدم التوبة وأخر الذنب، فإن الله تعالى يقول في كتابه: (بل يريد الإنسان ليفجر أمامه) (82).

يا بن مسعود! إياك أن تسنّ سنّة بدعة، فإن العبد إذا سنّ سنّة سيئة لحقه وزرها، ووزر من عمل بها، قال الله تعالى: (ونكتب ما قدموا وآثارهم)(83). وقال سبحانه: (ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر) (84).

يا بن مسعود! لا تركن إلى الدنيا ولا تطمئن إليها، فستفارقها عن قليل، فإن الله تعالى يقول: (فأخرجناهم من جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم) (85).

يا بن مسعود! تذكر القرون الماضية (86)، والملوك الجبابرة الذين مضوا، فإن الله يقول: (وعاداً وثمود وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً) (87).

يا بن مسعود! إياك والذنب (88) سرّاً وعلانية، صغيراً وكبيراً، فإن الله تعالى حيثما كنت يراك و(هو معكم أينما كنتم).

يا بن مسعود! اتق الله في السر والعلانية، والبر والبحر، والليل والنهار، فإنه يقول: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا) (89).

يا بن مسعود! اتخذ الشيطان عدوّاً، فإن الله تعالى يقول: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً) (90). ويقول عن إبليس: (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) (91). ويقول: (فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) (92).

يا بن مسعود! لا تأكل الحرام، ولا تلبس الحرام، ولا تأخذ من الحرام، ولا تعص الله، لأن الله تعالى يقول لإبليس: (واستفزز من استطعت منهم بصوتك واجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا)(93) وقال: (فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور) (94).

يا بن مسعود! خف الله في السر والعلانية، فإن الله تعالى يقول: (ولمن خاف مقام ربه جنتان)(95) ولا تؤثرن الحياة الدنيا على الآخرة باللذات والشهوات، فإنه تعالى(96) يقول في كتابه: (فأمّا من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى)(97) يعني الدنيا الملعونة، والملعون ما فيها، إلا ما كان لله.

يا بن مسعود! لا تخوننّ أحداً في مال يضعه عندك، أو أمانة أئتمنت عليها، فإن الله تعالى يقول: (إنّ الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) (98).

يا بن مسعود! لا تتكلم بالعلم إلا بشيء سمعته ورأيته، فإنّ الله تعالى يقول: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا)(99). وقال: (ستكتب شهادتهم ويسألون)(100). وقال: (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) (101). وقال: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) (102).

يا بن مسعود! لا تهتم للرزق (103) فإنّ الله تعالى يقول: (وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها) (104). وقال: (وفي السماء رزقكم وما توعدون) (105). وقال: (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يمسسك بخير فهو على كل شيء قدير) (106).

يا بن مسعود! والذي بعثني بالحق [نبيّاً] إن من يدع الدنيا ويقبل على تجارة الآخرة، فإن الله يتجر له من ورائه، قال الله تعالى: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار)(107) - [فـ] قال ابن مسعود: بأبي أنت وأمي يا رسول الله كيف لي بتجارة الآخرة؟ فقال (صلّى الله علّيه وآله): لا تريحنّ لسانك عن ذكر الله، وذلك أن تقول: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر) فهذه التجارة المربحة، وقال الله تعالى: (يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله) (108).

يا بن مسعود! كلّ ما أبصرته بعينك واستخلاه قلبك، فاجعله لله، فذلك تجارة الآخرة، لأن الله يقول: (ما عندكم ينفد وما عند الله باق) (109).

يا بن مسعود! إذا تكلمت بلا إله إلا الله ولم تعرف حقها فإنه مردود عليك، ولا يزال يقول: لا إله إلا الله إلى أن يرد غضب الله عن العباد (110) حتى إذا لم ينالوا ما ينقص من دينهم، بعد إذ سلمت دنياهم، يقول الله تعالى: (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) (111).

يا بن مسعود! أحبّ الصالحين، فإن المرء مع من أحبّ، فإن لم تقدر على أعمال البر فأحبّ العلماء، فإنه يقول: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً) (112).

يا بن مسعود! إيّاك أن تشرك بالله طرفة عين، وإن نشرت بالمنشار، أو قطعت، أو صلبت، أو أحرقت بالنّار، يقول الله تعالى: (والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم) (113).

يا بن مسعود! اصبر مع الذين يذكرون الله، ويسبحونه، ويهللونه، ويحمدونه، ويعملون بطاعته، ويدعونه بكرة وعشيّاً، فإن الله تعالى يقول: (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم) (114).

يا بن مسعود! لا تختر على الله شيئاً، فإن الله يقول: (ولذكر الله أكبر)(115). ويقول: (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون)(116). ويقول: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان)(117). ويقول: (ادعوني أستجب لكم) (118).

يا بن مسعود! عليك بالسكينة والوقار، وكن سهلاً ليّناً، عفيفاً، مسلماً، تقيّاً، باراً، طاهراً، مطهّراً، صادقاً، خالصاً، سليماً، لبيباً، صالحاً، صبوراً، شكوراً، مؤمناً، ورعاً، عابداً، زاهداً، رحيماً، عالماً، فقيهاً، يقول الله تعالى: (إن إبراهيم لحليم أوّاه منيب)(119). (وعباد الرحمن الّذين يمشون في الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً والّذين يبيتون لربهم سجّداً وقياماً)(120). (وقولوا للنّاس حسناً)(121)، (وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كراماً). [والّذين إذا ذكّروا بآيات ربّهم لم يخرّوا عليها صمّاً وعمياناً) (والّّذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّيّاتنا قرّة أعين واجعلنا للمتّقين إماماً أولئك يجزون الغرفة بما صبروا ويلقون فيها تحيّة وسلاماً خالدين فيها حسنت مستقراً ومقاماً)(122). وقال الله تعالى: (وقد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والّذين هم عن اللّغو معرضون والذين هم للزّكاة فاعلون والّذين هم لفروجهم حافظون إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانكم فإنّهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والّذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والّذين هم على صلواتهم يحافظون أولئك هم الوارثون الّذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون)(123). وقال الله تعالى: (أولئك في جنّات مكرمون)(124). وقال: (إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم)، إلى قوله (أولئك هم المؤمنون حقّاً لهم درجات عند ربّهم ومغفرة ورزق كريم) (125).

يا بن مسعود! لا تحملنّك الشفقة على أهلك وولدك، على الدخول في المعاصي والحرام، فإنّ الله تعالى يقول: (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى بقلب سليم)(126). وعليك بذكر الله والعمل الصالح، فإنّ الله تعالى يقول: (والباقيات الصّالحات خير عند ربّك ثواباً وخير أملاً) (127).

يا بن مسعود! لا تكوننّ ممّن يهدي النّاس إلى الخير، ويأمرهم بالخير، وهو غافل عنه، يقول الله تعالى: (أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم) (128).

يا بن مسعود! عليك بإصلاح السّريرة(129)، فإنّ الله يقول: (يوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون) (130).

يا بن مسعود! عليك بإصلاح السريرة، فإن الله تعالى يقول: (يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر)(131).

يا بن مسعود! احذر يوماً تنشر فيه الصحائف وتظهر فيه الفضائح، فإنه تعالى يقول: (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين)(132).

يا بن مسعود! اخش الله بالغيب كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ويقول الله تعالى: (من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود)(133).

يا بن مسعود! أنصف الناس وانصح الأمة، وارحمهم، فإذا كنت كذلك وغضب الله على أهل بلدة أنت فيها، وأراد أن ينزل عليهم العذاب، نظر إليك فرحمهم بك، يقول الله تعالى: (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) (134).

يا بن مسعود! إياك أن تظهر من نفسك الخشوع والتواضع للآدميين، وأنت فيما بينك وبين ربك مصرّ على المعاصي والذنوب، يقول الله تعالى: (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) (135).

يا بن مسعود! لا تكن ممن يشدد على الناس، ويخفف عن نفسه، يقول الله تعالى: (لم تقولون ما لا تفعلون) (136).

يا بن مسعود! إذا عملت عملاً فاعمل بعلم وعقل، وإيّاك وأن تعمل عملاً بغير تدبر وعلم(137)، فإنه، جل جلاله، يقول: (ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً) (138).

يا بن مسعود! عليك بالصدق، ولا تخرجن من قلبك كذبة أبداً، وأنصف النّاس من نفسك، وأحسن، وادع الناس إلى الإحسان، وصل رحمك، ولا تمكر بالناس، وأوف الناس بما عاهدتهم، فإن الله تعالى يقول: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) (139).

وصية إلى سلمان (140)

إنّ لك في علّتك إذا اعتللت ثلاث خصال: أنت من الله تبارك وتعالى، بذكرٍ، ودعاؤك فيها مستجاب، ولا تدع العلّة عليك ذنباً إلا حطّته، متّعك الله بالعافية، إلى منتها انقضاء أجلك.

وصية إلى أبي ذر (141)

يا أبا ذرّ! اعبد الله كأنّك تراه، فإن كنت لا تراه فإنّه يراك، واعلم أن أوّل عبادة الله المعرفة به، فهو الأول قبل كل شيء فلا شيء قبله، والفرد فلا ثاني له، والباقي لا إلى غاية، فاطر السماوات والأرض، وما فيهما وما بينهما من شيء، وهو الله اللطيف الخبير، وهو على كل شيء قدير، ثم الإيمان بي، والإقرار بأن الله تعالى أرسلني إلى الناس كافة، بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، ثم حبّ أهل بيتي، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

واعلم يا أبا ذر أنّ الله عزّ وجل جعل أهل بيتي في أمتي كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن رغب عنها غرق، ومثل باب حطة في بني إسرائيل، من دخلها كان آمناً.

يا أبا ذرّ! احفظ ما أوصيتك به، تكن سعيداً في الدنيا والآخرة.

يا أبا ذرّ! نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ.

يا أبا ذرّ! إيّاك والسؤال فإنّه ذلّ حاضر، وفقر تتعجّله، وفيه حساب طويل يوم القيامة.

يا أبا ذرّ! تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتدخل الجنّة وحدك، يسعد بك قوم من أهل العراق، يتولون غسلك وتجهيزك ودفنك.

يا أبا ذرّ! اعبد الله كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك.

يا أبا ذرّ! اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.

يا أبا ذرّ! إيّاك والتسويف بأملك، فإنّه بيومك ولست بما بعد، فإن يك غد لك فكن في الغد كما كنت في اليوم، وإن لم يكن غدٌ لك لم تندم على ما فرّطت في اليوم.

يا أبا ذرّ! كم من مستقبل يوماً لا يستقبله، ومنتظر غداً لا يبلغه.

يا أبا ذرّ! كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك.

يا أبا ذرّ! إن الله تبارك وتعالى، إذا أراد بعبد خيراً، جعل الذنوب بين عينيه ممثّلة، والإثم عليه ثقيلاً وبيلاً، وإذا أراد بعبد شرّاً أنساه ذنوبه.

يا أبا ذرّ! يقول الله، تبارك وتعال: لا أجمع على عبدي خوفين، ولا أجمع له أمنين، فإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة، وإذا خافني في الدنيا آمنته يوم القيامة.

يا أبا ذرّ! اترك فضول الكلام، وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك.

يا أبا ذرّ! ما من شيء أحقّ بطول السجن من اللسان.

يا أبا ذرّ! أهل الورع والزهد في الدنيا هم أولياء الله حقّاً.

يا أبا ذرّ! لو أنّ النّاس كلّهم أخذوا بهذه الآية لكفتهم: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل لله لكل شيء قدراً) (142).

يا أبا ذرّ! إن الرجل يتكلم بالكلمة في المجلس ليضحكهم بها فتهوى به في جهنم ما بين السماء والأرض.

يا أبا ذرّ! ويلٌ للذي يحدّث فيكذب ليضحك به القوم، ويلٌ له، ويل له، ويل له.

يا أبا ذرّ! إيّاك والغيبة، فإنّ الغيبة أشدّ من الزنا. قلت: يا رسول الله! ولم ذاك بأبي أنت وأمّي؟ قال: لأن الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله عليه. والغيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها.

يا أبا ذرّ! أيّ عرى الإيمان أوثق؟ فقال: الموالاة في الله، والمعاداة في الله، والحبّ في الله، والبغض في الله.

يا أبا ذرّ! لا يدخل الجنّة قتّات، قلت: وما القتّات؟ قال: النّمّام.

يا أبا ذرّ! صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله عزّ وجل في الآخرة.

يا أبا ذرّ! من كان ذا وجهين ولسانين في الدنيا فهو ذو لسانين في النّار.

يا أبا ذرّ! المجالس بالأمانة، وإفشاء سرّ أخيك خيانة، فاجتنب ذلك واجتنب مجلس العشيرة.

يا أبا ذرّ! من أحبّ أن يتمثل له الرجال قياماً، فليتبوأ مقعده من النار.

يا أبا ذرّ! من مات وفي قلبه مثقال ذرّة من كبر، لم يجد رائحة الجنة إلا أن يتوب قبل ذلك.

يا أبا ذرّ! من حمل بضاعته فقد برئ من الكبر - يعني (ما يشتري من السوق) - طوبى لمن صلحت سريرته وحسنت علانيته وعزل من النّاس شرّه. طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله. طوبى لمن طال عمره وحسن عمله فحسن منقلبه، إذ رضي عنه ربّه، وويلٌ لمن طال عمره وساء عمله فساء منقلبه، إذ سخط عليه ربه.

يا أبا ذرّ! لا تسأل بكفّك، وإن أتاك شيء فاقبله.

يا أبا ذرّ! لو نظرت إلى الأجل ومسيره، لأبغضت (143) الأمل وغروره.

يا أبا ذرّ! كن كأنك غريب، أو كعابر سبيل، وعدّ نفسك من أصحاب القبور.

يا أبا ذرّ! إذا أصبحت فلا تحدث نفسك بالمساء. وإذا أمسيت فلا تحدث نفسك بالصباح. وخذ من صحتك قبل سقمك، ومن حياتك قبل موتك، فإنّك لا تدري ما اسمك غداً.

يا أبا ذرّ! إن تدركك الصرعة عند العثرة، فلا تقال العثرة، ولا تمكن من الرجعة. ولا يحمدك من خلّفت بما تركت، ولا يعذرك من تقدم عليه بما اشتغلت به (144).

يا أبا ذرّ! هل ينتظر أحدكم إلا غنى مطغياً، أو فقراً منسياً، أو مرضاً مفسداً، أو هرماً مقعداً (145)، أو موتاً مجهزاً، أو الدجال، فإنه شر غائب ينتظر، أو الساعة، والساعة أدهى وأمرّ. إن شرّ النّاس منزلة عند الله يوم القيامة، عالم لا ينتفع بعلمه، ومن طلب علماً ليصرف [به] وجوه النّاس إليه لم يجد ريح الجنّة.

يا أبا ذرّ! من ابتغى العلم ليخدع به النّاس، لم يجد ريح الجنة.

يا أبا ذرّ! إذا سئلت عن علم لا تعلمه فقل: لا أعلمه، تنج من تبعته، ولا تفت بما لا علم لك به، تنج من عذاب الله يوم القيامة.

يا أبا ذرّ! يطلع قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النّار، فيقولون: ما أدخلكم النّار، وقد دخلنا الجنّة بتأديبكم (146) وتعليمكم؟ فيقولون: إنّا كنّا نأمر بالخير ولا نفعله.

يا أبا ذرّ! إن حقوق الله، جلّ ثناؤه، أعظم من أن يقوم بها العباد، وإن نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد، ولكن أمسوا وأصبحوا تائبين.

يا أبا ذرّ! إنّك في ممر الليل والنهار، في آجال منقوصة، وأعمال محفوظة، والموت يأتي بغتة، ومن يزرع خيراً يوشك أن يحصد خيراً، ومن يزرع شرّاً يوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع مثل ما زرع، لا يسبق بطيء لحظة، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له، ومن أعطي خيراً فالله أعطاه، ومن وقّي شرّاً فالله وقاه.

يا أبا ذرّ! المتّقون سادة. والفقهاء قادة ومجالستهم الزيادة. إن المؤمن ليرى ذنبه كأنّه صخرة يخاف أن تقع عليه، وإن الكافر يرى ذنبه كأنّه ذباب مر على أنفه.

يا أبا ذرّ! إن الله تبارك وتعالى، إذا أراد بعبد خيراً جعل ذنوبه بين عينيه [ممثلة، والإثم عليه ثقيلاً وبيلاً]. وإذا أراد بعبد شرّاً أنساه ذنوبه.

يا أبا ذرّ! لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى من عصيتـ[ـه].

يا أبا ذرّ! إن المؤمن أشد ارتكاضاً من الخطيئة من العصفور حين يقذف به في شركه (147).

يا أبا ذرّ! من وافق قوله فعله، فذاك الذي أصابه حظه، ومن خالف قوله فعله فإنّما يوبق نفسه (148).

يا أبا ذرّ! إن الرجل ليحرم رزقه بالذنب يصيبه.

يا أبا ذرّ! دع ما لست منه في شيء، فلا تنطق بما لا يعنيك، واخزن لسانك كما تخزن ورقك.

يا أبا ذرّ! إن الله، جلّ ثناؤه، ليدخل قوماً الجنّة، فيعطيهم حتى يملّوا، وفوقهم قوم في الدرجات العلى، فإذا نظروا إليهم عرفوهم، فيقولون: هيهات هيهات، إنّهم كانوا يجوعون حين تشبعون، ويظمأون حين تروون (149)، ويقومون حين تنامون، ويسخون حين تخفضون.

يا أبا ذرّ! جعل الله، جل ثناؤه، قرة عيني في الصلاة، وحبب إليّ الصلاة كما حبب إلى الجائع الطعام، وإلى الظمآن الماء، وإن الجائع إذا أكل شبع، وإن الظمآن إذا شرب روي، وأنا لا أشبع من الصلاة.

يا أبا ذرّ! أيما رجل تطوع في يوم وليلة اثنتي عشرة ركعة، سوى المكتوبة، كان له حقاً واجباً بيت في الجنة.

يا أبا ذرّ! إنّك ما دمت في الصلاة فإنّك تقرع باب الملك الجبّار، ومن يكثر قرع باب الملك يفتح له.

يا أبا ذرّ! ما من مؤمن يقوم مصلياً، إلا تناثر عليه البر ما بينه وبين العرش، ووكل به ملك ينادي: يا بن آدم! لو تعلم ما لك في الصلاة ومن تناجي ما انفتلت (150).

يا أبا ذرّ! طوبى لأصحاب الألوية يوم القيامة، يحملونها فيسبقون النّاس إلى الجنّة، ألا هم السابقون إلى المساجد بالأسحار وغير الأسحار.

يا أبا ذرّ! الصلاة عماد الدين، واللسان أكبر، والصدقة تمحو الخطيئة، واللسان أكبر، والصوم جنّة من النّار، واللسان أكبر، والجهاد نباهة (151)، واللسان أكبر.

يا أبا ذرّ! الدرجة في الجنّة فوق الدرجة، كما بين السماء والأرض، وإن العبد ليرفع بصره، فيلمع له نور يكاد يخطف بصره، فيفزع لذلك، فيقول: ما هذا؟ فيقال: هذا نور أخيك، فيقول: أخي فلان؟ كنّا نعمل جميعاً في الدنيا، وقد فضل عليّ هكذا؟ فيقال: إنّه كان أفضل منك عملاً، ثم يجعل في قلبه الرضا حتى يرضى.

يا أبا ذرّ! الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، وما أصبح فيها مؤمن إلا حزيناً، فكيف لا يحزن المؤمن، وقد أوعده الله، جل ثناؤه، أنه وارد جهنم ولم يعده أنّه صادر عنها (152)؟ وليلقين أمراضاً مصيبات، وأموراً تغيظه، وليظلمنّ فلا ينتصر، يبغي ثواباً من الله تعالى، فلا يزال (153) حزيناً، حتى يفارقها، فإذا فارقها أفضى إلى الراحة والكرامة.

يا أبا ذرّ! ما عبد الله عز وجل، على مثل طول الحزن.

يا أبا ذرّ! من أوتي من العلم ما لا يبكيه، لحقيق أن يكون قد أوتي علماً لا ينفعه (154)، إنّ الله نعت العلماء فقال: (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجداً ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولاً ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً) (155).

يا أبا ذرّ! من استطاع أن يبكي فليبك، ومن لم يستطع فليشعر قلبه الحزن وليتباك، إن القلب القاسي بعيد من الله تعالى، ولكن لا يشعرون.

يا أبا ذرّ! إن العبد ليعرض عليه ذنوبه يوم القيامة، فيمن أذنب ذنوبه، فيقول: أما إنّي كنت [خائفاً] مشفقاً، فيغفر له.

يا أبا ذرّ! إن الرجل ليعمل الحسنة، فيتكل عليها، ويعمل المحقرات، حتى يأتي الله وهو عليه غضبان، وإن الرجل ليعمل السيئة فيفرق منها، يأتي آمناً يوم القيامة.

يا أبا ذرّ! إن العبد ليذنب الذنب فيدخل به الجنّة، فقلت: وكيف ذلك، بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: يكون ذلك الذنب نصب عينيه تائباً منه، فارّاً إلى الله عز وجل، حتى يدخل الجنة.

يا أبا ذرّ! الكيس(156) من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من اتّبع نفسه وهواها، وتمنى على الله عز وجل، الأماني.

يا أبا ذرّ! لو أن رجلاً كان له كعمل سبعين نبيّاً لاحتقره(157)، وخشي أن لا ينجو من شرّ يوم القيامة.

يا أبا ذرّ! إن أول شيء يرفع من هذه الأمة: الأمانة والخشوع، حتى تكاد لا ترى خاشعاً.

يا أبا ذرّ! والذي نفس محمّد بيده، لو أنّ الدنيا كانت تعدل عند الله جناح بعوضة أو ذباب، ما سقى الكافر منها شربة [من] ماء.

يا أبا ذرّ! إن الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها، إلا ما ابتغي به وجه الله، وما من شيء أبغض إلى الله تعالى من الدنيا، خلقها ثم عرضها، فلم ينظر إليها، ولا ينظر إليها حتى تقوم الساعة، وما من شيء أحبّ إلى الله من الإيمان به، وترك ما أمر بتركه.

يا أبا ذرّ! إنّ الله تبارك وتعالى، أوحى إلى أخي عيسى (عليه السلام): يا عيسى لا تحب الدنيا، فإني لست أحبها، وأحب الآخرة، فإنّما هي دار المعاد.

يا أبا ذرّ! إن جبرائيل أتاني بخزائن الدنيا، على بغلة شهباء، فقال لي: يا محمد! هذه خزائن الدنيا، ولا تنقصك من حظك عند ربك، فقلت: حبيبي جبرائيل لا حاجة لي بها، إذا شبعت شكرت ربي، وإذا جعت سألته.

يا أبا ذرّ! إذا أراد الله بعبد خيراً فقّهه في الدين، وزهّده في الدنيا، وبصّره بعيوب نفسه.

يا أبا ذرّ! ما زهد عبد في الدنيا إلاّ أنبت الله الحكمة(158) في قلبه، وأنطق بها لسانه، وبصّره [بـ]عيوب الدّنيا، ودائها، ودوائها، وأخرجه منها سالماً إلى دار السلام.

يا أبا ذرّ! إذا رأيت أخاك قد زهد في الدنيا، فاستمع منه، فإنّه يلقن الحكمة(159)، فقلت: يا رسول الله! من أزهد الناس؟ فقال: من لم ينس المقابر والبلى، وترك فضل زينة الدنيا، وآثر ما يبقى على ما يفنى، ولم يعد غداً من أيامه، وعدّ نفسه في الموتى (160).

يا أبا ذرّ! إنّ الله تبارك وتعالى، لم يوح إليّ: أن اجمع المال، ولكن أوحى إليّ: أن (سبح بحمد ربك وكن من الساجدين) (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).

يا أبا ذرّ! إنّي ألبس الغليظ، وأجلس على الأرض، وألعق أصابعي، وأركب الحمار بغير سرج، وأردف خلفي، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي.

يا أبا ذرّ! حب المال والشرف، أذهب لدين الرجل من ذئبين ضاريين في زِرب الغنم (161) فأغارا فيها، حتى أصبحا فماذا أبقيا منها؟ قال: قلت: الخائفون الخاضعون، المتواضعون الذاكرون الله كثيراً، أهم يسبقون الناس إلى الجنة؟ فقال: لا، ولكن فقراء المسلمين، فإنهم [يأتون] يتخطون رقاب الناس، فيقول لهم خزنة الجنّة: قفوا حتى تحاسبوا، فيقولون: بم نحاسب؟ فوالله ما ملكنا فنجور ونعدل، ولا أُفيض علينا فنقبض ونبسط، ولكن عبدنا ربّنا حتى دعانا فأجبنا.

يا أبا ذرّ! إن الدنيا مشغلة للقلوب والأبدان، وإن الله تبارك وتعالى، سألنا عمّا نعمنا في حلاله، فكيف بما نعمنا في حرامه؟

يا أبا ذرّ! إنّي قد دعوت الله جل ثناؤه، أن يجعل رزق من يحبني كفافاً. وأن يعطي من يبغضني كثرة المال والولد.

يا أبا ذرّ! طوبى للزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، الذين اتخذوا أرض الله بساطاً، وترابها فراشاً، وماءها طيباً، واتخذوا كتاب الله شعاراً، ودعاءه دثاراً، يقرضون الدنيا قرضاً.

يا أبا ذرّ! حرث الآخرة العلم الصالح، وحرث الدنيا المال والبنون.

يا أبا ذرّ! إنّ ربي أخبرني، فقال: وعزّتي وجلالي، ما أدرك العابدون درك البكاء، وإني لأبني لهم في الرفيق الأعلى قصراً لا يشركهم فيه أحد، قال: قلت: يا رسول الله! أيّ المؤمنين أكيس(162)؟ قال: أكثرهم للموت ذكراً، وأحسنهم له استعداداً.

يا أبا ذرّ! إذا دخل النور القلب انفسح واتسع (163)، قلت: فما علامة ذلك، بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل نزوله.

يا أبا ذرّ! اتق الله، ولا تُرِ الناس أنّك تخشى الله فيكرموك وقلبك فاجر.

يا أبا ذرّ! ليكن لك في كل شيء نية صالحة، حتى في النوم والأكل.

يا أبا ذرّ! لتعظم جلال الله في صدرك، فلا تذكره كما يذكره الجاهل عند الكلب: (اللهم اخزه) وعند الخنزير (اللهم اخزه).

يا أبا ذرّ! إن لله ملائكة قياماً من خيفة الله، ما رفعوا رؤوسهم حتى ينفخ في الصور النفخة الأخيرة، فيقولون جميعاً: سبحانك [ربّنا] وبحمدك، ما عبدناك كما ينبغي لك أن تعبد.

يا أبا ذرّ! لو كان لرجل عمل سبعين نبيّاً، لاستقلّ عمله، من شدة ما يرى يومئذٍ، ولو أن دلواً من غسلين صبّ في مطلع الشمس، لغلت منه جماجم في مغربها، ولو زفرت جهنم زفرة، لم يبق ملك مقرب، ولا نبي مرسل، إلا خرّ جاثياً على ركبته، يقول: رب [ارحم] نفسي، حتى ينسى إبراهيم إسحاق، ويقول: يا رب أنا خليلك إبراهيم فلا تنسني.

يا أبا ذرّ! لو أن امرأة من نساء أهل الجنة اطلعت من سماء الدنيا في ليلة ظلماء، لأضاءت الأرض أفضل مما يضيئها القمر ليلة البدر، ولوجد ريح نشرها جميع أهل الأرض، ولو أن ثوباً من ثياب أهل الجنّة نشر اليوم في الدنيا، لصعق من ينظر إليه، وما حملته أبصارهم.

يا أبا ذرّ! اخفض صوتك عند الجنائز، وعند القتال، وعند القرآن.

يا أبا ذرّ! إذا تبعت جنازة فليكن عقلك فيها مشغولاً بالتفكر والخشوع، واعلم أنك لاحق به.

يا أبا ذرّ! اعلم أن كل شيء إذا فسد فالملح دواؤه، فإذا فسد الملح فليس له دواء، واعلم أن فيكم خلقين: الضحك من غير عجب، والكسل من غير سهو.

يا أبا ذرّ! ركعتان مقتصرتان في [الـ]ـتفكر، خير من قيام ليلة والقلب ساه.

يا أبا ذرّ! الحق ثقيل مر، والباطل خفيف حلو، وربّ شهوة ساعة توجب حزناً طويلاً.

يا أبا ذرّ! لا يفقه الرجل كل الفقه، حتى يرى النّاس في جنب الله أمثال الأباعر (164) ثم يرجع إلى نفسه فيكون هو أحقر حاقر لها.

يا أبا ذرّ! لا تصيب حقيقة الإيمان، حتى ترى النّاس كلّهم حمقى في دينهم عقلاء في دنياهم.

يا أبا ذرّ! حاسب نفسك قبل أن تحاسب، فهو أهون لحسابك غداً. وزن نفسك قبل أن توزن، وتجهز للعرض الأكبر يوم تعرض لا تخفى [منك] على الله خافية.

يا أبا ذرّ! استح من الله، فإني - والذي نفسي بيده - لا أزال حين أذهب إلى الغائط متقنّعاً بثوبي، أستحي من الملكين اللذين معي.

يا أبا ذرّ! أتحبّ أن تدخل الجنّة؟ قلت: نعم، فداك أبي وأمتي، قال (صلّى الله علّيه وآله): فاقصر من الأمل، واجعل الموت نصب عينيك(165)، واستح من الله حق الحياء، قال: قلت: يا رسول الله! كلّنا نستحي من الله، قال: ليس ذلك الحياء، ولكن الحياء من الله: أن لا تنسى المقابر والبلى، و[تحفظ] الجوف وما وعي، والرأس وما حوى. ومن أراد كرامة الآخرة، فليدع زينة الدنيا، فإذا كنت كذلك، أصبت ولاية الله.

يا أبا ذرّ! يكفي من الدعاء مع البر، ما يكفي الطعام من الملح.

يا أبا ذرّ! مثل الذي يدعو بغير عمل، كمثل الذي يرمي بغير وتر.

يا أبا ذرّ! إن الله يصلح بصلاح العبد ولده، وولد ولده، ويحفظ دويرته، والدور حوله ما دام فيهم.

يا أبا ذرّ! إن ربّك عز وجل، يباهي الملائكة بثلاثة نفر: رجل في أرض قفر فيؤذن ثمّ يقيم ثمّ يصلي، فيقول ربك للملائكة: انظروا إلى عبدي يصلي ولا يراه أحد غيري، فينزل سبعون ألف ملك يصلون وراءه، ويستغفرون له إلى الغد من ذلك اليوم. ورجل قام من الليل فصلى وحده فسجد ونام وهو ساجد، فيقول الله تعالى: انظروا إلى عبدي روحه عندي، وجسده ساجد. ورجل في زحف فرّ أصحابه وثبت وهو يقاتل حتى يقتل.

يا أبا ذرّ! ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض، إلا شهدت له بها يوم القيامة. وما من منزل ينزله قوم إلا وأصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم.

يا أبا ذرّ! ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الأرض تنادي بعضها بعضاً: يا جارة هل مرّ بك من ذكر الله تعالى أو [عبدٍ] وضع جبهته عليك ساجداً لله؟ فمن قائلة: لا، ومن قائلة: نعم، فإذا قالت: نعم اهتزت وانشرحت (166) وترى أن لها الفضل على جارتها.

يا أبا ذرّ! إنّ الله جلّ ثناؤه، لما خلق الأرض وخلق ما فيها من الشجر، لم تكن في الأرض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة، فلم تزل الأرض والشجر كذلك، حتى تكلم فجرة بين آدم بالكلمة العظيمة، قولهم: (اتخذ الله ولداً) فلما قالوها اقشعرت الأرض وذهبت منفعة الأشجار.

يا أبا ذرّ! إن الأرض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحاً.

يا أبا ذرّ! إذا كان العبد في أرض قفر فتوضأ أو تيمم، ثمّ أذن وأقام وصلى أمر الله عز وجل، الملائكة فصفوا خلفه صفاً لا يرى طرفاه، يركعون بركوعه، ويسجدون بسجوده، ويؤمنون على دعائه. يا أبا ذرّ! من أقام ولم يؤذّن، لم يصلّ معه إلا ملكاه اللذان معه.

يا أبا ذرّ! ما من شاب ترك الدنيا وأفنى شبابه(167) في طاعة الله، إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صدّيقاً.

يا أبا ذرّ! الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارين.

يا أبا ذرّ! الجليس الصالح خير من الوحدة، والوحدة خير من جليس السوء. وإملاء الخير خير من السكوت، والسكوت خير من إملاء الشر.

يا أبا ذرّ! لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي، ولا تأكل طعام الفاسقين.

يا أبا ذرّ! أطعم طعامك من تحبّه في الله، وكل طعام من يحبّك في الله عز وجل.

يا أبا ذرّ! إن الله عز وجل، عند لسان كل قائل، فليتق الله امرؤ وليعلم ما يقول.

يا أبا ذرّ! اترك فضول الكلام، وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك.

يا أبا ذرّ! كفى بالمرء كذباً، أن يحدّث بكل ما يسمع.

يا أبا ذرّ! ما من شيء أحقّ بطول السجن من اللسان.

يا أبا ذرّ! ما عمل من لم يحفظ لسانه.

يا أبا ذرّ! لا تكن عيّاباً، ولا مدّاحاً، ولا طعّاناً، ولا ممارياً.

يا أبا ذرّ! ما يزال العبد يزداد من الله بعداً ما ساء خلقه.

يا أبا ذرّ! إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وإكرام حملة القرآن العاملين، وإكرام السلطان المقسط.

يا أبا ذرّ! الكلمة الطيبة صدقة، وكل خطوة تخطوها إلى الصلاة صدقة.

يا أبا ذرّ! من أجاب داعي الله، وأحسن عمارة مساجد الله، كان ثوابه من الله الجنّة، فقلت: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! كيف تعمر مساجد الله؟ قال: لا ترفع فيها الأصوات، ولا يخاض فيها بالباطل، ولا يشترى فيها ولا يباع، فاترك اللغو ما دمت فيها، فإن لم تفعل فلا تلومنّ يوم القيامة إلاّ نفسك.

يا أبا ذرّ! إن الله تعالى يعطيك ما دمت جالساً في المسجد، بكل نفس فيه تنفست درجة في الجنة، وتصلي عليك الملائكة، ويكتب لك بكل نفس تنفست عشر حسنات، ويمحى عنك عشر سيئات.

يا أبا ذرّ! أتعلم في أي شيء أنزلت هذه الآية: (اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون) (168)؟ قلت: لا [أدري]، فداك أبي وأمي، قال: في انتظار الصلاة خلف الصلاة.

يا أبا ذرّ! إسباغ الوضوء في المكاره من الكفّارات، وكثرة الاختلاف إلى المساجد (169)، فذلكم الرباط.

يا أبا ذرّ! يقول الله تبارك وتعالى: إن أحب العباد إليّ المتحابون من أجلي، المتعلقة قلوبهم بالمساجد، والمستغفرون بالأسحار، أولئك إذا أردت بأهل الأرض عقوبة ذكرتهم، فصرفت العقوبة عنهم.

يا أبا ذرّ! كلّ جلوس في المسجد لغو إلا ثلاثاً: قراءة مصلّ، أو ذكر الله، أو سائل عن علم.

يا أبا ذرّ! كن بالعمل بالتقوى، وكيف ينقص عمل يتقبل؟ يقول الله عز وجل: (إنما يتقبل الله من المتقين) (170).

يا أبا ذرّ! لا يكون الرجل من المتقين حتى يحاسب نفسه أشد من محاسبة الشريك شريكه، فيعلم من أين مطعمه؟ ومن أين مشربه؟ ومن أين ملبسه؟ أمن حلال أم من حرام؟

يا أبا ذرّ! من لم يبال من أين يكتسب المال (171) لم يبال الله عز وجل، من أين أدخله النار.

يا أبا ذرّ! من سرّه أن يكون أكرم الناس فليتق الله عز وجل.

يا أبا ذرّ! إنّ أحبكم إلى الله جل ثناؤه، أكثركم ذكراً له، وأكرمكم عند الله عز وجل، أتقاكم له، وأنجاكم من عذاب الله أشدكم له خوفاً.

يا أبا ذرّ! إن المتقين، الذين يتقون من الشيء الذي لا يتقى منه، خوفاً من الدخول في الشبهة.

يا أبا ذرّ! من أطاع الله عز وجل، فقد ذكر الله، وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن.

يا أبا ذرّ! ملاك الدين(172) الورع، ورأسه الطاعة.

يا أبا ذرّ! كن ورعاً، تكن أعبد النّاس، وخير دينكم الورع.

يا أبا ذرّ! فضل العلم خير من فضل العبادة، واعلم أنكم لو صليتم حتى تكونوا كالحنايا(173)، وصمتم حتى تكونوا كالأوتار، ما ينفعكم ذلك إلا بورع.

يا أبا ذرّ! إن أهل الورع والزهد في الدنيا، هم أولياء الله تعالى حقّاً.

يا أبا ذرّ! من لم يأت يوم القيامة بثلاث فقد خسر. قلت: وما الثلاث، فداك أبي وأمي؟ قال: ورع يحجزه عما حرّم الله عز وجل عليه، وحلم يردّ به جهل السفيه، وخلق يداري به الناس.

يا أبا ذرّ! إن سرك أن تكون أقوى النّاس، فتوكل على الله عز وجل، وإن سرك أن تكون أكرم الناس، فاتق الله، وإن سرك أن تكون أغنى الناس، فكن بما في يد الله عز وجل، أوثق منك بما في يدك.

يا أبا ذرّ! لو أنّ الناس كلّهم أخذوا بهذه الآية لكفتهم: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره) (174).

يا أبا ذرّ! يقول الله جلّ ثناؤه: وعزتي وجلالي، لا يؤثر عبدي هواي على هواه، إلا جعلت غناه في نفسه وهمومه في آخرته، وضمنت السماوات والأرض رزقه، وكففت عنه ضيقه(175)، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر.

يا أبا ذرّ! لو أن ابن آدم فرّ من رزقه كما يفرّ من الموت لأدركه كما يدركه الموت.

يا أبا ذرّ! ألا أعلمك كلمات ينفعك الله عز وجل، بهن؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، وإذا سألت فاسأل الله عز وجل، وإذا استعنت فاستعن بالله، فقد جرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة، فلو أن الخلق كلّهم جهدوا أن ينفعوك بشيء لم يكتب لك ما قدروا عليه، ولو جهدوا أن يضرّوك بشيء لم يكتبه الله عليك، ما قدروا عليه، فإن استطعت أن تعمل لله عز وجل، بالرضا في اليقين فافعل، وإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً، وإن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسراً.

يا أبا ذرّ! استغن بغنى الله يغنك الله، فقلت: وما هو يا رسول الله؟ قال (صلّى الله علّيه وآله): غداء يوم وعشاء ليلة(176)، فمن قنع بما رزقه الله فهو أغنى الناس.

يا أبا ذرّ! إن الله عز وجل، يقول: إني لست كلام الحكيم أتقبل، ولكن همه هواه، فإن كان همه هواه فيما أحبّ وأرضى جعلت صمته حمداً لي، وذكراً [ووقاراً] وإن لم يتكلم.

يا أبا ذرّ! إن الله تبارك وتعالى، لا ينظر إلى صوركم، ولا إلى أموالكم [وأقوالكم]، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.

يا أبا ذرّ! التّقوى هاهنا، التقوى هاهنا،، وأشار إلى صدره.

يا أبا ذرّ! أربع لا يصيبهن إلا مؤمن: الصمت وهو أول العبادة، والتواضع لله سبحانه، وذكر الله تعالى في كل حال (177)، وقلة الشيء، يعني قلة المال.

يا أبا ذرّ! همّ بالحسنة وإن لم تعملها، [لـ]ـكيلا تكتب من الغافلين.

يا أبا ذرّ! من ملك ما بين فخذيه، وبين لحييه، دخل الجنّة، قلت: يا رسول الله وإنّا لنؤاخذ بما تنطق به ألسنتنا؟ قال: يا أبا ذر! وهل يكبّ الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم؟ إنك لا تزال سالماً ما سكتّ، فإذا تكلمت كتب الله لك أو عليك.

يا أبا ذرّ! من صمت نجا، فعليك بالصدق، ولا تخرجنّ من فيك كذباً أبداً، قلت: يا رسول الله! فما توبة الرجل الذي كذب متعمداً؟ قال: الاستغفار، والصلوات الخمس، تغسل ذلك.

يا أبا ذرّ! سباب المؤمن (178) فسوق، وقتاله كفر، وأكل لحمه من معاصي الله، وحرمة ماله كحرمة دمه. قلت: يا رسول الله! وما الغيبة؟ قال: ذكرك أخاك بما يكره. قلت: يا رسول الله! فإن كان فيه ذلك الذي يكره؟ قال: اعلم أنك إذا ذكرته بما هو فيه فقد اغتبته، وإذا ذكرته بما ليس فيه فقد بهته (179).

يا أبا ذرّ! من ذبّ عن أخيه المسلم الغيبة، كان حقّاً على الله عز وجل، أن يعتقه من النار.

يا أبا ذرّ! من اغتيب أخوه المسلم، وهو يستطيع نصره فنصره، نصره الله عز وجل، في الدنيا والآخرة، فإن خذله وهو يستطيع نصره، خذله الله في الدنيا والآخرة.

يا أبا ذرّ! صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله عز وجل، في الآخرة.

يا أبا ذرّ! من كان ذا وجهين ولسانين في الدنيا، فهو ذو لسانين في النار.

يا أبا ذرّ! تعرض أعمال أهل الدنيا على الله من الجمعة إلى الجمعة [في] يوم الاثنين والخميس فيستغفر لكل عبد مؤمن، إلا عبداً كانت بينه وبين أخيه شحناء (180)، فيقال: اتركوا عمل هذين حتى يصطلحا.

يا أبا ذرّ! إياك وهجران أخيك، فإن العمل لا يتقبل مع الهجران.

يا أبا ذرّ! من مات وفي قلبه مثقال ذرة من كبر، لم يجد رائحة الجنّة، إلاّ أن يتوب قبل ذلك. فقال رجل: يا رسول الله! إني ليعجبني الجمال، حتى وددت أن علاقة سوطي وقبال نعلي حسن، فهل يرهب على ذلك؟ قال: كيف تجد الكبر؟ أن تترك الحق وتتجاوزه إلى غيره، وتنظر إلى الناس ولا ترى أن أحداً عرضه كعرضك، ولا دمه كدمك.

يا أبا ذرّ! أكثر من يدخل النار المستكبرون. فقال رجل: وهل ينجو من الكبر أحد يا رسول الله؟ قال: نعم، من لبس الصوف، وركب الحمار، وحلب الشاة، وجالس المساكين.

يا أبا ذرّ! من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله عز وجل (181)، إليه يوم القيامة.

يا أبا ذرّ! إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، ولا جناح عليه فيما بينه وبين كعبيه.

يا أبا ذرّ! من رفع ذيله وخصف نعله وعفّر وجهه فقد برئ من الكبر.

يا أبا ذرّ! من كان له قميصان، فليلبس أحدهما وليلبس الآخر أخاه.

يا أبا ذرّ! سيكون ناس من أمتي يولدون في النعيم، ويغذون به، همهم ألوان الطعام والشراب، ويمدحون بالقول، أولئك شرار أمتي.

يا أبا ذرّ! طوبى لمن صلحت سريرته، وحسنت علانيته، وعزل عن الناس شرّه. طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله.

يا أبا ذرّ! البس الخشن من اللباس، والصفيق من الثياب، لئلا يجد الفخر فيك مسلكاً.

يا أبا ذرّ! يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم يرون أن لهم الفضل بذلك على غيرهم، أولئك تلعنهم ملائكة السماوات والأرض.

يا أبا ذرّ! ألا أخبرك بأهل الجنة؟ قلت: بلى يا رسول الله. قال: كل أشعث أغبر، ذي طمرين، لا يؤبه له (182)، لو أقسم على الله لأبره.

قال أبو ذر (رضي الله عنه): ودخلت يوماً على رسول الله (صلّى الله علّيه وآله)، وهو في المسجد جالس وحده، فاغتنمت خلوته، فقال: يا أبا ذرّ! إن للمسجد تحية، قلت: وما تحيته يا رسول الله؟ قال: ركعتان تركعهما، ثم التفت إليه فقلت: يا رسول الله! أمرتني بالصلاة، فما الصلاة؟ قال: الصلاة خير موضوع فمن شاء أقل ومن شاء أكثر.

قلت: يا رسول الله! أيّ الأعمال أحبّ إلى الله عز وجل؟ قال: الإيمان بالله ثم الجهاد في سبيله.

قلت: يا رسول الله! أي المؤمنين أكمل إيماناً؟ قال: أحسنهم خلقاً.

قلت: وأي المؤمنين أفضل؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده.

قلت: وأي الهجرة أفضل؟ قال: من هجر السوء.

قلت: وأي الليل أفضل؟ قال: جوف الليل الغابر (183).

قلت: فأي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت.

قلت: فأي الصوم أفضل؟ قال: فرض مجزئ وعند الله أضعاف ذلك.

قلت: فأي الصدقة أفضل؟ قال: جهد [من] مقلّ إلى فقير في سر.

قلت: وأي الزكاة أفضل؟ قال: أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها.

قلت: وأي الجهاد أفضل؟ قال: ما عقر (184) [فيه] جواده وأريق دمه.

قلت: وأي آية أنزلها الله عليك أعظم؟ قال: آية الكرسي.

قلت: يا رسول الله! فما كانت صحف إبراهيم؟ قال: كانت أمثالها كلها: (أيها الملك المسلط المبتلى! إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها، وإن كانت من كافر أو فاجر فجَوْره على نفسه). وكان فيها أمثال: (وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله، أن يكون له أربع ساعات: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يفكر فيها في صنع الله تعالى، وساعة يحاسب فيها نفسه فيما قدّم وأخر، وساعة يخلو فيها بحاجته من الحلال من المطعم والمشرب. وعلى العاقل أن لا يكون ظاعناً إلا في ثلاث: تزود لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم. وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه، مقبلاً على شأنه، حافظاً للسانه، ومن حسب كلامه من عمله، قلّ كلامه إلا فيما يعنيه).

قلت: يا رسول الله! فما كانت صحف موسى (عليه السلام)؟ قال: كانت عبراً كلها: (عجب لمن أيقن بالنار ثم ضحك، عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح، عجب لمن أبصر الدنيا وتقلبها بأهلها حالاً بعد حال، ثم [هو] يطمئن إليها، عجب لمن أيقن بالحساب غداً ثمّ لم يعمل).

قلت: يا رسول الله! فهل في الدنيا شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى (عليهما السلام)، مما أنزله الله عليك؟ قال: اقرأ يا أبا ذرّ: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلّى بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا - يعني هذه الأربع آيات - لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى) (185).

قلت: يا رسول الله أوصني، قال: أوصيك بتقوى الله فإنّه رأس أمرك كله.

فقلت: يا رسول الله زدني، قال: عليك بتلاوة القرآن، وذكر الله عزّ وجل فإنه ذكر لك في السماء ونور لك في الأرض.

قلت: يا رسول الله زدني، قال: عليك بالجهاد فإنّه رهبانية أمتي.

قلت: يا رسول الله زدني، قال: عليك بالصمت إلا من خير، فإنّه مطردة للشيطان عنك، وعون لك على أمور دينك.

قلت: يا رسول الله زدني، قال: إياك وكثرة الضحك، فإنه يميت القلب، ويذهب بنور الوجه.

قلت: يا رسول الله زدني، قال: انظر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك، فإنه أجدر ألا تزدري نعمة الله عليك (186).

قلت: يا رسول الله زدني، قال: صل قرابتك وإن قطعوك، وأحبّ المساكين وأكثر مجالستهم.

قلت: يا رسول الله زدني، قال: قل الحق وإن كان مراً.

قلت: يا رسول الله زدني، قال: لا تخف في الله لومة لائم.

قلت: يا رسول الله زدني، قال: يا أبا ذرّ ليردك عن الناس ما تعرف من نفسك، ولا تجر عليهم (187) فيما تأتي، فكفى بالرجل عيباً أن يعرف من النّاس ما يجهل من نفسه، ويجور عليهم (188) فيما يأتي. قال: ثمّ ضرب على صدري وقال: يا أبا ذرّ لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف عن المحارم، ولا حسب كحسن الخلق.

 

1- ناسخ التواريخ، الجزء الثالث: إن النبي (صلّى الله علّيه وآله) وجه علياً في بعض الوجوه، فقال له - في بعض ما أوصاه به -:...

2- في كتاب من لا يحضره الفقيه أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): (يا علي أوصيك بوصايا، ما حفظتها تبقى في خير وعافية).

3- تحف العقول: أوصى معاذاً بهذه الوصية لما بعثه إلى اليمن.

4- مكارم الأخلاق ص 519، عن عبد الله بن مسعود، قال: دخلت أنا وخمسة رهط من أصحابنا يوماً على رسول الله (صلّى الله علّيه وآله) وقد أصابتنا مجاعة شديدة، ولم نكن رُزقنا منذ أربعة أشهر إلا الماء واللبن وورق الشجر، فقلنا: يا رسول الله إلى متى نحن على هذه المجاعة الشديدة؟ فقال رسول الله (صلّى الله علّيه وآله):...

5- سورة الزمر آية 10.

6- سورة الفرقان آية 75.

7- سورة المؤمنون آية 111.

8- سورة الدهر آية 12.

9- سورة القصص آية 54.

10- سورة البقرة آية 213.

11- سورة البقرة آية 155.

12- خ ل - وعن معصيته -.

13- خ ل - وأنجحوا -.

14- خ ل - هم الصابرون -.

15- خ ل - قبل نزول الفوت -.

16- سورة هود آية 7. والملك آية 2.

17- سورة الحديد آية 19.

18- سورة مريم آية 13.

19- سورة الزخرف آية 32، 33، 34.

20- سورة الإسراء آية 18، 19.

21- خ ل - في الخيرات - 0

22- سورة آل عمران آية 14.

23- الحُوّارى - بالضم فالتشديد - الدقيق الأبيض.

24- سورة الإسراء آية 3.

25- سورة النساء آية 124.

26- سورة ص آية 25 

27- سورة النساء آية 164 

28- سورة مريم آية 53 

29- سورة مريم آية 13.

30- سورة المائدة آية 109.

31- سورة الأنبياء آية 90.

32- سورة الحجر آية 43، 44.

33- سورة الزمر آية 69.

34- خ ل - عليك الخيار -.

35- خ ل - أطيب الطعام - وفي بعضها - طيب الطعام -.

36- سورة مريم آية 60.

37- سورة محمد آية 24.

38- خ ل - ما يغني -.

39- سورة الروم آية 7.

40- سورة الشعراء آية 129، 130، 131.

41- سورة الجاثية آية 22.

42- سورة الرعد آية 26.

43- سورة الشعراء آية 205، 206، 207.

44- خ ل - ولا أنا منهم -.

45- سورة النساء آية 77.

46- سورة الحديد آية 13 - 15.

47- سورة المائدة آية 78 - 81.

48- سورة الرعد آية 25.

49- سورة الجمعة آية 5.

50- سورة البقرة آية 18.

51- سورة الإسراء آية 97.

52- سورة النساء آية 56.

53- سورة الملك آية 7 - 8.

54- سورة الحج آية 22.

55- سورة الأنبياء آية 100.

56- سورة هود آية 15.

57- سورة الشورى آية 20.

58- خ ل - أولئك الأذلاء -.

59- سورة سبأ آية 50.

60- سورة البقرة آية 89.

61- سورة الكهف آية 110.

62- سورة الزخرف آية 67.

63- سورة النساء آية 134.

64- سورة الليل آية 19، 20، 21.

65- سورة المدثر آية 55.

66- سورة البينة آية 8.

67- سورة عبس آية 37.

68- سورة عبس آية 37.

69- الركب - بالفتح - ركبان الإبل والخيل.

70- سورة آل عمران آية 14، 20.

71- سورة آل عمران آية 24.

72- سورة آل عمران آية 28.

73- سورة البقرة آية 202.

74- سورة التكاثر آية 1.

75- خ ل - ويشربون النبيذ -.

76- خ ل - من آكله - أي من آكل الربا.

77- سورة الزخرف آية 35، 36، 37.

78- سورة المؤمنون آية 112، 113.

79- سورة الكهف آية 105.

80- سورة آل عمران آية 188.

81- سورة القيامة آية 2.

82- سورة القيامة آية 5.

83- سورة يس آية 11.

84- سورة القيامة آية 13.

85- مضمون مأخوذ من الآيات الواردة في سورة الشعراء آية 147، 148، وسورة الدخان آية 24، 25 لا لفظها.

86- خ ل - اذكر القرون الماضية -.

87- سورة الفرقان آية 38.

88- خ ل - انظر أن تدع الذنب -.

89- سورة المجادلة آية 8.

90- سورة فاطر آية 6.

91- سورة الأعراف آية 16.

92- سورة ص آية 85.

93- سورة الإسراء آية 64.

94- سورة لقمان آية 33.

95- سورة الرحمن آية 46.

96- خ ل - فإن الله تعالى -.

97- سورة والنازعات آية 37 - 39.

98- سورة النساء آية 58.

99- سورة الإسراء آية 36.

100- سورة الزخرف آية 19.

101- سورة ق آية 17، 18.

102- سورة ق آية 15.

103- خ ل - لا تهتمن للرزق -.

104- سورة هود آية 6.

105- سورة والذاريات آية 22.

106- سورة الأنعام آية 17.

107- سورة النور آية 37.

108- سورة فاطر آية 29، 30.

109- سورة النحل آية 98.

110- خ ل - من العباد -.

111- سورة فاطر آية 10.

112- سورة النساء آية 69.

113- سورة الحديد آية 18.

114- سورة الكهف آية 27.

115- سورة العنكبوت آية 44.

116- سورة البقرة آية 152.

117- سورة البقرة آية 186.

118- سورة غافر آية 60.

119- سورة هود آية 75.

120- سورة الفرقان آية 64، 65.

121- سورة البقرة آية 83.

122- سورة الفرقان آية 73 - 76.

123- سورة المؤمنون آية 1 - 11.

124- سورة المعارج آية 35.

125- سورة الأنفال آية 2 - 6.

126- سورة الشعراء آية 88، 89.

127- سورة الكهف آية 46.

128- سورة البقرة آية 41.

129- خ ل - عليك بالسرائر -.

130- سورة يس آية 65.

131- سورة الطارق آية 9، 10.

132- سورة الأنبياء آية 47.

133- سورة ق آية 32، 33.

134- سورة هود آية 119.

135- سورة غافر آية 19.

136- سورة الصف آية 2.

137- خ ل - بغير تدبير وعلم -.

138- سورة النحل آية 92.

139- سورة النحل آية 90.

140- ناسخ التواريخ، الجزء الثالث: أوصى رسول الله (صلّى الله علّيه وآله) إلى سلمان الفارسي:...

141- ناسخ التواريخ، الجزء الثالث: من وصايا النبي إلى أبي ذر، عليه الرحمة.

142- سورة الطلاق، آية 2، 3.

143- خ ل - لأنغصت -.

144- يعني واجنب نفسك ألا يدركك الموت حين غفلتك واشتغالك بالدنيا فلا تتمكن من الإقامة والرجعة. ووارثك لا يحمدك بما تركت له. ولا يقبل الله العذر منك باشتغالك بأمور الدنيا.

145- خ ل - أو هرماً مفنداً -. يقال: فند - من باب علم -: خرف وضعف عقله. وأجهز على الجريح: شد عليه وأتم قتله. وجهز الميت: أعد ما يلزمه.

146- خ ل - لفضل تأديبكم -.

147- الارتكاض: الاضطراب، وارتكض الرجل في أمره: تقلب فيه وحاوله. والشرك - كسبب - حبالة الصيد.

148- خ ل - فإنّما يوبخ نفسه -.

149- خ ل - حين تسقون -.

150- ما انفتلت أي ما صرفت وجهك.

151- النباهة: الفطنة والشرف وضد الخمول.

152- قال الله تعالى في سورة مريم آية 72، 72: (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً ثم ننجي الذين اتقوا).

153- خ ل - فما يزال -.

154- خ ل - قد أوتي علم ما لا ينفعه -.

155- سورة الإسراء آية 107 - 109.

156- الكيس: - كسيد - الفطن. الحسن الفهم والأدب.

157- خ ل - لأحقره -.

158- خ ل - أثبت الله الحكمة -.

159- خ ل - فإنه يلقي الحكمة -.

160- خ ل - من الموتى -.

161- ضري بالشيء اعتاده واجترأ عليه: والزرب - بالكسر - موضع المواشي.

162- الأكيس: اسم تفضيل من الكياسة أي الفطانة والظرافة والعقل.

163- خ ل - واستوسع -.

164- الأباعر والأبعرة: جمع بعير - الجمل البازل أو الجذع، للذكر والأنثى، ويطلق أيضاً على كل ما يحمل.

165- خ ل - نصب عينيك -.

166- خ ل - وابتيجت - يقال باج وانباج البرق - لمع وانكشف -.

167- خ ل - يدع الله الدنيا ولهوها ويهرم شبابه - وفي بعض النسخ - وأهرم - بدل يهرم.

168- سورة آل عمران آية 200.

169- خ ل - إلى المسجد - وإسباغ الوضوء: إتمامه وإكماله. وقد مضى هذا الحديث باختلاف.

170- سورة المائدة آية 30.

171- خ ل - اكتسب المال -.

172- خ ل - أصل الدين -.

173- الحنايا - جمع حنية - ما كان منحنياً كالقوس.

174- سورة الطلاق آية 2، 3.

175- خ ل - وكففت عليه ضيقه -.

176- الغداء: طعام الغدوة ويقابله العشاء.

177- خ ل - على كل حال -.

178- خ ل - سباب المسلم -.

179- أي افتريته.

180- الشحناء: العداوة امتلأت منها النفس.

181- خ ل - لا ينظر الله عز وجل -.

182- الطمر - بالكسر - الثوب الخلق -. أبه أبهاً: فطن. أو نسيه ثم تفطن. وهو لا يؤبه له أي لا يلتفت إليه. وفي بعض النسخ: لا يؤبه به.

183- الغابر: الماضي. الباقي.

184- خ ل - من عقر -.

185- سورة الأعلى آية 14 - 19.

186- لا تزدري: أي لا تحتقر ولا تستخف بها.

187- خ ل - ولا تجد عليهم.

188- خ ل - ولا يجد عليهم.