فهرس الكتاب

مكتبة الرسول الأعظم (ص)

 

 

 بسم اللّه الرحمن الرحيم

المقدمة:

الحمد اللّه رب العالمين، واصلى واسلم بافضل صلاه واتم تسليم، على حبيبنا، وقره اعيننا، سيد ولد آدم، وخاتم الانبياء والمرسلين محمد، وعلى آله الطيبين، سفن النجا، ونجوم الهدى، وباب حطه، واحد الثقلين، واهل المنزله والشرف والفخر والرئاسه، صلاه وسلاما دائمين متلازمين متكررين فى كل لحظه وحين الى يوم الدين اما بعد: فها انا اضع بين يدى عشاق الحقائق الشرعيه المجرده .

كتابى السادس(المواجهه القصه الكامله) وهو اول كتاب من نوعه يعالج هذا الموضوع بذات الهيئه والمضمون والمنهجيه.

 وقد عنيت بالمواجهه تلك المجابهه التى حدثت عبر التاريخ بين رسول‏اللّه محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم من جهه، وبين اعداء اللّه الذين كرهوا ما انزل اللّه، فتبرعوا نيابه عن الجنس البشرى فجابهوا رسول‏اللّه وآله، وقاوموهم، وكادوا لهم كيدا، ومكروا بهم مكرا، وحاربوهم حربا مسلحه طوال احدى وعشرين سنه منها ثلاث عشره سنه قبل الهجره وثمانى سنين بعد الهجره.

 ثم احاط الرسول وآله باعداء اللّه، واغلق فى وجوههم كل الابواب، وترك باب الاسلام مفتوحا، فاستسلم اعداء اللّه، وذكرهم بمكرهم، وان كان مكرهم لتزول منه الجبال -ولما ذلوا واستسلموا، عفا رسول‏اللّه عنهم قائلا:(اذهبوا فانتم الطلقاء)، وتلفظوا بالشهادتين، فعرفوا بالمسلمين الطلقاء، وعاشوا بنعيم فى ظلال حريه الاسلام، ونظام المساواه، والعدل، وتكافو الفرص الاسلامى واحترام كرامه الانسان، ولاح لمجتمع دوله الرسول ان اعداء اللّه بالامس والذين صاروا اليوم(مسلمين طلقاء) قد استقاموا، ولم لا، فالبواطن اختصاص الهى، وليس للبشر الا ظواهر الامور وانشغل المجتمع الاسلامى بالاهم.

 وجاء نصر اللّه والفتح، وخرج العرب جميعا ومواليهم من دوائر الشرك الى دائره التوحيد، فلم يعد بوسع عربى ان يعلن شركه وتوحد العرب، ولاول مره فى تاريخهم، تحت خيمه دوله النبى، دوله الايمان التى عاش فى ظلالها العرب والعجم، والموالى والصرحاء، مع كل الالوان ينعمون جميعا بالحريه، والمساواه، والعدل، والكرامه الانسانيه، وتكافو الفرص كثمرات طبيعيه لتطبيق القوانين الالهيه التى بينها النبى بيانا كاملا وشاملا ونقلها من النص الى التطبيق، ومن النظر الى الواقع، ومن الكلمه الى الحركه عبر مسيرتى الدعوه والدوله.

 وحج رسول‏اللّه بالناس، واعلن امام وفود الحجيج، ان حجته تلك هى حجه الوداع، وانه قد خير فاختار ما عند اللّه، وانه يغتنم فرصه تجمع المسلمين، ويعلن امامهم بامر من ربه فى ذلك المكان(غدير خم) ان اللّه تعالى قد امره باعلان على بن ابى طالب وليا للامه واماما لها من بعده، فهو ولى من كان النبى وليه ومولى من كان النبى مولاه.

 فتقدمت الجموع وبايعت‏الامام‏على، وهناته بالولايه، وكان ابوبكر وعمر من اوائل المبايعين والمهنئين، وبايعه الطلقاءايضا.

 وفى ذات الموقف اعلن النبى امام ذلك الجمع المهيب بان الهدى لا يدرك الا بالتمسك بالثقلين: كتاب اللّه وعتره النبى اهل بيته، وان الضلاله لا يمكن تجنبها الا بالتمسك بهذين الثقلين معا.

 ثم نادى النبى باعلى صوته:(الا هل بلغت) وصاحت الجموع الاسلاميه بصوت واحد: لقد بلغت يا رسول‏اللّه، اديت الامانه، وبلغت الرساله، وتركت الناس على‏المحجه البيضاء.

 فقال الرسول: اللهم انى اشهدكم‏عليهم.

 ويهبط جبريل الامين، ومعه آيه الاكمال (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم‏نعمتى ورضيت لكم الاسلام دينا)(1) وتلى النبى آيه الاكمال على المجتمعين، ففرح‏المجتمعون بكمال الدين، وتمام النعمه، ورضا الرب الحكيم بولايه على.

 وبدا للناس ان‏المواجهه قد وضعت اوزارها، وان الشرعيه الالهيه قد القت جرانها فى الارض، وعاد الناس الى ديارهم على هذا الاساس.

 بطون قريش: فى هذا الوقت، توحدت بطون قريش تماما مره اخرى كما توحدت ضد النبى، وهبطت من بهاء التدبير الالهى، الى ظلمه تدبيرها، فقال قائلها: ليس من العدل ان يكون النبى من بنى هاشم، وان يكون الولى منهم.

 وليس من الحكمه ان يعط‏ى اهل بيت النبوه هذا الدور المميز!! والانصاف يقضى بان تكون النبوه لبنى هاشم، وان تكون الخلافه للبطون.

 هذا هو العدل، وعلى بطون قريش ان تعمل على فرض العدل بالقوه، وتجميع العرب حول هذا الهدف!!! فليس مناسبا ان يتولى الامور من بعد النبى على‏بن ابى طالب الذى قتل سادات‏البطون!! ونكل بشيوخ الوادى فى بدر واحد والخندق!! وهكذا فتحت بطون قريش ابواب مواجهه جديده بالوقت الذى كان فيه النبى يتاهب للقاء ربه، وبدات بطون قريش تستقطب، وتشن حملاتها الدعائيه ضد النبى من جديد، ولكن وهى مسلمه هذه المره!!! ولم يكن امام النبى فى هذه الحاله الا التذكير بالبيان الالهى المتعلق بالقياده من بعد النبى، وبالدور المميز لاهل بيت النبوه، فقاد النبى حمله مضاده، ووضح خلال حملته حتى‏الواضحات، حتى لا تبقى لمن خالف شبهه، وحتى تكون معصيته مع العلم وسبق الاصرار.

 مرض النبى: ومرض النبى مرضه الذى مات منه، فاراد قبل موته ان يلخص الموقف للامه، وان يكتب توجيهاته النهائيه، كما يفعل قاده الامم عاده وكما فعل الخلفاء طوال التاريخ، وضرب الرسول لكتابه توجيهاته موعدا يحضره الخلص من اوليائه، وبالوقت الذى حدده النبى لكتابه توجيهاته النهائيه فوجى‏ء النبى، وفوجى‏ء الخلص من اوليائه بسادات بطون قريش يدخلون على حجرته المقدسه، ولم يكن بوسع النبى ان يعدل عن كتابه توجيهاته النهائيه فقال لاوليائه:(قربوا اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا) فنهض اولياء النبى ليحضروا الكتف والدواه، وعلى الفور نهض عقيد سادات البطون، وتجاهل وجود النبى وقال للحاضرين:(ان رسول‏اللّه يهجر، ولا حاجه لنا بكتابه، حسبنا كتاب اللّه).

 وعلى الفور ايضا قال سادات البطون، متجاهلين بالكامل وجود النبى:(القول ما قاله(فلان) حسبنا كتاب اللّه، لا حاجه لنا بكتاب النبى، ان النبى يهجر!! ما باله استفهموه اهجر!! ما شانه اهجر!!) واكثروا اللغط والتنازع وتبين للنبى حقيقه الموقف، وان هدف سادات البطون هو الحيلوله بينه وبين كتابه ما اراد، وبهذا المناخ لم يعد هنالك ما يبرر كتابه ما اراد، وادرك انها الفتنه، لذلك راى ان يحسم الموقف فقال:(قوموا عنى، لا ينبغى عند نبى تنازع، ما انا فيه خير مما تدعونى اليه) هنالك نهض الجميع وخرج سادات البطون بعدان صدموا خاطر النبى الشريف، وتركوه يموت غاضبا مهموما!!.

 واغتنموا فرصه انشغال الامام واهل بيت النبوه، بتجهيز النبى وتكفينه(فتقطعوا امرهم زبرا) ونصبوا الخليفه الجديد فى غياب آل محمد ثم اقبلوا يزفونه، وواجهوا آل محمد بواقع لا طاقه لهم على تفسيره، ونجحت خطه البطون بتقويض الشرعيه الالهيه، ونسف الترتيبات الالهيه راسا على عقب، وفتح ابواب مواجهه جديده ودائمه بين الشرعيه والواقع المفروض وما زالت تلك المواجهه تشتد حتى اكلت الاخضر واليابس، ولم يبق من الجانب السياسى فى الاسلام الا الهيكل العظمى.

 خطه البحث: فتحت على البحث خمسه ابواب، استحضرت خلالها الحادثات التاريخيه واعملت فيها الجهد المضنى المستفيض وفق مناهج الاستقراء والبحث والمقارنه والاستنباط، فدرت، فاعطت حقائقها، وأوقفتنى على منابعها واصولها، ومراكز قوتها، ونقاط ضعفها فاتضح الواقع على حقيقته.

 ثم وقفت على منابع الشرعيه الالهيه، من مصادرها النقيه كتاب اللّه جل وعلا، وبيان الرسول لهذا الكتاب، وبيان ائمه اهل بيت النبوه اعدال الكتاب، ووقفت على حجه قاده التاريخ وشيعتهم من العلماء وفق مناهج البحث والاستقراء والمقارنه ايضا، فاتضحت امامى الشرعيه الالهيه كامله لا تشوبها شائبه، بلا لبس ولا غموض نقيه، كانها كوكب درى.

 وبعد ذلك استحضرت دقائق الزمن واستعرضت حركه المواجهه بين الشرعيه الالهيه وبين الحادثات التاريخيه، وذهب الزبد جفاء واما ما ينفع الناس فمكث فى الارض.

 تقسيم البحث: قسمت البحث الى خمسه ابواب.

 ففى الباب الاول: غطيت وقائع المواجهه بين رسول اللّه وآله الاكرمين وبين اعداء اللّه خلال الفتره الواقعه ما بين الاعلان عن انباء النبوه والرساله والكتاب وولايه العهد الى اللحظه التى نجا فيها النبى من مطارده بطون قريش له اثناء الهجره المباركه، وقد بحثت هذه الفتره من خلال سته فصول وافيه.

 اما الباب الثانى فقد غطيت فيه انباء المواجهه من اللحظه التى وصل فيها النبى الى المدينه حتى اللحظه التى تم فيها فتح مكه واستسلام سادات بطون قريش للنبى بدون قيد او شرط، وقد عالجتها من خلال خمسه فصول شافيه.

 وفى الباب الثالث: غطيت وقائع المواجهه التى جرت بين الشرعيه الالهيه وبين بطون قريش المتحده بعد اسلامها من خلال سته ابواب، ابرزت فيها كل خفى فى هذه المواجهه، حتى تعرت مواقف البطون على حقيقتها المذهله.

 اما فى الباب الرابع: فقد ابرزت فيه الاحكام الشرعيه المتعلقه بالامامه اوالقياده او المرجعيه من بعد النبى من خلال ثلاثه عشر فصلا، فما من سوال عن هذه الناحيه الا ونجد له فى الباب جوانبا حتى ليصلح هذا الباب ان يكون كتابا مستقلا.

 وفى الباب الخامس: غطيت فيه بدقه وقائع الانقلاب الاسود على الشرعيه وآثاره‏المدمره من خلال ثلاثه عشر فصلا وقد حرصت على توثيق الابواب الاربعه توثيقا كاملا، وعلى ربطها مع بعضها برباط محكم وثيق.

 وانى اعيذك باللّه من ان تتصور ان هذا البحث كان نزهه، لقد كان معاناه مرهقه، بل ومواجهه حقيقيه، تركت حملها الثقيل على عظم قد رق، وقلب مثقل بالالم.

 اللهم انك تعلم انى ما اردت الا الدفاع عن القضيه العادله لاهل بيت نبيك، تقربا منى اليك بهم، اللهم اجعل جهدى خالصا لوجهك وصدقه تطفى‏ء بها خطاياى، وهديه خالصه لمحمد صلى اللّه عليه وآله وسلم واهل بيته الطاهرين وبنى هاشم‏الماجدين تقربنى منك زلفى، انك يا مولاى ودود رحيم، وآخر دعوانا ان الحمد للّه رب العالمين.

الاردن ـ جرش

‏احمد حسين يعقوب