الفصل الأول: حتى الهجرة إلى الحبشة
أهداف الإسلام : إن من الواضح : أن أهداف الإسلام القصوى ليست هي مجرد تحقيق العدل ، ولو بمفهومه الأوسع ، إذ لو كان كذلك لم يبق معنى للأوامر الداعية إلى الجهاد والتضحية بالنفوس في سبيل الله والمستضعفين ، إذ لماذا يتخلى هذا الشخص عن نفسه وعن حياته في يبقى الآخرون يتمتعون بالحياة ، وبمباهجها ولذائذها ؟!. كما أنه لو كان العدل هو الهدف فلا يبقى معنى لمحبوبية الإيثار على النفس ومطلوبيته له تعالى . ثم مدح من يفعل ذلك من الناس كما في قوله تعالى : (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) (1). كما أنه لا معنى لنهي الإنسان عن الحقد ، وغير ذلك مما لا يمكن تتبعه واسقصاؤه . فإن ذلك كله وسواه ليدل على أن الهدف ليس هو مجرد تحقيق العدل ، وإنما هو فوق ، وأهم ، وأقدس من ذلك . إنه تجسيد إنسانية الإنسان ـ وإظهار كنوزها ، والارتفاع بهذا الإنسان إلى مستوى الجدارة الحقيقية لأن يمثل النموذج الذي يريده الله للإنسان الكامل ، وليس العدل وساه من كمالات وفضائل ، إلا واحداً من تلك المراحل والوسائل الموصلة إلى ذلك الهدف المقدس والأسمى ، الذي يستبطن في داخله : كل العدل ، وكل الكمالات وكل الفضائل ، وأخيراً كل السعادة ، والفوز والنجاح . هذا هو هدف الإسلام ، وهذا ما يسعى إليه ، ويعمل من أجل الوصول والحصول عليه . وليس أدل على ذلك من الآية الكريمة التي تحدد مهمة النبي الرسول ، بأنه يعلم الناس الحكمة ، ويطهرهم ، ويزكيهم ، بالإضافة إلى تبليغ رسالة الله لهم ، قال تعالى : (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم ، يتلو عليهم آياته ، ويزكيهم ، ويعلمهم الكتاب والحكمة ، وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) (2) . وليلاحظ : أيضاً قوله تعالى : (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ، ولكن يريد ليطهركم . وليتم نعمته عليكم ، لعلكم تشكرون ) (3) . ومن يراجع الآيات القرآنية يجد الكثير الكثير مما يدل على ذلك دلالة واضحة ، حتى إن ذلك لا يحتاج إلى أي بيان أو توضيح ، ولا إلى المزيد من الدلالات والشواهد .
الحاجة إلى الوزير والوصي : وبعد أن عرفنا حقيقة هدف الإسلام ، فإننا نعرف : أن مهمته شاقة وعسيرة جداً لأنها تصطدم أولاً وبالذات بالإنسان الفرد ، حيث لا بدّ له من السيطرة على غرائزه وشهواته وطموحاته ، ليوجهها ويستفيد منها في مجال بناء الشخصية الإنسانية المثالية والفضلى . كما أنها تهدف إلى التغيير الجذري في البنية الإجتماعية والسياسية وغيرها للمجتمع ، ليقتلع كل جذور الشر ، ويستأصل كل عوامل الإنحراف ؛ ليغرس عوضاً عنها كل معاني الخير والصلاح ، والبركة والفلاح . نعم ، إنها مهمة شاقة وعسيرة جداً ، ولا أشق ولا أعسر منها ، وهي تحتاج لإنجازها ثم إلى استمرارها إلى جهد والتحول ، التي منحه الله إياها لتكون عوامل لبقائه وسعادته ولراحته ، وأعطاه أيضاً وسائل ضبطها والهيمنة عليها وتوجيهها . ولكن تلك الوسائل كثيراً ما تضعف عن السيطرة على تلك العوامل . ولسوف يبقى هذا الخطر قائماً ، ما دام ذلك الصراع قائماً . وإذا كان الصراع مستمراً باستمرار وجود الإنسان على مدى الزمان ، وكان خطر الشذوذ والإنحراف مستمراً أيضاً : فإن الأنبياء سيكونون بحاجة إلى مواصلة القيام بمهمة التربية والتزكية ، وغرس الفضائل الإنسانية والأخلاقية في نفوس الناس ، بالإضافة إلى الإستمرار في تلاوة الآيات القاهرة للعقل ؛ والمرضية للوجدان ، وبالإضافة إلى تعليم الشريعة والأحكام ، ثم الإشراف على تطبيقها ، والرقابة المستمرة على ذلك . ومن هنا تبرز الحاجة إلى الوزير والوصي ، والنصير والأخ والولي ، والخليفة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فجاء تنصيب علي (عليه السلام) من قبل الرسول الأكرم صلوات الله عليه وآله هو الحركة السليمة والطبيعية في خط الجهاد والدعوة إلى الله سبحانه . وما يوم الدار ، وما جرى من تنصيب علي ( عليه السلام) فيه خليفة ووزيراً ووصياً للرسول إلا واحداً من تلك المناسبات الكثيرة التي جرى فيها التأكيد على هذا الأمر ، وترسيخه بصورة قوية وحاسمة . فإلى حديث الدار في ما يلي من مطالب .
وأنذر عشيرتك الأقربين : إنه بعد السنوات الثلاث الأولى بدأت مرحلة جديدة وخطيرة وصعبة ، هي مرحلة الدعوة العلنية إلى الله تعالى . وقد بدأت أولاً على نطاق ضيق نسبياً ، حيث نزل عليه صلى الله عليه وآله قوله تعالى : (وأنذر عشيرتك الأقربين )(4) .فيقول المؤرخون ، (والنص للطبري ) ، ما ملخصه : أنه لما نزلت هذه الآية دعا عليا (عليه السلام) ؛ فأمره أن يصنع طعاماً ، ويدعو له بني عبد المطلب ليكلّمهم ، ويبلغهم ما أمر به . فصنع علي (عليه السلام) صاعاً من طعام ، وجعل عليه رجل شاة ، وملأ عسّاً من لبن ، ثم دعاهم ، وهم يومئذٍ أربعون رجلاً ، يزيدون رجلاً ، أو ينقصونه ، فيهم أعمامه : أبو طالب ، وحمزة والعباس ، وأبو لهب . فأكلوا قال علي (عليه السلام) : فأكل القوم ، حتى مالهم بشيء من حاجة ، وما أرى إلا موضع أيديهم ، وأيم الله الذي نفس علي بيده ، وإن كان الرجل الواحد منهم ليأكل ما قدّمت لجميعهم . ثم قال : إسق القوم ؛ فجئتهم بذلك العس ؛ فشربوا منه حتى رووا منه جميعاً ، وأيم الله ، إن كان الرجل الواحد منهم ليشرب مثله ، فلما أراد رسول الله صلى الله عليه وآله أن يكلمهم بدره أبو لهب فقال : لِقدْماً سحركم صاحبكم ، فتفرق القوم ، ولم يكلمهم الرسول صلى الله عليه وآله . فأمر (صلى الله عليه وآله وسلم) علياً في اليوم الثاني : أن يفعل كما فعل آنفاً ، وبعد أن أكلوا وشربوا قال لهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا بني عبد المطلب ، إني والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به ، إني بخير الدنيا والآخرة . وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم إليه ؛ فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ، ووصيي ، وخليفتي فيكم . قال : فأحجم القوم عنها جميعاً ، وقال علي : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ، ثم قال : إن هذا أخي ، ووصيي ، وخليفتي فيكم ؛ فاسمعوا له وأطيعوا . قال : فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبي طالب : قد أمرك أن تسمع لإبنك وتطيع. وفي بعض نصوص الرواية : أنه لما قام علي (عليه السلام) فأجاب ، أجلسه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) . ثم أعاد الكلام ، فأجابه علي ، فأجلسه ، ثم أعاد عليهم ، فلم يجيبوا ، وأجاب علي (عليه السلام) ، فقال له (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك . وعلى حسب نص الإسكافي : أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : هذا أخي ، ووصيي ، وخليفتي من بعدي . وأنهم قالوا لأبي طالب : أطع ابنك ، فقد أمره عليك (5).
التعصب الأعمى : ولا بد أن نشير هنا : إلى أن الطبري ، قد ذكر هذا الحديث في تاريخه على النحو المتقدم . ولكنه ندم على ذلك – على ما يظهر- فذكر نفس هذا الحديث في تفسيره برمّته حرفياً ، متناً وسنداً ، ولكنه غيّر فيه عبارة واحدة ، فذكرها على النحو التالي : (فأيكم يؤازرني على هذا الأمر ، على أن يكون أخي ، وكذا وكذا . إلى أن قال : ثم قال : إن هذا أخي وكذا وكذا (6))!! وقد تبعه على هذا إبن كثير الشامي أيضاً ؛ فلم تسمح نفسه بذكر ما في تاريخ الطبري . بل نقل خصوص ما في التفسير ، مع أن تاريخ الطبري هو مصدره ومعتمده في تاريخه (7) !! كما أن محمد حسنين هيكل بعد أن ذكر في كتابه حياة محمد ، في الطبعة الأولى ص 104 نص الطبري في التاريخ . عاد فحذف من الطبعة الثانية ص139 ط سنة 1354 هـ . قوله : ( وخليفتي فيكم ) واقتصر على قوله : (ويكون أخي ووصيي) وذلك لقاء خمسمائة جنيه ، أو لقاء شراء ألف نسخة من كتابه (8) .
إبن تيمية ، وحديث الدار : أما إبن تيمية ، فقد أنكر –على عادته – في إنكار فضائل سيد الأوصياء أمير المؤمنين (عليه السلام) –حديث الدار ،
وأورد عليه بما ملخصه : أولاً : إن في سند رواية الطبري أبو مريم الكوفي ، وهو مجمع على تركه ، وقال أحمد : ليس بثقة ، واتهمه إبن المديني بوضع الحديث الخ . وثانياً : تنص الرواية على أنه قد جمع بني عبد المطلب وهم أربعون رجلاً . ومن الواضح : أنه حين نزول الآية لم يكن بنو عبد المطلب بهذه الكثرة . وثالثاً : قول الرواية إن الرجل منهم ليأكل الجذعة ، ويشرب الفرق من اللبن ، كذب ، إذ ليس في بني هاشم من يعرف بأنه يأكل جذعاً ، ويشرب فرقاً . ورابعاً : إن مجرد الإجابة للمعونة على هذا الأمر لا يوجب أن يكون المجيب وصياً وخليفة بعده صلى الله عليه وآله ؛ فإن جميع المؤمنين أجابوا إلى الإسلام ، وأعانوه على هذا الأمر ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في سبيله . كما أنه لو أجابه الأربعون ؛ أو جماعة منهم فهل يمكن أن يكون الكل خليفة له . ؟ وخامساً : إن حمزة ، وجعفراً ، وعبيدة بن الحرث قد أجابوا إلى ما أجاب إليه علي ، بل حمزة أسلم قبل أن يصير المؤمنون أربعين رجلاً (9).
الرد على ابن تيمية : ولكن كل ما ذكره إبن تيمية لا يصح ، ولا يلتفت إليه ، وذلك لما يلي : ألف – فأما بالنسبة لما ذكره أولاً عن أبي مريم ، فقد قال إبن عدي : سمعت إبن عقدة يثني على أبي مريم ويُطريه ، وتجاوز الحد في مدحه(10) وأثنى عليه شعبة (11). وقال عنه الذهبي : كان ذا اعتناء بالعلم وبالرجال (12). وعدا عن ذلك فقد صرحوا بسبب تضعيفهم له ، وهو كونه شيعياً . ونحن نرى أن ذلك لا يضره ؛ فقد روى أصحاب الصحاح ، ولا سيما البخاري ومسلم عن عشرات الشيعة(13) . ومع غض النظر عن ذلك ؛ فإن المتّقى الهندي قد نقل عن الطبري : أنه قد صحح هذا الحديث (14). كما وصححه الإسكافي المعتزلي(15) وصححه أيضاً الخفاجي في شرح الشفاء (16). وقد رواه أحمد بسندٍ جميع رجاله الصحاح بلا كلام ، وهم : شريك ، والأعمش ، والمنهال ، وعباد وعلي (عليه السلام) (17). ولو سلم كل ذلك ؛ فإن طرق الحديث مستفيضة ، يقوى بعضها بعضاً ؛ فلا يضر ضعف بعض الرجال في بعض الأسانيد . وأعجب من ذلك أن لا تكون قضية الخلافة بعده صلى الله عليه وآله مذكورة في المسانيد ، فإن من راجع المصادر والمسانيد . وأما الطعن في رواية إبن أبي حاتم باشتمال سندها على عبد الله بن عبد القدوس . وقد ضعفه الدار قطني ، وقال النسائي : ليس بثقة . وقال إبن معين : ليس بشيء رافضي خبيث . أما هذا – فقد قال الشيخ المظفر : (رحمه الله ) تعالى في جوابه : (وفيه : أن تضعيفهم معارض بما في تقريب ابن حجر : أنه صدوق . وفي تهذيب التهذيب : قال محمد بن عيسى : ثقة . وذكره إبن حبّان في الثقات . وقال البخاري : هو في الأصل صدوق ، إلا أنه يروي عن أقوام ضعاف . مع أنه أيضاً من رجال سنن الترمذي . ومدح هؤلاء مقدم ؛ لعدم العبرة في قدح أحد المتخالفين في الدين في الآخر ، ويقبل مدحه فيه . وهم قذفوه بذلك ؛ لأنهم رموه بالتشيع ، ولا نعرفه في رجالهم . لكن قد ذكر ابن عدي : أن عامة ما يرويه في فضائل أهل البيت . ولعل هذا هو سر تهمتهم له (18). 2- وأما ذكره إبن تيمية ثانياً : فإن الظاهر هو أن كلمة (عبد ) زيادة من الرواة ، بدليل : أن عدداً من الروايات يصرح بأنه قد دعا بني هاشم (19)وجاء في روايات أخرى : انه دعا بني عبد المطلب ، ونفراً من بني المطلب (20) فلعل الأمر قد اشتبه على الراوي وأضاف كلمة (عبد ) ، وهذا كثير . وعليه فلا يلزم من ذلك كذب أصل الواقعة المتفق عليها إجمالاً . كما أن أبناء عبد المطلب إذا كانوا عشرة ، وكان أصغرهم يصل عمره حينئذٍ إلى ستين عاماً ؛ فلماذا لا يكون لهم من الولد ما لو انضموا إليهم لبلغوا أربعين رجلاً ، بل اكثر من ذلك بكثير ، وما وجه الإستبعاد لذلك ؟ 3- وأما ما ذكره ثالثاً : فقد أجاب عنه الشيخ المظفر : بأن عدم معروفيتهم بالأكل لا تدل على عدم كونهم كذلك ، فلعلهم كذلك ، فلعلهم كذلك في الواقع . ولو سلَّم ؛ فإنه يلزم منه مبالغة الراوي في إظهار معجزة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في إطعامهم رجل الشاة ، وعسّ اللبن الواحد (21). وأما ما ذكره إبن تيمية رابعاً : فجوابه ما ذكره الشيخ المظفر من أن قوله هذا ليس علة تامة للخلافة ، ولم يدّع ذلك النبي صلى الله عليه وآله ، ليشمل حتى من لم يكن من عشيرته ، بل أمره الله بإنذار عشيرته ؛ لأنهم أولى بالدفع عنه ونصره ؛ فلم يجعل هذه المنزلة إلا لهم ، وليعلم من أول الأمر : أن هذه المنزلة لعلي (عليه السلام) لأن الله ورسوله يعلمان : أنه لا يجيب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) ويوازره غير علي (عليه السلام) ؛ فكان ذلك من باب تثبيت إمامته ، بإقامة الحجة عليهم . ومع فرض تعدد المجيبين يعين الرسول الأحق بها منهم (22). وقد أوضح ذلك المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني :بأن الخطاب إنما هو للجميع ، لكن النبي صلى الله عليه وآله كان يعلم من خلقهم وعلاقاتهم ، وطبائعهم : أنهم سوف لا يجيبون إلا علي (عليه السلام ) ، هذا بالإضافة إلى إعلام الله له بذلك . ونقول نحن : ويؤيد ذلك النص الذي سوف يأتي نقله عن البحار ، عن ابن طاووس ، تحت عنوان : (ماذا قال النبي صلى الله عليه وآله يوم الإنذار ) . وقد قلنا هناك : إن ذلك النص هو المنسجم مع الآية الكريمة ، وقد جاء فيه : ( إن الله لم يبعث رسولاً إلا جعل له أخاً ، ووزيراً ، ووصياً ، ووارثاً من أهله ، وقد جعل لي وزيراً كما جعل للأنبياء من قبلي .. إلى أن قال : وقد والله أنبأني به ، وسماه لي ، ولكن أمرني أن أدعوكم وأنصح لكم ، وأعرض عليكم لئلا تكون لكم الحجة فيما بعد ) (23). واحتمل صديقنا المحقق الروحاني : أن يكون الخطاب لواحد منهم على سبيل البدل ، ولذا قال لهم : أيكم يؤازرني الخ .. فالمجيب أولاً هو الذي يستحق ما وعد به (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وإجابة أكثر من واحد بعيدة الوقوع جداً ، ولا يعتنى باحتمالها عرفاً . لا سيما وأن الذي يضرّ هو التقارن في الإجابة ، وذلك أبعد وأبعد . هذا مع علمه صلى الله عليه وآله بأنه لا يجيب سوى واحد منهم . ولكن قد ذكر بعض الأعلام : أن كون المراد هو المؤازرة في الجملة بعيد ؛ لكون المسلمين على اختلاف مراتبهم قد وازروه في الجملة . فالمراد هو المؤازرة في جميع الأمور والأحوال . والموازرة الكاملة في الدين تحتاج إلى أعلى درجات الوعي ، والعلم ، والسمو الروحي إلى درجة العصمة . الأمر الذي يعني : أن شخصاً كهذا هو الذي يستحق الإمامة ، ولا يستحقها سواه ؛ ممن تلبس بالظلم ، كما قال تعالى : ( لا ينال عهدي الظالمين ) . وليس ذلك سوى علي (عليه السلام ) . أضف إلى ذلك : أن إمامة وخلافة علي (عليه السلام) ، إنما هي بجعل من الله سبحانه وتعالى ، ر بجعل من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) لتترتب على المؤازرة المنشودة ، والمرغب بها ، مع علم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدم إجابة غير علي ( عليه السلام) ، فيكون ما جرى في يوم الإنذار لأجل إقامة الحجة ، وقطع كل عذر . فكلام المظفر هو الأولى والأقرب انتهى . وأما ما ذكره ابن تيمية خامساً ، وأخيراً فهو لا يصح أيضاً بأي وجه : أولاً : لأن وجود حمزة إنما يضر ، لو كان قد اسلم قبل نزول آية الإنذار ، ونحن لم نستطع : أن نحتمل ذلك ، فضلاً عن أن نجزم به ؛ إذ من القريب جداً ، بل هو ظاهر ، إن لم يكن صريح ما ورد في كيفية إسلام حمزة : أن يكون إسلامه بعد الإعلان بالدعوة ، وبعد وقوع المواجهة بين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) وقريش ، وبعد مفاوضاتها لأبي طالب . وثانياً : لو سُلِّم فإن إنذار عشيرته يمكن أن يكون أثناء الدعوة السرية ، وقبل إسلام حمزة ، حتى لو كان قد أسلم في الثانية من البعثة ، ويكون ما جرى بين حمزة وأبي جهل ، بمثابة إعلان جزئي للدعوة . وتكون قريش قد بدأت تتعرض لشخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى في الدعوة السرية ، وأما بالنسبة لسائر من أسلم فقد كان ثمة محدودية في التعامل معهم ، وسرية بالنسبة لمن يدخل في الإسلام منهم . ويدل على ما ذكرناه : أنهم يذكرون : أن قوله تعالى : (فاصدع بما تؤمر ) كان هو السبب في إخراج الدعوة من السر إلى العلن . ولا ريب أن إنذار العشيرة كان قبل ذلك . وثالثاً : إن وجود حمزة ، إن كان قد أسلم آنئذٍ ، كوجود أبي طالب بينهم ، فلعلهما كانا يريان أنهما غير مقصودين بهذه الدعوة . ولا سيما إذا كانا يدركان : أن بقاءهما إلى ما بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) أبعد احتمالاً ؛ فإن سنّ حمزة كان يقارب سن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، كما يدّعون ، ولكننا من عشرين سنة ، لأنه كان أكبر من عبد الله ، والد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) والذي كان أصغر أولاد عبد المطلب . وهكذا يقال بالنسبة للعباس أيضاً . وأما أبو طالب ؛ فإنه كان شيخاً هرماً لا يحتمل البقاء إلى ما بعد وفاته صلى الله عليه وآله ، فلا معنى لأن يقدّم أي منهما نفسه على أنه خليفته من بعده ، أو الأقل هكذا فكرا آنئذٍ . وهكذا يتضح : أن جميع ما جاء به إبن تيمية إنما كان كسراب بقيعة ، أو كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف . نقاط هامة في حديث الإنذار
ألف –روايات لا يمكن أن تصح : هذا ، وقد حاول إبن تيمية أن يقوي جانب روايات أخرى تبعد علياً وأهل البيت عن الأنظار ، بل وتستبعد الهاشميين منه عموماً أيضاً كتلك الروايات التي في الصحيحين ، والتي تقول : إنه ( صلى الله عليه وآله وسلم )جمع قريشاً –حين نزل قوله تعالى : (وأنذر عشيرتك الأقربين ) فاجتمعوا ، فخصّ وعمّ ، فقال : يا بني كعب بن لؤي ، أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني مرة بن كعب ، أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني هاشم أنقدوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار الخ (24). وفي رواية أخرى : إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع بني هاشم وأجلسهم على الباب ، وجمع نساءه فأجلسهم في البيت . ثم كلّم بني هاشم ، وبعد ذلك أقبل على أهل بيته ؛ فقال : يا عائشة بنت أبي بكر ، ويا حفصة بنت عمر ، ويا أم سلمة ، ويا فاطمة بنت محمد ، ويا أم الزبير عمة رسول الله ، اشتروا أنفسكم في الله ، واسعوا في فكاك رقابكم ؛ فإني لا أملك لكم من الله شيئاً ، ولا أغني ؛ فبكت عائشة وقالت .. ثم تذكر الرواية محاورة لها معه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (25) . وثمة نصوص أخرى كلها تؤكد على دعوته قريشاً وإنذاره لها . وهذه الروايات لا يمكن أن تصح . فأولاً : لقد تقدم : أن فاطمة صلوات الله وسلامه عليها لم تكن حينئذٍ قد ولدت . وثانياً : إن عائشة (26) وحفصة ، وأم سلمة لم يكنَّ من أزواجه حينئذٍ ، ولا كنّ من أهله ، وإنما صرن من أهله في المدينة بعد ذلك بسنين كثيرة .. وثالثاً : إن هذه الروايات تناقض ما ورد من أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) إنما دعا قريشاً وبادءها حين نزل قوله تعالى : فاصدع بما تؤمر . وليس حين نزل قوله تعالى : (وأنذر عشيرتك الأقربين ) . ورابعاً : إن هذه الروايات تناقض نص الآية نفسها ، فإنها تأمره بإنذار العشيرة الأقربين ، لا مطلق عشيرته ، ولا مطلق الناس ، وعشيرته الأقربون إما هم بنو هاشم ، أو بنو عبد المطلب ، والمطلب . والقول بتعدد الإنذار : لا يدفع الإشكال ، بعد تصريح الروايات : بأن مفادها قد وقع حين نزول الآية عليه (صلى الله عليه وآله وسلم ) . وهذا كله مع غض النظر عما في أسانيد هذه الروايات ، فإن جميع رواتها –كما يقولون- لم يدركوا زمان إنذار عشيرته (صلى الله عليه وآله وسلم) .
ب- ما المراد بكونه خليفته في أهله : وقد ذكر الشيخ المظفر (ره) : أن من الواضح : أن قوله : خليفتي فيكم ، أو في أهلي لا يضر ، ما دام أن ثمة إجماعاً على عدم جواز وجود خليفتين : خاص ، وعام . فخلافته الخاصة تقتضي خلافته المطلقة . ولعل الأصح هو : أنه قال – كما في الروايات الأخرى -: (من بعدي) ، أو أنه قال : (فيكم ) ، باعتبار أنهم من المسلمين . وأما القول بأن المقصود : هو أنه القائم بشؤونهم الدنيوية ؛ فيكذبه الواقع ؛ فإن علياً (عليه السلام) لم يكن كذلك بالنسبة لأي من الهاشميين . ولو كان المقصود هو خصوص الحسنين عليهما السلام ، وفاطمة صلوات الله وسلامه عليها ، فإن من الواضح أنهما وكذلك أمهما ما كانوا قد وُلدوا بعد . كما أن نفقة هؤلاء واجبة عليه بالأصالة لا بالخلافة ، وأما غيرهم فلم يكن (عليه السلام) مكلَّفاً بالإنفاق عليه ، ولا كان يفعل ذلك(27). أضف إلى ذلك كله : أنه بعد أن يصبح الإنسان رجلاً عاقلاً وكاملاً ، فإنه لا يبقى بحاجة إلى وليّ يدبّر شؤونه ، بل يستقل هو نفسه في ذلك . وعلى هذا ، فلا يبقى للولي وللخليفة معنى . إذا كان هذا هو المراد . ونشير هنا إلى أن الدواعي كانت متوفرة لتحريف هذه الواقعة ، وجعلها خاصة بالخلافة على الأهل ، ولا تشمل الخلافة العامة التي هي موضع الأخذ والرد كما هو معلوم.
ج- لماذا تخصيص العشيرة بالدعوة ؟! : هذا ولا يخفى أن الإهتمام بدعوة عشيرته الأقربين كان خير وسيلة لتثبيت دعائم ، ونشر رسالته ؛ لأن الإصلاح يجب أن يبدأ من الداخل ، حتى إذا استجاب له أهل وقومه ، اتجه إلى غيرهم بقدم ثابتة ، وعزم راسخ ومطمئن . كما أن دعوته لهم سوف تمنحه الفرصة لاكتشاف عوامل الضعف والقوة في البنية الداخلية ، من حيث ارتباطاته وعلاقاته الطبيعية ، وليعرف مقدار الدعم الذي سوف يلاقيه ؛ فيقدر مواقفه ، وإقدامه ، وإحجامه على أساسه . أضف إلى ذلك : أنه حين يبدأ بالأقربين من عشيرته ، ولا يبدو أنه على استعداد لتقديم أي تنازل أو مساومة حتى بالنسبة إلى هؤلاء ، فإن معنى ذلك هو أن على الآخرين أن يقتنعوا بأنه منسجم مع نفسه ، ومقتنع بصحة ما جاء به ، ويريد لأحب الناس إليه ، الذين لا يريد لهم إلا الخير ، أن يكونوا في طليعة المؤمنين الذين يضحون بكل غالٍ ونفيس في سبيل هذا الدين . وقد رأينا : أن النصارى قد تنبهوا إلى ذلك في قضية المباهلة فراجع . ومن الجهة الأخرى : فإنه يعيش في مجتمع يقيم علاقاته على أساس قبليّ ؛ -فحين يريد أن يقدم على مواقف أساسية ومصيرية – وحين لا يكون هو نفسه يرضى بالإعتماد على القبلية كعنصر فعال في حماية مواقفه ، وتحقيق أهدافه ؛ فإن من اللازم : أن يتخذ من ذوي قرباه موقفاً صريحاً ، ويضعهم في الصورة الواضحة ؛ وأن يهيأ لهم الفرصة ليحددوا مسؤولياتهم ، بحرّية ، وصراحة ، وصفاء ، بعيداً عن أي ضغط ، وابتزاز ولو كان هذا الضغط من قبيل العرف القبلي في ما بينهم ؛ لأنه عرف مرفوض إسلامياً . وهنا تبرز واقعية الإسلام في تعامله مع الأمور ، وفي معالجته للقضايا ، الإسلام الذي لا يرضى أن يستغل جهل الناس وبساطتهم ، وحتى أعرافهم –الخاطئة – التي ارتضوها لأنفسهم في سبيل منافعه ، وتحقيق أهداف . نعم ، إن الإسلام يعتبر الوسيلة جزءاً من الهدف ، فلا بد أن تنسجم وتتلاءم معه – كما لا بد أن تنال من الطهر والقداسة بالمقدار الذي يناله الهدف نفسه . وفقنا الله للسير على هدى الإسلام ، والإلتزام بتعاليمه ؛ إنه خير مأمول ، وأكرم مسؤول . وعلى كل حال ، فقد خرج (صلى الله عليه وآله وسلم ) من ذلك الإجتماع بوعدٍ أكيد من شيخ الأبطح ، أبي طالب (ره) بالنصر والعون ؛ فإنه لما رأى موقف أبي لهب الإنساني ، واللامعقول ، قال له : (يا عورة ، والله لننصرنه ، ثم لنعيننه . يا ابن أخي ، إذا أردت أن تدعو إلى ربك فأعلمنا ، حتى نخرج معك بالسلاح ) (28).
د-علي (عليه السلام) في يوم الإنذار : ونجد في يوم الإنذار : أن اختيار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) يقع على أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ليكون المضيف لجماعة يناهز عددها الأربعين رجلاً ، فيأمره بأن يصنع طعاماً ، ويدهم إليه والظاهر : أن ذلك قد كان في بيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) نفسه ، لأن علياً (عليه السلام ) كان عند رسول الله صلوات الله عليه وآله في بيته على ما يظهر – وقد كان بإمكانه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يطلب من خديجة أن تصنع لهم الطعام . هذا ، مع وجود آخرين ، أكثر وجاهة ومعروفية من علي (عليه السلام) ، كأبي طالب ، وكجعفر ، الذي كان يكبر عليّاً في العمر ، وغيرهما ممن يمكن أن يستفيد من نفوذه وشخصيته في التأثير على الحاضرين . ولكنه قد اختار علياً بالذات ليتفادى أي إحراج يبعد القضية عن مجالها الطبيعي ، الذي يرتكز على القناعة الفكرية والوجدانية بالدرجة الأولى ، ولأن علياً – وإن كان حينئذٍ صغير السن ، إلا أنه كان في الواقع كبيراً في عقله ، وفي فضائله وملكاته ، كبيراً في روحه ونفسه ، كبيراً في آماله وأهدافه . – ولا أدل على ذلك من كونه هو المجيب للرسول ، دون كل من حضر ، ليؤازره ويعاونه على هذا الأمر. وقد رآه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) منذئذٍ أهلاً لأن يكون أخاه ، ووصيه ، وخليفته من بعده . وهي الدرجة التي قصرت همم الرجال عن أن تنالها ، بل وحتى عن أن يدخل في وهمها : أن تصل ولو في يومٍ مّا إليها ، وتحصل عليها . ولكن علياً كان منذ نعومة أظفاره هو السبّاق إليها دون كل أحد ؛ لأنه عاش في كنف الرسول ، وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) كفيله ومربيه ، وكان يبرد له الطعام ، ويشمه عرفه ، وكان يتبع الرسول اتباع الفصل أثر أمه ، وكان كأنه ولده (29). وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، والله ذو الفضل العظيم .
هـ – موقف أبي لهب : ولقد أدرك أبو لهب مغزى تلك الدعوة ، ورأى أن الأمر قد بلغ مرحلة الجد . وها هو يرى بأم عينيه معجزة أخرى ، تضاف إلى الكثير مما رآه من معاجز وكرامات للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، طيلة السنوات الكثيرة التي عرف فيها النبي وأحواله – فيرى أن فخذ شاة ، وعسّاً من لبن ، يكفي أربعين رجلاً . وأبو لهب هو ذلك الرجل الذي يعرف طبيعة وأهداف هذا الدين الذي يبشر فيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) . وأنه لا يقيم وزناً لأي امتياز أو مكسب شخصي حصل عليه الإنسان من طريق الإبتزاز والظلم ، وسائر أنواع التعدي والإنحراف . إذن ، فلا بد لأبي لهب ، بحسب منطقة اللامنطقي : أن يقف في وجه هذا الدين ، ويمنعه من تحقيق أهدافه بكل وسيلة ممكنة . ولا بد من تضييع الفرصة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وذلك حفاظاً على ما يراه أنه مصلحته أولاً ، وليرضي حقده وحسده الذي يعتمل في صدره ثانياً ؛ ذلك الحقد الذي لا مبرر له إلا أنه : يرى في شخصية النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) الصفات الحميدة ، والأخلاق الرضية الكريمة ، والسجايا الفاضلة ، فإن ذلك يعتبر عنده ذنباً ، وأي ذنب . فبادر إلى المواجهة الصريحة ، والوقحة والقبيحة ، حيث استغل معجزة الطعام التي يراها الجميع بأم أعينهم ، فرمي النبي الأكرم بالسحر وقال : لِقدماً سحركم صاحبكم . فتفرق الجمع في اليوم الأول ، ولم يستطيع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يقول كلمته حتى اليوم التالي ؛ حيث استطاع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يصدع بما أمره الله تعالى ، ويقيم عليهم الحجة ، كما تقدم بيانه .
و- الإنذار أولاً : وما دمنا في الحديث عن إنذار عشيرته الأقربين ؛ فإننا نسجل هنا : أنه (صلى الله عليه وآله وسلم ) قد أمر من قبل الله تعالى بالإنذار أولاً لعشيرته ، فقال تعالى : (وأنذر عشيرتك الأقربين ) (30). وكذلك الحال بالنسبة لغيرهم من سائر الناس ، فإنه تعالى قد قال لنبيه ، كما في سورة المدثر ، التي هي من العتائق النازلة في أوائل البعثة : (قم فأنذر )(31) . فقد جاء الإنذار أولاً ، مع أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أُرسل مبشراً ونذيراً ، ومع أن القرآن هدى وبشرى أيضاً . وسر ذلك واضح ؛ فإن الناس كانوا في أول البعثة كفاراً ، ومنغمسين في الظلم والإنحراف إلى أبعد مدى . فلا بد من إنذارهم أولاً ؛ ليلتفتوا إلى الواقع السيّء الذي يعيشونه ، وإلى العواقب المدمرة والمرعبة ، التي تنتظرهم نتيجة لذلك . والتفاتهم هذا لسوف يؤثر فيهم التطلع ، ثم الحركة نحو الخروج من ذلك الواقع ، والتخلص منه . ثم يأتي بعد ذلك دور تخليص المجتمع من رواسبه ، ومن حركاته ، وأعماله ، ومواقفه السيئة ، على مستوى الفرد ، وعلى مستوى الجماعة ، وتطهير من كل غريب ومريض . ومعه جنباً إلى جنب تكون عملة وضع الأسس المتينة والسليمة لبناء الهيكل العام للمجتمع المسلم في عواطفه ، وفي علاقاته ، وفي روابطه . والأهم من ذلك ؛ في فكره وثقافته ، وإعطائه المفهوم الحقيقي والواقعي عن الكون ، وعن الحياة ، وبالذات عن هذا الإنسان القوي الضعيف ، وليطرد قدماً في عملية بناء الإنسان من الداخل ، وتربيته وتزكيته ، كما هو وظيفة النبي والإمام ، وكل داعية إسلامي على الإطلاق . وقد أشرنا في أول هذا الفصل إلى هذا ، مستفيدين من قوله تعالى : (هو الذي بعث في الأميين رسولاٍ منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ، ويعلمهم الكتاب والحكمة ) . وهذا الذي ذكرناه عن أسلوب الإسلام في دعوته ، هو التحرك الطبيعي لأية دعوة ، تستهدف الإصلاح الجذري ، والتغلب على مشاكل الحياة . والتخطيط لمستقبل مشرق سيعد .
ز-ماذا قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) في يوم الإنذار : وقد جاء في بعض النصوص أنه (صلى الله عليه وآله وسلم ) قال لهم : (يا بني عبد المطلب ، إني لكم نذير من الله جل وعز ، إني أتيتكم بما لم يأت به أحد من العرب فإن تطيعوني ترشدوا ، وتفلحوا ، وتنجحوا ، إن هذه مائدة أمرني الله بها ؛ فصنعتها لكم ، كما صنع عيسى بن مريم (عليه السلام) لقومه ؛ فمن كفر بعد ذلك منكم ، فإن الله يعذبه عذاباً شديداً ، لا يعذبه أحداً من العالمين ، واتقوا الله ، واسمعوا ما أقول لكم ، واعلموا يا بني عبد المطلب : أن الله لم يبعث رسولاً إلاّ جعل للأنبياء من قبلي ، وإن الله قد أرسلني إلى الناس كافة ، وأنزل علي : (وأنذر عشيرتك الأقربين ) ورهطك المخلصين (32)، وقد والله أنبأني به ، وسماه لي . ولكن أدعوكم ، وأنصح لكم ، وأعرض عليكم ؛ لئلا يكون لكم الحجة فيما بعد ، وأنتم عشيرتي وخالص رهطي ، فأيكم يسبق إليها على أن يؤاخيني في الله ، ويوازرني ) ، إلى آخر كلامه (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، الذي ينسجم مع النص الذي ذكرناه في أوائل هذا الفصل فراجعة (33). وهذا النص هو الأوفق والأنسب لموقف كهذا ، وهو ينسجم تماماً مع أمر الآية بالإنذار ، فإن الإنذار ، فإن الإنذار أولاً هو الخطوة الطبيعية لأية دعوة ، كما ذكرنا آنفاً.
ح-التبشير والإنذار : ويقول المحقق البحاثة المرحوم الشيخ مرتضى المطهري : إن من يريد إقناع إنسان مّا بعمل مّا ، فله طريقان : أحدهما : التبشير ، بمعني تشويقه ، وبيان فوائد ذلك العمل . الثاني : إنذاره ببيان ما يترتب على تركه من مضار ، وعواقب سيئة . ولذلك قيل : الإنذار سائق ، والتبشير قائد . والقرآن والإسلام يرى : أن الإنسان يحتاج إلى هذين العنصرين معاً ، وليس –كغيره –يكفيه أحدهما . بل ويرى الإسلام : أنه لا بد وأن ترجح كفة التبشير على كفة الإنذار . ولذلك قدّم الأول على الثاني في أكثر الآيات القرآنية . ومن هنا ، فقد قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لمعاذ بن جبل ، حين أرسله إلى اليمن: (يسّر ولا تعسّر ، وبشّر ولا تنفر ) . فهو هنا لم يستبعد الإنذار ، بل هو جزء من خطته . وإنما اهتم بجانب التبشير إذ يمكن بواسطته إدراك مزايا الإسلام وخصائصه الرائعة ، وليكون إسلامهم من ثم عن قناعة حقيقية ، وقبول تام . وأما قوله (صلى الله عليه وآله وسلم ) : ولا تنفّر ، فهو واضح المأخذ ، فإن روح هذا الإنسان شفافة جداً ، وتبادر إلى ردة الفعل بسرعة ، ومن هنا فإننا نجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) يأمر بالعبادة ما دامت النفس مقبلة ، ولا يقبل بالضغط عليها ، وتحميلها مالا تطيق . ولهذا شواهد كثيرة في الشريعة السهلة السمحاء (34). ومما تقدم نستطيع أن ندرك : لماذا اشتملت دعوته (صلى الله عليه وآله وسلم ) لعشيرته على التبشير أيضاً ؛ بأن من يؤازره سوف يكون خليفة بعده ، وأنه قد جاءهم بخير والآخرة ، تماماً كما بدأت بالإنذار ، فإن ذلك ينسجم مع تشتاق إليه نفوسهم ، ويتلاءم مع رغباتهم . ويأتي من قبل من لا يمكن اتهامه لديهم بأي وجه .
ط- أخي ووصيي : ويلفت نظرنا هنا قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) : على أن يكون أخي الخ . فإن ذلك يؤكد لهم على مدى التلاحم والمحبة بينه وبين ذلك الذي يؤزراه ويعاونه ، إلى حد أنه يعتبره أخاً له ، فليست العلاقة بينهما علاقة رئيس ومرؤوس ، وآمر ومأمور ، ولا عالٍ بدانٍ ، وإنما هي علاقة بين متكافئين في الإنسانية ، كما أنها علاقة تعاون وتعاضد على العمل البنّاء والمثمر ، وعلاقة أخ مع أخيه ، تغمرها المحبة ، والثقة والصفاء ، بكل ما لهذه الكلمات من معنى . أضف إلى ذلك ، ما في ذلك من دلالة على المستوى السامي الذي كان قد بلغه أمير المؤمنين (عليه السلام) حتى يستحق وسام الأخوة فيما بينه وبين سيد البشر ، ومن مضى منهم ، ومن غبر .
فاصدع بما تؤمر : وبعد أن أنذر (صلى الله عليه وآله وسلم ) عشيرته الأقربين . وبعد أن انتشر أمر نبوته (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة ، بدأت قريش تتعرض لشخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالإستهزاء والسخرية ، وأنواع التهم ، كما يظهر ؛ إذ أنهم قد عرفوا جدية القضية ، وأدركوا أبعادها . فبادروا إلى تلك الأساليب بهدف الحط منه (صلى الله عليه وآله وسلم) أمام الرأي العام ، وابتذال شخصيته . على الرغم من أنه (صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يطلب منهم بعد أن يؤمنوا بما جاء به ، كل ذلك حسداً وبغياً منهم ، وتخوفاً من المستقبل ، ليس إلا . وكان لذلك الاستهزاء تأثير على إقبال الناس على الدخول في الإسلام ؛ فاغتم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) لذلك جداً ، واعتبر ذلك عائقاً في سبيل انتشار دعوته ، وأداء مهمته ؛ فأنزل الله عليه يأمره بإظهار الدعوة ، والطلب حتى من قريش : أن تسلم لربها ، مشفوعاً ذلك بوعدٍ أكيد . بأن الله سوف يكفيه المستهزئين ؛ فيجب أن لا يهتم لهم ، وأن يتجاهلهم .
وذلك حين نزل قوله تعالى : (فاصدع بما تؤمر ، وأعرض عن المشركين . إنّا كفيناك المستهزئين ) (35) هذا إذا كان المقصود أنه سوف يكفيه أولئك الذين صدر منهم فعل الإستهزاء . أما إذا كان المراد : مَنْ سوف يصدر منهم هذا الأمر ، فإن الآية لا تكون ناظرة إلى ما سبق كما هو ظاهر لا يخفى . وقد بيّن الله تعالى له : خطة العمل المستقبلية ، فأمره أن يأخذ بالصفح الجميل ، وبالإعراض عن المشركين ، وأن لا يحزن عليهم ، ولا يضيق صدره بما يقولون ؛ فإن جزاءهم على الله المطلع على كل صغيرة وكبيرة . فامتثل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر الله ، وأظهر دعوته ، وطلب من الناس جميعاً : أن يسلموا لربهم . ويقولون : إنه قام على الحجر ، فقال : يا معشر قريش ، يا معشر العرب أدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، وآمركم بخلع الأنداد والأصنام ؛ فأجيبوني تملكون بها العرب ، وتدين لكم العجم ، وتكونون ملوكاً في الجنة . فاستهزؤا به ، وقالوا : جُنّ محمد بن عبد الله ، ولم يجسوا عليه لموضع أبي طالب (36). وجاء أيضاً : أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قام على الصفا ، ونادى قريشاً ؛ فاجتمعوا له ، فقال لهم : أرأيتم لو أخبرتكم : أن خيلاً في سفح هذا الجبل قد طلعت عليكم مصدقيّ ؟ قالوا : نعم ، أنت عندنا غير متّهم ، وما جرّبنا عليك كذباً قط . فقال : إني نذير لكم من عذاب شديد . إلى أن قال : فنهض أبو لهب ، وصاح به : تبّاً لك سائر اليوم ، ألهذا جمعت الناس ؟ وتفرقوا عنه . فأنزل الله تعالى : تّبت يدا أبي لهب وتب وإلى آخر السورة (37). المفاوضات الفاشلة : قال ابن إسحاق وغيره : فلما بادى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) قومه بالإسلام ، وصدع به ، كما أمره الله ، لم يبعد منه قومه ، ولم يردّوا عليه – فيما بلغني – حتى ذكر آلهتهم وعابها ، فلما فعل ذلك أعظموه وناكروه ، وأجمعوا على خلافه وعداوته ، إلا من عصم الله تعالى منهم بالإسلام ، وهم قليل مستخفون . وحدب على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) عمه أبو طالب ، ومنعه ، وقام دونه . ومضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) على أمر الله مظهراً لا يرده شيء . فلما رأت قريش : أن رسول الله لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه ، من فراقهم ، وعيب آلهتهم ، ورأوا أن عمه أبا طالب . وهذه المفاوضات –كما يرى إبن إسحاق وغيره –قد مرت بثلاثة مراحل ، انتهت كلها بالفشل الذريع . الأولى : إنه مشى رجال من إشراف قريش إلى أبي طالب . ذكر المؤرخون أسماءهم ، فقالوا : يا أبا طالب ، إن ابن أخيط قد سب آلهتنا ، وعاب ديننا ، وسفه أحلامنا ، وضلل آباءنا ، فإما أن تكفه عنا ، وإما أن تخلي بيننا وبينه ، فإنك على مثل ما نحن عليه من خلافه ، فنكفيكه ، فقال لهم أبو طالب قولاً رفيقاً ، وردّهم رداً جميلاً ، فانصرفوا عنه. الثانية : إنهم حين رأوا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد استمر على ما هو عليه ، يظهر دينه ، ويدعو إليه ، حتى شرى الأمر بينه وبينهم ، وحتى تباعد الرجال ، وتضاغنوا ، وأكثرت قريش ذكر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) بينها ، ذهبوا إلى أبي طالب ، فتهدوه : إن لم يكف إبن أخيه عن شتم آبائهم ، وتسفيه أحلامهم ، وشتم آلهتهم ، فلسوف ينازلونه وإياه حتى يهلك أحد الفريقين ، ثم انصرفوا . فأرسل أبو طالب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخبره ، وطلب إليه أن يبقي على نفسه وعليه ، ولا يحمله ما لا يطيق .، فظن أنه قد بدا لعمّه فيه بداء ، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام دونه ، فقال له (صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا عم ، والله ، لو وضعوا الشمس في يمنيي ، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله ، أو أهلك فيه ، ما تركته . فوعده أبو طالب النصر . الثالثة : عرضوا على أبي طالب : أن يتخذ عمارة بن الوليد ولداً له ، ويسلمهم النبي ، الذي فارق دين أبي طالب ودين آبائه ، وفرق جماعتهم وسفه أحلامهم ليقتلوه . فإنما هو رجل برجل . فقال أبو طالب : والله ، لبئس ما تسومونني أتعطونني ابنكم أغذوه لكم ، وأعطيكم ابني تقتلونه ، هذا والله ما لا يكون أبداً . فقال المطعم بن عدي : والله يا أبا طالب ، لقد أنصفك ، قومك وجدوا على التخلص مما تكرهه ؛ فما أراك تريد أن تقبل منهم شيئاً . فحقب الأمر ، وحميت الحرب ، وتنابذ القوم ، وبادى بعضهم بعضاً (38). وربما تكون هذه المراحل متداخلة ، أو مترتبة . فإن ما ذكرناه لا يعدو عن أن يكون فهماً منّا للسير الطبيعي للإحداث ،-لا أكثر ولا أقل – وقبل المضي في الحديث ؛ نسجل النقاط التالية :
ألف : قريش لم تصل إلى نتيجة : لقد رأينا : أ، مشركي مكة ما كانوا يرغبون باديء ذي بدء :في توريط أنفسهم في مواجهة أبي طالب والهاشميين ؛ فحاولوا أن يثيروا هذا الرجل ، ويشحنوه نفسياً ضد ابن أخيه ، على اعتبار أن ابن أخيه قد جاء بما يضر بمصالح ، ويجرح كرامة وعاطفة عمه نفسه ، فضلاً عن غيره ، ولذا ، فإن من الطبيعي أن يبادر أبو طالب نفسه لوضع حد لتصرفات ابن أخيه ، ويكفيهم مؤونة ذلك . ولكنهم حينما وجدوا : أن أبا طالب لم يستجب لأي من أباطيلهم ، ولم يحرك ساكناً في سبيل وضع حدٍ لمصدر الخطر عليهم وعلى مصالحهم ، لجأوا إلى التهديد والوعيد ، ثم إلى أسلوب المكر والخداع كما في قضية عرض عمارة على أبي طالب ليتخذه ولداً ، ويسلمهم محمداً ليقتلوه .الأمر الذي كشف عن حقيقة ما يكّنونه في صدورهم ، وتشتمل عليه نفوسهم واتضح لأبي طالب ولغيره أن هدفهم ليس إلا القضاء على الدين الحق ، إطفاء نور الله ، الأمر الذي زاد في تصلب أبي طالب في الدفاع عن الحق والدين ، وعن نبي الإسلام الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم).
ب: سر استكبار قريش : ولعل سر استكبار مشركي مكة ، ومحاولاتهم إطفاء نور الله تعالى يرجع إلى : انهم كانوا يستغلون أولئك الفقراء ، والعبيد ، والضعفاء في مكة وغيرها في مصالحهم ؛ فجاء الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وبث في هؤلاء الفقراء روحاً جديدة ، وبدأ يؤكد لهم مفهوم كرامة الإنسان ، وحريته . ثم هو يناصرهم ، ويعيش قضيتهم وآلامهم ، ويفتح أعينهم على واقعهم . ويبث فيه تعاليم الإسلام ، وفي مقدمتها وجوب تحررهم من سيطرة وغطرسة أولئك الطغاة المتجبرين . لقد أدرك أولئك المتجبرون ، مما عرفوه من طبيعة الدعوة وأهدافها : أنهم سوف لن يتمكنوا في ظلها من الإحتفاظ بتلك الإمتيازات الظالمة ، التي جعلوها لأنفسهم ؛ والتي كان يرفضها النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويؤكد على أن الناس كلهم سواسية أمام عدالة السماء ، وفي ميزان الحكم والقضاء . وسوف لن يتمكنوا أيضاً في ظل هذا الدين الجديد ، الذي جاء ليتم مكارم الأخلاق ؛ من الإستمرار في ممارساتهم اللاأخلاقية ، واللاإنسانية أيضاً ، والتي كانوا يحرصون عليها كل الحرص ، أكثر من حرصهم على آلهتهم التي كانوا يدّعون أنهم يحافظون عليها ، مع أننا رأينا بعض العرب يأكل إلهه الذي صنعه من الحيس حين جاع !!(39) . 3- ما أشارت إليه الآية الكريمة : (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا )(40) أي أنهم اعتذروا عن عدم إيمانهم أنهم : إن آمنوا فإن العرب المشركين سوف لا يرضون بإيمانهم ، ورفض أوثانهم ، فرد عليهم القرآن ، فقال :(أو لم نمكّن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقاً من لدنّا )(41) ، فلا موجب إذن لخوفهم هذا . مع أن اختيارهم الشرك خوفاً من ذلك ، لا يمنع ذلك ؛ فكم أهلك الله من قرية بطرت معيشتها ، فتلك مساكنهم لم تُسكن من بعدهم . بل ربما كان ذلك هو سبب هلاكهم في الدنيا ، حيث ينشأ عنه المنازعات والإستكبار ، وغير ذلك انحرافات مدمرة للمجتمعات وللأمم ، إن لم يكن ثمة ضوابط وروادع معينة تجعل كل تلك الإمكانات في مجراها الصحيح ، وفي الجهة الناقعة للفرد وللمجتمع ، حاضراً ومستقبلاً . على أن الأمر الله تعالى فليس لأحدٍ أن يتمرد عليه ، ويخرج على أوامره ، فإنه يعرّض نفسه والحالة هذه إلى الهلاك الدنيوي والأخروي ، ثم ضرب لهم مثلاً بقارون ، الذي كان لديه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ، فلما استكبر وطغى ، وتمرد على أوامر الله ، خسف الله ، خسف الله به وبداره الأرض . وفي آيات السورة –سورة القصص – دقائق عجيبة ومعانٍ رائعة في هذا المجال ، تحتاج إلى دراسة مستقلة ومعمقة ، لا مجال لها هنا . ونكتفي هنا بهذه الإشارة الإجمالية إليها . والله هو الموفق والمعين . ماذا بعد فشل المفاوضات ؟
وبعد فشل المفاوضات ، فقد ظهر لأبي طالب : أن السيل قد بلغ الزبى ، وأنه على وشك الدخول في صراع مكشوف مع المشركين . فلا بد من الحذر والإحتياط للأمر ؛ فجمع بني هاشم ، وبني المطلب ، ودعاهم إلى منع الرسول ، والقيام دونه ، فأجابوه ، وقاموا معه ، باستثناء أبي لهب لعنه الله تعالى . ومنع الله عز وجل رسوله ، فلم يكن لهم إلى أن يضروه في شعره وبشره سبيل ، غير أنهم يرمونه بالجنون ، والسحر ، والكهانة ، والشعر ، والقرآن ينزل عليه (عليه السلام) بتكذيبهم . ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) قائم بالحق ، ما يثنيه عن الدعاء إلى الله عز وجل سراً وجهراً . وذلك لأن المشركين بعد أن أدركوا : أن الاعتداء على شخصه (صلى الله عليه وآله وسلم ) سوف يتسبب في صراع مسلح لم يُعدوا له عدّته ، وليسوا على يقين من أن تكون نتائجه لصالحهم ، خصوصاً مع ما كان لبني هاشم من علاقات ، ومن أحلاف مع القبائل ، كحلف المطيبين ، وحلف عبد المطلب –لو نشبت – التمكين لمحمد(صلى الله عليه وآله وسلم) من نشر دعوته (42). فمن أجل كل ذلك آثر المشركون أن يبتعدوا عن الحرب ، ويتبعوا أساليب أخرى لتضعيف أمر محمد (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والوقوف في وجه دعوته ؛ فنجدهم : ألف : ينهون الناس عن الالتقاء بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وعن أن يسمعوا ما جاء به من قرآن ، قال تعالى : (وهم ينهون عنه ، وينأون عنه ) (43) . وقال تعالى : (وقال الذين كفروا : لا تسمعوا لهذا القرآن ، والغوا فيه ، لعلكم تغلبون ) (44).
ب: يتبعون أسلوب السخرية والإستهزاء ، وإلصاق التهم الباطلة ، بهدف : التأثير على شخص النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) علّه ينهزم نفسياً ، وجعله يعيش عقدة الحقارة والضعة ، فلربما يتخلى عن هذا الأمر ، ويكذب نفسه . الحط من كرامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وابتذال شخصيته ، بهدف تنفير أصحاب النفوس الضعيفة من متابعته ، وصرفهم عن الدخول فيما جاء به . ولهذا نجدهم : يُغرون سفهاءهم بإيذائه وتكذيبه ، وأحياناً كان يتولّى ذلك منه سادتهم وكبراؤهم . بل لقد رأيناهم يأمرون غلاماً منهم بأن يلقي عليه سلا جزور وفرثه ، وهو قائم يصلي ، فيلقيه بين كتفيه ، فيغضب أبو طالب ، ويأتي فُيمر السلا على سبالهم جميعاً . وقد ألقى الله الرعب في قلوبهم(45). وكانوا أيضاً يلقون عليه التراب(46) ، ورحم الشاة (47)، وغير ذلك . وقد أثر ذلك إلى حدّ ما في صرف الناس ، وإبعادهم عن الدخول في الإسلام ، حتى ليقول عروة بن الزبير وغيره : (..وكرهوا ما قال لهم ، وأغروا به من أطاعهم ؛ فانصفق عنه عامة الناس ) (48).
المعذبون في مكة : كما أنهم قد تذامروا بينهم على من في القبائل منهم ، من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) الذين أسلموا معه ، فوثبت كل قبيلة على من فيهم من المسلمين يعذبونهم ، ويفتنونهم عن دينهم ، يعذبونهم . بالحبس ، والضرب ، والجوع ، وبرمضاء مكة ، وبغير ذلك من الأساليب الوحشية والإنسانية .
مع المعذبين أيضاً : وقد عذب المشركون عدداً من المسلمين ؛ فعذب عمر بن خطاب جارية بني مؤمل –حي من بني عدي- وكانت مسلمة ؛ فكان يضربها ، حتى إذا مل ، قال : إني أعتذر إليك ، إني لم أتركك إلا ملالة (49). ولعل بني مؤمل كانوا قد سمحوا لعمر بن الخطاب أن يتولّى تعذيب جاريتهم ، وإلا فإن وضعه الإجتماعي لم يكن يسمح له بأمر من هذا القبيل . وعذب المشركون أيضاً خباب بن الأرتّ ، وأم شريك ، ومصعب بن عمير ، وغيرهم ممن لا مجال لذكرهم ، وبيان ما جرى عليهم . وقد ضرب هؤلاء لنا المثل الأعلى في الصمود والجهاد من أجل المبدأ والعقيدة ، مع معرفتهم بأنهم لا يملكون قوة تستطيع أن ترد عنهم ، غير إرادة الله تعالى ، وأنهم إنما يتحدّون بإسلامهم العالم كله ، الذي كان بكل ما فيه ضدهم . وهنا تكمن عظمتهم ، وهذا هو سر امتيازهم على غيرهم .
المعذبون الذين أعتقهم أبو بكر : وممن عُذب في سبيل الله بلال الحبشي ، وعامر بن فهيرة ، ويقولون : إن أبا بكر قد اشتراهما وأعتقهما ، فكانت نجاتهما من العذاب بسببه . ولكنا نشك في أن يكون أبو بكر هو الذي اشتراهما ، وذلك : أولاً : لما ذكره الإسكافي ، الذي قال : ( أما بلال ، وعامر بن فهيرة ، فإنما أعتقهما رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، روى ذلك الواقدي ، وابن إسحاق ) (50). وعد ابن شهر آشوب بلالاً من موالي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (51). وثانياً : إنهم يروون روايات متناقضة في هذا المجال ، حتى لا تكاد تلتقي رواية مع أخرى ، ويكفي أن اختلافها في الثمن الذي أعطاه أبو بكر . فرواية تقول : إنه أعطى ثمنه غلاماً له أجلد منه . وأخرى : إنه أعطى غلاماً وزوجته ، وابنته ، ومائتي دينار . وثالثة : اشتراه بسبع أواق . ورابعة : بتسع وخامسه : بخمس . وسادسة : برطل من ذهب . وسابعة : إنه اشتراه بعبده قسطاس ، الذي كان صاحب عشرة آلاف دينار ، وجوارٍ ،وغلمان ، ومواش . وثامنة : ببردة ، وعشر أواق من فضة ، إلى غير ذلك من وجوه الإختلاف والتناقض(52). وثالثاً : إنهم يقولون : إن قوله تعالى : (فأما من أعطى واتقى * وصدّق بالحسنى * فسنيسّره لليسرى ) (53) نزل في أبي بكر بهذه المناسبة (54).
ونقول : 1- لقد رد الإسكافي على ذلك : بأن هناك من يقول : إن هذه الآية نزلت في مصعب بن عمير (55). ويروى الشيعة : أن الآية نزلت في علي (عليه السلام) . ويورد الحلبي عليهم : بأن علياً كان للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليه نعمة تُجزى ، وهي تربيته له ، والآية تقول : (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) وبمثل ذلك أورد الرازي عليهم أيضاً (56). ولكن قد فات الرازي والحلبي : أن المقصود هو أن هذا المال الذي ينفقه لا يريد أن يجازي بإنفاقه له نعمة من أحد عليه ، وإنما ينفقه لوجه الله ، ولوجه الله فقط . لا أنه تعالى يريد وصف الأتقى بأنه ليس لأحد عليه نعمة . قد ورد : عن ابن عباس وغيره ، وحتى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه ، تفسيرها بمعنى عام لا يختص بأحد فراجع كتب التفسير للاطلاع على ذلك . وأخرج ابن أبي حاتم ما ملخصه : أن هذه السورة قد نزلت في رجل (هو سمرة بن جندب) الذي كان له نخلة فرعها في دار رجل ، فكان إذا جاء ليأخذ عنها الثمر ، وصعد عليها ربما تقع تمرة ، فيأخذها صبيان الفقير ؛ فينزل من نخلته ؛ فيأخذ الثمرة من أيديهم ، وإن وجودها في فم أحدهم أدخل إصبعه ، حتى يخرج التمرة من فيه ؛ فشكاه الفقير إلى رسو الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثم لقي الرسول صاحب النخلة ؛ فطلب منه أن يعطيه النخلة وله مثلها في الجنة ، فقال . لقد أعطيت ، وإن لي لنخلاً كثيراً ؛ وما فيه نخل أعجب إلي ثمرة منها. فسمع رجل ما دار بين النبي وبينه ؛ فجاء إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) فقال : أعطني ما أعطيت الرجل إن أنا أخذتها ، قال نعم ، فذهب الرجل ، ولقي صاحب النخلة ، وفاوضه واشتراها منه بأربعين نخلة . ثم ذهب إلى النبي ، فوهبها له ، فذهب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى صاحب الدار ، فقال : النخلة لك ولعيالك ، فأنزل الله : والليل إذا يغشى إلى آخر السورة (57). ولأجل هذا نجد السيوطي يقول عن : (سورة الليل : الأشهر أنها مكية ؛ وقيل : مدنية لما ورد في سبب نزولها من قصة النخلة ، كما أخرجناه في أسباب النزول ) (58). وهذه القضية هي المناسبة للآيات ؛ لأنها تذكر أن بعضهم أعطى واتقى ، وبعضهم بخل واستغنى . إلا أن يكونوا – والعياذ بالله – يقصدون بمن بخل ، النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) نفسه . مع أن فرض عدم مال له ينافي صدق البخل عليه . ويشير إلى عدم المال عنده قولهم : إنه (صلى الله عليه وآله وسلم ) هو الذي قال : لو كان عنده مال لاشترى بلالاً . أو يقصدون بمن بخل ، العباس ، الذي تقول الروايات : إنه ذهب فاشترى بلالاً ، فأرسله إلى أبي بكر ، فأعتقه . 4-لسوف يأتي إن شاء الله في حديث الغار ، قول عائشة : إنه لم ينزل في آل أبي بكر شيء من القرآن ، إلا أن الله أنزل عذرها . يعني الآيات المرتبطة بالإفك ، التي هي سورة النور . وحتى عذرها هذا ؛ فإنه لم ينزل فيها ، كما حققناه في كتابنا : حديث الإفك فراجع . ورابعاً : لم نفهم معنى قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه لو كان عنده مال لاشترى بلالاً ، وكيف نوفق بين هذا وبين قولهم : إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) إنه لو كان عنده مال لاشترى بلالاً ، وكيف نوفق بين هذا وبين قولهم : إنه (صلى الله عليه وآله وسلم ) طلب من أبي بكر الشركة في بلال فأخبره أنه اعتقه (59)؟!. ثم أو ليست أموال خديجة تحت تصرفه (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟! ألم يكن هو الذي ينفق على المسلمين في مكة ، كما قالت أسماء بنت عميس لعمر حينما عيّرها بأنها لا هجرة لها ، حيث قالت له : إنه ومن معه من المسلمين كانوا مع رسول الله يطعم جائعهم ، ويعلّم جاهلهم ؟!! (60) . وستأتي هذه القضية في موضعها إن شاء الله . واحتمال أن تكون قصة بلال في أواخر سني ما قبل الهجرة ، لا يقبل به المؤرخون ؛ فإن النووي يذكر : أنه أسلم أول النبوة ، وهو من أول من أظهر إسلامه (61) . إلا أن يقال : إن إسلامه ، وإن كان متقدماً ، لكن شراءه وعتقه يمكن أن يتأخرا لعدة سنوات . هذا كله عدا عما تذكرة بعض الروايات من أن العباس هو الذي ذهب فاشتراه ، ثم أرسله إلى أبي بكر فأعتقه (62) ! وروايات أخرى تقول : بل اشتراه نفس أبي بكر مباشرة ، وأعتقه . وفي بعض الروايات : أنه لما توفي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال بلال لأبي بكر : إن كنت إنما اشتريتني لنفسك فأمسكني ، وإن كنت إنما اشتريتني لله فذرني (63). وهذا يشير إلى أنه لم يكن قد أعتقه حتى وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) !! . وبالنسبة لشراء العباس له ؛ فإن العباس إن كان قد اشتراه لنفسه فلماذا لم يعتقه هو نفسه ؟ وإن كان إنما اشتراه لأبي بكر فلا ندري : متى كان العباس وكيلاً لأبي بكر ؟ ومتى كان العباس يهتم بأمور كهذه ، وهو الذي لم يسلم إلا عام الفتح ، أو في بدر ، كما يقولون ؟. وحاول بعضهم أن يدعى : أن العباس فاوض أمية بن خلف ، ثم جاء أبو بكر فاشتراه (64)! وهذا أعجب !! وما عشت أراك الدهر عجباً !!. وأيضاً ، فإن حالة أبي بكر الإقتصادية لم تكن تسمح له بأن يدفع تلك المئات من الدنانير ، فضلاً عن أن يكون أحد مواليه يملك عشرة آلاف دينار ، وجوار ، ومواش ، وغير ذلك ، لو فرض أن العرب كانوا يملّكون عبيدهم الأموال . حيث إن أبا بكر لم يكن تاجراً ، وإنما كان معلّما ، فمن أين تأتيه تلك الآلاف أو حتى المئات من الدراهم والدنانير لشراء سبعة أو تسعة وإعتاقهم ؟! ولسوف يأتي إن شاء الله البحث عن ثروة أبي بكر حين الكلام حول قضية الغار . بل لقد شك البعض في أن يكون كثير ممن ذكروا في مواليه شخصية حقيقية أو خيالية ، ولا سيما مثل (زنيرة ) ، التي قال السهيلي عنها : ولا تعرف زنيرة في النساء(65) ) . ويقول العلامة السيد الحسنى : (إن قريشاً كانت تعذب من آمن ؛ من أجل أن لا ينتشر الإسلام ، وكانت تودّ أن تبذل لمحمد كل غال ونفيس ، ليتراجع عما جاء به ، ودعا إليه ؛ فكيف تتنازل قريش عن ملكيتها لأبي بكر ، وتترك تعذيبهم بهذه السهولة (66)؟!.) إلا أن يقال : إن حبها للمال ، ثم اليأس من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي يدفعها إلى ذلك كما يقوله البعض . هل عذب المشركون أبا بكر ؟! هذا ويذكرون : أن أبا بكر قد تعرض للعذاب في سبيل الإسلام حيث إن عمر بن عثمان أخذه وقرنه مع طلحة بن عبيد الله التيمي في حبل حين اسلما ، وعذبهما نوفل بن خويلد ، وفتنهما عن دينهما ، فلذلك سمي أبو بكر وطلحة بـ (القرينين ) . ويرى البعض أن الذي قرنهما وعذبهما هو نوفل فقط ، وليس لعمر بن عثمان ذكر في شيء (67).
ونحن نسجل هنا ما يلي : إنهم يقولون : إن أبا بكر قد منعه الله بقومه (68)، وهذا يتناقض تماماً مع قولهم : إنه قد عذب . كما أنه يناقض قوله الآتي لابن الدّغنّة : إن قومه قد أخرجوه . إنه يظهر من مراجعة كتب السيرة : أن كل قبيلة كانت تتولى تعذيب من يدخل في الإسلام منها ، ولم يكن منهم من يجرؤ على تعذيب من كان من قبيلة أخرى ، كما سنرى . لقد قال الأسكافي : (لا نعلم : أن العذاب كان واقعاً إلا بعبد أو عسيف . (وهو الأجير) ، ولمن لا عشيرة له تمنعه ) (69). مع أنهم يقولون : إن أبا بكر كان رئيساً متبعاً ، وكبيراً مطاعاً (70)ينتظره عظماء قريش ولا يقطعون أمراً دونه ، حتى يأتيهم ليبتّوا في أمر محمد صلى عليه وآله ، (كما تقدم في وصدراً معظماً ، ورئيساً في قريش مكرماً (71)فكيف يعذب أبو بكر من قبل جماعة ليسوا من قبيلته ؟ وكيف يترك قومه رئيسهم ، وصاحب مجدهم الباذخ ؟ يتعرض للمهانة من قبل هؤلاء ؟! . وعلى حد تعبير ابن هشام وغيره : كان (مآلفاً لقومه ، محبباً ، سهلاً . إلى أن قال : وكان رجال قومه يأتونه ، ويألفونه لغير واحد من الأمر ) (72). وعلى حد التعبير المزعوم لابن الدغنة : (لا يخرج مثله . أتخرجون رجلاً يكسب المعدوم ، ويصل الرحم ، ويحمل الكل ، ويقري الضيف ، ويعين على نوائب الحق؟(73) ) . ويلاحظ : أن هذه الكلمات هي –تقريباً- نفس الكلمات التي تنسب إلى خديجة في وصف النبي صلى الله عليه وآله حين بعثته ، قالها إبن الدغنة حين هجرة أبي بكر إلى الحبشة – وسيأتي عدم صحتها –فاقرأ ، واسمع ، واعجب ما بدا لك !!
ملاحظة : هل كان أبو بكر رئيساً ؟! : إننا إنما ذكرنا هذا الذي سبق آنفاً ، لبيان تناقض كلماتهم ، إذ لو صح هذا لم يمكن أن يصح ذاك ، وإلا فنحن نشك في أن يكون أبو بكر رئيساً ، معظماً ، وكبيراً مطاعاً ، ويدل على ذلك : 1- إن أبا بكر حج ، ومعه أبو سفيان ، فرفع صوته عليه ، فقال أبو قحافة : اخفض صوتك يا أبا بكر عن ابن حرب ، فقال أبو بكر : يا أبا قحافة ، إن الله بنى في الإسلام بيوتاً كانت غير مبنية ، وهدم بيوتاً كانت في الجاهلية مبنية ، وبيت أبي سفيان مما هدم (74). وحين بويع أبو بكر نادى أبو سفيان : (غلبكم على هذا الأمر أذل أهل بيت في قريش ) ، وفي نص الحاكم : (ما بال هذا الأمر في أقل قريش قلة ، وأذلها ذلة ، يعني أبا بكر(75)) . وعلى حد تعبير البلاذري : إن أبا سفيان جاء إلى علي ( عليه السلام ) فقال: يا علي ، بايعتم رجلاً من أذل قبيلة من قريش ؟(76) .
ويقول عوف بن عطية : وأما الألأمان بنـو عـدي وتيم حين تزدحم الأمـور فلا تشهد بهم فتيان حـرب ولكن أدن من حلب وعير إذا رهنوا رماحَهُـمُ بزبـد فان رماح تيـم لا تضـير(77).
ملاحظة أخيرة : وأخيراً ، فإن ما يذكرونه : من أن أبا بكر هو أول من أظهر إسلامه ، فمنعه قومه . أو أنه ضُرب حتى كاد يموت (78). يكذبه الكثير مما قدمناه ، ونزيد هنا : أن النبي كان أول من أعلن الدعوة . وليس أبا بكر . هذا عدا عن أنهم يذكرون تارة : أن ابن مسعود هو أول من أعلن ، وأخرى عمر بن الخطاب ، وهنا يذكرون : أبا بكر . كما أن الرواية تنص على أن إظهار أبي بكر للإسلام قد كان حينما كان المسلمون ثمانية وثلاثين رجلاً والنبي صلى الله عليه وآله في دار الأرقم . وقد تقدم : أن أبا بكر لم يكن قد أسلم بعد . لأنه إنما أسلم بعد أكثر من خمسين رجلاً . إلا أن يكون المقصود هو بلوغ المسلمين الذين أسلموا بعد الهجرة إلى الحبشة ثمانية وثلاثين رجلاً . لكن ذلك لا يتلاءم مع تصريح الرواية بأن ذلك قد كان يوم إسلام حمزة ، حينما كان النبي صلى الله عليه وآله في دار الأرقم .
أول شهيد في الإسلام من آل ياسر : وعلى كل حال ؛ فلقد عُذّب آل ياسر أشد العذاب ، واستشهدت سميّة أم عمار على يد فرعون قريش أبي جهل لعنه الله ، فكانت أول شهيدة في الإسلام (79)ثم استشهد ياسر رحمة الله تعالى . ولكنهم ذكروا : أن أول قتيل في الإسلام هو الحارث بن أبي هالة ، حيث إنه لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله أن يصدع بما يؤمر ، قام صلى الله عليه وآله في المسجد ، فقال : قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا ؛ فوثبت إليه قريش ؛ فأتى الصريخ أهله ؛ فكان أول من أتاه الحارث هذا ؛ فضرب في القوم فصرفهم عنه وعطفوا عليه حتى قتلوه (80). وهذا لا يصح ؛ لما تقدم ؛ من أن الله قد منع النبي صلى الله عليه وآله بأبي طالب وقومه ، ولم يجرؤا على أن ينالوه بسوء في شعره وبشره .وكذلك الحال بالنسبة إلى من أسلم من بني هاشم ، حيث لم يعذب جعفر ، ولا علي ولا غيرهما ، وذلك لمكان أبي طالب رحمة الله ، كما قلنا . وأيضاً فإن كلمة المؤرخين تكاد تكون متفقة على أن أول شهيد في الإسلام كان سمية وزوجها . أضف إلى ذلك : أن كل ما يقال في كيفية إعلانه بالدعوة يتنافى ويتناقض مع ما ذكروه هنا (راجع ما تقدم تحت عنوان : فاصدع بما تؤمر ) . والذي يمكن أن نفهمه : هو أنه ربما يكون الهدف من وضع هذه القضية هو أن يثبتوا أن خديجة قد تزوجت قبل النبي صلى الله عليه وآله برجل أو أكثر ، وولد لها منهما . وقد تقدم ما يوجب الشك في ذلك ، حين الكلام على زواجها بالرسول الأعظم صلى الله عليه وآله …
عمار بن ياسر : وعذب عمار أيضاً عذاباً شديداً من قبل بني مخزوم ، حتى أُكره على التفوُّه بما يعجب المشركين ، فتركوه ؛ فأتى النبي ( صلى الله عليه وآله) باكياً ، وقال له : لم أُترك يا رسول الله ، وقد أكرهوني حتى نلت منك ، وذكرت آلهتهم بخير . فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : كيف تجد قلبك يا عمار ؟ قال : إنه مطمئن بالإيمان يا رسول الله قال : لا عليك ، فإن عادوا إليك فعد لما يريدون ؛ فقد أنزَل الله فيك : (إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان (81)) .
التقية في الكتاب والسنة : ونقوله : 1- إن ما جرى لعمار ونزول الآية فيه دليل على مشروعية التقية ، إذا خاف الإنسان على نفسه وماله . وقد صرحوا بجواز التقية وإظهار الموالاة حتى للكفار ، إذا خيف على النفس التلف ، أو تلف بعض الأعضاء ، أو خيف من ضرر كبير يلحق الإنسان في نفسه(82). بل لقد قال محمد بن عقيل : ( التقية مما أجمع المسلمون على جوازه ، وإن اختلفت تسميتهم لها ، فسماها بعضهم بالكذب لأجل الضرورة أو المصلحة ، وقد عمل بها الصالحون ، فهي من دين المتقين الأبرار . وعكس القول فيها كذب ظاهر) (83). 2- ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى : ( ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ، إلا أن تتقوا منهم تقاةً ) (84). 3-قال تعالى : ( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم . قالوا : فيم كنتم ؟ قالوا :كنا مستضعفين في الأرض .. إلى قوله : واجعل لنا من لدنك نصيراً ). قال البخاري : (فعذر الله المستضعفين الذين لا يمتنعون من ترك ما أمر الله ، والمكره لا يكون إلا مستضعفاً غير ممتنع من فعل ما أمر به ) .(85) ملاحظة : الآية موجودة كما في سورة الآية 97 ولكن الفقرة الأخيرة غير موجودة فيها ولا في الآيات بعدها لكن البخاري قد ذكرها كذلك . فذكرناها حسبما هي فيه رعايةً لأمانة النقل عنه . 4- وقال تعالى :(وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه : أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله ) (86). والقول بأن هذه الآية قد نسخت لا مثبت له ، بل لقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام ما يدل على خلاف ذلك ، فقد روى الكليني عن عبد الله بن سليمان ، قال : (سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول –وعنده رجل من أهل البصرة ، يقال له عثمان الأعمى ، وهو يقول : إن الحسن البصري يزعم : أن الذين يكتمون العلم يؤدي ريح بطونهم أهل النار . فقال أبو جعفر عليه السلام : فهلك إذاً مؤمن من آل فرعون ، ما زال العلم مكتوماً منذ بعث الله نوحاً عليه السلام ؛ فليذهب الحسن يميناً وشمالاً ؛ فوالله ما يوجد العلم إلا هاهنا ) (87). فاستدلال الإمام بالآية يدل على أن عدم كونها منسوخة كان متسالماً عليه لدى العلماء آنئذٍ .
وأما من السنة ، فنذكر : 1- عن أبي ذر ، عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ستكون عليكم أئمة يميتون الصلاة ، فان أدركتموهم فصلوا الصلاة لوقتها ، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة (88)وثمة حديث آخر بهذا المعنى فليراجع(89) . 2- ما جاء : أن مسيلمة الكذاب أتي برجلين ، فقال لأحدهما : تعلم أني رسول الله ؟ قال بل محمد رسول الله . فقتله . وقال للآخر ذلك ، فقال : أنت ومحمد رسول الله ؛ فخلى سبيله . فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال : أما الأول فمضى على عزمه ويقينه . وأما الآخر ، فأخذ برخصة الله فلا تبعة عليه (90). 3- ما رواه السهمي عنه صلى الله عليه وآله : لا دين لمن لا ثقة له : إن عادوا فعد . وهي مروية في مختلف كتب الحديث والتفسير . وفي هذه المناسبة نزل قوله تعالى : (من كفر بالله بعد إيمانه ، إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) (91). 4- قصة عمار بن ياسر المعروفة ، وقول النبي صلى الله عليه وآله له : إن عادوا فعد . وهي مروية في مختلف كتب الحديث والتفسير . وفي هذه المناسبة نزل قوله تعالى : (من كفر بالله بعد إيمانه ، إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان ) (92). استعمال النبي صلى الله عليه وآله نفسه للتقية ، حيث بقي ثلاث أو خمس سنوات يدعو إلى الله سرا ، وهذا مجمع عليه ، ولا يرتاب فيه أحد ، وإن كنا قد ذكرنا : أن الحقيقة ليست هي ذلك . إن الإسلام يخير الكفار في ظروف معينة بين الإسلام والجزية ، والسيف . وواضح : أن ذلك إغراء بالتقية ، لأن دخولهم في الإسلام في ظروف كهذه لن يكون إلا لحقن دمائهم ، وليس عن قناعة راسخة . وهذا نظير قبول المنافقين في المجتمع الإسلامي ، وتألفهم على الإسلام ، على أمل أن يتفاعلوا مع هذا الدين ، ويستقر الإيمان في قلوبهم . وحين فتح خيبر قال حجاج بن علاط للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) إن لي بمكة مالاً وان لي أهلاً وإني أريد أن آتيهم فأنا في حلّ إن أنا نلت منك وقلت شيئاً ؟! فأذن له رسول الله أن يقول ما شاء (93).
وأما التقية في التاريخ : فنذكر على سبيل المثال : 1-إن رجلاً سأل ابن عمر فقال : (أدفع الزكاة إلى الأمراء ؟ فقال ابن عمر : ضعها في الفقراء والمساكين . قال : فقال لي الحسن : ألم أقل لك : إن ابن عمر إذا أمن الرجل قال : ضعها في الفقراء والمساكين (94) ؟؟ ). 2- وقد ادّعوا : أن أنس بن مالك قد روى حديث القنوت قبل الركوع تقية من بعض أمراء عصره (95). وحين شاور العباس بن الحسن كتّابه وخواصه فيمن يولّون الخلافة بعد موت المكتفي ، أشار عليه ابن الفرات بأن ينفرد بكل واحد منهم فيعرف رأيه وما عنده (فأما أن يقول كل واحد رأيه بحضرة الباقين فربما كان عنده ما يسلك سبيل التقية في كتمانه وطيّه . قال : صدقت . ثم فعل ما أشار به علي ) (96). 4- تقية النبي (صلى الله عليه وآله ) والحمزة في بيعة العقبة . وستأتي نصوصها في فصل مستقل . 5- عن أيوب قال : ما سألت الحسن عن شيء قط ما سألته عنها (أي عن الزكاة ) . قال : فيقول لي مرة : أدّها إليهم . ويقول لي مرة : لا تؤدّها إليهم(97) أي للأمراء . إلا أن يقال : إن هذا التردد من الحسن ، إنما هو لأجل هو لأجل عدم وضوح الحكم الشرعي له ، جوازاً أو منعاً . 6- وفي خطبة لمحمد بن الحنفية : ( لا تفارق الأمة ، اتق هؤلاء القوم (يعني الأمويين) بتقيتهم . ولا تقاتل معهم . قال : قلت : وما تقيتهم ؟ قال : تحضرهم وجهك عند دعوتهم ؛ فيدفع الله بذلك عنك ، وعن دمك ودينك وتصيب من مال الله الذي أنت أحق به ) (98). 7- استفتي مالك بالخروج مع محمد بن عبد الله بن الحسن ، وقيل له : في أعناقنا بيعة لأبي جعفر المنصور . فقال : إنما بايعتم مكرهين . وليس على مكره يمين (99). ونقل القرطبي ، عن الشافعي ، والكوفيين : القول بالتقية عند الخوف من القتل ، وقال : (أجمع أهل العلم على ذلك )(100) . 9- عن حذيفة قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله فقال : أحصوا لي كم يلفظ الإسلام . قال : فقلنا : يا رسول الله ، أتخاف علينا ونحن ما بين الستمائة إلى السبعمائة ؟ قال : إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا . قال : فابتلينا حتى جعل الرجل منا لا يصلي إلا سراً (101). وحذيفة قد مات بعد البيعة لعلي (عليه السلام) بأربعين يوماً ، فهذا النص يدل على أن الناس المؤمنين كانوا قبل ذلك يعيشون في ضغط شديد ، وأن الذين يسيطيرون على الشارع هم الناس الذين كانوا يحقدون على الدين والمتدينين ، ويهزؤون ويحاربون كل شيء يمت إلى الدين بصلة . 10-لقد اتقى عامة أهل الحديث ، وكبار العلماء وأجابوا إلى القول بخلق القرآن ، وهم يعتقدون بقدمه ، ولم يمتنع منهم إلا أحمد بن حنبل ، ومحمد بن نوح (102). وحتى أحمد ؛ فانه قد اتقى في ذلك ، فكان إذا وصل إلى المخنق قال : ليس أنا بمتكلم . كما أنه حين قال له الوالي : ما تقول في القرآن أجاب : هو كلام الله ، قال : أمخلوق هو ؟ قال : هو كلام الله لا أزيد عليها (103). بل قال اليعقوبي : إنه لما سئل أحمد عن ذلك قال : (أنا رجل علمت علماً ولم أعلم فيه بهذا . وبعد المناظرة وضربه عدة سياط ، وعاد إليه إسحاق بن إبراهيم فناظره ، قالله : فيبقى عليك شيء لم تعلمه قال : بقى علي قال : فهذا مما لم تعلمه ؛ وقد علَّمكه أمير المؤمنين . قال : فإني أقول بقول أمير المؤمنين . قال : في خلق القرآن ؟ قال : في خلق القرآن . قال : فأشهد عليه ، وخلع عليه ، وأطلقه إلى منزله (104). مع أنه هو نفسه يقول : إن من قال : القرآن كلام الله ، ووقف ؛ فهو من الواقفة الملعونة (105). وقد عمل ابن الزبير بالتقية في مواجهة الخوارج (106). واتقى أيضا الشعبي ومطرف بن عبد الله من الحجاج . واتقي عرباض بن سارية ومؤمن الطاق من الخوارج وصعصعة بن صوحان من معاوية (107). وممن استعمل التقية في قضية خلق القرآن إسماعيل بن حماد ، وابن المديني ، وكان إبن المديني يلزم مجلس القاضي أبي داوود المعتزلي ، ويقتدي به في الصلاة ، ويجانب أحمد بن حنبل وأصحابه (108). 11-ويقولون : إن إبراهيم عليه السلام عندما سأله ذلك الحاكم الجبار عن امرأته قال : (هذه أختي ) وذلك في الله(109) فراجع . 12- وعن عبيد الله بن معاذ العنبري ، عن أبيه قال : (كتبت إلى شعبة أسأله عن أبي شيبة ، قاضي واسط ، فكتب إلي : لا تكتب عنه ، ومزّق كتابي )(110) .- 13- وقد عمل صعصعة بالتقية في خطبته في قصة خروج المستورد أيام معاوية (111). 14- وفي غارة بسر بن أبي أرطاة على المدينة ، وشكوى جابر بن عبد الله الأنصاري لأم سلمة زوج النبي : أنه خشي أن يقتل ، وهذه بيعة ضلال ، قالت :إذن ، فبايع ؛فإن التقية حملت أصحاب الكهف على أن كانوا يلبسون الصلب ويحضرون الأعياد مع قومهم(112). 15- وقد خطب الإمام الحسين عليه السلام مؤبناً أخاه الحسن السبط عليه السلام حينما توفي ، فكان مما تمدّحه به : انه قد آثر الله عند مداحض الباطل ، في مكان التقية بحسن الروية (113). 16- والإمام الحسين عليه السلام لم يستجب لأهل الكوفة حينما طلبوا منه القيام ضد معاوية بعد سم الإمام الحسن عليه السلام . وله موقف آخر عليه السلام يؤيد فيه موقف أخيه القاضي بعدم الثورة على معاوية ما دام حياً . فراجع (114). 17- قال الحسن (البصري) : التقية إلى يوم القيامة (115). 18- وقال البخاري : (وقال إبن عباس : في من يكرهه اللصوص ، فيطلق ، ليس بشيء . وبه قال إبن عمر ، وابن الزبير ، والشعبي ، والحسن ) (116). 19- وقال البخاري أيضاً : (يمين الرجل لصاحبه : أنه أخوه ، إذا خاف عليه القتل أو نحوه ، وكذلك كل مكروه يخاف ، فإنه يذب عنه الظالم ، ويقاتل دونه ولا يخذله ، وإن قاتل دون المظلوم فلا قود عليه ولا قصاص . وإن قيل له : لتشربنّ الخمر ، أو لتأكلنّ الميتة ، أو لتبيعنّ عبدك ، أو تقر بدَيْن ، أو تهب هبة أو تحل عقدة ، أو لتقتلنّ أباك ، أو أخاك في الإسلام وسعه ذلك .. إلى أن قال : قال النخعي : إذا كان المستحلف ظالماً فنيّة الحالف ، وإن كان مظلوماً ؛ فنية المستحلف )(117) . ولا بأس بمراجعة الشروح على صحيح البخاري على كتاب الإكراه ، ففيها توضيحات ومطالب مفيدة في هذا المجال (118). 20- حتى المغيرة بن شعبة فإنه يدعي أنه في عيبه علياً يعمل بالتقية فهو يقول لصعصعة : (هذا السلطان قد ظهر ، وقد أخذنا بإظهار عيبه للناس ، فنحن ندع كثيراً مما أمرنا به ، ونذكر الشيء الذي لا نجد منه بدّاً ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقية فإن كنت ذاكراً فضله فاذكره بينك وبين أصحابك وفي منازلكم سراً …الخ (119) 21- وفي حرب الجمل حمل محمد بن الحنفية على رجل من أهل البصرة ، قال : فلما غشيته قال : أنا على دين ابن أبي طالب فلما عرفت الذي أراد كففت عنه (120) 22- ويقول ابن سلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله أمره أن يصلي الصلاة لوقتها ثم يصلي مع الأمراء الذين يؤخرون الصلاة نافلة (121). 23- وقد صرح الخدري بأنه يعمل بالتقية في ما يرتبط بموقفه من علي عليه السلام ليحقن دمه من بني أمية واستدل بآية ادفع بالتي هي أحسن السيئة (122). وقد ذكر في الصراط المستقيم للبياضي ج3ص72-73 موارد عديدة أخرى فراجع .
التقية ضرورة فطرية عقلية دينية إصلاحية : إن تشريع التقية لهو خير دليل على شمولية الإسلام ومرونته ، واتساعه لكل الظروف والأحوال . إذ لو كانت الرسالة جافة وقاسية ، ولا تلاحظ الظروف الطارئة ، والأحوال العارضة ، فلا بد أن تصطدم مع الواقع ، وتنهار أمامه ، دون أن تتمكن من تجاوزه في حركتها الإصلاحية والتكاملية . فهو بتشريعه للتقية ، إنما يحافظ على الرسالة من خلال حفاظه على رائدها ، وحافظها ، وحاملها في ذلك الظرف العصيب . وخير شاهد على ذلك هو تلك الفترة التي مر بها النبي صلى الله عليه وآله والمسلمون في أول البعثة حيث كانوا يتحاشون فيها الصدام مع المشركين . وإن المحافظة على حامل الرسالة من خلال مرونة الرسالة ، تكون ضرورية جداً حينما لا يكون للتضحية به فائدة ، ولا عائدة .إن لم يكن في ذلك ضرر على الرسالة نفسها حينما تفقد جندياً أميناً من جنودها ، ربما تكون في وقت مّا بأمس الحاجة إليه . فكثيراً ما يكون الحفاظ على الإسلام من خلال الحفاظ على جنوده الأبرار الأوفياء ، والذين يكونون دائماً على استعداد للتضحية في سبيله كلما اقتضى الأمر ذلك . فالتقية إنما شرعت للحفاظ على هؤلاء . أما الآخرون ، الذين لا يفكرون إلا في أنفسهم ، فلا ينفعهم تشريع التقية ، ولا عدمه . ومما يدلنا على أن تشريع التقية إنما هو للحفاظ على الرسالة من خلال الحفاظ على جنودها ، وليس ذلك نفاقاً ، ولا انهزاماً . لأن هؤلاء المخلصين الذين يراد الحفاظ عليهم هم دائماً على استعداد للبذل والعطاء : أن الإمام الحسين عليه السلام الساكت في زمان معاوية هو نفسه الحسين الثائر على يزيد ، تحت شعار : إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني فسكوته هناك كان حفاظاً على الدين والحق ؛ تماماً كما كانت ثورته هنا حفاظاً على الحق والدين . وقد تكلمنا على هذه النقطة في حلف الفضول . ولأجل ذلك نجد : أنه إذا توقف الحفاظ على الحق على الفداء والتضحية ؛ فإن الإسلام يأمر به ، ولا يتسامح مع من يمتنع عنه . وأيضاً ، فلو كان في الإسلام جفاف وقسوة ؛ فربما يبعث ذلك الكثيرين على التخلي عنه ، أو بالأحرى على عدم الإقدام عليه . ولسوف يأتي في إسلام وحشي وغيره : أن البعض كان يسلم ؛ لأنه يعرف أن محمداً لا يقتل أصحابه . فمرونة الإسلام هذه هي التي أعطته قوة الدفع هذه ، ومكنته من أن يشق طريقه رغم كل التحديات الكبيرة ، والمصاعب الخطيرة ، التي واجهته عبر التاريخ . وواضح : أن مرونة الإسلام هذه لا يجوز أن تفسر على أنها نوع من التساهل في الأحكام ؛ ليهون على البعض اعتناق الإسلام ، بل هي من قبيل الحفاظ على الإسلام والمسلمين ، حيث لا ضرر على المبدأ والرسالة . وحيث يكون في عدم التقية هدر للطاقات والإمكانات ، حيث لا جدوى من هدرها . وليكن ذلك هو الفرق بين التقية وبين النفاق الذي يحلو للبعض أن ينبذ به – ظلماً وعدواناً – من يعتقد بمشروعية التقية . وقد رأينا أنه صلى الله عليه وآله ، حينما جاءته بعض القبائل وهي قبيلة ثقيف ، وطلبوا منه أن يعطيهم فرصة لعبادة أصنامهم ، وأن لا يفرض عليهم الصلاة لأنها صعبة عليهم ، وأن لا يكسروا صنمهم بيدهم ، نرى أنه صلى الله عليه وآله قبل بهذا الأخير ، ورفض الأولين (123). كما أنهم قد طلبوا منه أن يسمح لهم بالزنا ، وشرب الخمر ، والربا ، وترك الصلاة (124). نعم فرفض ذلك ، ولم يأخذ بنظر الإعتبار أن هذه قبيلة تريد أن تسلم ، فيتقوّى بها الإسلام ، ويضعف بذلك جانب أعدائه ومناوئيه . وهي في خلال هذه السنة تكون قد تعرفت على الإسلام وتدربت عليه . نعم ، لقد رفض السماح لها بعبادة صنمها ، الذي عبدته عشرات الأعوام ، ولو لمدة سنة واحدة أيضاً . بل هو يرفضه ولو كان لساعة واحدة ، لأنه لا يريد أن يستفيد من أية وسيلة من أجل الوصول إلى أهدافه ، لأنه يعتبر الوسيلة جزءاً من الهدف ، ومنه تستمد قدسيتها ، كما سبق . ولكنه في مقابل ذلك : لو أساء إليه أحد الناس مثلاً ؛ فإنه على استعداد لأن يعفو عنه ، ولكن شرط : أن يعرف المعفو عنه أنه قد أذنب ، وأن هذا عفو عنه ، أما إذا فهم من ذلك مشروعية الأمر الذي ارتكبه ، فإن ذلك العفو يكون مرفوضاً جملة وتفصيلاً . وخلاصة الأمر (125): إنه إذا كان المسلم ضعيفاً ، فإنه لا مبرر لأن يدخل في صراع عنيف مع الآخرين ، ينتهي بالقضاء عليه ، أو عليه وعلى عقيدته ؛ لان المبدأ لا يستفيد من صراع كهذا ، بل ربما يلحق به الضرر . وكذا إذا الحفاظ على الحق يحتاج إلى غطاء واقٍ من الإضطهاد ، الذي يحاول القضاء عليه جملة وتفصيلاً ، بالأساليب الوحشية التي لا تخضع للفكر ، ولا تستجيب لشروط الصراع المبدئي وظروفه .وليكن هذا دليلاً آخر على عظمة الإسلام ، وعلى شموليته ، وانسجامه مع واقع الحياة ، ومع كل ظروفها ومناخاتها . |
1 - سورة الحشر : 9 . 2 - سورة الجمعة /2 . 3 - سورة المائدة /6 . 4 - سورة الشعراء /214 . 5 - راجع هذه القضية في : تاريخ الطبري ج2 ص63 ، ومختصر تاريخ أبي الفداء ج2 ص14 ط دار الفكر بيروت وشواهد التنزيل ج1 ص372 و421 وكنز العمال الطبعة الثانية ج15 ص16/117 و113 و130 عن ابن اسحاق ، وابن جرير ، وصححه وأحمد ، وابن ابي حاتم ، وابن مردوية ، وأبي نعيم ، والبيهقي معاً في الدلائل ، وتاريخ ابن عساكر ، ترجمة الامام علي بتحقيق المحمودي ج1 ص87 و88 ، وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص244 عن الاسكافي ، وحياة محمد لهيكل الطبعة الأولى ص286 . ومسند أحمد ج1 ص159 وراجع أيضاً المصادر التالية : كفاية الطالب ص205 عن الثعلبي ومنهاج السنة ج4ص80 عن البغوي وابن أبي حاتم والواحدي وابن جرير ، ومسند أحمد ج1 ص111 ، وفرائد السمطين ، بتحقيق المحمودي ج1 ص86 ، واثبات الوصية للمسعودي ص115/116 ، والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص460 /459 . والغدير ج2 ص278-284 عن بعض من ذكرنا وعن : ابناء نجباء الابناء ص46-47 ، وشرح الشفاء للخفاجي ج3 ص37 ، وتفسير الخازن جص390 ، وكتاب سليم بن قيس وغيرهم . وخصائص النسائي ص86 الحديث 63 . وراجع : البحار ج38 والدر المنثور ج5 ص97 عن مصادر كنز العمال لكنه حرف فيه ومجمع الزوائد ج8 ص302 عن عدد من الحفاظ باسقاط منه أيضاً ، وينابيع المودة ص 105 وغاية المرام ص320 وابن بطريق في العمدة ، وتفسير الثعالبي ، وتفسير الطبري ج19 ص75 ، والبداية والنهاية ج3 ص40 ، وتفسير ابن كثير ج3 ص350 و351 . 6 - راجع تفسير الطبري ج19 ص75 . 7 - راجع : تفسير ابن كثير ج3 ص351 ، والبداية والنهاية ج3 ص40 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص459 . 8 - راجع : فلسفة التوحيد والولاية ص179و132 وسيرة المصطفى ص131و130 . 9 - منهاج السنة ج4 ص81-83 . 10 - راجع : الغدير ج2 ص280 ، ولسان الميزان ج4 ص43 . 11 - لسان الميزان ج4 ص42 . 12 - ميزان الاعتدال للذهبي ج2 ص631 و640 ، ولسان الميزان ج4ص42 . 13 -ميزان الاعتدال للذهبي ج2 ص631 و640 ، ولسان الميزان ج4ص42 . 14 - كنز العمال ج15 ص113 . 15 - راجع : شرح النهج للمعتزلي ج13 ص244 . 16 - راجع : الغدير ج2ص28 . 17 - راجع : المصدر السابق ، ومسند أحمد ج1 ص111 . 18 - دلائل الصدق ج2 ص234 . 19 - كما في السيرة النبوية لابن كثير ج1 ص459 عن ابن أبي حاتم وكذا في البداية والنهاية ج3 ص40 ، راجع كنز العمال ج15 ص113 ، ومسند أحمد ج1 ص111 وتفسير ابن كثير ج3 ص350 وابن عساكر ترجمة الامام علي بتحقيق المحمودي ج1 ص87 ، واثبات الوصية للمسعودي ص115 ، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص27 ، ومسند البزار مخطوط في مكتبة مراد رقم 578 . 20 - الكامل لابن الأثير ج2 ص62 ط صارد . 21 - دلائل الصدق ج2 ص235 . 22 - دلائل الصدق ج2ص236 . 23 - البحار ج18 ص215/216 ، عن : سعد السعود ص106 . 24 - راجع : منهاج ج السنة ج4ص83 ، والدر المنثور ج5ص95 و96 عن : أحمد ، وعبد حميد ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه والبيهقي عن عائشة ، وأنس ، وعروة بن الزبير ، والبراء وقتادة ، وتاريخ الخميس ج1 ص287 . 25 - الدر المنثور ج5 ص96 عن : الطبراني ، وابن مردويه ، عن أبي أمامة ، وهذه الروايات موجودة في مصادر كثيرة أخرى ولا سيما تلك التي ذكرناها في أوائل هذا البحث كمصادر للنص ألول . 26 - والغريب في الأمر : أنهم يعتقدون : أن عائشة إنما ولدت في الخامسة من البعثة ، والانذار للعشيرة كان في الخامسة ، فهم يناقضون أنفسهم مناقضة صريحة ، وإن كنا نحن نعتقد : أن عائشة قد ولدت قبل البعثة بسنوات ، كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى . 27 - راجع : دلائل الصدق ج2 ص239 . 28 - تاريخ اليعقوبي ج2 ص27 /28 ط صادر . 29 - ولي في كفالة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي غضاضة على أبي طالب شيخ الأبطح –كما يقول –لأن عبد الله وأبا طالب كانا من أم واحدة بخلاف سائر أبناء عبد المطلب ، وقد ربي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجر أبي طالب وكان (صلى الله عليه وآله وسلم) يخاطب فاطمة بنت أسد بياأماه ، وكانت عناية أبي طالب وزوجته به (صلى الله عليه وآله ) فائقة جداً . وكان علي (عليه السلام) كأنه إبن لرسول الله (صلى الله عليه وآله ) ، مع ملاحظة التفاوت في السن فيما بينهما . 30 - الشعراء /214 . 31 - المدثر / 2 . 32 - هذا توضيح منه (صلى الله عليه وآله ) وتفسير للمراد من الآية . 33 - البحار : ج18ص215/216 عن سعد السعود لابن طاووس : ص106 . 34 - راجع : جريدة جمهوري إسلامي الفارسية رقم 254 سنة 1359 هـ . ش في مقالات للمطهري رحمه الله تعالى . 35 - الحجر /94 –95 . 36 - راجع : تفسير نور الثقلين ج3 ص34 عن تفسير القمي 95 . 37 - هذا الحديث يرويه المفسرون والسيوطي في الدر المنثور ، وكذلك المؤرخون من غير الشيعة حين الحديث عن إنذار عشيرته الأقربين ، ولكن قد بينّا : أن المقصود ليس هو مطلق عشيرته في الآية بل عشيرته الأقربون ليس إلا ؛ فالرواية تناسب قوله تعالى (فاصدع بما تؤمر ) فقط . 38 - راجع : سيرة ابن هاشم ج1ص282-286 ، والبدء والتاريخ ج4 ص147-149 وتاريخ الطبري ج2 ص65-68 . 39 - الأعلاق النفيسة : ص217 ، والحيس هو تمر ينزع نواه ويدق مع أقط ويعجبان بالسمن ثم يدلك باليد حتى يبقى كالثريد . مجمع البحرين :ج4ص64 . 40 -القصص /57 . 41 - القصص /57 . 42 - ويرى بعض المحققين : أ، من المحتمل : أن أبا طالب كان يستعمل أسلوب اللين تارة والشدة أخرى ؛ بهدف إثارة حرب كهذه ، تهدف إلى تمكين النبي من نشر دعوته ، كما أشير إليه . 43 - الأنعام /26 . 44 - فصلت /26 . 45 - الكافي :ج1 ص449 نشر مكتبة الصدوق ، ومنية الراغب : ص75 . وراجع : الغدير : ج7ص359و388 وج8ص4 ، وأبو طالب مؤمن قريش :ص73 عن مصادر كثيرة . 46 - راجع : السيرة الحلبية : ج1 ص291 و292 ، والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية ) : ج1ص208 و202و231 . 47 - راجع : البداية والنهاية : ج3 ص134 . 48 - تاريخ الطبري :ج2ص68 . 49 - سيرة ابن هاشم : ج1ص341 ، والسيرة الحلبية : ج1 ص300 ، وراجع السيرة النبوية لابن كثير :ج1ص493 ، والمحبر : ص184 . 50 - راجع : شرح النهج للمعتزلي : ج13 ص273 ، وقاموس الرجال : ج5ص196 وج2ص238 . 51 - المناقب لابن شهر اشوب : ج1ص171 . 52 - راجع ما تقدم في : السيرة الحلبية :ج1ص298/299 ، وقاموس الرجال : ج1ص216 ، وسير أعلام النبلاء :ج1ص353 ، والسيرة النبوية لابن هاشم : ج1ص340 ، وحلية الأولياء :ج1 ص148 ، وغير ذلك كثير . 53 - سورة الليل 5-7 . 54 - الدر المنثور ج6 ص358-390 عن عدد من المصادر والسيرة الحلبية ج1 ص299 ، وشرح النهج للمعتزلي ج13ص273 عن الجاحظ والعثمانية ص35 . 55 - شرح النهج ج13 ص273 . 56 - السيرة الحلبية ج1ص299 . 57 - الدر المنثور ج6 ص357 عن ابن ابي حاتم عن ابن عباس ، وتفسير البرهان ج4 ص470 عن علي بن ابراهيم ، باختلاف مع ما عن الدر المنثور . وستأتي بقية المصادر في حرب أحد في فصل : قبل نشوب الحرب ، حين الكلام حول إرجاع الصغار ، والريب فيما ينقل عن سمرة . 58 - الإتقان : ج1 ص14 . 59 - طبقات ابن سعد : ج3ص165 . 60 - تقدمت من المصارد لذلك في الجزء السابق من هذا الكتاب في آخر فصل : بحوث تسبق السيرة . 61 - تهذيب الأسماء واللغات : ج1 ص136 . 62 - السيرة النبوية لدحلان :ج1ص126 ، والسيرة الحلبية :ج1 ص229 ،وراجع : المصنف : ج1 ص234 وغيره. 63 - طبقات ابن سعد : ج3 ص170 . 64 - السيرة النبوة للصنعاني ج1ص234 ، وغيره. 65 الروض الانف ج2ص78 . 66 - سيرة المصطفى ص149 . 67 - راجع في ذلك : العثمانية للجاحظ ص28/28 ، وشرح النهج للمعتزلي ج13 ص253 ، وسيرة ابن هاشم ج1 ص103 ، ونسب قريش لمصعب الزبيري ص230 ، والبداية والنهاية ج 3 ص29 ، والبيهقي ، ومستدرك الحاكم ج3ص369 والبدء والتاريخ ج5ص82 . 68 - البداية والنهاية ج3 ص28 ، ومستدرك الحاكم ج3 ص284 ، وصححه هو والذهبي في تلخيصه بهامشه ، وحلية الاولياء ج1 ص149 ، والاستيعاب ج1 ص141 وأحمد ، وابن ماجة ، والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص126 ، والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص436 وعن كنز العمال ج7 ص14 عن ابن أبي شيبة ، والطبقات الكبرى لابن سعد ط صادر ج3 ص233 . 69 - شرح النهج للمعتزلي ج13 ص255 . 70 - راجع : شرح النهج للمعتزلي ج13 ص255 ، والسيرة النبوية لدحلان ج1ص123 ، والسيرة الحلبية ج1 ص273 . 71 - السيرة النبوية لابن كثير ج1 ص433 ، والبداية والنهاية ج3 ص26 . 72 - سيرة ابن هشام ج1ص267 والسيرة البنوية لابن كثير ص438 . 73 - السيرة الحلبية ج1ص301 . وسيأتي العديد من المصادر لذلك حين الكلام عن هجرة أبي بكر ان شاء الله . 74 - راجع : النزاع والتخاصم للمقريزي ص 19 والغدير ج3 ص353 عنه . 75 - راجع المصنف لعبد الرزاق ج5 ص451 ، ومستدرك الحاكم ج3 ص78 ، عن ابن عساكر ، وأبي أحمد الدهقان ، وراجع الكامل لابن الأثير ج2 ص326 ، وتاريخ الطبري ج2 ص944 . والنزاع والتخاصم : ص19 وكنز العمال : ج5 ص383 و385 ، عن ابن عساكر وعن أبي أحمد الدهقان في حديثه . 76 - أنساب الأشراف للبلاذري (قسم حياة النبي (صلى الله عليه وآله ) ص588 . 77 -طبقات الشعراء لابن سلام ص 38 . 78 - السيرة النبوية لابن كثير ج1 ص439/449 والبداية والنهاية ج3 ص30 ، وتاريخ الخميس ج1 ص294 والغدير ج7 ص322 عنه وعن الرياض النضرة ، ج1 ص46 . 79 - الاستيعاب هامش الاصابة ج4 ص331 و330 و333 ، والاصابة ج4 ص335 و334 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص495 ، واسد الغابة ج5 ص481 ، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص28 . 80 - الاستيعاب هامش الاصابة ج4ص331 و330و333 ، والاصابة ج4 ث335 و334 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص495 ، واسد الغابة ج5 ص481 ، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص28 . 81 - النحل /106 راجع : حلية الاولياء ج1 ص140 وتفسير الطبري ج4 ص112 وتفسير النيسابوري بهامشه وغير ذلك كثير جداً . 82 - راجع على سبيل المثال : احكام القرآن للحصاص ج2 ص9 . 83 - تقوية الايمان ص38 . 84 - آل عمران /28 . 85 - صحيح البخاري ط الميمنية ج4 ص128 . 86 - غافر /28 . 87 - الكافي (الاصول ) ج2ص40-41 منشورات المكتبة الاسلامية ، والوسائل ج18 ص8 . 88 -مسند أحمد ج5 ص159 . 89 - مسند أحمد ج5 ص160 و168 . 90 - محاضرات الأدباء للراغب الأصفهاني : ج4 ص408-409 واحكام القرآن لحصاص ج2 ص10 وسعد السعود 137 . 91 - تاريخ جرجان : ص201 . 92 - راجع : الكافي (الأصول ) : ج2 ص217 ط الآخندي ، وسائل الشيعة : ج11 ص465 . وراجع : ميزان الحكمة : ج10 ص666 و667 . 93 -دراسات في الكافي والصحيح ص338 عن السيرة الحلبية . 94 - المصنف للصنعاني ج4 ص48 . 95 - راجع : المحلّى ج4ص141 . 96 - الوزراء للصابي ص130 . 97 - المصدر السابق . 98 - طبقات ابن سعد ج5 ص70 . 99 - مقاتل الطالبيين ص283 ، والطبري ط أوربا ج3 ص200 . 100 - تفسير القرطبي ج10 ص181 . 101 - صحيح مسلم : ج1 ص91 ، وصحيح البخاري ط سنة 1309 هـ.ق : ج2 ص116 ومسند أحمد ج5 ص384 . 102 - تجارب الأمم المطبوع مع العيون والحدائق ص465 . 103 - تاريخ الطبري ج7 ص201 وراجع : آثار الجاحظ ص274 ، ومذكرات الرماني ص47 . 104 - تاريخ اليعقوبي ج2ص472 . 105 - بحوث مع أهل السنة والسلفية ص183 و184 عن : الرد على الجهمية لابن حنبل في كتاب الدومي ص82 . 106 - راجع العقد الفريد لإبن عبد ربه ج2 ص393 . 107 - العقد الفريد ج2ص464 –465 . 108 - راجع لسان الميزان ج1ص339-400متناً وهامشاً . 109 - صحيح البخاري ط الميمنية : ج4ص129 ومسند أحمد ج2ص403 وأخرجه ابو داود والترمذي ، وقصص الانبياء للنجار : ص98-99ومسند ابي يعلى ج10 ص427 . 110 - صحيح مسلم :ج1ص18 ومعرفة علوم الحديث ص136 . 111 - راجع : بهج الصباغة : ج2 ص121 . 112 -تاريخ اليعقوبي :ج2ص198 . 113 - راجع : تهذيب تاريخ دمشق : ج4ص230 وعيون الأخبار لابن قتيبة :ج2ص314 ، وحياة الإمام الحسن (عليه السلام) للقرشي : ج1 ص439 . 114 - راجع : الأخبار الطوال : ص220 و221 و222 . 115 - صحيح البخاري : ج4ص128:ط الميمنية . 116 - صحيح البخاري : ج4ص128 . 117 - المصدر السابق . 118 - راجع : عمدة القاري : ج24 ص95-108 ، وفتح الباري :ج12 ص277-289 ، وإرشاد الساري :ج10ص93-102 . 119 - تاريخ الأمم والملوك ج4ص12 . 120 - الطبقات الكبرى لابن سعد ج5ص67 . 121 - تهذيب تاريخ دمشق ج6ص205 . 122 - سليم بن قيس ص53 ،مؤسسة البعثة –قم-إيران . 123 - تاريخ الخميس :ج2ص135 ، والسيرة النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية) :ج3 ص11 ،والكامل في التاريخ :ج2 ص284 ، والسيرة النبوية لإبن كثير : ج4ص55 ،والسيرة النبوية لابن هشام :ج4ص184و185 ،والبداية والنهاية :ج5ص30 ، والمواهب اللدنية : ج1ص236 . وبهذا يلاحظ : أن عمر بن الخطاب لم يكن موفقاً حين أصر على الاقتصاص من جبلة بن الأيهم الذي دخل في الإسلام جديداً . وكان ملكاً في قومه ، ولم يتعرف بعد بعمق على عظمة وخصائص الإسلام ومميزاته الفريدة ، إذ قد كان عليه أن يراعي الموقف ، ويحل المشكلة بأسلوب مرن آخر . 124 - السير النبوية لدحلان (مطبوع بهامش الحلبية ) : ج3 ص11 ، والمواهب اللدنية : ج1ص236 ، وتاريخ الخميس :ج2ص135 و136و137 . وراجع بالنسبة لترك الصلاة المصادر التالية : الكامل في التاريخ : ج2ص284 ، وكذا في السيرة النبوية لابن هشام : ج4ص185 ، والسيرة النبوية لابن كثير : ج4ص56 ، والبداية والنهاية : ج5ص30 . 125 - هذه الخلاصة مقتبسة من كلمات للعلامة الجليل السيد محمد حسين فضل الله في : مفاهيم اسلامية عامة الحلقة 8 ص127 .\ |