فهرس الكتاب

مكتبة الرسول الأعظم (ص)

 

 

 الباب الثانى

المواجهه بعد الهجره

 

الفصل الاول

الوصول الى يثرب واقامه الدولة

 

الوصول الى يثرب:

نجا النبى من موامره القتل التى خططت لها زعامه بطون قريش، ونجا ايضا من مطارده خيل البطون ورجلها بعد فشل موامره القتل، وتابع رحلته المباركه الى يثرب، وسبقت وصوله اليها انباء هجرته، ونجاته من القتل والمطارده.

 لقد سمع سكان يثرب ومن حولها الكثير الكثير عن رسول‏اللّه واختلفوا بشانه اختلافا كبيرا حتى قبل ان يهاجر اليهم، فمنهم من آمن به واحبه حبا شديدا، وترقب بشوق بالغ قدومه، واعتبر هذا القدوم فاتحه خير وبركه على الجميع.

 ومنهم من فوجى‏ء بدخول الاسلام الى يثرب، ومن سرعه انتشاره، فكره النبى كرها شديدا دون ان يراه، وحكم عليه مزاجيا قبل ان يستمع اليه، وتمنى من كل قلبه لو ان بطون قريش قد تمكنت منه فقتلته شر قتله، ووضعت له ولدينه حدا وبالتالى فقد كره قدومه، واعتبر هذا القدوم شرا مستطيرا.

 وبالرغم من اختلاف يثرب ومن حولها بشان النبى وبشان دينه، الا ان الجميع اعتبروه شخصا مميزا، وبطلا صمد امام ضغوط بطون قريش ال‏23 طوال 13 سنه، ونجا من محاوله قتله، ومن عمليه مطارده البطون له، ويبدو ان الذين بايعوه فى العقبه الكبرى قد نجحوا نجاحا باهرا بالاعداد لقدومه، فتولدت حاله من الانبهار العام، جعلت الجميع يتلهفون على مشاهده الرجل النبى، واخفى الكارهون له ولدينه ولقدومه مشاعرهم بالكره، واظهروا له غير ما ابطنوا، وابدوا كياسه بالغه، وحسن ضيافه، بعد ان اخذوا بحاله الانبهار العام.

 وهكذا خرجت يثرب ومن حولها عن بكره ابيها، ولاول مره فى تاريخها، لتستقبل النبى مظهره له كل مشاعر الاعجاب والاحترام، والفرح بقدومه، وعرض عليه العديد من وجهاء يثرب ان يحل ضيفا عليهم، ومن جمله الذين عرضوا عليه ذلك عبداللّهبن ابى (زعيم المنافقين)، وتنافسوا لينالوا شرف ضيافته، وخرج النبى بحل ادهش المتنافسين على استضافته، وقطع تنافسهم، حيث قرر ان يحل بالمكان الذى تبرك فيه ناقته الماموره.

 

القوى الفاعله فى يثرب عند قدوم النبى اليها:

1- الاوس والخزرج: كانت تسكن يثرب وما حولها قبائل عربيه، اكثرها واهمها على الاطلاق الاوس، والخزرج، وكل قبيله من هاتين القبيلتين ترى ان السياده اذا آلت للقبيله الاخرى منهما فانه حط من قدرها، وانتقاص من كبريائها، ولم تتوصلا مع الزمن الى قاسم مشترك، مما جر عليهما المتاعب والويلات، وغرس فى نفوس المنتسبين اليهما بذور الحسد والتنافس والكراهيه والحقد، فاذا تبنى الاوس موقفا، فالخزرج يتبنون بالضروره الموقف المناقض له، واذا اندفعت الخزرج نحو خير، اندفع الاوس لينالوا اوفره، وانقسمت كل قبيله من هاتين القبيلتين الى بطون متعدده، وجرى تنافس صامت بين هذه البطون لا يقل حده واثرا عن التنافس الذى كان يجرى بين القبيلتين الام.

 كل هذا اوجد حاله من الت‏اكل الداخلى فى المجتمع اليثربى الذى تشكل القبيلتان اسسه وقوامه، وشعورا عميقا بالحاجه الى حل ياتى من خارج يثرب، وسعت كل قبيله منهما لتتبنى هذا الحل، ولتكون لها اليد الطولى بايجاده، وهذا يفسر السرعه الهائله التى انتشر بها الاسلام فى يثرب ومن حولها.

 والخلاصه ان اهم القوى الفاعله فى يثرب يكمن فى الاوس والخزرج.

 2- القبائل اليهوديه: ويسكن المدينه وما حولها مع الاوس والخزرج قبائل يهوديه ارتبطت مع هاتين القبيلتين باحلاف عشائريه، وتعاطت التجاره، واحتكرتها، وتمركزت بها رووس الاموال، وتعاملت بالربا، ومارست اذكاء نار الفتنه بين بطون هاتين القبيلتين، وكونت لنفسها نفوذا هائلا، ولكنها لم تفكر بالسياده على يثرب لاحساسها العميق بانها عنصر اجنبى لا يقبل اليثاربه حكمه، ومن اهم القبائل اليهوديه فى يثرب بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظه.

 وعلى الرغم من ان الاوس والخزرج جميعا عرب، اصلهم واحد الا ان احساسهم بهذا الرباط لا يكاد يذكر بسبب ضراوه الت‏اكل الداخلى، وعنف التنافس واثرهما المدمر.

 ومع ان القبائل اليهوديه كانت تدين بالديانه اليهوديه، وتشعر جميعا بوطاه الغربه، الا ان الرابطه العامه بين هذه القبائل تكاد ان تكون معدومه عمليا بسبب عمق التنافس المادى بين هذه القبائل، بدليل ان رسول‏اللّه(ص) قد هرسها فيما بعد قبيله بعد قبيله وهى تتفرج على بعضها دون ان تحرك ساكنا او تحتج احتجاجا يذكر.

 3- المسلمون الانصار: وهم الذين اسلموا من بطون الاوس والخزرج او تظاهروا بالاسلام، وقد عرفوا جميعا بالانصار، وطبيعه العلاقه بين القبيلتين القائمه على التنافس الحاد والسعى الحثيث الى السبق والفوز والتقدم عجلت بدخول منتسبى القبيلتين معا فى دين الاسلام، حتى لا تسبق قبيله قبيله، او تختص قبيله بالفضل دون الاخرى، ففى فتره يسيره دخل افراد القبيلتين، او تظاهروا بالدخول فلم يعد بامكان اى فرد من افراد هاتين القبيلتين ان يعلن اعتناقه لغير دين الاسلام، وهكذا عم الاسلام اسميا المدينه وما حولها، ولم يبق من هولاء السكان على دينه القديم غير اليهود، ومع هذا اسلمت مجموعه منهم، بمعنى ان سكان يثرب وما حولها دخلوا فى الاسلام او تظاهروا بدخوله طوعا وبدون اكراه.

 وكان للصادقين منهم دور بارز فى نشر الاسلام فى يثرب وفى تهيئه المجتمع اليثربى نفسيا لقبول قياده النبى، وفى خلق حاله الانبهار العام التى دفعت الجميع لاستقباله، وعجلت بانتشار الاسلام، وتكون من هولاء الصادقين فى ما بعد مع من هاجر جيش النبى الذى دانت له العرب، والصادقون موزعون على مختلف بطون قبيلتى الاوس والخزرج.

 والخلاصه ان مسلمى الانصار شكلوا قوه كبرى فاعله وموثره ومتميزه عن غيرها من القوى الفاعله فى يثرب.

 4- المسلمون المهاجرون: وهم الذين اسلموا من سكان مكه، وهاجروا قبل النبى او بعده واستمر تدفقهم على يثرب حتى فتح مكه، وبعد الفتح ادرك الاذكياء من اهل مكه ان الاسلام هو طريق الدنيا وطريق الاخره معا، وان مفتاح ذلك هو موالاه محمد او التظاهر بموالاته وتصديقه، والخلاصه لقد تجمعت فى يثرب قوه فاعله ومتميزه عن غيرها عرفت (بالمهاجرين) وكانت اكثريتها من بطون قريش وبعضهم من الموالى الذين امتحن اللّه قلوبهم للايمان.

5- المنافقون: فوجئت الاغلبيه الساحقه من رجالات يثرب بانتشار الاسلام، وسرعه توغله فى النفوس، مثلما فوجئت بحاله الانبهار العام بشخصيه الرسول، وبقدره الدين الجديد، وقدره نبيه على استقطاب الناس وخلق آليه الاستقطاب.

 واكتشفت ان معارضه النبى او معارضه دينه مجابهه هى بمثابه انتحار سياسى يجر على صاحبه سخط العامه، والعزل التام عن اى دور فى القياده او التوجيه ويخرجه من دائره الضوء.

 وتفتقت ذهنيتهم المريضه عن مبدا خطير قدروا انه الحل الوحيد وهو مبدا: (الاسلام التام فى الظاهر والكفر التام فى الباطن).

 فالمنافق ينطق بالشهادتين، ويعلن بلسانه ان القرآن كلام اللّه، ويسبح، ويصلى، ويصوم ويزكى، وينفق ويتصدق، ويعتمر، ويحج، ويخرج للجهاد مع الرسول، او يعتذر عن الخروج، ويبالغ بالاعتذار اذا تخلف حتى يقبل الرسول عذره، فمن حيث الظاهر هو مسلم من جميع الوجوه.

 لكنه فى قراره نفسه كافر بكل ما جاء به محمد، يكره النبى، ويكره قيادته للمجتمع، يحقد على النبى وعلى اهل بيته، وعلى من يحبهم ويواليهم، ويحب الذين عادوا النبى واهل بيته فيتخذه وليجه له ووليا، ويتربص الفرص لنقض كلمه الاسلام من اصولها.

 لقد ترسخت فكره النفاق، وصارت مشكله النفاق من اعظم المشكلات التى واجهت النبى ومن والاه، حيث عمت هذه الظاهره، المدينه وما حولها، فعبداللّهبن ابى يسكن مع ابنه فى بيت واحد، ومع هذا فالوالد زعيم المنافقين، والابن عبد صالح يوالى اللّه ورسوله، ولقد عبر القرآن عن ذلك خير تعبير قال تعالى: (وممن حولكم من الاعراب منافقون، ومن اهل المدينه مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم)(406)..

 لقد تحول المنافقون الى قوه رهيبه، فقد كثر عددهم حيث شكلوا الاكثريه الساحقه من مجتمع المدينه، ولكن فاعليتهم كانت ملجومه بقياده النبى الحكيمه، وبوجوده المبارك.

 وقبول المسلمين لهذه القياده وكم حاول النبى ان يصلحهم، وان يهديهم سواء السبيل، ولكنهم اختاروا العمى على الهدايه، وذهبت كل المحاولات ادراج الرياح.

 

رقصوا طربا واصلحوا انفسهم!!!

عندما انتقل النبى الى جوار ربه، رقص المنافقون طربا وفرحوا بموته، وفرحوا عندما دب الخلاف بين اتباعه، وكانت سعادتهم لا توصف عندما خرج اهل بيت النبوه من دائره الحدث والتاثير واقصوا عن قياده الامه.

 هنالك اختفت كلمه النفاق وتبخر المنافقون تماما، وكانهم كانوا ينتظرون موته ليصلحوا انفسهم قبل ان يرتد اليك طرفك، وليعلنوا ولاءهم المطلق للسلطه التى خلفت النبى!! ان هذا لشى‏ء عجاب.

 وبعد ان استعرضنا القوى الفاعله فى يثرب عند قدوم النبى، سنبين بما امكن من الايجاز كيف تعامل النبى مع هذه القوى؟

 

الاعلان عن قيام الدوله الاسلاميه:

بعد نجاه النبى من موامره قتله التى خططت لها زعامه بطون قريش، وافلاته من مطارده خيل البطون ورجلها له، تابع رحلته المباركه الى يثرب، ووصلها ووجد سكان يثرب ومن حولها من الاعراب قد خرجوا عن بكره ابيهم ليستقبلوه، وليظهروا او يتظاهروا باظهار فرحتهم بقدومه، بغض النظر عن حقيقه نواياهم، ودوافعهم لهذا الاستقبال والخروج، وبغض النظر عن اختلافهم الكبير بشان النبى كما اسلفنا.

 ومن الموكد ان سكان يثرب ومن حولها، كانوا بواقع الحال احد ثلاثه: 1- فاما مومن صادق يعتبر موالاه النبى وطاعته جزءا من دينه وهذا حال الذين امتحن اللّه قلوبهم للايمان من المهاجرين والانصار، كسعدبن عباده، وسعدبن معاذ، والمقداد، وعماربن ياسر.

 2- واما منافق يتظاهر بالاسلام وبموالاه النبى رغبه او رهبه، ويبطن الكفر بالاسلام والحقد على النبى وآله واوليائه، ويقيم اوثق العلاقات مع اعدائهم كحال عبداللّه بن ابى، واصحاب مسجد الضرار، والذين ت‏امروا على قتل النبى.

 3- واما من اليهود الذين انبهروا بالسرعه التى التف بها اهل المدينه من العرب حول محمد، وادركوا ان محمدا صار سيد المدينه وما حولها، وان لاتباعه الكلمه العليا، وان مصالحهم ونفوذهم تحت رحمه الرجل واتباعه، ومن الحكمه ان يتظاهروا بموالاه محمد الى حين، حرصا على مصالحهم، وتجنبا للسباحه بمعاكسه التيار العام.

 

تقييم الموقف والبروز العملى لاركان دوله المواجهه:

انتهت فتره مراسم الاستقبال، واستقر النبى فى وطنه الجديد (المدينه المنوره وما حولها) وبرزت عمليا اركان دوله المواجهه، وتولى النبى زمام المبادره لتوجيه هذا البروز، وقاد عمليا وبدون ضجه اعلاميه بلوره اركان دوله المواجهه المستقبليه.

 الركن الاول: السلطه او القياده السياسيه: محمد (صلى اللّه عليه وآله وسلم) بالضروره هو اس السلطه، وهو القائد وهو المرجع، فهو الرسول الذى اختاره اللّه تعالى لتبليغ رسالات ربه وعينه وليا واماما وجعل طاعته والقبول بشرعيه قيادته ومرجعيته جزءا لا يتجزا من دين الاسلام، وبالتالى فهو المكلف ببيان القرآن وهو الاعلم، والافهم، والاتقى، والافضل بشهاده اللّه تعالى فمن الطبيعى جدا ان يكون هو القائد وهو الامام، وهو المرجع.

 وقد احيط سكان يثرب علما بالخطوط العريضه للمواجهه التى جرت بين محمد، وبين زعامه بطون قريش خلال مده ال‏13 عاما التى قضاها النبى فى مكه قبل هجرته، وفهموا بان النبى قد اعلن على‏بن ابى طالب وليا لعهده واماما من بعده كما وثقنا.

 فالامام او رئيس السلطه معروف، ونائبه معروف.

 ومن الطبيعى ان يتولى الامام او القائد توزيع الادوار وان يستعين بمن يراه مناسبا لتحقيق الغايه الشرعيه من ظاهره السلطه.

 وقد بينا ان كل سكان المدينه المنوره وما حولها قبلوا بقياده محمد قلبيا او تظاهروا بالقبول، ومحمد ليس مخولا ان يطلع على نوايا شعبه، بل تعامل مع الظاهر، وترك امر البواطن للّه.

 بمعنى ان سكان المدينه وما حولها قد قبلوا وبدون ضغط ولا اكراه بقياده محمد، ومرجعيته.

 الركن الثانى: الشعب: تكون شعب الدوله الجديده من سكان يثرب وما حولها وهم بالضروره احد اربعه اصناف: 1- المسلمون الصادقون الذين هاجروا من مكه الى المدينه (المهاجرون).

 2- المسلمون الصادقون الذين آمنوا من اهل يثرب ومهدوا لقدوم النبى، واعدوا المجتمع اليثربى لتقبل النبى.

 3- المسلمون الذين تظاهروا بالاسلام وموالاه النبى -رغبه او رهبه- وابطنوا الكفر والكراهيه لمحمد ولال محمد ولمن والاهم وهم (المنافقون).

 4- اصحاب المصالح الذين كرهوا قياده محمد، وكرهوا دينه، ولكن حرصا على مصالحهم وحتى لا يسبحوا بمواجهه التيار العام تظاهروا بقبولهم لقياده محمد للمجتمع الجديد وهم اليهود.

 الصنفان الاوليان (المهاجرون والانصار) ظاهرهما كباطنهما مع النبى، ومع القرآن، ومع الدين بلا تردد ظاهرا وباطنا.

 واما الصنفان الثالث والرابع: فظاهرهما مع النبى ومع قيادته للمجتمع وباطنهما كاره لذلك، حاقد عليه، يتربص الفرص لنقضه، ولكنهما لا يظهران الا ودا، بمعنى ان سكان يثرب وما حولها قابلون بقياده محمد، وراضون بها، وبمحض اختيارهم العلنى رضوا ان يكونوا شعب السلطه الجديده، وقبلوا او تظاهروا بالقبول بكافه ترتيبات هذه السلطه.

 وهذا عين ما تمنته كل دوله متحضره طوال التاريخ.

 الركن الثالث: المنظومه الحقوقيه (القانون النافذ): المهاجرون والانصار بالمفهوم الذى وضحناه آنفا، يومنون بان الحل لما ينجم بينهم، وبينهم وبين غيرهم يكمن فى كتاب اللّه وسنه نبيهم.

 فكتاب اللّه، وبيان النبى لهذا الكتاب هما بمثابه المنظومه الحقوقيه او القانون النافذ الذى ينظم العلاقه بين السلطه والامه، او بين افراد الامه وجماعاتها، او بين الكيان السياسى للامه وغيره من الكيانات، ويرسم المسالك لبلوغ الغايات العامه والخاصه.

 والمسلمون المنافقون يتظاهرون بذلك، واصحاب المصالح يعلنون انه لا مانع لديهم من ذلك، وانهم يقبلون بكل الترتيبات التى يضعها محمد.

 بمعنى ان كل افراد الشعب قبلوا او تظاهروا بقبول القياده السياسيه المتمثله بمحمد، وبقبول القانون النافذ المتمثل بالقرآن الكريم، وبفهم النبى له، وبتوجيهات هذا النبى، والتى تعتبر جزءا لا يتجزا من القانون ومن الاسلام معا.

 وهذا اقصى ما تطمح الدول بتحقيقه.

 الركن الرابع: الوطن او الاقليم: المدينه المنوره وما حولها هى اقليم الدوله من حيث المبدا، وهو غير محدد، لان الارض كلها للّه، ومحمد هو رسوله المكلف بتبليغ رسالات ربه الى نبى البشر، وكلما تبلغ فوج من البشريه الرساله، وصدق بها، ووالى نبى اللّه او الامام الشرعى من بعده فيصبح هذا الفوج آليا جزءا من رعايا الدوله، والارض التى يقيم عليه هذا الفوج تغدو جزءا لا يتجزا من اقليم الدوله الاسلاميه.

 فالعبره بالدخول فى دين اللّه، وبموالاه نبيه او القبول بقيادته او قياده الامام الشرعى القائم مقامه، والعبره ان يكون الدخول فى الاسلام والموالاه او التظاهر بهما بدون ضغط ولا اكراه، ومن هنا فان الدوله الاسلاميه معده اصولها لتكون دوله عالميه تسود العالم كله من حيث السلطه، وتضم جماعات الجنس البشرى كلها لتكون شعبا لهذه الدوله، وتنقص الارض من اطرافها لتكون الكره الارضيه اقليما لهذه الدوله.

 

ترتيب اوضاع الدوله وإعدادها للمواجهه:

المواجهه مع بطون قريش قدر محتوم: النبى العظيم متيقن ان نجاته من موامره القتل، وافلاته من مطارده خيل البطون ورجلها لم يضع حدا لحاله المواجهه بينه وبين زعامه بطون قريش.

 وان هذه الزعامه الفاسده لن تقبل بالتطورات الاخيره والتى اسفرت عن ميلاد كيان سياسى جديد فى المدينه المنوره وما حولها برئاسه محمد الذى تعتبره عدوها اللدود.

 وبالتالى فان زعامه البطون لن تعترف بهذا الكيان الجديد باى وجه من الوجوه، ولن تخلى بين محمد وبين العرب، بل ستتابع استغلال نفوذها الادبى عند العرب لتصدهم عن محمد وعن دينه، ولتحرضهم عليه.

 وزياده على ذلك فان زعامه البطون ستتصدى بالذات لمقاومه محمد والصدام معه ومحاوله القضاء عليه وعلى دينه نيابه عن العرب الذين لم يوكلوها بذلك مما يعنى ان استمرار المواجهه وتصعيدها بين النبى ومن والاه، وبين زعامه بطون قريش ومن والاها قدر محتوم، وامر لا ريب فيه.

 فمن الطبيعى والحاله على هذه الشاكله ان يبدا النبى مبكرا باستعداداته لهذه المواجهه، ولمواجهات اخرى محتمله جدا مع فئات اخرى تتعارض مصالحها مع الاسلام ومع نبيه.

 وقد راى (صلى اللّه عليه وآله وسلم) ان اولى اولوياته هو ترتيب الاوضاع الداخليه فى الكيان السياسى الذى وجد نفسه رئيسا له.

 طبيعه شعب المدينه المنوره وما حولها: لكى نفهم التشريعات التى وضعها رسول‏اللّه لترتيب وتنظيم الاوضاع الداخليه لشعب المدينه المنوره وما حولها لا بد من فهم طبيعه تركيبه هذا الشعب الذى وجد النبى نفسه عمليا قائدا له، وهذه التركيبه فى غايه التعقيد والتشابك، بحيث يتعذر على اى رجل فى العالم ان ينجح فى قياده هكذا شعب، او ان يخلق بين افراده وجماعاته حاله من الانسجام والتوافق توهلهم لئن يكونوا طرفا موفقا فى ايه مواجهه جديه.

 فشعب المدينه وما حولها يتكون من مجموعه من البطون القبليه المتميزه تماما عن بعضها، الحريصه على وجودها واستقلالها القبلى بالرغم من ارتباطها برابطه الدم والقرابه باحدى القبيلتين الاعظم الاوس والخزرج، وهذه البطون مسكونه بهواجس التنافس والتحاسد والتكاره.

 اما بقيه شعب المدينه فهم بطون، او عائلات يهوديه استقرت فى المدينه بعد طول ترحال، ولم يفارقها الاحساس بالغربه، ولا الشعور بانها عنصر اجنبى رغم طول الاقامه، وكثره الثروه وتشابك المصالح.

 وقد نشات بين هذه التجمعات القبليه المتنافره تحالفات بين بعض البطون والبعض الاخر، او بين بعض هذه البطون وبعض العائلات اليهوديه فرضتها حاجات واقعيه.

 وجاء الاسلام الى المدينه: واعتنقت كل بطون قبيلتى الاوس والخزرج الاسلام او تظاهرت باعتناقه، ووالت كل بطون الاوس والخزرج رسول‏اللّه بعد هجرته، او تظاهرت بموالاته رغبه او رهبه.

 وهكذا وظاهريا جمعوا بين وحده الدين، ووحده الاصل، ووحده الوطن، ووحده القياده.

 لكن الامور واقعيا كانت مختلفه جدا، فاكثريه الاوس والخزرج لم يعتنقوا الاسلام انما تظاهروا باعتناقه، ولم يوالوا النبى حقا، انما تظاهروا بموالاته، وهذه الاكثريه هى التى عرفت شرعا (بالمنافقين) حيث تعذر عليها ان تبقى على حالها، او تسبح بمواجهه تيار قوى وجارف، فتظاهرت باعتناق الاسلام، وبموالاه النبى، واضمرت الكفر بالاسلام والحقد على النبى.

 واندست مظهره اسلامها وموالاتها للنبى ومبطنه كفرها وحقدها على النبى، تتربص الفرص لنقض كلمه الاسلام من اصولها، وللقضاء على محمد وآله ومن صدق به.

 وليس من المستبعد ان هذه الاكثريه بقيت عاكفه على اصنامها تقدم لها فروض الطاعه، وليس بعيدا ان تكون هذه الفئه بلا دين وبلا خلاق.

 اما بطون اليهود والعائلات اليهوديه فقد كانت اقل مكرا وابعد غورا، فبعضهم اعتنق الاسلام وصدقوا وهم قله، والاكثريه منهم بقيت على دينها، وبنفس الوقت اظهرت قبولها بقياده النبى، وتعاملت بحذر مع الاكثريه المنافقه، وتعاطفت معها.

 وتمنت الاكثريه اليهوديه ان ينجح مخطط المنافقين الرامى الى نقض كلمه الاسلام من اصولها، والقضاء على محمد وآله والمخلصين له، وطبع اللّه على قلوب الفريقين.

 اما الفريق الثالث فهم المومنون الذين امتحن اللّه قلوبهم للايمان من المهاجرين والانصار فقد آمنوا باللّه حقا، وصدقوا رسوله، وصدقوا بموالاتهم له.

 وكانت عقولهم وهواهم مع اللّه ورسوله.

 وبالرغم من قله الفئه المومنه، الا ان اللّه تعالى قد ساعدها بفرض هيبتها، وخلق جوا من الانبهار بوجودها.

 التشابك المذهل: وفوق هذا وذلك وجدت حاله من التشابك العجيب بين تشكيلات شعب المدينه وما حولها، فافراد وبطون الاوس قلبيا مع الذين ينتمون للاوس، وافراد وبطون الخزرج مع المنتسبين للخزرج.

 ومن الممكن تجاهل رابطه الدم، والتنافس بين القبيلتين حقيقه من حقائق الحياه ترسخت نهائيا، لقد خففها الاسلام، لكنه لم يقو على اقتلاعها نهائيا من النفوس.

 والتحالفات بقيت مصانه، وبقيت آثارها.

 ثم ان هنالك ظاهره عجيبه حقا، فقد يكون الاب منافقا ويكون الابن مومنا.

 ومهما تمكن الاسلام من قلب الولد فعسير جدا عليه ان يترك اباه، فعندما كثر الحديث عن ضروره قتل عبداللّهبن ابى عز ذلك على ابنه المومن واستاذن النبى بقتل اباه، حتى لا يقتله غيره ويكون مضطرا لمشاهده قاتل ابيه، فيطمئنه النبى ويوكد له بانه سيحسن صحبته ولن ياذن لاحد بقتله.

 تلك هى الخطوط العريضه: هذه هى الخطوط العريضه لطبيعه المجتمع الذى وجد النبى نفسه قائدا له، وهو مجتمع يتعذر على اى رجل فذ ان ينجح بقيادته وتوحيده لكن النبى موهل الهيا، وهو ذروه الوجود الانسانى.

 فقد كان، ببصيرته الثاقبه وبعون اللّه، على علم كامل بطبيعه التشكيلات البشريه التى يتكون منها شعبه، وهو لم يتوقع بان يحكم شعبا من الملائكه، لذلك عمم ان يتعامل مع الواقع كما هو، وان ينقله بحدود قدرته على الاحتمال، وتدريجيا مما هو كائن الى ما ينبغى ان يكون او لاقرب نقطه مما ينبغى ان يكون.

 على طريق التنظيم: الدستور المكتوب: لترتيب الاوضاع الداخليه لشعب المدينه وما حولها تمهيدا لاعداده للمواجهات، وضع النبى دستورا مكتوبا عرف بالصحيفه، وهو بمثابه عهد من الرسول، وتكون هذا الدستور النبوى من 48 ماده مصاغه صياغه دستوريه من جميع الوجوه.

 وعند الوقوف على المعانى اللغويه للكلمات والمصطلحات التى وردت فى هذا الدستور، وبعد الاطلاع على التشريعات الاسلاميه التى صدرت خلال حياه النبى فيما بعد، وبعد الاحاطه بتفاصيل النظام السياسى الاسلامى، يجد الباحث الموضوعى المتجرد ان هذه الصحيفه التى وضعها رسول‏اللّه لغايات تنظيم المجتمع المدينى واعداده للمواجهه، هى دستور دوله من جميع الوجوه.

 وهى افضل دستور يمكن ان يوضع لترشيد المجتمع المدينى فى هذه المرحله، فقد اختيرت الفاظه لتكون هينه على الاسماع، خفيفه الوقع، توقظ مجتمع المدينه، ولا تهيجه.

 المضمون العام للدستور: يتضمن الدستور ترتيب الاوضاع الداخليه فى مجتمع المدينه وما حولها فى حالتى السلم والحرب، وبيان مجمل لحقوق الجماعات التى تكون المجتمع وواجباتها، وحدد طبيعه العلاقات بين الجماعات المكونه لشعب المدينه، وبين السلطه المتمثله بشخصه الكريم.

 فحافظت كل جماعه على وجودها، واعطيت قدرا كافيا لاداره شوونها وحل اشكالاتها، وعندما يتعذر عليها الحل فالمرجع هو رسول‏اللّه.

 وتضمن الدستور اعلانا ضمنيا ومكتوبا ولاول مره بان رسول‏اللّه هو اعلى سلطه فى البلاد، وحكمه هو الفصل بحل الخلافات، ورسم الدستور افقا للعلاقات بين هذا الكيان السياسى وبين غيره من الكيانات السياسيه المنتشره فى الجزيره.

 وتضمن الدستور موادا تنص بوضوح بان زعامه بطون قريش هى عدوه الجميع ولا يجوز لاى فرد او جماعه من جماعات شعب المدينه وما حولها ان تعقد صلحا منفردا معها، او ان تتحالف مع اى بطن من البطون المنتميه لزعامه بطون قريش.

 واشتملت الصحيفه موادا تتيح للجماعات حريه الحركه فى عمومها والرجوع للنبى عند الاختلاف، وتضمنت مبادى‏ء تبرز اهميه قيم معينه.

 ومع علم النبى بخطوره ظاهره النفاق، وبكثره المنافقين، الا انه لم يشر لهذه الظاهره، ولا لاتباعها، ولم يعترف بوجودها، انما تعمد تجاهلها واغفالها تماما، طمعا بالاصلاح او الاستطلاع وتعبيرا عن حسن نيه السلطه الجديده نحو شعبها وتفهما منها لنوازع النفس البشريه.

 نماذج من مواد هذا الدستور(407): الماده الاولى:(هذا كتاب من محمد النبى رسول‏اللّه بين المومنين والمسلمين من قريش واهل يثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم انهم امه واحده من دون الناس).

 فهذه الماده اعلنت عن ميلاد امه جديده تتكون من المومنين والمسلمين من قريش واهل يثرب وممن تبعهم ولحق بهم وجاهد معهم، وان الذى اعلن عن ميلاد هذه الامه الجديده، هو محمد النبى رسول‏اللّه.

 وهذه الامه الجديده تشمل جميع السكان الذين والوا النبى او تظاهروا بالموالاه والذين اعتنقوا الدين او تظاهروا باعتناقه والذين لم يعتنقوا الدين، ولكنهم تظاهروا بقبولهم لقياده النبى وهم اليهود.

 لاحظ الماده 25 والمواد 26-36 التى عالجت طبيعه انتماء اليهود للمجتمع الاسلامى بمعنى ان الدستور وجد ليحكم المسلمين واهل الكتاب وليعيش الفريقان فى ظله.

 المواد من 3-11 تقر بالوجود الشرعى للتشكيلات القبليه وملحقاتها وترتيباتها، وتدخل مفهومى المعروف والقسط، كذلك فالمواد 24-36 تقر بالوجود السياسى ليهود بطون معينه.

 الماده 39:(يثرب حرام جوفها لاهل هذه الصحيفه) والماده‏42: (وانه ما كان من اهل هذه الصحيفه من حدث او اشتجار يخاف فساده فان مرده الى اللّه والى محمد رسول‏اللّه..

) والماده‏44 قد نصت: (وان بينهم النصر على من دهم يثرب) ونصت الماده‏38 على: (وان اليهود ينفقون مع المومنين ما داموا محاربين) ماده‏22: (وانكم مهما اختلفتم من شى‏ء فان مرده الى اللّه والى محمد).

بمعنى ان يثرب هى وطن الجميع، وان محمدا هو مرجع الجميع، وان النفقات مفروضه على الجميع.

 الماده‏43: وقد نصت هذه الماده على ما يلى: (وانه لا تجار قريش ولا من نصرها) الماده‏20ب: (وان لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسا ولا يحول دونه مومن).

 وببساطه صارت بطون قريش هى عدوه المجتمع.

 الماده‏40: (وان الجار كالنفس غير مضار ولا آثم) والماده‏12: (وان المومنين لا يتركون مغرما (اى مثقلا بالديون) بينهم ان يعطوه بالمعروف فى نداء او عقل) والماده‏17: (وان سلم المومنين واحده لا يسالم مومن دون مومن).

 تلك نماذج من مواد الدستور النبوى.

 تدابير اخرى: وفى نطاق تنظيم الشعب وتهيئه المجتمع للمواجهه اوجد رسول‏اللّه نظام المواخاه حيث آخى بين المهاجرين فى مكه قبل الهجره، وآخى بينه وبين ولى عهده والامام من بعده على‏بن ابى طالب.

 وبعد ان تمت الهجره آخى بين المهاجرين من مكه، وبين انصار المدينه، وآخى بينه وبين ولى عهده على‏بن ابى طالب، واعمالا لمبدا المواخاه اوجد نظام المشاركه والمواساه، حيث قدم الاغنياء اجزاء من اموالهم الى اخوانهم الفقراء، وحض على الانفاق واعتبره اكبر مظاهر الايمان، وشجع الفقراء على اخذ نصيبهم من اموال الاغنياء وذوى الفضل باعتباره حق شرعى لهم، وحض الاغنياء والفقراء على التكافل والتضامن، معلنا انهم شركاء فى مال‏اللّه، ورسم صوره شرعيه لمجتمع الايمان حيث اعتبره بمثابه الجسد الواحد، اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.

 وتبع هذه التدابير مجموعه كبيره من التشريعات الاقتصاديه والاجتماعيه والسياسيه خلقت مجتمعه حاله فريده من التماسك والتعاضد بين الجماعه المومنه، وميزتها عن غيرها من الجماعات، وساعد على نجاحها ان رسول‏اللّه وهو قائد المجتمع كان مستوى معيشته لا يختلف عن مستوى افقر افراد الشعب.

 

الفصل الثاني

المواجهة المسلحة

 

المواجهه مع زعامه بطون قريش:

طوال فتره البعثه النبويه التى سبقت الهجره، والتى استمرت 13عاما، والنبى واهله بحاله مواجهه مع بطون قريش، فبطون قريش ال‏23 باختصار شديد ترفض رفضا مطلقا ان يكون النبى من بنى هاشم، وتبعا لذلك فانها ترفض الدين الاسلامى لانه قد جاء عن طريق هاشمى.

 وخلال تلك الفتره عارضت بطون قريش النبوه الهاشميه، والدين الذى جاء عن طريق هاشمى بكل اشكال المعارضه وقاومته بكل فنون المقاومه، وصدت عنه بكل انواع الصد مستعمله نفوذها الادبى عند العرب، ثم افلست زعامه البطون، وتامرت على قتل النبى قبل هجرته، واشتركت كل بطون قريش ال‏23 بهذه الموامره القذره، ولكن اللّه نجى نبيه، وفشلت الموامره، وتابع النبى مسيره هجرته الخالده، فجن جنون بطون قريش، فطاردت النبى بخيلها ورجلها، وخصصت جائزه كبرى لمن يقبض عليه حيا او ميتا قبل وصوله الى يثرب، وفشلت المطارده، ووصل النبى سالما الى عاصمه دولته، ورتب اوضاعها المعقده بمده لا تتجاوز السته اشهر.

 

ملاحقه البطون للنبى ومنطقها الاعوج:

بطون قريش لا تقبل ان يكون النبى من بنى هاشم، ولا تقبل اى دين عن طريق هاشمى، ولا تسمح باى تميز للبطن الهاشمى لا فى مكه، ولا باى مكان فى العالم.

 فحسدها للبطن الهاشمى يفوق التصور والتصديق، وفى سبيل تحقيق ذلك، فان البطون: 1- لن تعترف مطلقا بنبوه محمد، ولا بالكيان السياسى الذى يراسه محمد.

 2- ستستعمل نفوذها عند العرب وتتابع صدهم عن محمد وعن دينه، وتتابع دعاياتها الكاذبه، واختلافاتها الظالمه ضده وضد دينه.

 وكلمه زعامه بطون قريش مسموعه، فهم حماه البيت الحرام، وجيرانه، وسدنته ولا احد من العرب لا يعرفهم، ثم ان محمدا من قريش، ولو وجدت قريش بمحمد خيرا ما اخرجته، ولا ت‏امرت على قتله، ولما استمرت بعداوته.

 وبطون قريش تتزعم عداوه محمد خدمه للعرب ودفاعا عنهم وعن معتقداتهم، تلك هى اسطوانه البطون التى تكررها امام الحجيج وامام العمار دائما.

 3- ان محمدا مذنب، لانه لم يمكن زعامه البطون من قتله، ومذنب لانه قد نجا من مطارده خيل البطون ورجلها، لذلك فان البطون ستلاحقه نيابه عن العرب فتريح العرب منه وتستريح، وتفشل النبوه الهاشميه.

 هذا هو المنطق المعوج لزعامه بطون قريش.

 

اختلاف الامور وتغير موازين القوى:

بالهجره اختلفت الامور تماما، فمحمد(ص) يتراس كيانا سياسيا اكثر تنظيما واستقرارا من الكيان السياسى الذى تتوزع زعامه البطون رئاسته، وليس الهاشميون وحدهم هم الذين يحمون محمدا ودينه بل يحمى محمدا ودينه شعب المدينه وما حولها، فالمومنون الصادقون يبطنون الحمايه ويعلنونها والكاذبون يتظاهرون بحمايه الدعوه والداعيه، ويحلفون اغلظ الايمان بانهم مع اللّه ومع رسوله، ولا يجرو احد منهم ان يظهر غير ذلك.

 ولم يعد الذين اتبعوا محمدا ضعفاء يخافون ان يتخطفهم الناس انما صارت لهم دوله تحميهم ويحمونها، وصار لهم وطن ياويهم ويدافعون عنه.

 وباختصار صارت للمسلمين دوله حقيقيه برئاسه محمد (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، وتغيرت موازين القوى تماما.

 

مطلب النبى من بطون قريش:

للنبى مطلب واحد وهو ان تخلى بطون قريش بينه وبين العرب، وان تتوقف عن استغلال نفوذها الادبى عند العرب لصدهم عنه، وان تتوقف عن دعاياتها الكاذبه ضده وضد دينه، وان تعترف بوجوده وبحقه باستقطاب الناس حوله وحول دعوته،.

 ولقد عبر عن هذا المطلب عتبه‏بن ربيعه الاموى حيث خاطب زعامه البطون قبل نشوب القتال فى بدر قائلا: (... فارجعوا وخلوا بين محمد وبين سائر العرب، فان اصابوه فذاك الذى اردتم، وان كان غير ذلك الفاكم)(408).

 ومحمد لا يكره احدا على الدخول فى دينه، ودين محمد لا يبيح الاكراه وهو قائم على القناعه، فجزء كبير من شعب المدينه وما حولها، ما زال على دين اليهوديه، ومع هذا يعيشون بسلام مع المسلمين، وزعامه بطون قريش على علم بذلك، وعلى علم بما يطلبه النبى منها، وهى تعرف قلبه الكبير، ونفسه العاليه، فلا خوف من عقابه لها على عذابها له ولاله ولمن اتبعه، قبل هجرتهم الى يثرب، وبالتالى فليس كثيرا عليها ان تجيب مطلبه هذا.

 فاليهود يستقطبون الناس لدينهم ولا تعترضهم بطون قريش، والنصارى يفعلون ذلك، وعبده الاصنام يتمتعون بذات الحقوق، وبطون قريش لا تعترضهم، ولا تضع امامهم اى عائق، وتخلى بينهم جميعا وبين العرب، فلماذا لا تعامل ابنها محمدا كما تعامل غيره؟ ولماذا لا تخلى بينه وبين العرب، كما خلت بين اصحاب الديانات وبين العرب؟ ولكن قريشا رفضت مطلب محمد رفضا مطلقا، وتصر على ملاحقتها له وعلى اجهاض دينه، وابطال نبوته والقضاء عليه ان استطاعت، لانها مسكونه بالحسد لمحمد ولاهل بيت محمد!!!

 

اهون الطرق لتجنب المواجهه المسلحه:

يتوجب على بطون قريش ان تخلى بين محمد وبين العرب، وان تتوقف عن استغلال نفوذها للحيلوله بينه وبين العرب، وان تمتنع عن دعاياتها الكاذبه واختلافاتها الظالمه ضده وضد دينه، مستغله قدوم العرب لحج البيت او لاداء العمره، فمحمد مشفق وناصح لخلق اللّه، ويكره سفك الدم وقتل النفس التى حرم اللّه، فما هى الطريقه المثلى التى تحقق مطلبه بدون سفك دم وبدون قتال؟ مكه التى تسكنها بطون قريش (واد غير ذى زرع)، وحياه سكانها تعتمد بالدرجه الاولى على التجاره، فهى عصب الحياه فى مكه، والتجاره تقوم على رحله الشتاء الى اليمن ورحله الصيف الى بلاد الشام، فاذا اقتنعت زعامه بطون قريش ان رحلتها الصيفيه الى بلاد الشام اصبحت فى خطر وتحت رحمه محمد، فالعقل والمنطق يفرضان عليها ان تتفاوض مع محمد، لرفع الخطر عن طرق تجارتها الى بلاد الشام، ومحمد لا يطمع بالكثير، فهو يريد ان تعترف به بطون قريش كما تعترف بغيره، وان تخلى بينه وبين العرب كما خلت بين غيره وبين العرب.

 ومحمد اولى بذلك للرحم والقربى، وبالمقابل فان محمدا لن يعترض طرق تجارتها الى بلاد الشام.

 هذا هو اسهل الحلول لتجنب استمرار حاله المواجهه بينها وبين محمد، ولكن الحسد اعمى بصائر زعامه بطون قريش، وحقدها على محمد وبنى هاشم عطل عقلها تماما، وسلبها القدره على التخطيط السليم، فبطون قريش لا تريد ان تعترف بان موازين القوى قد اختلت، وبوقت يطول او يقصر، وسواء اشاءت قريش ام ابت سيصبح محمد سيد العرب وزعيمهم بغير منازع.

 

اشارات من النبى الى بطون قريش:

خلال سته اشهر استطاع النبى ان يرتب الاوضاع الداخليه فى يثرب، وان يحدد مسارب الامور ومسالكها الشرعيه، وان ينتزع وبالرضا اقرار سكان يثرب وما حولها بمسارب الشرعيه ومسالكها.

 فكل جماعه من الجماعات التى يتالف منها المجتمع اليثربى ترى ان موالاه محمد والقبول به حكما وحاكما ومرجعا هى الشرعيه، وان معاداته ورفض حكمه وتحكيمه ومرجعيته هى الخروج الصارخ على الشرعيه، وهذا قمه ما يطلبه الحاكم من رعيته، والمجتمع اليثربى قد وافق بالاجماع على ان بطون قريش هى عدوه الجميع، لا تجار، ولا يجوز الصلح المنفرد معها، ولا يحال بين مومن وبين مال او نفوس تلك البطون كما هو واضح من مواد الدستور النبوى الذى نوهنا عنه آنفا.

 ومحمد كقائد وكرسول مهمته ان يرشد المواجهه بين الكيان السياسى الذى يراسه، وبين زعامه بطون قريش، بحيث تكون هذه المواجهه بحدود الشرعيه الالهيه بلا بغى ولا عدوان.

وبالفعل فما ان رتب النبى الاوضاع الداخليه لكيانه السياسى حتى بدا بارسال الاشارات المتلاحقه الى زعامه بطون قريش لاشعارها ان الامور قد تغيرت، وان طريق تجارتها الى بلاد الشام اصبحت تحت رحمته، فان شاء تركها تمر آمنه، وان شاء منعها، ومن الخير لها ان تفاوضه، فهو لا يطمع بالكثير، وغايه ما يتمناه بهذه المرحله هو ان تخلى بطون قريش بينه وبين العرب، وان تتوقف عن استغلال البيت الحرام لبث اكاذيبها ودعاياتها الظالمه ضده وضد دينه.

 

سبع اشارات خلال احد عشر شهرا:

فى الشهر السابع من الهجره ارسل الرسول سريه عسكريه برئاسه عمه حمزه‏بن عبد المطلب لاعتراض عير قريش، وفى الشهر الثامن ارسل سريه اخرى برئاسه ابن عمه عبيده‏بن الحارث(409).

 وفى الشهر التاسع ارسل سريه برئاسه سعدبن ابى وقاص، وفى الشهر الحادى عشر قاد بنفسه سريه لاعتراض عير قريش، واثناء عودته وادع بنى ضمره(410).

 وفى الشهر الثالث عشر تمت غزوه بواط لذات الغايه، وفى الشهر السادس عشر تمت غزوه ذى العشيره لذات الهدف(411).

 وفى الشهر السابع عشر تمت غزوه نخله لذات الغايه، حيث قتل عمرو الحضرمى، واسر صاحباه(412).

 واخيرا تم تجهيز قوه للاستيلاء على القافله التى عادت من بلاد الشام، والتى اسفرت عن معركه بدر وهى اول مواجهه مسلحه بين النبى، وبين زعامه البطون(413).

 كانت زعامه البطون تسمع بخروج كل سريه، وتعرف الغايه من خروجها، وقد تيقنت ان طريق تجارتها تحت رحمه محمد، ولكنها مضت بتجاهلها للرسول، وتجاهلها للواقع متغطرسه، تابى مفاوضته او التحدث معه باى شكل من الاشكال.

 

الرد بالقوه على اشارات النبى الوديه، ودعوته للتفاوض:

فى المره الثامنه خرج النبى لاعتراض العير القادمه من الشام، وعلم ابو سفيان بخروج النبى، فغير خط سيره، وارسل الى بطون قريش يستنفرها لحمايه عيرها واموالها، فقررت بطون قريش ان تخرج كلها هذه المره، وان تشترك بالنفقات، فما تخلف احد من قريش الا بعث مكانه بعيثا(414).

 وتولى حنظله‏بن ابى سفيان، وعمروبن ابى سفيان مهمه تحريض قريش على الخروج، مع ان مال العير لابى سفيان(415).

 وفى غياب ابى سفيان قاد ابو جهل جيش البطون.

 وجهزت قريش 950 مقاتلا، ومئه فرس، وسبعمئه بعير والبست كل فارس درعا(416).

 واستعدت لزحفها الاثم على رسول‏اللّه لغايه معلنه وهى حمايه الاموال والعير.

 

محاولات للحيلوله دون الزحف الاثم:

رات عاتكه بنت عبد المطلب رويا مفادها ان راكبا اقبل على بعير حتى وقف بالابطح، ثم صرخ باعلى صوته يا آل غدر انفروا الى مصارعكم ثلاثا، ثم دخل الكعبه وعلاها وكرر صرخته ثلاثا، وصعد الى ابى قبيس وكررها ثلاثا، ثم اخذ صخره فرماها وهوت فما بقى بيت من بيوت مكه، ولا دارا من دورها الا دخلته منها فلذه، الا بنى هاشم وبنى زهره اذ لم يدخل بيوتهم من هذه الصخره شيئا.

 وانتشر خبر الرويا، وسمعت به زعامه البطون، فقال ابو جهل: (ان يكن ما قالته عاتكه حقا فسيكون خلال ثلاثه ايام، وان مضت الثلاثه ولم يكن نكتب ان الهاشميين اكذب بيت فى العرب.

.

.

)(417).

 لما نجت القافله ارسل ابو سفيان لقريش رساله مفادها: (انما خرجتم لتمنعوا عيركم ورجالكم واموالكم فقد نجاها اللّه فارجعوا)(418).

 قبل ان يبدا القتال وقف عتبه بن ربيعه، واقترح على بطون قريش قائلا: (ارجعوا وخلوا بين محمد وسائر العرب، فان اصابوا فذاك الذى اردتم وان كان غير ذلك الفاكم)(419).

 ومما قاله عتبه: (لا آمن ان تكون الدائره عليكم، وانتم لا تطلبون الا دم الحضرمى والعير التى اصاب، وانا احمل ذلك وهو على، يا قوم ان يك محمد كاذبا يكفيكموه ذوبان العرب، وان يك ملكا اكلتم فى ملك ابن اخيكم، وان يك نبيا كنتم اسعد الناس به، يا قوم لا تردوا نصيحتى ولا تسفهوا رايى)(420).

 

الهدف الحقيقى من الخروج:

لم يكن هدف بطون قريش من خروجها حمايه العير، فالعير قد نجت، ولا دم الحضرمى، لقد افصحت بطون قريش عن هدفها الحقيقى من الخروج، فها هو قائد البطون ابو جهل يعلن: (لا واللّه لا نرجع حتى يحكم اللّه بيننا وبين محمد)(421)، (واللّه لا نرجع بعد ان مكننا اللّه منهم، ولا نطلب اثرا بعد عين، ولا يعترض لعيرنا بعد هذه ابدا)(422).

 وفى لحظه من لحظات بطر قياده البطون وغطرستها قال ابو جهل: (وايم اللّه لا نرجع اليوم حتى نقرن محمدا واصحابه فى الحبال فلا الفين احدا منكم قاتلا احدا منهم، ولكن خذوهم اخذا، نعرفهم بالذى صنعوا لمفارقتهم دينكم، ورغبتهم عما كان يعبد آباوهم)(423)، وصرحت زعامه البطون بان من اسباب خروجهم، ان تسمع العرب بهذا الخروج، ويشربون الخمر فى بدر، وتعزف لهم القيان، والى هذا اشار اللّه سبحانه وتعالى بقوله (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس)(424).

 وهكذا زحفت بطون قريش لتحقيق هذه الاهداف، والقت عصاها فى منطقه بدر، لترد عمليا على الاشارات المتلاحقه من محمد لمفاوضتها.

 

محمد واصحابه بالانتظار:

لقد نجت القافله، وسمع النبى واصحابه بخروج قريش بخيلها ورجلها، وتصميمها على الوصول الى بدر، فاتخذ النبى بمشوره اصحابه افضل المواقع، وسيطر على الماء، وعبا اصحابه، وكانت رايه المهاجرين مع على‏بن ابى طالب، ورايه الانصار مع سعدبن عباده(425).

 وتترس بعضهم ببعض بصفوف متقاربه، واعط‏ى الرسول امرا لاصحابه ان لا يسلوا السيوف حتى يغشاهم المشركون، وان لا يقاتلوا حتى يامرهم الرسول بالقتال، وبين لهم ان رجالا من بنى هاشم قد اخرجوا كرها، وقال لهم: (فمن لقى منكم احدا من بنى هاشم فلا يقتله)(426).

 وكانت زعامه البطون على علم بحقيقه مشاعر الهاشميين فى مكه عندما اكرهتهم على الخروج.

 انظر الى قولها: واللّه لقد عرفنا يا بنى هاشم وان خرجتم معنا ان هواكم مع محمد(427).

 

الدعاء قبل نشوب القتال:

وقفت بطون قريش بخيلها ورجلها مصطفه للقتال، وبرز امام الصفوف قائدها ابو جهل، وبخشوع مصطنع، وبوقار كاذب رفع يديه الى السماء ودعا ربه قائلا: (اللهم اقطعنا للرحم، وآتانا بما لا يعرف فاحنه الغداه)(428).

 وفى الجانب الاخر اصطف اصحاب محمد، وسوى النبى الصفوف، ورتب امورهم بمساعده الحمزه وعلى، ثم رفع يديه الى السماء ودعى ربه قائلا: (اللهم انك انزلت على الكتاب وامرتنى بالقتال، ووعدتنى احدى الطائفتين وانت لا تخلف الميعاد، اللهم هذه قريش قد اقبلت بخيلائها وفخرها، تحادك وتكذب رسولك، اللهم نصرك الذى وعدتنى، اللهم احنهم الغداه)(429).

 

اليقين والاوهام:

بعد ان هيا النبى اصحابه للقتال قال لهم بيقين: سيروا على بركه اللّه، واللّه لكانى انظر الى مصارع القوم.

 هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان... فما عدا كل رجل مصرعه.

 وفى الجانب الاخر وبعد ان رتب ابو جهل بطون قريش قال لاحد معارضيه: (سترى غدا خلاف ما ترى يقتل اشراف اصحاب محمد ويوسرون)(430).

 

المبارزه وحكيم البطون اول جاهل:

وقفت كل فئه بمواجهه الاخرى، وصارت المواجهه المسلحه بينهما اقرب من السواد الى البياض، وفجاه خرج عتبه‏بن ربيعه بين اخيه شيبه وابنه الوليد للمبارزه ونادى مناديهم: يا محمد اخرج لنا الاكفاء من قومنا.

 فقال النبى: (يا بنى هاشم قوموا فقاتلوا بحقكم الذى بعث اللّه به نبيكم، اذ جاءوا بباطلهم ليطفئوا نور اللّه.

 وكلف حمزه‏بن عبد المطلب عمه، وعلى‏بن ابى طالب ابن عمه، وعبيداللّهبن الحارث قريبه ان يخرجوا للمبارزه.

 وقتل المشركون الثلاثه، وقطعت ساق عبيداللّه وحمل لرسول‏اللّه.

 فقال عبيداللّه يا رسول‏اللّه الست شهيدا؟ قال: بلى، قال: اما واللّه لو كان ابو طالب حيا لعلم انى احق بما قال حين قال: فكذبتم وبيت اللّه نخلى محمدا ولما نطاعن دونه ونناضل فونسلمه حتى نصرع حوله ونذهل عن ابنائنا والحلائل(431) صعقت بطون قريش بهذه النتيجه، واهتزت، وادرك ابو جهل ذلك فخاطب جيشه قائلا: (الا لا يهولنكم مقتل عتبه، وشيبه، والوليد، فانهم عجلوا وبطروا حين قاتلوا، وايم اللّه لا نرجع اليوم حتى نقرن محمدا واصحابه فى الحبال، فلا الفين احدا منكم قتل منهم احدا ولكن خذوهم اخذا، نعرفهم بالذى صنعوا لمفارقتهم دينكم ورغبتهم عما كان يعبد آباوهم)(432) وشهر سيفه، وشهر المشركون سيوفهم ثم هجموا، والتحمت الفئتان التحاما رهيبا، قله مومنه، قليله العده والعدد، وكثره مشركه كثيره العده والعدد.

 

النجم المتالق:

حمزه بن عبد المطلب اسد اللّه واسد رسوله، لا يخفى على احد، لكن الرجل الذى قاتل بقدره، وكفاءه تفوق الوصف والتصور هو على‏بن ابى طالب، حتى لفت انظار اهل الارض واهل السماء، فنادى ملك من السماء: (لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا على)(433).

 لقد تالق نجم ولى عهد النبى فى بدر، وادرك الكثير بان اللّه اعلم حيث يضع رسالته، لقد اثخن الامام على، وقتل هو وحمزه نصف ما قتل من المشركين، وصارت بطوله الامام فيما بعد مسبه له، ووسيله للتحريض عليه، ومبررا لابعاده عن حقه بالامامه من بعد النبى، فبعد عشرين سنه يقول عمربن الخطاب لسعيدبن العاص: (انى لاراك معرضا تظن انى قتلت اباك، واللّه ما قتلت اباك)(434)، يريد عمر ان يذكر سعيدا ان الذى قتل اباه فى بدر هو على‏بن ابى طالب.

 

الهزيمه:

انجلت المعركه، وهزمت بطون قريش هزيمه منكره، ومنيت بخسائر فادحه، وصدقت رويا عاتكه، فما من بيت الا وسقطت فيه فلذه من تلك الصخره، وصرع كل رجل من القتلى فى المكان الذى حدده النبى سلفا وقتل من قتل، واسر من اسر، وصدق اللّه وعده، فاعط‏ى نبيه ذات الشوكه بعد ان نجت العير، وسمع العرب بنتائج المعركه، وادركوا ان قوى خارقه تدعم محمدا، وان محمدا اصبح حقيقه من حقائق الحياه فى الجزيره، وان السير معه هو طريق النصر والمجد.

 

وانضم الحقد الى الحسد:

انتهت المعركه بهزيمه البطون الساحقه، وبانتهائها حملت نفوس البطون باسوء جنين عرفته الخليقه وهو الحقد، فامتلات نفوس البطون بالحقد الاسود على محمد وعلى آل محمد، وظل هذا الحقد فى نفوسها، ولم يفارقها لحظه قط.

 وهكذا جمعت بطون قريش مع الحسد لمحمد ولاله، الحقد الاسود عليهم، وانى لاى دين ان يقتلع هذا الثنائى القذر من النفس البشريه!! كيف يمكن لابى سفيان ان يحب عليا وقد قتل ابنه وعمه؟! كيف يمكن لمعاويه ان يحب عليا وقد قتل شقيقه وجده وخاله وابن خاله وعمومته؟! كيف يمكن لخالدبن الوليد وعثمان‏بن عفان، والوليدبن عقبه‏بن ابى معيط، ان يحبوا الحمزه وعلى وسيوفهما تقطر بدم الاباء والاعمام والاخوال!! يسهل التصور ان يحبوا النبى، ويصعب التصور بان يحبوا آله!! لقد لاحقهم الوتر، واورثوه لذرياتهم، وكتب على اهل بيت محمد طوال التاريخ ان يدفعوا ضريبه عاليه لانتمائهم الصادق لمحمد ولدين محمد سيقول بعضهم: (الاسلام يجب ما قبله)، انهم يحملون النص غير معناه.

 ان النفس البشريه ليست زرا كهربائيا تطفا وتضاء بحركه.

 انها عالم من الانفعالات يتعذر عمليا على الانسان ان يحب الذى قتل ابنه، او اباه، او جده، او اخاه او ابن اخيه، او عمه او ابن عمه، ان ذلك فوق طاقه النفس البشريه.

 صحيح ان الذى قتلهم قتلهم على الايمان وجهادا فى سبيل اللّه، بل ودفاعا مشروعا عن النفس، وصحيح ايضا ان عنوان الايمان موالاه اللّه ورسوله، ومعاداه اعدائهما حتى ولو كانوا الاباء والابناء والاخوه والذريه، لكن هذا كله لا يمنع انفعالات النفس البشريه، وثوره اشجانها من حين الى حين.

 فمحمد هو الامر، وعلى ابن ابى طالب، وحمزه بن عبد المطلب هما المنفذان اللذان نكلا بالبطون، فما من بطن الا وتعددت فيه النوائح على قتيل او مقتولين فى بدر، والهاشميون بمعيار بطون قريش يتحملون الجزء الاكبر من المسووليه، فلو سلموا محمدا للبطون، او خلوا بين البطون وبين محمد، لما قتل الذين قتلوا، ولما تطورت الامور الى هذا الحد.

 

قتلى بطون قريش فى بدر:

من البطن الاموى: قتل من الامويين فى بدر احد عشر قتيلا، قتل اكثريتهم الساحقه على، وبعضهم قتله حمزه، والبعض الاخر اشترك الاثنان بقتله.

 ومن هولاء القتلى حنظله‏بن ابى سفيان، الابن الكبير لابى سفيان وشقيق معاويه، وعتبه بن ابى ربيعه جد معاويه، والوليد بن عتبه خال معاويه، وشيبه بن عتبه شقيق جد معاويه وعم امه، والعاص‏بن سعيد، وابنه عبيده‏بن سعيدبن العاص، وعقبه‏بن معيط وهم القرابه القريبه لعثمان‏بن عفان‏بن ابى العاص‏بن اميه‏بن عبدشمس(435).

 من بنى تيم بن مره: قتل اثنان منهم: عميربن عثمان‏بن عمروبن كعب‏بن سعدبن تيم، قتله على‏بن ابى طالب، وعثمان‏بن مالك‏بن عبيداللّهبن عثمان، وهما من القرابه القريبه لابى بكر عبداللّهبن عثمان‏بن عامربن عمروبن كعب‏بن سعدبن تيم، ومن القرابه القريبه لطلحه‏بن عبيداللّه احد الذين عرفوا بانهم من المبشرين فى الجنه(436).

 من بنى مخزوم: قتل منهم عدد كبير، منهم ابو جهل، والعاص بن هشام بن المغيره خال عمربن الخطاب، والوليدبن المغيره والد خالدبن الوليد، وقتلهما على‏بن ابى طالب(437).

 من بنى اسد: قتلت مجموعه من بنى اسد منهم ربيعه‏بن الاسود، والحارث‏بن ربيعه، قتله على‏بن ابى طالب، وعقيل‏بن الاسودبن عبد المطلب، قتله حمزه وعلى، ونوفل‏بن خويلدبن سعد، قتله على.

.

.

 وهم من القرابه القريبه للزبيربن العوام احد الذين عرفوا بانهم من المبشرين فى الجنه(438).

 بنو عدى (لا فى العير ولا فى النفير): خرجت بنو عدى مع بطون قريش، (فلما كانوا فى السحر عدلوا فى الساحل منصرفين الى مكه، فصادفهم ابو سفيان فقال: يا بنى عدى، كيف رجعتم لا فى العير ولا فى النفير؟)، وباختصار فان بنى عدى رجعوا من الطريق ولم يشتركوا فى القتال، وحجه بنى عدى الظاهره انهم رجعوا امتثالا لامر ابى سفيان حيث قالوا له عندما سالهم عن سبب رجوعهم: (انت ارسلت الى قريش ان ترجع فرجع من رجع ومضى من مضى)(439).

 بنو زهره: قال الاخنس بن شريق وكان حليفا لبنى زهره: (يا بنى زهره قد نجى اللّه عيركم، وخلص اموالكم، ونجى صاحبكم مخرمه‏بن نوفل، وانما خرجتم لتمنعوه وماله، وانما محمد رجل منكم، ابن اختكم، فارجعوا واجعلوا جبنها بى، فلا حاجه لكم ان تخرجوا فى غير منفعه، لا ما يقول هذا الرجل، فانه مهلك قومه، سريع فى فسادهم) وبنو زهره هم قوم عبدالرحمن‏بن عوف‏بن عبدالحارث‏بن زهره وسعدبن ابى وقاص‏بن اهيب‏بن عبد مناف‏بن زهره، وهما من العشره الذين اشتهر بانهم من المبشرين فى الجنه، وهما من السته الذين اختارهم عمر ليكون احدهم خليفه(440).

 من بنى الحارث بن فهر: وهم قوم ابى عبيده عامربن عبداللّهبن الجراح، وهو احد الذين اشتهروا بانهم من المبشرين فى الجنه، وهو ثالث الثلاثه الذين دخلوا السقيفه فى ما بعد ووطدوا الامر لابى بكر وعمر، لم يقتلوا ولم يقتل منهم احد فى معركه بدر.

 

البطون الاكثر حقدا على محمد وآل محمد:

اكثر بطون قريش بغضا للنبى وآله وحقدا عليهم هم: (بنو اميه، وبنو المغيره، وبنو مخزوم) هكذا رتبهم النبى(441).

 وهذا النص علاوه على انه صادر عمن لا ينطق عن الهوى، فهو قراءه متانيه وعميقه لوقائع الامور، فاكثر القتلى فى بدر كانوا من هذه البطون الثلاثه، والمتنافسون على زعامه بطون قريش هم سادات تلك البطون الثلاثه، وحسب حسابات هذه البطون الثلاثه فانها الاكثر تضررا من النبوه الهاشميه والتميز الهاشمى، وهذه البطون ايضا من اكثر بطون قريش حبا للوجاهه، وولعا بالتسلط.

 ومع ان هذه البطون الثلاثه لا تطيب نفوس بعضها لبعض، لانها تطلب ذات الغنيمه وتركض خلف نفس الطريده، الا ان كراهيتهم لمحمد ولال محمد اظهرتهم دائما بمظهر الفريق الواحد.

 فكم تهارش ابو جهل وعتبه، وكم قرع احدهما الاخر حيا وميتا لكنهما حاربا معا تحت نفس الرايه، لانهم بالضروره فريق واحد، ومع نشوب القتال وسقوط القتلى صارت بطون قريش تحقد على محمد وعلى آل‏محمد الا ان هذه البطون الثلاثه كانت رمز حسد البطون وحقدها على محمد وعلى آل محمد.

 

حقد لا يزول وثار بعد ثار:

الاكثريه الساحقه من بطون قريش ومواليها ناصبت محمدا وآل‏محمد العداء، ورفضت النبوه الهاشميه والتميز الهاشمى رفضا قاطعا خلال المده التى قضاها النبى فى مكه قبل الهجره، وكل البطون اشتركت بموامره قتل النبى، وباثم مطاردته عندما نجا من القتل، وقد اسلم القليل من افراد البطون ومواليها، وعندما هاجر الرسول لحقوا به مهاجرين، وتجمع فى المدينه اكثر من مائه عنصر من عناصر البطون وشكلوا جماعه متميزه عن غيرها سميت بالمهاجرين.

 وقد حاول الرسول مشفقا وبكل قواه ان يتجنب الصدام المسلح مع بطون قريش خوفا من آثاره، لكن البطون ركبت راسها، وفرضت عليه هذا الصدام المسلح فرضا.

 فرتب اصحابه وكانوا يتالفون من: 1- المهاجرين وهم الذين اسلموا من بطون قريش ومواليها.

 2- الانصار وهم الذين خرجوا معه من الاوس والخزرج ومواليهما.

 3- آل محمد وابرزهم الحمزه وعلى وهم مع النبى بمثابه هيئه اركان، وفى الجانب الاخر وقفت بطون قريش بكل خيلائها وفخرها معلنه بان هدفها هو القضاء على محمد وربط من ينجو من اتباعه بالحباله، وسوقهم الى مكه نكالا لهم ولغيرهم.

 وبدات المعركه، واحتدم القتال، وفوجئت بطون قريش بعمود المسلمين، وبالعزم المميز لمحمد ولال محمد، وانتهت المعركه بهزيمه البطون، وبقتل 70-رجلا من خيره رجالات البطون وباسر مثلهم.

 اذهلت هذه النتيجه كل الذين سمعوا بانباء هذه المعركه، لقد كانت خروجا واضحا عن كل اطوار التوقعات المعتاده.

 والذين قتلوا من بطون قريش تركوا فراغا هائلا، وصاروا جراحا نازفه فى قلوب ذويهم من بطون قريش التى بقيت على الشرك وتحول القتلى الى غصات فى حلوق اقاربهم من الذين اتبعوا محمدا.

 فحذيفه او ابو حذيفه بن عتبه بن ربيعه كان من اصحاب محمد، وابوه واخوه وعمومته كانوا من اركان البطون، وقد شاهد بام عينيه اباه، واخاه، وعمه، وسادات بنى اميه يتجرعون كووس الموت امامه.

 صحيح انه على دين محمد، لكن من غير الممكن عقلا ان لا يكون موتهم غصه فى حلقه، قد يفارق الحياه قبل ان تفارقه تلك الغصه، وبحركه عفويه، وبتصرف لا-شعورى يعبر عن حقيقه مشاعره فيقول للنبى، الذى طلب من اصحابه ان لا يتعرضوا لاحد من بنى هاشم لانهم اكرهوا على الخروج: (انقتل آباءنا وابناءنا واخواننا وعشيرتنا ونترك العباس عم النبى، واللّه لئن لقيته لالحمنه السيف)(442).

 ومثل حذيفه (حذيفات) والفرق بين حذيفه وغيره ان حذيفه صادق وعفوى، ولا يخفى من مشاعره شيئا، وغيره يتمتع بقدر من الدهاء، وضبط الاعصاب فيخفى مشاعره رغبه او رهبه.

 فهل يعقل ان يقتل خال عمربن الخطاب، واولاد عمومه ابى بكر وعمومه عثمان.

.

.

 الخ.

 ولا يترك قتلهم غصات فى قلوب ذويهم!! يمكن للدين ان يرشد هذه الغصات، ولكنها لن تختفى ابدا ومن الممكن وبكل المعايير الانسانيه ان تتهيج هذه الغصات كلما راوا عليا وحمزه او النبى او احدا من بنى هاشم.

 ان فكره الثار ضاربه الجذور فى النفسيه العربيه، ولا ترتاح نفوس ذوى القتيل، الا اذا قتل القاتل، او ابعد تماما عن المسرح والاعين، وكيف يمكن ابعاد النبى، او الحمزه او على ولى المومنين من بعد النبى؟! ثم لنفترض بان القاتل قد مات فان ذريته مطلوبه، صحيح ان الذين قتلوا فى بدر من البطون قد قتلوا على الشرك، وقتلهم واجب دينى، ومن قبيل الدفاع عن النفس لكن تلك هى طبائع النفوس التى خرجتها مدارس الشرك عبر التاريخ، انظر الى قول ابى سفيان: (وانى لانا الموتور الثائر قتل ابنى حنظله وساده اهل الوادى.

.

.

)(443).

 وانظر الى قول هندبن عتبه زوجه ابى سفيان: (لو اعلم ان الحزن يذهب من قلبى بكيت، ولكن لا يذهبه الا ان ارى ثارى من قتله الاحبه)(444) ومن هم الذين قتلوا احبه هند؟ هم النبى وحمزه وعلى؟!! وهند لا تكتفى ذات يوم بقتل حمزه ولو بالغدر، انما تمثل به وتقطع اذنيه، وتشق بطنه، وتحاول ان تاكل كبده.

 هذه ====== ى‏ى‏ى‏ى‏نننننننننن$طبيعه حقد ذوى المقتولين على محمد وعلى آل محمد، ولا تهدا الجراح بموت النبى ولا بقتل حمزه ولا بموت على، ولا تزول الغصات من الحلوق، انها جراح دائمه، وغصات معترضه فى الحلوق يورثها الاباء للابناء والاجداد للاحفاد، ويهيجها اصحاب الارب، فبعد عشرين سنه من وقعه بدر يقول عمربن الخطاب لابن احد قتلى بدر (سعيدبن العاص‏بن سعيد) الذى قتله على: (انى لاراك معرضا تظن انى قتلت اباك، واللّه ما قتلته.

.

.

)(445) فعمربن الخطاب يظن ان سبب اعراض سعيد هو ظنه بان عمر قتل اباه فى بدر، لذلك هو يذكر ابن المقتول بطريقه ذكيه انه لم يقتل اباه، انما الذى قتل اباه هو على.

 وهذا التعريض لا يصدر عن رجل من عامه الناس انما يصدر عن خليفه المسلمين بعد قرابه عشرين سنه على وقعه بدر!! وعندما جى‏ء براس الحسين ورووس الطيبين من اهل بيت محمد بعد مذبحه كربلاء ووضعت الرووس بين يدى يزيدبن معاويه تمثل بقول ابن الزبعرى.

 فقد قتلنا القوم من ساداتهم وعدلنا ميل بدر فاعتدل فلست من خندف ان لم انتقم من بنى احمد ما كان فعل(446) فبعد 58 عاما يعرب حفيد ابى سفيان وهند وابن معاويه عن حقيقه مشاعره، لم تغيره الخلافه، ولم يغيره اسلامه، ولم تهن مشاعره الحاقده مع طول الامد، انما عبر عن حقيقه مشاعره فجاه بعفويه واظهر ما كان يتصنع باخفائه، وغمره الفرح والسرور الذى غمر اباه واجداده عندما قتل حمزه وعلى والحسن.

 ولم يقصر الحاقدون حقدهم على محمد وعلى آل‏محمد، بل حقدوا على كل الموالين لهم، فبعد 58عاما على وقعه بدر، ارسل مسلم‏بن عقبه رووس المتمردين على يزيدبن معاويه من اهل المدينه، وعندما القيت الرووس بين يديه جعل يتمثل بشعر ابن الزبعرى.

 فليت اشياخى ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل فلاهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل فلعبت هاشم بالملك فلا ملك جاء ولا وحى نزل(447) تلك هى طبيعه النفوس الكارهه لمحمد ولال محمد (ان تمسسكم حسنه تسوهم وان تصبكم سيئه يفرحوا بها)(448) كبر معاويه فى الخضراء فكبر اهل الخضراء، ثم كبر اهل المسجد بتكبير اهل الخضراء، فخرجت فاخته بنت قرظه من خوخه لها، فقالت لمعاويه: (سرك اللّه يا امير المومنين! ما هذا الذى بلغك فسررت به؟) قال: (معاويه موت الحسن‏بن على)(449).

 وبالاجمال فان نجاح النبوه الهاشميه، وتكرس التميز الهاشمى، والجراح التى نتجت عن قتلى معركه بدر، والغصات التى اعترضت حلوق الذين اتبعوا محمدا من بطون قريش تركت بصماتها على التاريخ الاسلامى كله، وظلت تعمل وتعتمل بالنفوس حتى كانت من ابرز الاسباب التى قوضت النظام السياسى الاسلامى الالهى، وفرغته من مضمونه ومحتواه، واخرجت المنظومه الحقوقيه عمليا من الخدمه.

 

ردود الفعل على معركه بدر:

كانت النتائج المذهله وغير المتوقعه لمعركه بدر صدمه هائله، لبطون قريش، وليهود المدينه، وللمنافقين، وهزه عنيفه لقناعات القبائل العربيه التى كانت تتربص لمعرفه نتيجه المواجهه بين محمد، وبين بطون قريش.

 لقد ذهلت قبائل اليهود بنتائج المعركه، وحسدت محمدا والمسلمين هذا النصر الباهر، وذهل منافقوا المدينه، وحقدوا على محمد واصحابه لانهم انتصروا، وحزن اليهود والمنافقون لان البطون قد هزمت، لا حبا بالبطون، ولكن كراهيه لمحمد ولال محمد ولمن اتبعهم.

 اما بطون قريش فكلها ثائره، وموتوره، ومنكوبه، وحاقده الا بنى عدى -لم يكونوا مع العير ولا مع النفير- كما وصفهم ابو سفيان، وبنى زهره الذين لم يشتركوا فى القتال، ومع هذا تاثر هذان البطنان بما اصاب بطون قريش، وانضما فى ما بعد الى قافله البطون المطالبه بالثار والقضاء على محمد، وقد صممت بطون قريش على الانتقام من محمد وآله واصحابه، والثار منهم، والقضاء عليهم ان استطاعوا.

 ولا نبالغ اذا قلنا ان ما حدث طوال التاريخ السياسى الاسلامى وثيق الصله بمعركه بدر ونتائجها وآثارها.

 

محاوله للانتقام العاجل:

كان البيت الاموى عامه وابو سفيان واولاده خاصه من اعمق بطون قريش ثوره، واكثرها احساسا بالنكبه والفجيعه، فقد قتل منهم فى بدر احد عشر سيدا من سادات الوادى على حد تعبير ابى سفيان، منهم: ولده حنظله‏بن ابى سفيان، اما زوجته هند، فان حقدها على النبى وآله يفوق التصور والتصديق، ولم لا، فهى تعتبرهم مسوولين عن قتل ابنها وابيها واخيها وابن اخيها وسادات عمومتها وابنها معاويه ويزيد كانا يغليان بالحقد والكراهيه على محمد وآل‏محمد.

 لقد توفرت فى بيت ابى سفيان كل دواعى العجله فى الانتقام، وامام ضغط الاسره، وفيض مشاعر الحقد والاحباط، حرم ابو سفيان الدهن حتى يثار من محمد، فخرج فى اربعين فارسا او مائتى فارس، ووصلوا الى المدينه ليلا وحلوا ضيوفا على سلام‏بن مشكم اليهودى، واستقصوا اخبار النبى، ومع الفجر خرجوا فقتلوا رجلا من الانصار، واجيرا له، واهلكوا حرثه، وحرقوا بيتين واهلكوا حرثا فى العريض، ثم ولوا مدبرين، واعتقد ابو سفيان انه قد تحلل من يمينه، وانه قد اوصل بنفسه رساله ضمنيه لمحمد وآل محمد، بان الثار والانتقام لقتلى بدر قدر لا مفر.

 وسمع النبى بالخبر، وفهم مضمون الرساله، فندب اصحابه لتعقب الغزاه، وتعقبهم بالفعل، ولكن الغزاه قد نجوا بالفرار.

 ووصل ركب ابى سفيان سالما الى مكه واخذ يعد العده للثار والانتقام(450).

 

البحث عن طريق تجارى بديل:

التجاره عصب الحياه فى مكه، وقوامها رحلتى الشتاء والصيف، واسهل طرق رحله الصيف الى بلاد الشام المرور من طريق المدينه المسلوكه والمختصره، والمرور من هذا الطريق مستحيل الا بموافقه محمد، ومحمد لن يوافق الا بالمفاوضه، وبطون قريش لن تفاوضه، لان مفاوضتها معه اعتراف ضمنى بوجوده، وهى لا تريد ان تعترف به.

 والغاء رحله الصيف كارثه، فالبديل الاوحد هو البحث عن طريق بديل، ودلهم فرات‏بن حيان العجلى على الطريق البديل، وهى طريق العراق، فجهزوا قافله وارسلوها عبر الطريق الجديد، وعلم النبى فارسل زيدبن حارثه ومعه مائه راكب فاصابوا القافله، وفر حراسها واسر الدليل فرات بن حيان.

 وهكذا ارسل الرسول رساله ضمنيه الى زعامه البطون مفادها، ان تجاره بطون قريش لن تمر الى بلاد الشام الا بموافقه محمد، وموافقه محمد لن تدرك الا بالمفاوضات، وغايه ما يطلبه محمد من هذه المفاوضات هو ان تخلى البطون بينه وبين العرب، وان تتوقف عن استغلال نفوذها ضده.

وفهمت بطون قريش مضمون الرساله، فكلمات عتبه بن ربيعه ما زالت فى اذهان البطون: (خلوا بينه وبين العرب فان اصابوه فذلك الذى اردتم، وان كان غير ذلك الفاكم)، لكن انى لبطون قريش ان تدرك الرشد بعد ان جمعت بين الحسد والحقد، لقد تيقنت زعامه البطون انها قد خسرت رحله الصيف الى حين، وقررت ان تستبعد فكره المفاوضات مع محمد، وان تعتمد كليا على القوه للثار من محمد وآله ومن والوهم، والقضاء التام عليهم(451).

 

الاستعدادات الهائله للثار والقضاء على محمد:

رجعت البطون من بدر مهزومه وموتوره، ووجدت العير التى عاد بها ابو سفيان من الشام موقوفه فى دار الندوه لم توزع لغيبه البطون فى بدر.

 هرعت زعامه البطون الى ابى سفيان، واجتمعوا فى دار الندوه، وتداولوا الامور وما جرى فى بدر، والسبل التى سيسلكونها للثار من محمد والقضاء عليه، واتفقوا على النقاط التاليه:

1  ـ تعيين ابى سفيان قائدا عاما لجيش البطون.

2 ـ تخصيص كامل العير التى نجت لتجهيز هذا الجيش.

3 ـ تشكيل اربعه وفود لتسير فى العرب طالبين النصر منهم، وفد برئاسه عمروبن العاص، ووفد برئاسه هبيره ‏بن ابى وهب، ووفد برئاسه ابن الزبعرى، والوفد الرابع برئاسه ابى عزت الجمحى.

 وبالفعل تحركت الوفود الاربعه، ونجحت بتاليب العرب، وجمعهم ضد محمد.

 4 ولتتذكر البطون قتلى بدر، فلا ترجع حتى تدرك ثارها او تموت دونه، قرروا اخراج الحريم معهم، ولقد عورض القرار لكن هند زوجه ابى سفيان تصدت للمعارضين واصرت على خروج الحريم ليشهدن القتال والثار للاحبه الذين قتلهم محمد وآله، وهكذا خرجت البطون ومن والاها مع ظعنهم(452).

 

الخروج من مكه والمسير الى احد:

خرجت بطون قريش ومن معها من العرب والاحابيش الذين نجحت بحشدهم على شكل جيش منظم ومدرب قوامه ثلاثه آلاف مقاتل يركبون مائتى فرس، وثلاثه آلاف بعير، وفيهم سبعمائه دارع، وعده وسلاح كثير لقتال النبى والثار منه ومن آله واصحابه والقضاء عليهم ان امكن، وقادتهم المقادير ليقفوا وجها لوجه امام محمد وآله، ومن اتبعهم فى منطقه جبل احد قرب المدينه(453).

 

وخرج النبى لملاقاه الغزاه:

لما اجمعت قريش على الخروج كتب العباس‏بن عبد المطلب كتابا الى النبى اخبره فيه ان قريشا قد اجمعت على المسير اليه، بثلاثه آلاف مقاتل منهم سبعمائه دارع، وثلاثه آلاف جمل، وقادوا مائتى فرس، وختم الكتاب، واستاجر رجلا من بنى غفار، واشترط عليه ان يسير ثلاث ليال.

 وقدم الغفارى، وسلم رسول‏اللّه الكتاب(454).

 وانتشر الخبر واجتمع النبى باهله واصحابه.

 

الرؤيا:

قال النبى: ايها الناس انى قد رايت فى منامى رويا: رايت كانى فى درع حصينه، ورايت كان سيفى ذا الفقار انقصم من عند ظبته، ورايت بقرا يذبح، ورايت كانى مردف كبشا.

 قال الناس فما اولتها؟ قال اما الدرع الحصينه فالمدينه، فامكثوا فيها، واما انقصام سيفى فقتل رجل من اهل بيتى، واما البقر المذبح فقتلى فى اصحابى(455)..

 

قرار الخروج:

واستشار النبى اصحابه، وكان راى عبداللّهبن ابى البقاء فى المدينه، وراى النبى مع راى ابن ابى، وكان ذلك راى كبراء المهاجرين والانصار فقال النبى: امكثوا فى المدينه، واجعلوا النساء والذرارى فى الاطام، فان دخلوا علينا قاتلناهم فى الازقه، فنحن اعلم بها منهم، وارموا من فوق الصياصى والاطام...

 ورات الاكثريه الخروج وملاقاه العدو، وخشى بان يفسر العدو البقاء فى المدينه جبنا، واستجاب النبى لراى الاكثريه، وامرهم بالاستعداد للخروج ولبس عده الحرب، وشعرت الاكثريه انها اكرهت الرسول على الخروج فندمت، وقالوا: (يا رسول‏اللّه ما كان لنا ان نخالفك فاصنع ما بدا لك؟) فقال: (دعوتكم فابيتم، ولا ينبغى لنبى ان لبس لامته ان يضعها حتى يحكم اللّه بينه وبين اعدائه).

 ودفع لواء المهاجرين الى على‏بن ابى طالب، ولواء الخزرج الى سعدبن عباده، ولواء الاوس الى سعدبن معاذ، وارجع اليهود الذين خرجوا معه، وانصرف عبداللّهبن ابى ومن والاه، وسار النبى حتى وصل الى جبل احد، فجعل احدا خلف ظهره، واستقبل المدينه، ورتب خمسين من الرماه على جبل احد، وقال النبى للرماه: (احموا لنا ظهورنا، فانا نخاف ان نوتى من ورائنا، والزموا مكانكم لا تبرحوا منه، وان رايتمونا نهزمهم حتى ندخل معسكرهم فلا تفارقوا مكانكم، وان رايتمونا نقتل فلا تعينوننا ولا تدافعوا عنا، وارشقوا خيلهم بالنبل، اللهم انى اشهدك عليهم، ثم وقف امام اصحابه، ونهى ان يقاتل احد حتى يامره)(456).

 

واشعل الغزاه الحرب:

اقبل المشركون وقد اتخذ جيش الاسلام مواقعه، فاستدبروا المدينه، واستقبلوا احدا، وصفوا صفوفهم، واقاموا النساء خلف الرجال يضربن بالاكبار والدفوف، اما نساء عليه بطون قريش بزعامه هند ام معاويه فكن يشجعن، ويحرضن الرجال على القتال، ولم يطل الانتظار، فبرز من صفوف المشركين طلحه‏بن ابى طلحه، وصاح: من يبارز، فبرز له على عليه السلام، واختلفا بضربتين، فضربه على على رجل فقطعها وقتل، فلما قتل طلحه، سر رسول‏اللّه واظهر التكبير وكبر المسلمون وشد اصحاب الرسول على المشركين(457).

 وقتل على بن ابى طالب حمله اللواء من المشركين وكانوا ثمانيه، ثم حمل اللواء عبد لهم فالحقه الامام بهم وقتله(458).

 وعلى اثر صولات على وحمزه، وبعد ان قتل حمله اللواء انكشف المشركون منهزمين لا يلوون، وتبعهم المسلمون حتى اجهضوهم عن العسكر واخذوا ينهبون، وشاهد الرماه ذلك، وتركوا اميرهم وانطلقوا الى معسكر الشرك ينهبون وخلوا الجبل، ولم يبق مع الامير الا عشره، واخذ المسلمون ينهبون، ونظر خالدبن الوليد الى خلاء الجبل وقله آهله فكر بالخيل ومعه عكرمه فقتلوا من بقى من الرماه وقلبوا موازين المعركه.

 وفوجى‏ء المسلمون بما حدث، واخذ المسلمون يضربون بعضهم، وفر عمربن الخطاب، وعثمان‏بن عفان وغيرهما(459).

.

.

 وزاد الطين بله ان الامويين قدروا ان قتل على مستحيل، وان قتل الحمزه ممكن، فرتبوا موامره للغدر بحمزه ونفذت الموامره وقتل حمزه، واشيع بان النبى قد قتل، فزلزل المسلمون زلزالا شديدا، وقاتل على‏بن ابى طالب قتالا يفوق التصور والتصديق، وصبر على وصابر، قال ابن اسحاق: (كان الفتح يوم احد بصبر على)(460).

 وقاتل سعدبن عباده، وقاتل المقداد، والحباب‏بن منذر، وقاتل كعب، وابو دجانه، وسهل‏بن حنيف وغيرهم من الاخيار، ومع هذا اصيب النبى فى جبهته ورباعيته وشفته.

 واحتاج المسلمون الى وقت حتى اعادوا تنظيم انفسهم، وعاد الذين فروا من القتال بعد ان اشيع بان النبى قد قتل، واحس المشركون بانهم قد ثاروا لقتلاهم فى بدر، فقد قتلوا 70رجلا من الانصار، واربعه من المهاجرين، منهم حمزه عم النبى وجناحه، ويده الطولى، وقدرت قياده جيش البطون انها قد ثارت لقتلاها فى بدر، وانها قد انتصرت حقيقه، ومن حسن التدبير ان تحافظ على بريق نصرها، فانسحبت واقبل المسلمون على قتلاهم، واحضروهم الى رسول‏اللّه.

 وكان اول من احضر حمزه فصلى عليه النبى، ثم جمع اليه الشهداء، وكلما اتى بشهيد وضع الى جنب حمزه فصلى عليه وعلى الشهداء حتى صلى عليه 70مره.

 ودفن الشهداء، وقال النبى: (انا على هولاء شهيد)، فقال ابو بكر: يا رسول‏اللّه اليسوا اخواننا اسلموا كما اسلمنا، وجاهدوا كما جاهدنا)؟ قال الرسول: (بلى، ولكن هولاء لم ياكلوا من اجورهم شيئا ولا ادرى ما تحدثون بعدى)، فبكى ابو بكر وقال: (انا لكائنون بعدك؟).

 واقسم النبى: (والذى نفسى بيده لا يسلم عليهم احد الى يوم القيامه الا ردوا عليه)، واضاف: (فلا تدعوا السلام عليهم وزيارتهم.

 وعزى رسول‏اللّه القوم بقتلاهم، واكد انهم فى الجنه، وارتاح الناس لسلامه النبى رغم جراحه.

 واشاع اليهود بان محمدا طالب ملك، وما اصيب هكذا نبى قط فى بدنه واصحابه، وجعل المنافقون يثبطون عزائم الناس، ويبثون الاراجيف.

 فاشار عليه بعض اصحابه بقتلهم، فقال النبى: (ان اللّه مظهر دينه ومعز نبيه ولليهود ذمه فلا اقتلهم، فقيل: فهولاء المنافقين يا رسول‏اللّه، فقال رسول‏اللّه: اليس يظهرون شهاده ان لا اله الا اللّه وانى رسول‏اللّه؟ قيل: بلى يا رسول‏اللّه، انما يفعلون ذلك تعوذا من السيف، فقد بان امرهم وابدى اللّه اضغانهم عند هذه النكبه.

 فقال رسول‏اللّه نهيت عن قتل من قال لا اله الا اللّه محمد رسول‏اللّه).

 وجاءت نساء الانصار فبكين على حمزه، لان استشهاد حمزه كان جرحا غائرا فى قلبه، فقال النبى: (رضى اللّه عنكن وعن اولادكن) ومن ذلك التاريخ ما بكت امراه من الانصار الا بدات بحمزه(461).

.

.

 من الموكد ان بطون قريش قد انتصرت فى معركه احد، وثارت لقتلاها فى بدر، وكبدت المسلمين 70 او 74 قتيلا احدهم حمزه عم النبى، وجناحه القوى ويده المقتدره، وكادت ان تقتل النبى نفسه لولا رحمه اللّه، ومن الموكد ان البطون قد انسحبت من المعركه انسحاب المنتصر، وكان الجيش الاسلامى ساعتها مضعضعا، ولا يقلل من حقيقه انتصار البطون فى احد فقدانها ل‏25 قتيلا من رجالها.

 ولكن الموكد ايضا ان المسلمين لم يهزموا فى احد من قله، فقد انتصروا فى بدر وهم اذله، انما يكمن سبب هزيمتهم فى مخالفتهم لرسول‏اللّه، فقد طلب منهم ان يبقوا فى المدينه فابوا الا الخروج.

 وخرج ورتب امور المعركه ترتيبا محكما، وامر الرماه ان لا يبرحوا مكانهم مهما كانت الاسباب وخالفته اكثريه الرماه، وعصت امره وتركوا مواقعهم ليشاركوا فى النهب، فجاء خالدبن الوليد ومن معه من فرسان قريش فانقضوا على المسلمين من الخلف فى غياب الرماه وقلبوا موازين المعركه.

 وطوال التاريخ الاسلامى كان مكمن كل النكبات والكوارث التى لحقت بالامه الاسلاميه فى مخالفه الرسول واعتماد الراى بدلا من النص.

 

تعكير انتصار البطون وخطف بريقه:

هزت هزيمه المسلمين فى احد التركيبه الهشه لمجتمع المدينه وما حولها، عاد النبى جريحا ومعه الجرحى، وقد سبقت عودته انباء القتلى، واشاع اليهود ان محمدا طالب ملك، وعلى حد علمهم فلم يصب نبى كما اصيب محمد، وتنمر المنافقون، واظهروا شماتتهم وفجع المسلمون الصادقون بقتلاهم، وحزنوا حزنا شديدا، وكان النبى من اكثرهم حزنا على عمه الحمزه.

 وفى الجانب الاخر كانت بطون قريش تتلذذ بنصرها بالوقت الذى اختلط فيه عليها امرها، ففريق يرى ان محمدا قد انتهى بالفعل، فقد اصيب بعده جراح، وقتل عمه، و73 رجلا من اصحابه، وقد انتصرت البطون عليه بالفعل، وثارت لقتلاها، وما هى الا فتره حتى ينفض اصحابه من حوله، وينهار الكيان السياسى الذى بناه، فمن الحكمه ان تعود البطون بنصرها الموزر، وان تترقب آثار انتصارها.

 وقد تكون ملاحقه محمد كارثه تسلبها بريق انتصارها العظيم فقد ينفر معه الاوس والخزرج اذا احسوا انهم قد هوجموا فى قعور بيوتهم.

 وفريق آخر يرى ان الفرصه سانحه للقضاء على محمد قبل ان يتمكن من التقاط نفسه، واعاده تنظيم رجاله.

 ادرك النبى ان ترك الامور على ما هى عليه دون اجراء عاجل.

 سيضاعف هزه المجتمع اليثربى، ويكون ضربه معنويه موجعه يصعب التنبو باثارها.

 فبعد ان ضمد جراحه، وضمد الذين جرحوا جراحهم، اصدر اوامره بالاستعداد للخروج لملاقاه بطون قريش او ملاحقتها، وبعد صلاه الصبح نادى مناديه: (ان رسول‏اللّه يامركم بطلب عدوكم ولا يخرج معنا الا من شهد القتال بالامس)(462)، ودعا رسول‏اللّه باللواء وهو معقود لم يحل ودفعه الى على عليه السلام، وخرجوا حتى وصلوا الى حمراء الاسد فعسكروا هنالك، وامرهم ان يجمعوا الحطب فى النهار، وان يوقدوه ليلا.

 وكان معسكر بطون قريش بالروحاء، وهول معبدبن ابى معبد الخزاعى الامر لبطون قريش فاخبرهم: (تركت محمدا واصحابه خلفى يتحرقون عليكم بمثل النيران، وقد اجمع معه من تخلف عنه بالامس من الاوس والخزرج وتعاهدوا الا يرجعوا حتى يلحقوكم فيثاروا منكم)(463).

 ذهل ابو سفيان واركان حربه من سرعه اعاده النبى لتنظيم صفوف اصحابه ومن رده العاجل، وادركوا ان محمدا قد عكر عليهم نصرهم وخطف منهم بريقه، وانهم ان اصطدموا معه بهذه الحاله فسيهزمهم لا محاله وينقلب فرحهم الى ترح.

 ومر بابى سفيان نفر يريدون المدينه، فخصص لهم مكافاه اذا قالوا لمحمد ان بطون قريش قد اجمعت على الرجوع اليه.

 ليضمن توقف محمد عن الملاحقه.

 واصدر ابو سفيان واركان حربه اوامرهم بالرحيل والعوده الى مكه فورا.

 بعد ان نغص النبى انتصارهم.

 لقد كانت حركه النبى حركه بارعه بكل الموازين العسكريه، لقد اعادت الروح المعنويه للمسلمين، وعكرت صفو بطون قريش، وخطفت منها بريق انتصارها، ورجعت وكانها مهزومه، وكانت هذه الحركه الرائعه ابلغ رساله لليهود والمنافقين والقبائل المحيطه بالمدينه التى تنتظر من يقع حتى تنقض عليه وتاكله.

 ومن هنا اعلن تعالى رضاه عن (الذين استجابوا للّه وللرسول من بعد ما اصابهم القرح)(464)، وعفا عن الذين فروا من معركه احد كعمربن الخطاب، وعثمان وغيرهم من الصحابه الكرام، واعطاهم فرصا جديده(465).

 

بدر الموعد:

قبل ان ينصرف ابو سفيان من احد نادى المسلمين وزهو النصر يملا اهابه: (موعد بيننا وبينكم بدر الصفراء راس الحول، نلتقى فيه فنقتتل)(466) فامر الرسول من يقول لابى سفيان: هو موعد بيننا وبينكم ان شاءاللّه.

 (وبدر الصفراء كانت مجمعا وسوقا سنويا للعرب تجتمع وتتبادل السلع فيه من 1-8 ذى القعده ثم يعودون الى بلادهم)(467).

 ولما عادت بطون قريش الى مكه عممت موعد اللقاء، واخذت تستعدى على النبى، وتجمع الاموال استعدادا للخروج، وفرضت ضريبه على سكان مكه ولاول مره فى تاريخها، ولم يترك احد الا وينبغى ان يدفع مالا لا يقل عن (اوقيه) مساهمه بالمجهود الحربى، فجمعوا الاموال العظيمه ورصدوها لحرب محمد وآله ومن والاهم.

 ومع اقتراب الموعد كره ابو سفيان قائد تحالف البطون هذا الخروج، وندم على قوله وتحديده الموعد، وتعرض لملامه الكثير من قومه، وتمنى عدم خروج الرسول للموعد، لان العام جدب، والارض مثل ظهر الترس ليس فيها لبعير شى‏ء، ولكن البطون كرهت ان يخرج محمد ولا يخرجون فيجترى‏ء عليها، فاحبت ان يكون الخلف من قبله.

 وفى غمره حيرتها قدم نعيم‏بن مسعود الاشجعى مكه، فاتفقوا معه على ان يعطوه عشرين ناقه مقابل ان يخذل اصحاب محمد، ورجع الرجل واخذ يشيع بان ابا سفيان قد جمع الجموع واجلب معه العرب، وجاء محمد واصحابه بما لا قبل لهم به واشار على اهل المدينه ان يبقوا فى المدينه ولا يخرجوا، لانهم ان خرجوا فلن يفلت منهم احد هذه المره، ونجح الرجل بغرس كراهيه الخروج فى قلوب الكثير من اصحاب محمد، وفرح المنافقون واليهود، وتصوروا ان محمدا لن يفلت من هذه الجموع التى يصفها نعيم‏بن مسعود.

 ونجح نعيم بتثبيط بعض الصحابه، والقاء الرعب فى قلوبهم.

 قال عثمان‏بن عفان (رضى اللّه عنه) يصف حالته وامثاله ممن اصغوا لنعيم: (لقد رايتنا وقد قذف الرعب فى قلوبنا فما ارى احدا له نيه فى الخروج)(468).

 كان الرسول يرصد آثار دعايه نعيم فجمع الناس وحثهم على الخروج ثم قال: (والذى نفسى بيده لاخرجن وان لم يخرج معى احد)(469) عندئذ تشجع من وهن من المسلمين وخرج مع النبى 1500-مقاتل ومعهم عشره افراس فاعط‏ى النبى رايته لعلى‏بن ابى طالب، وغايه المسلمين من الخروج كانت ملاقاه البطون على الموعد، ومع هذا تزودوا ببضائع، واقاموا فى بدر الصفراء ثمانيه ايام ورجعوا بخير وفضل من اللّه وربح الدينار دينارا.

 اما ابو سفيان فقد اطلع بطون قريش على الخطه التى رسمها لنعيم، وبين لهم ان العام عام جدب، واقترح عليهم ان يسيروا يومين فيرجعوا، فخرجت البطون وهم الفان ومعهم خمسون فرسا وانتهوا الى مجنه، فشربوا السويق فسمى اهل مكه ذلك الجيش جيش السويق، وعادوا بعد ان بلغهم خروج النبى، وقال صفوان‏بن اميه لابى سفيان: (قد واللّه نهيتك يومئذ ان تعد القوم، وقد اجتراوا علينا وراوا انا قد اخلفناهم، وانما خلفنا الضعف عنهم.

 فاخذوا فى الكيد والنفقه فى قتال رسول‏اللّه)(470)، واعدوا العده لغزو النبى فى ما بعد.

 

تحالف الاحزاب واجماعها على حرب النبى:

عندما تمكن النبى من السيطره على طرق تجاره البطون الى بلاد الشام، فقدت رشدها، وعمت الكراهيه نفوس قادتها وافرادها، وبعد وقوع الصدامات المسلحه، وسقوط القتلى فى بدر جمعت البطون مع الحسد لمحمد وآله الكراهيه والحقد على محمد وآله، ان الثار للقتلى لا يعيدهم، ولكنه يعزى النفس الموتوره الى حين، ولن تهدا حتى يفنى القاتل وتفنى ذريته، وينقطع ذكره من الوجود تلك هى طبيعه النفس الموتوره الحاقده، تلك هى طبيعه مشاعر بطون قريش ضد محمد وآل محمد، وجماع هذه المشاعر ومهيجها هو البطن الاموى، وبالتحديد ابو سفيان واولاده، وعلى الاخص معاويه وزوجته هند وبنو عمومتهم، فالطريقه التى قتل فيها حمزه، واسلوب هند بالتمثيل به ترسم بادق صوره واوضحها المشاعر المخيفه التى يحملها اهل هذا البطن لمحمد وآل محمد، ويلى هذا البطن بنو مخزوم عامه، وبنو المغيره خاصه، ثم تتساوى البطون دون ذلك بهذا الخليط من المشاعر.

 

اقل ما ترضى به بطون قريش اساسا للتحالف:

قريش لن ترجع عن عداوتها لمحمد ولال محمد، واقل ما ترضى به بطون قريش هو القضاء التام على محمد وآل محمد، واستئصالهم من الوجود تماما، فمن يوالى محمدا وآل محمد هو عدو البطون، وان كان من البطون نفسها، ومن يعادى محمدا وآل محمد هو حبيب البطون، وان كان يهوديا.

 قال ابو سفيان مخاطبا وفد يهود بنى النضير: (ان احب الناس الينا من اعاننا على عداوه محمد)(471)، وعداوه محمد ليس لها حد زمنى، ولقد تعاهد ابو سفيان ومعه ابناوه مع وجهاء بنى النضير اليهود داخل الكعبه (ان تكون الكلمه واحده على محمد، ما بقى من بطون قريش ومن اليهود رجل واحد)(472)، فعداوه محمد والمضى قدما بعداوته اقل ما ترضى به بطون قريش ليكون اساسا للتحالف بينها وبين غيرها من الاحزاب.

 

كيف نشا تحالف الاحزاب؟

كانت بنو النضير احدى الجماعات التى يتكون منها مجتمع المدينه وما حولها وهى ترتبط مع النبى بعهود ومواثيق، فقام النبى بزيارتهم يوما من الايام فرحبوا به واصروا ان ياكل عندهم، وبنفس الوقت ت‏امروا على قتله.

 وعلم الرسول بالموامره وعاد دون ان يشعروا، ثم ارسل اليهم انذارا بان يجلو من المدينه، فرفضوا، وحاصرهم النبى، ثم استسلموا على ان يجلوا من المدينه ولهم ما حملت الابل الا الحلقه، فذهبت اكثريتهم الى منطقه خيبر.

 ولما استقر بهم المقام، شكلوا وفدا من مشيخه يهود بنى النضير برئاسه حيى‏بن اخطب للتفاهم والتنسيق مع زعامه بطون قريش باعتبارها العدو الاقوى والالد لمحمد وآله ومن والاهم، ولدعوتها بالاسراع بحرب محمد.

 واجتمع الوفد مع زعامه البطون وقال رئيسه حيى‏بن احطب مخاطبا زعامه البطون: (جئنا لنحالفكم على عداوه محمد وقتاله)(473) فمن الطبيعى ان يتكلم ابو سفيان نيابه عن زعامه البطون بوصفه هو القائد حسب تقسيمات الصيغه الجاهليه، ولان بطون قريش قد رضيت به قائدا على اعتبار انه وبنوه والبطن الاموى هم الاكثر حسدا لمحمد وآله، وحقدا عليهم، واشد القوم وترا واعمقهم ثوره، ولانه القائد الذى انتصر فى احد.

 فتكلم ابو سفيان واجاب وفد يهود بنى النضير قائلا: (ان احب الناس الينا من اعاننا على عداوه محمد)(474).

 واقترح وفد بنى النضير ان تختار بطون قريش 50رجلا ليتعاهدوا ويحلفوا باللّه داخل الكعبه بان تكون الكلمه واحده على هذا الرجل -اى محمد- ما بقى من بطون قريش ومن اليهود رجل(475)، وهكذا فعلوا، وتم التحالف بين بطون قريش وبين وجهاء بنى النضير بالاصاله عن انفسهم، وبالنيابه عن يهود المدينه وخيبر، وكافه انحاء الجزيره.

 وعلى هامش الاجتماعات سال ابو سفيان اليهود: (اينا اهدى، نحن ام محمد، وديننا خير ام دين محمد؟) فاجابه اليهود بالاجماع امام بطون قريش: (انتم اولى بالحق منه!!)(476).

 وتحرك المتحالفون معا، وسيرت زعامه قريش وفودها الى العرب تطلب النصر على محمد، وسار الوفد اليهودى الى قبيله غطفان الكبيره واجتمع مع شيوخها، وتم ضمهم الى التحالف، ووعدهم اليهود بتمر خيبر لمده سنه(477).

 وتحالف معهم بنو سليم، وبنو اسد يقودهم طلحه الاسدى وبنو فزاره، واشجع، وبنو مره، وجمعت قريش 4000 مقاتل من اتباعها واحابيشها، ومعها 300 فرس، و1500 بعير يقودهم سفيان‏بن عبدشمس حليف حرب بن اميه، وهو ابو ابى الاعور الذى قاتل مع معاويه فى ما بعد فى معركه صفين(478).

 وفى ما بعد تم الاتفاق مع بنى قريضه التى كانت تقيم فى المدينه لينضموا الى هذا التحالف وعددهم 750 مقاتلا، ومهمتهم ان ينقضوا على المسلمين من الداخل ويطعنوهم من الخلف.

 

اكبر واغرب التجمعات فى التاريخ:

وهكذا جمعت بطون قريش عشره آلاف وسبعمائه وخمسين مقاتلا، وقبل هذا التجمع لم تشهد الجزيره العربيه فى تاريخها الطويل تجمعا بحجمه قط، والهدف المشترك لكل الاحزاب المكونه لهذا التجمع هو عداوه محمد، والعمل على القضاء عليه واستئصاله من الوجود، مع من والاه، ومن البديهى ان اول اوليائه وحماته هم آله الكرام.

 وهذا التجمع من اغرب التجمعات التى عرفها التاريخ ايضا، فقبائل العرب كانت تعبد اصناما متعدده، وتدين بالولاء لشيوخها الذين لم يجتمعوا طوال التاريخ حتى يوم غزا ابرهه الحبشى الكعبه، وهى اقدس مقدساتهم، ولكنهم اجتمعوا هذه المره على عداوه محمد وآله، والعمل على استئصالهم، واذا لم يكن غريبا اجتماع العرب مع بعضها فان الغريب حقا ان تجتمع العرب مع اليهود، وان يشكل الجميع جيشا واحدا له قياده واحده!!! لست ادرى ماذا بقى من صله الرحم التى كانت تتشدق بها زعامه بطون قريش عامه، وابو سفيان واولاده خاصه، عندما يتعاونون مع اليهود على ابن عمهم وصهرهم محمد!!! فابو سفيان وبنوه وبنو عمومته يلتقون مع النبى فى عبدمناف: صخربن حرب‏بن اميه‏بن بعد شمس‏بن عبدمناف، ومحمدبن عبداللّهبن عبد المطلب بن هاشم‏بن عبدمناف، ان هذا لامر عجاب!!!

 

القائد العام لهذا التجمع واركان حربه:

كان ابو سفيان هو القائد العام لتجمع الاحزاب، فهو راسهم ومدبر امرهم، والذى جمعهم وحدد ساعه خروجهم، ووقت انسحابهم ولا خلاف بين احد من اتباع المله على هذه الحقيقه.

 اركان حربه: ومن اركان حربه مشيخه البطن الاموى وعلى راسهم ابنه يزيد، وابنه معاويه فكلاهما رجل، وكلاهما ذكى وذو حيله، وكلاهما حاقد على محمد وعلى آل محمد خاصه، وعلى اوليائهم عامه، وكيف لا يحقدون وهم يذكرون اخاهما حنظله، وجدهما عتبه، وخالهما شيبه، وابن خالهما الوليد!! وسبعه آخرين من البطن الاموى او من شيوخ الوادى على حد تعبير ابى سفيان!!.

 ومن اركان حربه: عكرمه بن ابى جهل، وخالد بن الوليد، وعمروبن العاص، وكلهم موتور، وثائر، وحاقد على محمد وعلى آل‏محمد، وتتوفر بكل واحد منهم مقومات القياده والمشوره.

 ومن اركان حربه: عمروبن عبدبن ابى قيس‏بن عبد ود، اشجع رجالات بطون قريش واقواها، فقد كان يتحرق شوقا لملاقاه محمد ولاثبات قدرته بعد ان حرمته ظروف قاهره من الاشتراك فى معركه احد، وخرج فى ما بعد وتحدى كل المسلمين ولم يقو احد على مبارزته غير على‏بن ابى طالب، الذى قتله -كما سنرى- قولا واحدا(479).

 ومن اركان حرب ابى سفيان: سفيان‏بن عبدشمس، حليف حرب ابن اميه، وهو ابو الاعور الذى اسلم فى ما بعد وقاتل مع معاويه فى كل معاركه عندما خرج معاويه على الامام على(480).

 ومن اركان حرب ابى سفيان: طلحه الاسدى، وعيينه بن حصن، الذى صار فى ما بعد صحابيا رايه مقبول حتى فى على الذى قاتله على الاسلام.

 ومن اركان حربه ايضا مشيخه اليهود مثل حيى‏بن اخطب، وكنابه‏بن الحقيق، واخوه هوده، وابو عامر الراهب، وكعب‏بن اسد عقيد بنى قريظه(481).

 

المسيره الاثمه:

زحفت الاحزاب بقياده ابى سفيان ويممت شطر المدينه حتى وصلت الى رومه(482) فعسكرت هنالك، ونزلت غطفان بمنطقه الرعايه قرب احد، وتصوروا ان محمدا سيخرج اليهم، وانهم هم الذين حددوا مكان المعركه وطبيعه الحرب وادارتها(483).

 

حلفاء بنى هاشم يخبرون النبى:

كانت خزاعه حلفا لبنى هاشم (حلف ابينا وابيك الاقلدا)، كما قال شاعرهم للنبى، فلما خرجت قريش من مكه الى المدينه سار ركب من خزاعه من مكه الى المدينه اربعا، واخبروا النبى بتحرك قريش والاحزاب معها.

 ولا يعقل ان يتم الاعداد لهذا التحالف الضخم، وان تتحرك الاحزاب ورسول‏اللّه فى غفله عنها، خاصه وان سراياه العسكريه لم يتوقف خروجها قط، وهو على علم بحقد بطون قريش واصرارها على استئصاله من الوجود، والاهم من ذلك الوحى الذى لم ينقطع عنه قط طيله حياته، ولكن قدوم ركب خزاعه بالخبر مناسبه لاطلاع المسلمين على الوضع، واستطلاع رايهم بمعالجته.

 

المشوره وحفر الخندق:

اطلع النبى اصحابه على الخبر، ووعدهم بالنصر ان صبروا واتقوا واطاعوا اللّه ورسوله، وسالهم انبرز لهم من المدينه، ام نكون فيها ونخندقها علينا، ام نكون قريبا ونجعل ظهورنا الى هذا الجبل؟ فاختلفوا بالاجابه، ولكنهم تذكروا جميعا معركه احد ونتائج مخالفتهم لامر الرسول، فلم يتشبثوا بالخروج انما كان هواهم بالمدينه وحولها، فقال سلمان الفارسى: يا رسول‏اللّه.

 انا اذا كنا بارض فارس وتخوفنا الخيل خندقنا علينا، فهل لك يا رسول‏اللّه ان نخندق؟(484) فكره الخندق اصلا من رسول‏اللّه ولكنها كانت مجمله، فجاء سلمان وفصلها وارتاح المسلمون لذلك.

 ورتب النبى الخطه الدفاعيه على هذا الاساس: 1- ان يجعل جبل سلع خلف ظهره.

 2- ان يخندق من اطم المداد الى جبل اطم ذباب، ومنه الى جبل راتج.

 3- استحضار الحجاره من جبل سلع لتكون احد الاسلحه فيرمون بها.

 4- ان تدفع النساء والصبيان فى الاطام.

 5- ان يكون الخندق من امام المسلمين.

 6- النبى القائد يوزع اصحابه بالطريقه التى يراها لمواجهه الاحزاب من وراء الخندق بعد انجازه.

 

الشروع بتنفيذ الخطه:

قسم النبى حفر الخندق بين اصحابه، واشترك معهم بالحفر كانه واحد منهم، وانجزوا الخندق خلال سته ايام، ثم جمع اصحابه وكانوا ثلاثه آلاف مقاتل، ودفع اللواء الى ولى عهده على‏بن ابى طالب، ورتب الادوار وانتظر قدوم الاحزاب.

 

اما اجتياز الخندق او الوقوف امامه:

يبدو ان الطريق لدخول المدينه تمر حتما بالمنطقه التى قرر الرسول حفر الخندق بها، ويبدو ايضا ان المناطق التى تجاورها على اليمين واليسار حرات مفروشه بحجاره يتعذر على الانسان او الابل او الخيل السير فوقها، فمن اراد دخول المدينه يتوجب عليه حتما مقضيا ان يمر من الخندق، او ان يكابد المستحيل ويحاول ان يسير فى الحرات.

 فعلى الاحزاب ان تجتاز الخندق اذا ارادت ان تدخل المدينه او تقف دونه لتتفرج عليه وعلى المدافعين، وعمليه اجتياز الخندق بهذا المناخ مستحيله من جميع الوجوه.

 

الاحزاب وجها لوجه مع النبى واصحابه:

سارت الاحزاب خلف قائدها ابى سفيان متوجهه الى المدينه ومعها من الخيل الف فرس، وتصورت الاحزاب انه لم يبق بينها وبين دخول المدينه واستئصال محمد ومن معه الا قاب قوسين او ادنى، ولما وصلت فوجئت بالخندق مفاجاه تامه، وقال ابو سفيان: تلك مكيده لا تعرفها العرب!! والقت الاحزاب عصاها على الجانب الاخر من الخندق، واخذت تبحث عن منفذ تدخل منه.

 وجرت عده محاولات لاجتياز الخندق، كالمحاولات التى قام بها خالدبن الوليد، وعكرمه بن ابى جهل، وهبيره، وعمروبن العاص، ولكن محاولاتهم قد فشلت.

 

اقوى رجل فى البطون يبارز اقوى رجال محمد:

عمرو بن ود اقوى رجالات البطون، بل هو اقوى رجل فى تجمع الاحزاب قاطبه، برز امام الخندق، واخذ يدعو للمبارزه.

 لا احد من العرب يقوى على مبارزه عمروبن ود، فسكت المسلمون كان على رووسهم الطير، كما يقول الواقدى، مما دعى عمروبن ود ليقول:فولقد بححت من الندا لجمعكم هل من مبارز ولما سمعه على استاذن النبى ثلاثا، والرسول لا ياذن له، لان مبارزه عمروبن ود ليست نزهه، واخيرا اذن الرسول لعلى، واعطاه سيفه وعممه وقال: اللهم اعنه عليه.

 وكان عمروبن ود فارسا وعلى راجلا، والتقى الاثنان وجرى بينهما حوار ساقه الامام على باعصاب هادئه، وبثقه بالنفس تفوق التصور والتصديق.

 وترجل عمرو والتقى مع اقوى رجل عرفه الاسلام قط، وثارت غبره وسمع الناس التكبير فايقنوا بان عليا قد قتل عمرو، وصعقت الاحزاب من هول النبا، وازدادت بطون قريش حقدا على النبى وآله، وتشاءموا، وفرح المسلمون وتفاءلوا خيرا.

 لقد كان قتل عمروبن ود ضربه معنويه موجعه لتجمع الاحزاب.

 وكانت هذه المبارزه نصرا موزرا للمسلمين فقال النبى: (لمبارزه على بن ابى طالب (عليه السلام) لعمروبن ود يوم الخندق افضل من اعمال امتى الى يوم القيامه)(485).

 لقد كفت هذه المبارزه المومنين القتال حقا، قال السيوط‏ى فى الدر المنثور فى ذيل تفسير قوله تعالى: (ورد اللّه الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى اللّه المومنين القتال)(486) قال: (واخرج ابن ابى حاتم، وابن مردويه، وابن عساكر عن ابن مسعود انه كان يقرا: (وكفى اللّه المومنين القتال بعلى‏بن ابى طالب).

 وجاء فى ميزان الاعتدال حديثا مسندا عن ابن مسعود انه كان يقرا: (وكفى اللّه المومنين القتال بعلى)(487).

 لقد حسمت مبارزه الموقف نهائيا لصالح المسلمين، ولكنها اخرجت بصوره تستوعبها العقليه البشريه، وتصب فى خانه عمليه الابتلاء والامتحان الالهى.

 لقد كان المسلمون فى حاله زلزله كبرى: الجوع، والبرد، والعدو من فوقهم ومن تحتهم، والنفوس البشريه تتصور بتصوراتها المختلفه (اذ جاءوكم من فوقكم ومن اسفل منكم، واذ زاغت الابصار وبلغت القلوب الحناجر...)(488) بهذا الوقت بالذات زف اللّه للمومنين بشرى انتصار اقوى رجل فيهم على اقوى رجل فى الاحزاب، فاطمانت نفوسهم، وادركوا ان نصر اللّه قادم لا محاله.

 

ورحلت الاحزاب:

فوجئت الاحزاب بالخندق، وفشلت محاولاتها لاجتيازه، واجرى النبى مفاوضات مع زعماء غطفان لينسحبوا من التجمع، وانهارت الثقه بين العناصر الرئيسه التى تكون منها تجمع الاحزاب، فقد فقدت بطون قريش ثقتها باليهود، وكذلك غطفان التى ادركت انه لا ناقه لها ولا جمل بهذه الحرب، وان املها بالمكاسب الماديه احلام، واكتشف اليهود ان البطون سترحل وستتركهم وجها لوجه ووحدهم امام محمد لينكل بهم، فانهارت اهم اساسات تحالف الاحزاب، واكثر النبى الدعاء: (اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الاحزاب، اللهم اهزمهم) وتكرر دعاوه الاثنين، والثلاثاء، والاربعاء، واستجيب له ما بين الظهر والعصر.

 وعصفت الريح، وزمجرت، والقى القائد العام للاحزاب ابو سفيان كلمه حلل فيها الموقف فقال: (انكم واللّه لستم بدار مقام، لقد هلك الخف والكراع، واجدب الجناب، واخلفنا بنو قريظه وبلغنا عنهم الذى نكره، ولقد لقينا من الريح ما ترون، واللّه ما يثبت لنا بناء، ولا تطمئن لنا قدر، فارتحلوا فانى مرتحل)، وجلس على بعيره فوثب البعير.

 فناداه عكرمه‏بن ابى جهل: (انك راس القوم وقائدهم، تقشع وتترك الناس)، فاستحى ابو سفيان فاناخ جمله، واخذ بزمامه، وقال: (ارحلوا) فجعل الناس يرتحلون.

 ثم قال ابو سفيان لعمروبن العاص: (يا ابا ====== ى‏ى‏ى‏ى‏نننننننننن$عبد اللّه لا بد لى ولك ان نقيم فى جريده من خيل بازاء محمد واصحابه، فانا لا نامن ان نطلب).

 وهكذا كان، ثم لحقت الجريده بالاحزاب وعادت بطون قريش ومن والاهم الى مكه، وعادت غطفان وقبائل بنى سليم، ومن حضر من اليهود الى محالهم)(489).

 يعط‏ى المورخون لنعيم‏بن مسعود دورا بارزا، ويصورونه كانه هو الذى فكك تجمع الاحزاب واوقع بينه ونعيم‏بن مسعود كان مشهورا فى مكه وفى المدينه بانه صائد مكاف‏ات، فطالما خذل المسلمين عن الخروج مع الرسول بعد ان مس القوم القرح بعد معركه احد مقابل عشرين ناقه رصدتها له بطون قريش، وشاع الامر وعرف المسلمون ذلك، فنفروا منه، واخذوا ينظرون اليه شزرا، ويترفعون عن الاستماع اليه.

 ومن جهه ثانيه ففى التجمع دهاه ودهاقنه، واليهود اهل حيله، فمن المستحيل عقلا ان يضحك صائد مكافات معروف مثل نعيم على الجميع دون ان يكشف امره.

 

ونجت المدينه:

لقد نجت المدينه، ونجى الذين آمنوا بنعمه اللّه الذى ارسل على الاحزاب ريحا وجنودا (...اذكروا نعمه اللّه عليكم اذ جاءتكم جنود فارسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها)(490).

 وبفضل القياده الحكيمه لرسول‏اللّه حيث نجح نجاحا باهرا بالاخذ بكل الاسباب.

 وكان للشجاعه التى ابداها الامام على -عندما قتل عمروبن ود- دورا بارزا فى نجاه الذين آمنوا، فهى المعركه الحقيقيه الوحيده التى جرت فى غزوه الخندق، فكانت نصرا معنويا للمومنين، وفالا حسنا وضربه معنويه موجهه لتجمع الاحزاب.

 هذه الاسباب مجتمعه كانت وراء هزيمه الاحزاب، ونجاه المسلمين والمدينه المنوره من بطش اعظم تجمع، عرفه تاريخ المواجهه مع النبى(491).

 

الفصل الثالث

وأفلست بطون قريش واحتارت ماذا تفعل

 

سمع العرب بتجمع الاحزاب، وبمسيرتها الى محمد، فهم بين مشارك بهذا التجمع، وبين مويد له متعاطف معه، وايقنوا ان تجمع الاحزاب كان اكبر تجمع شهدته جزيره العرب، ولم يخالجهم ادنى شك بان الاحزاب ستستاصل محمدا ودينه واولياءه من الوجود.

 ثم احيطوا علما بقصه الخندق، وبمبارزه على‏بن ابى طالب لاقوى العرب واشجعها عمروبن ود، وكيف قتله على، وسمعوا باختلاف الاحزاب، وبما فعلته الريح بتلك الاحزاب، وبفشل الاحزاب وعودتها خائبه بعد حصار للمدينه دام بضع عشره يوما.

 وتابع العرب انباء المعارك التى جرت بين محمد وبين قبائل اليهود، وكيف خرج محمد منها منتصرا.

 وتابعوا انباء السرايا العسكريه التى كان يسيرها محمد فتجوب انحاء الجزيره، وتودب القبائل المعاديه له او الطامعه به قبيله تلو قبيله.

 وعرف العرب ان محمدا قد فرض حصارا على الطرق التجاريه التى تسلكها قوافل بطون قريش الى بلاد الشام سواء عن طريق المدينه او عن طريق العراق، وهو مصر على ابقاء حاله الحصار هذه حتى تخلى بطون قريش بينه وبين العرب.

 ان الرجل يفرض سلطانه، ويوسع هذا السلطان ويوطده يوما بعد يوم، لقد ادركت العرب وعلى راسها بطون قريش ان شعار (استئصال محمد من الوجود) وهم وغير قابل للتحقيق، فمحمد لا يمكن استئصاله ولا يمكن القضاء عليه، فشعر العرب بالحيره، وشعرت بطون قريش بالاحباط، واحتارت بامر الرجل، واحست بالالم والمراره، ويئست منه تماما.

 لقد فشلت البطون عسكريا بعد ان استنفدت كل خططها، واستعملت كل قواها، ولم تقو على استئصال محمد او القضاء عليه، بل على العكس من ذلك، فكلما صادمته خرج من صدامها معه وهو اكثر قوه، والعرب اكثر تفهما له واعجابا بامره.

 وفشلت البطون اعلاميا، فلم يعد يصدق احد ان محمدا مجنون او شاعر او كاهن او كاذب او ساحر كما اشاع اعلام البطون، لقد اظهر محمد عبقريه قياديه تفوق التصور والتصديق.

 

الاعتراف بالوجود الواقعى لمحمد هو الحل:

لم يعد امام بطون قريش سوى التسليم بالوجود الواقعى لمحمد، والاعتراف بسيطرته الكامله على طريق تجارتها الى بلاد الشام، وباستحاله تنفيذ شعارها (استئصال محمد من الوجود والقضاء عليه) لكنها لا تعرف كيف تعبر عن قبولها بهذه الحقائق دون ان تخدش كبريائها المتغطرس.

 لقد اكلت الحرب مع محمد اموالها، مثلما اكلت خيره ابنائها، ولم يعد لها القدره على البقاء فى حاله استنفار عسكرى دائم، ولم تعد لها القدره على مواجهه الحصار، فما من قافله تجاريه من قوافلها الا ويعترضها محمد، فيغنمها هو واصحابه وياسرون رجالها او يقتلون منهم، او تنجو منهم بشق الانفس، وآخر الانباء استيلاء محمد على قافله (ابى العاص بن الربيع)، الذى استجار بزوجته السابقه زينب بنت محمد، وامر الرسول على اثر ذلك برد ما اخذ من القافله، لحكمه رآها، فعاد ابو العاص‏بن الربيع وسلم الاموال لاصحابها، واعلن اسلامه امام قريش(492).

 وباختصار لم يعد لبطون قريش ايه مصلحه اطلاقا باستمرار حاله التوتر بينها وبين محمد، ولم تعد لها القدره بمعاداه محمد نيابه عن العرب.

 ومحمد لا يطلب منها الكثير، فغايه ما يطلبه منها ان تخلى بينه وبين العرب، وان تقف على الحياد، فان اصابه العرب كفوها اياه، وان لم يصيبوه فان محمد لن يتعرض لهم، قريش كلها تفهم هذا، وقد جرى عرض مطلب محمد قبل معركه بدر، واعلنه عتبه‏بن ربيعه -كما مر بنا- والعافيه كل العافيه بسحب فتيل التوتر، والاعتراف عمليا بوجوده كقوه واقعيه، وترك العرب له ليحددوا مواقفهم منه بالطريقه التى يرونها.

 ان زعامه البطون قد اشتهت هذا الحل وارتاحت له، ولكنها خجوله من اعلانه ومن التصريح به، ومن الاعتراف بان هذا هو تفكيرها، وتحليلها النهائى للموقف.

 ولا تدرى كيف تعبر عنه وتعلنه!! ولا كيف يمكنها ان تتفاوض مع محمد بعد الذى فعلته به، وفعله بها طوال 19عاما من المشاحنه والبغضاء والحملات الاعلاميه التى لم تتوقف، والحملات العسكريه التى استمرت سته سنوات!!!

 

رسول اللّه ينقذ البطون من حيرتها ويجرها الى مائده المفاوضات:

علاوه على ان محمدا نبى، فهو عبقرى، وقائد سياسى لا مثيل له.

 والجزء الاهم فى العمليه السياسيه اطلاقا ان توجه الفعل او سلسله الافعال السياسيه الى الخصم، وترقب بدقه ردود فعله عليها ومقدار قربه او بعده مما تريده.

 لقد تيقن النبى ان بطون قريش قد افلست تماما، واقتنعت ان استئصاله مستحيل، وهزيمته عسكريا مستحيله، وانه لم تعد لها القدره على الاستمرار بحاله التاهب القصوى والاستنفار العام، ولم تعد لها القدره على تحمل حاله الحصار المفروضه عليها، وان العرب لن يقدموا لبطون قريش اكثر مما قدموا، وانها قد ادركت بان كفه محمد قد رجحت تماما، وان المستقبل له.

 وتيقن النبى ان بطون قريش حائره فى امرها، وانها تبحث جديا عن مخرج من ورطتها، وعن سبيل يحفظ لها شرفها وما تبقى من كبريائها، ويرتب امورها مع محمد بشكل يزيل حاله التوتر الدائم بينها وبينه.

 فصمم النبى على مساعدتها واخراجها من حيرتها، وجرها باللطف الى مائده المفاوضات لازاله التوتر الدائم بينه وبينها.

 واشاعه الامن فى ربوع بيت اللّه الحرام.

 

قرار العمره:

بيت اللّه الحرام فى مكه مثابه للناس جميعا، وامن لهم تقدسه كل قبائل العرب، وهى موقنه انه بيت اللّه الحرام، وتزوره، وتحج البيت وهى على شركها، وقد لمعت بطون قريش واشتهرت لانهم جيران بيت اللّه الحرام، وحماته وسدنته، ولانهم يكرمون زوار هذا البيت، فلم يصدف فى تاريخ البيت الحرام، ان صد حاج او راغب بزياره البيت الحرام، فحج البيت وزيارته حق مطلق لكل واحد من الناس، فما الذى يمنع محمدا كواحد من الناس على الاقل من ان يزور بيت اللّه الحرام؟! وما الذى يمنع المهاجرين والاوس والخزرج وهم من الناس على الاقل من زياره بيت اللّه الحرام واداء العمره؟! وعندما تعلم بطون قريش ان محمدا ومن معه قد جاءوا لاداء العمره فستندهش حتما، وستتخذ احد موقفين:

1- اما ان تاذن لهم باداء العمره بعد تردد ومفاوضات.

2- او تمنعهم بعد تردد ومفاوضات، وفى ذلك احراج كبير لها امام العرب، واخلال برسالتها نحو بيت اللّه الحرام المتمثله بحمايه البيت وتسهيل امور حجاجه وزواره.

 وفى الحالتين فان المفاوضات بين محمد وبين البطون قدر محتوم.

 والمفاوضات لها اصولها، فلا بد من وفد يمثل البطون مخول بالتفاوض مع محمد، ولا بد من وثيقه خطيه تشتمل على ما اتفق عليه الطرفان، ولا بد من جلسه تجمع بين الطرفين المتفاوضين، بهذا المناخ تبث بطون قريش ما فى صدرها، وتعبر بشكل او باخر عن حقيقه تحليلها النهائى للموقف، وتبدى رغبه ضمنيه بازاله حاله التوتر، ومحمد هو الرابح بهذه الحاله، حيث يحقق ضمنيا اعتراف البطون رسميا بوجوده ككيان كفو لها.

 واحتمال الصدام المسلح صفر، بسبب المفاجاه، ولان البطون تعرف محمدا واصحابه، وقد عجمت عودهم فى الحرب، ولانها غير مستعده لهذا الصدام، ولانها لا تريد ان تحرج نفسها امام العرب عندما تقاتل عمار بيت اللّه الحرام.

 واطمانت نفس النبى الكريمه، وارتاحت لفكره اداء العمره، وراى الرسول فى منامه انه قد دخل البيت الحرام، وحلق راسه، واخذ مفتاح البيت ووقف فى عرفه مع الواقفين.

 عندئذ اتخذ النبى قراره لاداء العمره، واذاع القرار، وذاع خبر الرويا المباركه مع القرار، ولم يشك الصحابه بالفتح، بسبب هذه الرويا(493).

 

الاعداد للعمره والمسيره:

امر النبى اصحابه بان يتجهزوا للعمره، على ان يخرجوا بغير سلاح الا السيوف فى القرب، واعد سبعين بدنه، واشعرها وقلدها، واشعر المسلمون بدنهم وقلدوها، ثم صلى ركعتين فى المسجد، واحرم: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، ان الحمد والنعمه لك والملك، لا شريك لك)، وهكذا فعل المسلمون واحرموا معه.

 وخرج من المدينه معتمرا 1600 مسلم من اصحابه، وعدد من النساء.

 وفى الطريق الى مكه كان يمر بالاعراب، فيستنفرهم لاداء العمره معه لكنهم كانوا يتشاغلون عنه، ويقولون فى انفسهم ان محمدا واصحابه لن يرجعوا ابدا من هذه الرحله، وان قريشا ستقضى عليهم، وتابع النبى واصحابه مسيرتهم ومعهم الهدى حتى وصلوا الى الحديبيه، فعسكر (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فيها(494).

 

بطون قريش تقرر صد المعتمرين:

لقد بلغ قريش خروج محمد وصحبه الى مكه معتمرين ومعهم الهدى، ففزعت، وراعها ذلك.

 منطقيا زياره البيت الحرام حق لكل الناس فلا يصد زائر كائنا من كان فرد ام جماعه، لكن محمد واصحابه شى‏ء آخر، لقد اجتمعت بطون قريش وتشاورت فى ما ينبغى ان تفعله فقالت: (ان محمدا يريد ان يدخل علينا فى جنوده معتمرا، فتسمع به العرب، وقد دخل علينا عنوه وبيننا وبينه من الحرب ما بيننا، واللّه لا كان هذا ابدا ومنا عين تطرف)(495).

 واتخذت قيادتهم الترتيبات اللازمه لصد محمد ومن معه ومنعهم من اداء العمره، ومن هذه الترتيبات: 1- وضع العيون على الجبال لرصد محمد.

 2- تقديم مئتى فارس الى كراع الغميم.

 3- استنفار من يطيعها من الاحابيش.

 4- الاستعانه بثقيف.

 5- ان تخرج بطون قريش ومعها النساء والاطفال.

 6- ان يعسكر الجميع بمنطقه بلدح حيث يضربون القباب والابنيه، وهكذا كان(496).

 

رسول اللّه يوجه الاحداث:

لقد احيط الرسول علما بقرار بطون قريش، وهو على علم به، فمعه الوحى، ومعه الالهام وله عقل مميز، وقلب كبير معد لمواجهه اشد الامور تعقيدا.

 استقر بالحديبيه فهو ليس بعجله من امره، وجاءه وفد من خزاعه حلفائه وحلفاء آبائه واجداده، منهم المسلم، ومنه المتعاطف معه، ومعهم بديل‏بن ورقاء، ووضعوا النبى بالصوره وباستعدادات بطون قريش لصده ومن معه ومنعهم من اداء العمره.

 

النبى يعلن عن الغايه من قدومه:

فقال الرسول لركب خزاعه: (انا لم نات لقتال احد، انما جئنا لنطوف بهذا البيت، فمن صدنا عنه قاتلناه.

 وقريش قوم قد اضرت بهم الحرب ونهكتهم، فان شاءوا ماددتهم مده يامنون فيها، ويخلون فى ما بيننا وبين الناس، والناس اكثر منهم، فان ظهر امرى على الناس، كانوا بين ان يدخلوا فى ما دخل فيه الناس، او يقاتلوا وقد جمعوا.

 واللّه لاجهدن على امرى هذا حتى تنفرد سالفتى، او ينفذ اللّه امره)(497).

 

سفارات:

تحرك وفد خزاعه الى زعامه البطون وخزاعه متهمه عندهم، وتدخل عروه‏بن مسعود، واقنع زعامه البطون ان تسمع من وفد خزاعه، وتكلم بديل‏بن ورقاء وزعامه البطون تصغى له، ونقل لهم بامانه تامه ما قاله الرسول.

 واقترح عروه ان يبعثوه الى محمد، ليتاكد من صحه ما قاله بديل بن ورقاء، ووافقت زعامه البطون، وذهب عروه وقابل الرسول، ووضعه بالصوره التى آلت اليها امور البطون، واطلعه النبى على حقيقه موقفه، وتاكد من صحه ما قاله بديل، والخزاعيون.

 ورجع عروه‏بن مسعود مبهورا بشخصيه النبى، وعمق العلاقه بين النبى واصحابه، واطلع البطون على حقيقه موقف النبى والغايه من قدومه، وانه قد اتى البيت معظما له، ومعه الهدى ينحره وينصرف.

 وجاء سيد الاحابيش حليس بن علقمه، وشاهد الهدى عليه القلائد وقد اكل اوباره، والقوم قد تفلوا وشعثوا، وتاثر حليس بما راى، وقبل ان يقابل الرسول رجع الى قريش غاضبا، قال لهم: (انى قد رايت ما لا يحل صده، رايت الهدى فى قلائده قد اكل اوباره معكوفا عن محله، والرجال قد تفلوا وقملوا.

.

 اما واللّه ما على هذا حالفناكم ولا عاقدناكم على ان تصدوا عن بيت اللّه من جاء معظما لحرمته موديا لحقه، وساق الهدى معكوفا ان يبلغ محله، والذى نفسى بيده لتخلن بينه وبين ما جاء به، او لانفرن بالاحابيش نفره رجل واحد) فقالت له زعامه البطون: فاكفف عنا حتى ناخذ لانفسنا بعض ما نرضى به(498).

 وبعث الرسول الى قريش خراش بن اميه الكعبى ليبلغ اشرافهم ما جاء به.

 وكلف النبى عمر بن الخطاب ليذهب الى قريش، فرفض عمر لانه خاف قريشا على نفسه كما قال(499).

 عندئذ كلف الرسول عثمان بن عفان ليقول لقريش: (ان محمدا لم يات لقتال احد، انما جاء ومن معه زوارا لهذا البيت معظمين لحرمته ومعهم الهدى ينحرونه وينصرفون)(500).

 ومن الموكد ان عثمان قد بلغ ما ارسل به تماما.

 

المبايعه ودورها بتسريع المفاوضات:

اشيع بان عثمان قد قتل، وانتشرت الاشاعه فى اوساط المسلمين، عندئذ قال النبى لاصحابه: ان اللّه امرنى بالبيعه، فبايعه من معه من المسلمين، وانتشر نبا البيعه، وسمعت به بطون قريش، وادركت ان محمدا جاد، وانه سيقاتل ان لم ياذنوا له بدخول المسجد الحرام او يجدوا للامر مخرجا، فرعبت بطون قريش، ووعت حقيقه انها غير مستعده للقتال، وان استعدادها ينحصر فى منع محمد ومن معه من اداء العمره عنوه عنها وليس قتاله، وعلى هذا الاساس اجلبت ثقيف، وجمعت احابيشها، واخذ محمد البيعه من اصحابه على القتال نسف لكامل خطط البطون، وتحديد مجال المناوره امامها، وقد هدد حليس‏بن علقمه بسحب الاحابيش، وموقف ثقيف يتراخى، وبالنتيجه ستكون البطون الغير مستعده للقتال وجها لوجه امام محمد، وتنفتح على البطون ابواب لا تقوى على اغلاقها.

 ثم ان مطالب محمد واضحه ومحدده، وغايه ما يتمناه ان تخلى البطون بينه وبين العرب، لذلك رات زعامه بطون قريش ان من الخير لها ان تصالح محمدا، وان تعقد معه هدنه طويله الاجل مقابل ان ينصرف عنها هذا العام ويعود فى العام القابل حتى لا تفهم العرب بان محمدا قد دخل مكه عنوه، واختارت البطون ثلاثه من رجالاتها ليقوموا بالمفاوضات مع محمد نيابه عنها، ويكتبوا وثيقه بما يتم الاتفاق عليه ويوقعها الطرفان، وتشكل وفد البطون الى المفاوضات من سهيل‏بن عمرو، وحويطب‏بن عبدالعزى، ومكرزبن حفص، وتوجه وفد البطون لمقابله الرسول والشروع بالتفاوض تمهيدا لتحقيق المصالحه(501).

 

على مائده المفاوضات:

جلست بطون قريش ممثله بوفدها لتتفاوض مفاوضه مباشره مع محمد الذى لم تعترف بوجوده طوال مده 19عاما، وجلوسها على مائده المفاوضات معه يعنى اعترافها الضمنى بوجوده ككيان كفو للتعاقد معها.

 استهل رئيس وفد البطون الجلسه الاولى بتقديم اعتذار البطون عن بعض المناوشات المحدوده التى جرت من بعض اتباعها قائلا: (من قاتلك لم يكن من راى ذوى راينا، ولا ذوى الاحلام منا، بل كنا له كارهين حين بلغنا ولم نعلم به، وكان من سفهائنا فابعث الينا باصحابنا الذين اسرتهم، فقال النبى: ابعثهم اليكم حين ترسلون اصحابى، فقال سهيل: انصفتنا، وهكذا تمت الموافقه على تبادل الاسرى ونفذت فورا)(502).

 

الاتفاق وكتابه كتاب الصلح:

بعد مفاوضات مضنيه بين الطرفين تم الاتفاق على كافه النقاط التى بحثت، ولم يبق الا كتابه كتاب الصلح، وتم الاتفاق على ان يتولى كتابته على‏بن ابى طالب يمليه عليه رسول‏اللّه، واعترض وفد البطون على عباره (بسم اللّه الرحمن الرحيم)، وعباره (رسول‏اللّه) وطالبوا بتغييرهما الى (باسمك اللهم) و(محمدبن عبداللّه)، فاستجاب لهم رسول‏اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم)، وهكذا تغلب على مشكلتين شكليتين كادتا ان تنسفا المفاوضات كلها، وان تضيع الفرصه الذهبيه التى ترقبها طوال 19 عاما(503).

 

بنود الاتفاق:

هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد اللّه، وسهيل بن عمرو، اصطلحا: 1- على وضع الحرب عشر سنين يامن فيها الناس، ويكف بعضهم عن بعض.

 2- لا اسلال ولا اغلال وان بيننا عيبه مكفوفه.

 3- من احب ان يدخل فى عهد محمد وعقده فعل، ومن احب ان يدخل فى عهد قريش وعقدها فعل.

 4- من اتى محمدا منهم بغير اذن وليه رده، ومن اتى قريش من اصحاب محمد لم ترده.

 5- يرجع محمد عامه هذا باصحابه، ويدخل مكه العام القابل فى اصحابه فيقيم ثلاثا، ولا يحملون معهم الا سلاح المسافر، السيوف فى القرب.

 واخذ الرسول نسخه من هذا الكتاب، واخذ سهيل نسخه اخرى(504).

 وبعد تبادل نسخ الكتاب (المعاهده)، قال من حضر من خزاعه: (نحن ندخل فى عهد محمد وعقده، ونحن على من ورائنا من قومنا، ووثبت بنو بكر فقالوا: نحن ندخل مع قريش فى عهدها وعقدها، ونحن على من ورائنا من قومنا)(505).

 

تقييم الاتفاق او معاهده الصلح:

لقد اعط‏ى اتفاق الحديبيه محمدا كل ما يريده: (من احب ان يدخل فى عهد محمد وعقده فعل) وهذا البند (الثالث) عام يشمل العرب والعجم، ومعناه ان قريش تترك الحريه لاى مجموعه بشريه لتدخل فى عهد محمد وعقده.

 وهذا بحد ذاته انقلاب، لان اعلام البطون كان يصور محمدا وكانه ابن عاق من ابنائها خرج عليها، وكان الصراع بينها وبينه هو صراع عائلى بين عشيره كبرى وبين فرد خارج عليها، وبهذه الحاله فان لم تقف العرب مع العشيره الكبرى فانها لن تقف مع ابن العشيره الخارج عليها.

وجاء اعتراف البطون بحق محمد باستقطاب العرب حوله ليقلب كل المفاهيم، وليلغى دفعه واحده آثار اعلام البطون، وليخلق مناخا جديدا للدعوه، ومجالا رحيبا للدوله الاسلاميه.

 فدين محمد قائم على السلام، والكلمه الطيبه والاقناع، واحترام العقل، وتقديس الحوار الجدى الباحث عن الحقيقه المجرده، فاذا وجدت الحريه، ورفع الحرج، وسمع الناس حجه محمد، وقارنوها مع حجه البطون، واعلامها فسيدخلون بالضروره فى عهد محمد وعقده، وبوقت يطول او يقصر ستجد بطون قريش نفسها معزوله، فهى لا تدعى بدين جديد، وليس لديها ما تقدمه، ومع الايام تصبح جزيره ظلمات وسط نور باهر.

 فلذلك كان هذا الاتفاق فتحا حقيقيا لمكه، وهزيمه ساحقه لبطون قريش، وكان نصرا موزرا لدبلوماسيه الرسول التى حصدت ثمار المواجهه المسلحه مع البطون افضل حصاد، وباقرب الطرق وايسرها، وحققت كل ما كان يتمناه النبى (صلى اللّه عليه وآله وسلم).

 وتحديد مده الصلح بعشر سنين غير ملزم، فاذا اخلت البطون بهذا الاتفاق، فهى التى ينبغى ان تدفع الثمن، وان تواجه قوه تقوى ولا تضعف، وبهذه الحاله فان محمدا بحل منها.

 وحدث هذا بالفعل.

 وحول رجوعه على ان يعود العام المقبل، فالعمره سبب للمصالحه وطريق اليها، فقد اتخذ الرسول قرار العمره لعل مسيرته الى العمره تودى الى المفاوضه، فالصلح، وقد ادت العمره دورها وقادت الى المصالحه، وكانت سببا لتخلى قريش بينه وبين العرب، وهو المطلب الذى قاتل من اجله سته سنوات، وتمناه طوال فتره البعثه التى سبقت المصالحه، والتى استمرت 19عاما.

 ورجوع محمد دون اداء العمره احراج كبير لبطون قريش امام العرب، واعتراف صريح منها بانها تصد زوار بيت اللّه الحرام، وبالتالى ليست اهلا لاداره البيت الحرام، ومحمد ماجور برجوعه، لانه لو اصر على اداء العمره، فالشر الذى سيحدث بادائها اعظم من الخير الذى يرجى بتركها.

 اما حول البند الذى ينص على التزام النبى برد من ياتيه بدون اذن وليه، فهو يصب فى مصلحه الاسلام، فمن يومن باللّه ورسوله لا يمكنه ان يتخلى عن هذا الايمان، سواء اكان مع محمد او عند بطون قريش، وكثير من المسلمين كانوا يقيمون فى مكه، فمن يرده النبى ينضم للمسلمين المقيمين فى مكه ليشكلوا معا قوه يستفاد منها عاجلا ام آجلا.

 ثم ان بنود الاتفاق متكامله، فاذا اخلت بطون قريش ببند منها فان محمدا بحل من هذا الاتفاق بعد ان شاع بين العرب، واعترفت البطون بحقه باستقطاب من يشاء.

 وستتاح له الفرصه لتصفيه الحركه اليهوديه فى الجزيره، واستقطاب القبائل التى كانت متردده مراعاه لخاطر بطون قريش.

 وبكل الموازين السياسيه والعسكريه فان صلح الحديبيه كان من اعظم الانجازات والفتوحات التى حققها رسول‏اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم.

 

انا عبد اللّه ورسوله:

بهذه الكلمات الثلاث اجاب رسول‏اللّه من لم تعجبه هذه المعاهده، بمعنى ان اللّه تعالى هو الذى امره بالعمره، ورتب له الامور، فهو عبداللّه يفعل ما يومر، ورسول‏اللّه يتقيد باوامر من ارسله، فمعه الوحى ومعه الالهام، وهو لا ينطق عن الهوى.

 فمحمد يعلم علم اليقين بان ما جرى سوف يجرى، خطوه بعد خطوه حتى يكتمل بالصوره التى آل اليها.

 لقد صرح النبى علنا بان اللّه قد امره بالبيعه(506)، وامر مناديا ينادى: (ان روح القدس قد نزل وامر بالبيعه، فاخرجوا على اسم اللّه فبايعوا)(507)، بمعنى ان اللّه يوجه نبيه خطوه خطوه، نحو الهدف العظيم.

 حتى تحقق الصلح المبارك، فرضى اللّه تعالى عنه، وبرضاه رضى رسول‏اللّه.

 

المزايده والتشويش:

لم يرض عمر بن الخطاب بمعاهده الصلح التى رضى اللّه عنها، واعتبرها فتحا مبينا، وامر رسوله بقبولها والتوقيع عليها، ليختم مرحله من المواجهه، لقد اعتبر عمر هذه المعاهده (دنيه)، وقال للرسول امام المسلمين: (فعلام نعط‏ى الدنيه فى ديننا)، وظهر الرجل بمظهر من يزايد على الرسول بالدين الذى علمه الرسول اياه!!! وقبل يوم واحد فقط طلب رسول‏اللّه من عمر ان يذهب الى بطون قريش ليقول لها: (بان رسول‏اللّه لم يات لقتال احد، انما جئنا زوارا لهذا البيت، معظمين لحرمته، معنا الهدى ننحره وننصرف، فرفض وقال للرسول: يا رسول‏اللّه انى اخاف قريش على نفسى، وليس بها من بنى عدى من يمنعنى)(508)!! وهو نفس عمر الذى اشترك فى معركه بدر ولم يثبت انه قد قتل مشركا او جرحه، وهو نفسه الذى هرب من المعركه يوم احد، وقد ذكره الرسول بذلك يوم اقبل عليه فقال له: (انسيتم يوم احد اذ تصعدون ولا تلوون على احد، وانا ادعوكم فى اخراكم)(509)..

 وهو نفس الرجل الذى لم يكن له اى دور مميز فى اى معركه من معارك الاسلام التى سبقت صلح الحديبيه!!! وهو الذى يزايد على رسول‏اللّه، ووصف المعاهده التى وقعها النبى ورضى (بانها دنيه فى ديننا) واعلن عمر انه لو وجد اعوانا ما اعط‏ى الدنيه!! اى ما سمح بتوقيع هذا الصلح(510)!!! ولقد استخف نفرا من اسلم وغضب الكثير لغضبه(511).

 لقد حاول ان يحول بين النبى وبين الصلح، وحاول ان يلغى المعاهده، ولكنه لم ينجح، ومن ذلك التاريخ ادرك اهميه وجود الاعوان لفرض رايه(512).

 وبالرغم من معارضه عمر الشديده لصلح الحديبيه ورده على اللّه ورسوله الا ان اولياءه يسجلونه شاهدا على هذا الصلح، ويوكدون انه قد وقع كشاهد(513)!!! لقد برع القوم باعطاء عمر (رضى اللّه عنه) دور البطوله فى كل موقف، حتى وان خالف الرسول او اختلف معه، فمخالفته للرسول او اختلافه معه كان لحكمه رآها عمر (رضى اللّه عنه)!!! قال ابو سعيد الخدرى: (جلست عند عمربن الخطاب رضى اللّه عنه يوما، فذكر القضيه، فقال: لقد دخلنى يومئذ من الشك، وراجعت النبى صلى اللّه عليه وسلم يومئذ مراجعه ما راجعته مثلها قط، ولقد عتقت فيما دخلنى يومئذ رقابا، وصمت دهرا، وانى لاذكر ما صنعت خاليا فيكون اكبر همى)(514).

على اى حال لقد تغلب النبى على المزايده والتشويش، ويوم الفتح قال: (ادعوا لى عمربن الخطاب، فقال اى عمر، هذا الذى قلت لكم! قال: اى رسول‏اللّه ما كان فتح فى الاسلام اعظم من صلح الحديبيه!!)(515).

 

الفصل الرابع

المواجهه مع اليهود

 

لقد ارسل اللّه رسوله محمدا الى الناس كافه، بغض النظر عن الدين او اللون او العرق، فهو خالقهم جميعا، ابوهم آدم وامهم حواء.

 ولانه يتعذر على النبى ان يبلغ الناس جميعا وبوقت ومكان واحد مضمون رسالته، فقد اختار تعالى مكه لتكون نقطه الانطلاق للنبوه والرساله، لان زوار البيت يتقاطرون لزيارته من مختلف الانحاء، واحرى بهم ان ينقلوا معهم ما يسمعون من انباء عند عودتهم لامصارهم، وكانت الغالبيه العظمى من سكان مكه وما حولها تعبد الاصنام، وندره منهم كانوا قد اعتنقوا اليهوديه او النصرانيه، او سمعوا الكثير عن هاتين الديانتين.

 وكان ما كان من تصدى بطون قريش للنبوه والرساله، ومن مواجهتها للنبى حتى تامرت على قتله وفشلت.

 وطاردته ففشلت، ووصل رسول‏اللّه سالما الى المدينه.

 وبالاجمال لم تحدث مواجهه بين النبى وبين اليهود خلال فتره وجوده فى مكه التى استمرت 13عاما، بل على العكس من ذلك، فقد كانت ترد انباء يرويها المشركون عن اليهود بان نبيا من بنى عبدمناف سيظهر، وان اوان ظهوره قد اقترب!! فيرتاح النبى والذين اسلموا معه لمثل هذه الانباء ويطمئنوا لها.

 

فى المدينه المنوره:

لا بد من التذكير بان بطون قبيلتى الاوس والخزرج يشكلون الاغلبيه الساحقه من سكان بلده يثرب وما حولها، بالاضافه الى اقليه كبيره من اليهود.

 ويبدو واضحا ان اصحاب بيعتى العقبه الاولى والثانيه قد نجحوا نجاحا ساحقا بادخال دين الاسلام الى كل بيت من بيوت بطون الاوس والخزرج، مثلما نجحوا بخلق راى عام فى يثرب وما حولها متشوق او متظاهر بالتشوق لرويه الرجل الرسول، وموالى او متظاهر بموالاه هذا الرسول.

 ولا خلاف بين اثنين من سكان يثرب بان الرجل الرسول سياتى الى يثرب قائدا ومتبوعا غير تابع، ولم يعلن احد من السكان معارضته لقياده الرسول.

 لقد نجح المسلمون الرواد فى يثرب بايجاد حاله عظمى من الانبهار.

 لقد استقبل سكان يثرب وما حولها النبى استقبالا حافلا لم يستقبل به زعيم قبله قط، وما يزيد هذا الاستقبال روعه انه وليد مشاعر مختلطه من الرضى والاقتناع والمجامله والانبهار، وفى بعد قصى عن القوه والاكراه والتسلط.

 وقد اشتركت الاقليه الكبيره من اليهود اشتراكا موثرا فى كل ذلك، فقد تسلق قسم منهم جذوع النخيل ليكون اول من يرى طلعه النبى!! ولما اشرقت طلعه النبى، صاح احد اليهود: (يا اهل يثرب هذا حظكم قد اتى).

 انتهت مراسم الاستقبال، ودخل النبى عاصمته الجديده يغمره شعور عام بالرضى والاطمئنان، وصمم ان يجعل من وصوله الى يثرب نقطه تحول كبرى فى حياه كل سكانها، لا فرق باللون او العرق او الدين.

 لقد كانت نظرته للامور حياديه ومجرده، وهمه الاعظم منصب على انقاذ الجميع من الظلمات الى النور، واشعار الجميع انهم اصحاب رساله الى العالم.

 ولعبت قوانين التنافس والتسابق بين بطون الاوس والخزرج دورا كبيرا، فلا تجد من هذه البطون رجلا الا وقد اسلم او تظاهر بالاسلام، او والى محمدا حقيقه او تظاهر بموالاته، فبطون الاوس تريد ان تكون السابقه، وبطون الخزرج تطمع بذلك.

 لقد ادركت بطون الاوس والخزرج ان الاسلام صار هو درب الحياه الوحيد، وتذكره المواطنه، وطريق المستقبل، والمفتاح الى كل دور من ادوار الحياه، فارادت الاوس ان تسبق الخزرج، وارادت الخزرج مثل ذلك، ووسيله السبق هو الاسلام وموالاه النبى او التظاهر بهما.

 ولم يبق رجل من رجالات بطون هاتين القبيلتين، الا وقد اسلم او تظاهر بالاسلام.

 وفى هذا المناخ التنافسى ظهرت ظاهره النفاق على اوسع نطاق، حيث يظهر اهله الاسلام والموالاه، ويبطنون الكفر والحقد على محمد وآله.

اما اليهود فقد كانوا اكثر وضوحا، حيث اعلن عدد قليل منهم اعتناقه للاسلام، وبقيت الاكثريه الساحقه منهم على دينها، ولم يكرههم النبى على ترك دينهم واعتناق دينه، ولم يغضب منهم او يحقد عليهم، بل كان يامل ان يكونوا اكثر تفهما له، وتعاطفا معه، فهم من نسل اسحاق النبى، ومحمد من نسل اسماعيل النبى، واسحاق واسماعيل اخوه فهما ابنا ابراهيم (عليهم‏السلام)، بمعنى انهم ابناء عمومه، ومن جهه ثانيه فهم اهل كتاب، وقد احيطوا علما باخبار الرسل والانبياء، وقبل اعلان النبوه المحمديه، كان اليهود يستفتحون على المشركين العرب ويوكدون لهم ان نبيا سيظهر، وان هذا النبى هو بشرى انبياء بنى اسرائيل الذين سبقوه.

 ولان النبى حيادى وموضوعى، وليس عنده حكم مسبق، فقد كان يتوقع خيرا من اليهود، ويظن انه بوقت يطول او يقصر سيقتنع اليهود به ويدخلون فى دينه، ويستفيد الاسلام من تجارب اليهود الايمانيه السابقه، ومما وسع افق هذا التفاول، ارتباط اليهود بسلسله متماسكه من التحالفات مع بطون الاوس والخزرج، وظهر اليهود بمظهر الموالين لمحمد او الراضين بقيادته، المستبشرين بعهده خيرا.

 كل هذه الاسباب الموضوعيه دعت رسول‏اللّه لاعتبار سكان يثرب وما حولها بما فيهم اليهود مع من هاجروا من اهل مكه امه واحده متميزه عن غيرها من الناس، واعتبار المدينه وطنا للجميع بما فيهم اليهود وحمايه هذا الوطن من مسووليه الجميع، واعترف بالتحالفات القبليه السابقه لقدومه، وتركها على حالها، واعط‏ى كافه هذه التشكيلات الحريه باداره شوونها، وعند اختلافها فهو المرجع لحل هذه الخلافات.

 واعتبر النبى اعلى سلطه فى البلاد، وقد وضع النبى هذه الترتيبات على شكل دستور، وافق عليه كل سكان المدينه بما فيهم اليهود، او تظاهروا بالموافقه ولم يعترض عليها منهم احد، واخذت هذه الترتيبات صفه التعاقد.

 وقد جاء فى هذه الترتيبات ما يلى وبالحرف: (وان على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وان بينهم النصر على من حارب اهل هذه الصحيفه (الدستور)، وان بينهم النصح والنصيحه والبر دون الاثم)، وقد حللنا هذه الصحيفه فيما سبق(516).

 ومن الموكد ان اليهود قد فهموا مضمون الصحيفه، ووافقوا عليها، او على الاقل لم يعترضوا.

 وليس هنالك ما يمنعهم من الاعتراض عليها، فتحالفاتهم مع البطون ما زالت قائمه، ومعهم كافه المنافقين، ومحمد لم تثبت اقدامه بعد فى يثرب، واليهود اهل مال وقوه، ولهم نفوذ، ومع هذا لم يرو احد بان اليهود قد اعترضوا على هذه الترتيبات، وكلما روى يفيد بانهم قد قبلوا بها او تظاهروا بالقبول.

 وقد ذهب المورخون والرواه واصحاب السيره مذهبين: 1- فمنهم من يقول بان اليهود قد عاهدوا النبى وتعاقدوا معه، بان تكون حرب النبى حربهم، وسلمه سلمهم، وعدوه عدوهم، ونصوص الصحيفه او الدستور الذى وضعه النبى لترتيب اوضاع يثرب وما حولها بعد قدومه اليها توكد ذلك، وسير الاحداث التاريخيه يوكد ايضا هذا القول.

 2- ومنهم من يرى بان اليهود قد عاهدوا النبى وتعاقدوا معه على التعايش معه، وان لا يعينوا عليه عدوا كائنا من كان.

 وسيان اخذنا بهذا القول او ذاك، فان اليهود على اقل تقدير قد التزموا بعدم معاداه النبى وبالتعايش السلمى معه.

 

نقض العهد والخروج على النبى:

من الموكد ان يهود المدينه وما حولها ذهلوا من سرعه التفاف بطون الاوس والخزرج حول الرسول، ومن قدره الرسول على استقطابهم، ومن حاله الانبهار العام التى دفعت هذه البطون لموالاه محمد او التظاهر بموالاته.

 واكتشف اليهود بانهم قد تميزوا او عزلوا عن المجتمع، فراوا ان من الحكمه ان لا يكشفوا انفسهم، فاعلنوا انهم باقون على دينهم، ولكنهم يوالون النبى ويقبلون بقيادته وهم مع الاوس والخزرج، يوالون وليهما ويعادون عدوهما.

 ومن الطبيعى ان النبى لا يحاكم على البواطن، فهو يعلم علم اليقين ان هنالك منافقين يظهرون الايمان ويبطنون الكفر والعصيان، ويتشدقون بموالاه النبى وهم عصاه، ولكن حسب مقتضيات العدل الالهى فانه لا سلطان له عليهم ما اظهروا الاسلام ونطقوا بالشهادتين، ولا سلطان له على اليهود الذين احتفظوا بدينهم، واعلنوا قبولهم بقياده النبى، وابطنوا العداوه له، لقد كان النبى يطاولهم ما طاولوه، ويهادنهم ما هادنوه، ولا يبدا بعداوه اى فرد او جماعه، ولا يفتح على اى كان ابواب المواجهه والخصومه، تلك هى طبيعه النبى وطبيعه دينه وهذا منهج النبى فى كل مواجهاته، فقد كان يترك الخصم حتى يبدا بالعدوان، فاذا بدا الخصم بالعدوان يعط‏ى اوامره بالرد وبحجم العدوان.

 ومن هذا المنطلق، فان افرادا من اليهود، وجماعات منهم قد نقضوا العهد، وخرجوا على العقد، فجابه الذين نقضوا عهودهم، ولم يتعرض لغيرهم، فاذا خرج خارج جابهه، واذا نقض عهده ناقض تصدى له.

 هذه السياسيه الحكيمه جنبته وحده خصومه، وفتتت جبهه اولئك الخصوم، فمن فيض النعمه الالهيه على محمد، ومن عبقريه قيادته، ان خروج اليهود ومواجهتهم له لم يتم على دفعه واحده، ولا بوقت واحد، والا لكان فى ذلك حرج شديد، انما حدثت مواجهه اليهود له على موجات، وباوقات متعدده، وفى كل خروج كان الرسول يواجه من يخرج عليه من اليهود ومن ينقض عهده، ولا يتعرض لغيره لا من قريب ولا من بعيد.

 وكان يحرص كل الحرص، على ان يبين لمن يخرج عليه سوء عمله وحقيقته، وان ينصحه بالنزوع عنه، فان ابى استعان النبى عليه باللّه وواجهه، مما اضفى على مواجهاته كلها طابع الشرعيه.

 

نتائج معركه بدر:

النتائج المذهله التى اسفرت عنها معركه بدر، صعقت كل اولئك الذين كانوا يبطنون الكراهيه والحسد لمحمد ولاله واتباعه، واججت نيران حسدهم للنبى وحقدهم عليه، واخرجتهم عن وقارهم المصطنع، وعن صمتهم الاثم.

 ومن هولاء: اليهود، والمنافقين، ومع انه لا علاقه خاصه لهم ببطون قريش، الا انهم ابدوا تاثرهم البالغ بما اصاب البطون وبكوا قتلى البطون، وشجعوها على الانتقام من محمد وآله.

 

المواجهه مع بنى قينقاع:

بنو قينقاع احدى الجماعات اليهوديه التى هزتها نتائج معركه بدر، واخرجتها عن صمتها الاثم، ومع انهم قد اعطوا الرسول العهود والمواثيق بان يكونوا معه او لا يظاهروا عليه عدوا، الا انهم نقضوا العهد، وجاهروا بعداوتهم للنبى، فجمعهم النبى، وذكرهم بعهده وعقده ودعاهم الى الاسلام، او التوقف عن اعلان عداوتهم له، فلم يصغوا للنبى، فحذرهم النبى من ان يصيبهم ما اصاب البطون فى بدر، فاجابوا النبى بصلف قائلين: (يا محمد لا يغرنك من لقيت، انك قهرت قوما اغمارا، وانا واللّه اصحاب الحرب، ولئن قاتلتتنا لتعلمن انك لم تقاتل مثلنا)(517).

 ومع هذا تركهم النبى ليقيم الحجه عليهم، وليحملهم مسووليه بدء العدوان عليه، وجاءت امراه مسلمه لتشترى مصاغا من سوقهم، فغافلها يهودى فربط ردائها دون ان تشعر، ولما نهضت المراه انكشفت عورتها، فضج اليهود بالضحك، فقام رجل مسلم فقتل الذى ربط ثوب المراه.

 عندئذ، اجتمعت بنو قينقاع وقتلوا الرجل، واعلنوا رسميا نبذهم للعهد وتحصنوا فى حصنهم، واعلنوا الحرب ضمنيا على النبى، عندئذ سار اليهم النبى، وحاصرهم خمس عشره ليله، حتى قذف اللّه فى قلوبهم الرعب، وعرضوا على رسول‏اللّه ان يخرجوا من الحصن، ويجلوا من المدينه، فابى الرسول الا ان ينزلوا على حكمه، وهكذا كان، فربطهم رسول‏اللّه واوثقهم بالحبال فحضر ابن ابى، وتيقن ان النبى سيقتلهم فادخل يده فى جنب درع النبى، وطلب منه ان يحسن لمواليه وتغير وجه النبى، فقال له: (ارسلنى)، فقال ابن ابى: (لا ارسلك حتى تحسن فى موالى اربعمئه دارع وثلاثمئه حاسر، تريد ان تحصدهم فى غداه واحده)، فقال الرسول: (خلوهم لعنهم اللّه ولعنه معهم) وامر بان يجلوا من المدينه.

 وحاول ابن ابى ان يبقيهم فى المدينه فابوا، وتم اجلاوهم الى اذرعات، بعد ان اخذ النبى اموالهم(518).

 

المواجهه مع بنى النضير:

قتل رجل مسلم رجلين من بنى عامر دون ان يعلم ان بينهم وبين رسول‏اللّه امان وعهد، وطلب عامربن الطفيل ديتهما، فسار رسول‏اللّه الى بنى النضير ليستعين بهم على الديه، وكانوا حلفاء بنى عامر، فقال اليهود: نفعل يا ابا القاسم ما احببت، اجلس حتى نطعمك.

 ثم خلا بعضهم الى بعض فقال حيى‏بن اخطب: (يا معشر اليهود، قد جاءكم محمد فى نفر من اصحابه لا يبلغون العشره، فاطرحوا عليه حجرا من فوق هذا البيت الذى هو تحته فاقتلوه، فلن تجدوا اخلى منه الساعه، فان قتل تفرق اصحابه، فلحق من كان معه من قريش بحرمهم، وبقى من ها هنا من الاوس والخزرج).

 فقال عمروبن جحاش: (انا اظهر على البيت واطرح عليه الصخره!) فقال سلام‏بن مشكم: (اطيعونى هذه المره وخالفونى الدهر، واللّه ان فعلتم ليخبرن بانا قد غدرنا به، وان هذا نقض العهد الذى بيننا).

 وجاء رسول‏اللّه الخبر من السماء، فنهض كانه يريد حاجه، وترك اصحابه جلوس مع اليهود، واكتشف اليهود ان موامرتهم قد كشفت، ونصحهم ناصح منهم، اسلموا لتنجو من عاقبه موامرتكم عليه، فابوا، فقال لهم حكيمهم، (اذا فان محمدا سيطلب منكم الخروج فاخرجوا).

 ولما وصل رسول‏اللّه الى مامنه ارسل ليهود بنى النضير رسولا لينقل لهم انذارا مختصرا: (ان اخرجوا من بلادى)، وتبلغوا الانذار فشجعهم ابن ابى على رفض الانذار.

 وحاول ابن ابى ان يشكل جبهه من اليهود والمنافقين، وسريعا امر النبى من اطاعه بالتهيو لمقاتله بنى النضير الذين نقضوا عهده، ورفضوا انذاره، ودخلوا حصونهم واستعدوا للقتال، وتخلى عنهم ابن ابى ويهود بنى قريظه.

 وبدا المسلمون فى حصارهم، واثناء الحصار نزلت قله منهم، واعلنت اسلامها، وبعد ان استحكم الحصار استسلم بنو النضير، ونزلوا على ان لهم ما حملت الابل الى الحلقه، فاجلاهم رسول‏اللّه عن المدينه، وحملوا على ستمائه بعير، وهكذا ربح المواجهه مع بنى النضير(519).

 

المواجهه مع بنى قريظه:

بقيت بنو قريظه على عهدها وعقدها مع رسول‏اللّه، وكانت ترى ان خروج بنى قينقاع وبنى النضير على العهد والعقد عمل طائش وغير مصيب، ولم يصدر من بنى قريظه ما يعكر حاله التعايش السلمى بينهم وبين رسول‏اللّه واصحابه، واستمرت الامور على ما يرام، ووصف عقيد بنى قريظه كعب‏بن اسد العلاقات بين محمد وبين بنى قريظه قائلا: (انى عاقدت محمدا وعاهدته، فلم نر منه الا صدقا، واللّه ما اخفر لنا ذمه، ولا هتك لنا سترا، ولقد احسن جوارنا)(520).

 هذا ما قاله عقيد بنى قريظه للوفد الذى جاء ليضم بنى قريظه الى تجمع الاحزاب، الا ان حيى‏بن اخطب ومن معه نجحوا باغواء بنى قريظه، واتفقت بنو قريظه اخيرا على ان تنظم لتجمع الاحزاب، وان تهجم على المسلمين من الخلف عندما تبدا بطون قريش ومن معها من الاحزاب بالهجوم على محمد، وهكذا يواجه الرسول هجومين معا وبان واحد، هجوم من داخل المدينه يشنه 750 مقاتل من بنى قريظه، وهجوم من خارج المدينه تشنه الاحزاب المولفه من بطون قريش ومن تحالف معها من القبائل واليهود وعددهم عشره آلاف مقاتل، وفوجئت الاحزاب بالخندق، وبقتل على‏بن ابى طالب لعمروبن ود اقوى مقاتلى الاحزاب، وهزمت الروح المعنويه لتلك الاحزاب وفشل حصارها للمدينه، فارسل اللّه ريحا وجنودا لم تروها، عندئذ اصدر ابو سفيان بوصفه القائد العام للاحزاب امرا بالانسحاب، فانسحبت الاحزاب دون علم بنى قريظه.

 وبالوقت الذى كانت تنتظر فيه بنو قريظه هجوم الاحزاب من الامام لتبدا هجومها من الخلف، اصدر النبى اوامره بالزحف على بنى قريظه.

 وعلمت بنو قريظه بانسحاب الاحزاب، وبزحف النبى واصحابه، فرعبت وايقنت بالهلاك، ولكنهم تحصنوا فى حصونهم، على امل ان يحسنوا موقعهم التفاوضى مع النبى، ولما احاط بهم النبى، قالوا: نكلمك قال الرسول: نعم.

 قالت بنو قريظه: (ننزل على ما نزلت عليه بنو النضير لك الاموال والحلقه وتحقن دماءنا، ونخرج من بلادكم بالنساء والذرارى، ولنا ما حملت الابل الا الحلقه).

 فرفض رسول‏اللّه هذا العرض، فعرضوا عليه قائلين: (تحقن دماءنا وتسلم لنا النساء والذريه، ولا حاجه لنا فى ما حملت الابل)، ورفض النبى هذا العرض ايضا، وقال لهم: تنزلون على حكمى، واضطروا بعد حصار شديد ان ينزلوا على حكم النبى، فامر الرسول بربط المقاتلين منهم ووضعهم فى جهه، ووضع النساء والذريه فى جهه اخرى.

 ودنت بطون الاوس وقالوا: يا رسول‏اللّه ان بنى قريظه حلفاونا دون الخزرج، وقد وهبت بنى قينقاع لابن ابى، وقد ندم حلفاونا على ما صنعوا فهبهم لنا، فقال الرسول: (اما ترضون ان يكون الحكم فيهم الى رجل منكم؟) قالوا: (بلى)، فقال النبى: (فذلك الى سعدبن معاذ).

 وقبلت اليهود سعدا كحكم، وذهبت الاوس وقالت لسعد: (يا ابا عمرو ان رسول‏اللّه قد ولاك امر مواليك لتحسن فيهم فاحسن، فقد رايت ابن ابى وما صنع فى حلفائه، مواليك، مواليك، قد منعوك فى المواطن كلها، واختاروك على من سواك، ورجوا عياذك، ولهم جمال وعدد، وقد نصروك يوم البعاث والحدائق والمواطن، ولا تكن شرا من ابن ابى).

 وكان سعدبن معاذ ساكتا، ولما اكثروا عليه قال سعد: (قد آن لسعد ان لا تاخذه فى اللّه لومه لائم)، وقال سعد للاوس: (اترضون بحكمى لبنى قريظه؟) قالت الاوس: (نعم قد رضينا حكمك وانت غائب).

 فقال سعد: (لا آلوكم جهدا!) قالت الاوس: (ماذا تعنى؟) قال سعد: (عليكم عهد اللّه وميثاقه ان الحكم فيهم ما حكمت؟) قالت الاوس: (نعم).

 قال سعد: (وعلى من ها هنا مثل ذلك؟) فقال الرسول ومن معه: (نعم).

 

قرار الحكم:

بعد ان راى رسول‏اللّه ان الاوس كلها متعاطفه مع بنى قريظه الذين اضطروا مكرهين ان ينزلوا على حكمه، راى ان يعين سيد الاوس سعدبن معاذ ليحكم فى بنى قريظه، وقبلت الاوس ذلك وارتاحت له.

 فاخذ سعدبن معاذ من الاوس عهد اللّه وميثاقه ان يقبلوا بحكمه، واخذ العهد والميثاق من الرسول ومن معه ليقبلوا بحكمه وبعد ذلك اصدر حكمه، وهو: (فانى احكم فيهم ان يقتل من جرت عليه الموسى، وتسبى النساء والذريه، وتقسم الاموال).

 ونفذ الحكم، فسبق السبى الى دار اسامه‏بن زيد، والنساء والذريه الى دار ابنه الحارث، وجمعت الاسلحه والاثاث والمتاع.

 ثم نفذ الحكم، وتم قتل المقاتله، ورجته سلمى بنت قيس ان يعفو عن يهودى كان يترد ويتودد الى اخيها سليط، فوهبها رسول‏اللّه ذلك اليهودى وعفا عنه، وعندما راى رسول‏اللّه كراهيه الاوس لقتل بنى قريظه، فرق الاوس، ليتولى رجال الاوس بانفسهم مهمه تنفيذ حكم القتل بحلفائهم السابقين، فيكون القاضى منهم، ومن يتولى الاعدام منهم، وهكذا بالقضاء على بنى قريظه زال الخطر اليهودى عن المدينه، واصبحت مسكنا خالصا للمسلمين والمنافقين معا(521).

 

المواجهه مع يهود خيبر:

كانت خيبر من اعظم واكبر التجمعات اليهوديه فى الجزيره، حتى انها اصبحت قلعه حقيقيه، ففيها المال وفيها الرجال، وقد تابع يهود خيبر بقلق بالغ انباء مواجهات الرسول مع يهود بنى قينقاع، وبنى النضير، وبنى قريظه وتاثروا بما اصابهم، وتعاطفوا معهم حتى صارت خيبر ملجا للكثير من اليهود، واستقطبت بخيراتها واموالها عواطف الكثير من ابناء القبائل العربيه المحتاجه الطامعه باى شى‏ء مما حولها، ومع الايام تحولت الى قاعده لمن يتربصون الدوائر بالنبى وآله ومن والاه، وصارت اعظم خطر يهدد الاسلام.

 وقد ادرك يهود خيبر ومن لجا اليهم وتحالف معهم ان المواجهه مع محمد ومن والاه قدر محتوم لا مفر منه، وقد ارعبتهم مواجهات محمد السابقه مع خصومه، لذلك فهم يخشون فكره شن هجوم عليه، مما فرض عليه فرضا ان يبقوا بحاله ترقب وقلق حتى ياتى محمد ومن والاه لحربهم فيحاربونه حربا دفاعيه، وهم فى حصونهم، واستعدادا لتلك المواجهه الحاسمه رمموا حصونهم واصلحوها، واستوردوا السلاح وصنعوه، ووسعوا دائره تحالفاتهم مع القبائل، خاصه مع قبيله غطفان، وزعيمها عيينه‏بن حصن، ويقال انهم جندوا عشره آلاف مقاتل يتم استعراضهم يوميا، وقدروا انهم بهذه العده والعدد سيكونون اول من يلحق هزيمه ساحقه بمحمد وآله ومن والاه، ومن هنا فقد ايقنوا بان محمدا قادم اليهم لا محاله، وترقبوا كل يوم قدومه ليواجهوه بما لا قبل له به.

 وبعد ان فتح اللّه على نبيه فى صلح الحديبيه ذلك الفتح المبين، وحقق انتصاره السياسى، وخلت بطون قريش بينه وبين العرب، واعترفت به وهى عدوته اللدوده، واعترفت بحقه باستقطاب العرب حوله.

 عندئذ قدر النبى ان الفرصه ملائمه لمواجهه اخطر واقوى ما تبقى من خصومه، وهم يهود خيبر، وبعد اقل من شهرين من رجوعه من الحديبيه اصدر اوامره بالتهيو لغزو خيبر، وفضل ان يغزو معه الذين خرجوا معه الى الحديبيه، واعلن ان الغايه من غزو خيبر هو الجهاد وليست الغنيمه وبعد اتمام الاستعدادات، وفى شهر صفر من السنه السابعه للهجره زحف النبى نحو خيبر، وفى الطريق علم ان قبائل غطفان الكبيره قد تحالفت مع اليهود على حرب محمد مقابل تمر خيبر لسنه.

 ولما استقر الرسول فى معسكره قرب خيبر امر اتباعه ان لا يقاتلوا حتى ياذن لهم النبى بالقتال ونظم اتباعه، واعط‏ى الرايات، فاعط‏ى رايه الى على (عليه‏السلام)، ورايه الى الحباب‏بن منذر، ورايه الى سعدبن عباده، ثم اذن بالقتال، وامر ان يركز على الحصن الذى فيه غطفان، فضغط المسلمون ضغطا شديدا على هذا الحصن، واشيع فى غطفان ان مضاربهم وبيوتهم وذرياتهم قد تعرضوا للغزو، فانسحبت غطفان من التحالف، وذهبت لتحمى ذراريها من الغزو الموهوم، وبانسحاب غطفان تهدمت الروح المعنويه‏لاهل خيبر، ولكنهم قاتلوا بكفاءه، وهجم الرسول على الحصون حصنا حصنا فصمدت امامه، ثم انسحب، واتخذ مقرا لقيادته، ثم اخذ يرسل المسلمين على موجات، موجه تذهب بالرايه وموجه ترجع.

 فاعط‏ى رايته الى ابى بكر، وخرج ابو بكر ولكنه رجع ولم يفعل شيئا، ثم اعط‏ى الرايه الى عمر، فخرج عمر ثم رجع ولم يفعل شيئا(522).

 وفى كنز العمال ان رسول‏اللّه بعث ابا بكر بالناس فانهزم حتى رجع.

 وبعث عمر فانهزم بالناس حتى رجع.

 وقال: اخرج هذا الحديث ابن ابى شيبه، واحمدبن حنبل، وابن ماجه، والبزار، وابن جرير وصححه، والطبرانى فى الاوسط، والحاكم، والبيهقى فى الدلائل، والضياء المقدسى(523).

 والى هذا اشار الهيثمى فى مجمعه(524)، وذكره مختصرا وقال: رواه الطبرانى فى الكبير والاوسط.

 اما الواقدى رحمه اللّه فقد اشفق ان يقرن اسم ابى بكر وعمر مع الهزيمه والرجوع دون فعل شى‏ء، لذلك روى الخبر: (دفع الرسول لواءه الى رجل من اصحابه المهاجرين فرجع ولم يصنع شيئا، ثم دفعه الى آخر فرجع ولم يصنع شيئا)(525).

 ولاح له انه بعمله هذا برا ابا بكر وعمر من تهمه الهزيمه، وتقرب الى اللّه باخفاء الحقيقه.

 امام تراجع المسلمين سالت كتائب اليهود، ورجحت الكفه لصالحهم، وحض رسول‏اللّه المومنين على القتال، واقبل الليل وحجز بين المتقاتلين، واغتم المسلمون فقال النبى: (لاعطين الرايه غدا رجلا يحبه اللّه ورسوله، يفتح اللّه على يديه، ليس بفرار.

.

.

)(526).

 وفى الصباح نادى على على بن ابى طالب، وكان ارمدا لا يرى فتفل بعينه واعطاه الرايه(527).

 ولا ينكر احد من اهل المله قول الرسول هذا، ولا ينكر واقعه اعطاء النبى الرايه لعلى.

 وبالرغم من كراهيه القوم لعلى، وحقدهم عليه، وبراعتهم بتحريف الوقائع التاريخيه الا انهم عجزوا عن اخفاء تلك الحقيقه او تحريفها.

 اخذ على الرايه واندفع كالاعصار بقوه ربانيه، كما يقول الفخر الرازى فى تفسيره لقوله تعالى: (ام حسبت ان اصحاب الكهف)(528).

.

 فتلقاه الحارث اخو مرحب فى ثله من رجاله وهجموا على المسلمين، فانكشف المسلمون وثبت على وحده، وتمكن من قتل الحارث فرجع اصحاب الحارث الى الحصن، وقهر يهود خيبر لاول مره، ودنا الامام من الحصن، فضربه يهودى فطرح ترسه من يده، فتناول الامام بابا وتترس به.

 روى الامام احمدبن حنبل فى مسنده(529) ان ثمانيه نفر عجزوا عن قلب ذلك الباب، وروى الخطيب فى تاريخ بغداد ان الباب الذى تترس به الامام، لم يقو اربعون رجلا على حمله(530).

 وثبت الامام على، وقاتل بقوه لم يالف مثلها البشر، وحض النبى المسلمين على الجهاد، وسقطت حصون خيبر حصنا بعد حصن، وايقن من تبقى من اليهود بالهلكه وقذف اللّه فى قلوبهم الرعب، ونزل ابن ابى الحقيق وصالح رسول‏اللّه على حقن دماء من فى حصونهم من المقاتله، وترك الذريه لهم، ويخرجون من خيبر وارضها بذراريهم ويخلون بين رسول‏اللّه وما كان لهم من مال او ارض وعلى الصفراء والبيضاء والكراع والحلقه، وعلى البز الا ثوبا على ظهر انسان، وفتحت خيبر واستسلم اليهود وذلوا، وفكرت زينب بنت الحارث بالانتقام من محمد، فجمعت المعلومات حول ما يحب ويشتهى، واخيرا اخذت كتف شاه وذراعها وطبختها ثم حملتها الى النبى وقدمتها له كهديه، فقبل النبى الهديه كعادته وفتح الهديه ودعى من حضر من اصحابها فنهش منها ونهشوا، وبعد ان ازدردوا لقمه منها قال النبى لاصحابه: كفوا ايديكم، فان هذه الذراع تخبرنى انها مسمومه، ومات الذين اكلوا منها، اما رسول‏اللّه فقد عاش بعدها ثلاث سنين، وجيى‏ء بالمراه فاعترفت فقيل ان الرسول عفا عنها، وقيل انه قتلها.

 وجمعت الغنائم، واخذ الرسول الخمس.

 وبعد فتح خيبر قدم الدوسيون وفيهم ابو هريره والذى جعلته السلطه فى ما بعد اعظم مرجع.

 وعند تقسيم الانفال واعطاء الخمس لذوى القربى من بنى هاشم وبنى المطلب مشى عثمان الى رسول‏اللّه، وقال له: (نحن وبنى المطلب فى منزله واحده -يعنى ان هاشم وعبد شمس والمطلب ونوفل اخوه- اعطيتهم وتركتنا، فقال الرسول: ان بنى المطلب لم يفارقونى فى الجاهليه والاسلام، دخلوا معنا الشعب، انما بنو هاشم وبنو المطلب شى‏ء واحد، وشبك رسول‏اللّه بين اصابعه)(531).

 وكان حصيله القتلى من المسلمين 15شهيدا وقتل من اليهود 93رجلا(532).

 

يهود فدك:

ارسل النبى لهم محيصه‏بن مسعود، وفاوضهم حتى صالحوا على ان تكون لهم نصف الارض بتربتها ولرسول‏اللّه نصفها، فاخرهم رسول‏اللّه عن ذلك، فلما كان عمربن الخطاب اجلاهم مع بقيه اليهود الى بلاد الشام.

 ولفدك قصه طويله سنذكرها فى باب الانقلاب(533).

 

المواجهه مع يهود وادى القرى:

اثناء عوده الرسول سلك منطقه برمه حتى وصل الى وادى القرى يريد يهودها، وقد سمع اليهود بمسيره اليهم، واجلبوا معهم بعض العرب ولما اقبل النبى استقبله اليهود بالرمى، فنظم الرسول اصحابه واعط‏ى الرايات.

 لسعدبن عباده، والى الحباب‏بن المنذر، وسهيل‏بن حنيف.

 وبعد ذلك دعى رسول‏اللّه اليهود الى الاسلام، ليحقنوا دماءهم ويحفظوا اموالهم، فرفضوا عرض الرسول وخرج فرسانهم للمبارزه حتى قتل منهم احد عشر رجلا، ثم استسلموا فى المساء وتم الفتح عنوه، واقام الرسول فى وادى القرى اربعه ايام وقسم الغنائم، وترك النخيل والارض بايديهم وعاملهم عليها(534).

 

تيماء:

لما علم يهود تيماء بما اصاب فدك وخيبر ووادى القرى صالحوا رسول‏اللّه على الجزيه، واقاموا بايديهم واموالهم(535).

 

مواجهات فرديه:

الشعر له سلطان فى نفوس العرب، والشاعر بمثابه محطه اذاعه ينتقل ما تبثه عبر امواج الاثير.

 وقد ظهرت فى هذا العهد مجموعه من الاشخاص اجادوا الشعر ايما اجاده وآذوا النبى، واساءوا للاسلام، وحاولوا ان يولبوا العرب على محمد، وعلى الاسلام، مثلما فعلت عصماء بنت مروان، ومثل كعب ابن الاشرف اليهودى، وابى عفك اليهودى، وسلام‏بن ابى الحقيق.

 وقد ساهم اولئك المجرمون مساهمه فعاله بتاليب العرب وتوحيدهم على حرب النبى، وباشعال الحروب، وبذل النبى جهوده لهدايتهم فرفضوا ذلك رفضا مطلقا بالرغم من ان لرسول‏اللّه عندهم عهدا وميثاقا، وبهذه الحاله من غير المعقول ان يدعهم وشانهم وهم يجهرون بعدائهم الموثر، ويولبون الناس ضده وضد دينه، فاصدر اوامره بملاحقتهم وقتلهم اينما كانوا، وقتلوا بالفعل(536).

 

الفصل الخامس

المواجهه مع القبائل الطامعة بغزوه لمغنم

 

الجزء الاكبر من الجزيره العربية صحارى، والموارد شحيحة لا تكفي سكانها حتى مع السلطه النافذه والعداله بالتوزيع، مما جعل الكثير من القبائل تعتمد بسد الكثير من حاجاتها على الغزو، فيغزوا بعضها البعض.

 ولما نجح الرسول بتكوين كيانه السياسى فى المدينه، وهزم خصومه وغنم اموالهم، ولان المدينه واحه وسط صحراء، فقد فكرت الكثير من القبائل المحتاجه بغزوها، لا كراهيه لمحمد او لدينه، ولا انتقاما منه ولكن طمعا بالمغنم وما يسد بعض حاجاتها.

 ولقد راودت فكره غزو المدينه اذهان العديد من القبائل والجماعات، وتهيات بالفعل للغزو وشرعت به، ولكن النبى كان لها بالمرصاد واستعمل معها اسلوبا لم تعهده العرب وهو الحرب الوقائيه، فعندما تتوفر لديه المعلومات بان هذه القبيله او تلك تستعد لغزو المدينه كان النبى يسارع ويجهز حمله فيغزوها قبل ان تغزوه.

 وبهذا الاسلوب المميز استطاع الرسول ان يربح المواجهه مع القبائل الطامعه فى غزوه، وان ينزع من اذهانها التفكير بغزوه، وان يشعرها بوجوده وبقدرته على ان ينال كل من تسول له نفسه الكيد به.

 وهذا ما فعله فى غزوه قرقره الكدر بجمع ثعلبه ومحارب، ومثل حملته على تجمع بنى سليم، وسريته على طليحه، ومسلم‏بن خويلد، ومثل غزوه ذات الرقاع التى قادها الرسول لارهاب جموع انمار وثعلبه، وغزوه دومه الجندل، وغزوه المريسيع على بنى المصطلق من خزاعه، وحملته على القرطاء من بنى بكر، وسريته الى الغمر بجمع بنى محارب وثعلبه، وسريه زيد الى بنى ثعلبه، وسريه على‏بن ابى طالب الى سعدبن بكر بفدك، وسريه عبداللّه بن رواحه لاسيربن زارم فى غطفان، وسريه ابى بكر الى بنى كلاب فى نجد، وسريه الليثى الى بنى عواد وبنى عبدبن ثعلبه، وسريه بشيربن سعد الانصارى الى عين اجبا لتشتيت جمع من غطفان، وسريه ابى العوجا الى بنى سليم، وسريه بنى الملوح، وسريه هوازن، وغزوه ذات السلاسل الى قضاعه، وسريه ابن ابى تقاده‏بن ربعى الى غطفان بمنطقه نجد، وسريه عيينه‏بن حصن الى بنى تميم اذ فاجاهم وشتت شملهم، وسريه قطبه‏بن عامر الى خثعم، وسريه علقمه‏بن مجزر الى الاحباش فى جده، وسريه الضحاك الى كلاب(537).

 ومثل مواجهته الاخيره مع بطون قريش يوم نقضت عقده، ولم تف بعهده فجهز جيشا وفتح مكه.

 

المواجهه مع الخائنين والناكثين لعهده:

هنالك قبائل وجماعات اعطت الرسول العهد والعقد، ثم نقضت عقدها ولم تف بعهدها، فتصدى لها رسول‏اللّه وواجهها جماعه جماعه، والحق بها الهزيمه، كما فعل مع يهود بنى قينقاع، وكما فعل مع يهود النضير، ومع يهود بنى قريظه، ومع قبيله لحيان الذين غدروا باصحابه، وكما فعل مع الذين اعترضوا زيدبن حارثه اثناء سفره الى الشام، ومع النفر الذين قدموا المدينه واسلموا، ثم قتلوا مسلما وفروا، ومثل سريه موته لمعاقبه قتله الحارث‏بن عمير وهم من بنى غسان(538).

 

المواجهه مع الذين يعتدون عليه:

هنالك فئات اعتدت على النبى، اما تشهيا، او كرده فعل، فتصدى لهم النبى وواجههم، وجعلهم يدفعون ثمن عدوانهم عليه، مثل ذلك يوم قاد بنفسه حمله لمعاقبه كرزبن جابر الفهرى الذى اغار على مسرح المدينه واستاقه، وتعقبه الرسول حتى وادى بدر، ولم يدرك كرز.

 ومثل ذلك ابو سفيان الذى حلف ان يثار من محمد قبل ان يغتسل، فجاء المدينه واحرق تبنا وبيوتا، وقتل انصاريا واجيرا له، فتعقبه النبى فى غزوه السويق ولكنه لم يدرك ابا سفيان.

 ومثلها غزوه الغايه التى قادها الرسول للانتقام من عيينه‏بن حصن، الذى هاجم ضاحيه الغابه، وقتل ابن ابى ذر، وما زال الرسول يلاحقه حتى قتل منهم اناسا، منهم حبيب‏بن عيينه‏بن حصن، ومثل ذلك سريه غالب‏بن عبداللّه التى ارسلها الى مصاب اصحاب بشيربن سعد فصبحهم(539).

 

الموادعه:

كما عرف النبى المواجهه وعرفته فقد عرف الموادعه، فوادع القبائل الواقعه بين مكه والمدينه، وحاول بالحسنى هدايتها الى الاسلام كما فعل مع بنى ضمره، اذ اتفق مع سيدهم محشى‏بن عمرو الضمرى ان لا يغزوه، ولا يكثروا عليه جمعا، ولا يعينوا عدوا، وتعهد الرسول بان لا يغزوهم، ومثل سريه عبدالرحمن‏بن عوف الى كلب بدومه الجندل اذ طلب منه موادعتهم وقال له: ان استجابوا لك فتزوج ابنه ملكهم، فمكث عندهم واسلم منهم عدد كبير، وسريه الخبط بقياده ابى عبيده الى حى من جهينه مما يلى ساحل البحر(540).

 

الانتصار الاعظم واستسلام بطون قريش:

فى الجاهليه كانت خزاعه حليفه لعبد المطلب جد الرسول، اعطاها عقده وعهده، وبطون مكه كلها تعلم ذلك، ولما جاء الاسلام اعتنقه الكثير من افراد قبيله خزاعه، وتعاطف مسلمهم ومشركهم مع النبى اثناء صراعه مع بطون قريش، وهم الذين اخبروه بمسيره الاحزاب، وعندما تم صلح الحديبيه وخلت البطون بين محمد وبين العرب، فمن شاء دخل فى عهد محمد وحلفه، ومن شاء دخل فى عهد بطون قريش وحلفها، عندئذ قفز الحاضرون من خزاعه واعلنوا دخولهم فى عقد محمد وعهده، وقالوا انهم يفعلون ذلك نيابه عن خزاعه كلها، ودخل من حضر من بنى بكر فى حلف قريش وقالوا: انهم يفعلون ذلك نيابه عن بنى بكر كلها.

 وكان بين خزاعه وبنى بكر عداوات قديمه هدات ولكنها لم تزل.

 وجاءت الشراره التى اججت العداوه من جديد يوم هجا انس‏بن زنيم الديلى رسول‏اللّه، فسمعه غلام من خزاعه فضربه وشجه، وذهب انس الى قومه ف‏اراهم شجته، فثاروا واعتقدوا انها الفرصه الملائمه للانتقام من خزاعه وللثار منهم، وكلمت بنو نفاثه قاده البطون بذلك فاستخفوهم، وساعدت البطون بنى بكر بالسلاح والكراع والرجال سرا، وفوجئت خزاعه بالهجوم عليها، وهى لاهيه لا تعرف شيئا، وقتل 23 رجلا من خزاعه كان ذلك على راس اثنين وعشرين شهرا من صلح الحديبيه.

 وهكذا نقضت بطون قريش عمليا عهدها وعقدها مع النبى، وبالتالى الغيت الهدنه، ورجعت حاله الحرب بين الطرفين، هكذا قيمت قريش الواقعه، وهكذا قيمها النبى.

 وسمع النبى بهذا القدر، ثم خرج عمروبن سالم الخزاعى فى اربعين راكبا من خزاعه ليضعوا النبى بالصوره ويخبرونه بما حدث ويستنصرونه، وقدم عمرو والرسول بين اصحابه فى المسجد وانشده قصيدته المشهوره: فاللهم انى ناشد محمدا حلف ابينا وابيك الاقلدا فان قريشا اخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك الموكدا(541) غضب النبى غضبا شديدا مما فعلته البطون، ولكنه كتم غضبه، وقال لعمروبن سالم واصحابه: (ارجعوا وتفرقوا فى الاوديه)، وقام رسول‏اللّه ودخل بيته، وقد ذكرت السيده عائشه انها سمعته يقول: (لا نصرت ان لم انصر بنى كعب)(542).

 ومن الموكد ان النبى العظيم قد صمم نهائيا ليضع حدا لوجود بطون قريش، وصمم على اجبارها على الاستسلام، ولكن بدون اراقه دماء، لذلك كتم ما فى نفسه، ليفاجئها.

 وادركت بطون قريش انها قد نقضت العهد، وان محمدا سيلغى الاتفاق وسيغتنم فرصه حاله الاسترخاء وعدم الاستعداد التى عاشتها البطون خلال فتره الهدنه التى استمرت 23 شهرا، فيتقدم بجيش جرار ويفتح مكه، لذلك اوفدت ابا سفيان الى رسول‏اللّه للاعتذار وللاستمرار بالهدنه، وفشل ابو سفيان بمهمته واجابه الرسول باقتضاب شديد.

 وامر رسول‏اللّه اصحابه بالتجهيز للغزو دون ان يعلم احدا الوجهه التى يريدها رسول‏اللّه، ولكن التوقعات اتجهت الى ان رسول‏اللّه يريد المسيره الى مكه، وارسل رسول‏اللّه الى اوليائه من خارج المدينه طالبا منهم الاستعداد للمسيره معه(543).

 ثم وزع الرايات فاعط‏ى عليا رايه، والزبير اخرى، وسعدبن ابى وقاص رايه ثالثه، ورايه مع ابى نائله، ورايه مع قتاده‏بن النعمان، ورايه مع ابى برده، ورايه مع جبربن عتيك، ورايه مع ابى لبابه، ورايه مع اسير الساعدى، ورايه مع عبداللّهبن زيد، ورايه مع قطبه‏بن عامر، ورايه مع عماره‏بن حزم، ورايه مع سليطبن قيس.

 وكان المهاجرون سبعمائه ومعهم 300فرس، وكانت مزينه الفا معهم 100فرس ومائه درع وثلاثه الويه، وكانت اسلم اربعمائه معهم 30فرسا، وكانت جهينه 800معهم 50 فرسا، وكانت بنو كعب‏بن عمرو خمسمئه.

 وبعد ان رتب الرسول اموره، وجهز جيشه المولف من عشره آلاف مقاتل خرج يوم الاربعاء الموافق العاشر من رمضان.

 كل ذلك والناس لا يدرون من سيغزو رسول‏اللّه، ولا يزيد على القول عندما يسال.

 (حيث يشاء اللّه)، وكلما سار انضم اليه جمع من الاعراب، ولما دنى من مكه راى العباس ابا سفيان ومعه حكيم‏بن حزام وبديل‏بن ورقاء، فجاء بهم الى رسول‏اللّه واسلم حكيم وبديل، وشهد ابو سفيان بوحدانيه اللّه، واعلن ان فى نفسه شى‏ء من كون محمد رسول‏اللّه، ثم اضطر ابو سفيان ان يشهد بان محمدا رسول‏اللّه، وراى جيش الاسلام، ومكانه النبى بين اتباعه، فذهل وقال للعباس: (ما رايت يا ابا الفضل ملكا هكذا قط لا ملك كسرى ولا ملك بنى الاصفر)!! وهكذا كيف ابو سفيان النبوه على انها ملك(544).

 وسمعت بطون قريش بزحف النبى ورات جيشا ما رات مثله قط ياتمر بامره ويحيط بهم، ورات البطون قائدها ابو سفيان يسير فى ركاب النبى، فاستسلمت وسلمت فاخذ على اللواء الاعظم ودخل به مكه فغرزه عند الركن، ودخل جيش الاسلام مكه من كل الجهات.

 وانتهى رسول‏اللّه الى الكعبه فرآها، واستلم الركن وكبر، فكبر المسلمون حتى ارتجت مكه بالتكبير، والمشركون فوق الجبال ينتظرون، ثم طاف حول الكعبه، وامر بالاصنام فكسرت ثم جلس فى ناحيه، ثم نهض واشرف على الناس، ثم قال: (الحمد للّه الذى صدق وعده ونصر عبده، وهزم الاحزاب وحده، ماذا تقولون وماذا تظنون؟ قالوا: نقول خيرا ونظن خيرا، اخ كريم وابن اخ كريم، وقد قدرت.

 فقال رسول‏اللّه: فانى اقول كما قال اخى يوسف: (لا تثريب عليكم يغفر اللّه لكم وهو ارحم الراحمين) والقى كلمه جامعه(545).

 واعلن ان مكه قد احلت ساعه من نهار ولا تحل لغيره، وصعد بلال على ظهر الكعبه واذن الظهر.

 وعبرت جويريه بنت ابى جهل عن الوضع النفسى للبطون بقولها لما سمعت الاذان: (قد لعمرى رفع لك ذكرك اما الصلاه فسنصلى، واللّه لا نحب من قتل الاحبه ابدا)(546).

 وقال خالد بن اسيد: (الحمدللّه الذى اكرم ابى فلم يسمع هذا)، وقال الحارث‏بن هشام: (واثكلاه ليتنى مت قبل هذا اليوم)، وقال الحكم‏بن العاص: (هذا واللّه الحدث العظيم ان يصيح عبد بنى جمح على بنيه ابى طلحه) وقال ابو سفيان: (اما انا فلا اقول شيئا لو قلت شيئا لاخبرته هذه الحصباء)، فاتى جبريل فاخبر النبى بما قالوا(547).

 وتوافدت زعامه البطون فنطقت بالشهادتين امام رسول‏اللّه.

 وقال النبى مخاطبا مكه: (واللّه انك لخير ارض اللّه، واحب ارض اللّه الى، ولولا انى اخرجت منك ما خرجت)(548).

 

المواجهه مع هوازن وثقيف فى حنين:

لما فتح النبى مكه اجتمعت هوازن كلها بقياده مالك‏بن عوف، وقسم كبير من ثقيف، ومن اجلبوا معهم، وايقنوا ان محمدا سيسير اليهم ليفتح الطائف كما فتح مكه، لذلك اجمعوا امرهم واتفقوا على ان يسيروا لمواجهه محمد، ومعهم اموالهم ونساوهم وذرياتهم ليقاتلوا دفاعا عن كل شى‏ء.

 واخذوا معهم دريدبن الصمه تيمنا به.

 وسمع رسول‏اللّه بهذا التجمع وبمسيرته، وخرج من مكه ومعه اثنا عشر الفا من المسلمين، وهو اكبر تجمع فى تاريخ الاسلام، ومعه فى الجمع الطلقاء الذين تلفظوا بالشهادتين يوم الفتح، ومن الموكد ان اعدادا كبيره من هذا التجمع لم تخرج للجهاد، ولا طمعا بالشهاده، او لنصره دين اللّه او النبى، انما خرجوا طمعا بالغنيمه ممن تدور عليه الدائره سواء اكان محمدا او تجمع ثقيف وهوازن وحلفائهم.

 ومنهم ابو سفيان‏بن حرب الذى اخرج معه الازلام وسار فى اثر محمد يلتقط ما يسقط منهم من متاع حتى اوقر، والحارث‏بن هشام، وعبداللّهبن ربيعه، ومعاويه ويزيد ابنى ابى سفيان.

 وحمل الرايه على‏بن ابى طالب، واعطيت رايات كثيره لغيره، واخذت هوازن مواقعها فى الوادى، وتربصت حتى قدم جيش الاسلام، فانقضت عليه فانكشفت الخيل الاسلاميه وفرت، وكان يقودها خالدبن الوليد، وتبعهم اهل مكه، ثم انهزم الناس فى اثرهم، وتركوا رسول‏اللّه ومعه اهل بيته على والعباس وابو سفيان‏بن الحارث‏بن عبد المطلب وعتبه ومعتبا ابن ابى لهب، ونفر قليل من الانصار كسعدبن عباده والحباب‏بن منذر.

 فامر النبى العباس ان يصرخ: (يا معشر الانصار، يا اصحاب الشجره)، واستمر النبى وعلى والهاشميون ومن ثبت معهم بالقتال وحدهم حتى آب الناس وعادوا بعد الهزيمه، ولما عاد الناس وحمى الوطيس والنبى على بغلته، يدعو ربه قائلا: (اللهم انى اسالك وعدك، لا ينبغى لهم ان يظهروا)، وطلب من العباس ان يناوله حصيات، فناوله العباس حصيات من الارض، فرمى بها رسول‏اللّه المشركين، وقال: (انهزموا ورب الكعبه).

 فولى تجمع هوازن وثقيف الادبار وانهزموا الى حصونهم، تاركين اموالهم وذراريهم ونساءهم غنيمه لمحمد ومن معه، وتبعهم الرسول وحاصرهم خمسه عشر يوما، ثم قدر ان المحاصرين كالثعلب ان انتظر استخرجه وان تركه خرج بنفسه، فقرر تركهم، موقنا من استسلامهم.

 

سوال للنبى وجواب النبى عليه:

سالت ام سلمى رسول‏اللّه فقالت: (ارايت هولاء الذين اسلموك وفروا عنك وخذلوك لا تعف عنهم...

 ان امكنك اللّه منهم فاقتلهم كما تقتل هولاء المشركين!) فقال النبى للسائله: (يا ام سلمى قد كفى اللّه، عافيه اللّه اوسع)(549).

 ومن الموكد ان ملائكه قد قاتلت مع النبى، وان حالات من الرعب قد صورها اللّه للمشركين، اذ لو انتصروا لكانت كارثه حقيقيه.

 

طبيعه بعض الذين كانوا فى جيش النبى:

الجيش الذى قاده النبى الى حنين هو اكثر الجيوش التى قادها عددا حتى ذلك التاريخ لكن الكثير من افراد هذا الجيش وقواده قد خرجوا بالدرجه الاولى للغنيمه وبتعبير ادق لغنيمه المغلوب حتى ولو كان محمدا.

 فمن جمله هذا الجيش طلقاء الفتح كابى سفيان ويزيد ومعاويه ابناه، وامثالهم.

 صحيح انهم نطقوا بالشهادتين قبل اسبوع من خروجهم، ولكن تلفظهم بالشهاده لا يكفى وحده ليقاتلوا مع النبى.

 لقد خرجوا مع النبى ينظرون لمن تكون الدائره فيصيبون من الغنائم، ولا يكرهون ان تكون الصدمه لمحمد واصحابه، وخرج ابو سفيان‏بن حرب فى اثر العسكر كلما مر بترس ساقط او رمح او متاع من متاع النبى (صلى اللّه عليه وسلم) وحمله الازلام فى كنانته حتى اوقر(550)، وخرج معه سادات البطون الذين نطقوا بالشهادتين.

 حتى ان بعض سادات البطون تعاهدوا ان يقتلوا محمدا اذا كانت الدائره عليه.

 (فشيبه‏بن عثمان‏بن ابى طلحه تعاهد هو وصفوان‏بن اميه اذا رايا على رسول‏اللّه دائره ان يكونا عليه فيقتلانه!!!)(551).

 وانت فهمت طبيعه اسلام هولاء القوم يوم سمعوا بلالا يوذن على الكعبه لاول مره بعد الانتصار وفتح مكه.

 فجويريه بنت ابى جهل تيقنت ان ذكر النبى قد ارتفع حقا، وعزمت على الصلاه، ولكنها عبرت عن حقيقه مشاعرها ومشاعر سادات البطون عندما قالت: (اما الصلاه فسنصلى واللّه لا نحب من قتل الاحبه ابدا.

.

.

 وقال خالدبن اسيد: الحمدللّه الذى اكرم ابى فلم يسمع هذا اليوم! -اى اكرمه بالقتل على الشرك فلم يسمع الاذان-..

 وقال الحكم‏بن ابى العاص: هذا واللّه الحدث العظيم ان يصيح عبد بنى جمح على بنيه ابى طلحه،...

 وقال ابو سفيان: -وكان اكثر ذكاء- اما انا فلا اقول شيئا، لو قلت شيئا لاخبرته هذه الحصباء)(552).

 ومع هذا فانهم خرجوا مع جيش المسلمين، كمسلمين، وعيينه‏بن حصن احد قاده الجيش الاسلامى يستاذن من الرسول حتى ياتى حصن الطائف لاقناعهم بالاستسلام ومع هذا يدخل الحصن، ويقول للمشركين: (فداكم ابى وامى، واللّه لقد سرنى ما رايت منكم، ...

-واللّه ما لاقى محمد مثلكم قط، ولقد مل المقام فاثبتوا فى حصنكم...)(553).

 ويعود الى الرسول ليزعم انه حاول اقناع اهل الطائف بالاستسلام فاخفق والرسول ساكت ويعلم ان عيينه كاذب ومنافق.

 وعيينه نفسه يعبر عن حقيقه وجوده فيقول: (واللّه ما جئت معكم اقاتل ثقيفا، ولكنى اردت ان يفتح محمد الطائف فاصيب جاريه من ثقيف فاطاها لعلها تلد لى رجلا)(554).

 ورجل من اسلم يقدم للنبى شيئا قائلا انه هديه فيساله النبى: وممن انت؟ قال الرجل: من اسلم، فيقول النبى: انا لا اقبل هديه مشرك، فيقول الرجل لرسول‏اللّه: انى مومن باللّه وبرسوله، فيقول له الرسول: حتى نصل، وتبين ان هدف الرجل الحصول على قطيع من الغنم!!(555).

 واثناء عودته الى الجعرانه اخذت الاعراب تساله واحاطت به لتوحى له بانها مسلمه، ولتحصل على جزء من الغنيمه، وفكروا ان ياخذوا رداءه.

 فانسل الرسول وهو يقول: (اعطونى ردائى! اعطونى ردائى!، لو كان لى عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدونى بخيلا ولا جبانا ولا كذابا)(556).

 

الغنائم:

وصل النبى الى الجعرانه عائدا من الطائف، ليوزع الغنائم التى كانت محبوسه هنالك، وكانت الاغنام بالالاف فلا يعلم عددها، فقد قيل انها اربعون الف واكثر، وكانت الابل 24-الف، وفضه كثيره حوالى اربعه آلاف اوقيه.

 ووضعت الغنائم تحت تصرف الرسول ليقسمها فاعط‏ى المولفه قلوبهم اول الناس حيث طلب ابو سفيان فاعطاه اربعين اوقيه ومائه من الابل، وقال ابو سفيان: اعط‏ى ابنى يزيد فاعطاه رسول‏اللّه مثل ابيه، ثم قال ابو سفيان: اعط ابنى معاويه.

 فاعطاه الرسول مثل ابيه واخيه فرضى ابو سفيان وقال للنبى: (انك الكريم فداك ابى وامى ولقد حاربتك فنعم المحارب كنت، ثم سالمتك فنعم المسالم انت)(557).

 واعط‏ى بقيه زعماء البطون، كحكيم‏بن حزام وصفوان بن اميه..

 وبينما كان الرسول يوزع الغنائم اتاه ذو الخويصره وقال له: (اعدل يا رسول)، فقال له الرسول: (ويلك من يعدل اذا لم اعدل)...

 وعاش ذو الخويصره حتى قاتل على بن ابى طالب(558)...

 

وفد هوازن:

قدم وفد هوازن الى رسول‏اللّه وقد اوشك على الانتهاء من توزيع الغنائم ورجوه فقال النبى: (لقد استانيت بكم حتى ظننت انكم لا تقدمون وقد قسم السبى.

 فقال ابو صرد زهيربن صرد: (يا رسول‏اللّه انا اهلك وعشيرتك، وقد اصابنا من البلاء ما لا يخفى عليك، انما فى هذه الحظائر عماتك وخالاتك، وحواضنك...

 انهن حضنك فى حجورهن وارضعنك بثديهن وانت خير المكفولين)، وارتجل قصيده(559).

 فقال النبى: (ان احسن الحديث اصدقه وعندى من ترون من المسلمين، فابناوكم ونساوكم احب اليكم ام اموالكم؟) قالوا: (يا رسول‏اللّه خيرتنا بين احسابنا وبين اموالنا، وما كنا نعدل بالاحساب شيئا، فرد علينا ابناءنا ونساءنا).

 فقال النبى: (اما ما لى ولبنى عبد المطلب فهو لكم)، ولما صلى رسول‏اللّه استشفعوا به امام الناس فكرر مقاله، وقال المهاجرون: (ما كان لنا فهو لرسول‏اللّه)، وقالت الانصار: مثل ذلك(560).

 وقال الاقرع بن حابس: (اما انا وبنو تميم فلا)، وقال عيينه‏بن حصن: (اما انا وفزاره فلا)، وقال عباس‏بن مرداس: (اما انا وبنو سليم فلا)(561).

 (واستعمل رسول‏اللّه صلى اللّه عليه وسلم عتاب‏بن اسيد على مكه، وخلف معاذبن جبل وابا موسى الاشعرى يعلمان الناس القرآن والفقه فى الدين)(562)، وعاد الرسول الى المدينه بعد ان حقق هذا الانتصار العظيم، وقد غمره السرور بنصر اللّه والفتح، وما ان استقر قليلا، حتى بدات الوفود تتقاطر عليه، معلنه استسلامها او اسلامها على يديه او متظاهره بذلك، وخلال هذه الفتره كان النبى يتفقد ما بقى من جيوب الشرك، ويرسل سراياه وبعوثه ورسله لتطهيرها وهدايه اهلها.

 وارتاحت نفسه الشريفه وهو يرى ان بلاد العرب قد توحدت ولاول مره فى التاريخ، وبكلفه بشريه لا تتجاوز اربعمائه قتيل، وبمده زمنيه لم تتجاوز تسع سنين، واطمان قلبه الطاهر وهو يرى دين الاسلام قد اصبح دينا لكل سكان بلاد العرب وصرح النبى علنا بان الشيطان قد يئس من ان يعبد فى بلاد العرب.

 

خلق التماس مع الدولتين الاعظم:

لقد اقلقت هذه الانجازات الهائله مضاجع قاده الدولتين الاعظم آنذاك خاصه الاباطره، واشيع بان الروم قد حشدوا جيشا كبيرا على حدود الجزيره، فاستنفر النبى المسلمين وجهز حمله كبرى قوامها 30-الف مقاتل معهم 15-الف بعير وعشره آلاف فرس فى ظروف صعبه، وسار بهذا الجيش قرابه ستمائه كيلومتر ووصل الى تبوك، واخضع دومه الجندل، ووطد سلطان الاسلام بهيبته وسمع الروم بخروجه ولكنهم احجموا عن ملاقاته بعد ان قذف اللّه الرعب فى قلوبهم.

 وحققت الغزوه اهدافها النفسيه، واحجم حتى قيصر عن ملاقاه النبى، وكانت الغزوه مليئه بالعبر والاسرار، فقد جمعت غزوه تبوك الاخيار والاشرار فى جيش واحد، وثبت للاخيار بان النبى وآله لو فتحوا اقطار الدنيا وملكوها للمجرمين فلن يرضوا عن محمد وآل محمد، بالوقت الذى يتلفظ فيه اولئك المجرمون بالشهادتين ويدعون الاسلام، واكبر دليل على ذلك الايات القرآنيه النازله فى غزوه تبوك والتى فضحتهم.

 والمثير للدهشه حقا انهم بنفس الوقت الذى كانوا يعدون فيه موامره قتل النبى عند عودته من غزوه تبوك، كانوا يبنون مسجدا ويرجون من النبى ان يفتحه لهم تبركا به!! ولما قيل للنبى: لما لم تقتلهم؟ فقال النبى: انى اكره ان يقول الناس ان محمدا لما انقضت الحرب بينه وبين المشركين، وضع يده فى قتل اصحابه!! فقيل: يا رسول‏اللّه فهولاء ليسوا باصحاب!، قال الرسول للسائل: اليس يظهرون ان لا اله الا اللّه؟ قال السائل: بلى ولا شهاده لهم، قال الرسول: اليس يظهرون انى رسول‏اللّه؟ قال السائل: بلى ولا شهاده لهم.

 ولم يستوعب السائل.

 فقال النبى: قد نهيت عن قتل اولئك!! بمعنى ان هذا الصنف من المسلمين يتلفظ بالشهادتين ويمارس كل الاعمال الظاهريه التى تدل ظاهريا على اسلامه، ولكنه بنواياه وقلبه كافر بكل ذلك، ويخرج عن صلاحيه النبى ان يحاكم الناس على ما فى نواياهم وما فى قلوبهم، ولكن الرسول يكشف صفاتهم للمخلصين حتى يحذرهم المسلمون فلا يقعوا فى احابيلهم ولا ينخدعوا بمظاهرهم، لانهم هم العدو الحقيقى.

ولم يتوقف النبى فى هذه المرحله عن ترسيخ العقيده وبيان الطريقه المثلى لكشف المنافقين وعزلهم بعد ان اصبحوا خطرا يتهدد الاسلام ومستقبله.

 

نتائج فتح مكه:

بفتح مكه سقطت عاصمه الشرك، وتلقت عقيده الشرك ضربه قصمت ظهرها تماما، وهدمت اركانها، وباستسلام قاده البطون هزم انصار الشرك، وقضى تماما على وجوده، وتكرس نهائيا مبدا التوحيد، فلم يعد بوسع احد ان يعلن عن شركه، او يجاهر بمعارضته لعقيده التوحيد.

 لقد احترقت رايه الشرك والمعارضه التى كانت تلجا اليها العرب، فاذا سلم قاده البطون واسلموا واعطوا القياده لمحمد وهم الد اعدائه، فما هى مصلحه الاخرين بمعارضه محمد!! ومن الذى يقف بوجه محمد الذى قضى على الحركه اليهوديه بكل قوتها ومكرها، ودوخ القبائل العربيه واذهب ريحها مع كثرتها، ثم ركع قاده بطون قريش بكل فخرها وشرفها، لقد كان فتح مكه اعلانا وبخط عريض بان محمدا سيد الجزيره بغير منازع، والمالك الحقيقى لخيراتها، والمخول بتوزيع الادوار كلها على سكانها، وان الدين الذى جاء به محمد هو الدين الرسمى للسكان، فمن لم يوال محمدا او يتظاهر بموالاته، ومن لم يعتنق دين محمد او يتظاهر باعتناقه فقد اسقط ضمنيا حقه بالرزق، والملك، والجاه، والنفوذ، وبالمستقبل كله، ورضى ان يعيش خائفا فى مجتمع موعود بالامن والاستقرار، وبفتح وباستسلام هوازن والطائف، سقطت آخر حصون المقاومه، للنبوه وللدين، واخذت قبائل العرب تتوافد على النبى لتعلن قبولها بولايته واعتناقها للدين، حتى سمى عام الفتح بعام الوفود، كان محمدا يبحث عن الناس، والناس الان يبحثون عن محمد، كان محمدا يركض خلفهم، وصار العرب يركضون الى محمد، واخذ جباته يتحركون بين القبائل ويجبون الاموال، ليوزعها محمد على الوجه الشرعى.

 وباختصار فانك لا تجد الا مسلما او متظاهرا بالاسلام، ومواليا للنبى او متظاهرا بالولاء، لقد اصبحت الجزيره دوله اسلاميه واحده، قامت لاول مره فى التاريخ، وحدها النبى خلال مده لا تتجاوز العشر سنين، ونالت شرف رئاسه النبى لهذه الدوله.

 فاعظم مظاهر وحدتها كانت رئاسه النبى المباركه، فقد والته كل العرب او تظاهرت بموالاته بدون اكراه، ودخلت فى دينه او تظاهرت بالدخول فى دينه وبدون اكراه ايضا.

 لقد اصبح محمد نظام وحده العرب، ونظام وحده الدوله، ونظام وحده القانون لقد اختلط محمد بالدين، واختلط الدين بمحمد فهما وجهان لعمله واحده.

 فلو قمت بكل واجباتك الدينيه من صلاه وصيام وحج وقراءه قرآن وصدقه وقيام ليل، ولكنك لا توالى محمدا فانت كافر بلا خلاف، بمعنى ان الرئاسه اختلطت بالدين، فاذا امكن الفصل بين الرئيس وبين الدين، عندئذ تتحول الدوله الى دوله غير اسلاميه وتصبح ملكا، لقد صار الرئيس بمثابه خيط سبحه اذا قطع الخيط تبعثرت حبات السبحه.

 

  406- سوره التوبه، آيه 101.

  407- مراجع الدستور النبوى: سيره ابن هشام 1/501وما فوق،  ومجموعه الوثائق السياسيه لمحمد حميد اللّه ص 15وما بعدها،  والرسول العربى وفن الحرب عند العرب لقائد الجيش السورى  اللواء مصطفى طلاس ،كما نقلها عن سيره ابن اسحاق، ونظام  الحكم فى الشريعه والتاريخ لظافر القاسمى ص 31وما فوق.

  408- تاريخ الطبرى، المجلد الاول 2/279طبعه دار احياء  التراث العربى بيروت ،صرح بهذا المعنى، كما ذكر الواقدى فى  المغازى 1/63طبعه موسسه الاعلمى.

  409- المغازى للواقدى 1/9و10.

  410- المصدر السابق 1/11و12.

  411- المصدر السابق 1/12و 13و14.

  412- المصدر السابق 1/13و14.

  413- طبقات ابن سعد 2/8و 9و 10و 11و 27و 36و ،49وكتابنا  النظام السياسى فى الاسلام ص‏232.

  414- المغازى للواقدى 1/33.

  415- المصدر السابق 1/32.

  416- المصدر السابق 1/39.

  417- المغازى للواقدى 1/29،30.

  418- تاريخ الطبرى المجلد الاول 2/276.

  419- المصدر نفسه ،2/279وبهذا المعنى ذكر الواقدى فى  مغازيه: 1/63.

  420- المغازى للواقدى 1/63.

  421- المصدر نفسه 1/64.

  422- المصدر نفسه 1/61.

  423- المغازى للواقدى 1/74.

  424- سوره الانفال آيه 47.

  425- تاريخ الطبرى 2/272.

  426- المصدر نفسه 2/282.

  427- المصدر نفسه 2/276.

  428- المصدر نفسه 2/281.

  429- المغازى للواقدى 1/59،60.

  430- المصدر نفسه 1/42.

  431- المغازى للواقدى 1/68،70.

  432- المصدر نفسه 1/72.

  433- الرياض النضره للطبرى ،2/272والمرقاه لعلى،بن  سلطان ،5/567وكنز العمال للمتقى الهندى ،3/154وتاريخ  الطبرى ، 2/197تجد بعض فنون حملاته الباهره.

  434- المغازى للواقدى 1/92.

  435- المغازى للواقدى 1/147،148.

  436- المصدر نفسه 1/149.

  437- المصدر نفسه 1/149،150.

  438- المصدر نفسه 1/148،154.

  439- المصدر نفسه 1/45.

  440- المغازى للواقدى 1/44و155.

  441- المستدرك للحاكم، والحليه لابى نعيم، وكنز العمال  11/169ح‏31074.

  442- تاريخ الطبرى المجلد الاول 2/282.

  443- المغازى للواقدى 1/125.

  444- المصدر نفسه 1/124.

  445- المصدر نفسه 1/92.

  446- معالم المدرستين للسيد مرتضى العسكرى نقلها عن  فتوح بن اعثم ،5/241ومقتل الخوارزمى الحنفى 2/58.

  447- العقد الفريد لابن عبد ربه 4/224.

  448- سوره آل عمران آيه 120.

  449- مروج الذهب للمسعودى 2/478دار المكتبه العلميه.

  450- المغازى للواقدى 1/181.

  451- المصدر نفسه 1/197،198.

  452- المغازى للواقدى 1/199،202.

  453- المصدر نفسه 1/199،202وما فوق.

  454- المصدر نفسه 1/203،204.

  455- المغازى للواقدى 1/209.

  456- المصدر نفسه 1/210و 224و225.

  457- المصدر نفسه ،1/226ونور الابصار ص‏78.

  458- تاريخ الطبرى ،3/17وسيره ابن هشام ،3/134والرياض  النضره للطبرى ،2/172والهيثمى فى مجمعه ،6/114وقال:  رواه الطبرانى والمتقى الهندى فى كنز العمال، وقال: رواه  الطبرانى ايضا.

  459- المغازى للواقدى 1/237.

  460- فضائل الخمسه 2/356.

  461- المغازى للواقدى 1/312،319.

  462- المغازى للواقدى 1/334،340.

  463- المغازى للواقدى 1/338.

  464- سوره آل عمرانر آيه 172.

  465- المغازى للواقدى 1/340.

  466- المصدر نفسه 1/384.

  467- المصدر نفسه.

  468- المغازى للواقدى 1/387.

  469- المصدر نفسه.

  470- المصدر نفسه 1/389.

  471- المصدر نفسه.

  472- المغازى للواقدى 2/442.

  473- المصدر السابق.

  474- المغازى للواقدى 2/442.

  475- المصدر السابق.

  476- المصدر السابق.

  477- المصدر السابق.

  478- المصدر السابق 2/443.

  479- المغازى للواقدى 1/496 وقلبها.

  480- المصدر السابق 2/443.

  481- المصدر السابق 2/445وما فوق.

  482- معجم البلدان ،4/336والواقدى 2/444.

  483- المغازى للواقدى 1/440وما فوق.

  484- المصدر السابق 2/445.

  485- مستدرك الصحيحين 2/32بروايه سفيان الثورى، وراجع  تاريخ بغداد ،13/19وفضائل الخمسه من الصحاح السته  2/357،360.

  486- سوره الاحزاب آيه 25.

  487- ميزان الاعتدال ،2/17وفضائل الخمسه 2/360.

  488- سوره الاحزاب آيه 10.

  489- المغازى للواقدى 2/490.

  490- سوره الاحزاب آيه 9.

  491- المغازى للواقدى 2/441، 496.

  492- راجع المغازى للواقدى 2/553وما فوق.

  493- المغازى للواقدى 2/572.

  494- المغازى للواقدى 2/574.

  495- المغازى للواقدى 2/579.

  496- المغازى للواقدى 2/579، 580.

  497- المغازى للواقدى 2/593.

  498- المغازى للواقدى 2/600.

  499- المغازى للواقدى 2/600.

  500- المصدر نفسه.

  501- المغازى للواقدى 2/602وما فوق.

  502- المغازى للواقدى 2/604.

  503- المغازى للواقدى 2/610،611.

  504- المصدر نفسه 2/610 612.

  505- المصدر نفسه 2/612.

  506- المغازى للواقدى 2/603.

  507- المصدر نفسه 2/604.

  508- المصدر نفسه 2/600.

  509- المصدر نفسه 2/609.

  510- كتابنا الخطط السياسيه لتوحيد الامه الاسلاميه، ص  640ونظريه عداله الصحابه والمرجعيه السياسيه فى الاسلام  ص ،269ترى قدره الرجل على مواجهه النبى.

  511- المغازى للواقدى 2/606، 608.

  512- شرح النهج لعلامه المعتزله 3/790حسن تميم.

  513- المغازى للواقدى 2/612.

  514- المغازى للواقدى 2/607.

  515- المصدر نفسه 2/609 ، 610.

  516- سيره ابن هشام ،1/501ومجموعه الوثائق السياسيه  لمحمد حميد اللّه، ونظام الحكم فى الشريعه والتاريخ لظافر  القاسمى ص‏31.

  517- المغازى للواقدى 1/176.

  518- المغازى للواقدى 2/176، 180 .

  519- المصدر نفسه 1/363 ، 384.

  520- المصدر نفسه 2/455.

  521- المغازى للواقدى 2/496 ، 521.

  522- راجع مسند الامام احمد 1/99والنسائى فى خصائصه  ص‏5.

  523- كنز العمال 6/394.

  524- مجمع الزوائد للهيثمى ،9/124وذكره مختصرا فى  9/123.

  525- المغازى للواقدى 2/653.

  526- المصدر نفسه.

  527- راجع مسند الامام احمد ،1/99وخصائص النسائى ص  ،5وكنز العمال ،6/394كما نقله عن ابن شيبه وابن حنبل، وابن  ماجه، والبزار، وابن جرير، وصححه، والطبرانى فى الاوسط،  والحاكم، والبيهقى فى الدلائل، ومستدرك الصحيحين  3/437.

  528- سوره الكهف آيه 9.

  529- مسند احمد بن حنبل 6/8وابن جرير الطبرى فى تاريخه  2/300وابن سلطان فى مرقاته 5/566.

  530- تاريخ بغداد 11/324وميزان الاعتدال 2/218وذكره  العسقلانى فى فتح البارى 9/18وقال اخرجه الحاكم والطبرى  فى الرياض النضره 2/188.

  531- المصدر نفسه 2/696.

  532- المصدر نفسه 2/633 ، 692.

  533- المصدر نفسه 2/706، 707.

  534- المغازى للواقدى 2/709 ، 710.

  535- المصدر نفسه‏2/711.

  536- الطبقات لابن سعد 2/27و 28و 31و 32و 50و 51و 91و  94وكتابنا النظام السياسى فى الاسلام ص ،238والمغازى  للواقدى 1/154و 174و 184و391.

  537- طبقات ابن سعد ،2/57 63وكتابنا النظام السياسى فى  الاسلام.

  538- كتابنا النظام السياسى فى الاسلام ص، ،236 237تجد  التفصيل، والطبقات لابن سعد 2/8و 28 29و 57 58و 74 75و  78 79و 88و 89و 90و 93و ،128المغازى للواقدى ج 1وج‏2.

  539- كتابنا النظام السياسى فى الاسلام ص 239والطبقات  لابن سعد 2/3و 9و 48و 49و 80 ،82والمغازى للواقدى ج 1و2.

  540- كتابنا النظام السياسى فى الاسلام ص 237وطبقات ابن  سعد 2/8و 89و 132والمغازى للواقدى ج‏2.

  541- المغازى للواقدى 2/780، 789وما فوق.

  542- المصدر نفسه 2/791.

  543- المصدر نفسه 2/800.

  544- المغازى للواقدى 2/816 ، 818.

  545- المصدر نفسه 2/835.

  546- المصدر نفسه 2/846.

  547- المغازى للواقدى 2/846.

  548- المصدر نفسه 2/780 870.

  549- المغازى للواقدى 3/904.

  550- المصدر نفسه 3/895.

  551- المصدر نفسه 3/909ثارا لابويهما اللذان قتلا فى بدر  واحد!!.

  552- المصدر نفسه 2/846.

  553- المصدر نفسه 3/932.

  554- المغازى للواقدى 3/937.

  555- المصدر نفسه 3/941 942.

  556- المصدر نفسه 3/942.

  557- المصدر نفسه 3/945.

  558- المصدر نفسه‏3/948.

  559- المغازى للواقدى 3/950.

  560- المصدر نفسه 3/951.

  561- المصدر نفسه 3/951 ،952.

  562- المصدر نفسه 3/959.