الفصل الخامس
تحليل الطيبات وتحريم الخبائث الصفة السابعة والثامنة التي وصف الله بهما نبيه(صلى الله عليه و آله) في الآية قوله تعالى: (وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) معنى الطيبات والخبائث يستفاد من مجموع أقوال المفسرين في تعريف الطيبات والخبائث ان الطيبات هي كل ما تستطيبه النفس، ويستحسنه العقل، ويأمر به الشرع ويبيحه ولا يمنع منه، من الآكل والشرب والنكاح والكلام والمال وغير ذلك. والخبائث بضدها وهي كل ما تستقذره النفس، ويستقبحه العقل، وينهى عنه الشرع ويحذر منه من الأمور المذكورة، واليك أقوال بعض المفسرين في تعريف الطيبات والخبائث. قال شيخنا الطبرسي في مجمع البيان(1) في تفسير قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالا طَيِّبًا وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (2): الطيب هو الخالص من شائب ينغص، وهو على ثلاثة أقسام، الطيب المستلذ، والطيب الجائز (أي في الشرع الشريف)، والطيب الطاهر (أي غير النجس والمتنجس)، والأصل (أي في اللغة) هو المستلذ، إلا انه وصف به الطاهر، والجائز، تشبيها، إذ ما يزجر عنه العقل أو الشرع كالذي تكرهه النفس وتنصرف عنه (إلى أن قال): واصل الباب الطيب خلاف الخبيث. وقال الفخر الرازي في تفسيره (مفاتيح الغيب)(3) في قوله تعالى (وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ): الواجب أن يكون المراد من الطيبات الأشياء المستطابة بحسب الطبع لان تناولها يفيد اللذة والأصل في المنافع الحل فكانت هذه الآية دالة على ان الأصل في كل ما تستطيبه النفس ويستلذه الطبع الحل إلا لدليل منفصل(4). والخبائث كل ما يستخبثه الطبع وتستقذره النفس كان سبباً للألم والأصل في المضار الحرمة، إلا لدليل منفصل(5). وقال السيد محمد رشيد رضا في تفسيره (المنار): الطيب ما تستطيبه الأذواق من الأطعمة وتستفيد منه التغذية النافعة، ومن الأموال ما اخذ بحق وتراض في المعاملة. والخبيث من الأطعمة ما تمجّه الطباع السليمة وتستقذره ذوقاً كالميتة، والدم المسفوح، أو تصد عنه العقول الراجحة لضرره في البدن كالخنزير ـ الذي تتولد من أكله الدودة الوحيدة- أو لضرره في الدين كالذي يذبح للتقرب به إلى غير الله على سبيل العبادة (إلى ان قال) والخبيث من الأموال ما يؤخذ بغير الحق كالربا، والرشوة، والغلو، والسرقة، والخيانة، والغصب، والسحت(6). وترى إن هذه التعريفات للطيبات والخبائث كلها تلتقي إلى معنى واحد وهو ما استفدناه وقدمناه.
نسبة التحليل والتحريم إلى النبي(صلى الله عليه و آله) ومن المعلوم أن الذي احل الطيبات وأباحها، وحرم الخبائث وحذر منها، إنما هو الله عز وجل، إذ هو المشرع لعباده لا غير، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (172) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة/ 173-174]. وإنما وصف رسوله الأعظم(صلى الله عليه و آله) بهاتين الصفتين، وكذلك الصفة الثالثة، ونسب التحليل والتحريم ووضع الاصر له(صلى الله عليه و آله) باعتبار انه المبلغ لهذا التشريع الإلهي الذي جاء به عن الله من طريق الوحي المنزل عليه، والموضح بسنته الغراء مصاديق الطيبات والخبائث ومصاديق وضع الإصر بتفصيل كامل شامل. (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى(3)إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى(4)عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) [النجم/ 4-6].
اختصاص الإسلام باستيعاب تحليل الطيبات وتحريم الخبائث وتحليل الطيبات وتحريم الخبائث، هما في الجملة من الفطريات التي أجمعت عليها الأديان الإلهية، قال تعالى: (يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأعراف/ 32-33]. إلا أن الدين الذي جاء به نبينا(صلى الله عليه و آله) هو الدين الوحيد الذي أحصى جميع ما تتعلق به حياة الإنسان من الشؤون والأعمال، ثم قسمها إلى طيبات فاحلها، والى خبائث فحرمها، ولا يعادله في تفصيل القوانين المشرعة السابقة أي شريعة دينية، أو قانون اجتماعي. فالإسلام المحمدي اختص باستيعاب تحليل الطيبات وتحريم الخبائث، كما اختص بكمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان ذلك من جهات… 1- الإسلام احل ما كان محرماً على اليهود من الطيبات أباح لنا الإسلام بعض الطيبات التي حرمها الله سبحانه وتعالى سابقاً على اليهود - من أمة موسى(عليه السلام) في نفس شريعته المنزلة عليه- عقوبة لهم في الدنيا بسبب ظلمهم، كما هو صريح قوله تعالى:(فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) [النساء/ 161-162]. وقد جاءت قبل هاتين الآيتين - من سورة النساء - آيات عديدة استعرض الله فيها فضائع أعمال اليهود، وقبائح أعمالهم، وفساد عقائدهم من اتخاذهم العجل وعبادتهم له (مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ) وقولهم: (أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمْ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ) واعتدائهم في السبت، ونقضهم الميثاق الغليظ الذي أخذه الله منهم، و(قَتْلَهُمْ الأنبياء بِغَيْرِ حَقٍّ) وغير ذلك من أنواع الكفر والظلم الذي اقترفوه على عهد نبيهم موسى، وهو بين ظهرانيهم … كما استعرض جل وعلا - بالمناسبة - بعض جرائمهم من بعد موسى، من كفرهم (وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا) وقولهم: (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) بعد هذا قال تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) أي بسبب ظلمهم السابق أيام نبيهم وقبله (وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا) وهو إعراضهم المتكرر في أنفسهم ومنعهم الغير عن سبيل الله، أي عن دينه (وَأَخْذِهِمْ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ) أي بغير استحقاق ولا استيجاب، وهو ما كانوا يأخذونه من طريق الرشوة، وما كانوا يأخذونه من أثمان الكتب التي يكتبونها بأيديهم ويقولون: هذا من عند الله، وما أشبه ذلك من المآكل الخبيثة، عاقبهم الله على جميع ذلك في الدنيا بتحريم ما حرم عليهم من بعض الطيبات، بعد ما كانت في السابق حلالاً لهم وفي الآخرة هيأ للكافرين منهم، الذين جحدوا الله أو الرسل عذاباً أليماً، أي مؤلماً موجعاً. فجزاهم الله بمظالمهم جزاءين: جزاءً دنيوياً عاماً لهم وللمؤمنين منهم وهو تحريم بعض الطيبات عليهم وجزاءً أخروياً خاصاً بالكافرين منهم وهو العذاب الأليم. ولكن المؤمنين منهم لما صبروا على طاعة الله وامتنعوا من تلك الطيبات امتثالاً لأمره أتاهم الله في الآخرة أجراً عظيماً كما تنبئ عنه ذيل الآية التالية في قوله تعالى: (أُوْلَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا). ويقول بعض المفسرين(7) ان الطيبات التي حرمها الله عليهم هي ما ذكرها الله وبينها في سورة الأنعام بقوله تعالى:(وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) [الأنعام/ 147]، وتوقف بعضهم فلم يجزم بتعيين ما حرم عليهم من الطيبات التي أجملها الله في آية النساء. وعلى كل، آية سورة الأنعام بينت لنا بعض الطيبات التي حرمها الله في شريعة موسى على اليهود بقوله: (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) أي كل حيوان قدمه غير مشقوقة بل لها ظفر واحد كالابل، والنعام والإوز والبط وغيرها كما روي ذلك عن ابن عباس وسعيد بن جبير وغيرهما (وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) أي حرمنا عليهم كذلك شحم البقر والغنم إلا ما حملت ظهورهما من الشحم وهو الشحم المختلط باللحم، أو الشحم الملتف بالأمعاء وهو الحوايا، أو ما اختلط منه بعظم كالذنب وغيره من سائر العظام، وكان ذلك عقوبة لهم على البغي والعدوان لذا قال: (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) أي إنا صادقون في حكاية ما حرمنا على اليهود، وصادقون في السبب الذي من اجله حرمناه عليهم وهو بغيهم وظلمهم. وهذه الطيبات التي حرمت في شريعة موسى على اليهود نسخت في شريعة نبينا (صلى الله عليه و آله) وأحلت له، ولامته ولا مانع من أكلها إلى يوم القيامة، كما أحلت له ولامته الأسماك وصيدها بعدما كان محرما على اليهود في يوم السبت. وقد جاء في حديث محاجة النبي(صلى الله عليه و آله) مع بعض اليهود قوله(صلى الله عليه و آله): (وان الله عز وجل جعل كتابي المهيمن على كتبهم الناسخ لها ولقد جئت بتحليل ما حرموا وبتحريم بعض ما احلوا)، من ذلك أن موسى جاء بتحريم صيد الحيتان يوم السبت، حتى إن الله قال لمن اعتدى منهم في صيدها يوم السبت: (كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) [البقرة/ 66] فكانوا، ولقد جئت بتحليل صيدها حتى صار صيدها حلالاً، قال الله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ) [المائدة/ 97]، وجئت بتحليل الشحوم كلها وكنتم لا تأكلونها(8). (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة/ 128]. 2- لا رهبانية في الإسلام(9): وأبطل الإسلام الرهبانية التي كانت سائدة عند النصارى من أمة عيسى – التي ذكرها الله تعالى بقوله: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد/ 28]. ومعنى الآية (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا) أي ثم اتبعنا -على آثار الرسل السابقين من ذرية نوح وإبراهيم - رسلاً آخرين إلى قوم آخرين فكانت الرسالة ممتدة واحدة على اثر واحدة (وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) بعدهم فأرسلناه رسولاً (وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ) أي أنزلناه عليه (وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) في دينه وهم الحواريون واتباعهم الذين احسنوا اتباعه (رَأْفَةً وَرَحْمَةً) أي جعلنا في قلوبهم الرأفة والرحمة وذلك بالأوامر والنواهي، والترغيب والتهديد والتشويق ووعد الثواب ومن ذلك حصلت في قلوبهم الرأفة والرحمة (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ). ويستفاد من مجموع ما ورد في معنى الرهبانية من الروايات، وأقوال المفسرين: ان رهبانيتهم الاعتزال عن النساء بترك التزويج، واتخاذ الصوامع للعبادة، والتجرد لله بالخلوة عن الناس، واللباس الخشن، وغير ذلك من مظاهر الزهد في الدنيا وطيباتها، والتجرد لعمل الآخرة. وهذه الرهبانية ما كتبها الله عليهم أي ما فرضها عليهم بل هم ابتدعوها وألزموا أنفسهم بها ابتغاء رضوان الله، كما إن الإنسان إذا جعل على نفسه صوماً لم يفرض عليه فعليه ان يتمه ولكنهم ما أتموا رهبانيتهم إذ (فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) وذلك أنهم من جهة أصبحت الرهبانية في إخلافهم غالباً طقوساً وشعائر خالية من الروح بل اتخذوها مظهراً عارياً من الحقيقة فلم يصبروا على تكاليفها إلا عددا منهم قليلاً، ومن جهة أخرى انهم لما بعث النبي(صلى الله عليه و آله) بالرسالة بعد عيسى ما آمنوا به وتركوا طاعته إلا قليلاً منهم فلذا قال تعالى في ذيل الآية (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ) وهم الذين آمنوا بالنبي ورعوا بذلك حق رهبانيتهم (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) أي كافرون خارجون عن طاعة الله إلى عصيانه ويعضد هذا ما جاءت به الرواية عن عبد الله بن مسعود قال: (كنت رديف رسول الله(صلى الله عليه و آله) على حمار فقال(صلى الله عليه و آله): يا بن أم عبد هل تدري من أين احدث بنو إسرائيل الرهبانية فقلت الله ورسوله اعلم فقال(صلى الله عليه و آله): ظهرت عليهم الجبابرة بعد عيسى يعملون بمعاصي الله فغضب أهل الإيمان فقاتلوهم، فهزم أهل الإيمان ثلاث مرات فلم يبق منهم إلا قليل فقالوا: إن ظهرنا لهؤلاء أفنونا ولم يبق للدين أحد يدعو إليه فتعالوا نتفرق في الأرض إلى إن يبعث الله النبي الذي وعدنا به عيسى(عليه السلام) يعنون محمدا(صلى الله عليه و آله) فتفرقوا في غيران الجبال (10) وأحدثوا رهبانية فمنهم من تمسك بدينه ومنهم من كفر ثم تلا (صلى الله عليه و آله) هذه الآية (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ) إلى آخر الآية ثم قال(صلى الله عليه و آله): يا بن أم عبد، أ تدرى ما رهبانية أمتي؟ قلت: الله ورسوله أعلم. قال: الهجرة، والجهاد، والصلاة، والصوم، والحج والعمرة. وفي حديث آخر قاله النبي(صلى الله عليه و آله) لابن مسعود أيضا في رهبان النصارى جاء في آخره: (من آمن بي وصدقني واتبعني فقد رعاها حق رعايتها ومن لم يؤمن بي فأولئك هم الهالكون). والغرض أن الرهبانية التي كانت عند النصارى من التبتل والانقطاع في الأديرة والصوامع الذي يسبب حرمان النفس والجسم من التنعم بلذات الزواج والولد ولذات الطعام والزينة في اللباس وغير ذلك قد أبطلها الإسلام وحذر منها، لان في الرهبانية تقليل النسل، والرسول(صلى الله عليه و آله) يقول تناكحوا وتناسلوا حتى أباهي بكم الأمم، وفيها محذور الوقوع في الزنا مما يسبب تضييع النسل والابتلاء بأنواع من الأمراض الفتاكة وفيها من المشقة والتكليف فوق الطاقة مما يخالف سهولة الشريعة وسماحتها، بالإضافة إلى ما فيها من الكبت للغريزة الشهوية والحرمان من الطيبات وقد احلها الله، قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) [المائدة/ 88]. وقد روى المفسرون من الشيعة وأهل السنة عدة روايات في سبب نزول هذه الآية، ويستفاد من مجموع تلك الروايات ان رهطاً من المؤمنين من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه و آله) عزموا على أن يرفضوا الدنيا ولذاتها فحرموا على أنفسهم بعض المشتهيات الطيبة فبعضهم الزم نفسه ان يصوم النهار، وأخر ان يقوم الليل ولا ينام على الفراش، وبعض قال لا أكل اللحم الدسم، وأخر لا اقرب النساء، وهمَّ بعضهم ان يجب مذاكيره، فبلغ ذلك رسول الله(صلى الله عليه و آله) فبعث عليهم وأنبأهم أولاً بما عزموا عليه فقالوا بلى يا رسول الله وما أردنا إلا الخير فقال(صلى الله عليه و آله): (أني لم أؤمر بذلك وان لأنفسكم عليكم حقاً فصوموا وافطروا وقوموا وناموا فأني أقوم وأنام وأصوم وافطر واكل اللحم والدسم وأتي النساء ومن رغب عن سنتي فليس مني). وفي بعض الروايات (11) أن رسول الله(صلى الله عليه و آله) جمع الناس على اثر ذلك وخطبهم وقال: ما بال أقوام حرموا النساء والطعام والطيب والنوم وشهوات الدنيا أما أني لست أمركم أن تكونوا قسيسين ورهباناً فانه ليس في ديني ترك اللحم ولا النساء ولا اتخاذ الصوامع وان سياحة أمتي الصوم، ورهبانيتهم الجهاد اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وحجوا واعتمروا وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وصوموا رمضان واستقيموا يستقم لكم فإنما هلك من كان قبلكم بالتشديد شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فأولئك بقاياهم في الديارات والصوامع. وأنزل الله على اثر ذلك قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (87) وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ). والمعنى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي أيها المؤمنون (لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ) بان تتعمدوا ترك التمتع بالطيبات تنسكاً وتقرباً إليه تعالى (وَلا تَعْتَدُوا) بذلك فتتعدوا حدود الله وأحكامه (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) الذين لم يستقيموا ولم يلتزموا بما شرعه الله لعباده بل يبغضهم أي ينتقم منهم، ثم أمرهم أمر إباحة بضد مقتضى النهي الذي قبله ليؤكد لهم إباحة الطيبات فقال: (وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ حَلالا طَيِّبًا) أي مباحاً لذيذاً سائغاً لا شائبة فيه. ولا يبعد ان المراد بالأكل في هذه الآية مطلق التصرف فيما رزقه الله من طيبات نعمه سواءً كان بالأكل الذي بمعنى التغذي أو بسائر وجوه التصرف، إذ ان استعمال الأكل بمعنى مطلق التصرف استعمال شائع ذائع عند العرب، وكثيراً ما تطلق العرب الخاص فتريد به العام ويعرف ذلك بالسياق والقرائن فقوله (وَكُلُوا) في الآية يعم كل ما ينتفع به من طعام وشراب ولباس ومتاع ومأوى ونكاح وغير ذلك من مطلق التصرف بما رزقه الله من الحلال الطيب بقرينة سبب نزولها (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) أي وخافوا عقاب الله وأطيعوه فيما أمركم به ونهاكم عنه إذ انتم مؤمنون به فانتم أحق بطاعته فلا تحرموا ما احل لكم من الطيبات بل كلوا منها وتصرفوا فيها على الوجه المشروع. يقول إمامنا موسى بن جعفر(عليه السلام) لبعض أصحابه: (اجعلوا لأنفسكم حظاً من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال، ومالا يثلم المروءة ومالا سرف فيه، واستعينوا بذلك على أمور الدين ،فانه ليس من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه)(12). نعم هكذا جاء الإسلام ليحقق التوازن المطلق، والتناسق الكامل بين طاقات الحياة البشرية جميعاً، فهو لا يغفل حاجة من حاجات الفطرة الإنسانية، ولا يكبت طاقة من طاقات الإنسان بل يريد لها ان تعمل عملا سوياً ولا تخرج عن الجادة المستقيمة. ومن ثم حارب الرهبانية التي كان مذهبها الشائع بين أهلها انهم يتقربون إلى الله بتعذيب النفس والجسم واحتقارها وحرمانها من كثير من الطيبات المستلذة بحيث كانوا يرون التقرب إلى الله منحصراً في ذلك فحرموا على أنفسهم كثيراً من الطيبات، وهذا معناه كبت للفطرة، وتعطيل للطاقة، وتعويق عن إنماء الحياة التي أراد الله لها النماء. لقد خلق الله هذه الحياة لتنمو وتتجدد وترتقي عن طريق النمو والتجدد، والرهبانية تصطدم مع منهج الحياة كما أراده لها الله، لأنها تقف بها عند نقطة معينة، بحجة التسامي والارتفاع والتسامي والارتفاع مفروضان في الحياة الإسلامية على المسلمين، ولكن في يسر وبساطة، وفي حدود الطاقة، والإسلام يصل بالوسائل الطبيعية اليسيرة إلى أعلى ما تصل إليه مناهج الكبت دون مشقة ولا إرهاق فاعتبروا يا أولي الألباب. (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام/ 154]. 3- الإسلام يحل ما حرمت الجاهلية من الطيبات ويحرم ما أحلت من الخبائث وجاء هذا الوصف لنبيه(صلى الله عليه و آله): (وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) خلافاً لما كان عليه أهل الجاهلية قبل بزوغ نور الإسلام على الجزيرة العربية. فان قسماً منهم كانوا يأكلون الخبائث كالميتة، يأكلونها ويقول قائلهم – على من أنكر عليه أكلها -: مالكم تأكلون مما قتلتموه ولا تأكلون مما قتله الله ؟ وكالدم يجعلونه في المصارين المعوية ثم يشوونه ويأكلونه، ويطعمونه الضيف، وكانوا إذا اجدبوا جرحوا ابلهم بالنصال وشربوا ما ينزل من الدم، ويأكلون كذلك لحم الخنزير، ولعلهم يقولون: ما الفارق بين هذا اللحم وذاك؟ إلى غير ذلك من أنواع الخبائث التي احلوها وأكلوها وجاء الإسلام فحرمها لخبثها(13). وقسماً منهم كانوا قد حرَّموا على أنفسهم بعض الطيبات كثقيف وخزاعة، وبني عامر بن صعصعة، وبني مدلج، وغيرها من قبائل العرب في الجاهلية، حرم هؤلاء على أنفسهم من الأنعام البحيرة والسائبة، والوصيلة والحامي، وهذه نعوت أربعة لأربعة أنواع من الأنعام التي حرموها على أنفسهم تقليداً لإسرافهم. أما (البحيرة) فقيل: هي الناقة التي أنتجت خمسة أبطن، وكانت البطن الخامسة ذكراً، بحروا أذن تلك الناقة (أي شقوا أذنها شقاً واسعا) وامتنعوا عن ركوبها ونحرها واكل لحمها، ولا تطرد عن ماء، ولا تمنع من مرعى. وانشد أهل اللغة في البحيرة : محرمة لا يأكل الناس لحمها*** ولا نحن في شيء كذاك البحائر وأما (السائبة) فهي ما كانوا يسيّبونه من الأنعام بالنذر لآلهتهم فان الرجل منهم إذا مرض، أو سافر، نذر انه إن عاد من سفره، أو برئ من مرضه ان يسيب ناقته ويقول: (ناقتي هذه سائبة) فيضع بها علامة معروفة عندهم ويطلقها تمضي حيث شاءت ويكون حكمها عندهم كحكم البحيرة في عدم الانتفاع بها وان لا تطرد عن ماء ولا تمنع من مرعى، وانشد أهل اللغة فيها: وسائبة لله أملـــي تشكراً*** أن الله عافى عامراً ومجاشعا وأما (الوصيلة) فهي الشاة إذا توأمت عشر إناث في خمسة أبطن ليس فيها ذكر، قالوا: إنها وصلت وحرموا لبنها ولحمها عليهم وإذا ولدت بعد ذلك فما تلده يجعلونه للذكور ويحرمونه على الإناث وانشد تأبط شرا في الوصيلة : أجدك أما كنت في الناس ناعقا*** تراعي بأعلى ذي المجاز الوصائلا وأما (الحامي) فهو الذكر من الإبل إذا انتج من صلبه (بواسطة اللقاح) عشرة أبطن قالوا قد حمى ظهره (أي منع ظهره من الركوب عليه) فلا يحمل عليه بعد ذلك ولا يمنع من ماء ولا مرعى، وانشد تأبط شراً في الحامي : حماها أبو قابوس في غير كنهه*** كما قد حمى أولاد أولاده الفحلا وجاءت من طرق الشيعة وأهل السنة روايات أخرى في معاني هذه الأسماء البحيرة والسائبة، والوصيلة، والحامي(14) ولكن المتيقن عليه من معانيها، أن هذه الأصناف من الأنعام كانت في الجاهلية محررة نوعا من التحرير والإعتاق وقد اختلقوا لها أحكاماً كثيرة كحرمة أكل لحمها ولبنها عليهم جميعا، وفي بعضها حرموا أكلها على النساء دون الرجال، وكحماية الظهر من الركوب، وكعدم منعها من الماء والكلأ، وغير ذلك من الأحكام التي ابتدعها من ابتدعها منهم(15) وسار عليها الإخلاف تقليداً للأسلاف وزعموا أن الله هو الذي جعل لهذه الأصناف الأربعة من الأنعام هذه الأحكام وهو الذي حرم عليهم لحمها ولبنها لذا رد الله عليهم ما زعموه وأعلمهم أنه لم يشرع ذلك، فقال عز وجل:(مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (103) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَ وَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ) [المائدة/ 104-105]. ومعلوم أن هذه الأنواع الأربعة داخلة في أقسام الطيِّب دون الخبيث، والطيب أباحه الله ولم يحرمه والذي حرم هذه الطيبات أهواء الجاهلية العمياء. والجاهلية ليست فترة من الزمن كانت في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وقد مضت إلى غير رجعة. إنما الجاهلية كما عناها القرآن وحددها، هي حالة نفسية ترفض الاهتداء بهدي الله، وتضع نظما وأحكاما مبتدعة وترفض الحكم بما أنزل الله لذا قال تعالى: (أ فَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) [المائدة/ 51]. فحينما جاء القرآن يعالج بهذه الآية (مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سَائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) لم يكن يعالج جاهلية العرب في ذلك الوقت فحسب، وإنما جاء يعالج كل جاهلية ترفض الاهتداء بهدي الله والحكم بما انزل الله وتفتري الكذب على الله وعلى دينه ونبيه. وإننا لنشهد اليوم – في جاهلية القرن العشرين - أحكاماً تستورد من الشرق أو الغرب وربما يضاف إليها وينقص منها حسب الأهواء ثم يحكم بها في بلاد الإسلام على المسلمين، فإذا أنكرها المؤمنون والمسلمون قالوا: أنها من الدين ولا تعارض الدين أو أنها أحكام تتلاءم مع تطورات الزمن، والحال كل شرع غير شرع الله هو هوى، ذلك ما قرره الله تعالى ومصداقه تاريخ الحياة المخيم عليها الضلال والشقاء. لقد اختلفت الأهواء من عصر إلى عصر ومن بيئة إلى بيئة ومن أمة إلى أمة ولكنها كانت دائماً هوى وشرع الله وحده هو البريء من الأهواء (وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) [المؤمنون/ 72]، أن الله ليست له مصلحة مع هذا الفريق أو ذاك بل هو الغني عن الجميع والجميع مفتقرون إليه (يَاأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمْ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ(15)إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ(16)وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ) [فاطر/ 16-18]، وكل خلقه بالتساوي عنده لأفضل لأحد على أحد إلا بالتقوى ( يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات/ 14]، والخلاصة أما اتباع لشرع الله فهو الإسلام وأما اتباع للأهواء فهي الجاهلية في كل مكان وزمان. (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [آل عمران/ 87-88].
الحكمة في تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير لا ريب أن الإنسان كسائر الحيوان والنبات مجهز (بتقدير الحكيم القدير) بجهاز التغذي فيحتاج (بحسب طبعه) إلى الغذاء الكامل ليحفظ به بقاءه، وليقوم بوظيفته في الحياة، وان يكون ما يتغذى به (من طعام وشراب) مطابقاً لأصول التغذية الصحيحة، والنافعة غير الضارة، ليقي بذلك صحته من التعرض للأسقام والأمراض. وقد وجه الدين الإسلامي عنايته البالغة بالإنسان من هذه الناحية فأباح له كل غذاء طيب، نافع، كما حرم عليه كل غذاء خبيث، ضار… وتفصيل ذلك تتكفل بيانه كتب الفقه، باب الأطعمة والأشربة وغيرها (16). ومن الأغذية الخبيثة والضارة التي نص القران المجيد على تحريمها: الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وقد نص القران على تحريمها في آيات عديدة من سور عديدة مكية ومدنية. وأخر آية نزلت مؤكدة تحريمها هي آية المائدة، وهي قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ.. ) إلى قوله تعالى: (فَمَنْ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة/ 4]، وسئل إمامنا الصادق(عليه السلام) عن علة تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير فقيل له – كما في تفسير العياشي - (17): جعلت فداك، لم حرم الله الميتة والدم ولحم الخنزير؟ فقال(عليه السلام): (إن الله تبارك وتعالى لم يحرم ذلك على عباده واحل لهم ما سواه من رغبة منه – تبارك وتعالى – فيما حرم عليهم، ولا زهد فيما احل لهم ولكنه خلق الخلق، وعلم ما يقّوم به أبدانهم، وما يصلحهم فأحله وأباحه تفضلاً منه عليهم لمصلحتهم، وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه وحرمه عليهم، ثم أباحه للمضطر وأحلَّه لهم في الوقت الذي لا يقوم بدنه إلا به، فأمره ان ينال منه بقدر البُلغة لا غير ذلك ثم قال: أما الميتة فانه لا يدنو منها أحد ولا يأكلها إلا ضُعف بدنه ونحل جسمه، ووهنت قوته، وانقطع نسله، ولا يموت آكل الميتة إلا فجأة. وأما الدم فانه يورث الكلب(18) ، والقسوة للقلب، وقلة الرأفة والرحمة، لا يؤمن أن يقتل ولده ووالديه، ولا يؤمن على حميم، ولا يؤمن على من صحبه. وأما لحم الخنزير فإن الله مسخ قوماً في صور شتى شبه الخنزير والقرد والدب وما كان من الامساخ، ثم نهى عن أكله مثله لكي لا ينتفع بها ولا يستخف بعقوبته. هذا بعض ما ورد عن الإمام الصادق وأبيه الباقر(عليه السلام) في علة تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير على الإنسان، وفيه أولاً: التصريح بأن الله علم ما يقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأباحه، وما يضرهم فحرمه، وان المحرمات أباحها لهم عند الاضطرار، لان التغذية تكون منحصرة فيها، وهذا يعني ان تحريم هذه الثلاثة على الإنسان لحفظ صحته وقوام بدنه. ثم بين أضرار الميتة بالخصوص، بأن أكلها يسبب ضعف البدن ونحولته ووهن قوته وانقطاع نسله، كما يسبب عليه بالأخير موت الفجأة. وما ذلك – طبعاً – إلا للأمراض الشديدة التي تتعلق به من أكلها وتكون نتيجته تلك العاقبة الوخيمة (قاتل نفسه بنفسه، وقاتل نفسه ألأم من قاتل غيره)، وأن الدم يورث الكلب، وقسوة القلب، وقلة الرأفة والرحمة، وبسبب ذلك لا يؤمن ان يعتدي بالقتل على القريب والبعيد، وما ذلك إلا لما يؤثر الدم في أكله من الانفعالات السيئة، وان لحم الخنزير– بالإضافة إلى أضراره في الصحة – هو من أنواع الممسوخات التي شاء الله ان لا ينتفع بها، بيعاً وشراء واقتناء حتى لا يستخف بعقوبته سبحانه.
الطب الحديث يكشف عن أضرار هذه المحرمات واليك الآن ما قرره الطب الحديث عن الميتة بأنواعها، والدم ولحم الخنزير مع تعريفها. أما الميتة: فهي كل حيوان فارقته الروح دون أن يذبح، سواء كان موته بحادثة من الحوادث، أو موتاً طبيعياً. ونبدأ بالميتة الطبيعية. ومعلوم أن كل كائن حي إذا مات هذه الميتة، فلا بد ان تكون ميتته أما عن مرض ظاهر أو خفي أو لشيخوخة أنتهى بها عمرها الطبيعي. وكل ذلك مما يؤدي إلى انحلال أنسجة الجسم، أما لضعف الشيخوخة الطبيعي، أو للأمراض الخفية التي تؤثر فيها تدريجياً حتى لا تبقى قيمة غذائية للحومها، ولا قابلية لهضمها، وحتى تصبح كلاً على المعدة، وتحدث لذلك أمراضاً معدية خطيرة. وتحصل تلك الأمراض أحياناً عن جراثيم تغلبت سمومها حتى أماتت ذلك الحيوان. فإذا كانت الميتة بهذه الصورة فلابد أن تنشط في جسم الميتة بعد المــوت (البكتريا الرمّيــة) و(التعفنية)، فإذا أكلها الحي أمرضته بالضرورة... حسبما ثبت في علم (البكترلوجيا). ولا عبرة بأكلها دون ضرر في البلاد الباردة، لان ظهور الضرر في المناطق الباردة يقل غالباً بعكس البلاد الحارة. ولما كان الدين الإسلامي ديناً عاماً، انزل للعالم كله، بما فيه الأقاليم الحارة التي يحدث فيها التخمر والانفعال بسرعة مدهشة، كان من البديهي ان استعمال اللحوم السليمة التي تذبح ويصفى دمها أحسن غذاء وأصح وأسلم وليس فيها اقل ضرر، بخلاف الحيوان المريض المتخلّلة لحومه بالدم الذي لا يخلو من وجود الإفرازات السمية، ولذا لم يخص الإسلام تحريمها بمنطقة دون أخرى، بل حرمها على كل مسلم، وفي أي مكان وزمان. قال أحد الأطباء: لاشك أن الميتة تنعدم فيها جميع خواصها الطبية للبدن، وتزول كل موادها الحيوية فإذا أكلها الإنسان عقب موت الحيوان مباشرة أحدثت له مغصاً في المعدة، ونزلات معوية حادة أما إذا مضت على موته مدة حتى تعفن فقد صار سماً ذعافاً، وأضّر في البدن ضرراً كاد أن لا يُتدارك ، مثل: الفالج والسكتة وموت الفجاءة، وأحياناً بالمداومة قد يحدث العقم في النسل. وهكذا كان تصريح الإمام الصادق(عليه السلام) في جوابه السابق عن أكل الميتة قبل ثلاثة عشر قرناً. وأما الميتة التي تموت بحادثة من الحوادث فهي مشتركة معها في الأضرار، لوجود نفس الأسباب فيها، والتي نص القرآن على حرمتها: المنخنقة: وهي البهيمة التي تموت بالخنق، وهو أعم من أن يكون عن اتفاق قد خنقت نفسها، أو بعمل عامل اختيارا، كما لو خُنقت بحبل يشد على عنقها، ويُسد بضغطه مجرى تنفسها، أو بإدخال رأسها بين خشبتين، كما كانت هاتان الطريقتان وأمثالهما دائرة بين الجاهليين قبل الإسلام. الموقوذة: وهي البهيمة التي تموت بالرمي، أو ضرب العصا أو الحجر. المتردية: وهي التي تموت من ترديها، أي: سقوطها من أعلى إلى اسفل كشاهق جبل أو بئر ونحوهما. النطيحة: وهي التي تموت بنطح حيوان آخر، وغالباً ما يحدث الموت من أثر النطح. ما أكل السبع: وهي التي أفترسها الوحش الضاري، كالأسد والذنب، والنمر، ونحوهما إذ كثيراً ما يعتدي الوحش على قطعان الماشية فيتناول منها فريسته، ويتبعه الرعاة عادة للحيلولة بينه وبين الفتك بالفريسة، وقد يدركونها كلها بعد قتلها، وقد يدركون بعضها وتعتبر في كلتا الصورتين ملحقة بالميتة. وتحريم كل هذه الأقسام وما جاء الإسلام به أمر صحي حيوي، يريد الشارع المقدس به حفظ صحتنا والبقاء على كياننا وجلب سعادتنا في حياة صحيحة هانئة. إذ أن هذه الأقسام من الميتة لا تصلح للأكل طبياً، كما قرر ذلك علم فحص اللحوم لتغير شكلها من الاسوداد، والكآبة واللزوجة وكراهة الرائحة التي تكون في هذه الأقسام، وفي بعضها تصل الجراثيم المدية أو القيحية إلى الجرح الذي حدث في الجثة من الضرب أو من السقوط أو النطح وربما انتقلت الجراثيم من فم السبع إلى الفريسة …. ولذلك وغيره حرم الإسلام جميع هذه الأقسام من الميتة، إلا إذا أدركت قبل موتها وذكيت بالذبح الشرعي. فلا مانع حينئذ من أكلها. أما الدم: والمراد منه هنا المسفوح طبعاً، لا ما خالط اللحم منه كالكبد وغيره، كما صرحت بذلك الآيات(19) فقد قال فيه الطب: أن الدم مرتع للجراثيم المرضية، ومحل صالح لنموها وتكاثرها، لذلك ترى الأطباء إذا استعصى عليهم معرفة الداء كشفوه بتحليل الدم ومعرفة ما فيه. غير انه ما دام هو في داخل البدن فهو محفوظ من الضرر لوجود الكريات البيض التي قد جعلها الله سبحانه وتعالى فيه – بحكمته – كشرطة الحرس أو جند الدفاع لمكافحة كل عدو يهاجم الدم، ولكنه إذا خرج إلى الخارج ولاقى الهواء الفاسد فسد وزالت من كرياته البيضاء تلك المناعة والقدرة على الدفاع، فيصبح الدم بعد ذلك جسماً فاسداً، يحمل إفرازات سمّية يجب التخلص منها، كما انه يحمل معه بعض محتويات البول، فلذا لا تقوى المعدة على هضمه، ولا الأعضاء على قبوله، بل يكون كلاً عليها، مضافاً إلى ما يحدثه من تهيج الأغشية المعدية المعوية. ثم إن أكثر الحيوانات، ولاسيما المواشي منها، اغلب ما تصاب به من الأمراض هو الطاعون، والحمّيات الخبيثة، والتدرن… وهذه ليس لجراثيمها مرتع سوى الدم الحيواني، فإذا دخل هذا الدم الملوث إلى بدن الإنسان أمرضه دون شك. زد على ذلك أن هذين الدمين (أعني: دم الحيوان ودم الإنسان) إذا اختلطا في الداخل أحدثا ارتفاعاً عالياً في درجة حرارة البدن، وفي ضغط الدم. وقد يحدث منهما القيء المزعج، لما في الدم من حديد مجمد (فيرين) سريع الفساد. هذا بالإضافة إلى ما أبانه لنا الإمام الصادق من ان الدم يورث الكلّب، وقسوة القلب…الخ. أما لحم الخنزير، فأن أكله – مضافاً إلى ما فيه من قذارة منفرة – يحدث الداء المسمى (تريشينوز) وهو داء عسر العلاج، مخيف العوارض، إذ يصحبه إسهال شديد، وأحياناً دموي مع مغص، وحمى قوية، وانحطاط في القوى، وأوجاع مؤلمة في المفاصل، وجفاف في الحنجرة وأعضاء التنفس، وانتفاخ ظاهر في الوجه وخاصة حول العينين وأخيراً ضعف عام وهزال ناشئ عن عدم الأكل، ثم تشتد هذه العوارض وربما انتهت بالموت. وقد أكتشف هذا الداء الطبيب الإنجليزي (باجت) في سنة 1835م بمساعدة أستاذه (أوين) عند تشريح جثة إنسان كان يكثر من أكل لحم الخنزير، وبعد تجارب متعاقبة ظهر لديه أن هذا الداء ينشأ من دودة تسمى (تريشينلا) تعيش في أمعاء بعض الحيوانات ذوات الثدي كالفيران والجرذان والأرانب والكلاب والخنازير والقطط غير أنها في الخنازير أربى وأكثر توالداً خصوصاً وهي تأكل الجيف من كل حيوان يموت وفيه هذه الطفيلة. فإذا أكل الإنسان لحم هذا الخنزير المصاب بها، فلابد وأن يبتلع قسماً كبيراً من أكياسها الحية المخزونة في لحم الخنزير المصاب بها وبعد يومين من وصول هذه الأكياس إلى المعاء الغليظ من الإنسان، يذوب غشاؤها الكيسي، وتخرج الديدان ذكوراً وإناثاً فتتلاقح، ثم يخرج البيض، فيخرق جدر المعاء، ثم يسير من المجاري اللمفاوية إلى القلب ثم إلى أيسره حيث تختلط البيوض مع الدم، وتنتشر في جميع أنحاء البدن، وهناك تظهر الأعراض المذكورة آنفاً، ولا علاج له إلا بترك أكل لحم الخنزير. وقد لا يمكن التخلص منها – وإن عولجت – حتى الموت إذ لو بقي منها ولو قطعة صغيرة أو بويضة واحدة لعادت بعد مدة إلى ما كانت عليه أولاً، وهذا داء خطير مآله الفناء والموت. ويقول بيتي وديكسون: إن الإصابة بها تكاد تكون عامة في جهات خاصة من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا، ولكنها تكاد تكون نادرة الوجود في البلاد الشرقية لتحريم دين أهلها أكل لحم الخنزير. فإذا عرفت ذلك فهل يبقى لك شك في ان الشارع المقدس إنما حرم لحم الخنزير لم يرد بذلك إلا وقاية الأبدان والنفوس من مثل هذه الأدواء الخبيثة المهلكة، وحفظا لصحتها وإبقاء على حياتها تفضلا وكرما. واستحضر ولا تنس جواب الإمام الصادق(عليه السلام) عن علة تحريم هذه الأنواع من المآكل بقوله: ولكنه خلق الخلق وعلم ما يقوّم به أبدانهم وما يصلحهم فأحله وأباحه، تفضلا منه عليهم لمصلحتهم، وعلم ما يضرهم فنهاهم عنه وحرمه عليهم.. الخ. (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة/119].(20)
الحكمة في تحريم الخمر ان الدين الإسلامي الحنيف الذي تكفل بصلاح العالم معاشا، ومعاداً، والدين الذي بعث به خاتم الأنبياء ليتمم مكارم الأخلاق، لمن اكثر الأديان العامة اهتماماً بشؤون المجتمع، مادياً وأدبياً، صحياً وأخلاقياً، روحياً وبدنياً. لذلك تراه لم يأمر بأمر إلا وفيه الحكمة التي تنظر إلى ما ينفع الفرد في حياته الدينية والدنيوية، وأخيراً إلى ما ينفع المجتمع الذي يعيش فيه الفرد. وكذلك لم ينه عن شيء إلا إذا كان فيه ما يضر الفرد في دينه ودنياه.. وأخيراً فيه ما يضر المجتمع. وهذه نقطة جوهرية تتمشى مع جميع الأوامر والنواهي الإسلامية الحكيمة. يقول الإمام الرضا(عليه السلام): (إن الله تبارك وتعالى لم يبح أكلاً ولا شرباً إلا لما فيه من المنفعة والصلاح، ولم يحرم إلا لما فيه الضرر والتلف والفساد)(21) فتحريم الأشياء إذاً وإباحتها على أساس المصالح ودرء المفاسد لا غير.
الخمر في الكتاب ولهذا الغرض، وهذه الحكمة التي نظرها الشارع المقدس للإنسان فقد شّدد النكير، وحّذر الجميع من استعمال الخمر، وأوجب اجتنابها حتى قرنها بالشرك وعبادة الأوثان بقوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة/91](22). وحتى بيّن لنا نتائجها الدنيوية المضرة والمقلقة للحياة، بقوله تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) [المائدة/ 92]، وأخبر أن الخمر والميسر فيهما إثم كبير بقوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) [البقرة/ 221]. وقبل هذه الآيات حرم الخمر تحريماً صريحاً وسماها (إثماً) وجمعها مع الفواحش الظاهرة والباطنة، والبغي، والشرك بالله، والقول على الله بغير علم، بقوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف/ 33]. ومعلوم أن الإثم هو اسم من أسماء الخمر، كما في (القاموس) باب الميم، فصل الهمزة، وغيره من كتب اللغة. وكما قال شاعر العرب: شربت الإثم حتى ضّل عقلي*** كذاك الإثم تذهب بالعقول وقال غيره من العرب أيضاً: نهانا رسول الله أن نقرب الخنا*** وأن نشرب الإثم الذي يعقب الوزرا ولو فرضنا أن الإثم في هذه الآية لم يكن المقصود منه الخمر بالذات، بل مطلق الإثم الذي هو الذنب المستوجب لصاحبه العقوبة وجمعه (آثام)، كما تنص على ذلك كتب اللغة أيضاً… مع ذلك نستطيع أن نعلم علم اليقين أن القرآن قد نص على حرمة الخمر، وذلك إذا جمعنا بين هذه الآية من سورة الأعراف وبين الآية السابقة من سورة البقرة، وهي قوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) يتضح لنا النص بحرمتها، حيث صرحت هذه الآية ان في الخمر والميسر إثما كبيراً، وآية سورة الأعراف النازلة قبلها صرحت بحرمة الإثم، فينتج من الآيتين ان الخمر محرمة لما فيها من الإثم الكبير. وهذه شبهة – كانت ولا تزال – نسمعها دائماً تدور على السن الجاهلين المستهترين من عبدة الهوى وأتباع الشهوة، الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر، وهي أن الخمر لم يحرم في القرآن، حيث لم ينص على حرمته، بل قال: (فَاجْتَنِبُوهُ) ولم يقل: حرمته فاتركوه، وقال: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) ولم يقل: فانتهوا عنه. بل نُقل(23) عن بعض غلاة الفسق والفجور أنهم قالوا: سألنا القرآن هل أنتم منتهون؟ فقلنا: لا، ثم سكت وسكتنا. نعم، هكذا (شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَ فَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ) [الأنعام/ 113-115]. وقد سئل أحد من آتاهم الله الكتاب وأورثهم علمه بعد أن اصطفاهم، وهو إمامنا موسى بن جعفر(عليه السلام)، عن هذه بالمسألة بالذات، والسائل هو الخليفة العباسي محمد المهدي بن المنصور الدوانيقي، وذلك على ما روى شيخنا الكليني في (الكافي)(24) بسنده عن علي بن يقطين قال: سأل المهدي أبا الحسن(عليه السلام) عن الخمر هل هي محرمة في كتاب الله عز وجل؟ فإن الناس إنما يعرفون النهي عنها ولا يعرفون التحريم لها، فقال له أبو الحسن(عليه السلام): (بل هي محرمة في كتاب الله عز وجل، يا أمير المؤمنين). فقال له: في أي موضع هي محرمة في كتاب الله عز وجل يا أبا الحسن؟ فقال: (قول الله عز وجل: (إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ)… فأما قوله (مَا ظَهَرَ مِنْهَا) يعني الزنا المعلن، ونصب الرايات التي كانت ترفعها الفواجر للفواحش في الجاهلية، وأما قوله عز وجل (وَمَا بَطَنَ) يعني ما نكح الآباء لأن الناس كانوا قبل أن يبعث النبي(صلى الله عليه و آله) إذا كان للرجل زوجة ومات عنها تزوجها ابنه من بعده، إذا لم تكن أمه فحرم الله عز وجل ذلك. وأما الإثم فإنها الخمر بعينها، وقد قال الله تبارك وتعالى في موضع آخر: (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) فأما الإثم في كتاب الله فهي الخمر والميسر وإثمهما كبير كما قال الله عز وجل). قال: فقال المهدي: يا علي بن يقطين، هذه والله فتوى هاشمية، قال: فقلت له: صدقت والله يا أمير المؤمنين، الحمد لله الذي لم يخرج هذا العلم منكم أهل البيت، قال: فوالله ما صبر المهدي أن قال لي: صدقت يا رافضي.
الخمر في الحديث النبوي وإذا ثبت النص بحرمة الخمر في القرآن، ثبت أن الخمر من الخبائث لقوله تعالى: (وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) بل هي كما عبر عنها سيد الأنبياء في بعض أحاديثه الحكيمة التي منها قوله(صلى الله عليه و آله): (أجتنبوا الخمر فانها أم الخبائث). (إياك وشرب الخمر وكل مسكر، فانهما مفتاح كل شر)(25). (إن الخمر رأس كل إثم)(26). (كل مسكر حرام، وكل مسكر خمر)(27). (حرمت الخمر قليلها وكثيرها، وما أسكر من كل شراب)(28). (شارب الخمر كعابد الوثن)(29). (لا يزال المرء في صحة من عقله ودينه، ما لم يشرب مسكراً)(30). (ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، ومدمن سحر، وقاطع رحم)(31). (يا علي، من ترك الخمر لغير الله سقاه الله من الرحيق المختوم، فقال علي(عليه السلام) :لغير الله ؟ قال: نعم والله، صيانة لنفسه، يشكره الله على ذلك. يا علي، شارب الخمر كعابد وثن. يا علي شارب الخمر لا يقبل الله عز وجل صلاته أربعين يوماً، فان مات في الأربعين مات كافراً). (يا علي، كل مسكر حرام وما أسكر كثيره فالجرعة منه حرام). (يا علي، جعلت الذنوب كلها في بيت، وجعل مفتاحها شرب الخمر). (يا علي، تأتي على شارب الخمر ساعة لا يعرف فيها ربه عز وجل). (يا علي، من السحت ثمن الميتة، وثمن الكلب، وثمن الخمر ، ومهر الزانية، والرشوة في الحكم، وأجر الكاهن)(32). (إن الله عز وجل بعثني رحمة للعالمين، ولأمحق المزامير والمعازف وأمور الجاهلية والأوثان، وقد أقسم ربي أنه لا يشرب عبد لي خمراً في الدنيا إلا سقيته مثل ما يشرب منها من الحميم يوم القيامة، معذباً كان أو مغفوراً له)(33). (من شرب الخمر بعد ما حرمها الله على لساني، فليس بأهل أن يزوج إذ خطب، ولا يشفع إذا شفع، ولا يصدق إذا حدث، ولا يؤتمن على امانة، فمن ائتمنه بعد علمه فيه، فليس للذي ائتمنه على الله ضمان ولا له اجر ولا خلف)(34). (لعن رسول الله(صلى الله عليه و آله) الخمر، وعاصرها، ومعتصرها وبائعها، ومشتريها، وساقيها، وآكل ثمنها، وشاربها، وحاملها، والمحمولة إليه)(35).
الخمر في حديث أهل البيت هكذا قد جاء الوحي السماوي محرماً الخمر، ومحذراً من فتكها وأضرارها، وجهر سفير السماء وسيد الأنبياء(صلى الله عليه و آله) بصوته الجهوري معلناً للناس تحريمها، كاشفاً لمجموعة البشر جملة من أخطارها وهكذا جاء بعده أهل بيته، سدنة شريعته، وخلفاؤه على أمته عليهم السلام يتابعون صوته، ويذيعون كلمته في أضرار الخمر، وحكمة تحريمها وخبثها: فيقول أمير المؤمنين، لما قيل له: إنك تزعم أن شرب الخمر أشد من الزنا والسرقة؟ قال: (نعم، إن صاحب الزنا لعله لا يعدوه إلى غيره، وان شارب الخمر إذا شرب الخمر زنى وسرق وقتل النفس التي حرم الله قتلها، وترك الصلاة)(36). وورد عنهم(عليهم السلام): (إن الله جعل للمعصية بيتاً، ثم جعل للبيت باباً، ثم جعل للبيت غلقاً، ثم جعل للغلق مفتاحاً، فمفتاح المعصية الخمر)(37). وقال الصادق(عليه السلام): (من شرب النبيذ على انه حلال خلد في النار، ومن شربه على انه حرام عذب في النار)(38). وعن الباقر(عليه السلام): (يأتي شارب الخمر يوم القيامة مسوداً وجهه، مدلعاً لسانه، يسيل لعابه على صدره، وحق على الله ان يسقيه من طينة خبال.. (أو قال: من بئر خبال). قال الراوي: قلت: وما بئر خبال ؟ قال: بئر يسل فيها صديد الزناة)(39). وعن أحدهما قال: (ما عصي الله بشيء اشد من شرب الخمر، ان أحدهم ليدع الصلاة الفريضة، ويثب على أمه أو أخته أو ابنته وهو لا يعقل)(40). وعن الباقر(عليه السلام): (إن شرب الخمر يدخل صاحبه في الزنى، والسرقة، وقتل النفس التي حرم الله، وفي الشرك بالله، وأفاعيل الخمر تعلو على كل ذنب، كما تعلو شجرتها على كل شجرة)(41). وعدَّ الإمام الصادق(عليه السلام) الكبائر من الذنوب إلى أن قال: (وشرب الخمر لان الله نهى عنها كما نهى عن عبادة الأوثان)(42). وعن إسماعيل بن يسار قال: "سأل رجل أبا عبد الله(عليه السلام) عن شرب الخمر، أشر أم ترك الصلاة؟ فقال: (شرب الخمر أشر من ترك الصلاة…) ثم قال: (وتدري لم ذاك؟) قال: لا. قال: (يصير في حال لا يعرف الله تعالى، ولا يعرف من خالقه). وروي أن زنديقاً قال للإمام الصادق(عليه السلام): لم حرم الله الخمر ولا لذة أفضل منها؟ قال(عليه السلام): (حرمها لأنها أم الخبائث، ورأس كل شر، تأتي على شاربها ساعة يسلب فيها لبه فلا يعرف ربه، ولا يترك معصية إلا ركبها، ولا حرمة إلا انتهكها، ولا رحماً ماسة إلا قطعها، ولا فاحشة إلا أتاها والسكران زمامه بيد الشيطان، إن أمره أن يسجد للأوثان سجد، وينقاد حيثما قاده)(43). وقال: (أما الخمر فإن الله حرمها لفعلها وفسادها) وقال: (ان مدمن الخمر كعابد وثن، ويورثه ارتعاشاً، ويذهب بنوره، ويهدم مروءته، ويحمله على ان يجسر على المحارم من سفك الدماء، وركوب الزنا، ولا يؤمن إذا سكر ان يثب على حرمه، وهو لا يعقل ذلك، والخمر لا تؤدي إلا إلى كل شر)(44). وقال(عليه السلام): (ما بعث الله عز وجل نبياً قط إلا وفي علم الله إنه إذا أكمل له دينه كان فيه تحريم الخمر، ولم تزل الخمر حراماً)(45). وعن الإمام الرضا قال: (ما بعث الله نبيا قط إلا أتى بتحريم الخمر)(46). نعم، لقد حرم الله الخمر على عباده في جميع شرائعه، ومنعها عنهم منعاً باتاً إيصاداً لباب الشرور والمفاسد في وجوه الأشرار والمفسدين ولكن أحلته شريعة المسيحيين خلافاً لشريعة المسيح التي زعموا كذباً وافتراءً – أنهم متمسكون بها. عن محمد بن سنان قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى ابن جعفر (وهو الإمام الرضا(عليه السلام)) يقول: (حرم الله عز وجل الخمر لما فيها من الفساد ،ومن تغييرها عقول شاربيها وحملها إياهم على إنكار الله عز وجل، والفرية عليه وعلى رسله، وساير ما يكون منهم من الفساد ،والقتل، والقذف والزنا، وقلة الاحتجاز عن شيء من المحارم، فبذلك قضينا على كل مسكر من الاشربة انه حرام محرم لأنه يأتي من عاقبته ما يأتي من عاقبه الخمر، فليجتنب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتولانا وينتحل مودتنا كل شارب مسكر ، فانه لا عصمة بيننا وبين شاربه)(47). وعن أحدهما عليهما السلام: قال: (الغناء عش النفاق والشرب مفتاح كل شر، ومدمن الخمر كعابد الوثن، مكذب بكتاب الله لو صدق كتاب الله لحرم حرام الله)(48). عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنه قال: (شارب الخمر اذا شربها ضُرب(49) فان عاد ضُرب فان عاد قُتل في الثالثة) قال جميل: وقد روى بعض أصحابنا انه يُقتل في الرابعة(50). عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله(عليه السلام) يقول: (المضطر لا يشرب الخمر لأنها لا تزيد إلا شراً، فإن شربها قتلته، فلا يشربن منها قطرة)(51). وسئل الإمام الصادق عن الرجل يشرب النبيذ ليس يريد به اللذة وإنما يريد به الدواء، فقال: (لا، ولا جرعة) ثم قال: (إن الله لم يجعل في شيء مما حّرم شفاءً ولا دواءً)(52). وسئل(عليه السلام) عن المائدة إذا شرب عليها الخمر أو مسكر فقال: (حرمت المائدة…)(53).
الخمر في نظر الطب الحديث(54): قال الطب: الخمرة هي السائل الحاصل من تخمير بعض المواد كالقمح والشعير والذرة والأرز والعنب والتمر والبلح وكثير غيرها من الأثمار والفواكه والحبوب لمدة معينة. وان هذا السائل إذا شرب احدث في الدماغ والجهاز العصبي تنبيها ونشاطا موقتا، وبعث في النفس انبساطا وارتياحا فوريا ،ولكنه سائل فتاك يجري مع الحياة فيدمرها ،ويسيل مع الروح فينهكها. وقد ثبت أن الخمرة تتركب من الماء والكحول وجزء ثالث يسمى (كاندولين)، ومادة عفصية (أسيدتنيك)، ومن حامض الطرطريك، وحامض خلي، وثاني طرطرات البوتاس، وملح الصوديوم وغيرها مما تفصله الكتب الطبية الكيمياوية وكل ما ذكر من أجزائها التركيبية لا يضر كضرر (مادة الكحول) الفتاكة الموجودة في كل مسكر، والتي هي أساس أضراره، ومصدره شروره وأخطاره، لأنها تخثر زلال البدن وتجفف مائية الأعضاء بامتصاصها، وبذلك يحصل التغيير والتبديل في التركيب الكيماوي لمادة (البروتوبلازما) في حجيرات كل خلية من خلايا تلك الأعضاء كالدماغ والكبد والكلى. ومن اثر هذا التغيير تظهر أعراض السكر فتفقد الملكات العقلية ،وحينئذ يظنها الجاهل نشاطا فيسعى اختياراً إلى أتلاف جسمه وعقله كليا لهذا الابتهاج الموهوم الموقت. وقد اجمع الأطباء كافة على ان المادة الكحولية في كل مسكر سم قاتل، قوي الفتك، تحرمه قوانين الصحة ونواميس الطب لما يضم هذا المسكر بين خلاياه هذا العدو اللدود الذي لا يرحم الجسم ولا العقل. وقد يظن من يحتسي جرعات قليلة من الخمرة انه لا يلحقه منها ضرر بليغ وان أثرها ينتهي بانتهاء مفعولها الموقت ،لأنها تتبخر ولا يبقى منها شيء يضر، ولكنه لو نظر إلى داخل كبده ومعدته ورئتيه وأوعيته الدموية لدهش وراعه ما يرى من انحطاط قوى هذه الأعضاء وتلفها، ولعلم ان تلك الجرعة الخفيفة كيف أخذت تعدم مناعتها الفطرية، وكيف جعلتها مستعدة لقبول كل مرض أو ميكروب يداهمه وأزالت عنه كل مقاومة لصدها ومنعها. واليك الآن مجمل أضرارها(55)، فإنها تسيء الهضم، وتمدد المعدة وترخيها، وتؤثر على الدورة الدموية في سيرها إذ توسع الشرايين والأوردة، وتلهب الكلى والمثانة، وتورث الخلل في وظائف مطلق الأعضاء ،فيحصل من ذلك الأرق، وسرعة الانفعالات النفسية، والغضب، وشدة التأثر والتهيج لأقل حادث، ثم ضعف أعصاب الحركة فتختل في المشي والجري، مضافاً إلى أثرها البليغ في القوى العقلية، والأفعال المخية، من فساد في التصورات، وعدم استقامة في التصرفات وفوق ذلك أضرارها بإفساد لحجرات الخصيتين. وبالجملة فإنها أم الخبائث، وجرثومة الفساد، وأساس كل ضرر ومفتاح كل فاحشة، وبذرة كل مرض خطر، بل هي السوسة التي تنخر مجد الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع ثم الأمة بأسرها. فلا غرو إذا ما حرمها الدين الإسلامي الحكيم في قرانه العظيم إذ ينظر الإنسان بعين اللطف والخير. أما ما أشار إليه القران من المنافع، فليس هو من جانب صحة الجسم، فانه لو اتفق ان أفاد الفرد فانه ليضر الآلاف من متعاطية. نعم، لقد كان الخمر يوصف إلى عهد قريب كدواء مقو، أو مدر للبول، أو قابض للمعدة، وأحيانا للناقهين والمصابين بداء السكر والحميات المتقطعة، ولكن أخيراً اتضح لديهم: ان الكحول لا تشفي من مرض البتة، بل بالعكس تزيد في وطأة كثير من الأمراض، طبقاً لما ورد في حديث أهل البيت عليهم السلام: (لا شفاء في مسكر)(56). ولعل منافعها المشار إليها في القران هو ما يحصل للمعتصر والبائع والمّتجر وأمثالهم من الثروة والمال. نعم، قد تستعمل الكحول اليوم لدلك الجلد في بعض الأمراض، وأحياناً يستعمل قليل منه مع بعض المركبات الطبية. ولكن العاقل من سلم منه، وحفظ ماله وبدنه وشرفه وعرضه ودينه وأخلاقه، وإلا فسوف يقرع نابه ندماً ولات حين مندم.
أقوال الأطباء والحكماء في الخمر واليك كلمات بعض أساتذة الأطباء والحكماء من الغربيين وغيرهم: قال اوغلادستون: (إن مضار الخمر اشد وطأة من الآفات السماوية المهلكة، والأوبئة الجارفة، والقحط والحروب ). وقال أوزلر: (ان الخمرة افضل سماد المكروبات في البدن عند ابتلائه بأحد الأمراض. فالخمر سرطان في جسم الفرد أين ما وجد يجب أزالته وفصله). وقال الدكتور ظيفل: (ان الخمرة تؤثر أسوء تأثير على الجهاز العصبي حتى تورث الجنون) وقال المستر وليم ويلكوكس: (الكحول مادة تسمم خلايا الجسم الحية، وهو يؤثر مباشرة في الجهاز العصبي، والمخ، ويفسد ملكات الإنسان العليا كالحكم السديد والإدراك والضبط). وقال الأستاذ سمس وودهيد: (ان الكحول سم إجماعي) وقال السير اندرو كلارك: (أعتقد ان الصحة السليمة الجيدة تفسدها ولو جرعات قليلة من الكحول). وقال الدكتور حامد البدري – الطبيب المصري -: (ان الخمر تسبب تهيجاً في المعدة، وتؤثر في النبض وتزيد في دقات القلب وترفع الضغط، وتعرض شاربها للخطر وللموت البطيء، إذ يصاب بالشلل، وإنها تتلف الكبد، وتسبب ضموراً في خلاياها ونسيجها، واذا مرض الكبد تعرض الإنسان لأمراض كثيرة وبيلة). وقال الدكتور محمد وصفي – من مشاهير أطباء مصر -: (إن تأثير الخمر يقع على المراكز العصبية… إلى قوله: فيحدث الخمول في هذه الأعصاب، وينتهي الأمر بتخديرها، وتعطيل عملها من ثم يتسبب الموت). وقال طبيب ألماني: (اقفلوا لي نصف الحانات اضمن لكم الاستغناء عن نصف المستشفيات والسجون)(57). وقال حكيم فرنسا (ريشه): (إني لأعجب من الحكومات تمنع السموم ولا تمنع الخمور). وقال القائد الفرنسي – هنري -: (ان الخمور آخر سلاح لقتل المستعمرات وتمزيق شعورهم). وقال الدكتور – بوته -: (لا أعرف مرضاً أزاله الكحول)(58). هذه شهاداتهم ومشاهداتهم في الخمر، وهو قليل من كثير مما افاضت به الكتب والمؤلفات والنشرات… أفلا تكون عبرة لمن اعتبر، وذكرى لمن تعقل فازدجر؟ !! إحصاءات عن نتائج السكر(59) دلت الإحصاءات على ان ربع المرضى في مستشفيات فرنسا هم من المدمنين. وأن اكثر من نصف مرضى المجانين هم من المدمنين. وان 90 % من سكان مستشفيات الأمراض الزهرية في العالم من مرضى الكحول. وان 90% من المصابين بالأمراض الرئوية، كالسل، في مستشفيات فرنسا من مدمني الكحول. أن 49% من الجرائم ضد المتاع سببها السكر. وأن 51% من الجرائم ضد الناس سببها الخمر. وأن 41 % من مجموع الجراثيم سببها الخمر أيضاً. وأن إحصائيات شركات التأمين على الحياة تثبت قصر حياة شاربي الخمور. وأن 25% ممن أتلفوا أموالهم وصاروا يستجدون في الشوارع والأسواق هم من شراب الخمر. وأن 27% من الموجودين في الملاجئ منهم أيضاً. وأن 65% من الناس الذين عجزوا عن الأنفاق على عائلاتهم كان سبب عجزهم هو الخمر. هذا وإن الطب أثبت أن متعاطي الخمور هم اقل مقاومة للأمراض وعلى كل، فان أقوال المصلحين من الأطباء والعلماء والزعماء في النهي عنها ونصح الجهال عن معاقرتها، والتلوث بجراثيمها اكثر من أن تحصى، حتى أن كثيراً من الدول المتمدنة والجمعيات الإصلاحية حرمت الخمر، أودعت إلى تحريمها حرصاً على المصلحة العامة، وردعاً للأمم عن أخطارها، وأضرارها من الوجهة الصحية والأخلاقية والاجتماعية، مثل حكومة الافغان، وفنلندا، والنرويج، فإنها منعت من بيعها، ومثل بلجيكا فأنها منعت من شربها. وحرم بعض زعماء ألمانيا الخمر على نفسه ونصح الشعب بعدم تناولها لأضرارها. ومثل أمريكا فقد منعتها منعا باتا مدة من الزمن. واليك اعظم تقرير طبي لأعظم مؤتمر طبي مؤلف من (250طبيبا) من خيرة أطباء أمريكا واروبا الذي عقد في شيكاغو عام 1919م، نذكر لك بعض فقرات من تعريبه:- ان الاعتياد على تعاطي المشروبات الكحولية عظيم الضرر، كبير الخطر على التركيب الجسماني، إذ لاتمر الكحول بعضو من أعضاء هذا التركيب البديع الدقيق إلا ويلحق به ضررا ويحيق به آذى… إلى ان يقول: ان الاعتياد على تعاطي الكحول لمما يعجل الهرم، ويسرع بالمرء إلى هاوية الموت لأنه ينتج في الجسم تصلب الشرايين، وتضخم القلب… إلى ان يقول: ان الكلى يبطل عملها في تنظيف الجسم وتطهير الدم من الميكروبات حين يعتاد المرء شرب الخمر، وان مرض الكلى منتشر بين السكيرين. ثم يقول: ان الاعتياد على شرب الخمر يخرج الناس من الصحة إلى المرض، ومن النعيم إلى الشقاء، ومن القوة إلى الضعف، ثم يقول: ان هذا المؤتمر يحكم بان انتشار الخمور هادم لسعادة الأمم، ومقوض لبناء الأخلاق. نصيحة موجهة لشارب الخمر من المسلمين(60) انظر أيها المسلم إلى قول الله سبحانه، وأقوال رسوله وخلفائه صلوات الله عليهم أجمعين، وأقوال بعض الحكماء والأطباء بعين البصيرة، فقد أطلعناك على جملة منها. فهل تجد بعد هذا من صالحك احتساء هذا الشراب الخبيث ،والسم الفتاك الذي يطفئ منك نور الإيمان، ويجعلك من حزب الشيطان ويقضي على جسمك وصحتك الغاليين عندك، وعلى مجدك وسمعتك، وعلى ثروتك ومالك، وعلى اهلك وأولادك، فتكون مثال الشر والفسق بين أصحابك، وجرثومة العلل والأسقام بين ذويك. وكرة إبليس يلعب بك حيث شاء له العداء، فينتزعك دينك وعقلك ومالك وصحتك وشرفك، وقد يتركك ألعوبة بين الأطفال والأحداث يتقاذفونك في الشوارع، ويقذفونك بالأحجار بين الأوحال والاوشال، سخرية الصبيان وأضحوكة الشيطان، فتارة ملقى على مزبلة، وطورا في حفرة موحلة… أعجوبة المارين، وعبرة المتعظين، كحيوان خليع العذار.. لا كرامة له ولاوقار، قد خسر كل شي، وضاع منه كل شي، وتبرا منه كل شي، وهذا في الدنيا جزاء من أطاع عدوه واسلس له قيادة، وعصى ربه، وخالقه، ومرشده وهاديه. وأما في الآخرة فجزاؤه جهنم وبئس المصير، يصهر بها جلده حتى يطهر من تلك الجراثيم الكامنة فيه، ويستوفي منه حق التأديب، لعصيان بارئه وخالقه ومالكه قد (خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) [الحج/ 12]، فارفق بنفسك أيها المسلم الذي تعترف أن لك خالقاً ومكلفاً قد أرسل لك نبياً علمك حلاله وحرامه، وهو حاشرك وناشرك ومحاسبك على كل صغيرة وكبيرة:(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه(7)وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه) [الزلزال/ 8-9]. ارفق بنفسك أيها المسكين المغرور في هذه الدنيا الغرارة، وأنظر هل يصلح لك أن تلقي بنفسك في هذه الهلكة، لاكتساب لذة موهومة وساعة مشؤومة؟ كلا، ثم كلا. ما خلق الله سبحانه في الإنسان هذا العقل إلا ليميز به بين الضار والنافع، فيترك ذاك ويفعل هذا. وأنت تختار الضار وتفقد به عقلك وإدراكك الذي به تمتاز عن بهم الحيوان، فتكون أسوء حالا منها وتصبح كمن قال الله عنهم: (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا) [الفرقان/ 45]، لان الحيوان لا يهزأ به، لأنه لم يطفئ بنفسه نور عقله، ولم يوقع نفسه في طامورة الأمراض الفتاكة، فالله الله في نفسك وجسمك وعقلك ودينك واهلك وذريتك. أما نفسك وجسمك، فتكون في الدنيا بؤرة العلل والأسقام، وفي الآخرة طعمة العذاب والنار.. وأما اهلك فتسلمهم إلى خير كفيل، وهو الفقر المدقع، والويل المهلك. وأما ذريتك فتورثهم أمراضك. ونعم ما تخلف لهم حتى يتمنوا انك مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا.
نداء موجه إلى أولياء الأمور يا أولياء الأمور: إن أردتم الخدمة الصالحة لامتكم، والتقدم والرقي لشعبكم، فاسكبوا الخمور، في الحوانيت والقصور وأريقوها واقطعوا دابر الفساد بين العباد، وأنقذوا البلاد من هذه الأخطار. يا أولياء الأمور: إن أردتم أن تستريح المحاكم من اكثر المحاكمات في الأجرام الفظيع، وان تخلو السجون من الفسقة العابثين بالنفوس والأعراض والأموال، فسدوا حانات المسكرات، وأغلقوا نوادي الخمور. وأوصدوا رتاج التاجرين بما يمحق العقل والدين، ويسلب الصحة والثروة، والشرف والغيرة، واقطعوا دابر المفسدين لتنجوا البلاد من عيثهم وعبثهم. يا أولياء الأمور: ان أردتم زيادة الدخل في خزائن الدولة فاقضوا على مستنزفات الأرواح والأموال. فكم من مبتلى بأمر قد حرمت الخزينة من عوائد عمله وفوائد إنتاجه، وما يدره من كسبه وصناعته عليها. ثم صارت تصرف الأموال الطائلة عليه وعلى أمثاله الكثيرين في المستشفيات والمستوصفات ممن ذكرنا إحصاءهم آنفاً، ثم يبتر عمره فتخسره خسران الأبد. وكم من ثراء بدد في سبيل الخمور فانقطع وارده وضرائبه عن الخزينة واصبح مبدد ذلك الثراء من ذوي البطالة الذين هم عالة على الحكومة والمجتمع ؟ وكم من سجين ابتلت به الخزينة المسكينة فصارت تصرف عليه بعد ما كان يصرف من أرباحه إليها؟ وكم من قتيل أو جريح بأيدي العتاة السكارى الذين لا مانع لهم ولا وازع قد نقص من الأيدي العاملة التي كانت إحدى الأيادي اللاتي تكونت بها خزينة الدولة؟ وكم من عائلة سابت وصارت عالة على الحكومة والشعب، لان وليها الذي كان يكد لها قد التهمته أفواه البلايا والمنايا في الخمر والسكر، وترك بعده صبية يتضورون جوعا وعراء وفقرا، ومخدرات ابتذلن بعد الصون والمجد حتى قد يبلغ بهن الحال إلى ما تخجل منه جباه الإنسانية، وتنكس منه نواصي الشرف والعفاف كما وقع ووقع. وما وارد الخزينة من ضرائب المسكرات بالنسبة إلى هذه الخسائر الفادحة التي ذكرناها إلا النزر القليل. يا أولياء الأمور: ان أردتم ان تحكموا بحكم الله في هذه المشروبات السامة راس الفساد وأم الخبائث، فاسعوا في سن قانون يمنع استيرادها وتقطيرها وبيعها وشرائها بتاتا، وأريحوا النفوس والنفائس من هذه الجرثومة التي تنشر الأمراض وتوري نار الفتن، وتسبب الإخلال بالأمن، لتكونوا قد أسديتم بعملكم هذا خدمة تذكر وتشكر على مر العصور والأجيال. وكم من حوادث لا تحصى وقعت في البلاد بسبب شرب الخمر وارتكاب هذا المنكر ذهبت ضحيتها نفوس كثيرة، وأموال طائلة، ولقد اطلعت بنفسي على سكير ذي مال وثراء كانت عنده زوجة من أهل الشرف والعفاف، فكان يأتيها إلى داره وهو ثمل لا يعقل شيئا فيجمع جميع ثيابها وملابسها الفاخرة في وسط الدار فيحرقها ،فإذا أفاق من سكره أسف لذلك واشترى لها بدلها وهكذا حتى استنزفت ثروته، وطلقت منه زوجته (وخَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (61). يا أولياء الأمور: إن مما يوجب غضب الله وسخط رسوله والمؤمنين ان تفتحوا في أغلب الأقطار الإسلامية باب بيع الخمور على مصراعيه وتبيحوا للناس التكسب به، بحيث لا يكاد يجد الإنسان بلدة من بلاد المسلمين إلا القليل لاتباع فيها الخمور سراً أو أعلاناً، وحتى تكاد ان تحكم بأنها اكثر استعمالاً من الماء لبعض مستعمليها. أو بعد هذا وأضعاف أمثاله من المنكرات العلنية التي تسيخ منها الأرض يريد المسلمون أن يحظوا بالشرف، ويسودوا في الدنيا، ويثابوا في الآخرة، وينصروا على الأعداء، هيهات هيهات، (وَأَنَّى لَهُمْ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ). يا أولياء الأمور: هذه دول كثيرة، ومنها دولة أمريكا، قد حرمت الخمر – مدة من الزمن كما تعلمون – تحريماً عاماً وأذاعوا للملأ المنع من شربها بناءً على أمر الأطباء وعلى الاكتشاف الحديث(62) لأبناءً على تحريم الدين لها، لان دينهم بزعمهم لا يحرمها. وهذه معجزة إسلامية تؤيد ما جاء به نبينا محمد(صلى الله عليه و آله) من تحريم الخمر، وقد كسبت أمة أمريكا من تحريم الخمر ومنع شربها سعة في الرزق، وأمناً في البلاد، وقّل القتل والاعتداء، وازدادت الأموال بنسبة مطردة… والمسلمون الذين يحرم دينهم الخمر وتحريمه من ضروريات دينهم وعليه إجماعهم مع ذلك فانهم يعاقرونها صباحاً ومساءً ولا منكر، ولا مانع، حتى عم الفساد في الأقطار الإسلامية عامة. إلى أين الفرار ولا مفر*** أما في هذه الدنيا مقر لقد عم الفساد فلا صلاح*** ولكن كل ما في الكون شر وطبق هذه الدنيا ضلال*** تجرع سمّه بر وبحر وأنكرت النفوس الدين حتى*** كأن لم يأتها نهي وامر ولا عجب فان الدين حق*** وطعم الحق في الأفواه مر وما ديني هذا العصر إلا*** كمسجون على كفيه جمر
استفادة الحسن والقبح العقليين من الآية المبحوث فيها ذهبت الأشاعرة من أهل السنة إلى أن العقل لا يقضي بحسن شيء ما أصلاً، ولا بقبح شيء ما على الإطلاق. وعندهم أن الحاكم بالحسن والقبح في جميع الأفعال إنما هو الشارع لا غير، فما حسنه الشرع فهو الحسن عندهم، وما قبحه فهو القبيح، والعقل لا معّول عليه في شيء من ذلك بالمرة (63). وذهبت الشيعة الإمامية، ومن تبعهم من المعتزلة من أهل السنة إلى ثبوت الحسن والقبح العقليين. إذ من المعلوم بالبداهة العقلية على ان من الأفعال الإنسانية ما هو حسن في العقل قطعا، كالعدل والإحسان مثلا، ومنها ما هو قبيح قطعا كالظلم والعدوان. نعم هناك من الأفعال ما تعجز العقول عن العلم والجزم بحسنه أو قبحه ككيفية العبادات للخالق المتعال إذ لا مجال للعقل لإدراكها بخصوصياتها، فيكشف لنا الشارع المقدس عنها، فنأخذها من الشرع كما وردت، ويجب علينا الوقوف عنده، ومن هنا قيل: ان العبادة توقيفية، يعني: يجب ان نأخذها كما جاءت بها النصوص الشرعية، أما ما قيل: ان العقل لا يقضي بحسن شيء ما أصلاً ولا بقبح ما على الاطلاق، فهو قول مردود، وغير صحيح. لأن من الأفعال ما نعلم– علم اليقين – بحسنه، وترتب الثناء والثواب على فعله لصفة ذاتية له قائمة به، كالإحسان والعدل من حيث هما إحسان وعدل. ومنها ما نعلم بقبحه وترتب الذم والعقاب على فعله لصفته الذاتية القائمة به، كالإساءة والجور من حيث هما إساءة وجور. والعاقل يعلم ان ضرورة قاضية بذلك، وليس جزم العقلاء بهذا اقل من جزمهم بكون الواحد نصف الاثنين، والبداهة الأولية قاضية بالفرق بين من احسن إليك دائماً وبين من أساء إليك دائماً، إذ يستقل العقل بحسن فعل الأول معك، واستحقاقه للثناء والثواب منك على ما قام به من الإحسان لك، كما يستقل العقل بقبح فعل الثاني واستحقاقه للذم والقصاص. والمشكك في ذلك مكابر لعقله مخالف له ولو كان الحسن والقبح فيما ذكرنا شرعيين لا عقليين، لما حكم بهما منكرو الشرائع كالزنادقة والدهرية وسائر الملحدين، فانهم مع إنكارهم الأديان يحكمون بحسن العدل والإحسان ويرتبون عليهما ثناءهم وثوابهم، ولا يرتابون في قبح الظلم والعدوان، ولا في ترتب الذم والقصاص على فعلهما، ومستندهم في هذا إنما هو العقل لا غير … هذا حكم الفطرة التي فُطر الناس عليها، فان الله جلت قدرته، فطر عباده على إدراك بعض الحقائق بعقولهم، كما فطرهم على الإدراك بحواسهم ومشاعرهم. ففطرتهم توجب إن يدركوا بعقولهم حسن العدل ونحوه، كما يدركون بأذواقهم حلاوة العسل ومرارة العلقم، ويدركون بمشامهم طيب المسك ونتن الجيف ويدركون بملامسهم لين اللّين وخشونة الخشن، ويميزون بأبصارهم بين المنظرين: الحسن والقبيح، وبأسماعهم بين الصوتين: صوت المزامير وصوت الحمير، تلك (فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الروم/ 31]. وقد أراد الأشاعرة أن يبالغوا في الإيمان بالشرع والاستسلام لحكمه، فأنكروا حكم العقل، وقالوا: لا حكم إلا للشرع، ذهولاً منهم عن القاعدة العقلية المطردة – وهي: (كل ما حكم به العقل حكم به الشرع ولا عكس)(64). وإنما قلنا: ولا عكس، لأن هناك أفعالاً جاء بها الشرع في العبادات بكيفيات مخصوصة، وأوقات معينة لا مجال للعقل إلى إدراكها ككيفية الصلوات وأوقاتها، وكيفية الحج، ووقته، وكيفية الصوم وأحكامه… وهكذا. وهذه العبادات هي التي يجب أن نأخذها من الشرع في الكيفية التي جاء بها والأوقات التي عينها والأحكام التي شرعها، سواء أدركنا بالعقل أو العلم حسنها وفلسفتها أم لم ندرك. وما عدا ذلك فان العقل يستقل في إدراك المحاسن والقبائح في العقائد والأخلاق، وبالعقل يعلم الإنسان أن له خالقاً وموجداً، مدبراً وحكيماً، لطيفاً وخبيراً، والذي يسقط العقل عن إدراكه لهذه الحقائق وأمثالها، لا يستطيع أن يثبت الشرع الشريف بالدليل والبرهان، لان الاستدلال على ذلك بالأدلة الشرعية يكون استدلالاً دورياً باطلاً، لا تتم به حجة، ولولا سلطان العقل لكان الاحتجاج بالعقل مصادرة بل لولا العقل ما عبد الله عابد، وما عرفه من خلقه كلهم واحد. وتفصيل الكلام في هذا المقام موكول إلى مظانه من مؤلفات علمائنا الأعلام في علم الكلام. وعلى كل، الثابت أن للعقل سلطاناً وحكماً في تمييز العقائد والأفعال، الحق منها والباطل، والحسن والقبيح، والنافع والضار، والفضيلة والرذيلة، والخير والشر، والمعروف والمنكر، والطيب والخبيث ومن هنا جاءت الآيات القرآنية الكثيرة تناشد العقل البشري في تمييز هذه الأمور، والتحلي بالمحاسن منها، والتخلي عن المساوئ:(قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [الزمر/10]، (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة/ 104]، (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [الجاثية/ 22]. ومن الآيات الكثيرة التي تثبت الحسن والقبح العقليين، هذه الآية المبحوث فيها فان قوله تعالى في صفات نبينا(صلى الله عليه و آله): (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) يدل على أنه(صلى الله عليه و آله) يأمرهم بالمعروف بما هو معروف في ذاته بالعقل السليم، وينهى عن المنكر بما هو منكر في ذاته بالعقل السليم، وكذلك يحل لهم الطيبات بما هي طيبات في حقيقتها وذواتها. ويحرم عليهم الخبائث بما هي خبائث في حقيقتها وذواتها. قال السيد محمد رشيد رضا في تفسيره (المنار)(65): (قوله: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ)… والمعروف ما تعرف العقول السليمة حسنه وترتاح القلوب الطاهرة له لنفعه وموافقته للفطرة والمصلحة بحيث لا يستطيع العاقل المنصف، السليم الفطرة أن يرده أو يعترض عليه إذا ورد الشرع به. والمنكر ما تنكره العقول السليمة، وتنفر منه القلوب، وتأباه على الوجه المذكور أيضاً. وأما تفسير المعروف بما أمرت به الشريعة، والمنكر بما نهت عنه فهو من قبيل تفسير الماء بالماء…). هذا وقد جاء العلم الحديث، والاكتشافات الدقيقة مؤيدة لما دل عليه العقل والشرع أيضاً كما قرأت في بحوث هذه الصفات الأربعة فراجعها بتدبر وإمعان. وهذه هي دعوة الحق، دعوة أنبياء الله إلى أممهم، وهي معاكسة ومخالفة لدعوى الدجالين والمبطلين، الذين يدعون باسم الدين إلى ما يوافق أهواءهم وشهواتهم وأهواء الناس وشهواتها من كل منكر وقبيح وظلم وبغي وفساد(66) وقد قيل لأعرابي – وقد اسلم على يد النبي(صلى الله عليه و آله) بعد أن عرف بعقله أحقية دعوته، وأنه رسول الله حقاً -: لأي شيء أسلمت ؟ وماذا رأيت منه مما دلك على صدقه وأنه رسول الله ؟ فقال: ما أمر بشيء فقال العقل ليته نهى عنه، ولا نهى عن شيء فقال العقل: ليته أمر به، ولا احل شيئاً فقال العقل ليته حرمه، ولا حرم شيئاً فقال العقل ليته أباحه (67)، وأنت ترى أن هذا الأعرابي مع سلامة فطرته، وصحة عقله، برهن على أحقية دعوة النبي(صلى الله عليه و آله) بأن كل ما جاء به من الأوامر موافق لكل ما هو حسن في العقل، ولا يتمنى العقل النهي عنه وكل ما جاء به من النواهي موافق لما هو قبيح في العقل ولا يتمنى الأمر به، وكذلك ما أحله وما حرمه. فيا أيها المسلمون، ويا أيها الناس: ما أعظم هذا الدين، وما أسعد المتمسكين به، وما أشقى التاركين له، والمخالفين لأوامره ونواهيه، الذين تغلبت شهواتهم السقيمة على عقولهم السليمة، حتى صاروا لا يميزون بين الحسن والقبيح، والنافع والضار، والمعروف والمنكر، والطيب والخبيث، أو انهم يميزون ولكنهم يخالفون عقولهم ويتبعون شهواتهم واهواءهم. (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ(69)أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ(70) وَلَوْ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ) [المؤمنون/ 70-72]. يقول الأستاذ سيد قطب في تفسيره (في ظلال القرآن) معلقاً في الذيل على قوله تعالى: (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ): (…إشارة إلى إن التحليل أو التحريم في الشريعة الإسلامية يرجع إلى ذات المحلل والمحرم. فالطيب يحل والخبيث يحرم. ولا يكون التحريم عقوبة كما يقع لبني إسرائيل، وتقرير لحقيقة هامة وهي أن كل ما حرم في الإسلام فهو خبيث بذاته أو في المجتمع، ولو علم الله انه طيب لأحله، لأن هذه قاعدة التحليل والتحريم. وإذاً فليس هنالك من حرمان في اجتناب المحرم، فالحرمان لا يكون إلا من الطيب لا من الخبيث… ثم قال: وهناك خلاف أصولي في الموضوع، وهذا هو اختيارنا)(68) وهكذا كثير من أهل السنة وافقونا أخيراً في إثبات الحس والقبح العقليين، وأن الشرع يتمشى دائماً مع العقل جنباً إلى جنب، فما حكم به العقل حكم به الشرع. (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل/ 90].
|
1- ج1 ص 252 ط صيدا. 2- البقرة / 168. 3- ج4 ص299 ط مطبعة الخيرية الأولى بمصر. 4- أي إلا ان يأتي دليل من الشرع يدل على الحرمة، والأدلة الشرعية هي الكتاب، والسنة، والإجماع، والعقل، لا اتباع الهوى والرأي، والاستحسان، والقياس. 5- لا دليل في الشرع على حلية الخبائث أياً كان نوعها إلا عند الاضطرار (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا أثم عليه). 6- تفسير المنار ج9 ص228 ط الثانية إصدار دار المنار 1367. 7- نقل القول عنهم محمد رشيد رضا في تفسيره (المنار) ج6 ص60. 8- الاحتجاج لشيخنا الطبرسي ج1 ص 57، والبحار ج9 ص 292 و ج16 ص 329. 9- جاء في حديث النبي (ص): (لا رهبانية و لا سياحة). 10- غيران جمع غار مثل نيران جمع نار. 11- كما في مجمع البيان ج3 ص236. 12- روضة البحار ج78 ص321، وص346 عن فقه الرضا (ع) 13- أقرأ الفصل الآتي: حكمة تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير وأنهن من الخبائث. 14- راجع مجمع البيان ج2 ص 252 ط صيدا، ومفاتيح الغيب للفخر الرازي ج3 ص 457، والمنار ج7 ص 203، والميزان ج6 ص 171 وغيرها من كتب التفاسير. 15- قال شيخنا الطبرسي في مجمع البيان ج2 ص 252: وقال المفسرون وروى ابن عباس عن النبي (ص) ان عمرو بن لحي بن قمعة ابن خندف كان قد ملك مكة وكان أول من غير دين إسماعيل واتخذ الأصنام ونصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي قال رسول الله‚ فلقد رايته (أي ليلة الإسراء) في النار يؤذي أهل النار ريح قصبه، ويروى يجر قصبة في النار. 16- راجع فروع الكافي ج6 / 242 –437. 17- ج1 / 291، في تفسير سورة المائدة، ورواه شيخنا الصدوق في علل الشرائع ص483 عن أبي جعفر الباقر (ع) من طريقين، ورواه شيخنا الكليني في (فروع الكافي) ج/ 242. 18- الكلب بفتحتين: شدة الحرص، وداء يعرض للإنسان يشبه الجنون. 19- الآية المصرحة بأن المراد من الدم هو المسفوح، في سورة الأنعام/145. 20- وهي من الآيات النازلة في نبينا وأهل بيته صلوات الله عليهم، كما استفاض النقل بذلك من طرق الفريقين راجع كتاب (إحقاق الحق) ج 3 / 296 – 299، لتقف على مصادر نزولها فيهم (ع). 21- (الطفل بين الوراثة والتربية) ج 1 / 246، تأليف: الشيخ محمد تقي فلسفي، وتعريب: فاضل الحسيني الميلاني، نقلاً عن (مستدرك الوسائل) للمحدث النوري ج3 / 71. 22- والخمر: ما يخمر العقل، أي يغطيه من كل مسكر مائع عمل بالتخمير. والميسر هو القمار مطلقا. والأنصاب هي الأصنام أو الحجارة التي كانت تنصب لذبح القرابين عليها للأصنام، وكانت تحترم ويتبرك بها. والأزلام هي الأقداح التي كانت يُستقسم بها، وهي نوع من أنواع القمار، المعبر عنه اليوم بـ (اليانصيب). 23- راجع تفسير المنار، ج7 / 65. 24- ج6 / 406، كما في (البحار) ج48 / 149. ورواه العياشي في (تفسيره) برقم 38 من تفسير سورة الأعراف ،ج2 / 17. 25- روضة البحار، ج77 / 145. 26- فروع الكافي، ج6 / 403. 27- فروع الكافي، ج6 / 408. 28- المصدر السابق. 29- تذكرة الخواص، ص376، وفيه سند الحديث. 30- أخطار المسكرات لسماحة العلامة الحيدري، ص12. 31- المغريات العشر للعلامة الشيخ محمد الخليلي، ص28. 32- فقرات من وصية رسول الله (ص) الطويلة لأمير المؤمنين (ع) وهي من الوصايا الجامعة النافعة، تجدها في كتاب (مكارم الأخلاق) لشيخنا رضي الدين الطبرسي من ص 500إلى ص 519، وتجدها في (بحار الأنوار) لشيخنا المجلسي ج77 / 46- 61. 33- روضة الواعظين، ج2 / 535، و (فروع الكافي) ج6 / 396. 34- نفس المصدر. 35- الكافي، ج6/398. والبحار ج79/126. 36- الكافي، ج6 / 403. 37- المصدر السابق، و (بحار الانوار) ج79 / 140. 38- الكافي ،ج6 / 398. 39- الكافي ،ج6 / 396 والصديد: القيح والدم. 40- الكافي ،ج6 / 403. 41- بحار الانوار، ج79 / 141، والكافي ج6 / 429. 42- المحجة البيضاء، ج7 / 34. 43- أخطار المسكرات للعلامة الحيدري، ص16. 44- تفسير العياشي ج1 / 291، ورواه شيخنا الصدوق في (علل الشرائع) عن ابي جعفر الباقر (ع) من طريقين، ص484، ورواه عن الصادق ص 476. 45- فروع الكافي، ج6 / 395. 46- كتاب التوحيد لشيخنا الصدوق، ص 243. والبحار ج79 / 135. 47- علل الشرائع ص 475، و (عيون اخبار الرضا) ج2 / 98. 48- علل الشرائع ص 476، والبحار ج79 / 133. 49- الحد الشرعي لشارب الخمر وكل مسكر من أنواعه القديمة أو الحديثة إذا كان الشارب بالغاً عاقلاً عالماً عامداً مختاراً غير مكره ولا مضطر، هو ضربه عارياً (ثمانين جلدة) على ظهره وكتفه ولو تاب قبل قيام البينة عليه بذلك سقط الحد عنه، ويكرر الحّد عليه إذا عاد حتى ثلاث مرات، فلو عاد إليه قتل. 50- المصدر السابق، ص 547. 51- البحار ج79 / 137، وتفسير العياشي ج1 / 74. 52- الكافي ج6 / 413. 53- المصدر السابق ص 429. 54- أخذنا هذا المقال من كتاب (القرآن والطب الحديث) ص 279، لمؤلفه فقيد العلم والأدب والطب، النطاسي المحنك الشيخ محمد الخليلي تغمده الله برحمته. 55- (القران والطب الحديث) ص279. 56- (المغريات العشر) للعلامة الخليلي، ص 36. 57- نقلنا هذه الكلمات التسع من كتاب (إخطار المسكرات) لسيدنا سماحة العلامة الحجة السيد علي نقي الحيدري، إمام جامع التميمي في الكسرة، ص18، 19. وهو الكتاب الأول من منشورات مكتبة أهل البيت العامة في بغداد. 58- الكلمات الثلاث الأخيرة نقلناها من كتاب (المغريات العشر) ص31، للشيخ محمد الخليلي (ره). 59- نقلناها عن كتاب (أطار المسكرات) للعلامة الحيدري. 60- نقلناها عن كتاب (أخطار المسكرات ). 61- كتاب (أخطار المسكرات). 62- راجع: (المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية)، تأليف: الدكتور عبد الكريم زيدان، ص42، الطبعة الثالثة. 63- المراجعات، ص 256، المراجعة 75 من مراجعة الشيخ سليم البشري المالكي، شيخ الجامع الأزهر في عصره. 64- المراجعات، لسيدنا شرف الدين، ص 259، المراجعة 76 - بتصرف. 65- ج9 / 227. 66- ومن ذلك – وما أكثر ذلك – ما دعى إليه البابا (بولس السادس) من إدخال الغناء في الكنائس، والموسيقى التي هي اكثر حيوية وعزفاً على الأورغن، ويدعو إلى: ضرورة وجود عدد اكبر من النساء المنشدات في الكنائس ضمن الجوقة وعلى أنفراد، ويريد للمؤمن: ان يغني خلال الصلاة بدلاً من العبادة الصامتة، ويفرض على القسيسين: ان يتأكدوا من ان المؤمن يعرف كيف يقرأ ويغني باللغة اللاتينية في تلك الأجزاء التي يعهد له غناءها من القداس، ويقول: ينبغي الإكثار من الآلات الموسيقية، وعلى العازفين ان يعينوا المصلين على المشاركة والإحساس بالأناشيد المغناة، ويوصي ايضاً: بغناء قطع موسيقية مختارة بعناية دقيقة من قبل جميع الحاضرين في الأعراس ومجالس التعزية، ويقول: ان مساهمة المؤمنين ينبغي ان تكون ظاهرة بالإشارة والحركات الجسمية. وقد جاءت آراء البابا هذه وغير هذه في كتاب جديد نشرته الفاتيكان، ويتألف الكتاب من تسعة فصول و69 صفحة، ويتضمن تعاليم الموسيقى في الكنائس. نشرت هذا وغير هذا جريدة المنار العراقية في12 / 3 / 1967 م في الصفحة الثالثة بعناوين بارزة منها: (البابا يقول للكاثوليك :غنوا في الكنائس) مع تصوير البابا رافعاً يده للدعوة إلى هذه العبادة. وهكذا (شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) [سورة الأنعام/113- 114]. (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) [سورة لقمان /7]. راجع (الكافي) ج6 / 431، باب الغناء. ففيه 25 حديثاً، لترى حقيقة الغناء وعاقبته. وآخر حديث فيه أن رجلاً أتى ابا جعفر (ع) فسأله عن الغناء، فقال: يا فلان إذا ميز الله بين الحق والباطل فأنئ يكون الغناء ؟ فقال مع الباطل، فقال (ع): قد حكمت. 67- أصول المعارف، للعلامة المجاهد السيد محمد الكاظمي القزويني، ص 44. 68- في ظلال القرآن، ج9 / 47. |