النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين‏

السيد حسين الطالب

 

 

الكتاب: النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين‏

المؤلف: السيد حسين طالب‏

الوفاة: معاصر

عدد المجلدات الواقعية: 1

عدد المجلدات المجازية: 1

اللغة: عربي‏

الموضوع: السيرة النبوية

الناشر: مؤسسة الأعلمي‏

محل النشر: بيروت‏

سنة النشر: 1419 ق‏

الطبعة: الأولى‏

إعداد : موقع الغدير

 

                       الفهرست‏

                        

الإهداء 7

المقدمة 9

الفصل الأول: فلسفة الصلاة على محمّد وآل محمّد 17

تمثل الشكر والمعرفة 19

التصديق بالروايات الشريفة 21

معرفة النبي (ص) والأئمة (ع) 22

علّة الخلق 24

أول الخلق 28

أفضل الخلق 30

الواسطة في الفيض 38

لهم الولاية التشريعية والتكوينية 40

حديث: معرفة الإمام بالنورانية 72

تمثل الارتباط بالمعصومين (ع) 79

تمثل الولاية والبراءة 81

تكملة في التبرّي من الكفّار 87

الدلالة على الإمامة 89

الفصل الثاني: معنى الصلاة على محمّد وآل محمّد 91

آل محمّد 96

الفصل الثالث: خواص الصلاة على محمّد وآل محمّد 107

1- تلبية نداء اللّه تعالى ورسوله 109

2- أنها من تمام الصلاة 110

3- زيادة الحسنات 111

4- أنها من أفضل الأعمال 117

5- تثقل الميزان 120

6- كفّارة الذنوب 124

7- الخروج من الظلمات إلى النور 127

8- أنها ترفع النفاق 130

9- تطرد الشياطين 132

من هو الشيطان 133

شياطين الجن والإنس 135

عداوة الشيطان 136

ما يطرد الشيطان 141

10- توجب محبة اللّه تعالى والقرب من النبي (ص) 149

التقرّب بالإيمان والعمل الصالح 151

الطاعة للّه تعالى وترك المعصية 154

الاتباع اللفظي والعملي للنبي وآله المعصومين (ع) 156

حب الرسول وأهل بيته (ع) 159

11- أنها تعين على أهوال الآخرة 160

12- أنها من موجبات الشفاعة 161

معنى الشفاعة 161

الشفعاء في القيامة 161

من يشفع له 164

مراتب الشفاعة 165

13- أنها توجب استجابة الدعاء 167

شروط استجابة الدعاء 169

14- أنّها توجب قضاء الحوائج 174

15- توجب التذكّر بعد النسيان 175

16- تزيل الفقر وتورث الغنى 176

17- تورث العافية 177

18- توجب رؤية النبي (ص) أو أحد الأئمة أو الموتى في المنام 179

الفصل الرابع: فائدة الصلاة على محمّد وآل محمّد 181

من يستحق اللعن 191

فائدة اللعن 192

الفصل الخامس: أحكام الصلاة على محمّد وآل محمّد 195

الصلاة على محمّد وآله في الصلاة الواجبة 198

في خطبة صلاة الجمعة 200

مواضع الاستحباب 201

1- كلّما ذكر النبي (ص) 201

2- عند الركوع والسجود 202

3- في القنوت 203

4- عقيب الصلاة 203

5- بعد صلاة الفجر 204

6- في سجدة الشكر 204

7- قبل النوم 205

8- عند الاستخارة 206

9- عند الدخول إلى المسجد والخروج منه 206

ثوابها في مواقع عديدة 206

في كل مجلس 206

ختام الكلام والخطابة 208

في الكتاب 209

عند شمّ الرياحين والورود 212

عند العطاس 212

في كل يوم 214

عشية الخميس وليلة الجمعة 214

يوم الجمعة 215

تكملة في حكم الصلاة على سائر الأنبياء (ع) والأوصياء 216

الصلاة على الأولياء والعلماء والمؤمنين 217

تعليم الأولاد الصلاة على محمّد وآل محمّد 219

الفصل السادس: كيفية الصلاة على محمّد وآل محمّد 223

تقديم الصلاة على النبي (ص) إذا ذكر أحد الأنبياء (ع) 225

الصلاة البتراء 226

الخاتمة في الصلوات في الأدعية الشريفة والأشعار 235

أشعار الشيخ عبد المنعم الفرطوسي من كتاب «ملحمة أهل البيت» 275

أهم مصادر الكتاب‏ 286

الفهرست 288

 

نبذة عن الكتاب :

النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين‏

كتاب يتحدث عن فضل الصلاة على محمد وآله محمد عليهم أفضل الصلاة والسلام بالاستناد إلى المصادر الشيعية والسنية.

يتألف الكتاب من مقدمة وستة فصول وخاتمة:

الفصل الأول: فلسفة الصلاة على محمّد وآل محمّد.

يذكر المصنف في هذا الفصل بأن الصلاة على محمّد وآل محمد تمثل العلاقة والصلة بين العبد والمعبود، وبين الموالي وأولياء النعمة والهداية. ويشير إلى أن هذه الذوات المقدسة هم علة الخلق وأول الخلق وأفضل الخلق والواسطة في الفيض. كما ويشير إلى قصة عجيبة وهي أنه تم العثور على بقايا من سفينة نوح عليه السّلام في "الجودي" المعروف باسم "آرارات" وهو أرفع الجبال في أرمينستان وواقع على حدود تركيا وإيران وأرمينيا، وعلى ألواح خشبية منها لم تتفسّخ رغم مرور آلاف السنين عليها وقد نقش عليها توسّل النبي نوح عليه السّلام بالخمسة أهل الكساء عليهم السلام.

الفصل الثاني: معنى الصلاة على محمّد وآل محمد.

الفصل الثالث: خواص الصلاة على محمّد وآل محمد. ومنها: تثقل الميزان، كفّارة الذنوب، الخروج من الظلمات إلى النور، أنها ترفع النفاق، تطرد الشياطين، توجب محبة اللّه تعالى والقرب من النبي (ص) وردّه السلام و...

الفصل الرابع: فائدة الصلاة على محمد وآل محمد. يذكر المصنف في هذا الفصل بأنه وقع الكلام بين الأعلام في أنّ فائدة الصلاة على محمّد وآل محمّد هل تعود إلى المصلّي - من الناس - أم إلى النبي وآله الطاهرين؟

فذهب الأكثر - بشهادة السيد عبد اللّه شبّر - إلى أن الفائدة تعود إلى المصلّي فحسب، لأنّ النبي والأئمة عليهم السّلام قد بلغوا من الكمال، والفضل، مرتبة لا يمكن الزيادة عليها. وقال بعضهم: إن الصلاة عليهم سبباً لزيادة قربهم وكمالاتهم، زيادة على القرب والكمال الذي وصلوا إليه. لأنّ درجات القرب لا تقف عند حدّ، وكل درجة فوقها درجة. كما وتحدث في هذا الفصل عمن يستحق اللعن وعن فائدة اللعن أيضاً.

الفصل الخامس: أحكام الصلاة على محمد وآل محمّد.

الفصل السادس: كيفية الصلاة على محمّد وآل محمّد.

الخاتمة: الصلوات في الأدعية الشريفة والأشعار المنظومة.

 

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:7

الإهداء

إلى سيد الكائنات وخاتم الأنبياء والمرسلين أهدي هذا الكتاب راجيا منه القبول، والشفاعة يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:8

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ‏

أمر اللّه تعالى المؤمنين، بأمر بدأه بنفسه فقال:

إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56)

 (الأحزاب: 56).

         يا آل بيت رسول اللّه حبّكم             فرض من اللّه في القرآن أنزله‏

          كفاكم من عظيم القدر أنكم             من لم يصلّ عليكم لا صلاة له‏

 «اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، وبارك على محمّد وآل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم».

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:9

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم‏

المقدمة

الحمد للّه ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبيّنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين.

و بعد:

إذا حاز الإنسان على مجموعة من الصفات الوراثية والتربوية التي تميّزه عن الاخرين، يوصف بأنه ذو شخصية مستقلة ومؤثّرة على من حولها من المحيط الاجتماعي، ويقابله الإنسان الذي لا تأثير له على غيره ...

و كلما كانت الشخصية عظيمة وقوية، فإنها تكون أقدر وأقوى في التأثير على المحيط الاجتماعي، بحيث أنها قد تعظم إلى درجة تتخطى تأثيرها على من يوجد معها في الزمان والمكان، وبالتالي تتحول إلى شخصية خالدة بخلود الدنيا ومن عليها.

و من أبرز هذه الشخصيات الخالدة خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد الأولين والاخرين، حبيب ربّ العالمين محمد بن عبد اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم.

فقد تجمّعت في هذه الشخصية- التي صنعها اللّه تعالى- كل معاني الجلال والجمال، والكمال، والفضيلة ... قال الشاعر:

         فاق النبيين في خلق وفي خلق             ولم يدانوه في فضل وفي كرم‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:10

         وكلّ من رسول اللّه مرتشف             غرفا من البحر أو رشفا من الديم‏

          بلغ العلا بكماله             كشف الدجى بجماله‏

         حسنت جميع خصاله        صلّوا عليه وآله‏

 لقد استطاع النبي محمد صلى اللّه عليه واله وسلم أن يوجد أمة حضارية قائمة على العلم، والفكر، والحرية، والمساواة، والديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان ..،

بعد أن كانت تعيش الجاهلية والظلامية في جميع مجالات حياتها ... يقول:

 «ويل ديورانت» في كتابه المعروف ب «قصة الحضارة»:

 «و إذا ما حكمنا على العظمة بما كان للعظيم من أثر في الناس قلنا إنّ محمدا كان من أعظم عظاماء التاريخ، فقد أخذ على نفسه أن يرفع المستوى الروحي والأخلاقي لشعب ألقت به في دياجير الهمجية حرارة الجو وجدب الصحراء وقد نجح في تحقيق هذا الغرض نجاحا لم يدانه فيه أي مصلح آخر في التاريخ كله ... ودين بلاده القديم دينا سهلا واضحا قويا .. واستطاع في جيل واحد أن ينتصر في مائة معركة، وفي قرن واحد أن ينشى‏ء دولة عظيمة، وأن يبقى إلى يومنا هذا قوة ذات خطر عظيم في نصف العالم».

و قد اعتبر الدكتور «مايكل هارت» وهو عالم فلكي رياضي في هيئة الفضاء الأميركية في كتابه «المائة الأوائل .. وهو تقويم لأعظم الناس أثرا في التاريخ» النبي محمد صلى اللّه عليه واله وسلم في المرتبة الأولى من عظاماء التاريخ البشري في حين أنه مسيحي لم يولد في بيئة المسلمين، ولم يتأثر بعاداتهم وتقاليدهم، ففي كتابه يقول: «إن اختياري لمحمد ليكون في رأس القائمة التي تضمّ الأشخاص الذين كان لهم أعظم تأثير عالمي في مختلف المجالات، إن هذا الاختيار ربما أدهش كثيرا من القرّاء إلى حدّ أنه قد يثير بعض التساؤلات، ولكن في اعتقادي أنّ محمّدا كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا المستويين الديني والدنيوي.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:11

لقد أسس محمد ونشر أحد أعظم الأديان في العالم، وأصبح أحد الزعماء العالميين السياسيين العظام، ففي هذه الأيام وبعد مرور ثلاثة عشر قرنا تقريبا على وفاته فإنّ تأثيره لا يزال قويا وعارما ومتجددا ..».

و يقول الكاتب الكبير برنارد شو:

 «إنّي أكنّ كل تقدير لدين محمد صلى اللّه عليه واله وسلم لحيويته العجيبة فهو الدين الوحيد الذي يبدو لي أن له طاقة هائلة لملاءمة أوجه الحياة المتغيرة، وصالح لكل العصور، لقد درست حياة هذا الرجل العجيب وفي رأيي أنه يجب أن يسمّى منقذ البشرية».

و لهذه الصفات الجليلة التي تجمّعت في النبي صلى اللّه عليه واله وسلم فقد كرّمه اللّه تعالى بكرامات عديدة، وخصّه بمزايا جليلة، وحباه بفضائل كثيرة، وأعطاه من المقامات العالية ما لم يعطه لأحد من قبله، ولا من بعده، حتى للأنبياء والمرسلين عليهم السّلام.

فأعطاه الوسيلة، والدرجة الرفيعة، والمقام المحمود، والكوثر ...

و فضّله بأن رفع ذكره في الدنيا والآخرة قال تعالى: وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (الانشراح: 2) فلا يذكر اللّه تعالى بالتوحيد، إلّا ويذكر- من بعده- محمّد صلى اللّه عليه واله وسلم بالرسالة والنبوّة ... «1»

__________________________________________________

 (1) من لطيف ما يحكى في حياة الشيخ الرئيس ابن سينا، أن بهنيار قال له: لماذا لا تدّعي النبوة، وأنت إذا ادّعيت النبوة فستخضع لك الرقاب فقال له ابن سينا: سأجيبك على هذا السؤال فيما بعد، ومضى زمان عند هذا الحديث إلى أن كان بهنيار والشيخ في همدان وقد ناما في غرفة واحدة، وكان الفصل الشتاء، وعند السحور طلع المؤذن وأذن للصلاة. فقال الشيخ لتلميذه بهنيار إذهب وائتني بالماء للشرب، فصار التلميذ يتعلّل وينحت الأعذار لئلا يغادر فراشه الدافى‏ء .. فقال له الشيخ: الان أجيبك عن سؤالك عن دعوى النبوّة فاعلم أن النبي شخص ولو مضت على دعوته أربعمائة سنة فإنّ لنفسه تأثيرا بحيث-

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:12

و بأن كلّمه على بساط النور عند سدرة المنتهى ليلة الإسراء والمعراج.

و لم يناده اللّه تعالى باسمه، وإنما ناداه بأشرف الأوصاف فقال تعالى:

يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ (المائدة: 67) وقال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ (الأنفال: 64).

مع أنه تعالى في مقام الخطاب مع الأنبياء عليهم السّلام قد ناداهم بأسمائهم فقال تعالى: يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ (البقرة: 35)

و قال تعالى: يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا (هود: 48).

و قال تعالى: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا (هود: 76).

و قال تعالى: يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً (ص: 26).

و قال تعالى: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي (المائدة: 110).

بل إنه تعالى قد قدّم اسمه على أسماء سائر الأنبياء من أولي العزم في قوله عزّ وجل: وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى‏ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (الأحزاب: 7).

 «فقد ذكر سبحانه النبيين بلفظ عام يشمل الجميع ثم سمّى خمسة منهم بأسمائهم بالعطف عليهم، ولم يخصّهم بالذكر إلّا لعظمة شأنهم ورفعة مكانتهم، فإنهم أصحاب الشرائع، وقد عدّهم على ترتيب زمانهم، لكن قدّم النبي محمّد صلى اللّه عليه واله وسلم وهو آخرهم زمانا لفضله وشرفه وتقدّمه على الجميع» «1».

__________________________________________________

- أنه وفي هذا الوقت البارد يذكرونه على المئذنة، وأنا الان معك وأنت من خواص أصحابي آمرك أن تأتي لي بشربة ماء ولا تؤثّر نفسي فيك حتى بمقدار أن تجيا بني على ذلك فكيف أدّعي النبوة». (راجع قصص العلماء للتنكابني ص 340).

 (1) مفاهيم القرآن للسبحاني: ج 7 ص 18.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:13

و قد زكّاه اللّه تعالى بقوله: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (الأنبياء: 107).

و زكّى دينه فقال: إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى‏ (النجم: 4).

و زكّى عقله فقال: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى‏ (النجم: 2).

و زكّى جليسه فقال: عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى‏ (النجم: 5).

و زكّى فؤاده فقال: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى‏ (النجم: 13).

و زكّى بصره فقال: ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى‏ (النجم: 17).

و زكّى لسانه فقال: وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏ (النجم: 3).

و زكّى خلقه فقال: إِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ (العلم: 5).

و أي إنسان يصل إلى مقام تزكية الخلق من قبل ربّ العالمين، إلّا ذاك الرسول الكريم صلى اللّه عليه واله وسلم الذي أدّبه ربّه فأحسن تأديبه، والذي تخلّق بأخلاق القرآن الكريم.

روي أن يهوديا من فصحاء اليهود جاء إلى أمير المؤمنين عليه السّلام وقال له: أخبرني عن أخلاق رسولكم، فقال له الإمام علي عليه السّلام: صف لي متاع الدنيا حتى أصف لك أخلاقه.

فقال اليهودي: هذا لا يتيسر لي.

فقال الإمام علي عليه السّلام: عجزت عن وصف متاع الدنيا، وقد شهد اللّه على قلّته حيث قال: قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ فكيف أصف لك أخلاق النبي صلى اللّه عليه واله وسلم وقد شهد اللّه تعالى بأنه عظيم حيث قال: وَإِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظِيمٍ «1».

و من هذه الكرامات التي أعطاها اللّه تعالى لرسوله الأعظم صلى اللّه عليه واله وسلم أنه تعالى جعل الصلاة عليه واجبة في كل صلاة، فقال عزّ وجلّ: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ‏

__________________________________________________

(1)    فضائل الخامسة من الصحاح الستة: ج 1 ص 141 ..

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:14

يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (الأحزاب: 57).

و هذا تكريم لم يحظ به أحد من الأولين والاخرين حتى من الأنبياء المعصومين عليهم السّلام.

فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه قال في جواب اليهودي، الذي سأله عن فضل النبي صلى اللّه عليه واله وسلم، على سائر الأنبياء عليهم السّلام، فذكر اليهودي أن اللّه أسجد ملائكته لادم عليه السّلام، فقال عليه السّلام: «و قد أعطى اللّه محمّدا صلى اللّه عليه واله وسلم أفضل من ذلك، وهو أن اللّه صلّى عليه، وأمر ملائكته أن يصلّوا عليه، وتعبّد جميع خلقه بالصلاة عليه، إلى يوم القيامة، فقال جلّ ثناؤه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً فلا يصلّي عليه أحد في حياته، ولا بعد وفاته، إلّا صلّى اللّه عليه بذلك عشرا، وأعطاه من الحسنات عشرا، بكل صلاة صلّى عليه، ولا يصلّي عليه أحد بعد وفاته، إلّا وهو يعلم بذلك، ويرد على المصلّي السلام مثل ذلك، لأنّ اللّه جلّ وعزّ، جعل دعاء أمته فيما يسألون ربهم، جلّ ثناؤه، موقوفا عن الإجابة، حتى يصلّوا عليه صلى اللّه عليه واله وسلم، فهذا أكبر وأعظم ممّا أعطى اللّه آدم «1».

و كذا فقد كرّم اللّه تعالى «آل محمد» تكريما خاصا يدلّ على إمامتهم على الناس بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم وعلى أفضليتهم على سائر الخلق- ما عدا رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم- وذلك بأن أمر الناس بالصلاة عليهم في كل صلاة.

 «و حسبنا إيثارهم على من سواهم إيثار اللّه عز وجل إياهم حتى جعل الصلاة عليهم جزآ من الصلاة المفروضة على جميع عباده، فلا تصح بدونها صلاة أحد من العالمين صدّيقا كان أو فاروقا أو ذا نور أو نورين أو أنوار، لا بل لكل من عبد اللّه بفرائضه أن يعبده في أثنائها بالصلاة عليهم كما يعبده بالشهادتين» «2»

__________________________________________________

 (1) مستدرك الوسائل: باب 31 من أبواب الذكر حديث 11.

 (2) المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين ص 51.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:15

و ستعرف- أخي القارى‏ء- أن الصلاة عليهم في التشهد من الصلاة كانت أوائل البعثة النبوية الشريفة، وفي هذا دليل على اقتران «الال» بالنبي محمد صلى اللّه عليه واله وسلم في الولاية والأفضلية وغيرهما من الفضائل التي لم يصل إليها أحد من الأولين والاخرين.

و قياما بالواجب تجاه مقام الرسالة العظيم، وحبّا بالتقرّب إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه واله وسلم، فقد أعددت- بعون اللّه تعالى- هذا الكتاب وسمّيته «النور المبين في الصلاة على محمد وآله الطاهرين» داعيا اللّه تعالى أن يجعله ذخرا لي يوم حشري ووقوفي بين يديه، وأن يرزقني شفاعة النبي محمّد وآله الطاهرين عليهم السّلام.

و قد قسّمته على مقدمة وفصول.

الفصل الأول: في فلسفة الصلاة على محمّد وآل محمّد.

الفصل الثاني: في معنى الصلاة على محمّد وآل محمّد.

الفصل الثالث: في خواص الصلاة على محمّد وآل محمّد.

الفصل الرابع: في فائدة الصلاة على محمّد وآل محمّد.

الفصل الخامس: في أحكام الصلاة على محمّد وآل محمّد.

الفصل السادس: في كيفية الصلاة على محمّد وآل محمّد.

الخاتمة: الصلوات في الأدعية الشريفة والأشعار المنظومة.

وخاتمة: تشتمل على الصلاة على محمّد وآل محمّد في الأدعية الشريفة والأشعار المنظومة.

اللهم إني أسألك أن تصلّي وتسلّم على خير خلقك محمّد وآله الطاهرين صلاة دائمة نامية لا انقطاع لأبدها، ولا منتهى لأمدها، واجعل ذلك سببا لمغفرة ذنوبي وقربي منك ومن أوليائك إنك أرحم الراحمين.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:17

الفصل الأول :  فلسفة الصلاة على محمّد وآل محمّد

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:19

تمثّل الصلاة على محمّد وآل محمد العلاقة والصلة بين العبد والمعبود، وبين الموالي وأولياء النعمة والهداية.

أما من جهة الصلة مع المعبود فهي دعاء «1» ومناجاة لقولك: «اللهم» وأصلها- يا اللّه- مشتملة على نداء ومنادى، ومعناها: يا اللّه ارحم محمّدا وآل محمّد، وارفع ذكرهم، وأعل درجتهم، وأعل درجتهم، وابعثهم المقام المحمود الذي يغبطهم عليه الأولون والاخرون.

و أما من جهة الصلة بين الموالي وأولياء النعمة والهداية محمد وعترته الطاهرين- صلوات اللّه عليهم- فهي الدعاء لهم. وطلب الرحمة والبركة.

و علوّ الدرجات، والقرب من اللّه تعالى ..

تمثل: الشكر والمعرفة:

و هي تمثّل الشكر والعرفان بالجميل لهم- صلوات اللّه عليهم- على ما بذلوه في سبيل نشر الدين والدعوة إلى سعادة الدارين، من خلال الرسالة التي بلّغوها عن اللّه تعالى، ففي دعاء يوم الجمعة للإمام زين العابدين عليه السّلام:

__________________________________________________

 (1) اعتبر بعض العلماء- ومنهم المامقاني في مرآة الكمال- أن الصلاة على محمد وآل محمد من الأدعية لا الأذكار، والفرق بين الدعاء والذكر أن الدعاء مشتمل على الطلب بخلاف الذكر- وهو ثناء وتعظيم للّه تعالى- فإنه اصطلاح لما لا طلب فيه.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:20

 «أدّى (أي الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله وسلّم) ما حمّلته إلى العباد، وجاهد في اللّه عز وجل حق الجهاد».

و العقل والنقل يأمران بوجوب شكر المنعم المتفضّل عليك بالإحسان والمعروف، ف «من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق».

نعم يختلف الشكر كما وكيفا باختلاف المنعم عليك، فشكر اللّه تعالى يتحقق بعبادته وطاعته والتحدث بنعمه، وشكر الأنبياء والأولياء عليهم السّلام باتباعهم، ونصرتهم، وإعلاء ذكرهم، وحيث أن الإنسان عاجز عن شكر النبي الأعظم صلى اللّه عليه واله وسلم والأئمة عليهم السّلام حقّ الشكر فإنه يتوجّه إلى اللّه تعالى بالدعاء لهم بطلب الرحمة وعلوّ الدرجة.

 «و الفطرة ملزمة للإنسان بأنه كلّما عجز عن شكر من أحسن إليه بالمكافات والمقابلة بالإحسان، فإنه يتوجّه إلى اللّه تعالى طالبا منه الجزاء له، فعلى هذا إذا توجّه المؤمن إلى ساحة القدس النبوي وآله صلوات اللّه عليهم ورأى النعم التي تواترت عليه من ناحية صاحب الرسالة وآله المعصومين، وأراد أن يقوم بأداء شكرهم فإنه يرى العجز عن أداء شكر واحد منها، فعندها يتضرّع إلى اللّه تعالى طالبا منه الصلاة والرحمة كما أمرنا به اللّه تعالى وعلّمنا إيّاه الأمناء على الوحي وهو «اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد» «1».

عن الإمام زين العابدين عليه السّلام: «أما حقّ ذي المعروف عليك فأن تشكره وتذكر معروفه، وتكسبه المقالة الحسنة، وتخلص له الدعاء فيما بينك وبين اللّه عزّ وجلّ فإذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّا وعلانية، ثم إن قدرت على مكافأته يوما كافأته» «2».

نعم، يتوقف الشكر على معرفة المنعم بذاته وصفاته، فلنفرض أنّك دعيت إلى مأدبة طعام، وضع فيها أشهى المأكولات، وألذّ الأطعمة، وحظيت‏

__________________________________________________

 (1) سرّ السعادة: ص 34.

 (2) ميزان الحكمة: ج 5 ص 153.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:21

بالحفاوة والتكريم، فإنك تسعى للتعرّف على صاحب البيت، وصانع الطعام لتشكره وتقدّر جهوده وسلوكه معك ...

كذلك حالنا مع نبيّنا الأعظم صلى اللّه عليه وآله وسلّم وأهل بيته عليهم السّلام فلا يمكن أن نؤدّي لهم الشكر إلّا بعد معرفتهم ولا أعني التعرّف على هوياتهم الشخصية فحسب، إنما معرفة عظمتهم، ومكانتهم، وما قدّموه للبشرية من تعاليم ومفاهيم تكفل لهم السعادة في الدارين مع ما لهم من الحقوق التي يسأل عنها كل إنسان قال تعالى: ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (التكاثر: 8) «1».

و في هذا السياق لا بدّ من بسط الكلام في معرفتهم عليهم السّلام، لقلّة من يعرف خصوصياتهم ومقاماتهم، ولاستغراب البعض عند سماع معجزاتهم وكراماتهم عسى أن يزدادوا يقينا بفضلهم، ومعرفة بهم «فمن عرف واجب حق إمامه وجد طعم حلاوة إيمانه، وعلم فضل طلاوة إسلامه» «2».

التصديق بالروايات الشريفة:

لكن ينبغي لمن أراد الوقوف على ما سنورده من الروايات في عظمتهم، وعلوّ مقامهم، أن يستحضر هذه الروايات التالية:

عن الإمام الصادق عليه السّلام: «إن اللّه تبارك وتعالى حصّن عباده بايتين من كتابه، ألايقولوا حتى يعلموا ولا يردّوا ما لم يعلموا، إن اللّه تبارك وتعالى‏

__________________________________________________

 (1) في تفسير نور الثقلين: «أن أبا حنيفة سأل الإمام الصادق عليه السّلام عن هذه الاية فقال له الإمام عليه السّلام: «ما النعيم عندك يا نعمان؟ قال: القوت من الطعام والماء البارد. فقال: لئن أوقفك اللّه بين يديه حتى يسألك عن كل أكلة أكلتها أو شربة شربتها ليطولن وقوفك بين يديه، قال: فما النعيم جعلت فداك؟ قال عليه السّلام: نحن «أهل البيت» النعيم الذي أنعم اللّه بنا على العباد، وبنا إئتلفوا بعد أن كانوا مختلفين، وبنا ألّف اللّه بين قلوبهم وجعلهم أخوانا بعد أن كانوا أعداء، وبنا هداهم اللّه للإسلام وهو النعمة التي لا تنقطع واللّه سائلهم عن حقّ النعيم الذي أنعم به عليهم وهو النبي وعترته».

 (2) أصول الكافي: ج 1 ص 203.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:22

يقول: أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وقال: بَلْ كَذَّبُوا بِما لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ «1».

و عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام: «أما واللّه إن أحبّ أصحابي إليّ أورعهم وأفقههم وأكتمهم لحديثنا، وأن أسوأهم عندي حالا وأمقتهم إليّ الذي إذا سمع الحديث ينسب إلينا ويروى عنّا فلم يعقله ولم يقبله، إشمأز منه وجحده، وكفر بمن دان به، وهو لا يدري لعلّ الحديث من عندنا خرج وإلينا أسند، فيكون بذلك خارجا من ولايتنا» «2».

عن سفيان بن السمط قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك إن الرجل ليأتينا من قبلك فيخبرنا عنك بالعظيم من الأمر فيضيق بذلك صدورنا حتى نكذّبه، قال، فقال عليه السّلام: «أ ليس عني يحدثكم؟ قال: قلت: بلى قال عليه السّلام: فيقول لليل إنه نهار وللنهار إنه ليل؟ قال: فقلت: لا، فقال عليه السّلام: ردّه إلينا فإنك إن كذّبت فإنما تكذبنا» «3».

معرفة النبي والأئمة صلوات اللّه عليهم:

ورد في الحديث الشريف- المتواتر بين الشيعة والسنّة قوله صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية» «4».

و عن أبي حمزة قال: قال لي أبو جعفر عليه السّلام: «إنما يعبد اللّه من يعرف اللّه، فأما من لا يعرف اللّه فإنما يعبده هكذا ضلالا، قلت: جعلت فداك فما معرفة اللّه؟ قال: تصديق اللّه عزّ وجلّ وتصديق رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلّم وموالاة علي عليه السّلام والإئتمام به وبأئمة الهدى عليهم السّلام والبراءة إلى اللّه عزّ وجلّ من عدوّهم هكذا يعرف اللّه عزّ وجلّ» «5».

__________________________________________________

 (1) بحار الأنوار ص 186.

 (2) المصدر السابق ص 186.

 (3) المصدر ص 187.

 (4) معرفة الإمام: ج 3 ص 11.

 (5) أصول الكافي ج 1 ص 180.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:23

و المعرفة الواجبة- التي لا يعذر منها أحد والتي تخرج الإنسان من الجهل والضلال إلى النور- هي الإيمان بالأئمة الاثني عشر بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أولهم علي بن أبي طالب عليه السّلام وآخرهم الإمام المهدي (عجّل اللّه فرجه).

عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري أنه قال: «لما أنزل اللّه عزّ وجلّ على نبيّه محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ قلت: يا رسول اللّه عرفنا اللّه ورسوله، فمن أولو الأمر الذين قرن اللّه طاعتهم بطاعتك؟

فقال صلى اللّه عليه وآله وسلّم: هم خلفائي يا جابر وأئمة المسلمين من بعدي، أوّلهم علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم عليّ بن الحسين، ثم محمد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا لقيته فأقرأه مني السّلام.

ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم ابن الحسن بن علي سميّي وكنيّي حجّة اللّه في أرضه، وبقية اللّه في بلاده ذلك الذي يفتح اللّه تعالى ذكره على يده مشارق الأرض ومغاربها، ذلك الذي يغيب عن شيعته وأوليائه غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلّا من امتحن اللّه قلبه للإيمان.

قال جابر: فقلت له: يا رسول اللّه، فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته؟ قال صلى اللّه عليه وآله وسلّم: إي والذي بعثني بالنبوّة إنهم يستضيئون بنوره، وينتفعون بولايته في غيبته كانتفاع الناس بالشمس وإن تجلّاها سحاب، ثم قال: يا جابر، هذا من مكنون سرّ اللّه، ومخزون علم اللّه فاكتمه إلّا عن أهله» «1».

و أما المعرفة الحقيقية والكاملة لهم فلا يمكن لأيّ إنسان أن يصل إليها.

من هنا ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال للإمام علي عليه السّلام: «يا علي ما عرف اللّه إلّا أنا وأنت، وما عرفني إلّا اللّه وأنت، وما عرفك إلّا اللّه وأنا» «2».

__________________________________________________

 (1) معرفة الإمام ج 3 ص 13.

 (2) الشهادة الثالثة ص 404.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:24

و عن الإمام الرضا عليه السّلام: «فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام، أو يمكنه اختياره، هيهات هيهات، ضلّت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وخسئت العيون، وتصاغرت العظماء وتحيّرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الألباء، وكلّت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء، عن وصف شأن من شأنه، أو فضيلة من فضائله، وأقرّت بالعجز والتقصير، وكيف يوصف بكلّه، أو ينعت بكنهه، أو يفهم شي‏ء من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه، ويغني غناه، لا كيف وأنّى، وهو بحيث النجم من يد المتناولين، ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا، وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا» «1».

يقول الشيخ الحافظ رجب البرسي: «و كيف يعرف الناس عليّا، ويحيطون به خبرا، وذلك باب قد سدّ النبي طريق الوصول إليه، فقال وقوله الحقّ: «ما عرفك إلّا اللّه وأنا وما عرفني إلّا اللّه وأنت، وما عرف اللّه إلّا أنا وأنت» هذا حديث صحيح والناس مع صحته يدّعون معرفة اللّه ورسوله، وصدق الحديث يوجب كذب دعواهم، وصدق دعواهم يوجب كذب الحديث، ولكن الحديث صادق، فدعواهم في معرفة حقيقة اللّه، ورسوله كاذبة ..» «2».

و حيث أننا لا نستطيع أن نتعرّف- بعقولنا القاصرة- على حقائقهم وأسرارهم فلا بدّ من الرجوع إلى أحاديثهم لنتعرّف على بعض خصائصهم، ونورانيتهم. ونستخلص من تلك الأحاديث أمورا:

أولا: أنهم علّة الخلق:

في حديث الكساء المتواتر قال جبرائيل للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «العليّ الأعلى‏

__________________________________________________

 (1) أصول الكافي ج 1 ص 201.

 (2) مشارق أنوار اليقين ص 112.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:25

يقرؤك السلام، ويخصّك بالتحيّة والإكرام ويقول لك: وعزّتي وجلالي إني ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحيّة ولا قمرا منيرا، ولا شمسا مضيئة، ولا فلكا يدور، ولا بحرا يجري، ولا فلكا يسري إلّا لأجلكم ومحبتكم».

عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم إنه قال: «لمّا خلق اللّه تعالى آدم أبو البشر ونفخ فيه من روحه، التفت آدم يمين العرش فإذا في النور خمسة أشباح سجّدا وركعا، قال آدم: يا ربّ هل خلقت أحدا من طين قبلي؟ قال: لا يا آدم. قال: فمن هؤلاء الخمسة الأشباح الذين أراهم في هيئتي وصورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك لولاهم ما خلقتك، هؤلاء خمسة شققت لهم خمسة أسماء من أسمائي لولاهم ما خلقت الجنّة ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجن فأنا المحمود وهذا محمد وأنا العالي وهذا علي وأنا الفاطر وهذه فاطمة وأنا الإحسان وهذا الحسن وأنا المحسن وهذا الحسين، آليت بعزّتي أنه لا يأتيني أحد بمثقال ذرّة من خردل من بغض أحدهم إلّا أدخلته ناري ولا أبالي.

يا آدم، هؤلاء صفوتي من خلقي، بهم أنجيهم وبهم أهلكهم، فإذا كان لك إليّ حاجة فبهؤلاء توسّل، فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «نحن سفينة النجاة، من تعلّق بها نجا، ومن حاد عنها هلك، فمن كان له إلى اللّه حاجة فليسأل بنا أهل البيت» «1».

أما معنى كونهم صلوات اللّه عليهم العلّة في خلق الكون، فهو أن اللّه تعالى كان متفرّدا بالوجود، حيث لا موجود آخر سواه، فأحبّ أن يعرف من خلال إيجاد الخلق الذي يعرفه ويعبده قال تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات: 56) وفي الحديث القدسي: «كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف» وعن سيد الشهداء عليه السّلام: «ان اللّه ما خلق العباد إلّا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه واستغنوا بعبادته عن سواه، فقال له‏

__________________________________________________

 (1) فاطمة الزهراء عليها السّلام، للهمداني ص 39.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:26

رجل: بأبي أنت وأمي فما معرفة اللّه؟ فقال عليه السّلام: «معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي تجب عليهم طاعته» «1» وهكذا كان فقد خلق اللّه تعالى الإنسان من روح وجسد واستخلفه على الأرض ليعبده، ولكن أنّى للإنسان الضعيف المحدود أن يدرك ربّ الأرباب، لذلك كان لا بدّ من إيجاد خلق مطهّر معصوم يكون الواسطة بين العباد وربّ الأرباب، ويكون لهذا المخلوق وجهتان، وجهة باتجاه الخالق تستمد منه الغيوب والمعارف والكمالات، ووجهة باتجاه الخلق وهي الجهة التي يطلب من الإنسان أن يسعى للوصول إليها وبذلك يكون قد وصل إلى اللّه تعالى وقد تمثّلت هذه المخلوقات الدالّة على اللّه بمحمّد وعترته الطاهرين.

ففي الخبر عن الإمام الصادق عليه السّلام: «كنّا أنوارا نسبّح اللّه ونقدّسه حتى خلق اللّه الملائكة فقال لهم اللّه عزّ وجلّ: سبّحوا، فقالوا: أي ربّنا لا علم لنا، فقال لنا: سبّحوا، فسبّحنا فسبّحت الملائكة بتسبيحنا» «2».

ففي هذا الخبر دلالة على أنّهم الذين علّموا الملائكة طريق الوصول إلى اللّه تعالى.

عن عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «يا بن أبي يعفور إن اللّه واحد متوحّد بالوحدانية متفرّد بأمره، فخلق خلقا فقدّرهم لذلك الأمر، فنحن هم يا ابن أبي يعفور فنحن حجج اللّه في عباده، وخزّانه على علمه، والقائمون بذلك» «3».

و من هنا صحّ أن يقال انهم العلّة في الخلق. فلولاهم لما عرف اللّه وعبد.

يقول آية اللّه العظمى الشيخ جواد التبريزي حفظه اللّه تعالى: «إنّ خلق‏

__________________________________________________

 (1) موسوعة كلمات الإمام الحسين عليه السّلام ص 540.

 (2) علم اليقين ج 1 ص 457.

 (3) أصول الكافي ج 1 ص 193.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:27

الدنيا ومن فيها، وكذا خلق الآخرة ومن فيها وما فيها، كلّه من فعل اللّه عزّ وجل ومشيئته، وبما أن اللّه تعالى حكيم لا يخلق شيئا عبثا، فالغرض من خلق الدنيا وما فيها هو أن يعرف الناس ربّهم، ويصلوا إلى كمالاتهم، بإطاعة اللّه سبحانه وتعالى، والتقرّب إليه، وهذا يقتضي اللطف من اللّه بإرسال الرسل، وإنزال الكتب، ونصب الأوصياء والأئمة عليهم السّلام ليأخذ الناس منهم سبيل الاهتداء. وبما أن الحكمة هي ما ذكر في الخلق حيث يفصح عنه قوله تعالى:

وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ وبضميمة قوله سبحانه: خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً يعلم أن الغاية من خلق الإنس والجن هي خلق الذين يعرفون اللّه سبحانه ويعبدونه، ويهتدون بالهدى، والسابقون على ذلك في علم اللّه سبحانه الذين يعيشون في الدنيا وسيلة لكسب رضا ربّهم، والتفاني في رضاه هم الأنبياء والأوصياء والأئمة (سلام اللّه عليهم أجمعين) والسابقون في هذه المرتبة هم نبيّنا محمد والأئمة الأطهار (صلّى اللّه عليهم أجمعين) من بعده. وبذلك يصحّ القول أنهم علّة غائية لخلق العباد، لا بمعنى أن الخالق يحتاج إلى الغاية، بل لأنّ إفاضة فيض الوجود بسبب ما سبق في علمه أنّهم السابقون الكاملون في الغرض والغاية من الفيض، واللّه العالم «1».

و بتقريب آخر: إنّ الهدف من خلق الإنسان هو إيصاله إلى الكمال والسعادة، المعبّر عنهما في القرآن الكريم ب «الرحمة» قال تعالى: وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ (هود: 119) أي خلقهم للرحمة.

فهدف الخلق هو «الرحمة» وسبب الخلق هو «الرحمة» المتجسدة في النبي محمد صلى اللّه عليه وآله وسلّم لقوله تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (الأنبياء: 107) وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «أنا رحمة مهداة» وفي حديث له صلى اللّه عليه وآله وسلّم عن أمير المؤمنين عليه السّلام:

 «... وهو الذي أمر اللّه في كتابه إِماماً وَرَحْمَةً» «2» وعليه صحّ أن نقول:

__________________________________________________

 (1) صراط النجاة ج 3.

 (2) معرفة الإمام ج 3 ص 41.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:28

اللّهمّ ارحمني برحمتك، أو اللّهمّ ارحمني بمحمّد وآله لأنّ رحمته هي محمّد وآله عليهم السّلام فهو- صلوات اللّه عليه وعلى آله- رحمة للناس من خلال دينه وشريعته ومن هنا- أيضا- صحّ القول انّه علّة الخلق.

يقول العارف باللّه السيد عبد الأعلى السبزواري رحمه اللّه: «التشريع هو الأصل في بناء التكوين إذ لو لا التشريع لم يكن للتكوين أثر لا في الدنيا ولا في العقبى، ومنه يظهر الوجه في خطاب اللّه تعالى مع حبيبه محمد صلى اللّه عليه وآله وسلّم:

 «لولاك لما خلقت الأفلاك» فالعلة الغائية لأصل التكوين وبنائه مطلقا هي التشريع، وقد أثبتت الفلاسفة أن العلة الغائية إنما هي علة فاعلية الفاعل فهي وإن كانت موجزة وجودا لكنها مقدمة علما، فلا بدّ وأن يكون نظام التشريع في جميع جهاته أرفع وأجلّ من نظام التكوين فلا سبيل للوصول إليه إلّا بواسطة الرسول ...» «1».

ثانيا: أنهم أول الخلق:

وردت الروايات من طرق الشيعة والسنّة أنّ أول ما خلق اللّه تعالى أنوار النبي والأئمة عليهم السّلام ويسمّى هذا المقام ب «مقام النورانية».

أمّا معنى الخلق من نور اللّه فهو من المعاني التي لا يدركها عقل الإنسان لأنها من عالم المجرّدات ولكن، ليس معناه أن جزآ من اللّه قد انفصل عنه تعالى ليوجد في هؤلاء فإنه تعالى فوق المجرّدات والماديات.

عن سلمان المحمدي (رضوان اللّه عليه) قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم يقول: كنت أنا وعلي نورا بين يدي اللّه تعالى قبل أن يخلق آدم عليه السّلام بأربعة عشر ألف عام، فلمّا خلق آدم عليه السّلام قسم ذلك النور جزءين، فجزء أنا وجزء علي» «2».

عن النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «إنّ اللّه خلقني وخلق عليّا وفاطمة والحسن‏

__________________________________________________

 (1) مواهب الرحمن ج 5 ص 270.

 (2) فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج 1 ص 203 نقلا عن الذهبي في ميزان الاعتدال ج 1 ص 235 وعن الرياض النضرة ج 2 ص 164.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:29

و الحسين قبل أن يخلق آدم عليه السّلام، حين لا سماء مبنيّة، ولا أرض مدحيّة، ولا ظلمة ولا نور، ولا شمس ولا قمر، ولا جنّة ولا نار. فقال العبّاس:

فكيف كان بدء خلقكم يا رسول اللّه؟ فقال: يا عمّ: لمّا أراد اللّه أن يخلقنا تكلّم بكلمة خلق منها نورا، ثمّ تكلّم بكلمة أخرى فخلق منها روحا، ثمّ مزج النور بالروح فخلقني وخلق عليّا وفاطمة والحسن والحسين، فكنّا نسبّحه حين لا تسبيح، ونقدّسه حين لا تقديس.

فلمّا أراد اللّه تعالى أن ينشى‏ء خلقه فتق نوري فخلق منه العرش، فالعرش من نوري، ونوري من نور اللّه، ونوري أفضل من العرش، ثمّ فتق نور أخي عليّ فخلق منه الملائكة، فالملائكة من نور عليّ، ونور عليّ من نور اللّه، وعليّ أفضل من الملائكة. ثمّ فتق نور ابنتي فخلق منه السماوات والأرض، فالسموات والأرض من نور ابنتي فاطمة، ونور ابنتي فاطمة من نور اللّه، وابنتي فاطمة أفضل من السماوات والأرض. ثمّ فتق نور ولدي الحسن فخلق منه الشمس والقمر، فالشمس والقمر من نور ولدي الحسن، ونور الحسن من نور اللّه، والحسن أفضل من الشمس والقمر. ثمّ فتق نور ولدي الحسين فخلق منه الجنّة والحور العين، فالجنّة والحور العين من نور ولدي الحسين، ونور ولدي الحسين من نور اللّه، وولدي الحسين أفضل من الجنّة والحور العين» «1».

يقول أستاذ الفقهاء السيد الخوئي (قدّس سرّه الشريف):

 «ابتدأ اللّه كتابه التدويني بذكر اسمه، كما ابتدأ في كتابه التكويني باسمه الأتمّ، فخلق الحقيقة المحمدية ونور النبي الأكرم قبل سائر المخلوقين، وإيضاح هذا المعنى: أن الاسم هو ما دلّ على الذات، وبهذا الاعتبار تنقسم الأسماء الإلهية إلى قسمين: تكوينية، وجعلية. فالأسماء الجعلية هي الألفاظ التي وضعت للدلالة على الذات المقدّسة، أو على صفة من صفاتها الجمالية

__________________________________________________

 (1) فاطمة الزهراء عليها السّلام، للهمداني ص 40.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:30

و الجلالية، والأسماء التكوينية هي الممكنات الدالّة بوجودها على وجود خالقها وعلى توحيده:

أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْ‏ءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ (الطور: 35). لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا (الأنبياء: 22).

ففي كل شي‏ء دلالة على وجود خالقه وتوحيده، وكما تختلف الأسماء الإلهية اللفظية من حيث دلالتها، فيدلّ بعضها على نفس الذات بما لها من صفات الكمال، ويدلّ بعضها على جهة خاصة من كمالاتها على اختلاف في العظمة والرفعة فكذلك تختلف الأسماء التكوينية من هذه الجهة، وإن اشتراك جميعها في الكشف عن الوجود والتوحيد، وعن العلم والقدرة وعن سائر الصفات الكمالية.

و منشأ اختلافها: أن الموجود إذا كان أتم كانت دلالته أقوى، ومن هنا صحّ إطلاق الأسماء الحسنى على الأئمة الهداة، كما في بعض الروايات «1».

فالواجب جلّ وعلا قد ابتدأ في أكمل كتاب من كتبه التدوينية بأشرف الألفاظ وأقربها إلى اسمه الأعظم من ناظر العين إلى بياضها «2» كما بدأ في كتابه التكويني باسمه الأعظم في عالم الوجود العيني» «3».

ثالثا: أنهم أفضل الخلق:

وردت الروايات الشريفة في أفضلية نبيّنا الأعظم محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم على كافّة المخلوقات حتى الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين، وكذا بعده أئمتنا

__________________________________________________

 (1) عن الإمام الصادق عليه السّلام في قوله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ فَادْعُوهُ بِها قال: «نحن واللّه الأسماء الحسنى التي لا يقبل اللّه من العباد عملا إلّا بمعرفتنا» (الكافي ج 1 ص 143).

 (2) وهي «بسم اللّه الرحمن الرحيم». عن الإمام الرضا عليه السّلام: «بسم اللّه الرحمن الرحيم أقرب إلى الاسم الأعظم من سواد العين إلى بياضها».

 (3) البيان ص 433.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:31

الأطهار عليهم السّلام فإنهم من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم وهو منهم، بشهادة القرآن الكريم إذ يقول: وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ (آل عمران: 61) وقد تواترت الروايات أن المراد بنفس النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم هو الإمام علي عليه السّلام، وما ثبت لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم فهو ثابت للإمام علي عليه السّلام وأولاده المعصومين عليهم السّلام من العصمة والطهارة، والأفضلية ... إلّا النبوة ففي الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «يا علي وما أكرمني (أي اللّه) بكرامة إلّا أكرمك بمثلها» «1».

أما الروايات الدالّة على الأفضلية على سائر الخلق فمنها:

عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «أنا سيد ولد آدم ولا فخر» «2» وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «كنت نبيا وآدم بين الماء والطين» «3» وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «إن اللّه اختار من الأيام الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليالي القدر، واختارني على جميع الأنبياء، واختار مني عليّا وفضّله على جميع الأوصياء، واختار من علي الحسن والحسين، واختار من الحسين الأوصياء من ولده ينفون عن التنزيل تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الضالين تاسعهم قائمهم وهو ظاهرهم وهو باطنهم» «4».

و يدلّ على أفضليتهم على الخلق أن الأنبياء عليهم السّلام كانوا يتوسّلون إلى اللّه تعالى بهم، ففي الرواية عن ابن عباس قال: «لمّا خلق اللّه آدم ونفخ فيه من روحه، عطس فقال: الحمد للّه، فقال له ربّه: يرحمك ربّك ... فقال: يا ربّ خلقت خلقا هو أحبّ إليك مني؟

قال: نعم .. ولولاهم لما خلقتك! قال: يا رب فأرنيهم؟

__________________________________________________

 (1) الشهادة الثالثة ص 107.

 (2) علم اليقين ج 1 ص 456.

 (3) المصدر السابق ص 457.

 (4) المصدر السابق ص 461.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:32

فأوحى اللّه عزّ وجل إلى ملائكته: أن إرفعوا الحجب؟ فلما رفعت إذا آدم بخمسة أشباح قدّام العرش فقال: يا ربّ من هؤلاء؟

قال عزّ وجلّ: يا آدم هذا محمّد نبيي، وهذا عليّ أمير المؤمنين ابن عمّ نبيي ووصيّه، وهذه فاطمة بنت نبيّي، وهذان الحسن والحسين ابنا علي وولدا بنت نبيي.

ثم قال تعالى: يا آدم هم ولدك. ففرح بذلك. فلما اقترف الخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين لمّا غفرت لي. فغفر اللّه له، فهذا الذي قال اللّه تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ» «1».

و لقد توسّل بهم النبي إبراهيم خليل الرحمن عليه السّلام عند ما ألقي في النار، فجعل اللّه النار عليه بردا وسلاما بفضلهم وبركتهم، فقد قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم في حديث له: «... وان إبراهيم لمّا ألقي في النار قال: اللهم إني أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد لمّا نجّيتني منها. فجعلها عليه بردا وسلاما» «2».

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم- في حديث له- قال: «... وان موسى لما ألقى عصاه وأوجس في نفسه خيفة قال: اللّهم إني أسألك بحق محمّد وآل محمّد لمّا آمنتني، فقال اللّه جلّ جلاله: لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى‏» «3».

و لقد توسّل بهم النبي عيسى روح اللّه عليه السّلام لمّا أراد اليهود قتله، فقد روي عن الإمام الرضا عليه السّلام أنه قال: «إن عيسى لما أراد اليهود قتله دعا اللّه بحقّنا، فنجّاه من القتل ورفعه إليه» «4».

__________________________________________________

 (1) كتاب البرهان في تفسير القرآن ج 1 ص 89، بحار الأنوار ج 26 ص 325، وغيرهما ...

 (2) البرهان في تفسير القرآن ج 1 ص 89، بحار الأنوار ج 26 ص 319.

 (3) البرهان في تفسير القرآن ج 2 ص 247.

 (4) بحار الأنوار ج 26 ص 325.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:33

و قد ترك لنا اللّه تعالى الاية الكبرى في سفينة نوح عليه السّلام ليستدلّ بها على عظمة النبي والأئمة عليهم السّلام فقد عثر على بقايا من سفينة نوح عليه السّلام في «الجودي» المعروف باسم «آرارات» وهو أرفع الجبال في أرمينستان وواقع على حدود تركيا وإيران وأرمينيا، وفي هذه الألواح الخشبية توسّل النبي نوح عليه السّلام بأهل البيت عليهم السّلام.

قال تعالى عن سفينة نوح عليه السّلام: وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (القمر: 15).

و قال: فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ (العنكبوت: 15).

و تفصيل ذلك:

نشرت مجلة البذرة النجفية في عدديها الثاني والثالث بتاريخ شوّال، ذي القعدة عام 1385 هجرية نقلا عمّا نشرته الجمعية الخيرية الإسلامية في كربلاء المقدّسة: بحثا مترجما عن كتاب «إليا» والذي نشرته دار المعارف الإسلامية بلاهور باكستان- تحت عنوان:

 «أسماء مباركة توسّل بها نوح عليه السّلام».

في تموز عام 1951 م حينما كان جماعة من العلماء السوفييت المختصين بالاثار القديمة ينقّبون في منطقة ب «وادي قاف» عثروا على قطع متناثرة من أخشاب قديمة متسوّسة وبالية ممّا دعاهم إلى التنقيب والحفر أكثر وأعمق، فوقفوا على أخشاب أخرى متحجّرة وكثيرة، كانت بعيدة في أعماق الأرض.

و من بين تلك الأخشاب التي توصلوا إليها نتيجة التنقيب: خشبة على شكل مستطيل طولها 14 عقدا وعرضا 10 عقود سبّبت دهشتهم واستغرابهم، إذ أنها لم تتغيّر ولم تتسوّس، ولم تتناثر كغيرها من الأخشاب الآخرى.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:34

و في أواخر عام 1952 م أكمل التحقيق حول هذه الاثار، فظهر أنّ اللوحة المشار إليها كانت ضمن سفينة النبي نوح عليه السّلام، وأنّ الأخشاب الآخرى هي حطام سفينة نوح، وشوهد أنّ هذه اللوحة قد نقشت عليها بعض الحروف التي تعود إلى أقدم لغة.

و بعد الانتهاء من الحفر عام 1953 م، شكّلت الحكومة السوفياتية لجنة قوامها سبعة من علماء اللغات القديمة، ومن أهم علماء الاثار وهم:

1- (سوله نوف) أستاذ الألسن في جامعة موسكو.

2- (إيفاهان خنيو) عالم الألسن القديمة في كلية لولوهان بالصين.

3- (ميشاتن لو) مدير الاثار القديمة.

4- (تانمول كورف) أستاذ اللغات في كلية كيفنزو.

5- (دي راكن) أستاذ الاثار القديمة في معهد لينين.

6- (ايم أحمد كولاد) مدير التنقيب والاكتشافات العام.

7- (ميجركو لتوف) رئيس جامعة ستالين.

و بعد ثمانية أشهر من دراسة تلك اللوحة والحروف المنقوشة عليها:

اتفقوا على أنّ هذه اللوحة كانت مصنوعة من نفس الخشب الذي صنعت منه سفينة نوح عليه السّلام، وأن النبي نوح عليه السّلام كان قد وضع هذه اللوحة في سفينته للتبرّك والحفظ.

و كانت حروف هذه اللوحة باللغة السامانية وقد ترجمها إلى اللغة الإنجليزية العالم البريطاني (إيف ماكس) أستاذ الألسن القديمة في جامعة مانجستر، وهذا نصّها مع ترجمتها بالعربية:

يا إلهي ويا معيني        =           O my God my helper

برحمتك وكرمك ساعدني=   Keep my hands with mercy   

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:35

و لأجل هذه النفوس المقدسة And for those holy people =   

محمدMohamed =

 إيليا=    Alia

شبر = Shabbar

 شبير = Shabbir

 فاطمة = Fatema

 الذين هم جميعهم عظاماء  =  They are all Biggest   

ومكرّمونAnd Honourables =   

العالم قائم لأجلهم  = The world established for them  

ساعدني لأجل أسمائهم = Help me by their name  

أنت فقط تستطيع أن توجّه نحو الطريق المستقيم  = you can reform to rights  

 

ولا يخفى عليك أيها القارى‏ء- أن «إيليا» و«شبر» و«شبير» أسماء باللغة السامانية، ومعناها بالعربية: «علي» و«حسن» و«حسين».

و أخيرا ... بقي هؤلاء العلماء في دهشة كبرى أمام عظمة هذه الأسماء الخمسة المقدّسة ومنزلة أصحابها عند اللّه تعالى، حيث توسّل بها نوح عليه السّلام.

و اللغز الأهم الذي لم يستطع تفسير أيّ واحد منهم هو عدم تفسّخ هذه اللوحة بالذات رغم مرور آلاف السنين عليها.

 () ()

                  النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:38

رابعا: أنهم الواسطة «1» في الفيض:

الحاجة إلى المعصومين عليهم السّلام حاجة كونية قهرية لا يستغنى عنها كما أنها حاجة قيادية تشريعية ...

أما الحاجة الكونية: فيدلّ عليها: ما روي عن أبي حمزة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أتبقى الأرض بغير إمام؟ قال: لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت» «2».

فهي تدلّ على أن بقاء الإمام الحجّة على الخلق ضروري لحفظ بقاء الأرض ومن عليها، حتى يكون لها نظام كوني كامل، فهو بمثابة القلب في بدن الإنسان فكما أنّ حياة الإنسان متوقفة على حياة القلب كذلك فإنّ حياة الكون متوقفة على الإمام المعصوم عليه السّلام من هنا ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لكم من الاختلاف» «2» وعن الإمام المهدي عليه السّلام: «و إني لأمان لأهل الأرض، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء» «3» ويدلّ على ذلك من القرآن قوله تعالى: ما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (الأنفال: 33) ففي هذه الاية يعتبر وجود النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أمان من العذاب، وقد قدمنا أن ما ثبت للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم فهو ثابت للإمام علي وأولاده المعصومين عليهم السّلام.

__________________________________________________

 (1) فما ينزل من السماء إلى الأرض من الأمور التشريعية والحوادث الكونية المرئية وغير المرئية فإنما هو بواسطتهم، على أساس أنّ اللّه «أبى أن يجري الأمور إلّا بأسبابها» وهم الأسباب التشريعية والكونية يدلّ على ذلك قوله تعالى: تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (القدر: 4) فالملائكة- بجميع أصنافهم كملائكة الرزق وملائكة الحياة والموت وملائكة الأمواج- تنزل ليلة القدر بالأوامر الإلهية على الوسيط الذي قد يكون نبيّا وقد يكون إماما لكي تنفذ عن طريقه. عن الإمام أبي الحسن عليه السّلام: «ما من ملك يهبطه اللّه في أمر، إلّا بدأ بالإمام فعرض ذلك عليه وان مختلف الملائكة من عند اللّه تبارك وتعالى إلى صاحب هذا الأمر» نور الثقلين ج 5 ص 638.

 (2) أصول الكافي ج 1 ص 179.

 (3) تاريخ ما بعد الظهور ص 57.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:39

ثم إنّ كل ما ينزل من السماء إلى الأرض من خيرات وفيوضات ونعم، فإنما هو بواسطة الإمام عليه السّلام فهو «السبب المتصل بين الأرض والسماء ...

بيمنه رزق الورى، وبوجوده تثبت الأرض والسماء».

عن الإمام الصادق عليه السّلام: «إن اللّه خلقنا فأحسن خلقنا وصوّرنا، وجعلنا عينه في عباده ولسانه الناطق في خلقه ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ووجهه الذي يؤتى منه وبابه الذي يدلّ عليه وخزّانه في سمائه وأرضه بنا أثمرات الأشجار وأينعت الثمار، وجرت الأنهار وبنا ينزل غيث السماء، وينبت عشب الأرض، وبعبادتنا عبد اللّه، ولو لا نحن ما عبد اللّه» «1».

عن الإمام الصادق عليه السّلام: «نحن السبب بينكم وبين اللّه عزّ وجل» «2».

و في الزيارة الجامعة المروية عن الإمام الهادي عليه السّلام: «بكم فتح اللّه، وبكم يختم، وبكم ينزل الغيث وبكم يمسك السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه، وبكم ينفس الهمّ، ويكشف الضرّ».

و للتقريب نقول:

إنّ صاحب الزرع، يسقي بستانه المشتمل على الأعشاب النافعة والطفيلية، وهدفه هو سقي الزرع النافع، حتى لو لم يبق إلّا وردة واحدة فإنه يسقيها ويحافظ عليها، ويبقي سقي الأعشاب الآخرى بالتبع، والإمام عليه السّلام كالشجر الطيّب والثمر النافع، وبقية الخلق يعتاشون بالتبع للإمام عليه السّلام.

و قد مرّ في حديث جابر أنّ الإمام كالشمس الطالعة لا غنى للكون عنها ...

أمّا الحاجة التشريعية: فيدلّ عليها ما روي عن الإمام الصادق عليه السّلام:

 «ان اللّه لم يدع الأرض بغير عالم ولو لا ذلك لم يعرف الحق من الباطل» «3».

__________________________________________________

 (1) أصول الكافي ج 1 ص 144.

 (2) بحار الأنوار ج 23 ص 101.

 (3) ميزان الحكمة ج 1 ص 165.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:40

و قد «... جعلهم اللّه حياة للأنام، ومصابيح للظلام، ومفاتيح للكلام، ودعائم للإسلام» كما عن الإمام علي عليه السّلام.

فالإمام مبيّن لأحكام اللّه تعالى، وحافظ للقرآن الكريم وللشريعة الإسلامية من أي تحريف أو تغيير، ومن ثم فقد أوصى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم باتّباع القرآن والعترة الطاهرة بقوله المروي عن الشيعة والسنّة:

 «إنّي قد تركت فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي، وأحدهما أكبر من الاخر كتاب اللّه حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي آلا وأنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».

خامسا: أن لهم الولاية التشريعية والتكوينية:

للنبي والأئمة صلوات اللّه عليهم ولاية تشريعية على الناس مستمدة من ولاية اللّه تعالى، قال تعالى: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (المائدة: 55) «1» وكما أن للّه تعالى‏

__________________________________________________

 (1) عن الأعمش عن عباية بن ربعي قال: بينا عبد اللّه بن عبّاس جالس على شفير زمزم يقول: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم:- إذ أقبل رجل متعمّم بعمامة- وجعل ابن عبّاس لا يقول: قال رسول اللّه، إلّا قال الرّجل: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم، فقال ابن عباس سألتك باللّه من أنت؟ فكشف العمامة عن وجهه وقال: يا أيّها الناس! من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا أعرّفه بنفسي: أنا جندب بن جنادة البدري أبو ذرّ الغفاري، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم بهاتين وإلّا فصمتا، ورأيته بهاتين وإلّا فعميتا يقول: عليّ قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله، أما إنّي صلّيت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم يوما من الأيّام صلاة الظّهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئا فرفع السّائل يده إلى السّماء وقال: اللّهمّ اشهد إنّي سألت في مسجد رسول اللّه فلم يعطني أحد شيئا، وكان عليّ راكعا فأومأ بخنصره اليمنى إليه، وكان يتختّم فيها فأقبل السّائل حتّى أخذ الخاتم من خنصره، وذلك بعين رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم فلمّا فرغ النّبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم من صلاته رفع رأسه إلى السّماء وقال: اللّهمّ إنّ أخي موسى سألك فقال: ربّ اشرح لي صدري ويسّر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي اشدد به أزري وأشركه في أمري فأنزلت عليه قرآنا ناطقا: سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُون‏

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:41

ولاية على الناس بوجوب طاعته واتّباع أوامره، كذلك للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ولاية- مستمدة من ولاية اللّه تعالى- قال تعالى: النَّبِيُّ أَوْلى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (الأحزاب: 6) أي أنّ له حق التصرّف في نفس الإنسان بالأمر والنهي .. وقد أعطى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم هذه الولاية للإمام علي عليه السّلام بقوله عند تنصيبه خليفة من بعده في غدير خم: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» «1».

و لهم- صلوات اللّه عليهم- الولاية التكوينية أي القدرة على التصرّف في الكون بخرق القوانين الطبيعية كإحياء الموتى بإذن اللّه، وشفاء الأعمى والأكمه بإذن اللّه، وطيّ الأرض بإذن اللّه ...

يقول العالم الفقيه الميرزا محمد تقي الأصفهاني في رسالته الفقهية «ولاية الأولياء»: «و أمّا الولاية الثالثة لهم أعني: الولاية التكوينيّة: فهي عبارة عن تسخير المكوّنات والكائنات الإمكانية تحت إرادتهم ومشيّتهم بحيث تصير في طاعتهم واختيارهم وينفذ أمرهم فيها بحول اللّه وقوّته كما ورد في زيارة الحجّة أرواحنا له الفداء أنّه: «ما منّا شي‏ء إلّا وأنتم له السبب» وذلك لكونهم عليهم السّلام مظاهر أسمائه وصفاته تعالى فيكون فعلهم فعله، وقولهم قوله. وهذه المرتبة من الولاية مختصّة بهم وكانت من مقتضيات ذواتهم النوريّة ونفوسهم القدسية التي لا يبلغ إلى دون مرتبتها مبلغ» «2».

و يقول زين العلماء وفخر الأولياء السيد روح اللّه الموسوي (أعلى اللّه مقامه):

__________________________________________________

- إِلَيْكُما اللّهمّ وأنا محمّد نبيّك وصفيّك اللّهمّ فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري، واجعل لي وزيرا من أهلي، عليّا أشدد به ظهري، قال أبو ذرّ: فو اللّه ما استتمّ رسول اللّه الكلمة حتّى نزل عليه جبرائيل من عند اللّه فقال: يا محمّد! إقرأ! قال: وما أقرأ؟ قال: إقرأ إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الاية.

 (1) راجع كتاب «الغدير» للمرحوم الشيخ الأميني وهو من أهم الكتب التي جمع مؤلّفه رواة حديث الغدير من صحابة وتابعين وشعراء وعلماء.

 (2) نقلا عن «الشهادة الثالثة» ص 385.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:42

 «... فإنّ للإمام مقاما محمودا، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرّات هذا الكون. وإنّ من ضروريات مذهبنا أنّ لأئمتنا مقاما لا يبلغه ملك مقرّب، ولا نبيّ مرسل. وبموجب ما لدينا من الروايات والأحاديث فإنّ الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله وسلّم والأئمة عليهم السّلام كانوا قبل هذا العالم أنوارا فجعلهم اللّه بعرشه محدقين، وجعل له من المنزلة والزلفى ما لا يعلمه إلّا اللّه.

و قد قال جبرئيل- كما ورد في روايات المعراج-: لو دنوت أنملة لاحترقت.

و قد ورد عنهم عليهم السّلام: «إنّ لنا مع اللّه حالات لا يسعها ملك مقرّب ولا نبي مرسل». ومثل هذه المنزلة موجودة لفاطمة الزهراء عليها السّلام «1».

و ليست الولاية التكوينية بالأمر المستحيل فقد أعطاها اللّه تعالى للأنبياء والأولياء عليهم السّلام كما هو مذكور في القرآن الكريم فعيسى بن مريم على نبينا وآله وعليه السّلام كان يحيي الموتى ويبرى‏ء الأكمه والأبرص قال تعالى:

أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى‏ بِإِذْنِ اللَّهِ .. (آل عمران: 49).

و كذا سخّر اللّه تعالى الجبال لداود والطير، وعلّم سليمان عليه السّلام منطق الطير، وأمر الرياح أن تجري بأمره قال تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (سبأ: 10).

و قال تعالى: وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ وَقالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ‏ءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (النمل: 16).

و علّم تعالى آصف بن برخيا وصي النبي سليمان عليه السّلام من علم الكتاب‏

__________________________________________________

 (1) الحكومة الإسلامية ص 52.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:43

فاستطاع أن يأتي بعرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين في لمحة بصر قال تعالى: قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ (النمل: 40).

فإذا كان هذا حال من أوتي بعضا من- للتبعيض- الكتاب، فكيف بقدرة من أوتي علم الكتاب كله وهو الإمام علي عليه السّلام قال تعالى: قُلْ كَفى‏ بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (الرعد: 43) بل إن من أطاع اللّه تعالى حقّ طاعته فإنه يقدر على التصرّف في الكون كرامة له من اللّه تعالى ففي الحديث القدسي: «عبدي أطعني أجعلك مثلي أنا مهما أشاء يكون، أجعلك مهما تشاء يكون» «1». وفي آخر: «إن للّه عبادا أطاعوه فيما أراد، فأطاعهم فيما أرادوا يقولون للشي‏ء كن فيكون» «2».

و لنذكر بعضا من معجزات وكرامات المعصومين عليهم السّلام كي يزداد القارى‏ء معرفة بهم ويدخل السرور على المحبّ لهم.

من معجزات رسول اللّه (ص)

طاعة الشجرة:

ورد في نهج البلاغة وغيره عن أمير المؤمنين عليه السّلام في خطبته المسمّاة بالقاصعة أنّه قال:

 «و لقد كنت معه صلى اللّه عليه وآله وسلّم لمّا أتاه الملأ من قريش، فقالوا له: يا محمّد، إنّك قد ادّعيت عظيما لم يدّعه آباؤك ولا أحد من بيتك، ونحن نسألك أمرا إن أجبتنا إليه وأريتناه علمنا أنّك نبيّ ورسول، وإن لم تفعل علمنا أنّك ساحر كذّاب؛ فقال صلى اللّه عليه وآله وسلّم: وما تسألون؟ فقالوا: تدعو لنا هذه الشجرة حتى تنقلع بعروقها وتقف بين يديك، فقال صلى اللّه عليه وآله وسلّم: إنّ اللّه على كلّ شي‏ء قدير، فإن فعل‏

__________________________________________________

 (1) كلمة اللّه ص 140.

 (2) المصدر السابق ص 143.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:44

اللّه لكم ذلك، أ تؤمنون وتشهدون بالحق؟ قالوا: نعم، قال: فإنّي سأريكم ما تطلبون، وإني لأعلم أنّكم لا تفيئون إلى خير، وإنّ فيكم من يطرح في القليب، ومن يحزّب الأحزاب.

ثم قال صلى اللّه عليه وآله وسلّم: يا أيّتها الشجرة، إن كنت تؤمنين باللّه واليوم الاخر، وتعلمين أنّي رسول اللّه، فانقلعي بعروقك حتّى تقفي بين يديّ بإذن اللّه.

فو الذي بعثه بالحق، لانقلعت بعروقها، وجاءت ولها دويّ شديد وقصف كقصف أجنحة الطير، حتى وقفت بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم مرفرفة، وألقت بغصنها الأعلى على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم وببعض أغصانها على منكبي، وكنت عن يمينه صلى اللّه عليه وآله وسلّم.

فلما نظر القوم إلى ذلك قالوا- علوّا واستكبارا-: فمرها فليأتك نصفها ويبقى نصفها، فأمرها بذلك، فأقبل إليه نصفها كأعجب إقبال وأشدّه دويّا، فكادت تلتفّ برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم، فقالوا- كفرا وعتوّا-: فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه كما كان، فأمره صلى اللّه عليه وآله وسلّم فرجع.

فقلت أنا: لا إله إلّا اللّه، إنّي أوّل مؤمن بك يا رسول اللّه، وأوّل من أقرّ بأنّ الشجرة فعلت ما فعلت- بأمر اللّه تعالى- تصديقا بنبوّتك، وإجلالا لكلمتك.

فقال القوم كلّهم: بل ساحر كذّاب، عجيب السحر خفيف فيه، وهل يصدّقك في أمرك إلّا مثل هذا! (يعنونني)».

حلب الشاة:

من المعجزات المتواترة التي ترويها الخاصّة والعامّة أنّ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم لمّا هاجر من مكّة ومعه أبو بكر وعامر بن فهيرة، ودليلهم عبد اللّه بن أريقط الليثي فمرّوا على أمّ معبد الخزاعية ... وكانت تجلس بفناء الخيمة، فسألوا تمرا أو لحما ليشتروه، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وإذا القوم مرملون «1»، فقالت: لو كان عندنا شي‏ء ما أعوزكم القرى.

__________________________________________________

 (1) أرمل القوم زادهم أنفدوه.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:45

فنظر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم في كسر خيمتها فقال: ما هذه الشاة يا أمّ معبد؟

قالت: شاة خلّفها الجهد عن الغنم، فقال: هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك، قال: أ تأذنين في أن أحلبها؟ قالت: نعم- بأبي أنت وأمّي- إن رأيت بها حلبا فاحلبها.

فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم بالشاة، فمسح ضرعها، وذكر اسم اللّه وقال:

 «اللهم بارك في شاتها» فتفاجّت ودرّت، فدعا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم بإناء لها يريض الرهط «1»، فحلب فيه ثجّا «2» حتى علته الثمال «3»، فسقاها فشربت حتى رويت، ثم سقى أصحابه فشربوا حتى رووا، فشرب آخرهم وقال: «ساقي القوم آخرهم شربا» ... ثم حلب فيه ثانيا عودا على بدء، فغادره عندها، ثم ارتحلوا عنها.

فقلّما لبثت أن جاء زوجها أبو معبد ... فلمّا رأى اللبن قال: من أين لكم هذا؟ ... قالت: مرّ بنا رجل مبارك كان من حديثه كيت وكيت ... «4».

من كرامات أمير المؤمنين (ع):

خبر الأسود الذي قطع يده أمير المؤمنين عليه السّلام ثمّ ركّبها وجبرت:

عن الأصبغ بن نباتة أنّه قال: كنت جالسا عند أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام وهو يقضي بين الناس إذ أقبل جماعة ومعهم أسود مشدود الأكتاف، فقالوا: هذا سارق يا أمير المؤمنين فقال عليه السّلام: يا أسود سرقت؟

قال: نعم، يا أمير المؤمنين، قال له: ثكلتك أمّك، إن قلتها ثانية قطعت يدك، سرقت؟ قال: نعم يا مولاي. قال: ويلك انظر ماذا تقول، سرقت؟

__________________________________________________

 (1) يريض الرهط: يروي القوم.

 (2) الثج: السيّال.

 (3) الثمال: الرغوة.

 (4) منتهى الامال ج 1 ص 54.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:46

قال: نعم يا مولاي، فعند ذلك قال عليه السّلام: اقطعوا يده لأنّه وجب عليه القطع.

قال: فقطع يمينه فأخذها بشماله وهي تقطر دما، فاستقبله رجل يقال له ابن الكوّاء، فقال له: يا أسود من قطع يمينك؟ قال: قطع يميني سيّد المؤمنين وقائد الغرّ المحجّلين، وأولى الناس باليقين، وسيّد الوصيّين أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام إمام الهدى، وزوج فاطمة الزهراء ابنة محمّد المصطفى، أبو الحسن المجتبى، وأبو الحسين المرتضى، السابق إلى جنّات النعيم، مصادم الأبطال، المنتقم من الجهّال، معطي الزكاة، منيع الصيانة من هاشم القمقام، ابن عمّ الرسول الهادي إلى الرشاد، الناطق بالسداد، شجاع مكّي، جحجاح وفيّ فهو نور بطين أنزع، أمين من آل حم ويس، وطه والميامين، محلّي الحرمين، ومصلّي القبلتين، خاتم الأوصياء، ووصيّ صفوة الأنبياء، القسورة الهمام والبطل الضرغام، المؤيّد بجبرئيل الأمين، المنصور بميكائيل المبين، وصي رسول ربّ العالمين، المطفى‏ء نيران الموقدين، وخير من مشى من قريش أجمعين، المحفوف بجند من السماء، عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أمير المؤمنين، على رغم أنف الراغمين، مولى الخلق أجمعين.

قال: فعند ذلك قال له ابن الكوّاء: ويلك يا أسود قطع يمينك وأنت تثني عليه هذا الثناء كلّه؟ قال: ومالي لا أثني عليه وقد خالط حبّه لحمي ودمي؟ واللّه ما قطعني إلّا بحقّ أوجبه اللّه تعالى عليّ.

قال ابن الكوّاء: فدخلت إلى أمير المؤمنين عليه السّلام وقلت له: يا سيّدي رأيت عجبا. قال: وما رأيت؟ قلت: صادفت أسودا وقد قطعت يمينه، وقد أخذها بشماله وهي تقطر دما، فقلت له: يا أسود من قطع يمينك؟ قال:

سيّدي أمير المؤمنين، فأعدت عليه القول، وقلت له: ويحك قطع يمينك وأنت تثني عليه هذا الثناء كلّه؟ فقال: مالي لا أثني عليه وقد خالط حبّه لحمي ودمي، واللّه ما قطعها إلّا بحقّ أوجبه اللّه تعالى.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:47

قال: فالتفت أمير المؤمنين عليه السّلام إلى ولده الحسن وقال له: قم هات عمّك الأسود.

قال: فخرج الحسن عليه السّلام في طلبه فوجده في موضع يقال له كندة، فأتى به إلى أمير المؤمنين عليه السّلام، فقال له: يا أسود قطعت يمينك وأنت تثني عليّ! فقال: يا مولاي يا أمير المؤمنين ومالي لا أثني عليك وقد خالط حبّك لحمي ودمي؟ فو اللّه ما قطعتها إلّا بحقّ كان عليّ ممّا ينجي من عاهات الآخرة.

فقال عليه السّلام: هات يدك، فناوله إيّاها، فأخذها ووضعها في الموضع الذي قطعت منه، ثمّ غطّاها بردائه، وقام فصلّى عليه السّلام، ودعا بدعوات لم تردّ، وسمعناه يقول في آخر دعائه: آمين، ثمّ شال الرداء وقال: اضبطي أيّتها العروق، كما كنت اتّصلي.

قال: فقام الأسود وهو يقول: آمنت باللّه، وبمحمد رسول اللّه، وبعليّ الذي ردّ اليد القطعاء بعد القطع وتخليتها من الزند، ثمّ انكبّ على قدميه وقال: بأبي أنت وأمّي يا وارث علم النبوّة «1».

أنّه عليه السّلام ردّ بصر عمياء:

عن عبد الواحد بن زيد، قال: كنت حاجّا إلى بيت اللّه الحرام، فبينا أنا في الطواف إذ رأيت جاريتين عند الركن اليماني، تقول إحداهما للآخرى:

لا وحقّ المنتجب للوصيّة، والحاكم بالسويّة، والعادل في القضيّة، بعل فاطمة الزكيّة الرضيّة المرضيّة، ما كان كذا.

فقلت: من هذا المنعوت؟

قالت: هذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، علم الأعلام، وباب الأحكام، قسيم الجنّة والنار، ربّاني الأمّة.

__________________________________________________

 (1) إثبات الهداة: ج 2 ص 518.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:48

فقلت: من أين تعرفينه؟ قالت: وكيف لا أعرفه، وقد قتل أبي بين يديه بصفّين، ولقد دخل على أمّي لمّا رجع، فقال: يا أمّ الأيتام كيف أصبحت؟

قالت: بخير، ثمّ أخرجتني وأختي هذه إليه عليه السّلام وكان قد ركبني من الجدريّ ما ذهب به بصري، فلمّا نظر عليّ عليه السّلام إليّ تأوّه وقال شعرا هذه الأبيات:

         ما إن تأوّهت من شي‏ء رزيت به             كما تأوّهت للأطفال في الصغر

          قد مات والدهم من كان يكفلهم             في النائبات وفي الأسفار والحضر

 ثمّ مدّ يده المباركة على وجهي، فانفتحت عيني لوقتي وساعتي، فو اللّه إنّي لأنظر إلى الجمل الشارد في الليلة الظلماء ببركته- صلوات اللّه عليه وعلى أبنائه المعصومين «1» ..

إخباره عليه السّلام أنّ ميثم التمّار يقتل:

عن ابن ميثم التمّار، قال: سمعت أبي يقول: دعاني أمير المؤمنين عليه السّلام يوما، فقال لي: يا ميثم كيف أنت إذا دعاك دعيّ بني أميّة عبيد اللّه بن زياد إلى البراءة منّي؟ قلت: إذا واللّه أصبر، وذلك في اللّه قليل.

قال: يا ميثم، إذا تكون معي في درجتي.

فكان ميثم يمرّ بعريف قومه فيقول: يا فلان كأنّي بك قد دعاك دعيّ بني أميّة وابن دعيّها فيطلبني منك، فتقول هو بمكّة، فيقول: لا أدري ما تقول، ولا بدّ لك أن تأتي به، فتخرج إلى القادسيّة فتقيم بها أيّاما، فإذا قدمت عليك ذهبت بي إليه حتى يقتلني على باب دار عمرو بن حريث، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر من منخري دم عبيط.

قال: وكان ميثم يمرّ في السبخة بنخلة فيضرب بيده عليها، ويقول: يا نخلة ما غذيت إلّا لي، وكان يقول لعمرو بن حريث: إذا جاورتك فأحسن‏

__________________________________________________

 (1) منتهى الامال: ج 1 ص 226.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:49

جواري، فكان عمرو يرى أنّه يشتري عنده دارا أو ضيعة له بجنب ضيعته، فكان عمرو يقول: سأفعل، فأرسل الطاغية عبيد اللّه بن زياد إلى عريف ميثم يطلبه منه، فأخبره بأنه بمكّة، فقال له: إن لم تأتني به لأقتلنّك فأجّله أجلا، وخرج العريف إلى القادسية ينتظر ميثما، فلمّا قدم ميثم أخذ بيده فأتى به عبيد اللّه بن زياد، فلمّا دخل عليه، قال له: ميثم؟ قال: نعم.

قال: إبرأ من أبي تراب.

قال: لا أعرف أبا تراب.

قال: إبرأ من علي بن أبي طالب عليه السّلام.

قال: فإن لم أفعل؟

قال: إذا واللّه أقتلنّك.

قال: أما إنّه قد كان يقول لي إنّك ستقتلني وتصلبني على باب عمرو بن حريث، فإذا كان اليوم الثالث ابتدر من منخري دم عبيط.

قال: فأمر بصلبه على باب عمرو بن حريث، قال للناس: سلوني، سلوني- وهو مصلوب- قبل أن أموت فو اللّه لأحدّثنكم ببعض ما يكون من الفتن، فلمّا سأله الناس وحدّثهم أتاه رسول من ابن زياد- لعنه اللّه- فألجمه بلجام من شريط، فهو أوّل من ألجم بلجام وهو مصلوب، ثمّ أنفد إليه من وجأ جوفه حتى مات، فكانت هذه من دلائل أمير المؤمنين عليه السّلام «1».

إخباره عليه السّلام أنّ رشيد الهجري يقتل:

عن أبي حسّان العجلي، قال: لقيت أمة اللّه بنت رشيد الهجري، فقلت لها: أخبريني بما سمعت من أبيك.

قالت: سمعته يقول: قال لي حبيبي أمير المؤمنين عليه السّلام: يا رشيد

__________________________________________________

 (1) سفينة البحار: ج 2 ص 523.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:50

كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني أميّة فقطع يديك ورجليك ولسانك؟

فقلت: يا أمير المؤمنين أ يكون آخر ذلك إلى الجنة؟

فقال: نعم يا رشيد، وأنت معي في الدنيا والآخرة.

قالت: فو اللّه ما ذهبت الأيّام حتى أرسل إليه الدعيّ عبيد اللّه بن زياد، فدعاه إلى البراءة من أمير المؤمنين عليه السّلام فأبى أن يتبرّأ منه، فقال له ابن زياد: فبأيّ ميتة قال لك صاحبك تموت؟

قال: أخبرني خليلي- صلوات اللّه عليه- إنّك تدعوني إلى البراءة منه فلا أتبرّأ، فتقدّمني فتقطع يديّ ورجليّ ولساني.

فقال: واللّه لأكذّبنّ صاحبك، قدموه فاقطعوا يده ورجله، واتركوا لسانه، فقطعوه ثمّ حملوه إلى منزلنا، فقلت له: يا أبت جعلت فداك هل تجد لما أصابك ألما؟

قال: لا واللّه يا بنيّة إلّا كالزحام بين الناس.

ثمّ دخل عليه جيرانه ومعارفه يتوجّعون له، فقال: إئتوني بصحيفة ودواة أذكر لكم ما يكون ممّا أعلمنيه مولاي أمير المؤمنين عليه السّلام فأتوه بصحيفة ودواة، فجعل يذكر ويملي عليهم أخبار الملاحم والكائنات، ويسندها إلى أمير المؤمنين عليه السّلام.

فبلغ ذلك عبيد اللّه بن زياد، فأرسل إليه الحجّام حتى قطع لسانه، فمات من ليلته تلك رحمه اللّه وكان أمير المؤمنين عليه السّلام يسمّيه رشيد المبتلى.

و قد ألقى عليه السّلام إليه علم البلايا والمنايا، فكان يلقى الرجل فيقول له:

يا فلان بن فلان تموت ميتة كذا، وأنت يا فلان تقتل قتلة كذا، فيكون الأمر كما قاله رشيد رحمه اللّه «1».

__________________________________________________

 (1) بحار الأنوار: ج 42 ص 121.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:51

من كرامات الإمام الحسن (ع):

إخباره بما يحدث بعد موته:

عن ابن عباس، قال: دخل الحسين بن علي عليه السّلام على أخيه الحسن بن علي عليه السّلام في مرضه الذي توفي فيه فقال له: كيف تجدك يا أخي؟

قال: أجدني في أوّل يوم من أيّام الآخرة وآخر يوم من أيّام الدّنيا واعلم أنّي لا أسبق أجلي وأنّي وارد على أبي وجدّي عليهما السّلام على كره مني لفراقك وفراق إخوتك وفراق الأحبّة وأستغفر اللّه من مقالتي هذه، وأتوب إليه، بل على محبّة منّي للقاء رسول اللّه وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب وأمّي فاطمة وحمزة وجعفر عليهم السّلام وفي اللّه عزّ وجلّ خلف من كلّ هالك وعزاء من كلّ مصيبة ودرك من كلّ ما فات. رأيت أخي كبدي آنفا في الطشت ولقد عرفت من دها بي به ومن أين أتيت فما أنت صانع به يا أخي؟

فقال الحسين عليه السّلام أقتله واللّه.

قال: فلا أخبرك به أبدا حتّى نلقى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم ولكن أكتب يا أخي: هذا ما أوصى به الحسن بن علي إلى أخيه الحسين بن علي أوصى أنه يشهد ألاإله إلّا اللّه وحده لا شريك له وأنّه يعبده حقّ عبادته لا شريك له في الملك ولا ولي له من الذلّ خلق كل شي‏ء فقدّره تقديرا وأنّه أولى من عبد وأحقّ من حمد من أطاعه رشد ومن عصاه غوى ومن تاب إليه اهتدى.

فإنّي أوصيك يا حسين بمن خلفت من أهلي وولدي وأهل بيتك أن تصفح عن مسيئهم وتقبل من محسنهم وتكون لهم خلفا ووالدا وأن تدفنّي مع جدّي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم فإنّي أحقّ به وببيته ممن أدخل بيته بغير إذنه ولا كتاب جاءهم من بعده. قال اللّه فيما أنزله على نبيّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم في كتابه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ (الأحزاب: 53) فو اللّه ما أذن لهم‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:52

في الدخول عليه في حياته بغير إذنه ولا جاءهم الإذن في ذلك من بعد وفاته ونحن مأذون لنا في التصرّف فيما ورثناه من بعده.

فإن أبت عليك الإمرأة فأنشدك بالقرابة التي قرب اللّه عزّ وجلّ منك، والرحم الماسة من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم ألاتهريق فيّ محجمة من دم حتى نلقى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم فنختصم إليه فنخبره بما كان من الناس إلينا بعده ثم قبض عليه السّلام.

قال ابن عبّاس: فدعاني الحسين بن علي عليه السّلام وعبد اللّه بن جعفر وعلي بن عبد اللّه بن العباس فقال: اغسلوا ابن عمّكم فغسلناه وحنطناه وألبسناه أكفانه ثم خرجنا به حتى صلّينا عليه في المسجد وأنّ الحسين عليه السّلام أمر أن يفتح البيت فحال دون ذلك مروان بن الحكم وآل أبي سفيان ومن حضر هناك من ولد عثمان بن عفّان وقالوا: أ يدفن أمير المؤمنين عثمان الشهيد القتيل ظلما بالبقيع بشرّ مكان ويدفن الحسن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم؟

و اللّه لا يكون ذلك أبدا حتى تكسر السيوف وتنقصف الرماح وتنفذ النبل.

فقال الحسين عليه السّلام: أما واللّه الذي حرّم مكة، للحسن بن علي وابن فاطمة أحقّ برسول اللّه وببيته ممن أدخل بيته بغير إذنه وهو واللّه أحقّ به من حمّال الخطايا، مسيّر أبي ذرّ رحمه اللّه، الفاعل بعمّار ما فعل، وبعبد اللّه ما صنع، الحامي الحمى المؤوي لطريد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم، لكنكم صرتم بعده الأمراء، وتابعكم على ذلك الأعداء وأبناء الأعداء.

قال: فحملناه فأتينا به قبر أمه فاطمة عليها السّلام فدفنّاه إلى جنبها رضي اللّه عنه وأرضاه.

قال ابن عبّاس: وكنت أوّل من انصرف فسمعت اللغط وخفت أن يعجل الحسين على من قد أقبل ورأيت شخصا علمت الشرّ فيه فأقبلت مبادرا وإذا أنا بعائشة في أربعين راكبا على بغل مرمّل تقدمهم وتأمرهم بالقتال، فلمّا رأتني قالت: إليّ إليّ يابن عبّاس لقد اجترأتم عليّ في الدنيا

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:53

تؤذونني مرّة بعد أخرى تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أهوى ولا أحبّ.

فقلت: وا سوأتاه يوم على بغل ويوم على جمل تريدين أن تطفئي نور اللّه وتقاتلي أولياء اللّه وتحولي بين رسول اللّه وبين حبيبه أن يدفن معه، ارجعي فقد كفى اللّه عزّ وجلّ المؤنة، ودفن الحسن عليه السّلام إلى جنب أمه، فلم يزدد من اللّه تعالى إلّا قربا وما ازددتم منه واللّه إلّا بعدا، يا سوأتاه انصرفي فقد رأيت ما سرّك.

فقال: فقطبت وجهها ونادت بأعلى صوتها: أو ما نسيتم الجمل يا بن عباس؟ إنكم لذو أحقاد.

فقلت: أما واللّه ما نسيه أهل السماء فكيف ينساه أهل الأرض، فانصرفت وهي تقول:

         فألقت عصاها واستقرّت بها النوى             كما قرّ عينا بالإياب المسافر «1»

من كرامات الإمام الحسين (ع):

شفاء الأعمى:

عن صالح بن ميثم في حديث: أنّ حبابة الوالبية قالت: كنت أزور الحسين بن علي عليه السّلام قالت: فحدث بين عيني وضح وشقّ ذلك عليّ، واحتبست عليه أيّاما؛ فسأل عنّي ما فعلت حبابة الوالبية؟ فقالوا: إنها حدث عليها حدث بين عينيها، فقال لأصحابه: قوموا إليها، فجاء مع أصحابه حتى دخل عليّ وأنا في مسجدي هذا؛ فقال عليه السّلام: يا حبابة ما أبطأ بك عليّ؟

قلت: حدث هذا بي، فكشفت القناع فتفل عليه الحسين عليه السّلام فقال: يا حبابة! أحدثي للّه شكرا فإنّ اللّه قد درأه عنك، قالت: فخررت ساجدة، فقال: يا حبابة! ارفعي رأسك وانظري في مرآتك قالت: فرفعت رأسي فلم‏

__________________________________________________

 (1) بحار الأنوار: ج 44 ص 151.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:54

أحسّ منه شيئا، قالت: فحمدت اللّه «1».

عند ولادته وعند استشهاده عليه السّلام:

روي أنه لما ولد الحسين عليه السّلام أمر اللّه جبرئيل عليه السّلام أن يهبط في ملأ من الملائكة فيهنين محمّدا فهبط فمرّ بجزيرة فيها ملك يقال له فطرس بعثه اللّه تعالى في شي‏ء فأبطأه فكسر جناحه فألقاه في تلك الجزيرة فعبد اللّه سبعمائة سنة، فقال فطرس لجبرئيل عليه السّلام: إلى أين؟ قال: إلى محمّد، قال:

فاحملني معك إليه لعلّه يدعو لي فلمّا دخل جبرئيل وأخبر محمّدا بحال فطرس، قال له النبي: قل له يمسح بهذا المولود جناحه، فمسح فطرس بمهد الحسين عليه السّلام فأعاد اللّه تعالى في الحال جناحه ثم ارتفع جبرئيل إلى السماء «2».

و عن المنهال بن عمرو قال: أنا واللّه رأيت رأس الحسين عليه السّلام حين حمل وأنا بدمشق وبين يديه رجل يقرأ الكهف حتى بلغ قوله تعالى: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً فأنطق اللّه تعالى الرأس بلسان فصيح وقال: أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي.

عن الحسين عليه السّلام في حديث: أنه قال لأمّ سلمة: إني خارج، وإني مقتول لا محالة فأين المفرّ من القدر المقدور وإني لأعرف اليوم والساعة التي أقتل فيها، والبقعة التي أدفن فيها، يا أمّ سلمة! فإن أحببت أن أريك مضجعي، ومضجع أصحابي ومكاني فعلت فقالت: قد شئت فتكلّم بالاسم الأعظم؛ فانخفضت له الأرض حتى أراها المكان والمضجع ومدّ يده وتناول من التربة وأعطاها «3».

__________________________________________________

 (1) إثبات الهداة: ج 5 ص 185.

 (2) المصدر السابق: ص 191.

 (3) المصدر السابق: ص 201.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:55

من كرامات الإمام زين العابدين (ع):

إخباره بالغيب:

عن أبي خالد الكابلي، قال: دخلت على سيّدي عليّ بن الحسين زين العابدين عليه السّلام فقلت له: يا بن رسول اللّه من الّذين فرض اللّه عزّ وجلّ طاعتهم ومودّتهم وأوجب على عباده الإقتداء بهم بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم؟

فقال لي: يا كابلي إنّ أولي الأمر الّذين جعلهم اللّه أئمة للنّاس وأوجب عليهم طاعتهم: أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام ثمّ الحسن، ثمّ الحسين ابنا علي بن أبي طالب، ثمّ انتهى الأمر إلينا ثمّ سكت.

فقلت: يا سيّدي روي لنا عن أمير المؤمنين علي عليه السّلام: إنّ الأرض لا تخلو من حجّة للّه على عباده، فمن الإمام والحجّة بعدك؟

فقال: ابني محمّد، واسمه في التوراة باقر يبقر العلم بقرا، هو الحجّة والإمام بعدي، ومن بعد محمّد، ابنه جعفر، واسمه عند أهل السماء الصادق.

فقلت: يا سيّدي فكيف صار إسمه الصادق وكلكم صادقون؟

فقال: حدّثني أبي عن أبيه عليهم السّلام أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم قال: إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام فسمّوه الصادق فإنّ الخامس من ولده الذي اسمه جعفر، يدّعي الإمامة اجتراء على اللّه عزّ وجلّ وكذبا عليه، فهو عند اللّه جعفر الكذّاب المفتري على اللّه، والمدّعي ما ليس له بأهل، المخالف على أبيه، والحاسد لأخيه ذلك الّذي يروم كشف سرّ اللّه عند غيبة وليّ اللّه عزّ وجلّ.

ثم بكى علي بن الحسين عليه السّلام بكاء شديدا، ثمّ قال: كأنّي بجعفر الكذّاب، وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليّ اللّه والمغيّب في حفظ اللّه والموكّل بحرم أبيه، جهلا منه بولادته، وحرصا منه على قتله، إن ظفر به، طمعا في ميراث أخيه حتّى يأخذه بغير حقّ.

                       

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:56

قال أبو خالد: فقلت له: يابن رسول اللّه وإنّ ذلك لكائن؟

فقال: إي وربّي إنّه لمكتوب عندنا في الصحيفة التي فيها ذكر المحن التي تجري علينا بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم.

قال أبو خالد: فقلت: يا بن رسول اللّه ثمّ ماذا يكون؟

قال: تمتدّ الغيبة بوليّ اللّه عزّ وجلّ، الثاني عشر من أوصياء رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم والأئمة بعده عليهم السّلام.

يا أبا خالد، إنّ أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل من أهل كلّ زمان، لأنّ اللّه تبارك وتعالى أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة، ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم بالسيف، أولئك هم المخلصون حقّا وشيعتنا صدقا، والدعاة إلى دين اللّه عزّ وجلّ سرّا وجهرا «1».

من كرامات الإمام محمد الباقر (ع):

الكشف عن بصر أبي بصير:

عن أبي بصير قال: دخلت على أبي جعفر عليه السّلام فقلت له: أنتم ورثة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم؟

قال: نعم، قلت: رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم وارث الأنبياء، علم كلّما علموا؟

قال لي: نعم، قلت: فأنتم تقدرون على أن تحيوا الموتى وتبرؤا الأكمه والأبرص؟

قال لي: نعم بإذن اللّه، ثم قال لي: أدن منّي يا أبا محمّد، فدنوت منه فمسح على وجهي وعلى عيني، فأبصرت الشمس والسماء والأرض والبيوت وكلّ شي‏ء في البلد، ثمّ قال لي: أ تحبّ أن تكون هكذا، ولك ما للناس وعليك ما عليهم يوم القيامة؟ أو تعود كما كنت ولك الجنة خالصا؟

__________________________________________________

 (1) بحار الأنوار: ج 46 ص 230.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:57

قلت: أعود كما كنت، فمسح على عيني فعدت كما كنت.

قال: فحدثت ابن أبي عمير بهذا، فقال: أشهد أنّ هذا حقّ كما أنّ النهار حقّ «1».

ردّه عليه السّلام سؤال النصراني بما يعلمه النصراني:

عن أبي بصير قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: مررت بالشام وأنا متوجّه إلى بعض خلفاء بني أميّة، فإذا قوم في جانبي، فقلت: أين تريدون؟ قالوا:

إلى عالم لنا لم نر مثله، يخبرنا بمصلحة شأننا، قال: فاتّبعهم حتى دخلوا لهواء «2» عظيما ففيه بشر كثير، فلم ألبث أن خرج شيخ كبير متوكّيا على رجلين قد سقط حاجباه على عينيه، قد شدّ حاجبيه حتى بدت عيناه، فنظر إليّ فقال: أمنّا أنت أم من الأمّة المرحومة؟ قلت: من الأمّة المرحومة، فقال أمن علمائهم أم من جهّالهم؟

قال: قلت: لا من علمائهم ولا من جهّالهم، فقال: أنتم الذين تزعمون أنّكم تذهبون إلى الجنّة فتأكلون وتشربون ولا تحدثون؟ قال: قلت: نعم، قال: فهات على هذا برهانا، قلت الجنين يأكل في بطن أمّه من طعامها ويشرب من شرابها ولا يحدث، قال ألست قلت إنّك لست من علمائهم؟

قال: قلت: ولا من جهّالهم، قال: فأخبرني عن ساعة ليست من النهار ولا من الليل: قلت: هذه ساعة من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لا تعدّ من ليلنا ولا من نهارنا، وفيها تفيق مرضانا، فنظر إليّ النصرانيّ متعجّبا وقال:

أ لست قلت إنّك لست من علمائهم؟

ثم قال: أما واللّه لأسألنّك عن مسألة ترتطم فيها ارتطاما كالثور في‏

__________________________________________________

 (1) إثبات الهداة: ج 3 ص 40. وأورده في الثاقب في المناقب: 373 ح 307.

 (2) الملهى: اللهو، زمانه، موضعه، يقال: «هذا ملهى القوم» أي موضع إقامتهم.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:58

الوحل، أخبرني عن رجلين ولدا في ساعة واحدة وماتا في ساعة واحدة عاش أحدهما خمسين ومائة سنة وعاش الاخر خمسين سنة، قال: قلت: ثكلتك أمّك هما عزير وعزرة عاش هذا خمسين، ثمّ أماته اللّه مائة عام ثم بعثه، فقال: كم لبثت؟ قال: لبثت يوما أو بعض يوم وعاش هذا خمسين ومائة عام، ثمّ ماتا جميعا، فقال النصرانيّ غضبا واللّه لا أكلّمكم كلمة ولا رأيتم لي وجها اثنا عشر شهرا إذ أدخلتم هذا عليّ وقام فخرجت «1».

من كرامات الإمام جعفر الصادق (ع):

عدم حرق النار من أمره عليه السّلام بدخولها:

عن مأمون الرقّي، قال: كنت عند سيّدي الصادق عليه السّلام إذ دخل عليه سهل بن حسن الخراساني، فسلّم عليه، ثمّ جلس، فقال له: يا بن رسول اللّه، لكم الرأفة والرحمة، وأنتم أهل بيت الإمامة ما الذي يمنعك أن يكون لك حقّ تقعد عنه، وأنت تجد من شيعتك مائة ألف يضربون بين يديك بالسيف؟

فقال له عليه السّلام: إجلس يا خراساني، رعى اللّه حقّك، ثمّ قال: يا حنفيّة أسجري التنّور، فسجرته حتى صار كالجمرة وابيضّ علوّه، ثمّ قال: يا خراساني، قم فاجلس في التنّور.

فقال الخراساني: يا سيّدي، يابن رسول اللّه، لا تعذّبني بالنار، أقلني أقالك اللّه.

قال: قد أقلتك، فبينما نحن كذلك إذ أقبل هارون المكّي ونعله في سبّابته، فقال: السلام عليك يا بن رسول اللّه.

فقال له الصادق عليه السّلام: ألق النعل من يدك، واجلس في التنّور.

قال: فألقى النعل من سبّابته، ثمّ جلس في التنّور، وأقبل الإمام عليه السّلام‏

__________________________________________________

 (1) معاجز أهل البيت عليهم السّلام: ص 177.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:59

يحدّث الخراساني حديث خراسان حتى كأنّه شاهد لها، ثمّ قال: قم يا خراساني، وانظر ما في التنّور.

قال: فقمت إليه فرأيته متربّعا، فخرج إلينا وسلّم علينا، فقال له الإمام عليه السّلام: كم تجد بخراسان مثل هذا؟

فقال: واللّه ولا واحدا.

فقال عليه السّلام: لا واللّه ولا واحدا، فقال: أمّا إنّا لا نخرج في زمان لا نجد فيه خمسة معاضدين لنا، نحن أعلم بالوقت «1».

من كرامات الإمام موسى الكاظم (ع):

شقيق البلخيّ وما شهده من دلائله عليه السّلام:

عن شقيق البلخيّ أنّه قال:

خرجت حاجّا في سنة تسع وأربعين ومائة فنزلت «القادسيّة»، فبينا أنا أنظر إلى الناس في زينتهم وكثرتهم نظرت إلى فتى حسن الوجه شديد السمرة ضعيف، فوق ثيابه ثوب من صوف، مشتمل بشملة في رجليه نعلان، وقد جلس منفردا، فقلت في نفسي: هذا الفتى من الصوفيّة يريد أن يكون كلّا على الناس في طريقهم، واللّه لأمضينّ إليه ولأوبّخنّه.

فدنوت منه، فلمّا رآني مقبلا قال: يا شقيق: اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ، إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، ثمّ تركني ومضى.

فقلت: إنّ هذا الأمر عظيم، قد تكلّم بما في نفسي ونطق باسمي، وما هذا إلّا عبد صالح، لألحقنّه ولأسألنّه أن يحلّلني، فأسرعت في أثره فلم ألحقه، وغاب عن عيني.

فلمّا نزلنا «واقصة» إذا به يصلّي وأعضاؤه تضطرب ودموعه تجري،

__________________________________________________

 (1) مناقب ابن شهر آشوب: 4/ 237، عن البحار: 47/ 123 ح 172.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:60

فقلت: هذا صاحبي، أمضي إليه وأستحلّه، فصبرت حتّى جلس وأقبلت نحوه، فلمّا رآني مقبلا قال: يا شقيق: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى‏، ثم تركني ومضى.

فقلت: إنّ هذا الفتى لمن الأبدال، لقد تكلّم على سرّي مرّتين، فلمّا نزلنا «زبالة» إذا بالفتى قائم على بئر وبيده ركوة يريد أن يستقي ماء، فسقطت الركوة من يده في البئر وأنا أنظر إليه، فرأيته قد رمق السماء وسمعته يقول:

         أنت ربّي إذا ظمئت إلى الماء             وقوتي إذا أردت طعاما

 «اللهم سيّدي مالي غيرها، فلا تعدمنيها».

قال شقيق: فو اللّه لقد رأيت البئر وقد ارتفع ماؤها، فمدّ يده وأخذ الركوة وملؤها ماء فتوضّأ، وصلّى أربعة ركعات، ثمّ مال إلى كثيب رمل فجعل يقبض بيده ويطرحه في الركوة، ويحرّكه ويشرب، فأقبلت إليه وسلّمت عليه، فردّ عليّ عليه السّلام فقلت: أطعمني من فضل ما أنعم اللّه عليك، فقال: «يا شقيق، لم تزل نعمة اللّه علينا ظاهرة وباطنة، فأحسن ظنّك بربّك»، ثمّ ناولني الركوة فشربت منها فإذا هو سويق وسكّر، فو اللّه ما شربت قطّ ألذّ منه ولا أطيب ريحا، فشبعت ورويت، وأقمت أيّاما لا أشتهي طعاما ولا شرابا.

ثمّ لم أره حتّى دخلنا «مكّة» فرأيته ليلة إلى جنب قبّة السراب في نصف الليل قائما يصلّي بخشوع وأنين وبكاء، فلم يزل كذلك حتّى ذهب الليل، فلمّا رأى الفجر جلس في مصلّاه يسبّح، ثمّ قام فصلّى الغداة، وطاف بالبيت سبعا، وخرج.

فتبعته وإذا له حاشية وموال، وهو على خلاف ما رأيته في الطريق، ودار به الناس من حوله يسلّمون عليه، فقلت لبعض من رأيته يقرب منه: من هذا الفتى؟ فقال: هذا موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن‏

                         النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:61

عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام، فقلت: قد عجبت أن تكون هذه العجائب إلّا لمثل هذا السيّد «1».

و اعلم أنّ هذه الحكاية التي نقلها شقيق عن الإمام موسى بن جعفر عليهما السّلام، نقلها جملة من علماء الشيعة والسنّة، وأوردوا ضمن ما نقلوه أشعارا منها هذه الأبيات:

         سل شقيق البلخيّ عنه بما شا             هد منه وما الذي كان أبصر

          قال لمّا حججت عاينت شخصا             ناحل الجسم شاحب اللون أسمر

          سائرا وحده وليس له زا             دّ فما زلت دائبا أتفكّر

          وتوهّمت أنّه يسأل النا             س ولم أدر أنه الحجّ الأكبر

          ثمّ عاينته ونحن نزول             دون فيد على الكثيّب الأحمر

          يضع الرمل في الإناء ويشرب             ه فناديته وعقلي محيّر

          اسقني شربة فلمّا سقاني             منه عاينته سويقا وسكّر

          فسألت الحجيج من يك هذا             قيل هذا الإمام موسى بن جعفر

خبر شطيطة النيسابورية وجملة من الدلائل فيه:

اجتمعت عصابة الشيعة بنيسابور واختاروا محمّد بن عليّ النيسابوريّ فدفعوا إليه ثلاثين ألف دينار، وخمسين ألف درهم، وألفيّ شقّة من الثياب، وأتت شطيطة (و هي امرأة مؤمنة فقيرة) بدرهم صحيح وشقّة خام من غزل يديها تساوي أربعة دراهم، فقالت: «إنّ اللّه لا يستحيّ من الحقّ».

قال: فثنّيت درهمها، وجاؤوا جزء فيه مسائل مل‏ء سبعين ورقة، في كل ورقة مسألة، وباقي الورق بياض ليكتب الجواب تحتها، وقد حزمت كلّ ورقتين بثلاث حزم، وختم عليها بثلاثة خواتيم، على كلّ حزام خاتم؛ وقالوا:

ادفعها إلى الإمام ليلا وخذها منه في الغد. فإن وجدت الجزء صحيح‏

__________________________________________________

 (1) منتهى الامال: ج 2 ص 268.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:62

الخواتيم فاكسر منها خمسة وانظر هل أجاب عن المسائل، فإن لم تنكسر الخواتيم (أي إن بقيت سليمة وأجاب عن المسائل دون أن يفتحها) فهو الإمام المستحقّ للمال فادفعه إليه، وإلّا فردّ إلينا أموالنا.

فدخل الرجل على الأفطح عبد اللّه بن جعفر وجرّبه، وخرج عنه قائلا:

ربّ اهدني إلى سواء الصراط.

قال: فبينما أنا واقف إذا أنا بغلام يقول: أجب من تريد، فأتى بي دار موسى بن جعفر عليه السّلام، فلمّا رآني قال لي:

لم تقنط يا أبا جعفر؟ ولم تفزع إلى اليهود والنصارى، إليّ فأنّا حجّة اللّه ووليّه، ألم يعرّفك أبو حمزة على باب مسجد جدّي، وقد أجبتك عمّا في الجزء من المسائل بجميع ما تحتاج إليه منذ أمس، فجئني به وبدرهم شطيطة الذي وزنه درهم ودانقان، الذي في الكيس فيه أربعمائة درهم للوازوريّ، والشقّة التي في رزمة الأخوين البلخيّين.

قال الراوي: فطار عقلي من مقاله، وأتيت بما أمرني، ووضعت ذلك قبله، فأخذ درهم شطيطة وإزارها، ثم استقبلني وقال:

 «إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ»، يا أبا جعفر، أبلغ شطيطة سلامي، وأعطها هذه الصرّة، وكانت أربعين درهما، ثم قال عليه السّلام وأهديت لها شقّة من أكفاني من قطن قريتنا «صيدا» قرية فاطمة الزهراء عليها السّلام، وغزل أختي حليمة ابنة أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليهما السّلام، وقل لها، ستعيشين تسعة عشر يوما من وصول أبي جعفر ووصول الشقّة والدراهم، فأنفقي على نفسك منها ستّة عشر درهما، واجعلي أربعة وعشرين درهما صدقة عنك وما يلزم عنك، وأنا أتولّى الصلاة عليك، فإذا رأيتني يا أبا جعفر فاكتم عليّ، فإنّه أبقى لنفسك.

ثمّ قال: واردد الأموال إلى أصحابها، أفلك هذه الخواتيم عن الجزء وانظر هل أجبناك عن المسائل أم لا، من قبل أن تأتينا بالجزء؟

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:63

قال الراوي: فوجدت الخواتيم صحيحة، ففتحت منها واحدا من وسطها فوجدت فيه مكتوبا: ...

ثمّ وافى الرجل خراسان فوجد الذين ردّ عليهم أموالهم ارتدّوا إلى الفطحيّة، وشطيطة على الحقّ، فبلّغها سلامه، وأعطاها صرّته وشقّته، فعاشت كما قال عليه السّلام، فلمّا توفّيت شطيطة جاء الإمام على بعير له، فلمّا فرغ من تجهيزها ركب بعيره وانثنى نحو البريّة، وقال: عرّف أصحابك وأقرئهم منّي السلام، وقل لهم:

 «إنّي ومن يجري مجراي من الأئمّة لا بدّ لنا من حضور جنائزكم في أيّ بلد كنتم فاتّقوا اللّه في أنفسكم» «1».

من كرامات الإمام علي الرضا (ع):

معرفته بالغيب:

روي عن أبي حبيب البناجيّ أنّه قال: رأيت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم في المنام وقد وافى (البناج) «2» ونزل بها في المسجد الذي ينزله الحاجّ في كلّ سنة، وكأنّي مضيت إليه وسلّمت عليه، ووقفت بين يديه، ووجدت عنده طبقا من خوص «3» نخل المدينة فيه تمر صيحانيّ، فكأنّه قبض قبضة من ذلك التمر فناولني، فعددته فكان ثماني عشرة تمرة، فتأوّلت أنّي أعيش بعدد كلّ تمرة سنة.

فلمّا كان بعد عشرين يوما كنت في أرض تعمّر بين يديّ للزراعة، حتّى جاءني من أخبرني بقدوم أبي الحسن الرضا عليه السّلام من المدينة، ونزوله ذلك المسجد، ورأيت الناس يسعون إليه، فمضيت نحوه، فإذا هو جالس في‏

__________________________________________________

 (1) منتهى الامال: ج 2 ص 258.

 (2) البناج ككتاب: قرية في البادية.

 (3) الخوص: ورق النخل.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:64

الموضع الذي كنت رأيت فيه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم، وتحته حصير مثل ما كان تحته، وبين يديه طبق خوص فيه تمر صيحانيّ، فسلّمت عليه فردّ السلام عليّ، واستدناني فناولني قبضة من ذلك التمر، فعددته فإذا عدده مثل ذلك العدد الذي ناولني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم، فقلت له: زدني منه يا بن رسول اللّه، فقال: لو زادك رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم لزدناك «1».

و روي عن الريّان بن الصلت أنّه قال: لمّا أردت الخروج إلى العراق عزمت على توديع الرضا عليه السّلام فقلت في نفسي: إذا ودّعته سألته قميصا من ثياب جسده لأكفّن به، ودراهم من ماله أصوغ بها لبناتي خواتيم، فلمّا ودّعته شغلني البكاء والأسى على فراقه عن مسألته ذلك، فلمّا خرجت من بين يديه صاح بي: يا ريّان، ارجع، فرجعت فقال لي:

أما تحبّ أن أدفع إليك قميصا من ثياب جسدي تكفّن فيه إذا فني أجلك؟ أو ما تحبّ أن أدفع إليك دراهم تصوغ بها لبناتك خواتيم؟

فقلت: يا سيّدي، قد كان في نفسي أن أسألك ذلك، فمنعني الغمّ بفراقك، فرفع الوسادة وأخرج قميصا فدفعه إليّ، ورفع جانب المصلّى فأخرج دراهم فدفعها إليّ، فعددتها فكانت ثلاثين درهما «2».

روي عن عبد اللّه بن محمّد الهاشميّ أنّه قال:

دخلت على المأمون يوما فأجلسني وأخرج من كان عنده، ثمّ دعا بالطعام فطعمنا، ثم تطيّبنا، ثمّ أمر بستارة فضربت، ثمّ أقبل على بعض من كان في الستارة (يريد جارية مغنيّة) فقال: باللّه لمّا رثيت لنا من بطوس (يريد الرضا عليه السّلام المدفون بطوس)، فأخذت تقول:

         سقيا لطوس ومن أضحى بها قطنا             من عترة المصطفى أبقى لنا حزنا

__________________________________________________

 (1) منتهى الامال: ج 2 ص 348.

 (2) منتهى الامال: ج 2 ص 349.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:65

قال الهاشميّ: ثم بكى، فقال لي: يا عبد اللّه، أ يلومني أهل بيتي وأهل بيتك أن نصبت أبا الحسن الرضا عليه السّلام علما؟ فو اللّه لأحدّثنّك بحديث تتعجّب منه:

جئته يوما فقلت له: جعلت فداك، إنّ آبائك موسى وجعفرا ومحمّدا وعليّ بن الحسين عليهم السّلام كان عندهم علم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، وأنت وصيّ القوم ووارثهم، وعندك علمهم، وقد بدت لي إليك حاجة؛ قال: هاتها، فقلت:

هذه الزاهرية حظيّتي، ولا أقدّم عليها أحدا من جواريّ، وقد حملت غير مرّة وأسقطت، وهي الان حامل، فدلّني على ما تتعالج به فتسلم، فقال:

لا تخف من إسقاطها، فإنّها تسلم وتلد غلاما أشبه الناس بأمّه، وتكن له خنصر زائدة في يده اليمنى ليست بالمدلّاة، وفي رجله اليسرى خنصر زائدة ليست بالمدلّاة.

فقلت في نفسي: أشهد أنّ اللّه على كلّ شي‏ء قدير، فولدت الزاهريّة غلاما أشبه الناس بأمّه في يده اليمنى خنصر زائدة ليست بالمدلّاة وفي رجله اليسرى خنصر زائدة ليست بالمدلّاة، على ما كان وصفه لي الرضا عليه السّلام، فمن يلومني على نصبي إيّاه علما؟ «1»

الماء الذي نبع والأثر الباقي:

عن عبد السلام بن صالح الهرويّ قال: لمّا خرج عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام من نيسابور إلى المأمون، فبلغ قرب القرية (الحمراء)، قيل له:

يا بن رسول اللّه قد زالت الشمس أ فلا تصلّي، فنزل عليه السّلام فقال: إئتوني بماء، فقيل: ما معنا ماء، فبحث عليه السّلام بيده الأرض فنبع من الماء ما توضّأ به هو

__________________________________________________

 (1) منتهى الامال: ج 2 ص 354.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:66

و أصحابه ومن معه، وأثره باق إلى اليوم، فلمّا بلغ إلى «سندباد» استند إلى الجبل الذي تنحت منه القدور فقال:

 «اللهمّ انفع به وبارك فيما يجعل فيه وفيما ينحت منه».

ثمّ أمر عليه السّلام فنحت له قدور من الجبل، وقال: لا يطبخ ما آكله إلّا فيها.

و كان عليه السّلام خفيف الأكل قليل الطعم، فاهتدى الناس إليه من ذلك اليوم، وظهرت بركة دعائه عليه السّلام فيه، ثمّ دخل دار حميد بن قحطبة الطائيّ ودخل القبّة التي فيها قبر هارون الرشيد، ثمّ خطّ بيده إلى جانبه ثمّ قال عليه السّلام:

هذه تربتي وفيها أدفن وسيجعل اللّه هذا المكان مختلف شيعتي وأهل محبّتي، واللّه ما يزورني منهم زائر ولا يسلّم عليّ منهم مسلّم إلّا وجب له غفران اللّه تعالى ورحمته بشفاعتنا أهل البيت.

ثمّ استقبل القبلة فصلّى ركعات ودعا بدعوات، فلمّا فرغ سجد سجدة طال مكثه فيها فأحصيت له فيها خمسمائة تسبيحة، ثمّ انصرف «1».

من كرامات الإمام محمد الجواد (ع):

حياة الشجرة:

روى الشيخ المفيد وابن شهر آشوب وآخرون أنّه لمّا توجّه أبو جعفر عليه السّلام من بغداد منصرفا من عند المأمون ومعه أمّ الفضل قاصدا بها إلى المدينة صار إلى شارع باب الكوفة، ومعه الناس يشيّعونه، فانتهى إلى دار المسيّب عند مغيب الشمس، فنزل ودخل المسجد، وكان في صحنه نبقة «2» لم تحمل بعد، فدعا بكوز من الماء فتوضّأ في أصل النبقة، فصلّى بالناس صلاة المغرب، فقرأ في الأولى منها «الحمد» وإِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ، وقرأ في‏

__________________________________________________

 (1) عيون أخبار الرضا عليه السّلام: ج 2 ص 136.

 (2) النبق: حمل شجر السدر، أشبه بالعنّاب قبل أن تشتدّ حمرته.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:67

الثانية «الحمد» وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وقنت قبل ركوعه فيها، وصلّى الثالثة وتشهّد، ثمّ جلس هنيئة يذكر اللّه جلّ اسمه، وقام من غير أن يعقّب، وصلّى النوافل أربع ركعات وعقّب بعدها، وسجد سجدتي الشكر ثمّ خرج.

فلمّا انتهى إلى النبقة رآها الناس وقد حملت حملا حسنا، فتعجبوا من ذلك، وأكلوا منها فوجدوه نبقا حلوا لا عجم له «1».

معرفته بما يجول في الخاطر:

عن القاسم بن عبد الرحمن، وكان زيديّا، قال: خرجت إلى بغداد، فبينا أنا بها إذ رأيت الناس يتعادون ويتشرّفون ويقفون، فقلت: ما هذا؟

فقالوا: ابن الرضا، ابن الرضا، فقلت: واللّه لأنظرنّ إليه، فطلع على بغل أو بغلة، فقلت: لعن اللّه أصحاب الإمامة حيث يقولون: إنّ اللّه افترض طاعة هذا!! فعدل إليّ وقال:

يا قاسم بن عبد الرحمن، أَ بَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ؟! إِنَّا إِذاً لَفِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ.

فقلت في نفسي: ساحر واللّه، فعدل إليّ فقال:

أَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا؟! بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ.

قال: فانصرفت، وقلت بالإمامة، وشهدت أنّه حجّة اللّه على خلقه، وحسن اعتقادي «2».

من كرامات الإمام علي الهادي (ع):

معرفته ما يجول في الخاطر:

ذكر القطب الروانديّ عن جماعة من أهل إصفهان، قالوا: كان بإصفهان رجل يقال له عبد الرحمن، وكان شيعيّا.

__________________________________________________

 (1) منتهى الامال: ج 2 ص 431.

 (2) المصدر السابق: ص 432.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:68

قيل له: ما السبب الذي أوجب عليك القول بإمامة عليّ النقيّ عليه السّلام دون غيره؟ قال: شاهدت ما أوجب ذلك عليّ، وهو أنّي كنت رجلا فقيرا، وكان لي لسان وجرأة، فأخرجني أهل إصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكّل متظلّمين، فكنّا بباب المتوكّل يوما إذ خرج الأمر بإحضار عليّ بن محمّد بن الرضا عليهم السّلام، فقلت لبعض من حضر: من هذا الرجل الذي قد أمر بإحضاره؟ فقيل هذا رجل علويّ تقول الرافضة بإمامته، ثمّ قال:

و تقدّر أنّ المتوكّل يحضره للقتل، فقلت: لا أبرح من ههنا حتّى أنظر إلى هذا الرجل، أيّ رجل هو.

قال: فأقبل راكبا على فرس وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرتها صفّين ينظرون إليه، فلمّا رأيته وقع حبّه في قلبي، فجعلت أدعو له في نفسي بأن يدفع اللّه عنه شرّ المتوكّل.

فأقبل يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف دابّته، لا ينظر يمنة ولا يسرة، وأنا أكرّر في نفسي الدعاء له، فلمّا صار بإزائي أقبل بوجهه عليّ وقال: استجاب اللّه دعاءك، وطوّل عمرك، وكثّر مالك وولدك.

قال: فارتعدت من هيبته، ووقعت بين أصحابي، فسألوني: ما شأنك؟

فقلت: خيرا، ولم أخبر بذلك مخلوقا، فانصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان، ففتح اللّه عليّ بدعائه وجوها من المال حتّى أنّي اليوم أغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم، سوى ما لي خارج داري، ورزقت عشرة من الأولاد، وقد بلغت الان من عمري نيّفا وسبعين سنة وأنا أقول بإمامة الرجل على الذي علم ما في قلبي، واستجاب اللّه دعاءه في أمري «1».

من كرامات الإمام الحسن العسكري (ع):

خبر الراهب في الإستسقاء:

عن عليّ بن الحسن بن سابور قال: قحط الناس بسرّ من رأى في زمن‏

__________________________________________________

 (1) منتهى الامال: ج 2 ص 481.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:69

الحسن الأخير عليه السّلام، فأمر الخليفة الحاجب وأهل المملكة أن يخرجوا إلى الإستسقاء، فخرجوا ثلاثة أيّام متوالية إلى المصلّى يستسقون ويدعون فما سقوا، فخرج الجاثليق في اليوم الرابع إلى الصحراء ومعه النصارى والرهبان، وكان فيهم راهب، فلمّا مدّ يده هطلت السماء بالمطر، وخرج في اليوم الثاني فهطلت السماء بالمطر، فشكّ أكثر الناس وتعجّبوا وصبوا إلى دين النصرانيّة، فأنفذ الخليفة إلى الحسن عليه السّلام: وكان محبوسا، فاستخرجه من حبسه وقال: إلحق أمة جدّك فقد هلكت.

فقال له: «إني خارج في الغد، ومزيل الشكّ إن شاء اللّه»، فخرج الجاثليق في يوم الثالث والرهبان معه، وخرج الحسن عليه السّلام في نفر من أصحابه، فلمّا بصر بالراهب- وقد مدّ يده- أمر بعض مماليكه أن يقبض على يده اليمنى ويأخذ ما بين إصبعيه، ففعل وأخذ من بين سبّابته والوسطى عظاما أسود، فأخذه الحسن عليه السّلام بيده ثمّ قال له: «استسق الان» فاستسقى، وكانت السماء متغيّمة فتقشّعت وطلعت الشمس بيضاء، فقال الخليفة: ما هذا العظم يا أبا محمّد؟

قال عليه السّلام: «هذا رجل مرّ بقبر نبيّ من أنبياء اللّه، فوقع في يده هذا العظم، وما كشف عن عظم نبيّ إلّا هطلت السماء بالمطر» «1».

من كرامات الإمام المهدي (عج):

لمّا كانت بلدة البحرين تحت حكم الفرنجة جعلوا واليا عليها رجلا من المسلمين ليكون أدعى إلى تعميرها وأصلح بحال أهلها، وكان هذا الوالي من النواصب، وله وزير أشدّ نصبا منه، يظهر العداوة لأهل البحرين لحبّهم لأهل البيت عليهم السّلام، ويحتال في إهلاكهم والإضرار بهم بكلّ حيلة.

فلمّا كان في بعض الأيام دخل الوزير على الوالي وبيده رمّانة، فأعطاها الوالي، فإذا مكتوب عليها:

__________________________________________________

 (1) معاجز أهل البيت: ص 374.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:70

 «لا إله إلّا اللّه، محمّد رسول اللّه، وأبو بكر وعمر وعثمان وعليّ خلفاء رسول اللّه».

فتأمّل الوالي فرأى الكتابة من أصل الرمّانة، بحيث لا يحتمل عنده أن تكون من صناعة البشر، فتعجّب من ذلك، وقال للوزير: هذه آية بيّنة وحجّة قويّة على إبطال مذهب الرافضة، فما رأيك في أهل البحرين؟ فقال له:

أصلحك اللّه، إنّ هؤلاء جماعة متعصّبون، ينكرون البراهين، وينبغي أن تحضرهم وتريهم هذه الرمّانة، فإن قبلوا ورجعوا إلى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك، وإن أبوا إلّا المقام على ضلالتهم فخيّرهم بين ثلاث: إمّا أن يؤدّوا الجزية وهم صاغرون، أو يأتوا بجواب عن هذه الاية البيّنة التي لا محيص لهم عنها، أو تقتل رجالهم وتسبي نساءهم وأولادهم، وتأخذ بالغنيمة أموالهم!!

فاستحسن الوالي رأيه، وأرسل إلى العلماء، والأفاضل الأخيار والنجباء، والسادة الأبرار من أهل البحرين وأحضرهم، وأراهم الرمّانة، وأخبرهم بما رأى فيهم إن لم يأتوا بجواب شاف، من القتل والأسر وأخذ الأموال، أو أخذ الجزية على وجه الصغار كالكفّار؛ فتحيّروا في أمرها، ولم يقدروا على جواب، وتغيّرت وجوههم، وارتعدت فرائصهم.

فقال كبراؤهم: أمهلنا أيّها الأمير ثلاثة أيّام لعلّنا نأتيك بجواب ترتضيه، وإلّا فاحكم فينا ما شئت، فأمهلهم، فخرجوا من عنده خائفين مرعوبين متحيّرين.

فاجتمعوا في مجلس وأجالوا الرأي في ذلك، فاتّفق رأيهم على أن يختاروا من صلحاء البحرين وزهّادهم عشرة، ففعلوا ثمّ اختاروا من العشرة ثلاثة، فقالوا لأحدهم: أخرج الليلة إلى الصحراء واعبد اللّه فيها، واستغث بإمام زماننا وحجّة اللّه علينا، لعلّه يبيّن لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:71

فخرج وبات طوال ليلته متعبّدا خاشعا داعيا باكيا، يدعو ويستغيث بالإمام عليه السّلام، حتّى أصبح ولم ير شيئا، فأتاهم وأخبرهم، فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم، فرجع كصاحبه، ولم يأتهم بخبر، فازداد قلقهم وجزعهم.

فأحضروا الثالث، وكان تقيّا فاضلا اسمه محمّد بن عيسى، فخرج الليلة الثالثة حافيا حاسر الرأس إلى الصحراء، وكانت ليلة مظلمة، فدعا وبكى، وتوسّل إلى اللّه تعالى في خلاص هؤلاء المؤمنين، وكشف هذه البليّة عنهم، واستغاث بصاحب الزمان.

فلمّا كان في آخر الليل إذا هو برجل يخاطبه ويقول: يا محمّد بن عيسى، مالي أراك على هذه الحالة، ولماذا خرجت إلى هذه البريّة؟ فقال له:

أيّها الرجل دعني، فإنّي خرجت لأمر عظيم وخطب جسيم لا أذكره إلّا لإمامي، ولا أشكوه إلّا إلى من يقدر على كشفه عنّي.

فقال: يا محمّد بن عيسى، أنا صاحب الأمر، فاذكر حاجتك؛ فقال:

إن كنت هو فأنت تعلم قصّتي، ولا تحتاج إلى أن أشرحها لك، فقال له: نعم، خرجت لما دهمكم من أمر الرمّانة وما كتب عليها، وما أوعدكم الأمير به.

قال محمّد بن عيسى: فلمّا سمعت ذلك توجّهت إليه وقلت له: نعم يا مولاي، لأنت تعلم ما أصابنا، وأنت إمامنا وملاذنا والقادر على كشفه عنّا.

فقال صلوات اللّه عليه: يا محمّد بن عيسى، إنّ الوزير لعنه اللّه في داره شجرة رمّان، فلمّا حملت تلك الشجرة صنع شيئا من الطين على هيئة الرمّانة، وجعلها نصفين، وكتب في داخل كلّ نصف بعض تلك الكتابة، ثمّ وضعهما على الرمّانة، وشدّهما عليها وهي صغيرة، فأثّر فيها وصارت هكذا، فإذا مضيتم غدا إلى الوالي فقل له: جئتك بالجواب، ولكنّي لا أبديه لك إلّا في دار الوزير، فإذا مضيتم إلى داره فانظر عن يمينك فترى غرفة، فقل للوالي: لا أجيبك إلّا في تلك الغرفة، وسيأبى الوزير ذلك، فبالغ أنت في ذلك ولا ترض إلّا بالصعود إليها، فإذا صعد فاصعد معه ولا تتركه يتقدّم‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:72

عليك، فإذا دخلت الغرفة رأيت فيها كوّة فيها كيس أبيض، فانهض إليه وخذه تر فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة، ثمّ ضعها أمام الوالي، وضع الرمّانة فيها لينكشف له جليّة الحال.

يا محمّد بن عيسى، قل للوالي أيضا: إنّ لدينا معجزة أخرى، وهي أنّ هذه الرمّانة ليس فيها إلّا الرماد والدخان، وإن أردت صحة ذلك فمر الوزير بكسرها، فإذا كسرها طار الرماد والدخان على وجهه ولحيته.

فلمّا سمع محمّد بن عيسى ذلك من الإمام فرح فرحا شديدا، وقبّل الأرض بين يدي الإمام صلوات اللّه عليه، وانصرف إلى أهله بالبشارة والسرور.

فلمّا أصبحوا مضوا إلى الوالي، ففعل محمّد بن عيسى كلّ ما أمره الإمام، وظهر كلّ ما أخبره، فالتفت الوالي إلى محمّد بن عيسى وقال له: من أخبرك بهذا؟ فقال: إمام زماننا وحجّة اللّه علينا، فقال: ومن إمامكم؟ فأخبره بالأئمّة واحدا بعد واحد، إلى أن انتهى إلى صاحب الأمر، صلوات اللّه عليهم.

فقال الوالي: مدّ يدك، فأنا أشهد ألاإله إلّا اللّه، وأنّ محمّدا عبده ورسوله، وأنّ الخليفة من بعده بلا فصل أمير المؤمنين علي عليه السّلام ثمّ أقرّ بالأئمّة إلى آخرهم عليهم السّلام، وحسن إيمانه.

و هذه القصّة مشهورة عند أهل البحرين، وقبر محمّد بن عيسى عندهم معروف يزوره الناس «1».

حديث: معرفة الإمام بالنورانية:

و لنختم موضوع «المعرفة» بما روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام في حديث «معرفة الإمام بالنورانية»:

روي عن محمّد بن صدقة أنّه قال: سأل أبو ذرّ الغفاريّ سلمان‏

__________________________________________________

 (1) منتهى الامال: ج 2 ص 620.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:73

الفارسيّ (رضي اللّه عنهما) يا أبا عبد اللّه ما معرفة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام بالنورانيّة؟ قال: يا جندب فامض بنا حتّى نسأله عن ذلك، قال: فأتيناه فلم نجده.

قال: فانتظرناه حتّى جاء قال صلوات اللّه عليه: ما جاء بكما؟ قالا جئناك يا أمير المؤمنين نسألك عن معرفتك بالنورانيّة قال صلوات اللّه عليه:

مرحبا بكما من وليّين متعاهدين لدينه لستما بمقصّرين، لعمري أنّ ذلك الواجب على كلّ مؤمن ومؤمنة.

ثمّ قال صلوات اللّه عليه: يا سلمان ويا جندب قالا: لبّيك يا أمير المؤمنين، قال عليه السّلام: إنّه لا يستكمل أحد الإيمان حتّى يعرفني كنه معرفتي بالنّورانيّة فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن اللّه قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وصار عارفا مستبصرا، ومن قصّر عن معرفة ذلك فهو شاكّ ومرتاب.

يا سلمان ويا جندب قالا: لبّيك يا أمير المؤمنين، قال عليه السّلام: معرفتي بالنورانيّة معرفة اللّه عزّ وجلّ ومعرفة اللّه عزّ وجلّ معرفتي بالنورانيّة وهو الدّين الخالص الّذي قال اللّه تعالى: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكاةَ وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (البيّنة: 5).

و معنى قوله: ما أُمِرُوا إلّا بنبوّة محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم وهو دين الحنيفيّة المحمّديّة السمحة، وقوله: يُقِيمُونَ الصَّلاةَ فمن أقام ولايتي فقد أقام الصّلاة وإقامة ولايتي صعب مستصعب لا يحتمله إلّا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو عبد مؤمن امتحن اللّه قلبه للإيمان. فالملك إذا لم يكن مقرّبا لم يحتمله، والنبيّ إذا لم يكن مرسلا لم يحتمله والمؤمن إذا لم يكن ممتحنا لم يحتمله.

قلت: يا أمير المؤمنين من المؤمن وما نهايته وما حدّه حتّى أعرفه؟

قال عليه السّلام: يا أبا عبد اللّه قلت: لبّيك يا أخا رسول اللّه، قال: المؤمن الممتحن هو الّذي لا يرد من أمرنا إليه شي‏ء إلّا شرح صدره لقبوله ولم يشكّ ولم يرتب.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:74

إعلم يا أبا ذرّ أنا عبد اللّه عزّ وجلّ وخليفته على عباده لا تجعلونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنّكم لا تبلغون كنه ما فينا ولا نهايته، فإنّ اللّه عزّ وجلّ قد أعطانا أكبر وأعظم ممّا يصفه واصفكم أو يخطر على قلب أحدكم فإذا عرفتمونا هكذا فأنتم المؤمنون.

قال سلمان: قلت: يا أخا رسول اللّه ومن أقام الصّلاة أقام ولايتك؟

قال: نعم يا سلمان تصديق ذلك قوله تعالى في الكتاب العزيز: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ (البقرة: 45) فالصّبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم والصلاة إقامة ولايتي، فمنها قال اللّه تعالى: وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ ولم يقل: وإنّهما لكبيرة لأنّ الولاية كبيرة حملها إلّا على الخاشعين، والخاشعون هم الشيعة المستبصرون، وذلك لأنّ أهل الأقاويل من المرجئة والقدريّة والخوارج وغيرهم من الناصبية يقرّون لمحمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم ليس بينهم خلاف وهم مختلفون في ولايتي منكرون لذلك جاحدون بها إلّا القليل.

و هم الّذين وصفهم اللّه في كتابه العزيز فقال: إِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ وقال اللّه تعالى في موضع آخر في كتابه العزيز في نبوّة محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم وفي ولايتي فقال عزّ وجلّ: وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (الحج: 45)) فالقصر محمّد والبئر المعطّلة ولايتي عطّلوها وجحدوها، ومن لم يقرّ بولايتي لم ينفعه الإقرار بنبوّة محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم ألا إنّهما مقرونان.

و ذلك أنّ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم نبيّ مرسل وهو إمام الخلق، وعليّ من بعده إمام الخلق ووصيّ محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم، كما قال له النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي».

و أوّلنا محمّد وأوسطنا محمّد وآخرنا محمّد، فمن استكمل معرفتي فهو على الدّين القيّم كما قال اللّه تعالى: وَذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (البيّنة: 5) وسأبيّن ذلك بعون اللّه وتوفيقه.

يا سلمان ويا جندب قالا: لبّيك يا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليك.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:75

قال: كنت أنا ومحمّد نورا واحدا من نور اللّه عزّ وجلّ، فأمر اللّه تبارك وتعالى ذلك النّور أن يشقّ فقال للنصف: كن محمّدا. وقال للنصف: كن عليّا، فمنها قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «عليّ منّي وأنا من عليّ ولا يؤدّي عنّي إلّا عليّ» وقد وجّه أبا بكر ببراءة إلى مكّة فنزل جبرئيل عليه السّلام فقال: يا محمّد قال: لبّيك، قال: إنّ اللّه يأمرك أن تؤدّيها أنت أو رجل منك، فوجّهني في استرداد أبي بكر فرددته فوجد في نفسه وقال: يا رسول اللّه أنزل فيّ القرآن؟ قال: لا ولكن لا يؤدّي إلّا أنا أو عليّ.

يا سلمان ويا جندب قالا: لبّيك يا أخا رسول اللّه، قال عليه السّلام: من لا يصلح لحمل صحيفة يؤدّيها عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم كيف يصلح للإمامة؟ يا سلمان ويا جندب فأنا ورسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم كنّا نورا واحدا صار رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم محمّد المصطفى، وصرت أنا وصيّه المرتضى، وصار محمّد الناطق، وصرت أنا الصامت، وإنّه لا بدّ في كلّ عصر من الأعصار أن يكون فيه ناطق وصامت، يا سلمان صار محمّد المنذر وصرت أنا الهادي، وذلك قوله عزّ وجلّ: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (الرعد: 7) فرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم المنذر وأنا الهادي.

قال: فضرب عليه السّلام بيده على الآخرى وقال: صار محمّد صاحب الجمع وصرت أنا صاحب النشر، وصار محمّد صاحب الجنّة وصرت أنا صاحب النّار، أقول لها: خذي هذا وذري هذا، وصار محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم صاحب الرجفة وصرت أنا صاحب الهدّة «1» وأنا صاحب اللّوح المحفوظ ألهمني اللّه عزّ وجلّ علم ما فيه.

نعم يا سلمان ويا جندب وصار محمّد يس. وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (يس: 1 و2)، وصار محمّد ن وَالْقَلَمِ (القلم: 1)، وصار محمّد طه ما أَنْزَلْنا

__________________________________________________

 (1) الهدّة: صوت وقع الحائط ونحوه وفي الخبر: «أعوذ بك من الهد والهدة» وفسّر الهد بالهدم والهدة بالخسف، والهد: صوت ما يقع من السماء.

                       

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:76

عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى‏ (طه: 1 و2)) وصار محمّد صاحب الدّلالات، وصرت أنا صاحب المعجزات والايات، وصار محمّد خاتم النبيّين وصرت أنا خاتم الوصيّين، وأنا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (الفاتحة: 6) وأنا النَّبَإِ الْعَظِيمِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ (النبأ: 2 و3) ولا أحد اختلف إلّا في ولايتي، وصار محمّد صاحب الدعوة وصرت أنا صاحب السيف، وصار محمّد نبيّا مرسلا وصرت أنا صاحب أمر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم قال اللّه عزّ وجلّ: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى‏ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ (المؤمن: 15) وهو روح اللّه لا يعطيه ولا يلقي هذا الروح إلّا على ملك مقرّب أو نبيّ مرسل أو وصيّ منتجب، فمن أعطاه اللّه هذا الروح فقد أبانه من النّاس وفوّض إليه القدرة وأحيى الموتى وعلم بما كان وما يكون وسار من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق في لحظة عين، وعلم ما في الضمائر والقلوب وعلم ما في السّماوات والأرض.

يا سلمان ويا جندب وصار محمّد الذكر الّذي قال اللّه عزّ وجلّ: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللَّهِ (الطلاق: 10 و11) إنّي أعطيت علم المنايا والبلايا وفصل الخطاب، واستودعت علم القرآن وما هو كائن إلى يوم القيامة، ومحمد صلى اللّه عليه وآله وسلّم أقام الحجّة حجّة للنّاس، وصرت أنا حجّة اللّه عزّ وجلّ، جعل اللّه لي ما لم يجعل لأحد من الأوّلين والاخرين لا لنبيّ مرسل ولا لملك مقرّب.

يا سلمان ويا جندب قالا: لبّيك صلوات اللّه عليك، قال عليه السّلام: أنا أمير كلّ مؤمن ومؤمنة ممّن مضى وممّن بقي، وأيّدت بروح العظمة، وإنّما أنا عبد من عبيد اللّه لا تسمّونا أربابا وقولوا في فضلنا ما شئتم فإنّكم لن تبلغوا من فضلنا كنه ما جعله اللّه لنا، ولا معشار العشر.

لأنّا آيات اللّه ودلائله، وحجج اللّه وخلفاؤه وأمناؤه وأئمّته، ووجه اللّه وعين اللّه ولسان اللّه، بنا يعذّب اللّه عباده وبنا يثيب، ومن بين خلقه طهّرنا واختارنا واصطفانا، ولو قال قائل: لم وكيف وفيم؟ لكفر وأشرك، لأنّه لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:77

يا سلمان ويا جندب قالا: لبّيك يا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليك، قال عليه السّلام: من آمن بما قلت وصدّق بما بيّنت وفسّرت وشرحت وأوضحت ونوّرت وبرهنت فهو مؤمن ممتحن امتحن اللّه قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وهو عارف مستبصر قد انتهى وبلغ وكمل، ومن شكّ وعند وجحد ووقف وتحيّر وارتاب فهو مقصّر وناصب.

يا سلمان ويا جندب، قالا: لبّيك يا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليك، قال عليه السّلام: أنا أحيي وأميت بإذن ربّي، وأنا أنبّئكم بما تأكلون وما تدّخرون في بيوتكم بإذن ربّي، وأنا عالم بضمائر قلوبكم والأئمّة من أولادي عليهم السّلام يعلمون ويفعلون هذا إذا أحبّوا وأرادوا لأنّا كلّنا واحد، أوّلنا محمّد وآخرنا محمّد وأوسطنا محمّد وكلّنا محمّد فلا تفرّقوا بيننا، ونحن إذا شئنا شاء اللّه وإذا كرهنا كره اللّه، الويل كلّ الويل لمن أنكر فضلنا وخصوصيّتنا وما أعطانا اللّه ربّنا لأنّ من أنكر شيئا ممّا أعطانا اللّه فقد أنكر قدرة اللّه عزّ وجلّ ومشيّته فينا.

يا سلمان ويا جندب، قالا: لبّيك يا أمير المؤمنين صلوات اللّه عليك، قال عليه السّلام: لقد أعطانا اللّه ربّنا ما هو أجلّ وأعظم وأعلى وأكبر من هذا كلّه، قلنا: يا أمير المؤمنين ما الّذي أعطاكم ما هو أعظم وأجلّ من هذا كلّه؟ قال:

قد أعطانا ربّنا عزّ وجلّ علمنا للاسم الأعظم الّذي لو شئنا خرقت السماوات والأرض والجنّة والنّار ونعرج به إلى السماء ونهبط به الأرض ونغرّب ونشرّق وننتهي به إلى العرش فنجلس «1» عليه بين يدي اللّه عزّ وجلّ ويطيعنا كلّ شي‏ء حتّى السماوات والأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدّوابّ والبحار والجنّة والنار، أعطانا اللّه ذلك كلّه بالاسم الأعظم الّذي علّمنا وخصّنا به، ومع هذا كلّه نأكل ونشرب ونمشي في الأسواق ونعمل هذه‏

__________________________________________________

 (1) هذا كناية عن شدّة قربهم وعظم منزلتهم عند اللّه، أو كناية عن إحاطتهم العلمية بأمور السماوات والأرضين بإفاضة اللّه تعالى إيّاهم أو قدرتهم بها ومطاعيتهم عندها.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:78

الأشياء بأمر ربّنا ونحن عباد اللّه المكرمون الّذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

و جعلنا معصومين مطهّرين وفضّلنا على كثير من عباده المؤمنين، فنحن نقول: الحمد للّه الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا اللّه وحقّت كلمة العذاب على الكافرين، أعني الجاحدين بكلّ ما أعطانا اللّه من الفضل والإحسان.

يا سلمان ويا جندب فهذا معرفتي بالنورانيّة فتمسّك بها راشدا فإنّه لا يبلغ أحد من شيعتنا حدّ الاستبصار حتّى يعرفني بالنورانيّة فإذا عرفني بها كان مستبصرا بالغا كاملا قد خاض بحرا من العلم، وارتقى درجة من الفضل، واطّلع على سرّ من سرّ اللّه، ومكنون خزائنه» «1».

بعد هذا البيان يتضح أهمية معرفة المعصومين عليهم السّلام كي يؤدّي العارف حقّ شكرهم والصلاة عليهم لذا روي عن الإمام الصادق عليه السّلام في بيان لأسرار التشهّد: «... وقد أمرك بالصلاة على حبيبه النبي محمد صلى اللّه عليه وآله وسلّم فأوصل صلاته بصلاته، وطاعته بطاعته، وشهادته بشهادته، وانظر لا يفوتك بركات معرفة حرمته، فتحرم من فائدة صلاته وأمره بالاستغفار لك والشفاعة فيك إن أتيت بالواجب في الأمر والنهي والسنن والاداب، وتعلم جليل مرتبته عند اللّه عزّ وجلّ» «2».

يقول جمال العارفين السيد روح اللّه الموسوي (قدس سره الشريف):

 «و من الاداب المهمة للتشهّد والسلام الذي هو خاتمة الصلاة معرفة حرمة الرسول الأكرم الخاتم صلى اللّه عليه وآله وسلّم فلا بدّ للعبد السالك تفهيم القلب أنه لو لا

__________________________________________________

 (1) بحار الأنوار ج 26 ص 5.

 (2) مصباح الشريعة ص 94.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:79

الكشف المحمدي لم يكن لأحد الطريق إلى مقام عبودية الحق والوصول إلى مقام القرب ومعراج المعرفة، ولا بدّ من التذكر أنهم أولياء النعم، ووسائل وصول أهل المعرفة، ووسائط نزول البركات وتجلّيات الحضرة الربوبية جلّت عظمتها «لولاهم ما عبد الرحمن وما عرف الرحمن» ومن شمّ رائحة من حقيقة الولاية والرسالة علم كيفية النسبة بين الأولياء عليهم السّلام وبين الخلق» «1» انتهى بتصرّف يسير.

من تعرّف على النبي والأئمة عليهم السّلام، عشقهم ... ومن عشقهم تأثّر بهم ... ومن تأثّر بهم اقتدى بهم ... ومن اقتدى بهم وصل إلى الكمال الإنساني ... ومن وصل إلى الكمال الإنساني كان في جنة الرضوان وذلك الفوز العظيم ... فحق لمن عرف فضلهم ومقامهم وعلوّهم أن يشكرهم ويدعو لهم في آناء الليل وأطراف النهار، قائما وقاعدا وعلى جنبيه.

تمثّل الارتباط بالمعصومين (ع):

تمثّل الصلاة على محمّد وآل محمّد العلاقة والارتباط بالمعصومين عليهم السّلام من خلال ما يعيشه المصلّي من استذكار واستحضار لشخصياتهم المقدسة، ومن خلال الدعاء لهم باستمرار، والسلام من اللّه تعالى عليهم.

و مثلها كمثل الصلاة اليومية الواجبة التي تمثّل الارتباط الاختياري باللّه تعالى من خلال الطاعة، والانقياد، والتذلّل ...

و نعني بالارتباط بالمعصومين عليهم السّلام: الارتباط القائم على أساس المودّة لهم، والاقتداء بهم ... الارتباط الذي يجعل المصلّي في جهاد دائم مع النفس للوصول إلى القرب منهم عليهم السّلام «فإنّ القرب من ينبوع الحكمة والعلم والكمال المطلق يوجب بلوغ الإنسان إلى الكمال، كما أن البعد يوجب الحرمان منه».

__________________________________________________

 (1) سرّ الصلاة ص 228.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:80

الارتباط الذي يجعل المصلّي ينظر إليهم باعتبارهم الأدلّاء على مرضاة اللّه تعالى، والهداة إلى دين اللّه تعالى، فيتخلّق بأخلاقهم، ويتأدّب بادابهم ...

فلو تحوّل الارتباط بهم إلى إعجاب بذواتهم وأشخاصهم، وإلى التبرّك بذكرهم وآثارهم «1»، دون الاقتداء بأقوالهم وأفعالهم فإنّ ذلك قد يؤدّي إلى الارتداد عنهم عند أي موقف حاسم يخير فيه بين التضحية بالمال والنفس، وبين البقاء على ولايتهم، وهذا ما حصل مع بعض أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم في معركة أحد عند ما سمعوا بوفاة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم حيث خافوا وجبنوا وفرّوا مدبرين منقلبين على الأعقاب وقد تحدث القرآن الكريم عنهم بقوله: وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى‏ أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى‏ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران: 155) بينما وقف الذين كانوا يعيشون عمق العلاقة بالرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم، ويعيشون أهدافه صلى اللّه عليه وآله وسلّم وإسلامه وجهاده وقفوا يقولون:

 «إن كان محمد قد قتل فإنّ ربّ محمّد لم يقتل وما تصنعون بالحياة بعد رسول اللّه قاتلوا على ما قاتل عليه رسول اللّه وموتوا على ما مات عليه» «2».

و لو رجعنا إلى معركة كربلاء التي استشهد فيها إمام الأولياء الحسين عليه السّلام لوجدنا أن الذين حاربوه وقتلوه، وسبوا عياله، كانوا من المحبين له قبل ذلك- كما قال له الفرزدق «قلوبهم معك»- إلّا أن بعضهم‏

__________________________________________________

 (1) روى الشيخ عباس القمي رحمه اللّه في (منتهى الامال) ج 2 ص 263 «أن أبا حنيفة جاء إلى الإمام الصادق عليه السّلام ليسمع منه الأحاديث فخرج الإمام عليه السّلام يتوكأ على عصا، فقال له أبو حنيفة: يا بن رسول اللّه ما بلغت من السن ما تحتاج معه إلى العصا، قال عليه السّلام: هو كذلك، ولكنها عصا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أردت التبرّك بها، فوثب أبو حنيفة إليه وقال له: أقبلّها يا بن رسول اللّه؟ فحسر الإمام عليه السّلام عن ذراعه وقال له: واللّه لقد علمت أن هذا بشر رسول اللّه عليه السّلام وأنّ هذا من شعره، فما قبّلته، وقبّلت عصاه!».

 (2) سيرة سيد المرسلين ج 2 ص 164.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:81

اعتبر ان الخلاف بين الإمام الحسين عليه السّلام وبين يزيد بن معاوية إنما هو خلاف شخصي بينهما على السلطة فكانوا يقولون: «ما لنا والدخول بين السلاطين» والبعض الاخر جبن، وخاف، وطمع بالمال، ولم يكونوا على مستوى العلاقة الموضوعية والارتباط المتين بسيد الشهداء عليه السّلام.

إذن لا بدّ من الارتباط المتين بالمعصومين عليهم السّلام سواء من ناحية القلب أو اللسان أو العمل ...، والصلاة عليهم تمثّل أحد أوجه الارتباط اللساني معهم سلام اللّه عليهم.

تمثّل الولاية والبراءة:

تمثّل الصلاة على محمد وآل محمد التولّي من جهتين:

الأولى: أنها دعاء للّه تعالى كي يتعطف عليهم بالرحمة والبركة ...

بمقابل التبرّي من أعدائهم حيث ندعو اللّه تعالى أن يطردهم من رحمته فنقول: «اللهم العن فلان و...» فكما أن اللّه تعالى والملائكة والمؤمنين يصلّون على محمّد وآل محمّد إعلانا للتولّي لهم- على اختلاف معانيه- وإجهارا بعظمتهم وكمالاتهم وعلوّ مقامهم، كذلك فإنه تعالى، والملائكة، والمؤمنون يلعنون كل من كفر وفسق عن أمر ربّه- مع اختلاف معانيه فهو من اللّه تعالى الطرد عن رحمته والدخول في سخطه، ومن الملائكة والمؤمنين الدعاء عليهم بالطرد- إعلانا بفساد ذواتهم وعدم استحقاقهم للرحمة قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى‏ مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (البقرة: 159) وقال تعالى:

... وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (آل عمران: 87).

الثانية: تتعلّق بإعلان الولاء «لال محمّد عليهم السّلام»- برفع ذكرهم، وبإقرانهم بالصلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم، مقابل الذين حرّفوا الصلاة عليهم‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:82

تحريفا لفظيا ومعنويا- فبعضهم منع من ذكر «الال» عداوة ونصبا، والاخر ذكرهم مع قصده لنساء النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم.

و التولّي هو الحب والمودّة لأولياء اللّه تعالى من الأنبياء والأوصياء والمؤمنين.

و التبرّي هو الانفصال والبغض لأعداء اللّه تعالى من الشياطين، والكفّار، وأئمة الضلال والانحراف قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ (الممتحنة: 1).

و هما من أهم الأسس التي قام عليها الدين، فعن الإمام الرضا عليه السّلام:

 «إنّ كمال الدين ولايتنا والبراءة من عدوّنا» «1».

و قد أمر اللّه تعالى بولاية أهل البيت عليهم السّلام بقوله: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏ (الشورى: 23) والقربى هم: «علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم» عن سعيد بن جبير عن عامر: لما نزلت قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ ... قالوا: يا رسول اللّه ومن قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟

فقال صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «علي وفاطمة وابناهما عليهم السّلام وقالها ثلاثا» «2».

عن رسول اللّه أنه قال: «من مات على حبّ آل محمّد مات شهيدا، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفورا له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حب آل محمد بشّره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير، ألا ومن مات على حب آل محمد يزفّ إلى الجنة كما تزفّ العروس إلى بيت‏

__________________________________________________

 (1) بحار الأنوار ج 27 ص 58.

 (2) رواها كثير من علماء أهل السنّة منهم، أحمد بن حنبل في مسنده، والثعلبي في تفسيره، وأبو نعيم صاحب حلية الأبرار، والمالكي في الفصول المهمة، والحسكاني في شواهد التنزيل، والطبري في تفسيره، والسيوطي في الدرّ المنثور. (راجع (إحقاق الحق) ج 14 ص 106.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:83

زوجها، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل اللّه قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حب آل محمد مات على السنّة والجماعة، ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة اللّه، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافرا، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشمّ رائحة الجنة» «1».

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من أحبّ عليّا فقد أحبني، ومن أبغض عليّا فقد أبغضني» «2».

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من سرّه أن يحيا حياتي، ويموت مماتي، ويسكن جنّة عدن غرسها ربّي، فليتولّ عليّا من بعدي وليوال وليّه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكاذبين بفضلهم من أمتي القاطعين فيهم صلتي لا أنالهم اللّه شفاعتي» «3».

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «لا تزول قدم عبد يوم القيامة من بين يدي اللّه تعالى حتى يسأله عن أربع خصال: عمرك فيما أفنيته؟ وجسدك فيما أبليته؟ ومالك من أين اكتسبته وأين وضعته؟ وعن حبّنا أهل البيت فقال رجل من القوم: وما علامة حبّكم يا رسول اللّه فقال: محبة هذا ووضع يده على رأس علي بن أبي طالب» «4».

و من لم يوال الأئمة عليهم السّلام فهو من المبغوضين عند اللّه تعالى، ولا يقبل اللّه منه عملا وإن صلّى، وصام، وحجّ ...

__________________________________________________

 (1) أخرجه الزمخشري في (تفسير الكشاف) والفخر الرازي في (التفسير الكبير) والقرطبي والثعلبي في تفسيرهما.

 (2) قال في المراجعات: أخرجه الحاكم في المستدرك وصحّحه على شرط الشيخين ج 3 ص 130 وأورده الذهبي في التلخيص.

 (3) المراجعات، المراجعة 48 حديث 24.

 (4) بحار الأنوار ج 27 ص 103.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:84

فعن الإمام الحسين عليه السّلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «ألزموا مودّتنا أهل البيت فإنه من لقي اللّه يوم القيامة وهو يودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمله إلّا بمعرفة حقنا» «1».

عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «ليلة أسري بي إلى الجليل جلّ جلاله أوحي إليّ: آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ قلت: «و المؤمنون» قال:

صدقت يا محمد، من خلّفت في أمتك؟ قلت: خيرها قال: علي بن أبي طالب؟ قال: نعم يا ربّ قال: يا محمّد إنّي اطّلعت إلى الأرض اطّلاعة فاخترتك منها فشققت لك اسما من أسمائي فلا أذكر في موضع إلّا ذكرت معي فأنا المحمود وأنت محمد ثم اطّلعت الثانية فيها فاخترت منها عليّا وشققت له اسما من أسمائي فأنا الأعلى وهو عليّ.

يا محمّد إني خلقتك وخلقت عليّا وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده من سنخ نور من نوري، وعرضت ولايتكم على أهل السموات، وأهل الأرضين، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين، ومن جحدها كان عندي من الكافرين، يا محمّد لو أنّ عبدا من عبيدي عبدني حتى ينقطع ويصير كالشنّ البالي ثم أتاني جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتى يقرّ بولايتكم، يا محمّد تحبّ أن تراهم؟ قلت: نعم يا ربّ فقال لي: التفت عن يمين العرش.

فالتفتّ فإذا أنا بعلي وفاطمة والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي، والمهدي، في ضحضاح من نور قيام يصلّون وفي وسطهم المهدي يضي‏ء كأنه كوكب دريّ.

فقال: يا محمّد هؤلاء الحجج والقائم من عترتك وعترتي وجلالي له‏

__________________________________________________

 (1) بحار الأنوار ج 27 ص 170 والمراجعات، المراجعة 10.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:85

الحجّة الواجبة لأوليائي وهو المنتقم من أعدائي بهم يمسك اللّه السموات أن تقع على الأرض إلّا بإذنه» «1».

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال لعلي عليه السّلام: «يا علي لو أنّ عبدا عبد اللّه مثل ما قام نوح في قومه، وكان له مثل جبل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل اللّه وقد فنى عمره حتى حجّ ألف عام على قدميه، ثم قتل بين الصفا والمروة مظلوما ثم لم يوالك يا علي لم يشمّ رائحة الجنّة ولم يدخلها» «2».

عن ميسر قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقلت له: جعلت فداك إنّ لي جارا لست أنتبه إلّا على صوته إما تاليا كتابه يكرّره ويبكي ويتضرّع، وإما داعيا، فسألت عنه في السرّ والعلانية فقيل لي: إنه مجتنب لجميع المحارم، قال فقال عليه السّلام: يا ميسّر يعرف شيئا ما أنت عليه؟ قال: قلت: اللّه أعلم.

قال: فحججت من قابل فسألت عن الرجل فوجدته لا يعرف شيئا من هذا الأمر فدخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فأخبرته بخبر الرجل، فقال لي مثل ما قال في العام الماضي: يعرف شيئا مما أنت عليه؟ قلت: لا.

قال: يا ميسر أي البقاع أعظم حرمة؟ قلت: اللّه ورسوله وابن رسوله أعلم قال عليه السّلام: يا ميسر ما بين الركن والمقام روضة من رياض الجنة، وما بين القبر والمنبر روضة من رياض الجنة، ولو أنّ عبدا عمره اللّه فيما بين الركن والمقام، وفيما بين القبر والمنبر يعبده ألف عام، ثم ذبح على فراشه مظلوما كما يذبح الكبش الأملح، ثم لقى اللّه عزّ وجلّ بغير ولايتنا لكان حقيقا على اللّه عزّ وجلّ أن يكبّه على منخريه في نار جهنم» «3».

قال الشيخ نصير الدين الطوسي رحمه اللّه:

__________________________________________________

 (1) بحار الأنوار ج 27 ص 200.

 (2) بحار الأنوار ج 27 ص 194.

 (3) بحار الأنوار ج 27 ص 179.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:86

         لو أنّ عبدا أتى بالصالحات غدا             وودّ كل نبي مرسل وولي‏

          وصام ما صام صوّاما بلا ضجر             وقام ما قام قوّاما بلا ملل‏

          وحجّ ما حجّ من فرض ومن سنن             وطاف ما طاف حاف غير منتعل‏

          وطار في الجوّ لا يأوي إلى أحد             وغاص في البحر مأمونا من البلل‏

          يكسو اليتامى من الديباج كلهم             ويطعم الجائعين البرّ بالعسل‏

          وعاش في الناس آلافا مؤلفة             عار من الذنب معصوما من الزلل‏

          ما كان في الحشر عند اللّه منتفعا             إلّا بحبّ أمير المؤمنين علي‏

 وكما يجب موالاة الأئمة عليهم السّلام كذلك يجب موالاة أوليائهم وشيعتهم، لقوله تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ (التوبة: 71).

و في الخبر عن أبي الحسن عليه السّلام: «من عادى شيعتنا فقد عادانا، ومن والاهم فقد والانا، لأنّهم منّا خلقوا من فاضل طينتنا، من أحبّهم فهو منّا، ومن أبغضهم فليس منّا» «1».

* تجب البراءة من أعداء اللّه تعالى الذين وقفوا بوجه الدعوة الإسلامية، وحاربوا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم، والإمام علي عليه السّلام ومن بعده من الأئمة الأحد عشر عليهم السّلام ...

لأنّ قوام الدين «البراءة» فكما أن اللّه تعالى لا يقبل من أحد من عباده الإقرار بربوبيته حتى يتبرّأ من سواه من المعبودين، كما ينطق بذلك كلمة التوحيد «لا إله إلّا اللّه» القائمة على نفي الالهة المصطنعة وإثبات اللّه الواحد.

و كما أنه تعالى لا يقبل الإقرار بنبوة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم إلّا بعد نفيها عمّن سواه من المدّعين بالباطل كمسيلمة الكذّاب والأسود العنسي.

كذلك لا يقبل القول بولاية الإمام علي وأولاده المعصومين عليهم السّلام إلّا بعد نفيها عمن ادّعاها من غيرهم الذين انقلبوا على أعقابهم، وارتدّوا على‏

__________________________________________________

 (1) الوسائل باب 17 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حديث 10.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:87

أدبارهم، وأسسوا أساس الانحراف في الشريعة والقيادة ...

في الرواية، أنّ رجلا قدم على أمير المؤمنين عليه السّلام فقال: يا أمير المؤمنين إني أحبّك وأحب فلانا- وسمّى بعض أعدائه- فقال عليه السّلام: «أمّا الان فأنت أعور، فإمّا أن تعمى وإمّا أن تبصر» «1».

و قيل للإمام الصادق عليه السّلام: إنّ فلانا يواليكم إلّا أنه يضعف عن البراءة من عدوّكم، فقال: «هيهات كذب من ادّعى محبتنا ولم يتبرّأ من عدوّنا» «2».

و كما يجب معاداة أئمة الكفر والضلال كذلك يجب معاداة أولياءهم ففي الخبر عن الإمام الرضا عليه السّلام: «إنّ ممن ينتحل مودّتنا أهل البيت من هو أشدّ فتنة على شيعتنا من الدجّال قيل له: لماذا؟ فقال عليه السّلام: بموالاة أعدائنا ومعاداة أوليائنا» «3».

تكملة في التبرّي من الكفّار:

نهى القرآن الكريم المسلمين بشدّة، وفي العديد من الايات المباركة عن التودّد للكفّار الحربيين المعادين للإسلام والمسلمين، ومن هذه الايات:

قوله تعالى: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْ‏ءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (آل عمران: 28).

و قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ (الممتحنة: 1).

و قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَ تُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً مُبِيناً (النساء: 144).

__________________________________________________

 (1) بحار الأنوار ج 27 ص 58.

 (2) المصدر نفسه.

 (3) الوسائل باب 17 من أبواب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حديث 9.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:88

و قد وصف اللّه تعالى الموالين للكفّار من دون المؤمنين بالمنافقين في قوله: بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً. الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (النساء: 139).

ففي هذه الايات وغيرها نهيّ صريح عن الركون إلى الكفّار المحاربين، واتّخاذهم أولياء من دون المؤمنين، وهي عامة تشمل جميع أنواع الاتصال والولاية كالمحبة والمودة، والنصرة باللسان، والمال ... فإن «من تشبّه بقوم فهو منهم».

و في الحديث القدسي أنه تعالى أوحى إلى نبي من أنبيائه أن قل للمؤمنين: «ألايلبسوا لباس أعدائي، وألايأكلوا طعام أعدائي، وأن لا يسيروا في سبيل أعدائي فيصيروا أعداء لي كما هم أعدائي» «1».

و في الخبر أن الإمام موسى الكاظم عليه السّلام قال لصفوان الجمّال: «يا صفوان كل شي‏ء منك حسن جميل ما خلا شيئا واحدا، فقال: جعلت فداك أي شي‏ء هو؟ قال: إكراك جمالك لهارون الرشيد، فقال: واللّه ما أكريته أشرا ولا بطرا ولا لصيد ولا لهو، ولكني أكريته لطريق مكة ولا أتولاها بنفسي، وإنما أبعث معها غلماني، فقال لي: يا صفوان ألست تحب بقاءهم إلى أن يخرج كراك منهم؟ قلت: نعم يابن رسول اللّه قال عليه السّلام: فمن أحبّ بقاءهم فهو منهم، ومن كان منهم فقد ورد النار» «2».

و السرّ في التأكيد على هذا الأمر هو حفظ كيان المسلمين، وعدم ضياع معالمهم، وحفظ أخلاقهم، لأنّ ولايتهم تستلزم القرب منهم والتشبّه بهم في تنظيم الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية وفي هذا الضلال الكبير فانظر أخي القارى‏ء إلى حال المسلمين في عصرنا الحاضر، فهل تجد إلّا ضعف العقيدة

__________________________________________________

 (1) منتهى الامال ج 2 ص 662.

 (2) سيرة الأئمة الاثني عشر ج 2 ص 313.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:89

و ضياع الذات، والتخلّف الفكري، والصحي، والاقتصادي، ... واضرب بطرفك حيث شئت من بلاد المسلمين هل تجد إلّا فقيرا يكابد فقرا، أو غنيا بدّل نعمة اللّه كفرا ... والسبب في ذلك هو ضعف الإيمان والتولّي لأعداء اللّه تعالى من الدول الكافرة، والمستكبرة، والمستبدة، وصدق الإمام الصادق عليه السّلام عند ما قال: «لو لا أن بني أمية وجدوا من يكتب ويجبي لهم الفي‏ء، ويقاتل عنهم، ويشهد جماعتهم لما سلبونا حقّنا» «1».

نعم لو لا الذين تولّوا الكفّار ونصروهم بقلبهم ولسانهم، وآذانهم، وعيونهم، وأيديهم، وأرجلهم لما حلّ بالمسلمين التخلّف والتشتت ...

عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من تولّى خصومة ظالم أو أعانه عليها نزل به ملك الموت بالبشرى بلعنه ونار جهنم وبئس المصير، ومن خفّ لسلطان جائر في حاجة كان قرينه في النار، ومن دلّ سلطانا على الجور قرن مع هامان، وكان هو والسلطان من أشدّ أهل النار عذابا» «2».

و عن الإمام الصادق عليه السّلام: «إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين الظلمة، وأعوان الظلمة، وأشباه الظلمة، حتى من برى لهم قلما، ولاقى لهم دواة، فيجتمعون في تابوت من حديد ثم يرمى بهم في جهنم» «3».

الدلالة على الإمامة:

تدل الصلاة على «الال» على اختصاص الإمامة بالإمام علي عليه السّلام وأولاده المعصومين عليهم السّلام دون غيرهم، بالتقريب التالي:

ان آل الأنبياء السابقين لما لم يكن أوصياؤهم في صدد حفظ شريعتهم لتطرق النسخ عليها وعدم الحاجة إلى حافظ لها بعدهم يكون شريكا لهم في‏

__________________________________________________

 (1) سفينة البحار مادة (ظلم).

 (2) الذنوب الكبيرة ج 2 ص 39 عن وسائل الشيعة.

 (3) المصدر نفسه.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:90

إيصالها على وجهها إلى من بعدهم لم يستحقوا الصلاة ولم يجب اقتران صلاة الأنبياء بصلاتهم أصلا.

و لما كان دين نبينا صلى اللّه عليه وآله وسلّم مأمونا عن النسخ والتبديل وكان على آله وعترته المعصومين عليهم السّلام حفظه بعده إلى يوم القيامة أوجب مشاركتهم في حفظ الدين وإبلاغه إلى من بعده على وجه خال عن الخلل والتوهين، فشاركوه في استحقاق الصلاة عليهم، ومن كان هذا حاله فهو الأفضل، والأفضل هو المقدّم على غيره في الوصاية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم «1»، لحكم العقل والنقل بقبح تقديم المفضول على الفاضل قال تعالى: أَ فَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى‏ فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (يونس: 35).

و قال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (الزمر: 9).

__________________________________________________

 (1) إحقاق الحق ج 3 ص 273. ودلائل الصدق للمظفّر ج 2 ص 201.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:91

الفصل الثاني: معنى الصلاة على محمّد وآل محمد

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:93

معنى الصلاة على محمّد وآل محمّد تعرّض لمعنى الصلاة العديد من المفسّرين، واللغويين، وشرّاح الحديث، وحاصل الجميع: أنها «الدعاء، والثناء، والتبجيل، والتعظيم، والرحمة».

فلها معنى واحد- بحسب المعنى اللغوي- إلّا أنّ ما يطرأ عليها من مختلف التطبيقات، إنما هو بحسب موقع القائل، مثل ذلك: كلمة «إفعل» فحينما تكون من العالي إلى الداني، فإنها تفيد معنى الأمر، وحينما تكون من الداني إلى العالي فإنها تفيد الدعاء والطلب، وحينما تكون من الشخص إلى نظيره، فإنها تفيد الرجاء والالتماس، وهكذا الحال في معنى الصلاة فإنها بمعنى واحد إلّا أن اختلاف القائل يسبّب التغيير في معناها.

* فإن كان المصلّي هو اللّه تعالى فصلاته على رسوله هي تعظيمه في الدنيا بإعلاء كلمته، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتضعيف مثوبته والزيادة في رفع درجته.

و قد ورد في القرآن الكريم صلاة اللّه تعالى على بعض عباده المؤمنين.

قال تعالى: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ (البقرة: 157).

في سياق الحديث عن الذاكرين قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ (الأحزاب: 43).

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:94

و قد روي أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم كان إذا أخذ الزكاة من أبي أوفى قال: «اللّهمّ صلّ على أبي أوفى وآل أبي أوفى» «1».

امتثالا لأمر اللّه تعالى عند أخذه الصدقة، حيث قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (التوبة: 103).

و من الطبيعي أن هناك فرقا بين صلاة اللّه تعالى على رسوله وبين صلاته على المؤمنين.

فصلاته تعالى على المؤمنين إنما هي لإخراجهم من الظلمات إلى النور كما في الاية المباركة،- وتقدم ذكرها- وأما صلاته على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم فالأمر ليس كذلك، إذ هو نور بنفسه، حيث يقول اللّه تعالى في حقّه: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ (المائدة: 15) ويقول: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (الأحزاب: 46) بل هي تعظيم، ورحمة، وقرب من اللّه تعالى.

* وإن كانت الصلاة من الملائكة فمعناها الدعاء له، والثناء عليه.

و قد ورد في القرآن الكريم صلاتهم على إبراهيم وآله عليهم السّلام بقوله تعالى: قالُوا أَ تَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (هود: 73).

عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «لما خلق اللّه العرش، خلق سبعين ألف ملك، وقال لهم: طوفوا بعرشي النور، وسبّحوني، واحملوا عرشي، فطافوا وسبّحوا، وأرادوا أن يحملوا العرش فما قدروا فقال لهم اللّه عزّ وجلّ:

طوفوا بعرشي النور وصلّوا على نور جلالي محمّد حبيبي واحملوا

__________________________________________________

 (1) كنز العرفان للمقداد السيوري: ج 1 ص 139.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:95

عرشي، فطافوا وحملوه وقالوا: ربّنا أمرتنا بتسبيحك وتقديسك، وأمرتنا أن نصلّي على نور جلالك محمّد فننقص من تسبيحك؟ فقال اللّه لهم:

يا ملائكتي إذا أنتم صلّيتم على حبيبي محمّد فقد سبّحتموني، وقدّستموني وهلّلتموني» «1».

و في الحديث أنّ رجلا أتى إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: جعلت فداك أخبرني عن قول اللّه تعالى وما وصف من الملائكة: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ ثم قال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ كيف لا يفترون وهم يصلّون على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إنّ اللّه لما خلق محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم أمر الملائكة فقال: نقصوا من ذكري بمقدار الصلاة على محمد فقول الرجل صلّى اللّه على محمد في الصلاة مثل قوله سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر» «2». لا يخفى أن المثلية في الأجر والثواب.

* وإن كانت من المؤمنين «3» فمعناها الدعاء له برفع درجته، وعلوّ منزلته.

عن الإمام موسى الكاظم عليه السّلام أنه قال: «صلاة اللّه: رحمة من اللّه، وصلاة الملائكة تزكية منهم له، وصلاة المؤمنين دعاء منهم له» «4».

عن عبد الرّحمن بن كثير قال: «سألته عن قول اللّه تبارك وتعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ ... فقال: صلوات اللّه عليه تزكيته له في السماء، قلت: ما

__________________________________________________

 (1) المستدرك باب 31 من أبواب الذكر حديث 39.

 (2) المستدرك باب 31 من أبواب الذكر حديث 3.

 (3) روى الكليني عن أبي مريم الأنصاري قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: كيف كانت الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم قال عليه السّلام: «لمّا غسّله أمير المؤمنين عليه السّلام وكفّنه سجّاه، ثم أدخل عليه عشرة فداروا حوله ثم وقف أمير المؤمنين عليه السّلام في وسطهم فقال: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ ... فيقول القوم كما يقول عليه السّلام حتى صلّى عليه أهل المدينة والعوالي». (الأنوار البهية ص 39).

 (4) تفسير نور الثقلين: ج 4 ص 202.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:96

معنى تزكية اللّه إيّاه؟ قال: زكّاه بأن برّأه من كل نقص وآفة يلزم مخلوقا، قلت: فصلاة المؤمنين؟ قال: يبرّؤنه ويعرّفونه بأنّ اللّه قد برّأه من كل نقص هو في المخلوقين، من الافات التي تصيبهم في بنية خلقهم، فمن عرّفه ووصفه بغير ذلك فما صلّى عليه» «1».

* وقيل في معناها:

 «الصلاة هي العطف والتحنن استيحاء من اشتقاقها اللغوي وهو «الصلو، والاصطلاء» الذي يفيد الاقتراب من الشي‏ء، كما تقول: صلّيت العود بالنار أي قرّبته ووصلته به.

و عليه فالمراد من صلاة اللّه تعالى هي تعطّفه على رسوله بالمزيد من الرحمة، وصلاة الملائكة استغفارهم له وهو يوجب الرحمة أيضا، وصلاة المؤمنين هي تعطّفهم على الرسول بطلب التعطّف من اللّه تعالى له» «2».

قال الشاعر:

         صلّت على جسم الحسين سيوفهم             فغدا لساجده الظبى محرابا

 ومعناه: نزلت على جسمه عليه السّلام وعطفت نحوه.

آل محمّد:

وقع الخلاف في المراد من آل محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم، فقيل: انهم أصحاب الكساء وهم: (الإمام علي عليه السّلام، والسيدة فاطمة الزهراء عليها السّلام، والإمام الحسن عليه السّلام، والإمام الحسين عليه السّلام) ويتبعهم باقي الأئمة عليهم السّلام المعصومين من ذريّة الإمام الحسين عليه السّلام وهم (الإمام علي بن الحسين عليه السّلام، والإمام محمّد بن علي عليه السّلام، والإمام جعفر بن محمد عليه السّلام، والإمام موسى بن جعفر عليه السّلام،

__________________________________________________

 (1) جمال الأسبوع ص 155 والمستدرك باب 32 من أبواب الذكر حديث 4.

 (2) من هدي القرآن: ج 10 ص 352.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:97

و الإمام علي بن موسى عليه السّلام، والإمام محمّد بن علي عليه السّلام، والإمام علي بن محمد عليه السّلام والإمام الحسن بن علي عليه السّلام، والإمام محمد بن الحسن القائم المنتظر عجّل اللّه فرجه الشريف).

و قيل: انهم الأئمة الاثني عشر عليهم السّلام.

و قيل: مطلق الذريّة.

و قيل: «انه لفظ يطلق على غير المعصومين أيضا، كما ورد عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أن كلّ تقي ونقي آلي، لأنّ آله من يؤول إليه، إما مالا صوريا جسمانيا كأولاده ومن يحذو حذوهم من أقاربه الصوريين الذين تحرم عليهم الصدقة، أو مالا معنويا روحيا كأولاده الروحانيين من العلماء الراسخين والأولياء الكاملين، سبقوه بالزمان أو لحقوه.

و في نهج البلاغة عن الإمام علي عليه السّلام: «إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاؤوا به، ثم تلا: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ثم قال صلوات اللّه عليه إن وليّ محمد من أطاع اللّه وإن بعدت لحمته، وإن عدوّ محمّد من عصى اللّه وإن قربت قرابته» «1».

قال المحدّث الجزائري رحمه اللّه:

 «و الذي أجمعت عليه الشيعة بسبب النقل المستفيض عن المعصومين أنهم المعصومون عليهم السّلام لا غير» «2».

و اختلف أهل السنّة في ذلك أيضا، فمنهم من قال: إنّهم أزواجه، ومنهم من قال: إنهم أمّته، ومنهم من قال: إنهم عشيرته، ومنهم من قال:

إنهم من حرّم عليه الزكاة من بني هاشم وعبد المطّلب.

__________________________________________________

 (1) مفتاح الفلاح للعلّامة محمّد اسماعيل المازندراني: ص 82.

 (2) الأنوار النعمانية: ج 1 ص 133.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:98

أمّا الدليل على ما ذهب إليه الشيعة من أنّ المراد بال الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم هم الأئمة الاثني عشر ومعهم فاطمة الزهراء عليها السّلام فهو قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (الأحزاب: 33).

حيث دلّت الأحاديث المتواترة والمفسّرة للاية، أنّ أهل البيت هم:

 «أصحاب الكساء» وبقية الأئمة عليهم السّلام مشمولين معهم، ولكي نثبت ذلك نحتاج إلى التعرّف على معنى «أهل البيت» و«الال» لغة، وعلى المقصود منه في هذه الاية الشريفة. فنقول:

اتّفق أهل اللغة على أنّ «الأهل» و«الال» كلمتان بمعنى واحد.

قال ابن منظور في لسان العرب: آل الرجل: أهله، وآل اللّه وآل الرسول:

أولياؤه. أصلها أهل ثم أبدلت الهاء همزة فصارت في التقدير أأل فلما توالت الهمزتان أبدلوا الثانية ألفا. كما قالوا: آدم وآخر وفي الفعل آمن وآزر.

و اتّفقوا أيضا على أنّ معناهما يستعمل فيمن كان له علاقة قوية بمن أضيف إليه، كأهل الحلّ والعقد، وأهل الكتاب، وأهل الإسلام. ومنه أهل البيت، وآل البيت وهم: الذين لهم صلة وطيدة بالبيت.

قال الراغب في المفردات: «أهل الرجل من يجمعه وإيّاهم نسب أو دين، أو ما يجري مجراهما من صناعة وبيت وبلد فأهل الرجل في الأصل من يجمعه وإيّاهم مسكن واحد».

بناء على هذا التعريف فإنّ لفظ الال والأهل يشملان الزوجة والأولاد وغيرهم ممن له صلة بالرجل والبيت. نعم، قد يطلق اللفظ ويقصد به قسم خاص من المنتسبين إليه، بحسب القرائن الدالّة على ذلك كما في قوله تعالى: فَلَمَّا قَضى‏ مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً (القصص: 30) حيث أطلق لفظ الأهل وأراد به زوجة موسى عليه السّلام فقط.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:99

و قد يطلق لفظ الال والأهل ويستثنى منه الأولاد أو الزوجة كما في قوله تعالى في حكاية عن نوح عليه السّلام: وَنادى‏ نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا- إلى قوله- وَنادى‏ نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ (هود: 46).

و كما في قوله تعالى عن آل لوط حيث ذكر نجاتهم من الهلاك: إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (الحجر: 59) ثم استثنى زوجته مع أنها داخلة في الال قال تعالى: فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ (النمل: 57).

بعد هذا البيان اللغوي والاستعمالي للفظ الأهل والال. نريد في هذا المقام أن نتعرّف على المقصود من «أهل البيت» في آية التطهير، فهل هو شامل لزوجات النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم، وأولاده أو أنّه خاص بأهل الكساء عليهم السّلام.

و الصحيح أنّه خاص بأهل الكساء عليهم السّلام ولا يشمل نساء النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم.

و يدلّ على ذلك حديث «الكساء» المرويّ عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السّلام:

عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري أنه قال: سمعت فاطمة الزهراء عليها السّلام أنها قالت: «دخل عليّ أبي رسول اللّه في بعض الأيام فقال: السلام عليك يا فاطمة، فقلت عليك السلام. قال إنّي أجد في بدني ضعفا. فقلت له أعيذك باللّه يا أبتاه من الضّعف. فقال: يا فاطمة إيتيني بالكساء اليماني فغطّيني به.

فأتيته بالكساء اليماني فغطّيته به وصرت أنظر إليه وإذا وجهه يتلألأ كأنّه البدر في ليلة تمامه وكماله فما كانت إلّا ساعة وإذا بولدي الحسن قد أقبل وقال:

السلام عليك يا أمّاه، فقلت: وعليك السلام يا قرّة عيني وثمرة فؤادي، فقال: يا أمّاه إني أشم عندك رائحة طيّبة كأنها رائحة جدّي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم، فقلت: نعم إنّ جدّك تحت الكساء فأقبل الحسن نحو الكساء وقال السلام عليك يا جدّاه يا رسول اللّه أ تأذن لي أن أدخل معك تحت الكساء؟ فقال:

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:100

و عليك السلام يا ولدي ويا صاحب حوضي قد أذنت لك، فدخل معه تحت الكساء. فما كانت إلّا ساعة وإذا بولدي الحسين عليه السّلام قد أقبل وقال:

السلام عليك يا أمّاه فقلت: وعليك السلام يا ولدي ويا قرّة عيني وثمرة فؤادي. فقال لي: يا أمّاه إني أشمّ عندك رائحة طيّبة كأنّها رائحة جدّي رسول اللّه. فقلت: نعم إنّ جدّك وأخاك تحت الكساء فدنا الحسين نحو الكساء وقال: السلام عليك يا جدّاه السلام عليك يا من اختاره اللّه أ تأذن لي أن أكون معكما تحت الكساء؟ فقال: وعليك السلام يا ولدي وشافع أمّتي قد أذنت لك فدخل معهما تحت الكساء فأقبل عند ذلك أبو الحسن عليّ بن أبي طالب وقال: السلام عليك يا بنت رسول اللّه. فقلت: وعليك السلام يا أبا الحسن ويا أمير المؤمنين. فقال: يا فاطمة إنّي أشمّ عندك رائحة طيّبة كأنّها رائحة أخي وابن عمّي رسول اللّه. فقلت: نعم ها هو مع ولديك تحت الكساء فأقبل عليّ نحو الكساء وقال: السلام عليك يا رسول اللّه أ تأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء؟ قال له: وعليك السلام يا أخي ويا وصيّي وخليفتي وصاحب لوائي قد أذنت لك فدخل عليّ تحت الكساء. ثم أتيت نحو الكساء وقلت:

السلام عليك يا أبتاه يا رسول اللّه أ تأذن لي أن أكون معكم تحت الكساء؟ قال:

و عليك السلام يا بنتي ويا بضعتي قد أذنت لك فدخلت تحت الكساء.

فلمّا اكتملنا جميعا تحت الكساء أخذ أبي رسول اللّه بطرفي الكساء وأومأ بيده اليمنى إلى السماء وقال: اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي وحامّتي لحمهم لحمي ودمهم دمي يؤلمني ما يؤلمهم ويحزنني ما يحزنهم أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدوّ لمن عاداهم ومحبّ لمن أحبهم إنّهم مني وأنا منهم فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك عليّ وعليهم وأذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا.

فقال اللّه عزّ وجلّ يا ملائكتي ويا سكّان سماواتي إنّي ما خلقت سماء مبنيّة ولا أرضا مدحيّة ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يدور ولا بحرا يجري ولا فلكا يسري إلّا في محبّة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:101

فقال الأمين جبرائيل: يا ربّ ومن تحت الكساء؟ فقال عزّ وجلّ: هم أهل بيت النبوّة ومعدن الرسالة هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها فقال جبرائيل: يا رب أ تأذن لي أن أهبط إلى الأرض لأكون معهم سادسا؟ فقال اللّه: نعم قد أذنت لك. فهبط الأمين جبرائيل وقال: السلام عليك يا رسول اللّه، العليّ الأعلى يقرئك السلام ويخصّك بالتّحيّة والإكرام ويقول لك: وعزّتي وجلالي إني ما خلقت سماء مبنيّة ولا أرضا مدحيّة ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يدور ولا بحرا يجري ولا فلكا يسري إلّا لأجلكم ومحبّتكم، وقد أذن لي أن أدخل معكم فهل تأذن لي يا رسول اللّه؟ فقال رسول اللّه: وعليك السلام يا أمين وحي اللّه، إنّه نعم قد أذنت لك فدخل جبرائيل معنا تحت الكساء فقال لأبي إنّ اللّه قد أوحى إليكم يقول إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. فقال عليّ لأبي: يا رسول اللّه أخبرني ما لجلوسنا هذا تحت الكساء من الفضل عند اللّه؟ فقال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: والذي بعثني بالحقّ نبيّا واصطفاني بالرّسالة نجيّا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبّينا إلّا ونزلت عليهم الرّحمة وحفّت بهم الملائكة واستغفرت لهم إلى أن يتفرّقوا. فقال عليّ عليه السّلام: إذن واللّه فزنا وفاز شيعتنا وربّ الكعبة. فقال أبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: يا عليّ والذي بعثني بالحقّ نبيّا واصطفاني بالرّسالة نجيا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل أهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبّينا وفيهم مهموم إلّا وفرّج اللّه همّه ولا مغموم إلّا وكشف اللّه غمّه ولا طالب حاجة إلّا وقضى اللّه حاجته.

فقال عليّ عليه السّلام: إذن واللّه فزنا وسعدنا وكذلك شيعتنا فازوا وسعدوا في الدّنيا والآخرة وربّ الكعبة».

و كان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم يحدّد ويعرّف الناس- في مناسبات عديدة- أنّ أهل البيت هم أصحاب الكساء. فتارة يصرّح بأسمائهم، وأخرى يدخلهم تحت الكساء ويشير إليهم، وطورا يمرّ ببيت فاطمة عليها السّلام ويشير إليهم حتى صارت كلمة «أهل البيت» بمرور الأيام علما خاصا يدلّ على هؤلاء الخمسة.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:102

عن عائشة: «خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله، ثم جاء الحسين فدخل معه، ثم جاءت فاطمة فأدخلها، ثم جاء علي فأدخله ثم قال: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» «1».

و عن أم سلمة رضي اللّه عنها: «أنّ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم جلّل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء ثم قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي أذهب عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا» فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول اللّه؟ قال: إنّك إلى خير» «2».

لقد فهمت أم سلمة أنّ لفظ أهل البيت خاص بهؤلاء الخمسة فأحبت أن تكون معهم، إلّا أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم لم يدخلها معهم لعدم شمول التطهير لها، ولو كان اللفظ عاما لنساء النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم لما احتاجت أم سلمة إلى السؤال عن حالها.

عن أنس بن مالك أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم كان يمرّ بباب فاطمة عليها السّلام ستة أشهر «3» إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول: الصلاة يا أهل البيت إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ ... وفي رواية أبي سعيد الخدري «4» ثمانية أشهر وعن ابن عباس تسعة أشهر «5».

__________________________________________________

 (1) فضائل الخمسة من الصحاح الستة: ج 1 ص 270، نقلا عن صحيح مسلم في كتاب فضائل الصحابة وعن مستدرك الصحيحين: ج 3 ص 147، وعن ابن جرير في تفسيره: ج 22 ص 5، وعن الزمخشري والفخر الرازي في تفسيرهما لاية المباهلة.

 (2) فضائل الخمسة: ج 1 ص 271، نقلا عن صحيح الترمذي ج 2 ص 319، وعن تفسير الطبري: ج 22 ص 6، وعن مسند أحمد بن حنبل: ج 6 ص 306، وعن أسد الغابة لابن الأثير: ج 4 ص 29، وعن تهذيب التهذيب لابن حجر: ج 2 ص 297.

 (3) فضائل الخمسة: ج 1 ص 272، نقلا عن صحيح الترمذي: ج 2 ص 29، وتفسير الطبري: ج 22 ص 5، ومستدرك الصحيحين: ج 3 ص 158، ومسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 252، وكنز العمّال: ج 7 ص 103.

 (4) المصدر السابق، نقلا عن السيوطي في الدرّ المنثور في آخر سورة طه.

 (5) المصدر السابق، نقلا عن السيوطي في تفسير آية التطهير.

                       

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:103

و هنا سؤال يلفت النظر، هو: إذا كانت آية التطهير مختصة بالخمسة أصحاب الكساء فكيف شمل الأئمة المعصومين عليهم السّلام من ولد الإمام الحسين عليه السّلام؟

الجواب:

إن دخولهم في الال، وشمولهم لاية التطهير يتمّ من خلال دخولهم في قوله تعالى: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ (الأنفال: 75) كما قرر ذلك الإمام جعفر الصادق عليه السّلام إذ يقول في تفسير آية التطهير:

 «نزلت هذه الاية في النبي وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة عليهم السّلام فلمّا قبض اللّه نبيّه كان أمير المؤمنين ثم الحسن ثم الحسين عليهم السّلام ثم وقع تأويل هذه الاية: وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى‏ بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللَّهِ وكان علي بن الحسين عليه السّلام ثم جرت في الأئمة من ولده عليه السّلام فطاعتهم طاعة اللّه ومعصيتهم معصية اللّه عزّ وجلّ» «1».

ثمّ إنّ «التطهير والعصمة» اللذين أرادهما اللّه تعالى لأصحاب الكساء قد تحقّقا في الأئمة عليهم السّلام من ذريّة الإمام الحسين عليه السّلام وعليه فإنهم المصداق الأبرز والوحيد لأهل البيت عليهم السّلام، ولذا نجد الإمام محمد الباقر عليه السّلام يقول لقتادة عند ما جلس بين يديه مضطربا: «ويحك أ تدري أين أنت؟ أنت بين يدي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ فأنت ثم ونحن أولئك» «2».

لقد عبّر الإمام عليه السّلام عن نفسه بأنّه من البيوت الطاهرة لعظمته وطهارته من كل رجس، وعن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام في قوله تعالى: إِنَّما يُرِيدُ

__________________________________________________

 (1) نور الثقلين: ج 4 ص 273 وج 2 ص 172. ومعرفة الإمام للطهراني ج 3 ص 141.

 (2) الكافي: ج 6 ص 256.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:104

اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً قال: يعني الأئمة عليهم السّلام وولايتهم، من دخل فيها دخل بيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم» «1».

روى عمّار بن موسى قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال له رجل:

اللّهمّ صلّ على محمّد وأهل بيت محمّد فقال عليه السّلام: يا هذا لقد ضيّعت علينا، أما علمت أنّ أهل البيت خمس أصحاب الكساء؟ فقال الرجل: كيف أقول: فقال عليه السّلام: اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد فنكون نحن وشيعتنا قد دخلنا فيه» «2».

يبقى سؤال. هو: بما أن آية التطهير وردت في سياق خطاب نساء النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً. وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى‏ وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً. وَاذْكُرْنَ ما يُتْلى‏ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كانَ لَطِيفاً خَبِيراً (الأحزاب: 32- 34).

أ فلا يدلّ ذلك على أنّها نزلت في نساء النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم؟

الجواب:

إنّ وحدة السياق ليست دليلا على نزولها في نساء النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم فإنّ عادة فصحاء العرب أنهم ينتقلون في كلامهم من موضوع إلى آخر ثم يعودون إلى الكلام الأول، وقد استعمل القرآن هذا الأسلوب في مناسبات عديدة، كما في قوله تعالى في حكاية خطاب عزيز مصر لزوجته إذ يقول لها: إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ، يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ (يوسف: 39) فقوله يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا جملة معترضة بين خطابين.

__________________________________________________

 (1) نور الثقلين: ج 4 ص 273.

 (2) الوسائل باب 42 من أبواب الذكر حديث 11.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:105

لذا ورد عن الإمام محمد الباقر عليه السّلام: «ليس شي‏ء أبعد من عقول الرجال من تفسير القرآن إنّ الاية ينزل أولها في شي‏ء وأوسطها في شي‏ء وآخرها في شي‏ء ثم قال: إِنَّما يُرِيدُ ... «1».

ثمّ إنّ الاية لو كانت خاصة في النساء لكان الصحيح في الخطاب أن يكون بلفظ «عنكن» و«يطهّركن» كما في غيرها من آيات خطاب النساء، وبعد ذلك: فإنّ آية التطهير لا تنطبق على نساء النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم لأنهنّ غير مطهّرات من الرجس (حتى لو أريد بالرجس الكفر فحسب، فإنّ بعضهنّ كنّ مشركات قبل الإسلام) بل لقد صدرت المعاصي من بعضهنّ حتى أنزل اللّه فيهن قرآنا قال تعالى: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى‏ بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَها بِهِ قالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هذا قالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. إِنْ تَتُوبا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ. عَسى‏ رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْواجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِماتٍ مُؤْمِناتٍ قانِتاتٍ تائِباتٍ عابِداتٍ سائِحاتٍ ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً (التحريم: 2- 5).

فهذه الايات الشريفة تبيّن وجوب التوبة على الزوجتين اللتين اسخطتا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم في إفشاء سرّه، وهما: «عائشة وحفصة» «2»، ومن الطبيعي أن التوبة لا تكون إلّا بعد المعصية، وهو ما عبّرت عنه الاية فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُما أي مالت عن الحق والاستقامة، وبعد ذلك يهددهن اللّه تعالى بالطلاق من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم وحرمانهن من الشرف العظيم، وإبداله بغيرهن من النساء المسلمات المؤمنات ... إيحاء بأنهنّ لسن كذلك لهتكهن مقام‏

__________________________________________________

 (1) نور الثقلين: ج 4 ص 277.

 (2) السبعة من السلف ص 135 نقلا عن صحيح البخاري في المظالم والغصب باب الغرفة والعلية المشرفة، وصحيح مسلم كتاب الرضاع باب في الإيلاء، وصحيح النسائي ج 2 ص 140، وسنن البيهقي ج 7 ص 353، وكنز العمّال ج 1 ص 271، وطبقات ابن سعد ج 8 ص 134، والزمخشري في تفسير آخر سورة التحريم.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:106

الرسالة العظيم، ثم إنّ عائشة خرجت لحرب الإمام علي عليه السّلام في معركة الجمل، مع أنّ اللّه تعالى يأمر نساء النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم بملازمة البيوت بقوله: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى‏ (الأحزاب: 33).

من كل ذلك نقطع بأنّ المراد من «آل محمد» أصحاب الكساء دون غيرهم من الأرحام والأزواج.

عن واثلة بن الأسقع أنّه قال: لمّا جمع رسول اللّه عليّا وفاطمة والحسن والحسين تحت ثوبه قال: «اللهم قد جعلت صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك على إبراهيم وآل إبراهيم، اللهم إنّهم مني وأنا منهم فاجعل صلواتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليهم» «1».

قال الشاعر:

         إنّ النبيّ محمدا ووصيّه             وابنيه وابنته البتول الطاهرة

          أهل العباء فإنّني بولائهم             أرجو السلامة والنجا في الآخرة

__________________________________________________

(1)    معرفة الإمام ج 3 ص 140.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:107

الفصل الثالث: خواص الصلاة على محمّد وآل محمد

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:109

للصلاة على نبيّنا محمّد وآله الطاهرين خواص وفوائد وآثار تعود إليهم، وإلى المصلّي من العباد.

أمّا الفوائد التي تعود إليهم عليهم السّلام فستأتي في فصل لاحق إن شاء اللّه تعالى.

و أمّا الفوائد التي تعود إلى المصلّي فهي عديدة، نذكرها كما يلي:

الأولى: تلبية نداء اللّه تعالى ورسوله:

قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (الأحزاب:).

ففي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا نداء ودعوة منه تعالى للذين تشرّفوا بالإيمان، أن يصلّوا على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أداء لحقّه الواجب عليهم تجاهه، فمن يصلّي عليه في الصلاة الواجبة، وفي غيرها من الأزمنة والأمكنة فهو يلبّي نداء اللّه ويستجيب لدعوته تبارك وتعالى.

و كذلك دعا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم والأئمة عليهم السّلام المؤمنين للصلاة عليهم، لما فيها من الدعاء لهم لنيلهم المقام المحمود، والدرجات الرفيعة في الآخرة، وإعلاء الذكر والمباهاة لهم في الدنيا، مع تضمنها لحثّ المؤمنين على ما فيه خير لهم من تجديد الإيمان باللّه ورسوله، ومن التعظيم، والابتهال، والحصول على درجات القرب والزلفى، والفوز بالسعادة ...

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:110

و تختلف تلبية النداء الإلهي، والمحمدي، باختلاف حالات الملبّين ودرجاتهم من المعرفة، والعلم، والتعظيم، والتقوى، والإخلاص ...

فمنهم: من يصلّي على محمّد وآله بقلبه ولسانه (مع الالتفات إلى استعمال التلبية في الإجابة الموافقة للحبّ فلو نادى العدوّ لا يقال له لبّيك).

و منهم: من يقصد بها الثواب الآخروي، أو الأجر الدنيوي من قضاء الحاجات وإنزال الرزق ...

و منهم: من يقصد الامتثال لأمر اللّه تعالى، ولا يريد جزاء ولا شكورا.

فإذا تحققت التلبية بالصلاة على محمد وآل محمد إيمانا، واحتسابا، وقربة فإنّ اللّه تعالى يلبّي دعوة عبده ويحقّق له ما يرجوه من الرحمة والرضوان، ويشهد لذلك إجابة اللّه تعالى للإمام الحسين عليه السّلام بقوله:

         لبّيك عبدي أنت في كنفي             وكل ما قلت قد سمعناه‏

الثانية: انها من تمام الصلاة:

إنّ من صلّى الصلاة الواجبة أو المستحبة ولم يصلّ على محمّد وآل محمّد لم تقبل منه صلاة، ففي الخبر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: «من تمام الصوم إعطاء الزكاة (أي زكاة الفطر) كما أنّ الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم من تمام الصلاة، ومن صام ولم يؤدّها فلا صوم له إن تركها متعمّدا، ومن صلّى ولم يصلّ على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وترك ذلك متعمّدا فلا صلاة له» «1».

سئل الإمام زين العابدين عليه السّلام عن تمام الصلاة فقال: «الصلاة على محمّد وآل محمّد» «2».

__________________________________________________

 (1) مناقب آل أبي طالب عليه السّلام ج 4 ص 143.

 (2) الوسائل باب 10 من أبواب التشهّد حديث 2.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:111

و سيأتي تفصيلها في أحكام الصلاة في الفصل الخامس إن شاء اللّه تعالى.

الثالثة: زيادة الحسنات:

روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «من صلّى عليّ من أمتي مرة واحدة كتبت له عشر حسنات، ومحيت عنه عشر سيئات» «1».

و روي عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال:

 «عند ما وصلت إلى السماء ليلة المعراج رأيت ملكا له ألف يد في كل يد ألف اصبع مشغولا بالحساب والعدّ، فسألت جبرئيل: من هو هذا الملك؟

و ماذا يحسب؟ قال جبرئيل: هذا الملك موكل بقطرات المطر يحصي كم قطرة تنزل من السماء إلى الأرض.

فقلت لذلك الملك: أنت تعلم كم قطرة من المطر نزلت من السماء إلى الأرض مذ خلق اللّه الدنيا.

قال: يا رسول اللّه والذي بعثك بالحق إلى الخلق إني لأعلم بالإضافة إلى ما ذكرت كم قطرة نزلت في الصحراء وكم قطرة نزلت في المعمورة وكم قطرة في البساتين وكم قطرة في الأرض المالحة وكم قطرة في المقابر.

قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: فعجبت من حفظه وتذكره في حسابه.

قال: يا رسول اللّه وإني مع حفظي هذا وتذكري وأيدي وأصابعي لعاجز عن حساب شي‏ء واحد. قلت: ما هو؟

قال: قوم من أمّتك يجتمعون في مكان فيذكر اسمك أمامهم فيصلّون عليك فإنّي لا أستطيع إحصاء ثوابهم» «2».

__________________________________________________

 (1) ثواب الأعمال وعقابها: ص 45.

 (2) منازل الآخرة: ص 116.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:112

قد يتساءل البعض: هل يعقل حصول المصلّي على هذا الثواب الكثير؟

أليست هذه الأحاديث وأمثالها من الروايات الحاكية عن ثواب قراءة القرآن الكريم والأدعية ... من المبالغات؟

الجواب:

أولا: لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار أنّ الذي يقدّر الجزاء هو ربّ العالمين وبطبيعة الحال فإنّ جزاء اللّه تعالى وتفضلّه وعطاءه لا يقاس بجزاء الإنسان ومن ثم فإنّه تعالى بجوده وكرمه جعل جزاء الحسنة مضاعفا كما في دعاء شهر رجب: «يا من يعطي الكثير بالقليل».

قال تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى‏ إِلَّا مِثْلَها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (الأنعام: 160).

و قال: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى‏ وَزِيادَةٌ (يونس: 26).

و قال: تَتَجافى‏ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (السجدة: 16).

و قال تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (البقرة: 245).

و قد ذكر العلماء أنّ الأجر والثواب على قسمين:

1- استحقاقي، وهو: الأجر الذي قدّره اللّه تعالى إزاء كل عمل من الأعمال الصالحة.

2- تفضلي، وهو: الأجر الذي يزيد عمّا قدّره اللّه تعالى للعمل قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (البقرة: 243).

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:113

و عليه فقد يحمل ما ورد من الثواب في الروايات على الأجر التفضلي من ربّ العالمين لعباده المؤمنين.

ثانيا: لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار أيضا مدى قدرة الإنسان على تصوّر الجزاء في العالم الاخر كالجنّة والنار ... فمثلا: لو أعطي الجنين عقلا وقيل له: إنك ستخرج إلى عالم أوسع من عالمك وفيه البيوت والجبال والسموات والأرض فإنه سيتساءل وما الحاجة إلى ذلك كله؟! وهكذا حال الإنسان الذي يتساءل وهو في هذه الدنيا المحدودة، ما الحاجة إلى الثواب الجزيل والجنة التي عرضها كعرض السموات والأرض ... مع أن «منازل دار المقامة واسعة تحتاج إلى قماش كثير، والمقام هناك دائم يحتاج إلى استعداد كبير».

ثالثا: إنّ العمل وإن كان صغيرا، ولا يوجب التعب والمشقة، إلّا أنه ينتج الأثر الكبير والثواب الجزيل بلحاظ العالم الاخر، فكما أن بذرة التفاح الصغيرة تنتج شجرة كبيرة إذا تهيأت لها ظروف النموّ الطبيعية، ولم يحدث ما يؤدّي إلى موتها كذلك فإنّ العمل الصغير ينتج الأثر الكبير إذا تحققت شروط القيام به ولم يحدث أي عمل يوجب إحباطه، وقد شبّه أحد العلماء آثار الثواب بتحريك الزرّ الكهربائي الذي هو من حيث العمل في منتهى الصغر إلّا أنه من حيث الأثر عظيم حيث باستطاعته أن ينير مدينة بكاملها «1».

رابعا: إنّ الحصول على الثواب والأجر من خلال الأدعية والأذكار، يتوقف على قبولها عند اللّه تعالى، ولقبولها شروط أهمها: الإخلاص للّه تعالى وبمقدار ما يكون الإخلاص في النية يكون قبول الأعمال، وعلى هذا فقد يكون الثواب مضاعفا بمثله، وقد يكون مضاعفا بعشر من أمثاله، وقد يكون أضعافا مضاعفة بدون تحديد وهكذا يضاعف الأجر بحسب مستوى الداعي والذاكر.

و من هنا نجد أنّ اللّه تعالى قد خلّد مكرمة جليلة على مرّ الدهور للأبرار

__________________________________________________

 (1) المستغفرون بالأسحار: ص 64.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:114

الأربعة علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السّلام وذلك في سورة الإنسان، عند ما تصدّقوا على المسكين واليتيم والأسير، فجزاهم بذلك أعظم الجزاء، مع أن العمل الذي قاموا به- بحسب الموازين المادية والظاهرية- هو عمل بسيط- إطعام عدّة أرغفة من الشعير- ولكن لمّا كان عن إخلاص للّه تعالى فإنّ جزاءه كان عظيما قال تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ ... إلى قوله: إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً (الدهر: 22).

إنّ شروط استجابة الدعاء والصلاة تعطينا ملاحظة: إنّ العمل إذا كان لقلقة لسان فقط، ومن دون إيمان وتوجّه، فإنه يكون كالجسد بلا روح، لا اعتبار فيه، لذا ورد في بعض الروايات أنّ قبول الدعاء والزيارة وغيرهما من الأعمال مشروط بالمعرفة، والإيمان، والتصديق ... كما في زيارة الإمام الحسين عليه السّلام عن الإمام الصادق عليه السّلام: «من زار الحسين عارفا بحقّه كتب اللّه له ثواب ألف حجّة مقبولة» «1».

و في الخبر عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام عن آبائه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «من قال لا إله إلّا اللّه مخلصا دخل الجنّة، وإخلاصه أن يحجزه لا إله إلّا اللّه عمّا حرّم اللّه» «2».

و من هذه الأعمال «الصلاة على محمّد وآل محمّد» فلكي يحصل المصلّي على الثواب والأجر لا بدّ من تحقق شروط الاستجابة لذا ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «من صلّى عليّ إيمانا واحتسابا استأنف العمل» «3».

و معناه: أن من صلّى على محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم وهو مصدّق بوعد اللّه للمصلّين، محتسبا الأجر والثواب، فإنّ ذنوبه تغفر.

__________________________________________________

 (1) ميزان الحكمة ج 4 ص 305.

 (2) ثواب الأعمال وعقابها: ص 17.

 (3) الوسائل باب 34 من أبواب الذكر حديث 13.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:115

يقول جمال العارفين السيد علي بن طاووس (رضوان اللّه عليه):

 «مهما ذكرنا وروينا من الجزاء والثواب على الصلاة على من وصفناه، فلا يتعجّب منه ولا ينفر عنه، ولكن يحتاج أن تكون عارفا بحقّهم عليك وعاملا بمعرفتك بحقهم، فإنه إذا لم يصدّق الفعال المقال كان الإنسان متعرضا للخطر والأهوال ...

و أنت يا أخي تعرف أن النبي وعليّا وذريّتهما الطاهرين عليهم السّلام كانت الشريعة والدين عندهم أعزّ من أنفسهم وأولادهم وأموالهم وعيالهم، ولذلك كان النبي وعلي عليهما السّلام يخاطران في حروب الإسلام بنفسيهما لحفظ حرمة الدين وطاعة ربّ العالمين، فثبت أنّ حرمة الشريعة أهم على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وعلي عليه السّلام من أولادهما كما حرّرناه، فما تقول فيمن قتل ولدا للنبي وعلي عليهما السّلام، أما يكون عدوّا لهما بغير شك، ولو قال وهو يقتل ولدهما أو هو مصرّ على المعصية بقتله: أنا أحب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وعليّا عليه السّلام وهما يحبّاني أما كان يعلم كل عاقل أنه يكذب وأنهما عدوّان له ولا تنفعه الأماني.

فإذا عرفت ذلك، فاعلم أن من ضيّع حدود الشريعة وحرمتها، وهوّن بها، وقطع موصولها ووصل مقطوعها واستخفّ بها وآثر الدنيا عليها، وعليها صغر، فإنه يكون عند النبي وعلي وعند ذريّتهما الطاهرين عليهم السّلام أعظم ممن يكون قد قتل أولادهم أو كسر حرمتهم أو هوّن بهم أو قطع أعضاءهم أو صغر منزلتهم، لأنّك قد عرفت أنّ حرمة الدين عندهم وحرمة سلطان المعاد أعزّ وأهم من حرمة الأولاد.

فإذا قال العبد المسكين بعد تهوينه بشي‏ء من أمور الدين: أنا أحبّ النبي وعليّا وهما يحبّاني وتعلّق بهذه الأماني ومال إلى التواني، فينبغي أن يعرف أنه مبطل في دعواه، وأنهم عليهم السّلام إلى عداوته أقرب من محبته، كما قد عرفت معناه، فيحتاج إذا أردت الصلاة عليهم بهذه الألفاظ التي يأتي ذكرها على التفصيل أن تكون عارفا بهم عليهم السّلام وعاملا بمعرفتك بهم على الصدق‏

                       

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:116

و الوجه الجميل، وهناك تظفر بذلك الوعد الجليل» «1».

قد يقال: كيف التوفيق بين الروايات المصرّحة بأنّ للمصلّي على محمّد وآل محمّد مرة، عشر حسنات وبين الروايات التي تقول إنّ له ألف حسنة ...؟

الجواب:

لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار أن الأئمة عليهم السّلام يتكلمون مع الناس على قدر عقولهم واستيعابهم للمعارف والعلوم، فيلقون إلى بعضهم مراتب من المعاني تختلف عن الملقاة إلى غيرهم «إنّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها».

و كل هذه المراتب تصدق على المعنى الصحيح، مثل المعلّم الذي يلقي العلوم إلى التلاميذ فإن ما يعلّمه لطلّاب المرحلة الابتدائية أدنى مما يعلّمه لطلّاب المرحلة المتوسطة مع كون المعاني في جميع هذه المراحل صحيحة.

و من هنا كان للأئمة عليهم السّلام خواص من الأصحاب يلقون إليهم من المعارف والعلوم ما لا يلقى لغيرهم، كسلمان الفارسي، وأبي ذر، وميثم التمّار، ... ولذا قال كميل للإمام علي عليه السّلام: «أو لست صاحب سرّك» أي ألست أطّلع منك على أسرار لا تبوحها للغير وبعضهم كان يقول للمعصوم:

 «هل تراني أهلا للزيادة» «2».

على هذا الأساس نلاحظ اختلاف مراتب الثواب والعقاب في الروايات تبعا لاختلاف فهم السامع ... فبعضهم لا يتحمل في فهمه للثواب إلّا أن يقال له إنّ للفعل الكذائي حسنة وللاخر عشر حسنات وهكذا .. أو تبعا لاختلاف مراتب المستمعين من حيث المعرفة والولاية ..

و من هذا الاختلاف ما روي في ثواب زيارة سيد الشهداء، ففي بعضها:

__________________________________________________

 (1) جمال الأسبوع: ص 273.

 (2) أنوار الولاية ص 46.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:117

أنها تعدل حجة مبرورة، وفي آخر خمسين حجة، أو مائة حجة، أو ألف حجة، أو ألفي ألف حجة .. وفي روايات أن فضيلة زيارة الإمام الحسين عليه السّلام لم تبين تمام البيان للناس. فعن أبي عبد اللّه عليه السّلام متحدّثا عن زيارة الإمام الحسين عليه السّلام: «و ما أحسبكم تعرفونها كنه معرفتها ولا تحافظون عليها ولا على القيام بها، وإنّ لها أهلا خاصة قد سمّوا لها وأعطوها» «1».

و أما ما ورد من اختلاف الثواب في الصلاة على محمّد وآل محمّد فمحمول على اختلاف مراتب المصلّي، من حيث المعرفة لهم، والاقتداء بهم، وعلى اختلاف الزمان المصلّى فيه، فالصلاة عليهم يوم الجمعة تزيد في الثواب عن بقية الأيام وهكذا ...

الرابعة: أنها من أفضل الأعمال:

عن عبد السلام بن نعيم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إني دخلت البيت فلم يحضرني شي‏ء من الدعاء إلّا الصلاة على النبي وآله.

فقال عليه السّلام: «و لم يخرج أحد بأفضل مما خرجت» «2».

روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «رأيت فيما يرى النائم عمّي حمزة بن عبد المطلب وأخي جعفر بن أبي طالب وبين يديهما طبق من نبق فأكلا ساعة، فتحوّل النبق عنبا، فأكلا ساعة، فتحوّل العنب لهما رطبا، فأكلا ساعة، فدنوت منهما وقلت: بأبي أنتما أيّ الأعمال وجدتما أفضل؟ قالا:

فديناك بالاباء والأمهات وجدنا أفضل الأعمال الصلاة عليك وسقي الماء وحبّ علي بن أبي طالب» «3».

__________________________________________________

 (1) نور العين: ص 273.

 (2) ثواب الأعمال وعقاب الأعمال للصدوق: ص 187.

 (3) منازل الآخرة: ص 115.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:118

عن عثمان أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام: «أخبرنا عن أفضل الأعمال فقال: «الصلاة على محمّد وآل محمّد» مائة مرّة بعد العصر وما زدت فهو أفضل» «1».

روي أنّه قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم لأمير المؤمنين عليه السّلام: «أ تدري ماذا سمعت في الملأ الأعلى فيك ليلة أسري بي؟ يا علي! سمعتهم يقسمون على اللّه تعالى بك ويستقضونه حوائجهم ويتقرّبون إلى اللّه تعالى بمحبّتك ويجعلون أشرف ما يعبدون اللّه به الصلاة عليّ وعليك» «2».

و في التفسير المنسوب للإمام العسكري عليه السّلام: «أن أشرف أعمال المؤمنين في مراتبهم التي قد رتبوا فيها من الثرى إلى العرش الصلاة على محمّد وآله الطيبين صلّى اللّه عليهم واستدعاء رحمة اللّه ورضوانه لشيعتهم المتقين واللعن للمتابعين لأعدائهم المجاهرين المنافقين» «3».

تعددت الروايات الشريفة التي تتحدث عن أفضل الأعمال، ففي رواية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «أفضل الأعمال الورع عن محارم اللّه» «4».

و في رواية ثانية عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج من اللّه تعالى» «5».

و في ثالثة وقد سئل أي الأعمال أفضل، فقال: الحال المرتحل، قيل:

و ما الحال المرتحل قال صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «الخاتم المفتتح» «6» ومعناه: أنّ المداومة

__________________________________________________

 (1) سفينة البحار للشيخ عباس القمي: مادة (صلاة).

 (2) آثار وبركات أمير المؤمنين عليه السّلام: ص 238.

 (3) المستدرك باب 31 من أبواب الذكر حديث 36.

 (4) عيون أخبار الرضا عليه السّلام: ج 2 ص 266.

 (5) الأمثال النبوية ج 1 ص 141.

 (6) المصدر نفسه ص 142.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:119

على تلاوة القرآن من أفضل الأعمال، فشبّه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم المداوم على تلاوة القرآن بالمسافر المجدّ، فتارة ينزل حتى يرتحل وأخرى يسير حتى ينزل، فشبّه بدء التلاوة بسير المرتحل الذي له هدف لا يغافل عنه ولا يتهاون فيه وختم التلاوة بنزول المنزل.

و في رواية رابعة وقد سأله ابن عباس عن أفضل الأعمال؟ فقال صلى اللّه عليه وآله وسلّم:

 «أحمزها» «1» أي أقواها وأشدّها.

و في خامسة: «الصلاة على ميقاتها، ثم برّ الوالدين» «2».

و في سادسة عن الإمام الصادق عليه السّلام: «إنّ زيارة الحسين عليه السّلام أفضل ما يكون من الأعمال» «3».

و في سابعة عن الإمام الجواد عليه السّلام وقد سئل: «زيارة الرضا عليه السّلام أفضل أم زيارة أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: زيارة أبي أفضل وذلك أن أبا عبد اللّه عليه السّلام يزوره كل الناس، وأبي لا يزوره إلّا الخواص من الشيعة» «4».

و السبب في هذا الاختلاف المذكور في الروايات حول أفضلية الأعمال، يعود إلى نفس العمل، وما يتعلق به.

فالورع أفضل الأعمال بلحاظ الجانب السلبي لنتائج الأعمال.

و أحمز الأعمال أفضلها بالقياس إلى غيرها من الأعمال السهلة.

و انتظار الفرج هو الأفضل بلحاظ النظرة الإيجابية للعمل في عصر غيبة المعصوم (عجّل اللّه فرجه).

و قراءة القرآن والصلاة بلحاظ كونهما يمثلان الصلة باللّه تعالى فصلاتك تمثّل خطابك مع اللّه تعالى وقراءة القرآن تمثّل خطاب اللّه تعالى معك.

__________________________________________________

 (1) المصدر نفسه ص 140.

 (2) ميزان الحكمة: ج 7 ص 19.

 (3) كامل الزيارات: ص 159.

 (4) المصدر نفسه: ص 322.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:120

و برّ الوالدين أو إدخال السرور على المؤمن بلحاظ العلاقة الاجتماعية مع الناس.

و أفضلية زيارة الإمام الرضا عليه السّلام على زيارة سيد الشهداء عليه السّلام لكثرة زوّار الإمام الحسين عليه السّلام وقلّة زوّار الإمام الرضا عليه السّلام فأراد الأئمة عليهم السّلام أن يوجّهوا أنظار الناس إلى زيارة الإمام الرضا عليه السّلام.

من هنا ندرك السرّ في أفضلية ضربة الإمام علي عليه السّلام لعمرو بن ودّ العامري في معركة «الأحزاب» على جميع عبادات الثقلين فلولاها لمني الإسلام بالزوال ولم يبق له أثر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «ضربة عليّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين».

و في رواية عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «لو وزن اليوم عملك بعمل جميع أمّة محمّد لرجح عملك على عملهم وذاك أنه لم يبق بيت من المشركين إلّا وقد دخله ذلّ بقتل عمرو ولم يبق بيت من المسلمين إلّا وقد دخله عزّ بقتل عمرو» «1».

من هذا البيان ندرك السر في كون الصلاة على محمّد وآل محمّد أفضل الأعمال وذلك باعتبارها تمثّل الصلة برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم وآله المعصومين عليهم السّلام، وتعمّق الولاء لهم عليهم السّلام خصوصا مع ملاحظة أن التحريف الذي حصل فيها من اللفظ والمعنى لا بدّ أن يواجه بالإجهار بها، والدوام عليها ليظهر فضل محمّد وآل محمّد صلوات اللّه عليهم.

الخامسة: تثقل الميزان:

روي أن أثقل ما يوضع في الميزان من الأعمال هو الصلاة على محمّد وآله.

فعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «أنا عند الميزان يوم القيامة فمن ثقلت سيئاته‏

__________________________________________________

 (1) سيرة سيد المرسلين: ج 2 ص 272.

                       

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:121

على حسناته جئت بالصلاة عليّ حتى أثقّل بها حسناته» «1».

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم في خطبة استقبال شهر رمضان المبارك: «و من أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقل ميزانه يوم تخفّ الموازين» «2».

و عن أحدهما (الباقر أو الصادق عليهما السّلام): «ما في الميزان شي‏ء أثقل من الصلاة على محمد وآل محمد، وإن الرجل لتوضع أعماله في الميزان فتميل به فيخرج الصلاة عليه فيضعها في ميزانه فترجح» «3».

و في الخبر: «أنه يؤتى برجل إلى النار يوم القيامة فيقول: إشفع لي، فيقول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ردّوه إلى الميزان فيردّونه إليه فيضع شيئا كالنمل في ميزانه وهو الصلاة على محمّد وآله فيرجح ميزانه وينادى قد سعد فلان» «4».

الميزان: هو اسم للالة التي يوزن بها الشي‏ء، ويختلف باختلاف الموزون من ناحية كونه جسما، أو حرارة، أو علما ... فإن كان جسما ماديا، فالميزان جسماني مادي له كفّتان كالموازين المعدّة لوزن الطعام والأنعام والتي تسمّى في العرف «عيارا» لأنه يوزن بها، وإن كان الموزون الحرارة فميزانه من نوع آخر، وليس فيه كفّتان ... وإن كان الموزون هو العلم أو الشعر العربي فميزانه مختلف تماما لأنه من نوع العلوم والمعارف ولذا يسمّى علم المنطق بميزان العلوم، والعروض بميزان الشعر لذا فلكل شي‏ء ميزان خاص يوزن به فما هو ميزان الأعمال يوم القيامة؟

قال تعالى: وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ‏

__________________________________________________

 (1) وسائل الشيعة باب 34 من أبواب الذكر حديث 11.

 (2) عيون أخبار الرضا عليه السّلام للشيخ الصدوق: ج 2 ص 265.

 (3) الوسائل باب 34 من أبواب الذكر حديث 1.

 (4) المستدرك باب 31 من أبواب الذكر حديث 30.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:122

الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِما كانُوا بِآياتِنا يَظْلِمُونَ (الأعراف: 8).

و في الحديث: «ان أمير المؤمنين والأئمة من ذريّته عليهم السّلام هم الموازين» «1».

و في الزيارة للإمام علي عليه السّلام نقول: «السلام على يعسوب الإيمان وميزان الأعمال وسيف ذي الجلال».

فإذا وزنت أعمال الإنسان يوم القيامة ورجحت حسناته على سيئاته فقد فاز، قال تعالى: فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (القارعة: 9).

و ليعلم أن موقف الميزان من أصعب العقبات التي يمرّ بها الإنسان في عالم الآخرة ففي الخبر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «إنّ الخلائق إذا عاينوا القيامة ودقّة الحساب وأليم العذاب فإنّ الأب يومئذ يتعلّق بولده فيقول: إي بني كنت لك في دار الدنيا ألم أربّك وأغذك وأطعمك من كدّي، وأكسك وأعلمك الحكم والاداب وأدرسك آيات الكتاب، وأزوّجك كريمة من قومي، وأنفقت عليك وعلى زوجتك في حياتي وآثرتك على نفسي بما لي بعد وفاتي؟ فيقول:

صدقت فيما قلت يا أبي فما حاجتك؟ فيقول: يا بنيّ إنّ ميزاني قد خفّ ورجحت سيئاتي على حسناتي وقالت الملائكة: تحتاج كفّة حسناتك إلى حسنة واحدة حتى ترجح بها، وإنّي أريد أن تهب لي حسنة واحدة أثقل بها ميزاني في هذا اليوم العظيم خطره؟؟ فيقول الولد: لا واللّه لا يا أبي، إني أخاف مما خفته، ولا أطيق أن أعطيك من حسناتي شيئا، قال: فيذهب عنه الأب باكيا دما على ما كان أسدى إليه في دار الدنيا.

و كذلك قيل: الأم تلقى ولدها في ذلك اليوم فتقول: يا بني أ لم يكن‏

__________________________________________________

 (1) الأمثال: ج 20 ص 273.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:123

بطني لك وعاء؟ فيقول: بلى يا أماه، فتقول: ألم يكن ثدييّ لك سقاء؟

فيقول: بلى يا أماه، فتقول له: إن ذنوبي أثقلتني فأريد أن تحمل عني ذنبا واحدا، فيقول: إليك عني يا أماه فإني مشغول بنفسي فترجع عنه باكية وذلك تأويل قوله تعالى: فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (المؤمنون: 101).

قال: ويتعلّق الزوج بزوجته فيقول: يا فلانة: أي زوج كنت لك في الدنيا؟ فتثني عليه خيرا، فتقول: نعم الزوج كنت لي، فيقول لها: أطلب منك حسنة واحدة لعلّي أنجو بها مما تريني من دقة الحساب وخفة الميزان والجواز على الصراط، فتقول له: لا واللّه لا أطيق ذلك وإني لأخاف مثلما تخاف أنت، فيذهب عنها بقلب حزين حيران وذلك تأويل قوله تعالى: وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى‏ حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْ‏ءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى‏ (فاطر: 18) «1».

ففي هذا الموقف الرهيب المهيب يحتاج الإنسان إلى العمل الصالح الذي ينجيه من الخسران بخفة الميزان، وقد ورد في الروايات أن شهادة «أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمدا رسول اللّه» تثقل ميزانا توضعان فيه، وأنّ «التسبيح» نصف الميزان، و«الحمد للّه» يملأ الميزان، و«اللّه أكبر» يملأ ما بين السموات والأرض «2».

و مما يوجب ثقل الميزان «الصلاة على محمد وآل محمد»، وقد مرّ في الروايات أنّ أفضل ما يوضع في الميزان هو «كثرة الصلاة عليهم»، وليست كثرة الصلاة تكرارا، بل هي سلم للصعود والترقي، والزيادة في القرب وعلوّ الدرجات، فكلما كان التوجّه والإقبال فيها أكثر كلّما ارتقى الإنسان روحيا وانفتحت له أبواب المعارف والأنوار الإلهية، ومثلها كمثل المعول في حفر البئر واستنباط الماء، فضرب المعول هو تكرار لحركة الجسد، إلّا أنّ كل ضربة معول تقرّب بعد الماء أكثر فأكثر، وهكذا كلما قرأنا القرآن اكتشفنا الحقائق‏

__________________________________________________

 (1) دروس في التفسير للسيد أحمد الفهري: ج 1 ص 123 نقلا عن الإرشاد للشيخ المفيد.

 (2) نور الثقلين: ج 5 ص 660.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:124

و المعارف، وكلما سافرنا إلى الحج ازددنا علاقة باللّه أكثر. وكلما ذكرنا الصلاة على محمد وآل محمد ازددنا علاقة بهم وارتباطا وقربا.

اللّهمّ صلّ عليهم صلاة ترضى بها عني، وتقبل بها عملي وتثقل بها ميزاني إنك مولاي ومعتمدي وأنت أرحم الراحمين بمحمّد وآله الطاهرين.

السادسة: كفّارة الذنوب:

روي عن الإمام عليّ الرضا عليه السّلام: «من لم يقدر على ما يكفّر به ذنوبه فليكثر من الصلاة على محمّد وآله، فإنها تهدم الذنوب هدما» «1».

و عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من صلّى عليّ في الصباح عشرا محيت عنه ذنوب أربعين سنة» «2».

و عن الإمام علي عليه السّلام: «الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أمحق للخطايا من الماء للنار» «3».

و عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: من صلّى عليّ كل يوم ثلاث مرّات وفي كل ليلة ثلاث مرّات، حبّا لي وشوقا إليّ كان حقّا على اللّه عزّ وجلّ أن يغفر له ذنوبه تلك الليلة وذلك اليوم» «4».

و عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: من صلّى عليّ إيمانا واحتسابا استأنف العمل» «5».

تكفير الذنوب، هو: محو الذنوب والعفو عن السيئات، وهو تفضّل من اللّه تعالى على عباده المؤمنين العصاة كيلا ييأسوا من رحمة اللّه تعالى قال‏

__________________________________________________

 (1) ثواب الأعمال وعقابها: ص 44.

 (2) ثواب الأعمال وعقابها: ص 45.

 (3) ثواب الأعمال وعقابها: ص 47.

 (4) منازل الآخرة: ص 114.

 (5) لئالي الأخبار: ج 3 ص 434.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:125

تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (الأنفال: 29).

و أمّا موجبات التكفير فهي عديدة منها:

1- التوبة: قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى‏ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ... (التحريم: 8).

2- اجتناب الكبائر: وهي: «المعاصي التي أوعد اللّه مرتكبها دخول النار» كالشرك باللّه وعقوق الوالدين، واليأس من روح اللّه، وأكل الربا، وقذف المحصنات، وقتل المؤمن، إلى غيرها من المعاصي الموبقة التي ذكرت في الروايات وبيّنتها كتب التفسير «1» والفقه.

قال تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً (النساء: 31).

3- أداء الواجبات وإتيان الحسنات: قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ (العنكبوت: 7) وقال تعالى: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ (هود: 114) وكما أن ترك كبائر الذنوب كفّارة للصغائر، كذلك أداء كبائر الحسنات، تكفير عن السيئات كالصلاة قال تعالى: لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ (المائدة: 12).

و في الاية بيان أنّ الصدقة من موجبات تكفير الذنوب أيضا، ولعلّ تكفير كل سيئة يكون بما يناسبها من الحسنات فحسنة إنفاق المال تذهب آثار معصية ترك الخمس.

و قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى‏ لِلذَّاكِرِينَ (هود: 114).

__________________________________________________

 (1) راجع: مواهب الرحمان في تفسير القرآن: ج 8 ص 141.

                       

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:126

ففي الاية قال الإمام علي عليه السّلام: «الصلوات الخمس كفّارة لما بينهنّ ما اجتنب من الكبائر وهي التي قال اللّه إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ» «1».

و عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أحدهما (الباقر أو الصادق عليهما السّلام) يقول: «إنّ عليّا عليه السّلام أقبل على الناس، فقال: أيّة آية في كتاب اللّه أرجى عندكم؟ فقال بعضهم: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فقال عليه السّلام: حسنة وليست إياها وقال بعضهم: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً

 قال عليه السّلام: حسنة، وليست إياها وقال بعضهم: قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ قال عليه السّلام: حسنة، وليست إياها، وقال بعضهم: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ قال عليه السّلام: حسنة وليست إياها ثم أحجم الناس فقال عليه السّلام: ما لكم يا معشر المسلمين؟ فقالوا: لا واللّه ما عندنا شي‏ء قال عليه السّلام: «سمعت حبيبي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم يقول: أرجى آية في كتاب اللّه وَأَقِمِ الصَّلاةَ ... يا علي والذي بعثني بالحق بشيرا ونذيرا إنّ أحدكم ليقوم من وضوئه، فتساقط عن جوارحه الذنوب، فإذا استقبل اللّه بوجهه وقلبه، لم ينفتل وعليه من ذنوبه شي‏ء، كما ولدته أمّه، فإن أصاب شيئا بين الصلاتين كان له مثل ذلك حتى عدّ الصلوات الخمس، ثم قال: يا علي منزلة الصلوات الخمس لأمتي كنهر جار على باب أحدكم، فما يظن أحدكم لو كان في جسده درن ثم اغتسل في ذلك النهر خمس مرات في اليوم أكان يبقى في جسده درن؟ فكذلك واللّه الصلوات الخمس لأمتي» «2».

عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام في قوله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ‏

__________________________________________________

 (1) ميزان الحكمة: ج 5 ص 373.

 (2) مجمع البيان للطبرسي: ج 5 ص 346.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:127

النَّهارِ ... أنه قال: «صلاة المؤمن بالليل تذهب بما عمل من ذنب النهار» «1».

و من موجبات التكفير، كثرة السجود فعن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام أنه قال: «جاء رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول اللّه كثرت ذنوبي وضعف عملي، فقال صلى اللّه عليه وآله وسلّم: أكثر السجود فإنه يحطّ الذنوب كما تحطّ الريح ورق الشجر» «2».

و منها الصلاة على محمّد وآل محمّد كما ذكرنا في أول العنوان، ولعلّ السرّ في أنها كفّارة للذنوب كونها من الهدايا للنبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم والتي تستوجب عطف النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم على المصلّي عليه، وهو صاحب الشفاعة الكبرى الذي يشفع لمحبّيه وذاكريه.

و كما أنها تكفّر الذنوب فإنها تعين الإنسان على الابتعاد عن الذنوب إذا جاء بها المصلّي على أكمل وجه، كالصلاة اليومية فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر إذا أقامها المصلّي على أكمل وجه.

فعن الإمام الصادق عليه السّلام: «من أحبّ أن يعلم أقبلت صلاته أم لم تقبل فلينظر هل منعته صلاته عن الفحشاء والمنكر؟ فبقدر ما منعته قبلت منه» «3».

السابعة: الخروج من الظلمات إلى النور:

عن إسحاق بن فرّوخ قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «يا إسحاق بن فرّوخ من صلّى على محمّد وآل محمّد عشرا، صلّى اللّه عليه وملائكته ألفا، أما تسمع قول اللّه تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً (الأحزاب: 43) «4».

__________________________________________________

 (1) نور الثقلين: ج 2 ص 403.

 (2) ميزان الحكمة: ج 3 ص 477.

 (3) بحار الأنوار: ج 82 ص 198.

 (4) وسائل الشيعة باب 40 من أبواب الصلاة على محمّد وآل محمّد حديث 1.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:128

و مفاد هذا الحديث أن للمصلّي على النبي وآله فضلا كبيرا حيث يصلّي عليه ربّ العالمين وملائكته ومن يصلّي عليه ربّ العالمين فإنّه يخرجه من الظلمات إلى النور.

و الظلمات متعددة فتارة تكون من الأفكار والأخلاق الرديئة، وأخرى من ظلمة الذنوب والمعاصي، فإن كل ذنب يصدر من العبد يسوّد أعماله وقلبه.

و أمّا النور فهو واحد، والمراد به: «نور الهداية والطاعة والإيمان والحق»، نعم للنور مراتب كثيرة شدة وضعفا تختلف باختلاف أحوال العباد.

فمنهم من هو نور بنفسه كالنبي الأعظم محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم وخلفائه المعصومين عليهم السّلام.

قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً. وَداعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِراجاً مُنِيراً (الأحزاب: 45- 46).

عن أبي خالد الكابلي قال: سألت الإمام محمد الباقر عليه السّلام عن قول اللّه عزّ وجلّ: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنا فقال: يا أبا خالد النور واللّه الأئمة عليهم السّلام يا أبا خالد لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار، وهم الذين ينورون قلوب المؤمنين، ويحجب اللّه نورهم عمن يشاء فتظلم قلوبهم ويغشاهم بها» «1».

و منهم من يسعى نوره بين يديه قال تعالى: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى‏ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (الحديد: 12) وفي الرواية عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «إذا مرّ المؤمن على الصراط ... طفيت لهب النيران وتقول:

جز يا مؤمن فإنّ نورك قد أطفأ لهبي» «2».

و منهم من يطلب الزيادة في النور لأنه خلط العمل الصالح بالسي‏ء قال‏

__________________________________________________

 (1) نور الثقلين: ج 5 ص 341.

 (2) المستدرك باب 45 من قراءة القرآن حديث 21.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:129

تعالى: يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعى‏ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا وَاغْفِرْ لَنا إِنَّكَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ (التحريم: 8) فبعض المؤمنين يطلبون المغفرة يوم القيامة ليتم لهم النور الذي نقص بسبب المعاصي.

و بعض الناس لا نور لهم قال تعالى: ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ (البقرة: 17) وقال تعالى: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (الحديد: 13).

و الخروج من الظلمات إلى النور، يتوقف على اتّباع الإسلام والولاء لال محمّد عليهم السّلام.

قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ (الحديد: 28).

كذلك يتوقف على اتّباع القرآن الكريم والعمل باياته قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى‏ عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ (الحديد: 9).

و الحصول على النور التام، يتوقف على ترك الذنوب الملوّثة للقلوب، وفعل الطاعات من الواجبات والمستحبات، كصلاة الليل فعن أمير المتقين الإمام علي عليه السّلام أنه قال: «ما تركت صلاة الليل منذ سمعت قول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم:

صلاة الليل نور.

فقال ابن الكواء: ولا ليلة الهرير؟

قال عليه السّلام: ولا ليلة الهرير» «1».

و كقراءة القرآن، فعن الإمام علي عليه السّلام أنه قال: «عليكم بكتاب اللّه فإنه الحبل المتين والنور المبين» «2».

__________________________________________________

 (1) ميزان الحكمة: ج 10 ص 234.

 (2) سفينة البحار مادة (القرآن).

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:130

و الصلاة على محمّد وآل محمد.

عن النبي محمد صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «أكثروا الصلاة عليّ، فإنّ الصلاة عليّ نور في القبر، ونور على الصراط، ونور في الجنة» «1».

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «للمصلّي عليّ نور على الصراط يوم القيامة، ومن كان على الصراط من أهل النور لم يكن من أهل النار» «2».

و في الرواية عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: من صلّى عليّ مرّة خلق اللّه يوم القيامة على رأسه نورا وعلى يمينه نورا، وعلى شماله نورا، ومن فوقه نورا، ومن تحته نورا، وفي جميع أعضائه نورا» «3».

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «الصلاة عليّ نور على الصراط، ومن كان له على الصراط من النور، لم يكن من أهل النار» «4».

و لذا ورد في الزيارة الجامعة للأئمة عليهم السّلام المروية عن الإمام علي الهادي عليه السّلام ما يدلّ على الأثر الكبير للصلاة على محمّد وآل محمّد ففيها يقول الإمام عليه السّلام: «و جعل صلواتنا وما خصّنا به من ولايتكم طيبا لخلقنا وطهارة لأنفسنا وتزكية لنا وكفّارة لذنوبنا».

الثامنة: أنها ترفع النفاق:

فعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «إرفعوا أصواتكم بالصلاة عليّ فإنها تذهب بالنفاق» «5».

فكما أنها تخرج المصلّي من الظلمات إلى النور كذلك تخرجه من ظلمات النفاق بما له من مراتب متعددة.

__________________________________________________

 (1) ثواب الأعمال وعقابها: ص 47.

 (2) ثواب الأعمال وعقابها: ص 45.

 (3) المستدرك باب 31 من أبواب الذكر حديث 20.

 (4) المستدرك باب 31 من أبواب الذكر حديث 21.

 (5) الوسائل باب 39 من أبواب الصلاة على محمّد وآل محمد حديث 1.

                       

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:131

جاء في الروايات الشريفة الحثّ على إخفات الصوت في بعض العبادات المستحبة كالدعاء، والصدقة، لئلّا يصاب الإنسان بالرياء والعجب، وبالتالي يقلّ الأجر، إن لم ينعدم.

فعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «أعظم العبادات أجرا أخفاها» «1». وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم:

 «دعوة السرّ تعدل سبعين دعوة في العلانية» «2».

و عن الإمام الصادق عليه السّلام: «الصدقة واللّه في السرّ أفضل من الصدقة في العلانية، وكذلك واللّه العبادة في السرّ أفضل منها في العلانية» «3».

نعم يستثنى من ذلك بعض العبادات التي فضّل الإسلام أن يكون أداؤها جماعيا ك «صلاة الجماعة» لما فيها من الاجتماع والألفة بين المؤمنين.

و «الأذان» وقد ورد فيه الجهر لما يمثله من الدعوة إلى الإسلام وإلى أفضل الطاعات وخير الأعمال عن الإمام الصادق عليه السّلام: «إذا أذّنت فلا تخفين صوتك، فإن اللّه يأجرك قدر صوتك فيه» «4».

و من الجدير بالذكر في هذا المجال أن نذكر أقوال السياسي المعروف (كلارستون) في إحدى خطاباته حيث قال: «مادام اسم محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم يردّد على المنابر، وما دامت الكعبة قائمة ومادام القرآن ينير الدرب للمسلمين، فليس من الممكن أن تنجح سياستنا في الأراضي الإسلامية».

و من قبله حاول معاوية ابن أبي سفيان إخماد هذا الصوت وإطفاءه، فقد روي أنّ معاوية قال للمغيرة في سياق حديث ذكر فيه ملك أبي بكر، وعمر، وعثمان، وأنّهم هلكوا فهلك ذكرهم: «... وإنّ أخا هاشم يصرخ به في كل‏

__________________________________________________

 (1) بحار الأنوار: ج 70 ص 251.

 (2) ميزان الحكمة: ج 3 ص 266.

 (3) المصدر نفسه: ج 5 ص 331.

 (4) الوسائل باب 16 من أبواب الأذان والإقامة حديث 5.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:132

يوم خمس مرات: أشهد أن محمّدا رسول اللّه، فأي عمل يبقى مع هذا لا أم لك؟! لا واللّه إلّا دفنا دفنا» «1».

و بالمقابل فلا بدّ للمسلم من الجهر والإعلان في كل زمان ومكان بالصلاة على محمد وآل محمّد سواء في الأذان أو غيره، ليعلو ذكرهم، وينشأ عليه الصغير، ويهرم فيه الكبير، لذا ورد في الحديث المتقدم: «إرفعوا أصواتكم بالصلاة عليّ ...».

و لرفع الصوت خصوصية في إذهاب النفاق لأنّ فيه الإعلان عن الحبّ للنبيّ الخاتم صلى اللّه عليه وآله وسلّم وإشاعة حبّ اللّه تعالى له، وهذا الشي‏ء لا يفعله المنافق فإنه يخشى من شياع ذكر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم بين الناس.

و بعد ذلك: فإنّ رفع الصوت يجعل السامع يصلّي أيضا فيكثر بذلك الأجر والثواب «2».

التاسعة: تطرد الشياطين:

عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «ان الشيطان اثنان: شيطان الجن، ويبعد بلا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم، وشيطان الإنس ويبعد بالصلاة على النبي وآله» «3».

و في تفسير الإمام العسكري عليه السّلام: «... ولا عدو يحاربه أعدى من إبليس ومردته، يهتف به ويدفعه بالصلاة على محمد وآل محمد الطيبين صلّى اللّه عليهم أجمعين» «4».

و فيه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «و أما نفثاته- أي الشيطان- فإنه يرى أحدكم‏

__________________________________________________

 (1) الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى اللّه عليه وآله وسلّم: ج 1 ص 24.

 (2) ومثله ما روي أن الإمام علي عليه السّلام قال لكميل: «إذا استوفيت طعامك فاحمد اللّه على ما رزقك وارفع بذلك صوتك ليحمده سواك فيعظم بذلك أجرك» (دار السلام: ج 2 ص 33).

 (3) المستدرك باب 31 من أبواب الذكر حديث 41.

 (4) المستدرك باب 31 من أبواب الذكر حديث 37.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:133

أنّ شيئا بعد القرآن أشفى له من ذكرنا أهل البيت، من الصلاة علينا، فإنّ اللّه جعل ذكرنا أهل البيت شفاء للصدور، وجعل الصلاة علينا ماحية للأوزار والذنوب، ومطهرة من العيوب ومضاعفة للحسنات» «1».

من هو الشيطان:

الشيطان هو: «كل شرير، عات، متمرّد، من الجن والإنس والدواب» وقد غلب استعماله في القرآن الكريم والسنّة الشريفة في إبليس وذرّيته.

و هو من الجن الذين خلقوا من النار، وقد عبد اللّه تعالى مع الملائكة في السماء ستة آلاف سنة لا يدرى هل هي من سني الآخرة أم من سني الدنيا، فلما أمره اللّه تعالى بالسجود لادم عليه السّلام أبى واستكبر فطرده اللّه تعالى من رحمته، فطلب من اللّه تعالى أن يمهله إلى يوم القيامة جزاء على عبوديته، فأجاب اللّه تعالى طلبه وأمهله، عندها أعلن العداء لأبناء آدم عليه السّلام وقال:

قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (سورة ص: 84).

و قد أعطي الشيطان «2» القدرة للتسلّط على بني آدم لذا فهو «يجري في‏

__________________________________________________

 (1) المستدرك باب 23 من أبواب فعل المعروف حديث 1.

 (2) يتساءل بعض الناس عن سبب خلق الشيطان مع أنه يضلّ الناس؟ الجواب: ان اللّه تعالى لم يخلق الشيطان شريرا بذاته إنما خلقه مخيرا قابلا للخير والشر قال تعالى: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ إلّا أنه فسق عن أمر اللّه تعالى لتكبّره فاستحق اللعن والطرد عن رحمة اللّه، ولم يستغفر من ذنبه ويتوب إلى ربّه، بل أعلن العداء للّه تعالى ولبني آدم ... فصار شيطانا بعد أن كان عابدا، ... ومع هذا فليست له القدرة على إجبار الناس وتسييرهم نحو المعصية بل يوسوس في صدورهم فحسب قال تعالى: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ (إبراهيم: 22) وقال: وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ (سبأ: 21). ومع هذا فالأهم من الكلام حول سببية خلق الشيطان هو معرفة طرق الخلاص منه وكما قال أحد المحققين: «لو أنّ مخبرا صادقا أخبرك بوجود بعض قطّاع الطرق الذين قرروا قتلك وأخذ أموالك، فمن الطبيعي أنك تسرع لغلق الأبواب وإعداد العدّة لحربه ... وليس-

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:134

بني آدم مجرى الدم في العروق» كما في الحديث الشريف، ومن خلالها يستطيع أن يوسوس للإنسان ويصدّه عن الصراط المستقيم.

و الوسوسة هي: إلقاء الأفكار السيئة والباطلة في قلب الإنسان من دون أن يسمعها، أو هي الخواطر الشريرة التي ينفثها الشيطان في الإنسان، كأن يوسوس لك في ترك الصلاة .. والزكاة .. والخمس ... والحج ... بأن يقول لك: ولماذا تتعب نفسك في الصلاة؟ وهل رزقك اللّه مالا كي تصلّي له ..؟ ثم انك فقير لا يجب عليك الخمس ..؟ وان أموال الخمس تذهب لرجال الدين فقط؟ وأمامك الوقت الطويل للذهاب إلى الحج ..

و أما إذا لم تكن الوسوسة بالشرّ بل بإلقاء الأفكار الحسنة فهي من الملائكة وتسمّى «الإلهام» ومن هنا قيل: «الوسواس أثر الشيطان الخناس، والإلهام من الملائكة الكرام» «1».

قال تعالى: مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ. الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (الناس: 4- 5) الصدر هو محل القلب، وليس المراد من «القلب» القلب العضوي في جسم الإنسان، بل المراد به الروح والنفس اللتان ينسب إليهما الخير والشر.

عن الإمام الصادق عليه السّلام: «ما من قلب إلّا وله أذنان على أحدهما ملك مرشد، وعلى الآخرى شيطان مفتر، هذا يأمره وهذا يزجره، وكذلك من الناس شيطان يحمل الناس على المعاصي كما يحمل الشيطان من الجن» «2».

__________________________________________________

- من العقل أن تبحث عن أسمائهم، وملابسهم، وما يأكلون ويشربون ... لأنك بأسئلتك هذه تساعدهم على سرعة الإنقضاض عليك وأنت غافل ... وهكذا فالواجب أن نعرف كيفية الهرب من الشيطان ومنعه عنّا، لا الانشغال بالسؤال عن أصله وشكله، وسبب خلقه ...» (الاستعاذة لدستغيب بتصرّف).

 (1) جامع السعادات ج 1 ص 181.

 (2) نور الثقلين: ج 5 ص 725.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:135

ورد أنّ إبليس قال: يا ربّ إنك خلقت آدم وجعلت بيني وبينه عداوة فسلّطني عليه فقال: جعلت صدورهم مساكن لك، فقال: ربّ زدني، فقال:

لا يولد ولد لادم إلّا ولد لك عشرة فقال: ربّ زدني، فقال: تجري منهم مجرى الدم، فقال: ربّ زدني قال: إجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد.

فشكى آدم إلى ربه، فقال: يا رب إنك خلقت إبليس وجعلت بيني وبينه عداوة وبغضا وسلطته عليّ وأنا لا أطيقه إلّا بك فقال اللّه تعالى: لا يولد لك ولد إلّا وكّلت به ملكين يحفظانه من قرناء السوء، قال: ربّ زدني قال:

الحسنة بعشر أمثالها قال: ربّ زدني قال: لا أحجب عن أحد من ولدك التوبة ما لم يغر غروا» «1» أي تتردد الروح في الحلق.

شياطين الجن والإنس:

الشياطين على قسمين:

شياطين الجن وشياطين الإنس، قال تعالى: وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى‏ بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً (الأنعام: 112).

فكما أنّ الجن يوسوس بصوت خفي في صدر الإنسان، كذلك الإنسان السي‏ء يلقي أفكاره الشريرة إلى غيره ليصدّه عن الحق، ويجرّه إلى الفساد والانحراف .. ومن ثم فلا بد للإنسان المؤمن أن يبتعد عن مجالسة شياطين الإنس، ومصاحبتهم، فقد حذّر اللّه تعالى من مجالستهم والخوض معهم بقوله: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى‏ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (الأنعام: 68) عن الإمام الصادق عليه السّلام: «و اقطع عمن ينسينك وصله ذكر اللّه‏

__________________________________________________

 (1) شرح دعاء الصباح، للمازندراني ص 188.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:136

تعالى، ويشغلك إلفه عن طاعة اللّه فإنّ ذلك من أولياء الشيطان وأعوانه، ولا يحملنّك رؤيتهم إلى المداهنة عند الحق، فإنّ في ذلك خسرانا عظيما» «1».

و في كل زمان ومكان نجد رؤوس الشياطين وأتباعهم من الإنس الذين يسعون في الأرض فسادا كفرعون ... والسامري ... ومعاوية ... وفي عصرنا الحاضر نجد الشيطان متمثلا بالدول الغربية المستكبرة ...

و هناك أفراد يعتبرون من أتباع الشيطان أو من أخوانه، وأوليائه، وحزبه.

قال تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ (الحج: 3).

قال تعالى: فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ (النساء: 76).

و قال: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ (الإسراء: 27).

و قال: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (المجادلة: 109).

عداوة الشيطان:

اعتبر القرآن الكريم أنّ العدو الأكبر للإنسان هو الشيطان الرجيم، فهو يسعى دائما لإغوائه، وإضلاله، وإفساده، بشتّى الطرق والأساليب.

قال تعالى: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (فاطر: 35).

و قال: إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (يوسف: 5).

و من ثم فعلى الإنسان أن يبقى على حذر من عدوّه الخفيّ الخطير الذي يتربّص به في كل لحظة فعن الإمام علي عليه السّلام: «إحذروا عدوّا نفذ في‏

__________________________________________________

 (1) دار السلام ج 3 ص 180.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:137

الصدور خفيّا، ونفث في الاذان نجيّا» «1».

و عنه عليه السّلام: «... فاحذروا عباد اللّه عدوّ اللّه إن يعديكم بدائه، وأن يستفزكم بندائه، وأن يجلب عليكم بخيله ورجله» «2».

 [الحذر الدائم من الشيطان‏]

نعم يتوقف الحذر الدائم من الشيطان واتخاذه عدوّا على أمور:

1- معرفة هدف الشيطان:

يعتبر تشخيص هدف العدوّ الخطوة الأولى التي تمكّن الإنسان من السيطرة عليه، والاحتراز من مصائده، وقد تقدّم أن هدف الشيطان هو الغواية والإضلال عن الصراط المستقيم.

2- أساليب الشيطان:

معرفة أسلوب العدوّ في الدخول إلى الحصن أمر مهم، إذ على ضوء هذه المعرفة يستعد الإنسان لمواجهته، وتختلف أساليب الشيطان باختلاف الإنسان، فمنهم من يدخل إليه من ناحية العقل والفكر، ومنهم من جهة الدين والأخلاق، أو النساء والأموال.

عن الإمام علي عليه السّلام أنه قال عن الشيطان: «أنه يأتي لك بلطف كيده ويأمرك بما يعلم أنه قد ألفت من طاعة لا تدعها فتحسب أن ذلك ملك كريم وإنما هو شيطان رجيم، فإذا أسكنت إليه واطمأننت حملك على العزائم المهلكة التي لا نجاة معها» «3».

و من هذه الأساليب:

أ- المعصية وتسويف الاستغفار:

عن الإمام الصادق عليه السّلام: «لما نزلت هذه الاية: وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا

__________________________________________________

 (1) ميزان الحكمة: ج 5 ص 80.

 (2) المصدر السابق ص 85.

 (3) دار السلام: ج 4 ص 209.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:138

فاحِشَةً ... صعد إبليس جبلا بمكة يقال له: ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا: يا سيدنا لم دعوتنا؟ قال: نزلت هذه الاية فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين فقال: أنا لها بكذا وكذا، قال: لست لها، فقام آخر فقال مثل ذلك، فقال: لست لها، فقال الوسواس الخنّاس: أنا لها قال: بماذا؟ قال: أعدهم وأمنّيهم حتى يواقعوا الخطيئة فإذا واقعوا الخطيئة أنسيهم الاستغفار، فقال: أنت لها» «1».

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «كان عابد في بني إسرائيل لم يقارف من أمر الدنيا شيئا، فنخر إبليس نخرة فاجتمع إليه جنوده، فقال من لي بفلان؟

فقال بعضهم: أنا، فقال: من أين تأتيه؟ فقال: من ناحية النساء، قال: لست له لم يجرب النساء قال له آخر: فأنا له قال: من أي تأتيه؟ قال: من ناحية الشراب واللّذات، قال: لست له ليس هذا بهذا، قال آخر: فأنا له قال: من أين تأتيه؟ قال: من ناحية البرّ، قال: انطلق فأنت صاحبه. فانطلق إلى موضع الرجل فأقام حذاءه يصلي.

قال: وكان الرجل ينام والشيطان لا ينام، ويستريح والشيطان لا يستريح؛ فتحوّل إليه الرجل وقد تقاصرت إليه نفسه واستصغر عمله، فقال:

يا عبد اللّه بأيّ شي‏ء قويت على هذه الصلاة؟ فلم يجبه، ثم أعاد عليه، فقال:

يا عبد اللّه إني أذنبت ذنبا وأنا تائب منه، فإذا ذكرت الذنب قويت على الصلاة قال: فأخبرني بذنبك حتى أعمله وأتوب فإذا فعلته قويت على الصلاة، قال:

أدخل المدينة فسل عن فلانة البغية فاعطها درهمين ونل منها، قال: ومن أين لي الدرهمان وما أدري ما الدرهمين، فتناول الشيطان من تحت قدميه درهمين فناوله إيّاهما.

فقام ودخل المدينة بجلابيبه يسأل عن منزل فلانة البغية فأرشده الناس، وظنّوا أنه جاء يعظها. فجاء إليها بالدرهمين وقال: قومي فقامت فدخلت‏

__________________________________________________

 (1) ميزان الحكمة: ج 5 ص 89.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:139

منزلها وقالت: أدخل، وقالت: إنك جئتني في هيئة ليس يؤتى مثلي في مثلها، فأخبرني بخبرك فأخبرها، فقالت له: يا عبد اللّه إن ترك الذنب أهون من طلب التوبة، وليس كل من طلب التوبة وجدها وإنما ينبغي أن يكون هذا شيطانا مثل لك فانصرف فإنك لا ترى شيئا.

فانصرف، وماتت من ليلتها، فأصبحت وإذا على بابها مكتوب:

أحضروا فلانة (البغية) فإنها من أهل الجنة، فارتاب الناس، فمكثوا ثلاثا لا يدفنوها، ارتيابا في أمرها. فأوحى اللّه عز وجلّ إلى نبي من الأنبياء لا أعلمه إلّا موسى بن عمران صلوات اللّه عليه إن إئت فلانة، فصلّ عليها، ومر الناس أن يصلّوا عليها، فإني قد غفرت لها ووجبت لها الجنة، بتثبيطها عبدي فلانا عن خطيئته» «1».

ب- الغافلة:

الغافلة عن العدوّ، توقع الإنسان في قبضته، حيث يجد المكان المناسب لاصطياده، لذا ورد عن الإمام علي عليه السّلام: «الغافلة أضرّ الأعداء» «2».

ج- بثّ الخلاف:

قال تعالى: إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ (المائدة: 91).

و قد يوقع الخلاف بغير الخمر والميسر (القمار) كالحسد، وسوء الظن، والغيبة، والافتراء، والسخرية ...

د- الغضب:

في الرواية: «ذكر الغضب عند أبي جعفر عليه السّلام فقال: إنّ الرجل ليغضب فما يرضى أبدا حتى يدخل النار، فأيّما رجل غضب على قوم، وهو

__________________________________________________

 (1) قصص الأنبياء، للجزائري، ص 628.

 (2) نهج البلاغة، قصار الحكم.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:140

قائم فليجلس من فوره ذلك، فإنه سيذهب عنه رجس الشيطان، وأيّما رجل غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسّه، فإنّ الرحم إذا مسّت سكنت» «1».

ه- التزيين والإملاء:

قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى‏ أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى‏ لَهُمْ (محمد: 25).

و التسويل هو تزيين الأعمال القبيحة كالزنا والغيبة ... والإملاء هو زرع طول الأمل والتسويف كتأخير الحج والتوبة .. أملا بطول العمر.

و- الإعجاب بالنفس:

ففي الرواية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «بينما موسى بن عمران جالس إذ أقبل إبليس ... قال له موسى عليه السّلام: أخبرني بالذنب الذي إذا أذنبه ابن آدم استحوذت عليه؟ فقال: إذا أعجبته نفسه، واستكثر عمله، وصغر في عينه ذنبه» «2».

ز- النساء والخمر والمال:

عن الإمام علي عليه السّلام: «الفتن ثلاث:

حب النساء: وهو سيف الشيطان.

و شرب الخمر: هو فخ الشيطان.

و حب الدينار: وهو سهم الشيطان» «3».

قال إبليس لموسى عليه السّلام: «يا موسى لا تخل بامرأة لا تحلّ لك فإنه لا يخلو رجل بامرأة لا تحلّ له إلّا كنت صاحبه دون أصحابي» «4».

__________________________________________________

 (1) الكافي: ج 2 ص 302.

 (2) ميزان الحكمة: ج 5 ص 92.

 (3) المصدر السابق ص 82.

 (4) المصدر السابق ص 96.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:141

3- عدم اتّباع الشيطان:

قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (البقرة: 208).

الخطوة من خطو القدم في نقلها من مكان إلى مكان حتى يبلغ مقصده، والشيطان يحاول دائما أن يخطو بالإنسان من صغيرة إلى كبيرة حتى يورده مورد الغواية والضلال، فمثلا يوسوس للشاب أن يجلس متفرّجا على موائد الخمر والقمار، ثم يدفعه للاشتراك تحت عنوان الترفيه عن النفس، وهكذا حتى يصبح الشاب محترفا للعب القمار ومدمنا على شرب الخمور.

هذا، والاتباع يختلف من شخص لاخر- كما مرّ- فمنهم من يتحوّل إلى قرين دائم للشيطان، ومنهم من يصير أخا له في الشر، ومنهم من يدخل في حزبه ... كل ذلك لضعف الإيمان، وسيطرة الشهوات وأما المؤمنون المخلصون فلا سبيل للشيطان عليهم، قال تعالى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ (الحجر: 42) وقال تعالى: قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (سورة ص: 84).

نقل عن أحد تلامذة الشيخ الأنصاري (رضوان اللّه عليه) أنّه: رأى الشيطان في منامه وبيده حبال كثيرة، ومن بينها حبل متين فسأله: ما هذه؟ فأجاب:

بأني أجرّ الناس إليّ بواسطتها وأدفعهم إلى المعصية، فسأله: لأي شي‏ء هذا الحبل المتين؟ فقال: إنّه لأستاذك الشيخ الأنصاري ... فسأله: وأين الحبل المخصص لي؟ فأجاب: أنت لا تحتاج إلى الحبل لأنّك تطيع بمجرّد الإشارة» «1».

ما يطرد الشيطان:

باعتبار أن الشيطان مخلوق يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق فلا بدّ لمواجهته من الاستعداد الدائم بتهيئة الأسلحة التي تقصم ظهره،

__________________________________________________

 (1) الاستعاذة: ص 33.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:142

و استعمال هذه الأمور دائما وفي كل حال لأنّ أية غفلة تؤدي إلى تسلّطه على الإنسان.

و مما يطرد الشيطان:

أ- تقوى اللّه تعالى:

فإنها الحصن المنيع من دخول الشيطان، وهي عبارة عن ترك المعاصي، وفعل الواجبات قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (الأعراف: 201).

ب- التوكّل على اللّه:

و هو تفويض الأمر إلى اللّه تعالى، والاعتصام به من شرّ الشيطان الرجيم، قال تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى‏ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (النحل: 99).

ج- الإخلاص للّه تعالى:

قال تعالى: قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (سورة ص: 84).

د- الاستعاذة باللّه تعالى:

أي الإلتجاء إلى اللّه تعالى ليعينك على عدوّه وعدوّك الشيطان الرجيم، «فمن طبع الإنسان إذا أقبل عليه شرّ يحذره ويخافه على نفسه وأحسّ من نفسه الضعف أن يلتجى‏ء بمن يقوى على دفعه، ويكفيه وقوعه، والذي يراه صالحا للعوذ والاعتصام به أحد ثلاث، إما ربّ يلي أمره ... وإمّا ذو قوة وسلطان كبيرة إذا استجاره ... وهناك سبب ثالث وهو الإله المعبود ... واللّه ربّ الناس وملك الناس وإله الناس» «1».

__________________________________________________

 (1) الميزان: ج 20 ص 395.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:143

و على هذا فإنّ الإنسان يلتجى‏ء إلى اللّه تعالى ليستعين به للقضاء على عدوّه، كما يلتجى‏ء إلى الواسطة في الخلق والفيض وهم النبي والأئمة عليهم السّلام ومن هنا ندرك السرّ في أنّ الصلاة على محمد وآل محمد دافعة لشياطين الجن والإنس.

و قد وردت الاستعاذة في موارد عديدة:

1- قراءة القرآن: قال تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ (النحل: 98).

2- عند النزوغ: وهو الدخول في أمر لإفساده، قال تعالى: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (فصلت: 36).

3- عند الوسوسة: قال تعالى: وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (المؤمنون: 98) وقد فسّرت الهمزات ب «ما يقع في قلبك من وسوسة الشيطان» «1».

4- عند الابتداء بالعبادات: كالوضوء، والصلاة، والزكاة، والخمس، ...

فإنه يوسوس للإنسان في هذه الحالات بأساليب متعددة.

5- عند النوم .. وتناول الطعام .. والخروج من المنزل .. والدخول إلى المسجد .. والدخول إلى الحمام، والركوب على البعير، وعند الجسر، وعند سماع نباح الكلب، ونهيق الحمار، وعند دخول الصباح والمساء، وعند دخول السوق، وعند الفراغ من بناء المنزل، وعند الجماع ....

عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «إذا أتى أحدكم أهله فليذكر اللّه فإن لم يذكر اللّه عند الجماع فكان منه ولد كان شريك شيطان» «2».

__________________________________________________

 (1) نور الثقلين: ج 3 ص 552.

 (2) دار السلام: ج 4 ص 205.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:144

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من بنى مسكنا فذبح كبشا وأطعم لحمه المساكين ثم قال: «اللهم أدحر عني مردة الجن والإنس والشياطين وبارك لي في بنائي» أعطي ما سأل «1».

ه- الصوم، والصدقة، والحب في اللّه، والاستغفار:

عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال لأصحابه: «ألا أخبركم بشي‏ء إن أنتم فعلتموه تباعد الشيطان عنكم كما تباعد المشرق من المغرب؟ فقالوا: بلى، قال:

الصوم يسوّد وجهه، والصدقة تكسر ظهره، والحب في اللّه والمؤازرة على العمل الصالح يقطع دابره، والاستغفار يقطع وتينه» «2».

عن الإمام علي عليه السّلام: «ليس شي‏ء أنكى لإبليس وجنوده من زيارة الاخوان في اللّه بعضهم لبعض» «3».

و عنه عليه السّلام: «لا تستصغروا قليل الاثام فإنّ القليل يحصى ويرجع إلى الكثير، وأطيلوا السجود فما من عمل أشد على إبليس من أن يرى ابن آدم ساجدا لأنه أمر بالسجود فعصى وهذا أمر بالسجود فأطاع ونجى» «4».

و- ذكر اللّه:

قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ (الأعراف: 201).

الطائف: هو الذي يدور حول الشي‏ء، فكأنّ وساوس الشيطان تدور حول قلب الإنسان لتجد منفذا إليه، فإذا ذكر الإنسان ربّه في هذه الحالة، واستعاذ باللّه تعالى من شرّ الشيطان فإنه يبصر الحق- وفي قوله تعالى: فَإِذا

__________________________________________________

 (1) المصدر السابق ص 206.

 (2) ميزان الحكمة: ج 5 ص 93.

 (3) دار السلام: ج 4 ص 239.

 (4) المصدر السابق.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:145

هُمْ مُبْصِرُونَ إشارة إلى أن الوساوس الشيطانية تلقي حجابا على بصيرة الإنسان فلا يهتدى إلى الخير-.

عن الإمام الصادق عليه السّلام في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ ... قال: هو العبد يهمّ بالذنب ثم يتذكّر فيمسك، فذلك قوله:

تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ «1».

الذكر: هو التوجّه والإلتفات إلى الشي‏ء ويقابله الغافلة والنسيان «إذا ذكر العبد ربّه خنس الشيطان وولّى، وإذا غفل وسوس إليه».

و هو على قسمين: ذكر لفظي، وذكر عملي.

1- الذكر اللفظي: هو حضور المذكور في القلب واللسان كما في قوله تعالى: فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً (البقرة: 200).

نعم يشترط فيه التوجّه الفعلي نحو المذكور، مع مجاهدة النفس للتخلّي عن الرذائل وإلّا فإن كان الذكر لقلقة لسان ومن دون تخلّي وتوجّه فإنه لا يؤثر الأثر المطلوب، وقد مثّل لذلك الشيخ الجليل محمد مهدي النراقي في «جامع السعادات» بمثال الكلب الجائع الذي يردعه الإنسان بقوله له: «إخسأ» فإنه إذا اقترب إلى الإنسان ولم يكن عند الإنسان شي‏ء من مشتهيات الكلب كاللحم .. فإنه سيبتعد عنه وإلّا فإنه لن يندفع بالقول حتى يصل إلى مطلوبه، وهكذا حال الشيطان مع الإنسان فإنه يندفع بالذكر إذا لم يكن في الإنسان مشتهياته من الغضب، والحسد، والعداوة ...

و الذكر القلبي واللساني: يطرد الشيطان سواء كان الذاكر منفردا أم في مجلس مع اخوانه فعنهم عليهم السّلام: «ما جلس قوم يذكرون اللّه تعالى إلّا اعتزل الشيطان عنهم والدنيا، فيقول الشيطان للدنيا: ألا ترين ما يصنعون؟ فتقول الدنيا: دعهم فلو قد تفرّقوا أخذت بأعناقهم» «2».

__________________________________________________

 (1) نور الثقلين: ج 2 ص 112.

 (2) مرآة الكمال: ج 3 ص 70.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:146

و من الأذكار اللفظية:

 «لا إله إلّا اللّه» عن محمد بن حمران قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الوسوسة وإن كثرت فقال: لا شي‏ء فيها، تقول: لا إله إلّا اللّه» «1».

عن حمران عن أبي جعفر عليه السّلام: «إن رجلا أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول اللّه إنني نافقت فقال صلى اللّه عليه وآله وسلّم: واللّه ما نافقت ولو نافقت ما أتيتني، تعلمني ما الذي رابك؟ أظن العدوّ الحاضر أتاك فقال لك: من خلقك فقلت: اللّه خلقني فقال لك: من خلق اللّه؟ قال: إي والذي بعثك بالحق لكان كذا فقال صلى اللّه عليه وآله وسلّم: إنّ الشيطان أتاكم من قبل الأعمال فلم يقو عليكم فأتاكم من هذا الوجه لكي يستزلكم، فإذا كان كذلك فليذكر أحدكم اللّه وحده» «2».

عن علي بن مهزيار قال: كتب رجل إلى أبي جعفر عليه السّلام يشكو إليه لمما يخطر على باله فأجابه في بعض كلامه: إنّ اللّه عزّ وجلّ إن شاء ثبّتك فلا يجعل لإبليس عليك طريقا، قد شكى قوم إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم لمما يعرض لهم لأن تهوى بهم الريح أو يقطّعوا أحبّ إليهم من أن يتكلموا به فقال صلى اللّه عليه وآله وسلّم:

أ تجدون ذلك؟ فقالوا: نعم، فقال: والذي نفسي بيده إنّ ذلك لصريح الإيمان فإذا وجدتموه فقولوا: «آمنّا باللّه ورسوله ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه» «3».

 «بسم اللّه الرحمن الرحيم» عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا توضّأ أحدكم، أو أكل، أو شرب، أو لبس ثوبا، وكلّ شي‏ء يصنع ينبغي أن يسمّى عليه فإن هو لم يفعل كان الشيطان فيه شريكا» «4».

 «أستغفر اللّه»: عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «أكثروا من الاستغفار في بيوتكم، وفي‏

__________________________________________________

 (1) أصول الكافي: ج 2 ص 424.

 (2) أصول الكافي: ج 2 ص 425.

 (3) المصدر السابق.

 (4) المستدرك باب 16 من أبواب الذكر حديث 6.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:147

مجالسكم، وعلى موائدكم، وفي أسواقكم، وفي طرقكم وأينما كنتم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة» «1».

 «لا حول ولا قوة إلّا باللّه»: عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «إنّ آدم شكا إلى اللّه تعالى ما يلقى من حديث النفس والحزن فنزل جبرئيل عليه السّلام فقال له: يا آدم قل: «لا حول ولا قوّة إلّا باللّه» فقالها فذهب عنه الوسوسة والحزن» «2».

 «سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا واللّه أكبر»: عن أبي جعفر عليه السّلام أنه قال: «مرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم برجل يغرس غرسا في حائط له، فوقف له وقال:

ألا أدلّك على غرس أثبت أصلا وأسرع إيناعا وأطيب ثمرا وأبقى؟ قال: بلى فدلّني يا رسول اللّه، فقال: إذا أصبحت وأمسيت فقل: «سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا واللّه أكبر» فإنّ لك إن قلته بكل تسبيحة عشر شجرات في الجنة من أنواع الفاكهة وهن من الباقيات الصالحات» «3».

 «الصلاة على محمّد وآل محمد»: فإنها تطرد شياطين الجن والإنس كما في الروايتين اللتين صدّرنا بهما هذا البحث .. ومفاد الأولى أن شيطان الجن يدفع بلا حول ولا قوة إلّا باللّه العلي العظيم، وشيطان الإنس يدفع بالصلاة على محمد وآل محمّد.

و الوجه في ذلك أن الذاكر لهم عليه السّلام يتوسّل بهم إلى اللّه تعالى كي يبعد عنه شرّ الشيطان ووسواسه، فبمقدار ما يكثر الذكر اللفظي، يبعد الشيطان عنه.

و في دار السلام نقلا عن تفسير الإمام العسكري عليه السّلام قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «ألا فاذكروا يا أمّة محمّد محمدا وآله عند نوائبكم وشدائدكم، لينصر اللّه بهم ملائكتكم على الشياطين الذين يقصدونكم، فإنّ لكل واحد

__________________________________________________

 (1) المستدرك باب 21 من أبواب الذكر حديث 13.

 (2) الوسائل باب 47 من أبواب الذكر حديث 1.

 (3) أصول الكافي: ج 2 ص 506.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:148

منكم ملك عن يمينه يكتب حسناته، وملك عن يساره يكتب سيئاته، ومعه شيطانان من عند إبليس يغويانه، فإذا وسوسا في قلبه ذكر اللّه وقال: «لا حول ولا قوّة إلّا باللّه العلي العظيم وصلّى اللّه على محمّد وآله» حبس الشيطانان ثم صارا إلى إبليس لشكواه وقالا له: قد أعيانا أمره فامددنا بالمردة، فلا يزال يمدّهما حتى يمدّهما بألف مارد، فيأتونه فكلما راموه ذكر اللّه وصلّى على محمّد وآله الطيبين لم يجدوا عليه طريقا ولا منفذا، قالوا لإبليس: ليس له غيرك تباشره بجنودك فتغلبه وتغويه؟ فيقصده إبليس بجنوده فيقول اللّه تعالى للملائكة: هذا إبليس قد قصد عبدي فلانا وأمتي فلانة بجنوده ألا فقاتلوه فيقاتلهم بإزاء كل شيطان رجيم منهم مائة ألف ملك وهم على أفراس من نار بأيديهم سيوف من نار ورماح من نار وقسّي ونشاشيب وسكاكين وأسلحتهم من نار، فلا يزالون يخرجونهم ويقتلونهم بها ويأسرون إبليس فيضعون عليه تلك الأسلحة فيقول يا ربّ وعدك وعدك قد أجلتني إلى يوم الوقت المعلوم فيقول اللّه تعالى للملائكة وعدته ألاأميته ولم أعده ألاأسلّط عليه السلاح والعذاب والالام شقوا منه ضربا بأسلحتكم فإني لا أميته فيسخنونه بالجراحات ثم يدعونه فلا يزال سخين العين على نفسه وأولاده المقتولين المقتلين ولا يندمل شي‏ء من جراحاته إلّا بسماعه أصوات المشركين بكفرهم فإن بقي هذا المؤمن على طاعة اللّه وذكره والصلاة على محمد وآله بقي إبليس على تلك الجراحات، فإن زال العبد عن ذلك وانهمك في مخالفة اللّه (عزّ وجلّ) ومعاصيه اندملت جراحات إبليس، ثم قوى على ذلك العبد حتى يلجمه ويسرج على ظهره ويركبه، ثم ينزل عنه ويركب ظهره شيطان من شياطينه ويقول لأصحابه: أما تذكرون ما أصابنا من شأن هذا ذلّ وانقاد لنا الان حتى صار يركبه هذا ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: فإن أردتم أن تديموا على إبليس سخنة عينه وألم جراحاته فداوموا على طاعة اللّه وذكره والصلاة على محمّد وآله، وإن زلتم عن ذلك كنتم أسراء إبليس ..» «1».

__________________________________________________

 (1) دار السلام: ج 4 ص 238.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:149

2- الذكر العملي: ويعني الإلتفات الفعلي إلى المذكور في كل الحالات وإن لم يتلفّظ بلسانه قال تعالى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى‏ جُنُوبِهِمْ (آل عمران: 191)، وبعبارة أخرى: هو التوجّه الدائم إلى اللّه تعالى وعدم الغافلة عنه في جميع الأحوال، وهو أعظم أنواع الذكر، ويكتب الإنسان من الذاكرين حتى مع عدم التلفّظ.

عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من أطاع اللّه فقد ذكر اللّه، وإن قلّت صلاته وصيامه، وتلاوته القرآن، ومن عصى اللّه فقد نسي اللّه وإن كثرت صلاته وصيامه، وتلاوته القرآن» «1».

عن الحسين البزّاز قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ألا أحدثك بأشد ما فرض اللّه على خلقه؟ قلت بلى: قال: إنصاف الناس من نفسك، ومواساتك لأخيك، وذكر اللّه في كل موطن، أما أني لا أقول سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، وإن كان هذا من ذاك، ولكن ذكر اللّه في كل موطن إذا هجمت على طاعة أو معصية» «2».

فمن التفت إلى رضى اللّه تعالى وإلى طاعته في كل حالاته فإنه يطرد الشياطين، لأنّ الشياطين لا يدخلون القلوب الممتلئة بذكر اللّه إنما يدخلون القلوب الغافلة والناسية لذكره تعالى.

نسأل اللّه تعالى أن يكتبنا مع الذاكرين، الشاكرين، المصلّين على نبيّه وآله الطاهرين.

العاشرة: توجب محبة اللّه تعالى، والقرب من النبي (ص) وردّه السلام:

عن الإمام علي الهادي عليه السّلام: «إنما اتّخذ اللّه تعالى إبراهيم خليلا لكثرة صلاته على محمّد وأهل بيته» «3».

__________________________________________________

 (1) المستدرك باب 9 من أبواب الذكر حديث 3.

 (2) مرآة الكمال: ج 3 ص 73.

 (3) وسائل الشيعة باب 34 من أبواب الذكر حديث 9 ..

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:150

عن عمّار بن ياسر قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم يقول: «إن اللّه أعطى ملكا من الملائكة، أسماء الخلائق كلّهم وأسماء آبائهم فهو قائم على قبري إذا متّ إلى يوم القيامة، فليس أحد يصلّي عليّ صلاة إلّا قال: يا محمّد صلّى عليك فلان بن فلان بكذا وكذا، وإن ربّي كفل لي أن يصلّي على ذلك العبد بكل واحدة عشرا» «1».

و عن محمد بن مراون، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «وكّل اللّه بقبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ملكا يقال له: ظهليل، إذا صلّى عليه أحدكم وسلّم عليه قال له:

يا رسول اللّه فلان سلّم عليك وصلّى عليك، قال: فيردّ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم بالسلام» «2».

و أي فوز أعظم من ردّ السلام من رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم؟! انه يعني السلامة من العيوب والذنوب، والسلامة من كل خوف ووحشة تصيب الإنسان عند الموت، وفي القبر، وعند الحساب، والسؤال في يوم الفزع الأكبر.

و هذه الرواية وأمثالها تدلّ على سماع الميّت لكلام الحيّ. وعلى ارتباط الأرواح الطاهرة مع أهل الدنيا فكيف بأرواح النبي والأئمة عليهم السّلام لكن الحجب الظلمانية حالت بيننا وبين سماع كلامهم وإلّا، فإنّ بعض الناس ولطهارة أنفسهم استطاعوا أن يسمعوا الإجابة من صاحب القبر.

ففي مواهب الرحمن نقلا عن الحافظ ابن عساكر: «أنّ أعرابيا جاء إلى قبر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وحثا من ترابه على رأسه وخاطبه وقال: وكان فيما أنزل اللّه عليك: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً وقد ظلمت وجئتك تستغفر لي، فنودي من القبر قد غفر لك وكان هذا بمحضر من علي أمير المؤمنين عليه السّلام.

__________________________________________________

 (1) مستدرك الوسائل باب 11 من أبواب الذكر حديث 5.

 (2) جمال الأسبوع: ص 160.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:151

و فيه أنّ فاطمة الخزاعية قالت: «غابت الشمس بقبور الشهداء ومعي أخت لي فقلت لها: تعالي نسلّم على قبر حمزة وننصرف، قالت: نعم فوقعنا على قبره فقلنا: السلام عليك يا عمّ رسول اللّه، فسمعنا كلاما ردّ علينا:

و عليكما السلام ورحمة اللّه وبركاته، قالتا: وما قربنا أحد من الناس».

و في رواية أنّ إبراهيم ابن الإمام الكاظم عليه السّلام المعروف ب «المجاب» دخل حرم الإمام الحسين عليه السّلام وقال: «السلام عليك يا أبا عبد اللّه» فسمع صوت يجيبه «و عليك السلام يا ولدي».

عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «إنّ أولى الناس بي أكثرهم عليّ صلاة» «1».

الولي: هو القريب من غير فصل ومعنى الحديث: إنّ أقرب الناس إليّ أكثرهم صلاة عليّ، وعنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «إنّ أقربكم مني يوم القيامة في كل موطن أكثركم عليّ صلاة في دار الدنيا» «2».

التقرّب بالإيمان والعمل الصالح:

التقرّب إلى اللّه تعالى لا يعني القرب المادي إذ أنه تعالى منزه عن الجسمية والمحدودية في الزمان والمكان وإنما يعني القرب المعنوي وهو «وقوع العبد في معرض شمول الرحمة الإلهية بزوال أسباب الشقاء والحرمان وإنزاله منزلة يختص بنيل ما لا يناله من هو دونه، من إكرامه ومغفرته ورحمته» «3».

و يتحقق التقرّب من اللّه تعالى من خلال المسارعة إلى الإيمان والعمل‏

__________________________________________________

 (1) ثواب الأعمال وعقابها ص 44.

 (2) لئالي الأخبار: ج 8 ص 429.

 (3) الميزان: ج 19 ص 121.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:152

الصالح واجبا كان أو مستحبا قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (الواقعة: 11).

و في الخبر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «قال اللّه عزّ وجلّ ... ما تقرّب إليّ عبد بشي‏ء أحبّ إليّ مما افترضت عليه، وإنه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتى أحبّه ...» «1».

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «أقرب ما يكون العبد إلى اللّه وهو ساجد» «2».

و في دعاء كميل بن زياد المروي عن الإمام علي عليه السّلام: «اللهم إنّي أتقرّب إليك بذكرك».

و عن لقمان الحكيم أنه قال في وصيته لابنه: «يا بنيّ أحثّك على ست خصال ليس منها خصلة إلّا وتقرّبك إلى رضوان اللّه عزّ وجلّ وتباعدك عن سخطه:

الأولى: أن تعبد اللّه لا تشرك به شيئا.

الثانية: الرضا بقدر اللّه فيما أحببت أو كرهت.

الثالثة: أن تحبّ في اللّه وتبغض في اللّه.

الرابعة: تحبّ للناس ما تحبّ لنفسك.

الخامسة: تكظم الغيظ وتحسن إلى من أساء إليك.

السادسة: ترك الهوى ومخالفة الرّدى» «3».

إلى غيرها من الروايات المذكورة في كتب «الأخلاق» ويجمعها «العبودية للّه تعالى» بما لها من معان تنبى‏ء عن الذلّ والخضوع والاستكانة والافتقار إلى اللّه تعالى.

__________________________________________________

 (1) ميزان الحكمة: ج 8 ص 110.

 (2) المصدر السابق ص 109.

 (3) المصدر السابق ص 114.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:153

و من أراد أن يعلم قربه من اللّه عزّ وجلّ فليرجع إلى قلبه، فإن كان يحب اللّه تعالى ويؤثره على هواه فهو قريب منه تعالى.

عن الصادق عليه السّلام: «من أراد أن يعلم ما له عند اللّه فلينظر ما للّه عنده» «1».

و عنه عليه السّلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من أصبح من أمّتي وهمّه غير اللّه فليس من اللّه» «2» فمن كان همّه اللّه تعالى فإنّ اللّه يهتم به ويقبل عليه وهو من اللّه أي «من وجهه الخاص».

أمّا التقرّب إلى النبي وآله عليهم السّلام- الذين هم الأبرار «3» المقرّبون «4» في‏

__________________________________________________

 (1) أسرار الصلاة، لجوادي آملي، ص 85.

 (2) المصدر السابق.

 (3) الأبرار هم أصحاب النفوس الطاهرة الذين يعيشون في النعيم- في الدنيا بنعمة الإيمان وفي الآخرة بنعمة الجنان- قال تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (الانفطار: 13 والمطففين: 22) وهم أرفع درجات من المتقين قال تعالى: لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ (آل عمران: 198) فبعد أن ذكر اللّه تعالى ما أعدّ للمتقين من الجنات عقّب بأن ما للأبرار من نعيم هو خير من جنات المتقين إذ هو من النعم المعنوية كالقرب إلى اللّه والحظوة لديه ورضوانه وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ولفظ «الأبرار» يطلق على كل إنسان بارّ، إلّا أنّ أكمل الأبرار، وصفوة الأخيار هم أهل البيت عليهم السّلام وقد وصفهم اللّه تعالى بالأبرار في قوله: إِنَّ الْأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً (الإنسان: 5) وذلك عند ما تصدقوا على المسكين واليتيم والأسير عن الإمام الحسن عليه السّلام: كل ما في كتاب اللّه عزّ وجلّ من قوله: إِنَّ الْأَبْرارَ فو اللّه ما أراد به إلّا علي بن أبي طالب وفاطمة وأنا والحسين عليهم السّلام» (نور الثقلين: ج 5 ص 333) قال تعالى: رَبَّنا فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئاتِنا وَتَوَفَّنا مَعَ الْأَبْرارِ (آل عمران: 193).

 (4) فرق بين «المتقربون» و«المقربون» فالمتقربون هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وتوصلوا بفعلهم إلى مقام القرب أما «المقرّبون» فهم الذين منحوا من اللّه تعالى المقام العظيم كما في قوله تعالى عن الملائكة: لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ (النساء: 172). وقد وصف اللّه تعالى الأنبياء والأوصياء عليهم السّلام بالمقرّبين لأنهم سبقوا أفراد الناس إلى حقيقة الإيمان والتوحيد كما في قوله تعالى: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (الواقعة: 11).

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:154

أعلى عليين- فهو الكون معهم في عالم البرزخ، والقيامة فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ يقول السيد السبزواري (قدّس سرّه): «فتكون له المعية في الدرجة لا في الاتحاد كما في بعض الروايات لأن التساوي في كل جهة معه محال» «1».

و من الطبيعي أنّ المعية لا تتحقق إلّا مع تشبّه الإنسان بهم من خلال التخلّق بأخلاقهم، يقول السبزواري رحمه اللّه: «و معنى رقي النفس ورفعها بالوصول إلى الشاهق الأعلى هو معاشرتها ومصاحبتها مع سنخها من النفوس القدسية كالأنبياء والصديقين والشهداء الصالحين لما ثبت في الفلسفة الإلهية وغيرها من أن السنخية في جميع الأشياء وفي جميع العوالم لازمة وموجودة، فمقتضى قانون السنخية في عالم المصاحبة والمعاشرة هو أن تكون النفوس الخيرة مع أمثالها والنفوس الشريرة كذلك ...» «2».

و تحقيق المعية متوقف على أمور:

1- الطاعة للّه تعالى وترك المعصية:

فكلما تقرّب العبد إلى اللّه تعالى فإنه يكون بالتالي قريب من المعصومين عليهم السّلام، ذلك لأنّ هدف بعثة الأنبياء عليهم السّلام ونصب الحجج الطاهرة هو إيصال الفرد الإنساني إلى الكمال الروحي من خلال الطاعة للّه تعالى.

قال تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ‏

__________________________________________________

- وفي الخبر عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام: «السابقون أربعة: ابن آدم المقتول، وسابق أمة موسى وهو مؤمن آل فرعون، وسابق أمة عيسى وهو حبيب، والسابق في أمة محمد وهو علي بن أبي طالب عليهم السّلام» (نور الثقلين: ج 5 ص 209) وتفسير الاية بهؤلاء الأربعة لا يعني انحصارها فيهم بل لأنهم من أهم المصاديق البارزة لمعنى السبق إلى الإيمان.

 (1) مواهب الرحمن: ج 9 ص 19.

 (2) المصدر السابق ص 20.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:155

مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (النساء: 69).

و قد جمع اللّه تعالى في هذه الاية بين طاعته وطاعة الرسول لبيان أن طاعته هي طاعة اللّه تعالى وكذا في قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (النساء: 59).

عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: «جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول اللّه ما أستطيع فراقك، وإني لأدخل منزلي فأذكرك فأترك ضيعتي وأقبل حتى أنظر إليك حبّا لك فذكرت إذا كان يوم القيامة وأدخلت الجنة فرفعت في أعلى عليّين فكيف لي بك يا نبي اللّه؟ فنزل قوله تعالى:

وَ مَنْ يُطِعِ اللَّهَ ... فدعا النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم الرجل فقرأها عليه وبشّره بذلك» «1».

عن الإمام الباقر عليه السّلام: «أعينونا بالورع فإنه من لقى اللّه عزّ وجلّ منكم بالورع كان له عند اللّه فرجا إنّ اللّه عزّ وجلّ يقول: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ ...

الاية «2».

عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: «كنت أبيت عند النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم فاتيه بوضوئه وحاجته، فقال صلى اللّه عليه وآله وسلّم سل: فقلت: يا رسول اللّه أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك؟ قلت: هو ذاك، قال: فأعنّي بكثرة السجود» «3».

عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنه جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم فقال: علّمني عملا يحبّني اللّه ويحبّني المخلوقون، ويثري اللّه مالي، ويصحّ بدني، ويطيل عمري، ويحشرني معك، قال صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «هذه ستّ خصال تحتاج ست خصال، إذا أردت أن يحبك اللّه فخفه واتّقه، وإذا أردت أن يحبّك المخلوقون فأحسن إليهم وارفض ما في أيديهم، وإذا أردت أن يثري اللّه مالك فزكّه، وإذا أردت أن يصحّ اللّه بدنك فأكثر من الصدقة، وإذا أردت أن يطيل اللّه عمرك‏

__________________________________________________

 (1) مواهب الرحمن: ج 9 ص 16.

 (2) نور الثقلين: ج 1 ص 513.

 (3) المصدر، نقلا عن صحيح مسلم وسنن النسائي.

                        

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:156

فصل ذوي أرحامك، وإذا أردت أن يحشرك اللّه معي فأطل السجود بين يدي اللّه الواحد القهّار» «1».

2- الاتباع اللفظي والعملي «2» للنبي وآله المعصومين (ع):

قال تعالى حكاية عن دعاء إبراهيم عليه السّلام: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ‏

__________________________________________________

 (1) أسرار الصلاة، لجواد آملي، ص 65.

 (2) فلا يكفي تمنّي الكون معهم للوصول إلى درجتهم، إذ الكون مع النبي والأئمة عليهم السّلام يحتاج إلى إيمان عظيم، واستقامة على الصراط المستقيم، فلا بد للقائل: «يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزا عظيما» أن يسعى لتزكية نفسه بالتخلّي عن الرذائل والتحلّي بالفضائل، ليصل بعدها إلى مقام الطهر والخلوص فإنّ تلك الدرجات العالية لا تنال إلّا بالتضحية بالأنفس الغالية. يذكر الشهيد السعيد الشيخ مرتضى المطهري في كتابه الهجرة والجهاد: «أنّ أحد العلماء كان يشكك في الحديث المروي عن الإمام الحسين عليه السّلام في فضل أصحابه «ما رأيت أصحابا أبرّ وأوفى من أصحابي» وكان يستدلّ على عدم تصديقه للحديث بقوله: «أني كلّما فكرت مع نفسي توصلت إلى أن أصحاب الحسين عليه السّلام لم يقوموا بعمل خارق للعادة، بل أن العدوّ هو الذي أظهر خسّة ووضاعة ... لذا فمن الطبيعي أن ينصر الحسين عليه السّلام أي مسلم عادي يراه في ذلك الوضع ... ويبدو أن اللّه سبحانه أراد أن ينقذني من هذه الغافلة والجهالة فرأيت في عالم الرؤيا وكأني حاضر في واقعة الطف فأعلنت للإمام الحسين عليه السّلام استعدادي لنصرته، إذ ذهبت إليه فسلّمت وقلت: يابن رسول اللّه أتيتك ملبيا لندائك لأكون من أنصارك، فقال عليه السّلام: إذن فانتظر أمرنا، ثم حلّ وقت الصلاة فقال عليه السّلام: نحن نريد إقامة الصلاة فقف أنت هنا كي تحول دون وصول سهام العدو إلينا حتى نتم الصلاة فقلت: أفعل يا بن رسول اللّه فشرع عليه السّلام بالصلاة ووقفت أمامه وبعد هنيهة رأيت سهما ينطلق بسرعة نحوي، فلما اقترب طأطأت رأسي دون إرادتي فإذا بالسهم يصيب الإمام عليه السّلام فقلت- والحديث لا زال في عالم الرؤيا- أستغفر اللّه وأتوب إليه، ما أقبح ما فعلت، لن أسمح بعد هذا لتكرار مثله، وبعد هنيهة أتى سهم ثان، فحدث مني ما حدث في المرة الأولى، وأصيب الإمام عليه السّلام ثانية بسهم آخر، وتكرر الحال ثالثة ورابعة والسهام تصيب أبا عبد اللّه عليه السّلام وأنا لا أمنعها من الوصول إليه وحانت مني التفاتة فرأيت الإمام ينظر إليّ مبتسما ثم قال: «ما رأيت أصحابا أبرّ وأوفى من أصحابي» إن الجلوس في البيت وتكرار قول: «يا ليتنا كنّا معك» لا قيمة له ما لم تقرنه بالعمل والتطبيق فهل أنت كذلك؟ إن أصحابي كانوا أهل عمل وتطبيق ولم يكونوا أهل قول مجرّد عن العمل» انتهى.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:157

عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (إبراهيم: 36) وقال: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا (آل عمران: 68).

نستفيد من هاتين الايتين أن الأولوية- أي الأقربية كما تقدم- والمعية، متوقفة على اتّباع إبراهيم عليه السّلام، نعم، لا يقتصر ذلك على اتّباع إبراهيم عليه السّلام بل يشمل اتّباع النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم والأئمة عليهم السّلام فمن يتّبعهم في أقوالهم وأفعالهم فإنه منهم وإن لم يكن من نسلهم، ومن يعصهم فهو بعيد عنهم وإن كان منهم نسبا، ففي الخبر عن الإمام علي عليه السّلام: «إن أولى الناس بالأنبياء أعمالهم بما جاؤوا به ثم تلا هذه الاية إِنَّ أَوْلَى ... وقال: إنّ ولي محمد من أطاع اللّه وإن بعدت لحمته، وإنّ عدوّ محمد من عصى اللّه وإن قربت لحمته» «1».

و كلما استطاع الإنسان أن يتبع الرسول وأهل بيته عليهم السّلام في جميع عباداته ومعاملاته فإنه يكون معهم ومنهم.

و من هنا اختلفت مراتب «المعية» و«المنيّة».

فمنهم من صار من أهل البيت عليهم السّلام ففي الحديث النبوي: «سلمان منّا أهل البيت» «2» وفي حديث الإمام الصادق عليه السّلام لعمر بن يزيد قال: «يا بن يزيد أنت واللّه منّا أهل البيت» «3».

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «من اتقى اللّه منكم وأصلح فهو منّا أهل البيت» قال الراوي: منكم يا بن رسول اللّه؟ قال: نعم منّا أما سمعت قول اللّه عزّ وجلّ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ وقول إبراهيم عليه السّلام «فمن تبعني فإنه منّي» «4».

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من تولّى آل محمد وقدمهم على جميع الناس‏

__________________________________________________

 (1) مواهب الرحمن: ج 6 ص 55.

 (2) منتهى الامال: ج 1 ص 161.

 (3) نور الثقلين: ج 2 ص 547.

 (4) أهل البيت في الكتاب والسنّة للري شهري: ص 548.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:158

بما قدمتهم من قرابة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم فهو من آل محمد بمنزلة آل محمد، لا أنه من القوم بأعيانهم وإنما هو منهم بتوليه إليهم واتّباعه إياهم وكذلك حكم اللّه في كتابه وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ» «1».

و منهم من صار من شيعتهم، «و هو المتّبع لأقوالهم وأفعالهم».

و منهم من صار من محبّيهم «و هو المحبّ لهم بقلبه المخالف في أعماله» قال رجل للإمام الحسن عليه السّلام: إنّي من شيعتكم فقال عليه السّلام: يا عبد اللّه إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعا فقد صدقت، وإن كنت بخلاف ذلك فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها، لا تقل: أنا من شيعتكم ولكن قل: أنا من مواليكم ومحبيكم ومعادي أعدائكم وأنت في خير وإلى خير» «2».

عن ميسر قال: كنت أنا وعلقمة الحضرمي وأبو حسان العجلي وعبد اللّه بن عجلان ننتظر أبا جعفر عليه السّلام فخرج علينا، فقال: مرحبا وأهلا، واللّه إني لأحب ريحكم وأرواحكم وإنكم لعلى دين اللّه، فقال علقمة: فمن كان على دين اللّه تشهد أنه من أهل الجنة؟ قال: فمكث هنيهة، قال: نورّوا أنفسكم فإن لم تكونوا اقترفتم الكبائر فأنا أشهد، قلنا: وما الكبائر؟ قال:

الشرك باللّه العظيم، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا بعد البينة، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وقتل المؤمن، وقذف المحصنة، قلنا: ما منّا أحد أصاب من هذه شيئا قال: فأنتم إذا» «3».

فإن لم يترك المحرمات فهو ليس منهم، وإن كان قريبا منهم نسبا، كابن نوح الذي نفاه اللّه تعالى عن البنوّة لنوح عليه السّلام مع أنه من صلبه، قال تعالى:

وَ نادى‏ نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ‏

__________________________________________________

 (1) نور الثقلين: ج 1 ص 630.

 (2) ميزان الحكمة: ج 5 ص 233.

 (3) تفسير العياشي: ج 1 ص 263.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:159

الْحاكِمِينَ، قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ (هود: 46) ففي الحديث عن الإمام الرضا عليه السّلام: «لما عصى اللّه عز وجل نفاه عن أبيه» «1» نفيا دينيا لا نسبيا.

3- حب الرسول الأعظم وأهل بيته (ع):

فالحبيب قريب من حبيبه ومعه، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «المرء مع من أحبّ» «2».

عن الإمام زين العابدين عليه السّلام أنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «في الجنة ثلاث درجات ... فأعلى درجات الجنة لمن أحبّنا بقلبه ونصرنا بلسانه ويده، وفي الدرجة الثانية من أحبّنا بقلبه ونصرنا بلسانه، وفي الدرجة الثالثة من أحبّنا بقلبه» «3».

عن أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: من أحبنا فهو منّا أهل البيت، قلت: جعلت فداك منكم؟ قال: منّا واللّه أما سمعت قول إبراهيم عليه السّلام:

 «من تبعني فإنه مني» «4».

و قد فسّر الإمام عليه السّلام الحب بالاتباع كما في قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي (آل عمران: 31) يقول السيد عبد الأعلى السبزواري (أعلى اللّه مقامه): «و الحب من المعاني القلبية التي لا بدّ أن يظهر أثره على الجوارح وهو الداعي إلى نيل المطلوب عمّا يحبه، فالإنسان يحب الغذاء ليرفع به الجوع، والنكاح ليدفع ما عليه من الغريزة الجنسية، فهو لا بدّ أن يقترن بالأثر وإلّا فهو مجرّد وهم وخيال» «5».

__________________________________________________

 (1) منتهى الامال: ج 2 ص 313.

 (2) ميزان الحكمة: ج 2 ص 243.

 (3) بحار الأنوار: ج 27 ص 93.

 (4) نور الثقلين: ج 2 ص 548.

 (5) مواهب الرحمن: ج 5 ص 253.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:160

         تعصي الإله وأنت تظهر حبّه             هذا لعمري في الفعال بديع‏

          لو كان حبك صادقا لأطعته             إن المحب لمن يحب مطيع‏

 فلا شكّ أن أثر الحب يظهر على الإنسان من خلال لسانه وفعله «فما أضمر امرؤ شيئا إلّا وظهر على صفحات وجههه أو في فلتات لسانه»»

.

و المظهر لحب النبي والأئمة عليهم السّلام هو إحياء أمرهم، وتعظيم شعائرهم، ونشر فضائلهم، والفرح لفرحهم، والحزن لحزنهم، وبذل المال من أجلهم، واحترام كل ما ينسب إليهم، واللهج بذكرهم في كل وقت ومن هذه الأذكار «الصلاة على محمد وآل محمد» فإنّ المحبّ لا يتوانى عن ذكر محبوبه في كل لحظة وكل مناسبة، فبقدر ما يصلي عليهم فإنه يكون قريب منهم ومعهم في درجتهم.

رزقنا اللّه في الدنيا زيارتهم والثبات على محبتهم، وفي الآخرة شفاعتهم ومجاورتهم ببركة الصلاة على محمد وآل محمد، اللهم صلّ وسلّم على محمد وآل محمّد.

الحادية عشرة: أنها تعين على أهوال الآخرة:

عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من صلّى عليّ ألف مرّة بشّر بالجنة قبل موته» «2».

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «ليردنّ عليّ الحوض يوم القيامة أقوام ما أعرفهم إلّا بكثرة الصلاة عليّ» «3».

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «و من صلّى عليّ ألف مرّة حرّم اللّه جسده على النار، وثبّته بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وعند المسألة، وأدخله‏

__________________________________________________

 (1) من حكم الإمام علي عليه السّلام في نهج البلاغة.

 (2) ثواب الأعمال وعقابها: ص 46.

 (3) ثواب الأعمال وعقابها: ص 45.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:161

الجنة، وجاءت صلاته عليّ لها نور يوم القيامة على الصراط مسيرة خمسمائة عام، وأعطاه اللّه بكل صلاة صلّاها عليّ قصرا في الجنة قلّ ذلك أو كثر» «1».

و قد مرّ أن أثقل ما يوضع في الميزان هو الصلاة على محمّد وآل محمّد.

الثانية عشرة: أنها من موجبات الشفاعة:

فعن الإمام محمد الباقر عليه السّلام عن آبائه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من أراد التوسّل إليّ وأن تكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة فليصلّ على أهل بيتي ويدخل السرور عليهم» «2».

 [معنى الشفاعة]

الشفاعة في يوم القيامة هي عبارة عن: «توسط الشافع لدى اللّه تعالى كي يرفع العقاب أو يزيد الثواب للمشفوع له».

و هي من الأسباب التي تنزل الرحمة والمغفرة من اللّه تعالى على عباده، ولا غرابة فيها بعد أن ذكرها اللّه تعالى في كتابه العزيز في آيات عديدة منها قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ (البقرة: 255) وقوله: لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً (مريم: 87).

و مثالها ما ورد في قصة أخوة نبي اللّه يوسف عليه السّلام إذ رجعوا إلى أبيهم وقالوا له: يا أَبانَا اسْتَغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا إِنَّا كُنَّا خاطِئِينَ (يوسف: 98).

أضف إلى ذلك أن إعطاء اللّه تعالى بعض أوليائه مقام الشفاعة، هو تكريم لهم، وإظهار لمقامهم ومنزلتهم عنده تعالى.

الشفعاء في القيامة:

و أول الشافعين، وأعظم الشافعين، هو سيد النبيين وخاتم الأنبياء والمرسلين محمد صلى اللّه عليه وآله وسلّم فقد أعطاه اللّه تعالى مقام الشفاعة، والوسيلة في‏

__________________________________________________

 (1) ثواب الأعمال وعقابها: ص 45.

 (2) وسائل الشيعة باب 42 من أبواب الذكر حديث 5.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:162

القيامة بقوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى‏ (الضحى: 5) وبقوله:

عَسى‏ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً (الإسراء: 79).

عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم في قوله تعالى: عَسى‏ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً هو المقام الذي أشفع لأمتي فيه» «1».

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «إذا كان يوم القيامة كنت أمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم غير فخر» «2».

كذلك أعطيت الشفاعة للأئمة عليهم السّلام الذين هم الشهداء على الخلق يوم القيامة، ومنهم سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السّلام.

عن الإمام الصادق عليه السّلام: «و اللّه لنشفعنّ في المذنبين من شيعتنا حتى تقول أعداؤنا إذا رأوا ذلك فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ» «3».

عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري قال: قلت لأبي جعفر الباقر عليه السّلام جعلت فداك يا بن رسول اللّه، حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة، إذا أنا حدّثت به الشيعة فرحوا بذلك؟

فقال أبو جعفر عليه السّلام حدثني أبي عن جدي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم قال:

إذا كان يوم القيامة تنصب للأنبياء والرسل منابر من نور فيكون منبري أعلى منابرهم يوم القيامة ثم يقول اللّه: أخطب فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها ثم ينصب للأوصياء منابر من نور وينصب لوصيّي علي بن أبي طالب في أوساطهم منبر فيكون منبره أعلى من منابرهم ثم يقول اللّه: يا علي أخطب فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها ثم‏

__________________________________________________

 (1) مفاهيم القرآن للسبحاني: ج 4 ص 290 عن مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 528 وسنن الترمذي: ج 3 ص 365.

 (2) المصدر السابق نقلا عن سنن الترمذي: ج 5 ص 247، وسنن ابن ماجة: ج 2 ص 1443.

 (3) ميزان الحكمة: ج 5 ص 122.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:163

ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور فيكون لا بنيّ وسبطيّ وريحانتيّ أيام حياتي منبر من نور ثم يقال لهما: اخطبا فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلها! ثم ينادي المنادي- وهو جبرئيل عليه السّلام-:

أين فاطمة بنت محمد؟ ... فتقوم عليها السّلام إلى أن قال: فيقول اللّه تبارك وتعالى: يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟ فيقول محمد وعلي والحسن والحسين عليهم السّلام: للّه الواحد القهّار، فيقول اللّه تعالى: يا أهل الجمع إني قد جعلت الكرم لمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين!

يا أهل الجمع! طأطؤا الرؤوس وغضّوا الأبصار فإنّ هذه فاطمة تسير إلى الجنة فيأتي جبرئيل بناقة من نوق الجنة مدبّحة الجنين خطامها من اللؤلؤ الرطب عليها رحل من المرجان تناخ بين يديها فتركبها فيبعث اللّه مائة ألف ملك ليسيروا عن يمينها ويبعث إليها مائة ألف ملك ليسيروا عن يسارها ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتها حتى يصيّروها على باب الجنة فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول اللّه: يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي؟

فتقول: يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم! فيقول اللّه: يا بنت حبيبي! إرجعي فانظري من كان في قلبه حبّ لك أو لأحد من ذريّتك، خذي بيده فأدخليه الجنة! قال أبو جعفر عليه السّلام: واللّه يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبّيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الرديّ فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي اللّه في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا يقول اللّه تعالى:

يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟

فيقولون: يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم.

فيقول اللّه: يا أحبائي إرجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة أنظروا: من أطعمكم لحبّ فاطمة.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:164

أنظروا: من كساكم لحبّ فاطمة.

أنظروا: من سقاكم شربة في حبّ فاطمة.

أنظروا: من ردّ عنكم غيبة في حبّ فاطمة.

فخذوا بيده وأدخلوه الجنة «1».

و في رواية أنها تقول في المحشر: «اللهم شفعني فيمن بكى على مصيبته (الإمام الحسين عليه السّلام) فيشفعها اللّه فيهم» «2».

من يشفع له:

أما الذين يستحقون الشفاعة فهم المؤمنون الذين ارتضى اللّه تعالى لهم دينهم، والذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا قال تعالى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى‏ (الأنبياء: 28) أي ارتضى دينه.

و أمّا الكافرون والمكذّبون بالشفاعة، فلا يستحقون الشفاعة، لعدم القابلية فيهم لنيل الشفاعة كالرجل الأمي الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة لا يصح أن يشفع له للوصول إلى مركز علمي كبير لعدم القابلية فيه قال تعالى:

إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ، وَما أَضَلَّنا إِلَّا الْمُجْرِمُونَ فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ (الشعراء: 101).

و في الخبر عن الإمام علي الرضا عليه السّلام عن أبيه عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من لم يؤمن بحوضي فلا أورده اللّه حوضي، ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله اللّه شفاعتي»، ثم قال: «إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي فأما المحسنون فما عليهم من سبيل» «3».

نعم وردت في السنّة الشريفة روايات تخصص عمومات الشفاعة لكل المذنبين، ومن هؤلاء:

__________________________________________________

 (1) فاطمة الزهراء من المهد إلى اللحد ص 455.

 (2) المصدر السابق ص 454.

 (3) نور الثقلين: ج 3 ص 423.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:165

أ- المستخف بالصلاة: فعن أبي بصير عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام: «لا ينال شفاعتي من استخفّ بصلاته لا يرد عليّ الحوض لا واللّه» «1».

و عن أبي بصير أيضا قال: دخلت على أم حميدة أعزّيها بأبي عبد اللّه عليه السّلام فبكت وبكيت لبكائها ثم قالت: يا أبا محمد لو رأيت أبا عبد اللّه عليه السّلام عند الموت لرأيت عجبا فتح عينيه ثم قال: اجمعوا كل من بيني وبينه قرابة. قالت: فما تركنا أحدا إلّا جمعناه فنظر إليهم ثم قال: «إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة» «2».

ب- شارب الخمر: فعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «ليس منّي من استخفّ بصلاته لا يرد عليّ الحوض لا واللّه، ليس منّي من شرب الخمر لا يرد عليّ الحوض» «3».

ج- المؤذي ذريّة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: عن الإمام علي عليه السّلام قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «إذا قمت المقام المحمود تشفّعت في أصحاب الكبائر من أمتي فيشفّعني اللّه فيهم، واللّه لا تشفّعت فيمن آذى ذريّتي» «4».

مراتب الشفاعة:

هذا، وتختلف مراتب الشفاعة باختلاف الاستعدادات والقابليات فمن المذنبين من لا تنالهم الشفاعة إلّا بعد الدخول في النار وعذاب الالاف من السنين، ومنهم من تناله قبل ذلك.

فمن كانت له حسنات معينة ذكرتها الروايات، فإنّ له شفاعة خاصة.

منها: ما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «إنّ أقربكم مني غدا وأوجبكم عليّ‏

__________________________________________________

 (1) ميزان الحكمة: ج 5 ص 117.

 (2) المصدر السابق ص 405.

 (3) بحار الأنوار: ج 83 ص 9.

 (4) مفاهيم القرآن: ج 4 ص 300.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:166

شفاعة: أصدقكم لسانا، وأدّاكم للأمانة، وأحسنكم خلقا، وأقربكم من الناس» «1».

و منها: ما روي عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «سلوا اللّه لي الوسيلة فمن سأل اللّه لي الوسيلة حلّت له الشفاعة» «2».

و منها: الصلاة على محمّد وآل محمد: كما مرّ في الحديث الشريف عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم من طرق الشيعة، وأما من طرق أهل السنّة:

فعنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من صلّى على محمّد وقال: «اللهم أنزله المقعد المقرّب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي» رواه أحمد بن حنبل في مسنده ج 4 ص 108.

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من قال حين يسمع النداء: «اللهم ربّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته» حلّت له شفاعتي يوم القيامة» رواه البخاري في صحيحه ج 1 ص 159، وابن ماجة في سننه ج 1 ص 239، والترمذي ج 1 ص 136، والنسائي ج 2 ص 22، وأبي داود ج 1 ص 126.

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «إذا سمعتم المؤذّن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلّوا عليّ فإنه من صلّى عليّ صلاة صلّى اللّه عليه عشرا، ثم سلوا اللّه عزّ وجلّ الوسيلة فمن سأل اللّه لي الوسيلة حلّت عليه الشفاعة» رواه مسلم في الصحيح ج 2 ص 4، وأحمد بن حنبل في المسند ج 2 ص 168، والترمذي في سننه ج 5 ص 246، والنسائي ج 2 ص 22.

نقلنا هذه المصادر عن كتاب: «مفاهيم القرآن» ج 4 للباحث المحقق الشيخ جعفر السبحاني أيّده اللّه تعالى.

و الوجه في كون الصلاة على محمد وآل محمد من موجبات الشفاعة،

__________________________________________________

 (1) ميزان الحكمة: ج 5 ص 125.

 (2) المصدر السابق ص 123.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:167

أنها من الطاعات والقربات التي يهديها المصلّي إلى مواليه وساداته، وهم- أهل الرحمة والعطف- يردّون على المصلّي هديته في الوقت الذي يحتاجهم فيه بأن يشفعوا له عند اللّه تعالى.

و يؤيده ما ورد في الخبر المرفوع عنهم عليهم السّلام: «من جعل ثواب صلاته لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم وأمير المؤمنين عليه السّلام والأوصياء من بعده صلوات اللّه عليهم أجمعين أضعف اللّه له ثواب صلاته أضعافا مضاعفة حتى ينقطع النفس، ويقال له قبل أن تخرج روحه من جسده: يا فلان! هديتك إلينا وألطافك لنا فهذا يوم مجازاتك ومكافأتك، فطب نفسا وقرّ عينا بما أعدّ اللّه لك وهنيئا لك بما صرت إليه» «1».

الثالثة عشرة: أنها توجب استجابة الدعاء:

عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «ما من دعاء إلّا بينه وبين السماء حجاب حتّى يصلّى على النبي وعلى آل محمّد، فإذا فعل ذلك خرق ذلك الحجاب ودخل الدعاء، فإذا لم يفعل ذلك رجع الدعاء» «2».

عن الإمام علي عليه السّلام: «كل دعاء محجوب عن السماء حتى تصلّي على محمّد وآله» «3».

عن الإمام علي عليه السّلام: «إذا كانت لك إلى اللّه تعالى حاجة، فابدأ بمسألة الصلاة على رسوله صلى اللّه عليه وآله وسلّم ثم سلّ حاجتك، فإنّ اللّه أكرم من أن يسأل حاجتين فيقضي إحداهما ويمنع الآخرى» «4».

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا دعا أحدكم فليبدأ بالصلاة على محمد، ويقول: إفعل بي كذا وكذا، فإنّ العبد إذا قال اللهم صلّ على محمّد وعلى‏

__________________________________________________

 (1) جمال الأسبوع ص 29.

 (2) ثواب الأعمال وعقابها: ص 47.

 (3) ثواب الأعمال وعقابها: ص 46.

 (4) الوسائل باب 36 من أبواب الدعاء حديث 18.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:168

أهل بيته استجاب له، فإذا قال: إفعل بي كذا وكذا، كان أجود من أن يردّ بعضا ويستجيب بعضا» «1».

عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام أنه قال: «إنّ رجلا أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول اللّه إني جعلت ثلث صلاتي لك، فقال له: خيرا. فقال له: يا رسول اللّه! إني جعلت نصف صلاتي لك، فقال: ذاك أفضل. فقال: إنّي جعلت كل صلاتي لك، فقال: إذن يكفيك اللّه عز وجل ما أهمّك من أمر دنياك وآخرتك. فقال له رجل: أصلحك اللّه كيف يجعل صلاته؟

فقال عليه السّلام: لا يسأل اللّه عزّ وجلّ إلّا بدأ بالصلاة على محمّد وآله» «2».

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «لا تجعلوني كقدح الراكب، فإنّ الراكب يملأ قدحه فيشربه إذا شاء، اجعلوني في أول الدعاء وفي وسطه وفي آخره» «3».

قال السيد عبد اللّه شبّر رحمه اللّه: «و لعلّ المراد من الحديث أن الراكب لا يذكر قدحه إلّا إذا عطش وأراد أن يشرب فحينئذ يملأه ويشربه، وأما في سائر الأوقات فهو في غفلة عنه» «4».

و قد ذكر علماء أهل السنّة روايات تقول إنّ الدعاء محجوب حتى يصلّي الداعي على محمّد وآل محمّد.

منهم: ابن حجر في الصواعق المحرقة ص 88، والمناوي في الشرح ج 5 ص 19، والهندي في كنز العمال ج 1 ص 214، والقندوزي في ينابيع المودة ص 295، والقدوسي الحنفي في سنن الهدى ص 375. (راجع إحقاق الحق ج 9 ص 665).

__________________________________________________

 (1) جمال الأسبواع: ص 160.

 (2) الوسائل باب 36 من أبواب الدعاء حديث 4.

 (3) المصدر السابق حديث 7.

 (4) مصابيح الأنوار: ج 2 ص 260.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:169

شروط استجابة الدعاء:

لاستجابة الدعاء شروط مذكورة في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، وهي تنقسم إلى شروط الصحة فلا يستجاب الدعاء بدونها، وشروط الكمال.

أمّا شروط الصحة:

قال تعالى: إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (البقرة: 186).

و في هذه الاية دلالة على اشتراط الإيمان باللّه تعالى وبقدرته على إعطاء ما يسأل، كما في الخبر المروي عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام: «يعلمون أني أقدر على أن أعطيهم ما يسألون» «1».

عن أحمد بن محمد بن أبي نصر قال لي أبو الحسن الرضا عليه السّلام:

 «أخبرني عنك لو أني قلت لك قولا أكنت تثق به مني؟ فقلت له: جعلت فداك إذا لم أثق بقولك فبمن أثق وأنت حجة اللّه على خلقه؟ قال: فكن باللّه أوثق فإنك على موعد من اللّه أ ليس اللّه عزّ وجل يقول: إِذا سَأَلَكَ ...» «2».

فإذا كان الدعاء مع التردد في الاستجابة، والغافلة، والسهو فهو مردود ف «إن العطية على قدر النية».

و في الاية دلالة على كون الاستجابة منوطة بكون الإنسان في حالة دعاء حقيقة لا لقلقة لسان فحسب، إذ الدعاء في العرف العام هو طلب توجّه المدعو نحو الداعي، كما يقال: دعا زيد عمرو أي ناداه ليلتفت إليه، ودعاء اللّه هو طلب توجّه اللّه تعالى نحو الداعي، وتوجهه تعالى عبارة عن استجابة الدعاء، وإنزال الرحمات، ويتحقق دعاؤه تعالى بالابتداء بالأسماء الحسنى،

__________________________________________________

 (1) تفسير العياشي: ج 1 ص 102.

 (2) نور الثقلين: ج 1 ص 171.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:170

قال تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ فَادْعُوهُ بِها (الأعراف: 81) «1».

و في الاية أيضا: اشتراط الاستجابة للّه تعالى فيما يدعوهم إليه، فكأن الاية تقرّر: إن اللّه تعالى يستجب دعاء العباد، ولا بدّ للعباد أن يستجيبوا له فيما يدعوهم إليه، ودعاؤه تعالى العباد هو الإيمان به والعمل الصالح.

و من ثمّ ورد في الروايات أن الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر، وأنّ دعوة آكل الحرام، وآكل السحت محجوبة، وكذا دعاء الظالم، وقاطع الرحم .. «2».

و في دعاء كميل بن زياد المروي عن الإمام علي عليه السّلام يقول فيه: اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء».

و أمّا شروط الكمال فهي عديدة منها:

1- الطهارة من الحدث والخبث، 2- استقبال القبلة، 3- ألايكون الدعاء ملحونا، 4- الابتداء بالثناء على اللّه، والمدح له، ثم الإقرار بالذنوب، 5- الإلحاح بالدعاء، 6- البكاء حال الدعاء، 7- الصدقة قبل الدعاء، 8- الاجتماع في الدعاء، 9- الدعاء للاخوان، 10- رفع اليدين، 11- الدعاء عند السحر، وقبل طلوع الشمس وغروبها، 12- الدعاء عند قراءة القرآن، والاذان، والتقاء الصفين للشهادة، ونزول المطر، 13- الدعاء في الأمكنة الشريفة كالمسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمراقد المقدّسة للأئمة الأطهار وخصوصا تحت قبة سيد الشهداء عليه السّلام.

و من هذه الشروط تقديم الصلاة على محمّد وآل محمد والختم بها.

__________________________________________________

 (1) عن معاوية بن عمار عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام في قول اللّه تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى‏ فَادْعُوهُ بِها نحن واللّه الأسماء الحسنى التي لا يقبل اللّه من العباد عملا إلّا بمعرفتنا» (نور الثقلين: ج 2 ص 103).

 (2) ميزان الحكمة: ج 3 ص 254.

                       

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:171

و السرّ في كون الصلاة سببا لقبول الدعاء متجسدا فيما يلي:

الأول: إن العبد إذا جعل الصلاة في أول الدعاء وفي آخره وعرض المجموع على اللّه تعالى فإنّ اللّه الكريم يستحي أن يردّ البعض ويقبل البعض، وما دامت الصلاة غير محجوبة فلا بد من عدم محجوبية الدعاء أيضا، واللّه أكرم من أن يقبل الطرفين ويدع الوسط، مثال ذلك: أن من باع أمتعة صفقة واحدة، فإنّ المشتري لا يسوغ له أخذ الصحيح وردّ المعيب، بل أما أن يردّ الجميع، أو يقبل الجميع، ولا يردّ المعيب فقط «1»، وهذا الداعي مزج دعاءه بالصلاة على محمّد وآله، وعرض الجميع صفقة واحدة على ربّ الأرباب وهو أكرم وأجلّ من أن يردّ المعيب ويقبل الصحيح.

و هذا هو أحد أسرار الصلاة جماعة، والدعاء في الاجتماع، والصلاة في وقتها حيث أن قبول الصلاة متوقف على إقبال الإنسان بقلبه فيها نحو اللّه تعالى ولتعذر حصول الإقبال بالتمام في كل الأحوال جعل اللّه تعالى من أسباب القبول أداء النوافل اليومية كما في بعض الروايات فعن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام: «إن العبد ليرفع له من صلاته نصفها أو ثلثها أو ربعها أو خمسها فما يرفع له إلّا ما أقبل عليه منها بقلبه، وإنما أمرنا بالنافلة ليتم لهم بها ما نقصوا من الفريضة» «2».

و في حديث للإمام محمد الباقر عليه السّلام عن أحوال أبيه الإمام السجاد عليه السّلام:

 «... ولقد صلّى ذات يوم فسقط الرداء عن أحد منكبيه، فلم يسوّه حتى فرغ‏

__________________________________________________

 (1) وهذه من الأمور الوجدانية التي قد تحصل بين الناس، فقد لقي أبو دلامة أبا دلف وهو والي العراق، فأخذ بعنان فرسه وقال له: إني حلفت لئن رأيتك سالما بقرى العراق وأنت ذو وفر لتصلّين على النبي ولتملأنّ دراهما حجري فقال: أمّا الصلاة على النبي محمد صلى اللّه عليه وآله وسلّم فصلّى اللّه عليه وسلّم وأمّا الدراهم فلا، قال له: جعلت فداك لا تفرّق بينهما بالذي أسأله ألايفرّق بينك وبين النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم فاستسلفها أبو دلف وصبّ الدراهم في حجره.

 (2) الوسائل باب 17 من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها حديث رقم 3.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:172

من صلاته فسأله بعض أصحابه عن ذلك فقال: ويحك أ تدري بين يدي من كنت؟ إنّ العبد لا يقبل من صلاته إلّا ما أقبل عليه منها بقلبه. فقال الرجل:

هلكنا! فقال: كلا، إنّ اللّه عزّ وجلّ متمّم ذلك بالنوافل» «1».

و قد لا يستطيع العبد أداء النوافل دائما فجعل من أسباب قبول الفرائض الصلاة في أول وقتها، لأنها إن ارتفعت أول الوقت، فإنها ترتفع مع صلاة ولي العصر (عج) وعندها يستحي اللّه تعالى أن يقبل صلاة الإمام عليه السّلام ويردّ صلاة العبد.

الثاني: إن من كانت له حاجة عند سلطان، فإنه يتقرّب إليه بأحبّ الوسائل لديه فيتشفّع بفلان وفلان من المقرّبين لدى حضرته، وبعبارة أخرى، من أحبّه السلطان وأكرمه يجب أن يكرمه الناس فإذا فعل ذلك استحقّ العطاء من السلطان.

و النبي محمّد وأهل بيته عليهم السّلام هم أقرب الخلق إلى اللّه تعالى وأحبّهم إليه فلا بدّ من التوسّل بهم والتقرّب بحبّهم إلى ربّهم عند طلب الحاجة منه سبحانه وتعالى، فلو لم يستجب دعاءك في الأساس فإنه سيستجيبه كرامة لهؤلاء الذين توسّلت بهم وقدّمتهم بين يدي حوائجك.

و من هنا ورد عن سلمان الفارسي المحمدي أنه قال:

 «سمعت محمّدا صلى اللّه عليه وآله وسلّم يقول: إنّ اللّه عز وجل يقول: يا عبادي أو ليس من له إليكم حوائج كبار لا تجودون بها، إلّا أن يتحمل عليكم بأحبّ الخلق إليكم تقضونها كرامة لشفيعهم، ألا فاعلموا أن أكرم الخلق عليّ، وأفضلهم لديّ، محمّد وأخوه عليّ ومن بعده من الأئمة، هم الوسائل إلى اللّه ألا فليدعني من همته حاجة يريد نفعها، أو دهته داهية يريد كشف ضرّها، بمحمّد

__________________________________________________

 (1) منتهى الامال: ج 2 ص 15.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:173

و آله الطيبين الطاهرين، أقضها له بأحسن ما يقضيها من تستشفعون بأعزّ الخلق عليه».

فقال له قوم من المشركين والمنافقين وهم مستهزؤون به: يا أبا عبد اللّه فمالك لا تقترح على اللّه بهم أن يجعلك أغنى أهل المدينة.

فقال سلمان: دعوت اللّه وسألته ما هو أجلّ وأنفع وأفضل من ملك الدنيا بأسرها، سألته بهم صلّى اللّه عليهم أن يهب لي لسانا ذاكرا لتحميده وثنائه، وقلبا ذاكرا لالائه، وبدنا على دواهي الداهية صابرا، هو عز وجل قد أجابني إلى ذلك وهو أفضل من ملك الدنيا بحذافيرها، وما يشتمل عليها من خيراتها مائة ألف ألف مرة»»

.

قد يقال: إذا كانت الصلاة على محمد وآل محمد عبارة عن الدعاء لهم، فكيف نتحقق من استجابة اللّه تعالى لهذا الدعاء لنجعله شفيعا لنا في طلب الحوائج الآخرى؟

الجواب:

روي عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال: «إذا دعا أحدكم فليبدأ بالصلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم فإنّ الصلاة على النبي مقبولة، ولم يكن اللّه ليقبل بعض الدعاء ويردّ بعضا» «2».

و في هذا دلالة صريحة على قبول الصلاة على محمّد وآل محمّد.

و قد ورد في الروايات الشريفة أن دعاء الأخ لأخيه مستجاب في ظهر الغيب.

__________________________________________________

 (1) عدّة الداعي لابن فهد الحلي: ص 151.

 (2) الوسائل باب 36 من أبواب الدعاء حديث 14.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:174

فعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «ليس شي‏ء أسرع إجابة من دعوة غائب لغائب» «1».

و عن الإمام محمد الباقر عليه السّلام: «أسرع الدعاء نجحا للإجابة دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب يبدأ بالدعاء لأخيه فيقول له ملك موكل به: آمين ولك مثله» «2».

فإذا كان دعاء الأخ لأخيه في الإيمان مستجاب، فكيف بدعاء الولد لوالده، ومن المقطوع به أن النبي وآله عليهم السّلام هم آباء هذه الأمة، ففي الحديث الشريف: «يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة» «3».

و قد ذكر بعض العلماء: أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أبو الأرواح كما أن آدم أبو الأجساد ... فروح النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم هي الأصل في خلق الأرواح، ومن هنا كانت الأبوّة روحية ومعنوية.

ثمّ إنّ الصلاة على محمد وآل محمّد من مصاديق الكلام الطيب الذي يرفع إلى اللّه تعالى، قال تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ (فاطر: 10).

عن صدر المتألهين (قدّس سرّه): «فكما أن أجساد البشر تكرّم بكرامة الروح، فكذلك أصوات الكلام تكرّم وتشرف بشرافة الحكمة التي فيها» «4».

الرابعة عشرة: أنها توجب قضاء الحوائج:

عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من عسرت عليه حاجة فليكثر بالصلاة عليّ فإنها تكشف الهموم والغموم، وتكثر الأرزاق، وتقضي الحوائج» «5».

__________________________________________________

 (1) ميزان الحكمة: ج 3 ص 280.

 (2) المصدر السابق ص 281.

 (3) الذنوب الكبيرة ج 1 ص 156، ومواهب الرحمن ج 8 ص 223.

 (4) نقلا عن مواهب الرحمن: ج 3 ص 75.

 (5) ثواب الأعمال وعقابها: ص 45. وإحقاق الحق ج 9 ص 628.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:175

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من صلّى على محمّد وآل محمّد مرة قضى اللّه له مائة حاجة» «1».

و في دعاء طلب الحوائج للإمام زين العابدين عليه السّلام: «صلّ على محمّد وآله صلاة دائمة نامية لا انقطاع لأبدها، ولا منتهى لأمدها، واجعل ذلك عونا لي وسببا لنجاح طلبتي إنك واسع كريم».

و في كتاب التحفة الرضوية عن كشكول الزنجاني:

إن من المجربات لقضاء الحوائج ولشفاء المريض قراءة هذا الدعاء كل يوم 70 مرة وهو: «اللهم صلّ على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها بعدد ما أحاط به علمك وأحصاه» «2».

و من المجرّبات عند العلماء (رضوان اللّه عليهم) أنهم ينذرون «الصلاة على محمّد وآل محمّد» لقضاء الحوائج ...

بأن يقول الناذر: «للّه عليّ نذر لئن حصل كذا وكذا .. لأصلّي على محمّد وآل محمد مائة مرة أو ألف مرّة أو ...» حسب خطورة الأمر المنذور له، ومن أفضل النذورات أن يصلّي عليهم «أربعة عشر ألف مرة» ويهديها لأرواح المعصومين الأربعة عشر، وطريقته: بأن يهدي الألف الأولى لروح النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم، والثانية لروح أمير المؤمنين عليه السّلام، والثالثة لروح الزهراء عليها السّلام، ويستمر على هذا النحو إلى الاخر.

و مما جرّب أيضا- كما في التحفة الرضوية- أن «الصلاة على محمّد وآل محمّد» مائة مرة وأكثر، تدفع الغمّ وتجلب النوم ..

الخامسة عشرة: توجب التذكّر بعد النسيان:

روي عن الإمام الحسن بن علي عليهما السّلام في جواب من سأله عن الرجل:

كيف يذكر وينسى؟

__________________________________________________

 (1) ثواب الأعمال وعقابها: ص 50. وإحقاق الحق ج 18 ص 305.

 (2) التحفة الرضوية: ص 202.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:176

فقال عليه السّلام: «إنّ قلب الرجل في حقّ، وعلى الحقّ طبق، فإن صلّى الرجل على محمّد وآل محمّد صلاة تامّة انكشف ذلك الطبق عن ذلك الحقّ فأضاء القلب، وذكر الرجل ما كان نسي، وإن هو لم يصلّ على محمد وآله أو نقص من الصلاة عليهم، انطبق ذلك الطبق على ذلك الحقّ فأظلم القلب ونسي ما كان ذكره» «1».

أقول: تعاطي الذنوب يؤثّر على القلب والعقل سلبا، حيث أنّها تفسد القلب وتورث الجهل والنسيان ففي الخبر عن الإمام محمّد الباقر عليه السّلام: «ما من عبد إلّا في قلبه نكتة بيضاء فإذا أذنب ذنبا خرج في النكتة نكتة سوداء، فإن تاب ذهب ذلك السواد، وإن تمادى في الذنوب زاد ذلك السواد حتى يغطّي البياض، فإذا غطّى البياض لم يرجع صاحبه إلى خير أبدا، وهو قول اللّه عزّ وجلّ: كَلَّا بَلْ رانَ عَلى‏ قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (المطففين: 14)» «2».

و عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «اتّقوا الذنوب فإنها ممحقة للخيرات، وإنّ العبد ليذنب فينسى به العلم الذي كان قد علمه» «3».

قال الشاعر:

         شكوت إلى وكيع سوء حفظي             فأرشدني إلى ترك المعاصي‏

          وقال اعلم بأن العلم فضل             وفضل اللّه لا يؤتاه عاصي‏

 وعليه فمن صلّى على محمّد وآل محمّد فإنّ ذنوبه تهدم وبالتالي يذهب ذلك السواد فيتذكر ما كان نسي واللّه أعلم.

السادسة عشرة: تزيل الفقر وتورث الغنى:

روي أنّ فقيرا شكا إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم من شدّة الفقر، فقال له: «إن أردت‏

__________________________________________________

 (1) الوسائل باب 37 من أبواب الصلاة على محمّد وآله حديث 1.

 (2) ميزان الحكمة: ج 3 ص 364.

 (3) المصدر السابق: ص 465.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:177

أن يغنيك اللّه فصلّ عليّ وعلى آلي» «1».

و في هذا السياق نذكر دعاء لرفع الفقر وأداء الدين تعميما للفائدة.

عن الإمام الباقر عليه السّلام عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال:

 «شكوت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم دينا كان عليّ فقال: يا علي قل: «اللهم أغنني بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمّن سواك» فلو كان مثل صبير دينا قضاه اللّه عنك، وصبير جبل باليمن ليس باليمن جبل أجلّ ولا أعظم منه» «2».

قال الشيخ البهائي- زاد اللّه في بهائه- بعد نقله لهذا الحديث: «كثر عليّ الدين في بعض السنين حتى تجاوز ألفا وخمسمائة مثقال ذهبا، وكان أصحابه متشددين في تقاضيه غاية التشديد، حتى شغلني الاهتمام به عن أكثر أشغالي، ولم يكن لي في وفائه حيلة، فواظبت على هذا الدعاء، فكنت أكرره في كل يوم بعد صلاة الصبح وربما دعوت بعد الصلوات الآخرى فيسّر اللّه سبحانه قضاءه وعجّل أداءه في مدة يسيرة بأسباب غريبة ما كانت تخطر بالبال ولا تمرّ بالخيال».

و قال العلّامة الأكبر السيد محسن الأمين- عامله اللّه بلطفه-: «و أنا من يوم اطّلاعي على هذا الحديث واظبت على قراءة هذا الدعاء في الصلوات، فما وجدت ضيقا في المعاش والحمد للّه إلّا نادرا».

و قال بعض أهل العلم: له أثر عجيب في أداء الدين، وليس فيه تخلّف أبدا وما قرأته إلّا ويؤدّي ديني قبل بلوغ الأسبوع، وأضاف: وأعتقد أنه من معجزات الرسول» «3».

__________________________________________________

 (1) لئالي الأخبار: ج 3 ص 436.

 (2) التحفة الرضوية: ص 30.

 (3) المصدر السابق ص 31.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:178

السابعة عشرة: تورث العافية:

عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من صلّى عليّ مرة، فتح اللّه عليه بابا من العافية» «1».

العافية هي الصحة والسلامة من الافات والأمراض الروحية والجسدية، والأمراض الروحية- كالكفر والنفاق والفسق والفساد- أشدّ فتكا وضررا على سعادة الإنسان من الأمراض الجسدية.

لذا كان المعصومون عليهم السّلام يطلبون من اللّه العافية في الدين والدنيا، فعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «ما سئل اللّه شيئا أحبّ إليه من أن يسأل العافية» «2».

و جاء رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم فقال: «يا رسول اللّه أي الدعاء أفضل؟

قال: تسأل ربّك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، ثم أتاه من الغد فأجابه مثل ما أجاب في اليوم الأول إلى اليوم الرابع، ثم أتاه من اليوم الرابع فقال: يا رسول اللّه أي الدعاء أفضل؟ قال صلى اللّه عليه وآله وسلّم: تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة فإنك إذا أعطيتهما في الدنيا ثم أعطيتهما في الآخرة فقد أفلحت» «3».

عن الإمام الكاظم عليه السّلام: «كان صلى اللّه عليه وآله وسلّم يدعو ويقول: أسألك تمام العافية «ثم قال»: تمام العافية، الفوز بالجنة، والنجاة من النار» «4».

و روي أنه سئل صلى اللّه عليه وآله وسلّم: لو أدركت ليلة القدر فماذا أسأل اللّه؟

فقال صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «العافية وبعد العافية القناعة» «5».

__________________________________________________

 (1) المستدرك باب 31 من أبواب الذكر حديث 11.

 (2) ميزان الحكمة: ج 6 ص 383.

 (3) المصدر السابق.

 (4) المصدر السابق ص 385.

 (5) منتهى الامال: ج 2 ص 480.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:179

و في خطبة للإمام علي عليه السّلام: «و تسأله المعافاة في الأديان، كما نسأله المعافاة في الأبدان» «1».

إذا لا بدّ للمريض- روحيا وجسديا- أن يطلب من اللّه تعالى العافية من بلائه كما مرّ من أقوال المعصومين عليهم السّلام.

و من الأدعية التي تورث العافية هي الصلاة على محمّد وآل محمّد، فإنّ المريض إذا ذكرهم فإنه يتصل بأطباء الأرواح والأجساد متوسلا بهم ومستشفعا إلى اللّه تعالى كي يشفى، وإذا وصل إلى معدن الرحمة وأبواب النعم فقد فتح اللّه بابا من العافية كما في الحديث الشريف.

و نعم ما قيل:

         وإذا مرضت من الذنوب فداوها             بالذكر إنّ الذكر خير دواء

          والسقم في الأبدان ليس بضائر             والسقم في الأديان شر بلاء

 «يا وليّ العافية نسألك العافية عافية الدين والدنيا والآخرة بمحمّد وعترته الطاهرة».

الثامنة عشرة: توجب رؤية النبي وأحد الأئمة (ع) أو الموتى في المنام:

عن أبي هاشم قال: جاء رجل إلى الإمام محمّد بن علي الجواد عليهما السّلام وقال: يا بن رسول اللّه إنّ أبي قد مات وكان له مال ولست أقف على ماله، ولي عيال كثير وأنا من مواليكم فأغثني، فقال عليه السّلام: إذا صلّيت العشاء الآخرة فصلّ على محمّد وآل محمّد فإنّ أباك يأتيك في النوم ويخبرك بأمر المال. ففعل الرجل ذلك فرأى أباه في النوم فقال: يا بنيّ مالي في موضع كذا فخذه وامض إلى ابن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم وأخبره إني دللتك على المال فذهب‏

__________________________________________________

 (1) نهج البلاغة الخطبة 99.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:180

الرجل وأخذ المال وأخبر الإمام عليه السّلام بأمر المال، فقال: الحمد للّه الذي أكرمك واصطفاك» «1».

و قد حكي أنّ المداومة على هذه الصلوات تورث رؤية النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وهي:

 «اللّهمّ صلّ على محمّد وآله وسلّم كما تحبّ وترضى» «2».

__________________________________________________

 (1) دار السلام: ج 1 ص 338.

 (2) دار السلام: ج 3 ص 16.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:181

الفصل الرابع:  فائدة الصلاة على محمد وآل محمد

                       

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:183

وقع الكلام بين الأعلام في أنّ فائدة الصلاة على محمّد وآل محمّد هل تعود إلى المصلّي- من الناس- أم إلى النبي وآله الطاهرين؟

فذهب الأكثر- بشهادة السيد عبد اللّه شبّر- إلى أن الفائدة تعود إلى المصلّي فحسب، لأنّ النبي والأئمة عليهم السّلام قد بلغوا من الكمال، والفضل، مرتبة لا يمكن الزيادة عليها، ولم يبق من فضل وعلوّ وسموّ وكمال إلّا وقد جمعوه، فهم خير الخلق على الإطلاق، ولا يوجد من هو أكمل منهم ولا أفضل، وعليه فمن كان خير الخلق وعلّة الخلق، وأول الخلق، والواسطة بين المخلوق والخالق، ومن وصل إلى قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‏ لا يحتاج إلى صلاة أحد ممن هو أقل منه، فصلواتنا عليهم لا تزيدهم في كمالاتهم وعلوّ درجاتهم وإنما تنفعنا نحن بالتقرّب بها إليهم صلوات اللّه عليهم.

روي عن صفوان بن يحيى قال: «كنت عند الرضا عليه السّلام فعطس، فقلت: صلّى اللّه عليك ثمّ عطس فقلت: صلّى اللّه عليك، ثم عطس فقلت:

صلّى اللّه عليك، وقلت له: جعلت فداك إذا عطس مثلك يقال له كما يقول بعضنا لبعض: يرحمك اللّه؟ أو كما نقول؟ قال: نعم أ ليس تقول صلّى اللّه على محمّد وآل محمّد؟ قلت: بلى، قال: إرحم محمّدا وآل محمّد، قال:

بلى، وقد صلّى اللّه عليه ورحمه وإنما صلاتنا عليه رحمة لنا وقربة» «1».

__________________________________________________

 (1) أصول الكافي: ج 2 ص 653.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:184

فهي تدلّ على أنّ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم قد أعطي الرحمة وعلوّ الدرجة فلا يحتاج إلى صلاة ودعاء أحد إنّما هي رحمة للنّاس وقربة لهم إلى اللّه ورسوله صلى اللّه عليه وآله وسلّم.

و استدلّوا على ذلك بما ورد عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام في الصلاة على محمّد وآله: «اللهم إنّ محمّدا كما وصفته في كتابك حيث قلت وقولك الحق لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ فاشهد أنه كذلك، واشهد أنك لم تأمر بالصلاة عليه إلّا بعد أن صلّيت عليه أنت وملائكتك، فأنزلت في فرقانك الحكيم إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً لا لحاجة به إلى صلاة أحد من الخلق عليه بعد صلواتك، ولا إلى تزكية أحد بعد تزكيتك، بل الخلق كلهم محتاجون إلى ذلك، لأنّك جعلته بابك الذي لا تقبل إلّا من أتاك منه وجعلت الصلاة عليه منك وسيلة إليك وزلفة لديك، ودللت عليه المؤمنين، وأمرتهم بالصلاة عليه ليزدادوا بذلك كرامة عليك».

و يشهد لذلك ما ورد عن الإمام علي عليه السّلام أنه خطب فقال: «بالشهادتين تدخلون الجنة وبالصلاة تنالون الرحمة فأكثروا من الصلاة على نبيكم وآله إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ ...» «1».

و كذا ما مرّ في الفصل الثالث من الروايات الدالّة على عود الثواب إلى المصلّي.

يقول الشهيد الثاني رحمه اللّه في الروضة: «غاية السؤال بالصلاة عائدة إلى المصلّي. لأنّ اللّه تعالى قد أعطى نبيّه من المنزلة والزلفى لديه ما لا يؤثّر فيه صلاة مصلّ كما نطقت به الأخبار وصرّح به العلماء الأخيار».

و في الحديث عن هدية الأعمال إلى المعصومين عليهم السّلام قال جمال العارفين السيد علي بن طاووس: «و اعلم أنّ القوم صلوات اللّه عليهم مستغنون عن هديتك، ولكن أنت غير مستغن عن الهدية إليهم وقرب مقولتك‏

__________________________________________________

 (1) بحار الأنوار: ج 94 ص 48.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:185

لديهم، كما أنّ اللّه جلّ جلاله مستغن عن هذه الأحوال، فليكن في نيتك وسريرتك عند ابتداء الهدية لهذه الأعمال أن المنّة للّه جلّ جلاله ولهم صلوات اللّه عليهم، كيف هداك اللّه جلّ جلاله وهدوك به جلّ جلاله إلى السعادة والأمان والخلود في كمال الإحسان ديار الرضوان يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ (الحجرات: 17) وأنت كما قال أهل البيان:

         أهدى لمجلسه الكريم وإنّما             أهدى له ما خرت من نعمائه‏

          كالبحر يمطره السحاب وما له             منّ عليه لأنّه من مائه» «1»

يقول الشيخ جوادي آملي حفظه اللّه تعالى في شرح كلمة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من أكثر فيه- في شهر رمضان- من الصلاة عليّ ثقّل اللّه ميزانه يوم تخفّ فيه الموازين».

 «و هذه الصلوات لا تعود على النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم بالكمال، فإنّ اللّه سبحانه وتعالى قد أعطى الكمالات اللائقة لنبيّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم، أما الشي‏ء الذي نطلبه منه تعالى فليس بعنوان علّة فاعلة وواسطة في الفيض على الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم، لأنّ الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم كامل ولا تزيده هذه الصلوات كمالا، لكن بواسطة هذه الصلوات تظهر كمالاته وتكون علّة فيض الرّحمة الإلهية.

نحن لا نوصل خيرا للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم، لأنّ كلّ ما عندنا هو من بركات النبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم، كالبستانيّ الذي يقدم باقة ورد في يوم العيد لصاحب البستان الّذي يعمل فيه، وهذا الورد من نفس صاحب البستان، فهل قدّم هذا البستانيّ شيئا من عنده؟ فأيّ خير نحصل عليه هو ناتج غرس الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم، فنحن إنما نقدّم باقة ورد لحضرة الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم من بستانه، فعلى هذا لا تزيده صلواتنا وتحيّاتنا كمالا، لكنّها بالنسبة لنا نوع من التقرّب، وبها نصل إلى‏

__________________________________________________

 (1) جمال الأسبوع: ص 32.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:186

كمالنا ومعنى الصلوات التي نصلّيها على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم هي: إلهي أنزل رحمتك على محمد وآل محمد، فعندما تنزل الرّحمة على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم فهي تصيب الاخرين لأنّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم مجرى الفيض الإلهي، وإذا أردتم أن توصلوا خيرا للاخرين، فيجب أولا أن تنزلوا الرحمة على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم بعنوان الرحمة الخاصة لكي تصل إلى الاخرين، لهذا قال الإمام علي عليه السّلام: إذا أردتم الدعاء أو الطلب من اللّه في أي وقت، فصلّوا على النبي وآله مع الدعاء أو بعده، ذلك لأنّ الصلوات على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم دعاء مستجاب، فإذا دعوتم مع الصّلوات، فلا يعقل أن يستجب اللّه للصّلوات ويترك دعاءكم، ولهذا نشاهد ذكر الصلوات في الكثير من مقاطع الأدعية التربوية للإمام السجّاد عليه السّلام فكلّ مطلب يذكره الإمام عليه السّلام يسبقه ويلحقه بالصلوات، لأنّ اللّه عزّ وجلّ يستجيب أطراف الدعاء فيكون ما بين طرفيه مستجابا «1».

* وقال بعضهم: إن الصلاة عليهم سببا لزيادة قربهم وكمالاتهم، زيادة على القرب والكمال الذي وصلوا إليه.

لأنّ درجات القرب لا تقف عند حدّ، وكل درجة فوقها درجة، فكما أن بيننا وبين الرسول وأهل بيته عليهم السّلام درجات لا يمكن لأحدنا أن يصل إليها مهما عرج في مدارج الكمال، كذلك فإنّ بينهم وبين اللّه تعالى درجات غير متناهية، كلما صعدوا إلى منازل القرب لا تنتهي تلك المعارج، ويعدّون أنفسهم مثل الذرة أو دونها أمام ساحة الكبرياء والعظمة.

روي في جمال الأسبوع عن أحمد بن عبد اللّه البجلي بإسناد رفعه إليهم عليهم السّلام قال: «من جعل ثواب صلاته لرسول اللّه وأمير المؤمنين والأوصياء من بعده صلوات اللّه عليهم أضعف اللّه له ثواب صلاته أضعافا مضاعفة حتى ينقطع النفس، ويقال له قبل أن تخرج روحه من جسده: يا فلان! هديتك إلينا وألطافك لنا فهذا يوم مجازاتك ومكافاتك فطب نفسا وقرّ

__________________________________________________

 (1) أسرار العبادة: ص 146.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:187

عينا بما أعدّ اللّه لك وهنيئا لك بما صرت إليه» «1».

و ذلك أنّ ما قام به المصلّي من عبادات وأهدى ثوابها إلى الأئمة عليهم السّلام يردّ عليه يوم الجزاء الأكبر عوضا ومكافأة منهم له.

و منه ما ورد من استحباب الدعاء لصاحب الأمر (عجل اللّه فرجه الشريف)، والصدقة عنه لسلامته وحفظه، والحجّ عنه، حيث تدلّ على انتفاع الإمام عليه السّلام بالدعاء له (راجع كتابنا في رحاب الإمام المهدي (عج)).

و استدلّوا لذلك بما ورد في الدعاء عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام بعد التشهد قوله: «و تقبّل شفاعته في أمّته وارفع درجته» «2».

و في دعاء الإمام زين العابدين عليه السّلام: «اللهم فارفعه بما كدح فيك إلى الدرجة العليا من جنّتك حتى لا يساوى في منزلة ولا يكافأ في مرتبة ولا يوازيه لديك ملك مقرّب ولا نبي مرسل».

و روي أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم كان يقول: «الوسيلة درجة في الجنّة ليس في الجنة درجة أعلى منها، فاسألوا اللّه أن يؤتينيها على رؤوس الخلائق» «3».

و في هذا الحديث دلالة على أن دعاء المؤمنين ينفع الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله وسلّم في حصوله على الوسيلة العظمى. فعنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «إن ربّي قد وعدني درجة لا تنال إلّا بدعاء أمتي» «4». وكما نقرأ في الدعاء: «أعط محمّدا أفضل ما سألك، وأفضل ما سئلت له وأفضل ما أنت مسؤول له إلى يوم القيامة».

__________________________________________________

 (1) جمال الأسبوع: ص 29.

 (2) الوسائل باب 3 من أبواب التشهّد حديث 1.

 (3) رياض السالكين: ج 1 ص 493. أهل البيت في الكتاب والسنّة للري شهري: ص 106 نقلا عن صحيح البخاري: ج 1 ص 222 ح 589.

 (4) لئالي الأخبار: ج 3 ص 443.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:188

و مثله ما ورد عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال للإمام الحسين عليه السّلام: «و إنّ لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلّا بالشهادة» «1».

و مما يدل عليه ما ورد في الروايات من تكاملهم في عالم الدنيا:

عن زرارة قال: سمعت أبا جعفر الباقر عليه السّلام يقول: «لو لا أننا نزداد لأنفذنا، قال: قلت: تزدادون شيئا لا يعلمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم؟ قال: أما إنّه إذا كان ذلك عرض على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم ثم على الأئمة عليهم السّلام ثم انتهى الأمر إلينا»»

.

و عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام أنه قال: «ليس يخرج شي‏ء من عند اللّه عزّ وجلّ حتى يبدأ برسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم ثم بأمير المؤمنين عليه السّلام ثم بواحد بعد واحد، لكيلا يكون آخرنا أعلم من أولنا» «3».

و عن يونس أو المفضّل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: «ما من ليلة جمعة إلّا ولأولياء اللّه فيها سرور قلت: كيف ذلك؟ جعلت فداك، قال عليه السّلام:

 «إذا كان ليلة الجمعة وافى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم العرش ووافى الأئمة عليهم السّلام ووافيت معهم فما أرجع إلّا بعلم مستفاد، ولو لا ذلك لنفد ما عندي» «4».

ثم إنّ قوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى‏ (النجم: 39).

و ما ورد في آثار بعض الأعمال من الصلوات والأذكار وقراءة القرآن ..

و أنها توجب القرب من اللّه تعالى والحصول على رضوانه تنطبق على المعصومين عليهم السّلام، وبهذا فإنهم يزدادون كمالا- زيادة على كمالهم- عند

__________________________________________________

 (1) معالي السبطين: ج 1 ص 211.

 (2) أصول الكافي: ج 1 ص 255.

 (3) أصول الكافي: ج 1 ص 255.

 (4) أصول الكافي: ج 1 ص 254.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:189

قيامهم بهذه الأعمال في عالم الدنيا وفي الآخرة، وهكذا الحال في الصلاة عليهم، والصدقة عنهم ...

من المناسب في هذا السياق أن ننقل عبارة شيخ الإسلام العلّامة محمد باقر المجلسي رحمه اللّه لما فيها من الفوائد قال رحمه اللّه:

 «اختلف العلماء في أنّه هل ينفعهم الصّلاة شيئا أم ليس إلّا لانتفاعنا، فذهب الأكثر إلى أنّهم صلوات اللّه عليهم لم يبق لهم كمال منتظر، بل حصل لهم جميع الخصال السنيّة والكمالات البشريّة ولا يتصوّر للبشر أكثر ما منحهم اللّه تعالى، فلا يزيدهم صلواتنا عليهم شيئا بل يصل نفعها إلينا وإنّما أمرنا بذلك لإظهار حبّهم وولائهم بل هي إنشاء لإظهار الإخلاص والولاء لنا، وليس الغرض طلب شي‏ء لهم ويترتّب عليه أن يفيض اللّه علينا بسبب هذا الإظهار فيوضه ومواهبه وعطاياه، كما أنّه إذا كان لأحد محبوب يحبّه حبّا شديدا وقد أعطاه كلّما يمكن فإذا كان لرجل حاجة عند المحبّ يتقرّب إليه بالثناء على محبوبه وطلب شي‏ء له تقرّبا إليه بإظهار حبّه وتصويبه في إكرامه وأنّه مستحقّ لما أعطاه حقيق بما أولاه.

و هذا الكلام عندي مدخول، بل يمكن توجيهه بوجوه أخر لكلّ منها شواهد من الأخبار.

الأوّل: أن تكون الصلاة سببا لمزيد قربهم وكمالاتهم، ولم يدلّ دليل على عدم ترقّيهم إلى ما لا يتناهى من الدرجات العلى في الآخرة والأولى، وكثير من الأخبار يدلّ على خلافه، كما ورد في كثير من أخبار التفويض أنّه إذا أراد اللّه سبحانه أن يفيض شيئا على إمام العصر يفيضه أوّلا على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم ثمّ على إمام إمام حتّى ينتهي إلى إمام الزمان، لئلّا يكون آخرهم أعلم من أوّلهم، وكما أنّ بيننا وبين موالينا صلوات اللّه عليهم من أرباب العصمة والطّهارة درجات غير متناهية لا يمكن لأحدنا وإن عرج على معارج القرب والكمال أن يصل إلى أدنى منازلهم، فكذا بينهم عليه السّلام وبين جناب الألوهيّة وساحة الربوبيّة معارج غير متناهية كلّما صعدوا بأجنحة الرفعة والكمال على‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:190

منازل القرب والجلال، لا تنتهي تلك المعارج، ويعدّون أنفسهم في جنب ساحة القدس مثل الذرّة أو دونها.

و قد أفيض على وجه وجيه في استغفار النبيّ والأئمّة صلوات اللّه عليهم يناسب هذا الوجه، وهو أنّهم صلوات اللّه عليهم لمّا كانوا دائما في الترقّي في مدارج المعرفة والقرب والكمال، ففي كلّ آن تحصل لهم معرفة جديدة وقرب جليل وكمال عتيد عدّوا أنفسهم مقصّرين في المرتبة السّابقة في المعرفة والقرب والطّاعة، فكانوا يستغفرون منها، وهكذا إلى ما لا نهاية لها، وقد ورد في الرّوايات الكثيرة أنّ أشرف علومنا علم ما يحدث باللّيل والنّهار آنا فانا، وساعة فساعة.

و يؤيّده ما روي في تأويل قوله سبحانه: وَلَدَيْنا مَزِيدٌ إنّ أهل الجنة في كلّ يوم جمعة يجتمعون في موضع يتجلّى لهم الربّ تبارك وتعالى بأنوار جلاله، فيرجع المؤمن بسبعين ضعفا ممّا في يديه فيتضاعف نوره وضياؤه، وهذا كناية عن تضاعف قربه ومعرفته.

الثاني: أن تكون سببا لزيادة المثوبات الآخرويّة وإن لم تصر سببا لمزيد قربهم وكمالهم، وكيف يمنع ذلك عنهم وقد ورد في الأخبار الكثيرة وصول آثار الصّدقات الجارية والأولاد والمصحف، وتعليم العلوم والعبادات إلى أموات المؤمنين والمؤمنات، وأيّ دليل دلّ على استثنائهم عن تلك الفضائل والمثوبات، بل هم آباء هذه الأمّة المرحومة والأمّة عبيدهم وببركتهم فازوا بالسّعادات ونجوا من الهلكات، وكلّما صدر عن الأمّة من خير وسعادة وطاعة يصل إليهم نفعها وبركتها ولا منقصة لهم في ذلك مع أنّ جميع ذلك من آثار مساعيهم الجميلة وأياديهم الجليّة.

الثالث: أن يصير سببا لأمور تنسب إليهم من رواج دينهم وكثرة أمتهم واستيلاء، قائمهم، وتعظيمهم، وذكرهم في الملأ الأعلى بالجميل والتفخيم والتبجيل، وقد ورد في بعض الأخبار في معنى السلام عليهم أنّ المراد

                       

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:191

سلامتهم وسلامة دينهم وشيعتهم في زمن القائم عليه السّلام» انتهى «1».

و نظير ما تقدم من البحث عن فائدة الصلاة، يجرى في فائدة اللعن على أعداء اللّه ورسوله والأئمة عليهم السّلام فهل يصير اللعن سببا لزيادة عقابهم وعذابهم أم لا؟

و قبل الجواب لا بدّ من معرفة مستحقّي اللعن، فهل يختصّ اللعن بالكافر المحارب للّه ورسوله والأئمة عليهم السّلام، أم يشمل المؤمن العاصي؟

من يستحق اللعن؟

يجوز لعن الكافرين، والمشركين، بلا إشكال كما في كثير من الايات القرآنية منها قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً (الأحزاب: 64) وقوله: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً (المائدة: 13).

و قال بعض العلماء رضوان اللّه عليهم: «إنّ اللعن قد يكون عبادة إذا توجّه إلى مستحقّه كالصلاة على محمّد وآله فإنّها عبادة بالنسبة إلى مستحقّيها، وكما يترتّب الثواب على الصلاة كذلك يترتّب على اللعن إذا وقع في محلّه ابتغاء لوجه اللّه ويدلّ عليه ما ورد في القرآن الكريم من لعن اللّه للكافرين ... ولعن الملائكة والناس لهم أيضا قال تعالى: أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (البقرة: 161).

كل ذلك ممّا يفيد العلم بكون اللعن من شعب الدين وشعائره، وما تمسّك به بعض الحشوية من أنّ النبي قال: «لا تكونوا لعانين» وان أمير المؤمنين عليه السّلام نهى عن لعن أهل الشام فالمراد إن صحّ ذلك النهي من جعل السبب خلقا لهم بسبب المبالغة فيه والإفراط في ارتكابه. بحيث يلعن من‏

__________________________________________________

 (1) مرآة العقول: ج 12 ص 112.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:192

يستحقّ ومن لا يستحقّ، لا النهي عن لعن المستحقّين، ولو أراد ذلك لقال:

لا تكونوا لاعنين فإنّ بينهما فرقا يعلمه من أحاط بدقائق لسان العرب» «1».

و أمّا لعن المؤمن- المقرّ بولاية الأئمة الاثني عشر عليهم السّلام- فهو محرّم عن الإمام الباقر عليه السّلام: «إنّ اللعنة إذا خرجت من صاحبها ترددت بينه وبين الذي يلعن فإن وجدت مساغا وإلّا عادت إلى صاحبها، وكان أحقّ بها، فاحذروا أن تلعنوا مؤمنا قبحا بكم» «2». إلّا إذا كان مستحقا استثناء كالظالم، والكاذب، والفاسق، وشارب الخمر، وآكل الربا، ولا عن والديه.

عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «إني لعنت سبعة لعنهم اللّه وكل نبيّ مجاب قبلي، فقيل: ومن هم يا رسول اللّه؟ فقال: الزائد في كتاب اللّه، والمكذّب بقدر اللّه، والمخالف لسنّتي، والمستحلّ من عترتي ما حرّم اللّه، والمتسلّط بالجبرية ليعزّ من أذلّ اللّه، ويذلّ من أعزّ اللّه، والمستأثر على المسلمين بفيئهم مستحلّا له، والمحرّم ما أحلّ اللّه» «3».

فائدة اللعن:

إذا تبيّن جواز لعن الإنسان لمستحقّي اللعن من شياطين الجن والإنس، وأئمة الكفر وأتباعهم، فاعلم أنّ اللعن يكون سببا لزيادة العقوبة والخزي على الملعونين- كما أنّ الصلاة توجب المثوبة والرفعة- وإيمانا وتصديقا للّاعنين.

* أما كون اللعن سببا لزيادة العقوبة، والعذاب، والخزي، فيدلّ عليه ما روي في وصف مجي‏ء إبليس لعنه اللّه إلى النبي يحيى بن زكريا عليهما السّلام حيث كان على رأسه بيضة فقال له يحيى عليه السّلام: ما هذه البيضة التي على رأسك فقال: بها أتوقّى لعنات المؤمنين. وذلك أنّ كل لعنة تأتي إليّ منهم‏

__________________________________________________

 (1) رياض السالكين: ج 7 ص 209، والمحجّة البيضاء: ج 5 ص 220.

 (2) ميزان الحكمة: ج 8 ص 505.

 (3) ميزان الحكمة: ج 8 ص 507.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:193

كالشهاب الثاقب» «1» وما ورد من الأدعية والزيارات الشريفة ففي بعضها:

 «اللّهمّ فضاعف عليهم اللّعن منك والعذاب الأليم» «2».

ثمّ إنّ ما أسّسه الظالمون من السنن الفاسدة، والبدع السيئة، يؤدّي إلى زيادة عذابهم كما في الحديث الشريف: «إيّاك أن تسنّ بدعة، فإنّ العبد إذا سنّ سنّة سيئة لحقه وزرها ووزر من عمل بها» «3».

فكل سيئة تحدث في العالم من الفساد والانحلال، والظلم، والطغيان، والزنا فإنّها تزيد في عذاب من أسّس الانحراف عن الدين وولاية أمير المؤمنين عليه السّلام، ففي تفسير علي بن إبراهيم لقوله تعالى: لِيَحْمِلُوا أَوْزارَهُمْ كامِلَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ وَمِنْ أَوْزارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا ساءَ ما يَزِرُونَ قال: يحملون آثامهم يعني الذين غصبوا أمير المؤمنين عليه السّلام وآثام كل من اقتدى به، وهو قول الصادق عليه السّلام: «و اللّه ما أهريقت محجمة من دم، ولا قرع عصا بعصا، ولا غصب فرج حرام، ولا أخذ مال من غير حلّ إلّا ووزر ذلك في أعناقهم من غير أن ينقص من أوزار العاملين شي‏ء» «4».

* أمّا كونه موجبا للإيمان، والتصديق، والقرب من اللّه، فلما فيه من إظهار البراءة من أعداء اللّه، وإعلان الحرب عليهم، وقد أمر اللّه تعالى في كتابه بمعاداتهم، وبحربهم في كل موطن وموقف لذا ورد في زيارة عاشوراء المروية عن الإمام الباقر والصادق عليهما السّلام: «اللهمّ إني أتقرّب إليك في هذا اليوم وفي موقفي هذا وأيام حياتي بالبراءة منهم واللعنة عليهم» عن الإمام الحسن العسكري عليه السّلام: «من ضعف عن نصرتنا أهل البيت، ولعن في خلواته أعداءنا بلّغ اللّه صوته إلى جميع الملائكة، فكلما لعن أحدكم أعداءنا

__________________________________________________

 (1) الأنوار النعمانية: ج 1 ص 140.

 (2) من زيارة عاشوراء المروية عن الأئمة عليهم السّلام. (راجع كتابنا زيارة عاشوراء).

 (3) البدعة 118.

 (4) نور الثقلين: ج 3 ص 48.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:194

صاعدته الملائكة، ولعنوا من لا يلعنهم، فإذا بلغ صوته إلى الملائكة استغفروا له وأثنوا عليه، وقالوا: اللّهمّ صلّ على روح عبدك هذا الذي بذل في نصرة أوليائه جهده، ولو قدر على أكثر من ذلك لفعل، فإذا النداء من قبل اللّه تعالى يقول:

يا ملائكتي إني قد أجبت دعاءكم في عبدي هذا، وسمعت نداءكم وصلّيت على روحه مع أرواح الأبرار وجعلته من المصطفين الأخيار «1».

__________________________________________________

(1)    منتهى الامال: ج 2 ص 524.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:195

الفصل الخامس: أحكام الصلاة على محمد وآل محمّد

                       

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:197

وقع الكلام بين الفقهاء (رضوان اللّه عليهم) في حكم «الصلاة على محمّد وآل محمّد» فقيل: بوجوبها في العمر مرّة، وقيل: بوجوبها في كل مجلس مرّة وقيل: بوجوبها كلّما ذكره الإنسان أو ذكر عنده.

و ممن ذهب إلى القول الأخير المحدّث الكاشاني في «الوافي»، والمحقق المازندراني في «شرح أصول الكافي»، والمحدّث البحراني في «الحدائق الناضرة»، والمحدّث الجزائري في «الأنوار النعمانية»، والمازندراني الخواجوئي في «شرح دعاء الصباح»، والمقداد السيوري في «كنز العرفان»، والشيخ البهائي في «مفتاح الفلاح»، ولم يستبعده صاحب المدارك.

و عمدة ما استدلّوا به صحيحة الإمام الباقر عليه السّلام: «و صلّ على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر عندك في أذان أو غيره» «1».

فحملوا الأمر فيها على الوجوب.

إلّا أنّ المشهور بين العلماء هو الاستحباب.

قال شيخ الفقهاء النجفي في جواهر الكلام: «فلا حاجة حينئذ إلى البحث عن وجوبها في غير التشهدين وعدمه، وإن كان الأقوى فيه العدم مطلقا، للأصل والإجماعات السابقة التي يشهد لها التتبع والسيرة القطعية وخلوّ الأدعية الموظفة والخطب المعروفة والقصص المنقولة عن المعصومين عليهم السّلام‏

__________________________________________________

 (1) الوسائل باب 42 من أبواب الأذان والإقامة حديث 1.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:198

غالبا عنها، مع أنّ إثباتها فيها أوجب من إثبات كلماتها، وعدم تعليمها للمؤذنين في الأخبار النبوية، ولأنّه لو كان كذلك لاشتهر حتى صار أشدّ ضرورة من وجوب الصلوات الخمس لشدّة تكرّره وكثرة التلفّظ به ...» «1».

قال علّامة العصر السيد الخوئي رحمه اللّه: وكيفما كان فهي (أي الرواية عن الإمام الباقر عليه السّلام) بالرغم من قوّة السند وظهور الدلالة لم يكن بدّ من رفع اليد عنها وحملها على الاستحباب لقرائن تستوجب ذلك وعمدتها ...

إن المسألة كثيرة الدوران ومحلّ ابتلاء عامة الناس ولعلّه في كلّ يوم عدّة مرّات، فلو كان الوجوب ثابتا مع هذه الحالة لأصبح واضحا جليّا بل يعرفه حتى النساء والصبيان فكيف خفي على جلّ الفقهاء بحيث لم يذهب إلى الوجوب إلّا نفر يسير ممن عرفت، بل لم ينسب إلى القدماء ما عدا الصدوق.

على أنّ السيرة العملية بين المسلمين قد استقرّت على عدم الالتزام بالصلاة عليه صلى اللّه عليه وآله وسلّم عند ذكره في القرآن والأدعية والزيارات والروايات والأذان والإقامة وما شاكلها، ولم ترد ولا رواية واحدة تدلّ على أنّ بلالا كان يصلّي عليه عند ذكره أو أنّ المسلمين كانوا يصلّون عليه لدى سماع أذانه أو عند ذكره في حياته» «2» وفي موضع آخر قال رحمه اللّه:

 «فالأقوى إذا ما عليه المشهور من الاستحباب» «3».

في الصلوات الواجبة:

نعم المتّفق عليه هو وجوبها في الصلاة الواجبة كالصلاة اليومية، وصلاة الايات، وصلاة الأموات، وصلاة الطواف.

ففي الخبر عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إنّ الصلاة على‏

__________________________________________________

 (1) جواهر الكلام: ج 10 ص 258.

 (2) مستند العروة الوثقى: ج 4 ص 429.

 (3) المصدر السابق: ج 2 ص 286.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:199

النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم من تمام الصلاة إذا تركها متعمّدا فلا صلاة له» «1».

و عنه عليه السّلام: «و من صلّى ولم يصلّ على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وترك ذلك متعمّدا فلا صلاة له» «2».

و في رواية «المعراج» التي تنصّ على أنّ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أخذ تعليمات الصلاة وهو في المعراج «... وذهبت أن أقوم فقال (أي اللّه تعالى): يا محمّد أذكر ما أنعمت عليك، وسمّ باسمي فألهمني اللّه أن قلت: بسم اللّه وباللّه، لا إله إلّا اللّه، والأسماء الحسنى كلّها للّه فقال لي: يا محمّد صلّ عليك وعلى أهل بيتك قلت: صلّى اللّه عليّ وعلى أهل بيتي» «3».

و علاوة على الأحاديث الواردة عن أهل البيت عليهم السّلام في هذا الباب، فإنّ أهل السنّة ذكروا في كتبهم أحاديث كثيرة تدلّ على ذلك، ومن جملتها ما ورد عن عائشة أنها قالت: «سمعت رسول اللّه يقول: «لا تقبل صلاة إلّا بطهور وبالصلاة عليّ».

و من هنا اعتبر الشافعي وجوبها في الصلاة ونظم لذلك شعرا بقوله:

         يا آل بيت رسول اللّه حبكم             فرض من اللّه في القرآن أنزله‏

          كفاكم من عظيم القدر أنكم             من لم يصلّ عليكم لا صلاة له‏

 ومن جملة من روى ذلك:

الدارقطني في سننه ص 136 حيث روي عن أبي مسعود الأنصاري أنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من صلّى صلاة لم يصلّ فيها عليّ وعلى أهل بيتي لم تقبل منه».

و كذا البيهقي في «السنن الكبرى» ج 2 ص 371. وابن حجر الهيثمي في «الدر المنضود» ص 12.

__________________________________________________

 (1) الوسائل باب 10 من أبواب التشهّد حديث 1.

 (2) المصدر السابق حديث 2.

 (3) علل الشرائع: ص 316.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:200

و القاضي عياض في «الشفاء» ج 2 ص 52. والطبري في «ذخائر العقبى».

و الحضرمي في «وسيلة المال» ص 72.

عبد الرحمان السخاوي في «القول البديع» ص 124. (نقلا عن إحقاق الحق ج 9 ص 611).

و أمّا محلّ الصلاة على محمّد وآله في الصلاة فهو: «التشهّد».

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: التشهّد في الركعتين الأولتين: «الحمد للّه، أشهد ألاإله إلّا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله، اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وتقبّل شفاعته وارفع درجته» «1».

و هنا سؤال: الأخبار في وجوب الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم خاصّة به دون آله، فكيف قلتم بتبعية الال عليهم السّلام؟

الجواب: دلّت الروايات من الشيعة والسنّة على وجوب ضمّ الال في الصلاة عليه كما سيأتي في الفصل السادس، وعليه فإن قيل: بوجوب الصلاة على محمد في مورد من الموارد فالحكم جار في آله، وإن قيل بالاستحباب فكذلك.

في خطبة صلاة الجمعة:

نقل عن أكثر العلماء وجوب الصلاة على النبي وآله في الخطبتين من صلاة الجمعة، وعن بعضهم- ومنهم السيد الخوئي رحمه اللّه- وجوبها في الثانية دون الأولى فعن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام في خطبة يوم الجمعة قال:

 «و اقرأ سورة من القرآن، وادع ربّك وصلّ على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم، وادع للمؤمنين والمؤمنات، ثم تجلس قدر ما يمكن هنيهة ثم تقوم وتقول وذكر الخطبة الثانية، وهي مشتملة على حمد اللّه والثناء عليه والوصية بتقوى اللّه والصلاة على محمّد وآله، والأمر بتسمية الأئمة عليهم السّلام إلى آخرهم والدعاء بتعجيل الفرج» «2».

__________________________________________________

 (1) الوسائل باب 3 من أبواب التشهّد حديث 1. وإحقاق الحق ج 9 ص 617.

 (2) الوسائل باب 25 من أبواب صلاة الجمعة حديث 1.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:201

و مما قاله سيد البلغاء وإمام الأتقياء علي عليه السّلام في خطبة الجمعة:

 «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وبارك على محمّد وآل محمّد، وتحنّن على محمّد وآل محمّد، وسلّم على محمّد وآل محمّد، كأفضل ما صلّيت وباركت وترحّمت وتحنّنت وسلّمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد اللّهمّ أعط محمّدا الوسيلة والشرف والفضيلة والمنزلة الكريمة» «1».

 [مواضع استحباب الصلاة على النبي وآله‏]

و أما مواضع الاستحباب فهي عديدة، نذكرها تبعا لما ذكره الفقهاء في رسائلهم العملية.

الأول: كلما ذكر النبي (ص):

كلما ذكر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أو ذكر عنده- ولو في حال الصلاة الواجبة «2»- من دون فرق بين ذكره باسمه الشريف- محمد وأحمد- أو لقبه- المصطفى الرسول ... أو كنيته- أبي القاسم- أو بالضمير الراجع إليه، إذ كل ذلك مستلزم لذكره صلى اللّه عليه وآله وسلّم.

فعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «البخيل حقّا من ذكرت عنده فلم يصلّ عليّ» «3».

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «أجفى الناس رجل ذكرت بين يديه فلم يصلّ عليّ» «4».

و عن الإمام محمد الباقر عليه السّلام: «و صلّ على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم كلّما ذكرته أو ذكره ذاكر في الأذان وغيره» «5».

__________________________________________________

 (1) نهج السعادة في مستدرك نهج البلاغة: ج 3 ص 158.

 (2) عن الحلبي أنّه قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «كل ما ذكرت اللّه عزّ وجلّ به والنبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم فهو من الصلاة» (الوسائل باب 13 من أبواب قواطع الصلاة حديث 2).

 (3) الوسائل باب 42 من أبواب الذكر حديث 18.

 (4) الوسائل باب 42 من أبواب الذكر حديث 18.

 (5) الوسائل باب 42 من أبواب الذكر حديث 1.

                       

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:202

عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «إذا سمعتم المؤذّن فقولوا كما يقول، ثم صلّوا عليّ فمن صلّى عليّ صلاة صلّى اللّه عليه بها عشرا، ثم سلوا لي الوسيلة فإنّها منزلة في الجنة لا تنبغي أن تكون إلّا لعبد من عباد اللّه وأنا أرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلّت له الشفاعة» «1».

و عن أبي بصير عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام أنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من ذكرت عنده فنسي أن يصلّي عليّ خطّا اللّه به طريق الجنة» «2».

و قد استدلّ بعض الفقهاء بهذه الروايات على الوجوب.

* تتعدد الصلاة عليه وعلى آله عند تعدد ذكره، فإن تعدّد السبب يوجب تعدّد المسبّب.

لو كان الإنسان في التشهّد من الصلاة وسمع اسمه صلى اللّه عليه وآله وسلّم فإنه يستحبّ له الصلاة عليه وعلى آله أيضا ولا يكتفى بالصلاة عليه التي هي جزء من التشهّد.

الثاني: عند الركوع والسجود:

فعن الإمام محمد الباقر عليه السّلام: «من قال في ركوعه وسجوده وقيامه:

صلّى اللّه على محمّد وآله كتب له بمثل الركوع والسجود والقيام» «3».

و عن عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يذكر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وهو في الصلاة المكتوبة إما راكعا وإما ساجدا فيصلّي عليه وهو على تلك الحال؟ فقال: نعم إن الصلاة على نبي اللّه كهيئة التكبير والتسبيح وهي عشر حسنات يبتدرها ثمانية عشر ملكا أيّهم يبلّغها إيّاه» «4».

__________________________________________________

 (1) المستدرك باب 34 من أبواب الأذان والإقامة حديث 11.

 (2) الوسائل باب 42 من أبواب الأذان والإقامة حديث 1.

 (3) الوسائل باب 2 من أبواب الركوع حديث 24.

 (4) الوسائل باب 2 من أبواب الركوع حديث 2.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:203

و المراد بقوله عليه السّلام: «إن الصلاة على نبي اللّه كهيئة التكبير والتسبيح» أن فيها الأجر والثواب كالتكبير والتسبيح.

الثالث: في القنوت:

فعن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام وقد سئل عن القنوت فيه قول معلوم؟

فأجاب عليه السّلام: «أثن على ربّك وصلّ على نبيّك واستغفر لذنبك» «1».

الرابع: عقيب الصلاة:

عن الإمام علي عليه السّلام: «أعطي السمع أربعة: النبي والجنة والنار، والحور العين، فإذا فرغ العبد من صلاته فليصلّ على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم، وليسأل اللّه الجنة، وليستجر باللّه من النار، ويسأل اللّه أن يزوّجه الحور العين، فإنّه من صلّى على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم رفعت دعوته، ومن سأل اللّه الجنة، قالت الجنة يا ربّ إعط عبدك ما سأل، ومن استجار باللّه من النار قالت النار: يا ربّ أجر عبدك مما استجارك منه، ومن سأل الحور العين، قلن: يا ربّ أعط عبدك ما سأل» «2».

و عنه عليه السّلام: «من قال في دبر صلاة الصبح وصلاة المغرب قبل أن يثني رجليه أو يكلّم أحدا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، اللهم صلّ على محمد وذرّيته، قضى اللّه له مائة حاجة سبعين في الدنيا، وثلاثين في الآخرة»»

.

و أورد الشيخ التبريزي في كتابه «أسرار الصلاة» هذه الصلوات عقيب التكبيرات الثلاث بعد الصلاة، وصورتها:

__________________________________________________

 (1) من لا يحضره الفقيه: ج 1 ص 207.

 (2) الوسائل باب 22 من أبواب التعقيب حديث 6.

 (3) سفينة البحار مادة (صلّ).

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:204

 «اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد حتى لا يبقى من صلاتك شي‏ء، وارحم محمّدا وآل محمّد حتى لا يبقى من رحمتك شي‏ء، وبارك على محمّد وآل محمّد حتى لا يبقى من البركات شي‏ء، وسلّم على محمّد وآل محمّد حتى لا يبقى من السلام شي‏ء».

الخامس: بعد صلاة الفجر:

عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام: «من قال بعد صلاة الفجر، وبعد صلاة الظهر: «اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد وعجّل فرجهم» لم يمت حتى يدرك القائم من آل محمد صلى اللّه عليه وآله وسلّم» «1».

و عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال لأحد أصحابه: «قل بعد الفجر اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد مائة مرّة يقي اللّه به وجهك من حرّ جهنّم» «2».

السادس: في سجدة الشكر:

عن الإمام موسى بن جعفر الكاظم عليه السّلام، قال: «تقول في سجدة الشكر:

اللهمّ إنّي أشهدك وأشهد ملائكتك وأنبيائك ورسلك وجميع خلقك أنّك أنت اللّه ربّي، والإسلام ديني، ومحمدا نبيّي، وعليّا والحسن، والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن علي، وعليّ بن محمّد، والحسن بن علي، والحجّة بن الحسن أئمّتي بهم أتولّى، ومن أعدائهم أتبرّأ. اللهم إني أنشدك دم المظلوم- ثلاثا- اللهمّ إني أنشدك بإيوائك على نفسك لأعدائك لتهلكنّهم بأيدينا وأيدي المؤمنين، اللهم إني أنشدك بإيوائك لنفسك لأوليائك لتظفرنّهم بعدوّك وعدوّهم، أن تصلّي على محمّد وعلى المستحفظين من آل محمّد- ثلاثا-، اللهم إني أسألك اليسر بعد العسر- ثلاثا-، ثم تضع خدّك الأيمن‏

__________________________________________________

 (1) المصدر السابق.

 (2) سفينة البحار مادة (صلّى).

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:205

على الأرض، وتقول: يا كهفي حين تعييني المذاهب وتضيق عليّ الأرض بما رحبت، يا بارى‏ء خلقي رحمة بي، وكنت عن خلقي غنيا، صلّ على محمّد وآل محمّد وعلى المستحفظين من آل محمد- ثلاثا-، ثم تضع خدّك الأيسر على الأرض، وتقول: يا مذلّ كلّ جبّار، ويا معزّ كلّ ذليل، قد وعزّتك بلغ مجهودي فرّج عنّي- ثلاثا-، ثم تعود إلى السجود، وتقول مائة مرّة: شكرا شكرا ثم تسأل حاجتك إن شاء اللّه» «1».

السابع: قبل النوم:

عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السّلام أنها قالت:

 «دخل عليّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم وقد افترشت فراشي للنوم، فقال: يا فاطمة لا تنامي إلّا وقد عملت أربعة: ختمت القرآن، وجعلت الأنبياء شفعاءك، وأرضيت المؤمنين عن نفسك، وحججت واعتمرت، قال هذا وأخذ في الصلاة، فصبرت حتّى أتمّ صلاته، قلت: يا رسول اللّه أمرت بأربعة لا أقدر عليها في هذا الحال! فتبسّم صلى اللّه عليه وآله وسلّم وقال: إذا قرأت قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثلاث مرّات فكأنّك ختمت القرآن، وإذا صلّيت عليّ وعلى الأنبياء قبلي كنّا شفعاءك يوم القيامة، وإذا استغفرت للمؤمنين رضوا كلّهم عنك، وإذا قلت:

سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر، فقد حججت واعتمرت» «2».

عن الإمام علي عليه السّلام قال: دعاني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم فقال: يا علي إذا أخذت مضجعك فعليك بالاستغفار والصلاة عليّ وقل: «سبحان اللّه والحمد للّه ولا إله إلّا اللّه واللّه أكبر ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه العلي العظيم» وأكثر من قراءة: «قل هو اللّه أحد» فإنّها نور القرآن، وعليك بقراءة آية الكرسي فإنّ في كل حرف منها ألف بركة وألف رحمة «3».

__________________________________________________

 (1) الوسائل باب 6 من أبواب سجدتي الشكر حديث 1.

 (2) خلاصة الأذكار: ص 70.

 (3) دار السلام: ج 3 ص 130.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:206

الثامن: عند الاستخارة:

في كتاب مفاتيح الغيب للشيخ محمد باقر المجلسي ينقل عن والده، عن الشيخ البهائي أنه قال: سمعنا من مشايخنا يدا بيد أنهم رووا عن صاحب الأمر عليه السّلام في طريقة الاستخارة بالسبحة أنه: «يصلّي على محمّد وآله محمد» ثلاث مرات، ثم يقبض السبحة، ويعدّ اثنان اثنان، فإن بقي فرد فهي جيدة، وإذا بقي زوج فهي سيئة.

و في جواب للسيد الخوئي رحمه اللّه، عن سؤال: ما هو الذكر الصحيح عند الخيرة بالمسبحة؟ قال:

ثلاث مرّات الصلاة على النبي وآله «1».

التاسع: عند الدخول إلى المسجد والخروج منه:

عن الإمام الصادق عليه السّلام: «إذا دخلت المسجد فصلّ على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وإذا خرجت فافعل ذلك» «2».

و عن الإمام الباقر عليه السّلام أنه قال: «إذا دخلت المسجد وأنت تريد أن تجلس فلا تدخله إلّا طاهرا، وإذا دخلته فاستقبل القبلة ثم أدع اللّه وسله حين تدخله وأحمد اللّه وصلّ على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم» «3»

 [مواضع جزالة ثواب الصلاة على محمد وآله‏]

ورد الثواب الجزيل للمصلّي على محمّد وآل محمد في مواضع عديدة منها:

في كل مجلس:

عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «ما من قوم‏

__________________________________________________

 (1) منية السائل ص 224.

 (2) فروع الكافي ج 3 ص 309.

 (3) الوسائل باب 39 من أبواب أحكام المساجد حديث 2.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:207

اجتمعوا في مجلس فلم يذكروا اسم اللّه تعالى ولم يصلّوا على نبيّهم، إلّا كان ذلك المجلس حسرة ووبالا عليهم» «1».

 «و الوبال: هو سوء العاقبة والعذاب، وكون المجلس وبالا لتحقق الغافلة عنه تعالى لأنها منشأ كل معصية، ولا وبال أشد منها، والوجه في كون ذكره صلى اللّه عليه وآله وسلّم من ذكر اللّه تعالى، لفرض أنه رسوله وينبى‏ء عنه وكذا جميع أولياء اللّه الذين يدعون إليه» «2».

أرادت الشريعة الإسلامية المباركة لأتباعها أن يعيشوا الأجواء الروحية الطاهرة التي تبعدهم عن الفساد والانحراف، وتسمو بهم إلى أعلى مراتب الكمال، فحثّتهم على الاختلاط والتالف، والتحابّ، من خلال التركيز على الاجتماع للصلاة في المساجد، والحج إلى بيت اللّه الحرام، وحضور الجنائز، وعيادة المرضى. ورغّبتهم أيضا في المجالسة والمحادثة لما فيها من ذكر اللّه تعالى، والتعرّف على شؤون المسلمين، وقضاء حوائج المستضعفين ففي الحديث الشريف: «ارتعوا في رياض الجنة قالوا: يا رسول اللّه، وما رياض الجنة؟ قال: حلق الذكر» «3».

و قد حثّ الأئمة عليهم السّلام شيعتهم على إعمار هذه المجالس وإحيائها بذكر فضائلهم ومناقبهم ومصائبهم وخصوصا مصيبة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السّلام.

فعن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال لفضيل: «تجلسون وتحدثون؟ فقال:

نعم، جعلت فداك. قال عليه السّلام: إنّ تلك المجالس أحبها فأحيوا أمرنا يا فضيل فرحم اللّه من أحيا أمرنا، يا فضيل! من ذكرنا، أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر اللّه له ذنوبه» «4».

__________________________________________________

 (1) تفسير نور الثقلين: ج 4 ص 301.

 (2) مواهب الرحمن للسيد السبزواري: ج 2 ص 159.

 (3) وسائل الشيعة باب 38 من أبواب الذكر حديث 1.

 (4) ميزان الحكمة: ج 2 ص 56.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:208

و عن الإمام الرضا عليه السّلام: «من جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت فيه القلوب» «1».

عن الإمام الباقر عليه السّلام: «رحم اللّه عبدا اجتمع مع آخر فتذاكروا في أمرنا فإنّ ثالثهما ملك مستغفر لهما، وما اجتمع اثنان على ذكرنا إلّا باهى اللّه بهما الملائكة، فإذا اجتمعتم فاشتغلتم بالذكر فإنّ في اجتماعكم ومذاكرتكم إحياءنا وخير الناس بعدنا من ذاكر بأمرنا ودعى إلى ذكرنا» «2».

و قد حذّروا من المجالس التي لا ذكر فيها، فعن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السّلام: «ما اجتمع في مجلس قوم لم يذكروا اللّه ولم يذكرونا، إلّا كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة» «3».

ختام الكلام والخطابة:

روي عن الإمام علي الرضا عليه السّلام عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «من كان آخر كلامه الصلاة عليّ وعلى عليّ عليه السّلام دخل الجنة» «4». الكلام يشمل: قراءة القرآن، والدعاء، والذكر، والخطابة ... وفسّره الشيخ المامقاني في «مرآة الكمال» بالكلام حال الاحتضار فإنه آخر كلام للإنسان.

و يؤيّده ما روى في الرضوي: «إذا حضر أحدكم الوفاة فأحضروا عنده القرآن وذكر الله والصلاة على رسول الله».

المطلوب من العبد أن يبقى في ذكر دائم لمولاه في كل تقلباته وأحواله، فإذا بدأ في الكلام فليبدأ ب «بسم اللّه الرحمن الرحيم».

__________________________________________________

 (1) المصدر السابق ص 57.

 (2) المصدر السابق ص 57.

 (3) عزاء الحسين عليه السّلام ص 22.

 (4) الوسائل باب 36 من أبواب الصلاة على محمّد وآله حديث 1.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:209

ففي الحديث النبوي الشريف: «كلّ أمر ذي بال، لم يذكر فيه اسم اللّه فهو أبتر» «1».

و عن الإمام محمد الباقر عليه السّلام: «سرقوا أكرم آية في كتاب اللّه «بسم الل ...» وينبغي الإتيان بها عند افتتاح كل أمر عظيم أو صغير ليبارك فيه» «2».

و إذا انتهى من الكلام فليقل: «الحمد للّه ربّ العالمين» «و صلّى اللّه على محمّد وآله الطاهرين» كما هو الموجود في الكثير من الأدعية الشريفة، ليدخل بذلك الجنة، وكذلك فإنّ آخر كلام أهل الجنة هو الحمد للّه قال تعالى:

دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ، وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (يونس: 10).

 «المفروض أنّ الإنسان ينبغي أن يكون في ذكر دائم للّه تعالى، واللّه علم أننا نعجز عن ذلك ولأجله طرحت الشريعة الإسلامية المقدسة أمرا يعوّض عن ذلك وهو استحباب الذكر في أول العمل وفي آخره ... فإذا كان العمل بادئا بالذكر ومنتهيا به فيكون بينهما الفرد بمنزلة الذاكر» «3».

في الكتاب:

عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من صلّى عليّ في كتاب لم تزل الملائكة تصلّي عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب» «4».

و الأفضل أن تكتب الصلاة بلفظها الصريح بعد ذكر اسمه لا بلفظ الرمز كما هو المتعارف حيث يكتب البعض «ص» طلبا للاختصار.

__________________________________________________

 (1) الأمثال، ج 1 ص 27 نقلا عن بحار الأنوار ج 16 باب 58.

 (2) المصدر السابق.

 (3) منّة المنّان: ج 1 ص 32.

 (4) ثواب الأعمال وعقابها: ص 50.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:210

يجب عقلا ونقلا احترام المقدّسات الإسلامية التي تنسب إلى اللّه تعالى كأولياء اللّه تعالى، من الأنبياء والأوصياء عليهم السّلام، وكتب اللّه تعالى، وبيوت اللّه وكذا ما ينسب إلى المعصومين عليهم السّلام من أضرحتهم، ومراقدهم المشرفة، والأحاديث المنسوبة إليهم ... ولا بدّ من رعاية الأدب والاحترام عند ذكر أسمائهم، أو سماعها تأسيّا بما عمله الإمام جعفر الصادق عليه السّلام، عند سماع اسم الرسول الأعظم صلى اللّه عليه وآله وسلّم، وبما عمله الإمام الرضا عليه السّلام عند سماع لقب القائم (عجّل اللّه فرجه الشريف).

فعن أنس بن مالك (إمام المذهب المالكي) قال: «كنت أدخل على الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام ... وكان كثير الحديث، طيّب المجالسة، كثير الفوائد، وكان إذا قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم اخضرّ مرة واصفرّ أخرى حتى ينكره من يعرفه» «1».

و عن أبي هارون مولى آل جعدة أنه قال: «كنت أجالس الصادق عليه السّلام في المدينة، فانقطعت عن مجلسه أياما، فلما أتيته قال: يا أبا هارون! كم من الأيام لم أرك فيها؟ قلت: ولد لي ولد قال عليه السّلام: بارك اللّه فيه، ماذا أسميته؟ قلت: محمدا فلما سمع باسم محمّد أطرق إلى الأرض وهو يقول:

محمد محمد محمد حتى كاد وجهه يلتصق بالأرض، ثم قال: روحي وأمي وأبي وأهل الأرض جميعا لك الفداء يا رسول اللّه، ثم قال: لا تسبّ هذا الولد ولا تضربه ولا تسى‏ء إليه، واعلم أنه ما من بيت فيه اسم محمد إلّا طهر وقدس كل يوم» «2».

و في الرواية: «أنه لما كان دعبل الخزاعي ينشد قصيدته التائية للإمام الرضا عليه السّلام ووصل إلى هذا البيت:

__________________________________________________

 (1) منتهى الامال: ج 2 ص 165.

 (2) المصدر السابق.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:211

         خروج إمام لا محالة قائم             يقوم على اسم اللّه والبركات‏

 وقف الإمام الرضا عليه السّلام على قدميه، وأحنى رأسه الشريف إلى الأرض بعد أن وضع كفّه اليمنى على رأسه وقال: اللهم عجّل فرجه ومخرجه وانصرنا به نصرا عزيزا» «1».

يقول الشيخ عباس القمي (قدّس اللّه نفسه الزكية): «تأمّل جيدا في حال الصادق عليه السّلام وتعظيمه لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم فإذا نقل عنه حديثا وذكر اسمه الشريف كيف تتغيّر حاله، مع أنه ابن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وبضعة منه، فتذكر هذا، واذكر اسمه إذا ذكرته بمنتهى التعظيم والاحترام، وصلّ عليه عند ذكر اسمه، وإذا كتبت اسمه في مكان فاكتب الصلوات عليه دون رمز أو إشارة. ولا تكتف كبعض المحرومين من السعادة بلفظ «ص» أو «صلعم» ونحوهما، بل إيّاك أن تذكر اسمه أو تكتبه دون وضوء وطهارة، وعليك مع كل هذا أن تسأله المعذرة على تقصيرك في واجبك نحوه، وأن تقول بلسان العجز والرخاء:

         يا سيدي لو طيّب المسك فمي             والورد ألف مرة لم يعصم‏

          أو كان أهلا للتلفّظ مرة             رغم- الشذا- باسم النبي الأكرم «2»

 يقول الشهيد الثاني (تغمّده اللّه برحمته) في باب آداب الكتابة:

 «و كلّما كتب اسم اللّه تعالى اتبعه بالتعظيم، مثل: تعالى، أو سبحانه، أو عزّ وجلّ، أو تقدّس ونحو ذلك، ويتلفّظ بذلك أيضا، وكلّما كتب اسم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم كتب بعده الصلاة عليه وعلى آله، والسلام، ويصلّى ويسلّم هو بلسانه أيضا.

و لا يختصر الصلاة في الكتاب، ولا يسأم من تكريرها ولو وقعت في السطر مرارا كما يفعل بعض المحرومين المتخلفين من كتابة «صلعم» أو «صلم» أو

__________________________________________________

 (1) المصدر السابق ص 648.

 (2) المصدر السابق ص 165.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:212

 «صم» أو «صلسم» أو «صله» فإنّ ذلك كلّه خلاف الأولى والمنصوص، بل قال بعض العلماء: إنّ أول من كتب «صلعم» قطعت يده.

و أقلّ ما في الإخلال بإكمالها تفويت الثواب العظيم عليها فقد ورد عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «من صلّى عليّ في كتاب لم تزل الملائكة تصلّي عليه ما دام اسمي في ذلك الكتاب» «1».

         سلام من اللّه نحو جنابهم             فإنّ سلامي لا يليق ببابهم‏

عند شمّ الرياحين والورود:

عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام: «من تناول ريحانة فشمّها ووضعها على عينيه ثم قال: «اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد» لم تقع على الأرض حتى يغفر له» «2».

الريحان: كل نبت طيّب له ساق، سواء كان له ورد أم لا، والشجر الذي له ورد لا يدخل في الريحان.

عن أبي هاشم الجعفري قال: دخلت على أبي الحسن العسكري عليه السّلام فجاء صبي من صبيانه فناوله وردة فقبّلها ووضعها على عينيه ثم ناولنيها ثم قال: يا أبا هاشم من تناول وردة أو ريحانة ووضعها على عينيه ثم صلّى على محمّد وآل محمّد والأئمة عليهم السّلام كتب اللّه له من الحسنات مثل رمل عالج (رمل متراكم) ومحا عنه السيئات مثل ذلك» «3».

عند العطاس:

ورد في الروايات الحثّ على الصلاة على محمّد وآل محمّد لمن عطس أو سمع العاطس.

__________________________________________________

 (1) منية المريد ص 346.

 (2) ثواب الأعمال وعقابها: ص 50.

 (3) ثواب الأعمال وعقابها: ص 50.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:213

ففي الخبر عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «من عطس ثم وضع يده على قصبة أنفه ثم قال: «الحمد للّه ربّ العالمين حمدا كثيرا كما هو أهله، وصلّى اللّه على محمد النبي وآله وسلّم» خرج من منخره الأيسر طائر صغير أصغر من الجراد، وأكبر من الذباب حتى يصير تحت العرش يستغفر اللّه إلى يوم القيامة» «1».

و عنه عليه السّلام: «من سمع عطسة فحمد اللّه وصلّى على محمد وأهل بيته لم يشتك عينه ولا ضرسه ثم قال: إن سمعتها فقلها وإن كان بينك وبينه البحر» «2».

عن جابر عن الإمام الباقر عليه السّلام: «نعم الشي‏ء العطسة ينفع في الجسد، وتذكر باللّه عزّ وجلّ قلت: إنّ عندنا قوما يقولون: ليس لرسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم في العطسة نصيب، فقال: إن كانوا كاذبين فلا نالتهم شفاعة محمد صلى اللّه عليه وآله وسلّم» «3».

عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه قال: عطس رجل عند أبي جعفر عليه السّلام فقال: «الحمد للّه» فلم يسمّته أبو جعفر عليه السّلام وقال: نقصنا حقّنا، وقال: إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على محمد وأهل بيته، قال: فقال الرجل: فسمّته أبو جعفر عليه السّلام «4».

عن الفضيل بن يسار قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: «إنّ الناس يكرهون الصلاة على محمّد وآله في ثلاثة مواطن: عند العطسة، وعند الذبيحة، وعند الجماع، فقال عليه السّلام: ما لهم ويلهم نافقوا لعنهم اللّه»»

.

__________________________________________________

 (1) الوسائل باب 63 من أبواب أحكام العشرة حديث 4. وإحقاق الحق ج 9 ص 639.

 (2) المصدر السابق حديث 2.

 (3) المصدر السابق حديث 3.

 (4) المصدر السابق حديث 1.

 (5) الوسائل باب 64 من أبواب أحكام العشرة حديث 1.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:214

عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: قال: قلت له: أسمع العطسة وأنا في الصلاة فأحمد اللّه وأصلّي على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم قال: نعم، وإذا عطس أخوك وأنت في الصلاة فقل: «الحمد للّه وصلّى اللّه على النبي وآله» وإن كان بينك وبين صاحبك اليمّ» «1».

في كل يوم:

عن الإمام علي عليه السّلام أنّه قال لكميل بن زياد رحمه اللّه: «يا كميل سمّ كل يوم باسم اللّه وقل: لا حول ولا قوّة إلّا باللّه، وتوكّل على اللّه، وسمّ بأسمائنا وصلّ علينا وأدر بذلك على نفسك وما تحوطه عنايتك تكف شرّ ذلك اليوم إن شاء اللّه» «2».

عشية الخميس وليلة الجمعة:

عن ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا كانت عشية الخميس وليلة الجمعة، نزلت ملائكة من السماء معها أقلام الذهب، وصحف الفضة، لا يكتبون عشية الخميس وليلة الجمعة ويوم الجمعة إلى أن تغيب الشمس، إلّا الصلاة على النبي وآله صلّى اللّه عليه وآله» «3».

و عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام:

 «الصدقة ليلة الجمعة ويومها بألف، والصلاة على محمّد وآله ليلة الجمعة بألف من الحسنات، ويحطّ اللّه فيها ألفا من السيئات، ويرفع فيها ألفا من الدرجات، وإن المصلّي على محمّد وآله ليلة الجمعة يتلألأ نوره في السموات إلى أن تقوم الساعة، وإن ملائكة اللّه في السموات يستغفرون له،

__________________________________________________

 (1) الوسائل باب 18 من أبواب قواطع الصلاة حديث 3.

 (2) آثار وبركات أمير المؤمنين عليه السّلام في دار الدنيا: ص 337.

 (3) الوسائل باب 43 من أبواب صلاة الجمعة حديث 1.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:215

و يستغفر له الموكل بقبر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم إلى أن تقوم الساعة» «1».

يوم الجمعة:

عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من صلّى عليّ يوم الجمعة مائة مرّة غفرت له خطيئة ثمانين سنة» «2».

عن زيد بن أسامة الشحّام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول:

ما من عمل يوم الجمعة أفضل من الصلاة على محمّد وآل محمّد ولو مائة مرّة ومرة، قال: قلت: كيف أصلّي عليهم؟ قال: تقول: اللهم اجعل صلواتك وصلوات ملائكتك وأنبيائك ورسلك وجميع خلقك على محمّد وأهل بيت محمّد عليه وعليهم السلام ورحمة اللّه وبركاته» «3».

عن الإمام الصادق عليه السّلام أنه قال لعمر بن يزيد: «يا عمر إنّ من السنّة أن تصلّي على محمّد وأهل بيته في كل جمعة ألف مرّة، وفي سائر الأيام مائة مرة» «4».

عن الإمام الصادق عليه السّلام: «من صلّى على محمد وآله عليهم السّلام حين يصلّي العصر يوم الجمعة، قبل أن ينتقل من صلاته عشر مرّات، يقول:

 «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد الأوصياء المرضيين بأفضل صلواتك، وبارك عليهم بأفضل بركاتك، وعليه وعليهم السلام، وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة اللّه وبركاته» صلّت عليه الملائكة من تلك الجمعة إلى الجمعة المقبلة في تلك الساعة» «5».

و عنه عليه السّلام: «أفضل الأعمال يوم الجمعة الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم بعد

__________________________________________________

 (1) ثواب الأعمال وعقابها: ص 48.

 (2) ثواب الأعمال وعقابها: ص 48.

 (3) جمال الأسبوع: ص 155.

 (4) الوسائل باب 43 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 5.

 (5) المستدرك باب 40 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها حديث 5.

                        

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:216

العصر قيل له: كيف نقول؟ قال: «تقولون: «صلوات اللّه وملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه على محمّد وآل محمّد والسلام عليه وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة اللّه وبركاته» تقولها مائة مرة» «1».

عن الإمام الباقر عليه السّلام: «إذا صلّيت العصر يوم الجمعة فقل: «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد الأوصياء المرضيّين بأفضل صلواتك وبارك عليهم بأفضل بركاتك والسلام عليهم وعلى أرواحهم وأجسادهم ورحمة اللّه وبركاته»، فإنّ من قالها بعد العصر كتب اللّه عزّ وجلّ له مائة ألف حسنة ومحى عنه مائة ألف سيئة، وقضى له بها مائة ألف حاجة، ورفع له بها مائة ألف درجة» «2».

تكملة في حكم الصلاة على سائر الأنبياء والأوصياء (ع):

ذكر الفقهاء رضوان اللّه عليهم استحباب الصلاة على الأنبياء والأوصياء عليهم السّلام عند ذكرهم، واعتبروا أنّ ما ورد في حقّ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم من الأحاديث الشريفة لا توجب الاختصاص به وإن كان الأعظم والأكمل والأفضل.

و استدلّوا لذلك بما ورد في القرآن الكريم من الصلاة والسلام عليهم، وبما ورد من الأدعية الشريفة «3».

عن الإمام علي الرضا عليه السّلام: «إنّ الخضر شرب من ماء الحياة فهو حيّ لا يموت حتى ينفخ في الصور، وإنّه ليأتينا فيسلّم علينا فنسمع صوته ولا نرى شخصه وإنه ليحضر حيث ذكر، ومن ذكره منكم فليسلّم عليه» «4».

__________________________________________________

 (1) المصدر السابق حديث 9.

 (2) جمال الأسبوع ص 276.

 (3) مهذب الأحكام: ج 7 ص 126.

 (4) الوسائل باب 55 من أبواب أحكام العشرة حديث 1.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:217

الصلاة على الأولياء والعلماء والمؤمنين (ع):

يستدلّ للصلاة على المؤمنين رضوان اللّه عليهم بما ورد في القرآن الكريم من صلاة اللّه تعالى على الصابرين، والمزكّين ... ومن صلاة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم على المتصدّقين- بالصدقات الواجبة والمستحبة كالزكاة والخمس ...-

و على المنافقين لوجه اللّه تعالى.

قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ (الأحزاب: 43).

و قال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها، وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ (التوبة: 103).

و قال تعالى: وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (التوبة: 99) وقد مرّ في الفصل الثالث صلاة اللّه تعالى على من يصلّي على محمّد وآل محمّد وسيأتي في الفصل السادس صلاة النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم على أبي أوفى وآله.

و ما ورد من استحباب الدعاء للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات ينطبق على الصلاة عليهم إذ الصلاة هي دعاء كما مرّ.

و ما يسمّى في الفقه بالصلاة على المؤمن الميّت إنما هو دعاء له ويؤيّده ما ورد في الرواية عن الأرقط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لما دفن أبو عبيدة الحذّاء قال عليه السّلام: «انطلق بنا حتى نصلّي على ابن عبيدة قال: فلمّا انتهينا إلى قبره لم يزد على أن دعا له فقال: «اللّهمّ نوّر قبره اللّهمّ ألحقه بنبيّه» ولم يصلّ عليه. فقلت: هل على الميّت صلاة بعد الدفن قال لا: إنما هو الدعاء له» «1».

و قد جاءت الروايات في صلاة الملائكة على المؤمنين الذين يتعبّدون للّه تعالى بالصلاة على نبيّه وآله الطاهرين ... ويزورون الحسين عليه السّلام ... ويصلّون للّه.

__________________________________________________

 (1) سفينة البحار مادة (صلاة).

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:218

عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من صلّى عليّ لم يبق في السموات والأرض ملك إلّا ويصلّي عليه» «1».

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «جاءني جبرئيل وقال: انه لا يصلّي عليك أحد إلّا ويصلّي عليه سبعون ألف ملك، ومن صلّى عليه سبعون ألف ملك كان من أهل الجنّة» «2».

و عنه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «من صلّى عليّ وعلى آلي صلّت عليه الملائكة، ومن صلّى عليه الملائكة صلّى اللّه عليه ومن صلّى اللّه عليه لم يبق في السموات والأرض ملك إلّا ويصلّون عليه، ومن صلّى عليّ وعلى آلي واحدة أمر اللّه حافظيه ألايكتبا عليه ثلاثة أيام» «3».

عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «وكّل اللّه تبارك وتعالى بالحسين عليه السّلام سبعين ألف ملك يصلّون عليه كل يوم شعثا غبرا، ويدعون لمن زاره، ويقولون: يا ربّنا هؤلاء زوّار الحسين عليه السّلام إفعل بهم وافعل بهم» «4» وفي حديث له عليه السّلام: «فإذا خرج من باب منزله راكبا أو ماشيا وكّل اللّه به أربعة آلاف ملك من الملائكة يصلّون عليه حتى يوافي قبر الحسين عليه السّلام» «5».

عن الإمام الصادق عليه السّلام في شأن الشيعة أنّه قال: «... واللّه ما يشعر أحدكم يقوم إلى الصلاة إلّا وقد اكتنفته الملائكة يصلّون عليه ويدعون له حتى يفرغ من صلاته» «6».

__________________________________________________

 (1) لئالي الأخبار ج 3 ص 427.

 (2) المستدرك باب 41 من أبواب الذكر حديث 23.

 (3) المستدرك باب 31 من أبواب الذكر حديث 27.

 (4) نور العين ص 119.

 (5) المصدر السابق ص 115.

 (6) آثار وبركات أمير المؤمنين عليه السّلام ص 208.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:219

تعليم الأولاد الصلاة على محمّد وآل محمّد:

ورد في الروايات الشريفة حثّ على تعليم الولد الصلاة، والصوم، وقراءة القرآن، .. لينشأ على حبّ اللّه تعالى ورسوله والأئمة عليهم السّلام، وليعتاد على أداء العبادات الواجبة بعد تكليفه.

و من هذه الروايات ما ورد في تعليمه الصلاة على محمد وآل محمّد إذا تمّ له من العمر أربع سنين فعن الإمام الصادق عليه السّلام: «إذا بلغ الغلام ثلاث سنين يقال له سبع مرّات «لا إله إلّا اللّه»، ثم يترك، حتى يتم له ثلاث سنين وسبعة أشهر وعشرون يوما، فيقال له قل: «محمّد رسول اللّه» سبع مرّات، ويترك حتى يتمّ له أربع سنين ثم يقال له سبع مرّات: «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» ....» «1».

لذا ورد في الحديث الشريف: «لا تضربوا أطفالكم على بكائهم فإنّ بكائهم أربعة أشهر شهادة ألاإله إلّا اللّه، وأربعة أشهر الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وآله عليهم السّلام وأربعة أشهر الدعاء لوالديه» «2».

__________________________________________________

 (1) الوسائل باب 82 من أحكام الأولاد حديث 3.

 (2) الوسائل باب 63 من أحكام الأولاد حديث 1.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:221

 

الفصل السادس: كيفية الصلاة على محمّد وآل محمّد

                       

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:223

كيفية الصلاة على محمّد وآل محمّد عن كعب بن عجزة، قال: يا رسول اللّه قد علمتنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟

فقال صلى اللّه عليه وآله وسلّم: «قولوا اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمّد وآل محمّد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد» «1».

عن ابن أبي حمزة عن أبيه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ ... فقال: الصلاة من اللّه عزّ وجلّ رحمة، ومن الملائكة تزكية، ومن الناس دعاء، وأما قوله عزّ وجلّ: وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً فإنه يعني التسليم له فيما ورد عنه.

قال: فقلت له: فكيف نصلّي على محمّد وآله؟

قال عليه السّلام: تقولون: «صلوات اللّه وصلوات ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه على محمّد وآل محمّد، والسلام عليه وعليهم ورحمة اللّه وبركاته».

قال: فقلت: فما ثواب من صلّى على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم بهذه الصلوات؟

قال عليه السّلام: الخروج من الذنوب واللّه كهيئة ولدته أمّه» «2».

__________________________________________________

 (1) وسائل الشيعة باب 35 من أبواب الذكر حديث 2.

 (2) وسائل الشيعة باب 35 من أبواب الذكر حديث 1.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:224

و لعلّ قوله عليه السّلام: «صلوات اللّه» حيث جاء بالجمع، ولم يقل «صلاة اللّه» بالمفرد، من جهة اختلاف أنحاء الرحمة، والعطف، إذ تارة يكون في الدنيا، وتارة في الآخرة ... إلى غير ذلك.

و في رواية عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: عدّهن في يدي جبرائيل عليه السّلام، وقال جبرائيل: هكذا أنزل بهن من عند ربّ العزة: «اللهم صلّ على محمّد وآل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك على محمّد وآل محمّد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وترحّم على محمّد وآل محمّد، كما ترحّمت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وتحنّن على محمّد وآل محمّد، كما تحنّنت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنك حميد مجيد، وسلّم على محمّد وآل محمّد، كما سلّمت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد» قال أبو خالد: عدّهن بأصابع الكف مضمومة واحدة واحدة مع الابهام «1».

لا يخفى أن الاختلاف في كيفية الصلاة يقتضي العمل بأيّ واحد منهن إلّا أنّ الكيفية المجزية ما ورد في التشهّد وهي «اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد».

و قد روى علماء أهل السنّة هذه الصلوات في الصحاح، والمسانيد، والسنن، ورواه أئمة المذاهب والتفاسير والتاريخ، كما روتها كتب المناقب والفضائل وإليك بعضها:

الشافعي في مسنده ج 2 ص 97.

أحمد بن حنبل «إمام الحنابلة» في مسنده ج 4 ص 241.

الحافظ البخاري في صحيحه ج 6 ص 120 وج 8 ص 77.

مسلم في صحيحه كتاب الصلاة باب الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم.

__________________________________________________

 (1) مستدرك الوسائل: ج 5 ص 348.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:225

الحافظ النسائي في صحيحه ج 1 ص 190 باب السنن.

الحاكم النيسابوري في المستدرك ج 1 ص 268.

و الرازي في التفسير الكبير ج 25 ص 226.

و القرطبي في تفسيره ج 14 ص 233.

و كذا الطبري في تفسيره ج 22 ص 27.

و ابن كثير في التفسير ج 3 ص 506.

و السيوطي في «الدرّ المنثور» ج 5 ص 215.

و الألوسي في «روح المعاني» ج 22 ص 72.

و الهيتمي في «الصواعق المحرقة» ص 144.

إلى غير ذلك من الكتب والمصادر. (نقلا عن إحقاق الحق ج 3 ص 252 وج 9 ص 524).

تقديم الصلاة على النبي (ص) إذا ذكر أحد الأنبياء (ع):

إذا ذكر أحد الأنبياء عليهم السّلام فتقدّم الصلاة على محمّد وآله ثم على النبي المذكور إلّا في ذكر إبراهيم عليه السّلام.

فعن معاوية بن عمار قال: ذكرت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام بعض الأنبياء فصلّيت عليه فقال عليه السّلام: «إذا ذكر أحد من الأنبياء فابدأ بالصلاة على محمّد وآله ثم عليه صلّى اللّه على محمّد وآله وعلى جميع الأنبياء» «1».

و في الرواية: «أنّ النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم جلس ليلا يحدّث أصحابه في المسجد فقال: يا قوم إذا ذكرتم الأنبياء والأوّلين فصلّوا عليّ ثم صلّوا عليهم وإذا ذكرتم أبي إبراهيم فصلّوا عليه ثم صلّوا عليّ» «2».

__________________________________________________

 (1) الوسائل باب 43 من أبواب الصلاة على محمّد وآله حديث 1.

 (2) مجمع البحرين مادة: شيع.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:226

الصلاة البتراء:

و ينبغي الصلاة على «آل محمد» بعد الصلاة عليه، بأن يقول المصلّي:

 «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد» ولا يكتفي بقول «اللّهمّ صلّ على محمد» فإنها من الصلاة البتراء «1» التي لا تقبل وتوجب البعد عن رحمة اللّه تعالى.

و التي نهت عنها الأحاديث الشريفة المنقولة من طرق الشيعة والسنّة.

أما من طرق الشيعة:

ففي الوسائل روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: «من قال: صلّى اللّه على محمد وآله قال اللّه جلّ جلاله: صلّى اللّه عليك فليكثر من ذلك، ومن قال: صلّى اللّه ولم يصلّ على آله لم يجد ريح الجنة وريحها يوجد من مسيرة خمسمائة عام» «2».

و عن أبان بن تغلب عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم:

من صلّى عليّ ولم يصلّ على آلي، لم يجد ريح الجنة وأن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام» «3».

و قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم لأمير المؤمنين عليه السّلام ألا أبشّرك؟

قال: بلى بأبي أنت وأمي فإنك لم تزل مبشّرا بكل خير.

قال: أخبرني جبرئيل آنفا بالعجب.

فقال أمير المؤمنين عليه السّلام: وما الذي أخبرك يا رسول اللّه؟

قال: أخبرني أن الرجل من أمّتي إذا صلّى عليّ وأتبع بالصلاة على أهل بيتي فتحت له أبواب السماء، وصلّت عليه الملائكة سبعين صلاة، وأنه‏

__________________________________________________

 (1) البتراء: أي المقطوعة فكأنها لا صلاة أصلا أو أنها صلاة ناقصة مقطوعة الاخر.

 (2) الوسائل باب 42 من أبواب الصلاة على محمد وآله حديث 6.

 (3) الوسائل باب 42 من أبواب الصلاة على محمّد وآله حديث 7.

                       

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:227

للذنب حطّا، ثم تحاتّ عنه الذنوب كما تحاتّ الورق من الشجر، ويقول اللّه تبارك وتعالى: «لبّيك عبدي وسعديك، يا ملائكتي أنتم تصلّون عليه سبعين صلاة، وأنا أصلّي عليه سبعمائة صلاة، فإذا صلّى عليّ ولم يتبع بالصلاة على أهل بيتي كان بينها وبين السماء سبعون حجابا، ويقول اللّه جلّ جلاله: لا لبّيك ولا سعديك، يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه إلّا أن يلحق بالنبي عترته، فلا يزال محجوبا حتّى يلحق بي أهل بيتي» «1».

عن الإمام زين العابدين عليه السّلام عن أبيه عن جدّه قال: «إن اللّه فرض على العالم الصلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم وقرننا به، فمن صلّى على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم ولم يصلّ علينا لقى اللّه تعالى وقد بتر الصلاة عليه وترك أوامره» «2»

و عن ابن القداح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: سمع أبي عليه السّلام رجلا متعلّقا بالبيت وهو يقول: «اللهمّ صلّ على محمد» فقال له أبي عليه السّلام: لا تبترها، لا تظلمنا حقّنا قلّ اللهمّ صلّ على محمّد وأهل بيته»».

وأمّا من طرق السنّة:

فقد روى ابن حجر العسقلاني في الصواعق المحرقة ص 87 عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم أنه قال: الصلاة البتراء فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون:

اللهمّ صلّ على محمّد وتمسكون بل قولوا: «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد».

و كذا رواه الشيخ سليمان القندوزي في «ينابيع المودّة» ج 7 ص 295.

و العلّامة حمزة السهمي في «تاريخ جرجان» ص 148.

و العلّامة أبو بكر الحضري في «رشفة الصادي» ص 21.

و العلّامة عبد اللّه الحنتفي في «أرجح المطالب» ص 368.

__________________________________________________

 (1) ثواب الأعمال وعقابها: ص 51.

 (2) إحقاق الحق ج 3 ص 274.

 (3) مستند العروة الوثقى: ج 4 ص 274.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:228

و العلّامة السنماوي في «القول البديع» ص 35.

و العلّامة السعراني في «كشف الغمة» ج 1 ص 160. (راجع إحقاق الحق ج 9 ص 636).

و قال الفخر الرازي في تفسيره ج 7 ص 391 ما يلي: «إن الدعاء للال منصب عظيم ولذا جعل هذا الدعاء خاتمة التشهّد في الصلاة وقوله: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمد وارحم محمّد وآل محمد، وهذا التعظيم لم يوجد في حقّ غير الال فكل ذلك يدلّ على أن حبّ آل محمد واجب، وقال:

أهل بيته ساووه في خمسة أشياء: في الصلاة عليه وعليهم في التشهّد، وفي السلام، والطهارة، وفي تحريم الصدقة، وفي المحبة».

و قال النيسابوري في تفسيره عند قوله تعالى: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى‏: «كفى شرفا لال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم وفخرا ختم التشهّد بذكرهم والصلاة عليهم في كل صلاة».

* وقد وقف بعض أهل السنّة من الصلاة على آل محمد عليهم السّلام موقف المعاند والرافض لها، حتى قال بعضهم: إنّ الصلاة على الال وإن ثبتت بالنصّ منضمة إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم إلّا أن الرافضة (أي الشيعة) لما اتخذته شعارا نتركه.

و كان أحدهم يقول: اللهمّ صلّ على محمّد منفردا (بقيد الانفراد) «1».

و كان ابن الزبير لا يذكر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم رأسا بغضا لأهل بيته ويقول: لا يمنعني أن أصلّي عليه إلّا أن تشمخ رجال بانافها، ومثله أبو حنيفة ففي (تاريخ بغداد) قال ابن المبارك: ما رأيت مجلسا ذكر فيه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم قطّ ولا يصلّى عليه إلّا مجلس أبي حنيفة، وقال المسعودي في (مروج الذهب) كان المأمون يظهر التشيّع وابن شكله- إبراهيم بن المهدي- التسنّن، فقال المأمون:

         إذا المرجّى سرّك أن تراه             يموت لحينه من قبل موته‏

__________________________________________________

 (1) دار السلام: ج 1 ص 319 وعيون أخبار الرضا للصدوق ج 1 ص 284.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:229

         فجدّد عنده ذكر عليّ             وصلّ على النبي وآل بيته‏

 فأجابه إبراهيم:

         إذا الشيعي جمجم في مقال             فسرّك أن يبوح بذات نفسه‏

         فصلّ على النبي وصاحبيه           ووزيريه وجاريه برمسه‏

 قال الفيروز آبادي رحمه اللّه:

و العجب ثم العجب من حملة العلم وأئمة الحديث وأرباب التأليف والتصنيف من أهل السنّة والجماعة الذين رووا ما عرفته من الأخبار الدالّة على أنّ الدعاء محجوب حتى يصلّى على محمّد وعلى آل محمّد، وأنّ الصلاة لا تقبل حتّى يصلّى فيها على محمّد وآل محمّد وأنّه كيف يصلّى فيها على محمّد وآل محمّد، وأنه نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم عن الصلاة البتراء- أي التصلية على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم بدون ذكر الال- وظاهر النهي التحريم، ومع ذلك تراهم مصرّين أشدّ الإصرار على ترك ذكر الال عند التصلية، فإذا أرادوا الصلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم قالوا: «صلّى اللّه عليه وسلّم» وتركوا الال رأسا، وإن كنت في ريب ممّا ذكرنا فراجع كتبهم المؤلّفة في الأحاديث والتفاسير والمناقب والرجال والسير ونحو ذلك تجد صدق ما ذكرنا» «1».

* وفي مقام الردّ على من منع الصلاة على آل محمد وحصرها بالصلاة على الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلّم، نقول:

لقد جاء في القرآن الكريم صلاة اللّه تعالى على بعض عباده المؤمنين، ولا شكّ أن على رأس قائمة المؤمنين هم الأئمة الاثنا عشر عليهم السّلام.

قال تعالى- في سياق الحديث عن الذاكرين-: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ (الأحزاب: 43)، وهل يوجد أكثر ذكرا للّه من الأئمة عليهم السّلام،

__________________________________________________

 (1) فضائل الخمسة: ج 1 ص 268.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:230

فإذا كانوا من الذاكرين فقد انطبقت عليهم هذه الآية وصاروا ممّن يصلّي عليهم ربّ العالمين.

و قال تعالى: الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ (البقرة: 157).

و قد أصيبوا بأعظم المصائب والرزايا، كغصب الخلافة، وارتداد الناس عنهم، وحربهم لهم ... ومع كل ذلك صبروا وسلّموا أمرهم إلى اللّه تعالى ... أ فلا يستحقّون بذلك الصلاة من الرحمان عليهم؟

و من طريف ما حكي:

أنّ العلّامة جمال الدين الحلّي (رضوان اللّه تعالى عليه) ناظر أهل الخلاف في مجلس السلطان محمد خدابنده، وبعد إتمام المناظرة وبيان حقية مذهب الإمامية الاثنى عشرية خطب- قدّس اللّه سرّه- خطبة بليغة مشتملة على حمد اللّه والصلاة على رسوله والأئمة عليهم السّلام فلما استمع ذلك السيد الموصلي وكان من جملة المسكوتين بالمناظرة، قال:

ما الدليل على جواز توجيه الصلاة على غير الأنبياء؟

فقرأ الشيخ الحلّي في جوابه بلا انقطاع الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ ....

فقال الموصلي على طريق المكابرة: ما المصيبة التي أصابت آله حتى يستوجبون لها الصلاة؟

فقال الشيخ: من أشنع المصائب وأشدّها أن حصل من ذراريهم مثلك الذي يرجّح المنافقين الجهّال المستوجبين اللعنة والنكال على آل رسول اللّه الملك المتعال.

فاستضحك الحاضرون، وتعجّبوا من بداهة جواب العلّامة الحلي وأنشد بعض الشعراء في حقّ الموصلي المعترض على الصلاة:

         إذا العلوي تابع ناصبيا             بمذهبه فما هو من أبيه‏

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:231

             وكان الكلب خيرا منه حقّا             لأنّ الكلب طبع أبيه فيه «1»

ثمّ انه لما جاء أبو أوفى بالزكاة إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم «اللّهمّ صلّ على أبي أوفى وآل أبي أوفى» «2».

و هل يوجد مزكّى لماله أفضل من الأئمة عليهم السّلام بل أن سيدهم الإمام علي عليه السّلام زكّى بخاتمه في الصلاة وهو راكع فأنزل اللّه في حقّه: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ (المائدة: 55) وبعد ذلك ألا يستحقون الصلاة عليهم من ربّ الأرباب.

و في حديث الكساء المتواتر، والمروي عن السيدة فاطمة الزهراء عليها السّلام دلالة واضحة على أن المراد من «آل محمّد» هم أصحاب الكساء وعلى جواز الصلاة عليهم.

حيث قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم:

 «اللهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي وخاصتي وحامّتي لحمهم لحمي، ودمهم دمي، يؤلمني ما يؤلمهم، ويحزنني ما يحزنهم، أنا حرب لمن حاربهم، وسلم لمن سالمهم، وعدوّ لمن عاداهم، ومحبّ لمن أحبهم، إنهم مني وأنا منهم، فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك عليّ وعليهم وأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا» «3».

و قد ورد في روايات الشيعة والسنّة أن المراد بقوله تعالى: سَلامٌ عَلى‏ إِلْ‏ياسِينَ (الصافات: 130) هم آل محمد عليهم السّلام.

فمن طرق الشيعة: ما ورد عن الإمام جعفر الصادق عليه السّلام عن آبائه عن‏

__________________________________________________

 (1) روضات الجنات: ج 2 ص 277.

 (2) كنز العرفان للسيوري: ج 1 ص 139. صحيح البخاري: ج 2 كتاب الزكاة باب صلاة الإمام ودعاؤه لصاحب الصدقة.

 (3) مفاتيح الجنان للشيخ عباس القمي: ص 406.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:232

علي عليه السّلام في قوله تعالى: سَلامٌ عَلى‏ إِلْ‏ياسِينَ «1» قال: «يس محمد صلى اللّه عليه وآله وسلّم ونحن آل يس» «2».

و في كلام للإمام علي الرضا عليه السّلام مع المأمون، في الفرق بين العترة والأمة، قال المأمون: فهل عندك في الال شي‏ء أوضح من هذا في القرآن؟

قال الإمام عليه السّلام: «نعم أخبروني عن قول اللّه تعالى: يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ فمن عنى بقوله يس؟ قالت العلماء: محمد صلى اللّه عليه وآله وسلّم لم يشكّ فيه أحد.

قال أبو الحسن عليه السّلام: «فإن اللّه عز وجل أعطى محمدا وآل محمد من ذلك فضلا لا يبلغ أحد وصفه إلّا من عقله وذلك إن اللّه عز وجل لم يسلّم على أحد إلّا على الأنبياء صلوات اللّه عليهم فقال تبارك وتعالى: سَلامٌ عَلى‏ نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ وقال: سَلامٌ عَلى‏ إِبْراهِيمَ وقال: سَلامٌ عَلى‏ مُوسى‏ وَهارُونَ ولم يقل سلام على آل نوح ولم يقل سلام على آل إبراهيم ولم يقل سلام على آل موسى وهارون وقال: سَلامٌ عَلى‏ إِلْ‏ياسِينَ يعني آل محمد صلى اللّه عليه وآله وسلّم» «3».

و أمّا من طرق السنة: فذكر ذلك الفخر الرازي في تفسيره «مفاتيح الغيب» ج 7 ص 110.

و القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرآن» ج 10 ص 119.

و أبو حيان الأندلسي في «البحر المحيط» ج 7 ص 373.

و ابن كثير الدمشقي في تفسيره ج 4 ص 20.

و السيوطي في «الدر المنثور» ج 5 ص 286.

__________________________________________________

 (1) قرأ الاية كثير من المفسرين «إل ياسين» من دون مدّ واعتبروا أن المذكور في الاية هو «إلياس عليه السّلام».

 (2) تفسير نور الثقلين: ج 4 ص 432.

 (3) تفسير نور الثقلين ج 4 ص 431.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:233

و الألوسي البغدادي في تفسيره «روح المعاني».

و الفضل بن روزبهان في كتابه «أبطال نهج الباطل».

العلامة أحمد بن عبد الوهاب النووي في «نهاية الأدب» ج 2 ص 338.

إشكال:

ورد إشكال يعود إلى كيفية الصلاة المتقدمة مفاده:

إنّ علماء البلاغة قالوا: بأنّ المشبّه به ينبغي أن يكون أقوى من المشبّه، كما نقول: زيد كالأسد باعتبار أن الأسد أقوى من زيد وأنت تشبّه زيد به، وفي قولنا في الصلاة «اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم» خلاف هذه القاعدة، فإنّ نبيّنا محمّد وآله صلى اللّه عليه وآله وسلّم أشرف من إبراهيم عليه السّلام وآله فكيف نشبّه الصلاة على محمّد وآله بالصلاة على إبراهيم عليه السّلام.

و قد أجاب العلماء المحققون بعدّة أجوبة، نعرضها كما يلي:

الأول: المراد بالتشبيه في أصل الصلاة لا في الكمية والكيفية، كما في قوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ (البقرة: 183).

الثاني: إنّ أشدية المشبّه به ليست أمرا لازما، بل قد يتحقق التشبيه بدونها كما في قولك: «و أحسن كما أحسن اللّه إليك».

و لا يلزم أن يكون المشبّه به أقوى من كل وجه بل يلزم أن يكون شيئا ظاهرا واضحا كما في قوله تعالى: مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ وأين يقع نور المشكاة من نوره تعالى، إلّا أنه لما كانت المشكاة أمرا ظاهرا واضحا في نظر السامع شبه به، وكذا لما كان تعظيم إبراهيم عليه السّلام أمرا ظاهرا في العالمين فإنه شبّه به ويؤيد ذلك ما في الأدعية بقولك «في العالمين».

الثالث: ليس المراد بطلب الصلاة عليه صلى اللّه عليه وآله وسلّم، جعلها كصلاته على‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:234

إبراهيم، بل المراد منه السؤال منه تعالى أن يفعل بمحمّد وآل محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم التعظيم والتبجيل كما فعل بإبراهيم وآله، ولهذا نظير من الكلام في العرف العام، كأن يقول القائل لمن كسا عبده فيما مضى «أكس ولدك الان كما كسوت عبدك وأحسن إليه كما أحسنت إلى عبدك من قبل» فإنه لا يريد بطلبه إلحاق الولد برتبة العبد في الإكرام والتسوية بينهما.

و لو أن رجلا استأجر إنسانا بدرهم أعطاه إيّاه عند فراغه من عمله، ثم عمل له أجير آخر من بعده عملا يساوي أجرته عشرة دراهم، لصحّ أن يقال له عند فراغ الإنسان من العمل «أعط هذا الإنسان أجره كما أعطيت فلانا أجره» ويقول الأجير لمؤجّره: «أوف أجرتي كما أوفيت أجيرك بالأمس أجره» وليس القصد ههنا المثلية بين الأجرتين في الكمية ...

و هكذا القول في مسألة الصلاة على محمّد وآله ...

الرابع: أن النبي محمّد وآله الطاهرين داخلين في آل إبراهيم، فهم داخلون في الصلاة المشبّه بها أيضا.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:235

 

الخاتمة الصلوات في الأدعية الشريفة والأشعار المنظومة

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:237

عن أبي القاسم علي بن محمد النخعي الكوفي، قال: حدّثني سليمان بن إبراهيم، عن جدّي لأمي، قال: عدّهن في يدي نصر بن مزاحم، قال نصر: عدّهن في يدي أبو خالد، وقال أبو خالد:

عدّهن في يدي زيد بن علي، وقال زيد بن علي: وعدّهن في يدي علي بن الحسين عليه السّلام، وقال علي بن الحسين عليه السّلام: عدّهن في يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام، وقال علي عليه السّلام:

عدّهن في يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم، وقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم: عدّهن في يدي جبرئيل عليه السّلام، وقال جبرئيل: هكذا أنزل بهن من عند ربّ العزّة: «اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمد، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وآل محمّد، كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، وترحّم على محمّد وآل محمّد، كما ترحّمت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، وتحنّن على محمّد وآل محمّد، كما تحننت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد، وسلّم على محمّد وآل محمّد، كما سلّمت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد» قال أبو خالد: عدّهن بأصابع الكف مضمومة واحدة واحدة مع الأبهام «1».

__________________________________________________

 (1) المستدرك باب 32 من أبواب الذكر حديث 8.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:238

الشيخ أبو الفتوح في تفسيره: عن كعب بن عجرة، قال: لما نزل قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ (الأحزاب: 56) الاية قلت:

يا رسول اللّه قد علمنا كيف السلام عليك، فكيف أصلي عليك؟

قال: «قل: اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، كما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد» «1».

دعاء الإمام علي (ع) في ذكر النبي (ص):

ألحمد للّه ربّ العالمين، وصلّى اللّه على طيّب المرسلين، محمّد بن عبد اللّه بن عبد المطّلب، المنتجب الفاتق الرّاتق. أللّهمّ فخصّ محمّدا صلّى اللّه عليه وآله بالذّكر المحمود، والمنهل المشهود، والحوض المورود. أللّهمّ فات محمّدا صلّى اللّه عليه وآله الوسيلة والرّفعة والفضيلة، وفي المصطفين محبّته وفي العلّيّين درجته، وفي المقرّبين كرامته، أللّهمّ أعط محمّدا صلواتك عليه وآله من كلّ كرامة أفضل تلك الكرامة، ومن كلّ نعيم أوسع ذلك النّعيم، ومن كلّ عطاء أجزل ذلك العطاء، ومن كلّ يسر أنصر ذلك اليسر، ومن كلّ قسم أوفر ذلك القسم، حتّى لا يكون أحد من خلقك أقرب منه مجلسا، ولا أرفع منه عندك ذكرا ومنزلة، ولا أعظم عليك حقّا، ولا أقرب وسيلة من محمّد صلواتك عليه وآله، إمام الخير وقائده، والدّاعي إليه، والبركة على جميع العباد والبلاد، ورحمة للعالمين.

أللّهمّ اجمع بيننا وبين محمّد وآل محمّد صلواتك عليه وآله، في برد العيش وبرد الرّوح، وقرار النّعمة وشهوة الأنفس، ومنى ألشّهوات‏

__________________________________________________

 (1) المستدرك باب 32 من أبواب الذكر حديث 9.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:239

و نعم اللّذّت، ورخاء الفضيلة وشهود الطمأنينة، وسؤدد الكرامة وقوّة العين، ونضرة النّعيم وتمام النّعمة، وبهجة لا تشبه بهجات الدّنيا، نشهد أنّه قد بلّغ الرّسالة وأدّى الأمانة والنّصيحة، واجتهد للأمّة وأوذي في جنبك، واجتهد وجاهد في سبيلك، وعبدك حتّى أتاه اليقين، فصلّى اللّه عليه وآله الطّيّبين أللّهمّ ربّ البلد الحرام، وربّ الرّكن والمقام، وربّ المشعر الحرام، وربّ الحلّ والحرام، بلّغ روح محمّد صلّى اللّه عليه وآله عنّا السّلام. أللّهمّ صلّ على ملائكتك المقرّبين، وعلى أنبيائك ورسلك أجمعين، وصلّ على الحفظة الكرام الكاتبين، وعلى أهل طاعتك من أهل السّماوات السّبع وأهل الأرضين السّبع من المؤمنين أجمعين «1».

و من خطبة له عليه السلام علّم فيها النّاس الصّلاة على النبيّ صلّى اللّه عليه وآله‏

اللّهمّ داحي المدحوّات، وداعم المسموكات، وجابل القلوب على فطرتها، شقيّها وسعيدها، إجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك، على محمّد عبدك ورسولك، الخاتم لما سبق، والفاتح لما انغلق، والمعلن الحقّ بالحقّ، والدّافع جيشات الأباطيل، والدّامغ صولات الأضاليل، كما حمّل فاضطلع قائما بأمرك، مستوفزا في مرضاتك، غير ناكل عن قدم، ولا واه في عزم، واعيا لوحيك، حافظا لعهدك، ماضيا على نفاذ أمرك، حتّى أورى قبس القابس، وأضاء الطّريق للخابط، وهديت به القلوب، بعد خوضات الفتن‏

__________________________________________________

 (1) الصحيفة العلوية: ص 87.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:240

و الاثام، وأقام موضحات الأعلام، ونيّرات الأحكام، فهو أمينك المأمون، وخازن علمك المخزون، وشهيدك يوم الدّين، وبعيثك بالحقّ، ورسولك إلى الخلق.

اللّهمّ افسح له مفسحا في ظلّك، واجزه مضاعفات الخير من فضلك.

اللّهمّ أعل على بناء البانين بناءه، وأكرم لديك منزلته، وأتمم له نوره، واجزه من ابتعاثك له مقبول الشّهادة، ومرضيّ المقالة، ذا منطق عدل، وخطّة فصل.

اللّهمّ اجمع بيننا وبينه، في برد العيش، وقرار النّعمة، ومنى الشّهوات، وأهواء اللّذّات ورخاء الدّعة، ومنتهى الطّمأنينة، وتحف الكرامة «1».

من دعاء السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام:

أللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وبارك على محمّد وآل محمّد، وارحم محمّدا وآل محمّد كأفضل ما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم إنّك حميد مجيد. أللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما أمرتنا أن نصلّي عليه، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما ينبغي لنا أن نصلّي عليه. أللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد بعدد من صلّى عليه. أللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد بعدد من لم يصلّ عليه. أللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد بعدد كلّ حرف في صلاة

__________________________________________________

 (1) نهج البلاغة ج 1 ص 172.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:241

صلّيت عليه. أللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد بعدد من صلّى عليه ومن لم يصلّ عليه.

أللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد بعدد كلّ شعرة ولفظة ولحظة ونفس وصفة وسكون وحركة ممّن صلّى عليه وممّن لم يصلّ عليه، وبعدد ساعاتهم ودقايقهم وسكونهم وحركاتهم وحقايقهم وميقاتهم وصفاتهم وأيّامهم وشهورهم وسنيهم وأشعارهم وأبشارهم وبعدد ذرّ ما عملوا أو يعملون، أو كان منهم أو يكون إلى يوم القيامة، وكأضعاف ذلك أضعافا مضاعفة إلى يوم القيامة، يا أرحم الرّاحمين «1».

دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام:

و الحمد للّه الّذي منّ علينا بمحمّد نبيّه صلّى اللّه عليه وآله دون الأمم الماضية والقرون السّالفة، بقدرته الّتي لا تعجز عن شي‏ء وإن عظم، ولا يفوتها شي‏ء وإن لطف فختم بنا على جميع من ذرأ وجعلنا شهداء على من جحد وكثّرنا بمنّة على من قلّ.

أللّهمّ فصلّ على محمّد أمينك على وحيك، ونجيبك من خلقك، وصفيّك من عبادك، إمام الرّحمة، وقائد الخير، ومفتاح البركة، كما نصب لأمرك نفسه، وعرّض فيك للمكروه بدنه وكاشف في الدّعاء إليك حامّته وحارب في رضاك أسرته وقطع في إحياء دينك رحمه، وأقصى الأدنين على جحودهم، وقرّب الأقصين على استجابتهم لك، ووالى فيك الأبعدين، وعادى فيك الأقربين.

__________________________________________________

 (1) فاطمة الزهراء عليها السّلام للشيخ الهمداني: ص 236.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:242

و أذاب نفسه في تبليغ رسالتك، وأتعبها بالدّعاء إلى ملّتك وشغلها بالنّصح لأهل دعوتك، وهاجر إلى بلاد الغربة، ومحلّ النّأي عن موطن رحله وموضع رجله، ومسقط رأسه، ومأنس نفسه إرادة منه لإعزاز دينك، واستنصارا على أهل الكفر بك، حتّى استتبّ له ما حاول في أعدائك، واستتمّ له ما دبّر في أوليائك فنهض إليهم مستفتحا بعونك، ومتقويّا على ضعفه بنصرك، فغزاهم في عقر ديارهم، وهجم عليهم في بحبوحة قرارهم، حتّى ظهر أمرك، وعلت كلمتك، ولو كره المشركون.

أللّهمّ فارفعه بما كدح فيك إلى الدّرجة العليا من جنّتك حتّى لا يساوى في منزلة، ولا يكافأ في مرتبة، ولا يوازيه لديك ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل، وعرّفه في أهله الطّاهرين وأمّته المؤمنين من حسن الشّفاعة أجلّ ما وعدته، يا نافذ العدة يا وافي القول، يا مبدّل السّيّئات بأضعافها من الحسنات إنّك ذو الفضل العظيم، الجواد الكريم «1».

و له عليه السلام:

اللّهمّ صلّ على محمّد عبدك ورسولك، ومفتاح باب جنّتك، والنّاهض بأعباء مواثيق عهدك إلى عبادك، وذريعة المؤمنين إلى رضوانك، والمستقلّ بما حمّلته من الإشارة باياتك، والّذي لم يستطع إلّا موافقة علمك، وقبول الرّسالة إذ تقدّم له قبولها في أمّ الكتاب عندك، وكيف يستطيع ردّ ما نفذت به مشيئتك من يتقلّب في قبضتك وناصيته بيدك؟!

__________________________________________________

 (1) الصحيفة السجادية الجامعة: ص 31.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:243

اللّهمّ كما اخترت محمّدا على علم لأمرك، وجعلته شهيدا على خلقك، ومبلّغا عنك حجج آياتك، وأعلام شواهد بيّناتك، فاسمع من أذنت له في الإستماع من الحقّ الّذي صرّحت عنه رسالته، وبصّر من لم تجعل على بصره غشاوة القلوب فنكل عن أن يرى الحقّ في أحسن صورته، وأوصل بإذنك الهدى إلى القلوب الّتي لم تغلّفها بطبعك، وكان حجّتك على من علمته بالمعاندة لك، والخلاف على رسلك، وبلغ مجهود الصّبر في إظهار حقّك، وآثر الجدّ على التّقصير والرّيث في أمرك ابتغاء الوسيلة عندك، والزّلفة لديك وطول الخلود في رحمتك، وحتّى قلت له فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَما أَنْتَ بِمَلُومٍ.

فبلّغه غاية الوصلة وزده كما وصل بيننا وبين معرفتك.

اللّهمّ وكما قمعت به الكفر على جرانه وجدعت أنف النّفاق بحجّة نبوّته، وقطعت قرائن الضّلال بنور هدايته، وجعلته بمنّك على المشركين ثاقبا ولنبوّة المرسلين خاتما، وعلى الكتب الأولى مهيمنا، وبكلّ مبتعث قبله من الرّسل مؤمنا، ولمن بلّغ عنك شاهدا، ولمن أدبر عنك مجاهدا، ولك إلى قيام السّاعة حامدا، وللمؤمنين في عرصة القيامة قائدا، وبين الحقّ والباطل فارقا، وبحقّك في عبادك ناطقا، ولمن تقدّمه من الأنبياء مصدّقا، فصلّ عليه صلاة ترفعه بها على درجات النّبيّين، تنضّر بها وجهه في موقف السّاعة يوم الدّين.

اللّهمّ وكما جعلته بأمرك صادعا، ولشمل منتشر الهدى جامعا ولعدد المشركين قاطعا، ولحمى الحقّ أن يستباح مانعا، ولما نجم من قرن الضّلال قاصفا ولما نبغ من الباطل بسيف الحقّ دامغا ولما

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:244

ائتمنته عليه من الرّسالة مبلّغا، وللمستجيبين له المتعلّقين بعروته بشيرا، وللمتخلّفين عن ضوء نهار حقّه نذيرا وسراجا منيرا، ولمن استصبح بذكاء زنده مستنيرا. فرضت علينا تعزيزه وتوقيره ومهابته، وأمرتنا ألانرفع الأصوات على صوته، وأن تكون كلّها مخفوضة دون هيبته، فلا يجهر بها عليه عند مناجاته، ونلقاه بأخمدها عند محاورته، ونكفّ من غرب الألسن لدى مسألته، إعظاما منك لحرمة نبوّته، وإجلالا لقدر رسالته، وتمكينا في أثناء الصّدور لمحبّته، وتوكيدا بين حواشي القلوب لمودّته، فارفعه بسلامنا إلى حيث قدّرت في سابق علمك أن تبلّغه إيّاه بصلاتنا عليه.

اللّهمّ وهب له من رياض جنّتك، والدّرج المتّخذة لأهل ولايتك ما تقصر عنه مسألة السّائلين من عبادك، كرامة تنزله شرف ذروتها، وتبلّغه قصوى مكنة غايتها، وتهطل سحائب النّعيم بمزن ودقه وطوائف المزيد والرّضوان من فوقها، وتجري إليه جداول فضلك فيها، وتشرّفه بالوسيلة على نازليها.

اللّهمّ اجعله أجزل من أحرز نصيبا من رحمتك، وأنضر من أشرق وجهه لسجال عطيّتك، وأقرب الأنبياء زلفة يوم المقعد عندك، وأوفرهم حظّا من رضوانك، وأكثرهم صفوف أمّة في جنّاتك.

اللّهمّ وابلغ به من تشريف منزلته، وإعلاء رتبته، وخاصّة خالصته، ومكنة زلفته، وجزيل مثوبته، والزّيادة في كرامته، وشكر قديم سابقته، ورفع درجته، وإعطائه الوسيلة الّتي استثناها على أمّته ما أنت أهله في كرمك وفيض فضلك وجزيل مواهبك، وما محمّد أهله فيك فيما بلّغ في رضاك، وتحرّى من حفظ حقّك، وتولّى من‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:245

المحاماة عن دينك، والذّبّ عن حدود نهبك، فقد دعا إلى إثبات الخلق والأمر لك، وصبر على الأذى فيك، ولم يشر بالرّبوبيّة، إلّا إليك، منّا منك عليه لا منّا منه عليك، وبما أنعمت به عليه من فضلك ومكّنت في قلبه من معرفتك، ودللته عليه من أعلام قدرتك واصطفيته له من تبليغ رسالتك.

اللّهمّ ومهما توارى عنّا من حجب الغيوب عندك، وتولّيت طيّ علمه عن عبادك، وكان في خزائن أمرك، ولم تنزله في تأويل لديه في كتابك، وخانتنا الصّفات، وكلّت الألسن دون عبارته، فلم تهتد القلوب إلى منازلك فيه من فضل عطاء تؤتيه، وذخيرة كرامة توصلها إليه، وتهطل سماؤها عليه.

فأعط محمّدا من ذلك حتّى يرضى، وزده من ثوابك بعد الرّضا ما لا تبلغه مسألة السّائلين، وتقصر عنه المنى حتّى لا تبقى غاية غبطة إلّا أوفيت به عليها، ولا ارتفاع درجة إلّا حللت به إليها وجعلته مخلّدا في أعلى علوّها.

اللّهمّ وكما أكثرت ذرء أمّته، وعدد المستجيبين لرسالته، والمعترفين لحجّته، حتّى استفاض دينه، وعلت كلمته فقد أمتّ به لسان الباطل، حتّى كلّت حجّته، ودمغت به الكفر فأضحى مأموما قد هشمت في رأسه بيضته وجدعت به أنف الباطل، فاستخفى لقبح حليته، وطال به الإسلام، وانبجست ينابيع حكمته، فاحو المثوبة له على حسب ما أبلى في حقّك وتقدّم فيه من النّصيحة لخلقك.

اللّهمّ واجعله خطيب وفد المؤمنين إليك، والمكسوّ حلل‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:246

الأمان إذا وقف بين يديك، والنّاطق إذا خرست الألسن في الثّناء عليك.

اللّهمّ وابسط لسانه في الشّفاعة لأمّته، وأر أهل الموقف من النّبيّين وأتباعهم تمكّن منزلته، وأوهل أبصار أهل المعروف العلى بشعاع نور درجته، وقفه في المقام المحمود الّذي وعدته، واغفر ما أحدث المحدثون بعده في أمّته، ممّا كان اجتهادهم فيه تحرّيا لمرضاتك ومرضاته، وما لم يكن تأليبا على دينك ونقضا لشريعته، واحفظ من قبل بالتّسليم والرّضا دعوته، واجعلنا ممّن تكثّر به وارديه، ولا يذاد عن حوضه إذا ورده، واسقنا منه كأسا رويّا لا نظمأ بعده.

اللّهمّ إنّه قد سبقنا بتقديمك إيّاه، وتأخيرنا عن رؤيته وإن كان لم يسبقنا باياته وعلاماته، وما حجّ به عقولنا من برهان رسالاته، فامنّا به غير شكّاك، ولا ذي خواطر حالت بيننا وبين الاعتراف بحجّته وقد عظم تلهّفنا على الّذين أخرجوه من بلده، وكانوا مع الّذي كايده وجحده، وتمنّينا أن لو شهدنا مشهدا من مشاهده، فنردّ أيدي الّذين حاربوه إلى صدورهم، ونضرب صفحات خدودهم ولبّات نحورهم.

اللّهمّ فإذ قد فاتتنا نصرته، وضرب وجوه المنكرين بحجّته وقصّرت بنا عن دهره، ولم تخرجنا في مدّة من نصره وعزّره وآواه ووقّره، وخرج من بيته مهاجرا معه، فصانه بنفسه عن المشركين ومنعه لا عن لحمة ولا نسبة، فاجعلنا من أسعد أتباعه، وأولاهم يوم القيامة لمحبّته ورأفته، وأقرّهم عيونا في المقام المحمود برؤيته وأعرفهم مقاما بعد السّابقين الأوّلين في ثلّته، وأوجه من ضممته من‏

                        

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:247

التّابعين لهم بالإحسان إلى زمرته، وأشدّهم في الدّنيا اعتقادا لمحبّته.

اللّهمّ أحضره ذكرنا عند طلبته إليك في أمّته، وأخطرنا بباله لندخل في عدّة من ترحمه بشفاعته، وأره من أشرف صلواتنا وسبحات نورها المتلألئة بين يديه، ما تعرّفه به أسماءنا عند كلّ درجة نرقى به إليها، ويكون وسيلة لديه، وخاصّة به، وقربة منه، ويشكرنا على حسب ما مننت به علينا من الصّلاة عليه.

اللّهمّ وإن كان علمك قد سبق بشقوتي، وكنت عندك من المعذّبين لخطيئتي، فبلّغ محمّدا ما حوته لطائف مسألتي، وزده من عندك حتّى يرضى.

و إن رحمتني كما عرّفتني به توحيدك، واستنقذتني من هوّة الكفر إلى نجاة الإيمان، فشهادتي له بالبلاغ عندك، والإحتجاج لك على من أنكرك، وخفض الجناح لمن استجاب لك دعاءه إليك وخلع كلّ معبود دونك.

اللّهمّ وصلّ على محمّد صلواتك على الأنبياء وأهل بيوتات المرسلين، واجمع به شملهم في غربة يوم القيامة، وأنطقهم بالتّساؤل لدى انعدام الأفواه عن النّطق بين يديك، وصل بمحمّد أرحامهم يوم تقاطع الأرحام، وأحللهم أشرف المقام بين يديه ودرجات المنزل المحمود، ونضّر وجه محمّد باستنقاذك إيّاهم من شرّ ذلك اليوم العصيب «1».

__________________________________________________

 (1) الصحيفة السجادية الجامعة ص 32.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:248

دعاء الإمام جعفر الصادق (ع):

عن الصادق عليه الصلاة والسلام، قال: من أراد أن يسرّ محمّدا وآله في الصلاة عليهم فليقل:

أللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد في الأوّلين وصلّ على محمّد وآل محمّد في الآخرين وصلّ على محمّد وآل محمّد في الملإ الأعلى وصلّ على محمّد وآل محمّد في المرسلين، أللّهمّ أعط محمّدا الوسيلة والشّرف والفضيلة والدّرجة الكبيرة، اللّهمّ إنّي آمنت بمحمّد وآله ولم أره فلا تحرمني يوم القيامة رؤيته وارزقني صحبته وتوفّني على ملّته واسقني من حوضه مشربا رويّا سائغا هنيئا لا أظمأ بعده أبدا إنّك على كلّ شي‏ء قدير أللّهمّ كما آمنت بمحمّد صلّى اللّه عليه وآله ولم أره فأرني في الجنان وجهه أللّهمّ بلّغ روح محمّد عنّي تحيّة كثيرة وسلاما «1».

و قد روى أنّ من صلّى بهذه الصلوات ثلاث مرّات صباحا وثلاث مرّات في آخر النهار غفرت ذنوبه وأديم سروره واستجيب دعاؤه ووسع في رزقه وأعين على عدوّه ورافق في الجنان محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم «2»

* عن عبد اللّه بن سنان قال: «كنّا عند أبي عبد اللّه عليه السّلام جماعة من أصحابنا فقال لنا ابتداء: كيف تصلّون على النّبيّ؟ فقلنا:

نقول: أللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، فقال: كأنّكم تأمرون اللّه‏

__________________________________________________

 (1) الأدعية المنتخبة: ص 65.

 (2) الباقيات الصالحات للشيخ عباس القمّي أذكار الصباح والمساء رقم 21.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:249

عزّ وجلّ أن يصلّي عليهم، فقلنا: فكيف نقول؟ قال عليه السّلام:

تقولون:

اللّهمّ سامك المسموكات وداحي المدحوّات، خالق الأرض والسّماوات، أخذت علينا عهدك واعترفنا بنبوّة محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم وأقررنا بولاية عليّ بن أبي طالب عليه السّلام، فسمعنا وأطعنا، وأمرتنا بالصّلاة عليهم فعلمنا أنّ ذلك حقّ فاتّبعناه، اللّهمّ إنّي أشهدك وأشهد محمّدا وعليّا والثّمانية حملة العرش، والأربعة الأملاك خزنة علمك أن فرض صلواتي لوجهك، ونوافلي وزكواتي وما طاب لي من قول وعمل عندك فعلى محمّد وآل محمّد، وأسألك اللّهمّ أن توصلني بهم وتقرّبني بهم لديك، كما أمرتني بالصّلاة عليه، وأشهدك أنّي مسلّم له ولأهل بيته عليهم السّلام غير مستنكف ولا مستكبر، فزكّنا بصلاتك وصلاة ملائكتك، إنّه في وعدك وقولك: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً، فازلفنا بتحيّتك وسلامك، وامنن علينا بأجر كريم من رحمتك واخصصنا من محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم بأفضل صلواتك، وصلّ عليهم إنّ صلواتك سكن لهم، وزكّنا بصلواته وصلوات أهل بيته فاجعل ما آتيتنا من علمهم ومعرفتهم مستقرّا عندك مشفوعا لا مستودعا يا أرحم الرّاحمين «1».

* عن حريز قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك، كيف الصّلاة على النّبيّ صلى اللّه عليه وآله وسلّم؟ فقال: قل:

__________________________________________________

 (1) جمال الأسبوع ص 157.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:250

اللّهمّ صلّ على محمّد وأهل بيته الّذين أذهب اللّه عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرا.

فقال: فقلت في نفسي: اللّهمّ صلّ على محمّد وأهل بيته، فقال لي: ليس هكذا قلت لك، قل: اللّهمّ صلّ على محمّد وأهل بيته، فقال لي: إنّك لحافظ يا حريز فقل كما أقول لك:

اللّهمّ صلّ على محمّد وأهل بيته الّذين أذهبت عنهم الرّجس وطهّرتهم تطهيرا.

قال: فقلت كما قال، فقال: قال لي: قل:

اللّهمّ صلّ على محمّد وأهل بيته الّذين ألهمتهم علمك واستحفظتهم كتابك واسترعيتهم عبادك، اللّهمّ صلّ على محمّد وأهل بيته الّذين أمرت بطاعتهم وأوجبت حبّهم ومودّتهم، اللّهمّ صلّ على محمّد وأهل بيته الّذين جعلتهم ولاة أمرك بعد نبيّك صلّى اللّه عليه وعلى أهل بيته «1».

* محمّد بن عبد اللّه بن مهران، قال: حدّثني أبي، عن أبيه أنّ أبا عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السّلام دفع إلى محمّد بن الأشعث كتابا، فيه دعاء والصّلاة على النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم، دفعه جعفر بن محمّد بن الأشعث إلى ابنه مهران وكانت الصّلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم الّتي فيه:

اللّهمّ إنّ محمّدا صلى اللّه عليه وآله وسلّم كما وصفته في كتابك، حيث تقول:

لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ‏

__________________________________________________

 (1) جمال الأسبوع ص 158.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:251

بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ، فأشهد أنّه كذلك وأنّك لم تأمر بالصّلاة عليه إلّا بعد أن صلّيت عليه أنت وملائكتك، وأنزلت في محكم قرآنك: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، لا لحاجة إلى صلاة أحد من المخلوقين بعد صلواتك عليه، ولا إلى تزكيتهم إيّاه بعد تزكيتك، بل الخلق جميعا هم المحتاجون إلى ذلك، لأنّك جعلته بابك الّذي لا تقبل ممّن أتاك إلّا منه، وجعلت الصّلاة عليه قربة منك ووسيلة إليك وزلفة عندك، ودللت المؤمنين عليه وأمرتهم بالصّلاة عليه ليزدادوا بها أثرة لديك وكرامة عليك، ووكّلت بالمصلّين عليه ملائكتك يصلّون عليه ويبلّغونه صلاتهم وتسليمهم، اللّهمّ ربّ محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم فإنّي أسألك بما عظّمت [به‏] من أمر محمّد وأوجبت من حقّه أن تطلق لساني من الصّلاة عليه بما تحبّ وترضى، وبما لم تطلق به لسان أحد من خلقك ولم تعطه إيّاه، ثمّ تؤتيني على ذلك مرافقته، حيث أحللته على قدسك وجنّات فردوسك، ثمّ لا تفرّق بيني وبينه.

اللّهمّ إنّي أبدأ بالشّهادة له ثمّ بالصّلاة عليه، وإن كنت لا أبلغ من ذلك رضى نفسي ولا يعبّره لساني عن ضميري، ولا ألام على التّقصير منّي لعجز قدرتي عن بلوغ الواجب عليّ منه، لأنّه حظّ لي وحقّ عليّ وأداء لما أوجبت له في عنقي أن قد بلّغ رسالاتك غير مفرّط فيما أمرت، ولا مجاوز لما نهيت، ولا مقصّر فيما أردت، ولا متعدّ لما اوصيت، وتلى آياتك على ما أنزلت إليه وحيك، وجاهد في سبيلك مقبلا غير مدبر، ووفى بعهدك وصدّق وعدك وصدع بأمرك، لا يخاف فيك لومة لائم، وباعد فيك الأقربين وقرّب فيك الأبعدين، وأمر

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:252

بطاعتك وائتمر بها سرّا وعلانية، ونهى عن معصيتك وانتهى عنها [سرّا وعلانية]، وأشهد أنّه تولّى من الدّنيا راضيا عنك مرضيّا عندك محمودا في المقرّبين وأنبياءك المرسلين وعبادك الصّالحين المصطفين، وأنّه غير مليم ولا ذميم وأنّه لم يكن من المتكلّفين، وأنّه لم يكن ساحرا ولا سحر له، ولا كاهنا ولا تكهّن له، ولا شاعرا ولا شعر له، ولا كذّابا، وأنّه [كان‏] رسولك وخاتم النّبيّين، جاء بالحقّ من عند الحقّ، وصدّق المرسلين، وأشهد أنّ الّذين كذّبوه ذائقوا العذاب الأليم، وأشهد أنّ ما أتانا به من عندك وأخبرنا به عنك أنّه اليقين لا شكّ فيه من ربّ العالمين.

اللّهمّ فصلّ على محمّد عبدك ورسولك ونبيّك ووليّك ونجيّك وصفيّك وصفوتك وخيرتك من خلقك، الّذي انتجبته لرسالاتك واستخلصته لدينك واسترعيته عبادك وائتمنته على وحيك، علم الهدى وباب النّهى والعروة الوثقى فيما بينك وبين خلقك، الشّاهد لهم والمهيمن عليهم، أشرف وأفضل وأزكى وأطهر وأنمى وأطيب ما صلّيت على أحد من خلقك وأنبياءك ورسلك وأصفيائك والمخلصين من عبادك، اللّهمّ واجعل صلواتك وغفرانك ورضوانك ومعافاتك وكرامتك ورحمتك ومنّك وفضلك وسلامك وشرفك وإعظامك وتبجيلك، وصلوات ملائكتك ورسلك والأوصياء والشّهداء والصّدّيقين وعبادك الصّالحين وحسن أولئك رفيقا، وأهل السّماوات والأرضين وما بينهما وما فوقهما وما تحتهما، وما بين الخافقين وما بين الهواء والشّمس والقمر والنّجوم والجبال والشّجر والدّوابّ، وما سبّح لك في البرّ والبحر، وفي الظّلمة والضّياء، بالغدوّ والاصال،

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:253

و في آناء اللّيل وأطراف النّهار وساعاته، على محمّد بن عبد اللّه، سيّد المرسلين وخاتم النّبيّين وإمام المتّقين ومولى المؤمنين ووليّ المسلمين وقائد الغرّ المحجّلين ورسول ربّ العالمين إلى الجنّ والإنس والأعجمين، والشّاهد البشير، والأمين النّذير، الدّاعي إليك بإذنك، السّراج المنير.

اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد في الأوّلين، اللّهمّ صلّ على محمّد [و آل محمّد] في الاخرين، وصلّ على محمّد [و آل محمّد] يوم الدّين يوم يقوم النّاس لربّ العالمين، اللّهمّ صلّ على محمّد كما هديتنا به، اللّهمّ صلّ على محمّد كما أنعشتنا به، اللّهمّ صلّ على محمّد كما استنقذتنا به، اللّهمّ صلّ على محمّد كما أحييتنا به، اللّهمّ صلّ على محمّد كما شرّفتنا به، اللّهمّ صلّ على محمّد كما أعززتنا به، اللّهمّ صلّ على محمّد كما فضّلتنا به، اللّهمّ أجز نبيّنا محمّدا صلى اللّه عليه وآله وسلّم أفضل ما أنت جاز يوم القيامة نبيّا عن أمّته ورسولا عمّن أرسلته إليه، اللّهمّ اخصصه بأفضل قسم الفضائل وبلّغه أعلى شرف المكرّمين، من الدّرجات العلى في أعلى علّيّين في جنّات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر، اللّهمّ أعط محمّدا صلى اللّه عليه وآله وسلّم حتّى يرضى وزده بعد الرّضا، واجعله أكرم خلقك منك مجلسا، وأعظمهم عندك جاها، وأوفرهم عندك حظّا، في كلّ خير أنت قاسمه بينهم، اللّهمّ أورد عليه من ذرّيّته وأزواجه وأهل بيته وذوي قرابته وأمّته من تقرّ به عينه، وأقرر عيوننا برؤيته ولا تفرّق بينا وبينه.

اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وأعطه من الوسيلة والفضيلة والشّرف والكرامة ما يغبطه به الملائكة المقرّبون والنّبيّون والمرسلون‏

                       

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:254

و الخلق أجمعون، اللّهمّ بيّض وجهه وأعل كعبه وأفلج حجّته وأجب دعوته وابعثه المقام المحمود الّذي وعدته، وأكرم زلفته وأجزل عطيّته وتقبّل شفاعته وأعطه سؤله وشرّف بنيانه، وعظّم برهانه ونوّر نوره وأوردنا حوضه واسقنا بكأسه وتقبّل صلاة أمّته عليه، واقصص بنا أثره واسلك بنا سبيله وتوفّنا على ملّته واستعملنا بسنّته، وابعثنا على منهاجه واجعلنا ندين بدينه ونهتدي بهداه ونقتدي بسنّته، ونكون من شيعته ومواليه وأوليائه وأحبّائه وخيار أمّته ومقدّم زمرته وتحت لوائه، نعادي عدوّه ونوالي وليّه حتّى توردنا عليه بعد الممات مورده، غير خزايا ولا نادمين ولا مبدّلين ولا ناكثين، اللّهمّ وأعط محمّدا صلى اللّه عليه وآله وسلّم مع كلّ زلفة زلفة، ومع كلّ قربة قربة، ومع كلّ وسيلة وسيلة، ومع كلّ فضيلة فضيلة، ومع كلّ شفاعة شفاعة، ومع كلّ كرامة كرامة، ومع كلّ خير خيرا، ومع كلّ شرف شرفا، وشفّعه في كلّ من يشفع له من أمّته وغيرهم من الأمم، حتّى لا يعطى ملك مقرّب ولا نبيّ مرسل ولا مصطفى إلّا دون ما أنت معطيه محمّدا صلى اللّه عليه وآله وسلّم يوم القيامة، اللّهمّ واجعله المقدّم في الدّعوة والمؤثر به في الاثره، والمنوّه باسمه (في الدّنيا والآخرة) في الشّفاعة إذا تجلّيت بنورك وجي‏ء [بالكتاب و] بالنّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين وقضي بينهم بالحقّ وقيل الحمد للّه ربّ العالمين، ذلك يوم التّغابن، ذلك يوم الحسرة، ذلك يوم الأزفة، ذلك يوم لا تستقال فيه العثرات، ولا تبسط فيه التّوبات ولا يستدرك فيه ما فات.

اللّهمّ فصلّ على محمّد وآل محمّد، وارحم محمّدا وآل محمّد، كأفضل ما صلّيت ورحمت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:255

إنّك حميد مجيد، اللّهمّ وامنن على محمّد وآل محمّد كما مننت على موسى وهارون، اللّهمّ وسلّم على محمّد وآل محمّد كأفضل ما سلّمت على نوح في العالمين، اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى أئمة المسلمين، الأوّلين منهم والاخرين، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وعلى إمام المسلمين، (اللّهمّ) واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته، وافتح له فتحا يسيرا وانصره نصرا عزيزا واجعل له من لدنك سلطانا نصيرا، اللّهمّ عجّل فرج آل محمّد وأهلك أعداءهم من الجنّ والإنس، اللّهمّ صلّ على محمّد وأهل بيته وذرّيّته وأزواجه الطّيّبين الأخيار الطّاهرين المطهّرين الهداة المهتدين، غير الضّالّين ولا المضلّين، الّذين أذهبت عنهم الرّجس وطهّرتهم تطهيرا، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد في الأوّلين، وصلّ عليهم في الاخرين، وصلّ عليهم في الملإ الأعلى، وصلّ عليهم أبد الابدين، صلاة لا منتهى لها ولا أمد دون رضاك، آمين آمين ربّ العالمين.

اللّهمّ العن الّذين بدّلوا دينك وكتابك، وغيّروا سنّة نبيّك، عليه سلامك، وأزالوا الحقّ عن موضعه، ألفي ألف لعنة مختلفة غير مؤتلفة، والعنهم ألفي ألف لعنة مؤتلفة غير مختلفة، والعن أشياعهم وأتباعهم ومن رضي بفعالهم من الأوّلين والاخرين، اللّهمّ يا بارى‏ء المسموكات وداحي المدحوّات وقاصم الجبابرة ورحمن الدّنيا والآخرة ورحيمهما، تعطى منهما ما تشاء وتمنع منهما ما تشاء، أسألك بنور وجهك وبحقّ محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم، أعط محمّدا حتّى يرضى وبلّغه الوسيلة العظمى، اللّهمّ اجعل محمّدا في السّابقين غايته، وفي‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:256

المنتجبين كرامته، وفي العالمين ذكره، وأسكنه أعلى غرف الفردوس في الجنّة الّتي لا تفوقها درجة ولا يفضلها شي‏ء.

اللّهمّ بيّض وجهه وأضى‏ء نوره وكن أنت الحافظ له، اللّهمّ اجعل محمّدا أوّل قارع لباب الجنّة، وأوّل داخل وأوّل شافع وأوّل مشفّع، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، الولاة السّادة الكفاة الكهول الكرام القادة القماقم الضّخام اللّيوث الأبطال، عصمة لمن اعتصم بهم وإجارة لمن استجار بهم، والكهف الحصين والفلك الجارية في اللّجج الغامرة، فالرّاغب عنهم مارق والمتأخّر عنهم زاهق واللّازم لهم لاحق، ورماحك في أرضك، وصلّ على عبادك في أرضك الّذين أنقذت بهم من الهلكة، وأنرت بهم من الظّلمة، شجرة النّبوّة وموضع الرّسالة ومختلف الملائكة ومعدن العلم صلّى اللّه عليه وعليهم أجمعين، آمين آمين ربّ العالمين.

اللّهمّ إنّي أسألك مسألة المسكين المستكين، وأبتغي إليك إبتغاء البائس الفقير، وأتضرّع إليك تضرّع الضّعيف الضّرير، وأبتهل إليك ابتهال المذنب الخاطى‏ء، مسألة من خضعت لك نفسه، ورغم لك أنفه وسقطت لك ناصيته وانهملت لك دموعه وفاضت لك عبرته واعترف بخطيئته وقلّت [عنه‏] حيلته وأسلمته ذنوبه، أسألك الصّلاة على محمّد وآله أوّلا وآخرا، وأسألك حسن المعيشة ما أبقيتني معيشة أقوى بها في جميع حالاتي، وأتوسّل بها في الحياة الدّنيا إلى آخرتي، عفوا لا تترفني فأطغى، ولا تقترّ عليّ فأشقى، أعطني من ذلك غنى من جميع خلقك وبلغة إلى رضاك، ولا تجعل الدّنيا عليّ سجنا ولا تجعل فراقها عليّ حزنا، أخرجني منها ومن فتنتها مرضيّا

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:257

عنّي مقبولا فيها عملي، إلى دار الحيوان ومساكن الأخيار، اللّهمّ إنّي أعوذ بك من أزلها وزلزالها وسطوات سلطانها وسلاطينها وشرّ شيطانها وبغي من بغى عليّ فيها، اللّهمّ من أرادني فأرده ومن كادني فكده، وافقأ عنّي عيون الكفرة، واعصمني من ذلك بالسّكينة، وألبسني درعك الحصينة، واجعلني في سترك الواقي، وأصلح لي حالي وبارك لي في أهلي ومالي وولدي وحزانتي ومن أحببت فيك وأحبّني، اللّهمّ اغفر لي ما قدّمت وما أخّرت وما أعلنت وما أسررت وما نسيت وما تعمّدت، اللّهمّ إنّك خلقتني كما أردت فاجعلني كما تحبّ، يا أرحم الرّاحمين» «1».

دعاء الإمام الحسن العسكري (ع):

أبو محمّد عبد اللّه بن محمّد العابد: سألت مولاي أبا محمّد الحسن بن عليّ عليهما السّلام في منزله بسرّ من رأى سنة خمس وخمسين ومائتين أنّ يملي عليّ الصّلاة على النّبيّ وأوصيائه صلى اللّه عليه وآله وسلّم، وأحضرت معي قرطاسا كبيرا فأملى عليّ لفظا من غير كتاب وقال: أكتب:

الصّلاة على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم:

اللّهمّ صلّ على محمّد كما حمل وحيك وبلّغ رسالاتك، وصلّ على محمّد كما أحلّ حلالك وحرّم حرامك وعلّم كتابك، وصلّ على محمّد كما أقام الصّلاة وأدّى الزّكاة ودعا إلى دينك، وصلّ على محمّد كما صدّق بوعدك وأشفق من وعيدك، وصلّ على محمّد كما غفرت به الذّنوب وسترت به العيوب وفرّجت به الكروب، وصلّ على‏

__________________________________________________

 (1) جمال الأسبوع ص 288.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:258

محمّد كما دفعت به الشّقاء وكشفت به الغماء وأجبت به الدّعاء ونجّيت به من البلاء، وصلّ على محمّد كما رحمت به العباد وأحييت به البلاد وقصمت به الجبابرة وأهلكت به الفراعنة، وصلّ على محمّد كما أضعفت به الأموال وحذّرت به من الأهوال وكسّرت به الأصنام ورحمت به الانام، وصلّ على محمّد ما بعثته بخير الأديان وأعززت به الإيمان وتبّرت به الأوثان وعظّمت به البيت الحرام، وصلّ على محمّد وأهل بيته الطّاهرين الأخيار وسلّم تسليما.

الصلاة على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام:

اللّهمّ صلّ على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، أخي نبيّك ووليّه ووصيّه ووزيره ومستودع علمه وموضع سرّه وباب حكمته والنّاطق بحجّته والدّاعي إلى شريعته وخليفته في أمّته ومفرّج الكرب عن وجهه، قاصم الكفرة ومرغم الفجرة، الّذي جعلته من نبيّك بمنزلة هارون من موسى، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله والعن من نصب له من الأوّلين والاخرين، وصلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحد من أوصياء أنبيائك يا ربّ العالمين.

الصلاة على السيدة فاطمة الزهراء عليها السّلام:

اللّهمّ صلّ على الصّدّيقة فاطمة الزّهراء الزّكيّة، حبيبة نبيّك وأمّ أحبّائك وأصفيائك، الّتي انتجبتها وفضّلتها واخترتها على نساء العالمين، اللّهمّ كن الطّالب لها ممّن ظلمها واستخفّ بحقّها، اللّهمّ وكن الثّائر لها اللّهمّ بدم أولادها، اللّهمّ وكما جعلتها أمّ أئمّة الهدى،

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:259

و حليلة صاحب اللّواء، الكريمة عند الملإ الأعلى، فصلّ عليها وعلى أمّها خديجة الكبرى، صلاة تكرّم بها وجه محمّد صلى اللّه عليه وآله وسلّم وتقرّ بها أعين ذرّيّتها وأبلغهم عنّي في هذه السّاعة أفضل التّحيّة والسّلام.

الصّلاة على الحسن والحسين عليهما السّلام:

اللّهمّ صلّ على الحسن والحسين عبديك ووليّيك وابني رسولك وسبطي الرّحمة وسيّدي شباب أهل الجنّة، أفضل ما صلّيت على أحد من أولاد النّبيّين والمرسلين.

اللّهمّ صلّ على الحسن ابن سيّد النّبيّين. ووصيّ أمير المؤمنين، السّلام عليك يا ابن رسول اللّه، السّلام عليك يا ابن سيّد الوصيّين، أشهد أنّك يا ابن أمير المؤمنين، أمين اللّه وابن أمينه، عشت رشيدا مظلوما ومضيت شهيدا، وأشهد أنّك الإمام الزّكيّ الهادي المهديّ، اللّهمّ صلّ عليه وبلّغ روحه وجسده عنّي في هذه السّاعة أفضل التّحيّة والسّلام.

اللّهمّ صلّ على الحسين بن عليّ، المظلوم الشّهيد، قتيل الكفرة وطريح الفجرة، السّلام عليك يا أبا عبد اللّه، السّلام عليك يا ابن رسول اللّه، السّلام عليك يا ابن أمير المؤمنين، أشهد موقنا أنّك أمين اللّه وابن أمينه، قتلت مظلوما ومضيت شهيدا، وأشهد أنّ اللّه تعالى الطّالب بثارك ومنجز ما وعدك من النّصر والتّأييد في هلاك عدوّك وإظهار دعوتك، وأشهد أنّك وفيت بعهد اللّه وجاهدت في سبيل اللّه وعبدت اللّه مخلصا حتّى آتاك اليقين، لعن اللّه أمّة قتلتك ولعن اللّه أمّة خذلتك ولعن اللّه أمّة آلبّت عليك، وأبرء إلى اللّه تعالى‏

                       

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:260

ممّن أكذبك واستخفّ بحقّك واستحلّ دمك، بأبي أنت وأمّي يا أبا عبد اللّه، لعن اللّه قاتلك ولعن اللّه خاذلك ولعن اللّه من سمع واعيتك فلم يجبك ولم ينصرك، ولعن اللّه من سبى نساءك، أنا إلى اللّه منهم بري‏ء وممّن والاهم، [و ما لاءهم‏] وأعانهم عليه، وأشهد أنّك والأئمّة من ولدك كلمة التّقوى وباب الهدى والعروة الوثقى والحجّة على أهل الدّنيا، وأشهد أنّي بكم مؤمن وبمنزلتكم موقن ولكم تابع، بذات نفسي وشرايع ديني وخواتيم عملي، ومنقلبي ومثواي في دنياي وآخرتي.

الصلاة على عليّ بن الحسين عليهما السّلام:

اللّهمّ صلّ على عليّ بن الحسين، سيّد العابدين، الّذي استخلصته لنفسك وجعلت منه أئمّة الهدى، الّذين يهدون بالحقّ وبه يعدلون، اخترته لنفسك وطهّرته من الرّجس واصطفيته، وجعلته هاديا مهديّا، اللّهمّ صلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحد من ذرّيّة أنبيائك حتّى تبلغ به ما تقرّ به عينه في الدّنيا والآخرة إنّك عزيز حكيم.

الصلاة على محمّد بن عليّ الباقر عليهما السّلام:

اللّهمّ صلّ على محمّد بن عليّ، باقر العلم وإمام الهدى وقائد أهل التّقوى والمنتجب من عبادك، اللّهمّ وكما جعلته علما لعبادك ومنارا لبلادك ومستودعا لحكمتك ومترجما لوحيك، وأمرت بطاعته وحذّرت عن معصيته، فصلّ عليه يا ربّ أفضل ما صلّيت على أحد من ذرّيّة أنبياءك وأصفياءك ورسلك وأمنائك يا إله العالمين.

الصلاة على جعفر بن محمّد الصادق عليهما السّلام:

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:261

اللّهمّ صلّ على عبدك جعفر بن محمّد الصّادق عليه السّلام، خازن العلم، الدّاعي إليك بالحقّ، النّور المبين، اللّهمّ وكما جعلته معدن كلامك ووحيك وخازن علمك ولسان توحيدك ووليّ أمرك ومستحفظ دينك، فصلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحد من أصفياءك وحججك إنّك حميد مجيد.

الصلاة على موسى بن جعفر عليهما السّلام:

اللّهمّ صلّ على الأمين المؤتمن، موسى بن جعفر، البرّ الوفيّ الطّاهر الزّكيّ النّور المنير، المجتهد المحتسب الصّابر على الأذى فيك، اللّهمّ وكما بلّغ عن آبائه ما استودع من أمرك ونهيك، وحمل على المحجّة وكابد أهل الغرّة والشّدّة فيما كان يلقى من جهّال قومه، ربّ فصلّ عليه أفضل وأكمل ما صلّيت على أحد ممّن أطاعك ونصح لعبادك إنّك غفور رحيم.

الصلاة على عليّ بن موسى الرّضا عليهما السّلام:

اللّهمّ صلّ على عليّ بن موسى الرّضا، الّذي ارتضيته ورضّيت به من شئت من خلقك، اللّهمّ وكما جعلته حجّة على خلقك وقائما بأمرك، وناصرا لدينك وشاهدا على عبادك، وكما نصح لهم في السّرّ والعلانية ودعا إلى سبيلك بالحكمة والموعظة الحسنة، فصلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحد من أوليائك وخيرتك من خلقك إنّك جواد كريم.

الصلاة على محمّد بن عليّ الجواد ابن موسى عليهم السّلام:

اللّهمّ صلّ على محمّد بن عليّ بن موسى عليهم السّلام، علم التّقى‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:262

ونور الهدى ومعدن الوفى، وفرع الأزكياء وخليفة الأوصياء وأمينك على وحيك، اللّهمّ فكما هديت به من الضّلالة واستنقذت به من الجهالة، وأرشدت به من اهتدى وزكّيت به من تزكّى، فصلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحد من أوليائك وبقيّة أوليائك إنّك عزيز حكيم.

الصلاة على عليّ بن محمّد أبي الهادي عليهما السّلام:

اللّهمّ صلّ على عليّ بن محمّد، وصيّ الأوصياء وإمام الأتقياء وخلف أئمّة الدّين والحجّة على الخلائق أجمعين، اللّهمّ كما جعلته نورا يستضيى‏ء به المؤمنون، فبشّر بالجزيل من ثوابك وأنذر بالأليم من عقابك وحذّر بأسك وذكّر باياتك، وأحلّ حلالك وحرّم حرامك، وبيّن شرائعك وفرائضك وحضّ على عبادتك، وأمر بطاعتك ونهى عن معصيتك، فصلّ عليه أفضل ما صلّيت على أحد من أوليائك وذرّيّة أنبيائك يا إله العالمين.

الصلاة على الحسن بن عليّ العسكريّ عليهما السّلام:

اللّهمّ صلّ على الحسن بن عليّ الهادي، البرّ التّقيّ الصّادق الوفيّ، النّور المضيى‏ء، خازن علمك، والمذكّر بتوحيدك ووليّ أمرك، وخلف أئمّة الدّين الهداة الرّاشدين، والحجّة على أهل الدّنيا، فصلّ عليه يا ربّ أفضل ما صلّيت على أحد من أصفيائك وحججك على خلقك وأولاد رسلك يا إله العالمين.

الصلاة على وليّ الأمر المنتظر الحجّة بن الحسن عليهما السّلام:

اللّهمّ صلّ على وليّك وابن أوليائك، الّذين فرضت طاعتهم‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:263

و أوجبت حقّهم وأذهبت عنهم الرّجس وطهّرتهم تطهيرا، اللّهمّ انصره وانتصر به لدينك وانصر به أولياءك وأولياءه وشيعته وأنصاره، واجعلنا منهم، اللّهمّ أعذه من شرّ كلّ طاغ وباغ، ومن شرّ جميع خلقك، واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، واحرسه وامنعه أن يوصل إليه بسوء، واحفظ فيه رسولك وآل رسولك، وأظهر به العدل، وأيّده بالنّصر وانصر ناصريه واخذل خاذليه واقصم به جبابرة الكفر واقتل به الكفّار والمنافقين وجميع الملحدين حيث كانوا، من مشارق الأرض ومغاربها وبرّها وبحرها وسهلها وجبلها، واملأ به الأرض عدلا، وأظهر به دين نبيّك عليه وآله السّلام، واجعلني اللّهمّ من أنصاره وأعوانه وأتباعه وشيعته، وأرني في آل محمّد ما يأملون وفي عدوّهم ما يحذرون، إله الحقّ ربّ العالمين آمين «1».

صلاة الإمام المهدي (عج):

عن يعقوب بن يوسف الضرّاب الغساني قال: حججت في سنة إحدى وثمانين ومائتين، وكنت مع قوم مخالفين من أهل بلادنا.

فلمّا قدمنا مكة، تقدّم بعضهم، فاكترى لنا دارا في زقاق بين سوق الليل، وهي دار خديجة عليها السّلام تسمّى دار الرضا عليه السّلام، وفيها عجوز سمراء فسألتها لمّا وقفت على أنّها دار الرضا عليه السّلام: ما تكونين من أصحاب هذه الدار، ولم سمّيت دار الرضا؟ فقالت: أنا من مواليهم، وهذه دار الرضا عليّ بن موسى عليه السّلام، اسكننيها

__________________________________________________

 (1) جمال الأسبوع ص 296.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:264

الحسن بن علي عليه السّلام، فإنّي كنت في خدمته. فلمّا سمعت ذلك منها، آنست بها، وأسررت الأمر عن رفقائي المخالفين.

فكنت إذا انصرفت من الطواف بالليل، أنام معهم في رواق في الدار، ونغلق الباب، ونلقي خلف الباب حجرا كبيرا كنّا نديره خلف الباب.

فرأيت غير ليلة ضوء السراج في الرواق الذي كنّا فيه، شبيها بضوء المشعل، ورأيت الباب قد انفتح، ولا أرى أحد فتحه من أهل الدار؛ ورأيت رجلا ربعة أسمر إلى الصفرة ما هو قليل اللحم، في وجهه سجادة؛ عليه قميصان وإزار رقيق، قد تقنّع به، وفي رجليه نعل طاق فصعد إلى الغرفة في الدار، حيث كانت العجوز تسكن، وكانت تقول لنا: إنّ في الغرفة ابنة لا تدع أحدا يصعد إليها. فكنت أرى الضوء الذي رأيته يضي‏ء في الرواق، على الدرجة، عند صعود الرجل إلى الغرفة التي يصعدها، ثم أراه في الغرفة من غير أن أرى السراج بعينه.

و كان الذين معي يرون مثل ما أرى، فتوهّموا أن يكون هذا الرجل يختلف إلى ابنة العجوز، وأن يكون قد تمتّع بها، فقالوا:

هؤلاء العلويّة، يرون المتعة، وهذا حرام لا يحلّ فيما زعموا.

و كنّا نراه يدخل ويخرج؛ ونجي‏ء إلى الباب، وإذا الحجر على حاله الذي تركناه وكنّا نغلق هذا الباب خوفا على متاعنا وكنّا لا نرى أحدا يفتحه ولا يغلقه، والرجل يدخل ويخرج، والحجر خلف الباب، إلى وقت ننحّيه إذا خرجنا.

فلمّا رأيت هذه الأسباب ضرب على قلبي، ووقعت في نفسي‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:265

هيبة فتلطّفت العجوز، وأحببت أن أقف على خبر الرجل. فقلت لها: يا فلانة إنّي أحبّ أن أسألك وأفاوضك من غير حضور من معي، فلا أقدر عليه فأنا أحبّ إذا رأيتني في الدار وحدي، أن تنزل إليّ لأسألك عن أمر.

فقالت لي مسرعة: وأنا أريد أن أسرّ إليك شيئا، فلم يتهيّأ لي ذلك من أجل أصحابك.

فقلت: ما أردت أن تقولي؟

فقالت: يقول لك- ولم تذكر أحدا-: لا تخاشن أصحابك وشركاءك، ولا تلاحهم، فإنّهم أعدائك، ودارهم.

فقلت لها: من يقول؟

فقالت: أنا أقول.

فلم أجسر لما دخل قلبي من الهيبة أن أراجعها؛ فقلت: أيّ أصحابي تعنين؟ وظننت أنّها تعني رفقائي الذين كانوا حجاجا معي.

فقالت: شركاؤك الذين في بلدك، وفي الدار معك. وكان جرى بيني وبين الذين معي عنت في الدين؛ فسعوا بي، حتّى هربت واستترت بذلك السبب، فوقفت على أنّها عنت أولئك، فقلت لها:

ما تكونين أنت من الرضا عليه السّلام؟

فقالت: كنت خادمة للحسن بن عليّ- صلوات اللّه عليهما-.

فلما استيقنت ذلك، قلت لأسألنّها عن الغائب عليه السّلام، فقلت:

باللّه عليك، رأيته بعينك؟

فقالت: يا أخي، لم أره بعيني فإنّي خرجت وأختي حبلى،

                       

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:266

و بشّرني الحسن بن عليّ عليه السّلام بأنّي سوف أراه في آخر عمري، وقال لي: تكونين له كما كنت لي. وأنا اليوم منذ كذا بمصر، وإنّما قدمت الان بكتابة ونفقة وجّه بها إليّ، على يد رجل من أهل خراسان لا يفصح بالعربية، وهي ثلاثون دينارا، وأمرني أن أحجّ سنتي هذه، فخرجت رغبة منّي في أن أراه.

فوقع في قلبي أنّ الرجل الذي كنت أراه يدخل ويخرج هو هو. فأخذت عشرة دراهم صحاحا، فيها سكّة رضوية من ضرب الرضا عليه السّلام قد كنت خبأتها لألقيها في مقام إبراهيم عليه السّلام، وكنت نذرت ونويت ذلك. فدفعتها إليها، فقلت في نفسي: أدفعها إلى قوم من ولد فاطمة عليها السّلام أفضل ممّا ألقيها في المقام، وأعظم ثوابا.

فقلت لها: إدفعي هذه الدراهم إلى من يستحقّها من ولد فاطمة عليها السّلام. وكان في نيّتي أن الذي رأيته هو الرجل، وأنّها تدفعها إليه.

فأخذت الدراهم، وصعدت، وبقيت ساعة، ثم نزلت، فقالت:

يقول لك: ليس لنا فيها حق، اجعلها في الموضع الذي نويت، ولكن هذه الرضوية، خذ منّا بدلها وألقها في الموضع الذي نويت.

ففعلت وقلت في نفسي: الذي أمرت به، من الرجل، ثم كانت معي نسخة توقيع خرج إلى القاسم بن العلا باذربيجان، فقلت لها: تعرضين هذه النسخة على إنسان قد رأى توقيعات الغائب عليه السّلام؟

فقالت: ناولني، فإنّي أعرفه.

فأريتها النسخة، وظننت أنّ المرأة تحسن أن تقرأها. فقالت:

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:267

لا يمكنني أن أقرأها في هذا المكان.

فصعدت الغرفة، ثم أنزلته، فقالت: صحيح. وفي التوقيع:

 «أبشّركم ببشرى ما بشّرت به غيره».

ثم قالت: يقول لك: إذا صلّيت على نبيّك، كيف تصلّي عليه؟

فقلت: أقول: اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وبارك على محمّد وآل محمّد كأفضل ما صلّيت وباركت وترحّمت على إبراهيم وآل إبراهيم، إنّك حميد مجيد.

فقالت: لا، إذا صلّيت فصلّ عليهم كلّهم، وسمّهم.

فقلت: نعم.

فلمّا كان من الغد، نزلت ومعها دفتر صغير، فقالت: يقول لك: إذا صلّيت على النبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم فصلّ عليه وعلى أوصيائه، على هذه النسخة، فأخذتها وكنت أعمل بها. ورأيت عدّة ليال قد نزل من الغرفة وضوء السراج قائم، وكنت أفتح الباب، وأخرج على أثر الضوء، ولا أرى أحدا حتى يدخل المسجد وأرى جماعة من الرجال من بلدان شتّى، يأتون باب هذه الدار فبعضهم يدفعون إلى العجوز رقاعا معهم، ورأيت العجوز قد دفعت إليهم كذلك الرقاع، فيكلمونها وتكلمهم، ولا أفهم عنهم، ورأيت منهم في منصرفنا جماعة في طريقي إلى أن قدمت بغداد.

نسخة الدفتر الذي خرج‏

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أللّهمّ صلّ على محمّد سيّد المرسلين، وخاتم النّبيّين وحجّة

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:268

ربّ العالمين، المنتجب في الميثاق، المصطفى في الظّلال، المطهّر من كلّ آفة البري‏ء من كلّ عيب، المؤمّل للنّجاة المرتجى للشّفاعة، المفوّض إليه دين اللّه، اللّهمّ شرّف بنيانه وعظّم برهانه، وافلج حجّته وارفع درجته، وأضى‏ء نوره وبيّض وجهه، وأعطه الفضل والفضيلة، والمنزلة والوسيلة، والدّرجة الرّفيعة، وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأوّلون والاخرون، وصلّ على أمير المؤمنين ووارث المرسلين، وقائد الغرّ المحجّلين وسيّد الوصيّين، وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على الحسن بن عليّ إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على الحسين إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على عليّ بن الحسين إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على محمّد بن عليّ إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجة ربّ العالمين، وصلّ على جعفر بن محمّد إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على موسى بن جعفر إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على عليّ بن موسى إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على محمّد بن عليّ إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على عليّ بن محمّد إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على الحسن بن عليّ إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، وصلّ على الخلف الهادي المهديّ إمام المؤمنين ووارث المرسلين وحجّة ربّ العالمين، اللّهمّ صلّ على محمّد وأهل بيته الأئمّة الهادين العلماء الصّادقين الأبرار المتّقين، دعائم دينك وأركان توحيدك، وتراجمة وحيك وحججك على‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:269

خلقك، وخلفائك في أرضك، الّذين اخترتهم لنفسك واصطفيتهم على عبادك وارتضيتهم لدينك، وخصصتهم بمعرفتك وجلّلتهم بكرامتك وغشّيتهم برحمتك، وربّيتهم بنعمتك وغذّيتهم بحكمتك، وألبستهم نورك، ورفعتهم في ملكوتك، وحففتهم بملائكتك، وشرّفتهم بنبيّك، صلواتك عليه وآله. أللّهمّ صلّ على محمّد وعليهم صلاة زاكية نامية، كثيرة دائمة طيّبة، لا يحيط بها إلّا أنت، ولا يسعها إلّا علمك، ولا يحصيها أحد غيرك. أللّهمّ وصلّ على وليّك المحيي سنّتك القائم بأمرك، الدّاعي إليك الدّليل عليك، حجّتك على خلقك وخليفتك في أرضك، وشاهدك على عبادك، اللّهمّ أعزّ نصره ومدّ في عمره، وزيّن الأرض بطول بقائه، اللّهمّ اكفه بغي الحاسدين وأعذه من شرّ الكائدين، وازجر عنه إرادة الظّالمين، وخلّصه من أيدي الجبّارين. أللّهمّ أعطه في نفسه وذرّيّته وشيعته، ورعيّته وخاصّته وعامّته وعدوّه وجميع أهل الدّنيا، ما تقرّ به عينه وتسرّ به نفسه، وبلّغه أفضل ما أمّله في الدّنيا والآخرة، إنّك على كلّ شي‏ء قدير.

أللّهمّ جدّد به ما امتحى من دينك، وأحي به ما بدّل من كتابك، وأظهر به ما غيّر من حكمك، حتّى يعود دينك به وعلى يديه غضّا جديدا خالصا مخلصا، لا شكّ فيه ولا شبهة معه، ولا باطل عنده ولا بدعة لديه. أللّهمّ نوّر بنوره كلّ ظلمة، وهدّ بركنه كلّ بدعة، واهدم بعزّه كلّ ضلالة، واقصم به كلّ جبّار، وأخمد بسيفه كلّ نار، وأهلك بعدله جور كلّ جائر، وأجر حكمه على كلّ حكم، وأذلّ بسلطانه كلّ سلطان. أللّهمّ أذلّ كلّ من ناوأه، وأهلك كلّ من عاداه، وامكر بمن كاده، واستأصل من جحده حقّه، واستهان بأمره وسعى في إطفاء نوره، وأراد إخماد ذكره، اللّهمّ صلّ على محمّد المصطفى، وعليّ‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:270

المرتضى، وفاطمة الزّهراء والحسن الرّضا، والحسين المصفّى، وجميع الأوصياء مصابيح الدّجى، وأعلام الهدى ومنار التّقى والعروة الوثقى، والحبل المتين والصّراط المستقيم، وصلّ على وليّك وولاة عهدك، والأئمّة من ولده، ومدّ في أعمارهم وزد في آجالهم، وبلّغهم أقصى آمالهم دينا ودنيا وآخرة، إنّك على كلّ شي‏ء قدير.

يقول السيد علي بن طاووس عن هذه الصلوات: «إذا تركت تعقيب عصر يوم الجمعة لعذر فلا تتركها أبدا لأمر أطلعنا اللّه جلّ جلاله عليه» «1».

دعاء الإمام زين العابدين (ع) عند الزوال من أيام شهر شعبان:

اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد شجرة النّبوّة وموضع الرّسالة ومختلف الملائكة ومعدن العلم وأهل بيت الوحي اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد الفلك الجارية في اللّجج الغامرة يأمن من ركبها ويغرق من تركها المتقدّم لهم مارق والمتأخّر عنهم زاهق واللّازم لهم لاحق اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد الكهف الحصين وغياث المضطرّ المستكين وملجأ الهاربين وعصمة المعتصمين اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد صلاة كثيرة تكون لهم رضا ولحقّ محمّد وآل محمّد أداء وقضاء بحول منك وقوّة يا ربّ العالمين اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد الطّيّبين الأبرار الأخيار، الّذين أوجبت حقوقهم وفرضت طاعتهم وولايتهم. اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد واعمر قلبي بطاعتك ولا تخزني بمعصيتك وارزقني مؤاساة من قتّرت عليه‏

__________________________________________________

 (1) جمال الأسبوع: ص 301.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:271

من رزقك بما وسّعت عليّ من فضلك ونشرت عليّ من عدلك وأحييتني تحت ظلّك وهذا شهر نبيّك سيّد رسلك شعبان الّذي حففته منك بالرّحمة والرّضوان الّذي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يدأب في صيامه وقيامه في لياليه وأيّامه نجوعا لك في إكرامه وإعظامه إلى محلّ حمامه اللّهمّ فأعنّا على الإستنان بسنّته فيه ونيل الشّفاعة لديه اللّهمّ واجعله لي شفيعا مشفّعا وطريقا إليك مهيعا واجعلني له متّبعا حتّى ألقاك يوم القيامة عنّي راضيا وعن ذنوبي غاضيا قد أوجبت لي منك الرّحمة والرّضوان وأنزلتني دار القرار ومحلّ الأخيار «1».

في كل يوم من شهر رمضان المبارك:

إنّ اللّه وملائكته يصلّون على النّبيّ يا أيّها الّذين آمنوا صلّوا عليه وسلّموا تسليما لبّيك يا ربّ وسعديك وسبحانك اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وبارك على محمّد وآل محمّد كما صلّيت وباركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد اللّهمّ ارحم محمّدا وآل محمّد كما رحمت إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد اللّهمّ سلّم على محمّد وآل محمّد كما سلّمت على نوح في العالمين اللّهمّ امنن على محمّد وآل محمّد كما مننت على موسى وهارون اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما شرّفتنا به اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد كما هديتنا به اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد وابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأوّلون والاخرون على محمّد وآله السّلام كلّما

__________________________________________________

 (1) مفاتيح الجنان ص 217.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:272

طلعت شمس أو غربت، على محمّد وآله السّلام كلّما طرفت عين أو برقت على محمّد وآله السّلام كلّما ذكر السّلام، على محمّد وآله السّلام كلّما سبّح اللّه ملك أو قدّسه السّلام على محمّد وآله في الأوّلين والسّلام على محمّد وآله في الاخرين والسّلام على محمّد وآله في الدّنيا والآخرة اللّهمّ ربّ البلد الحرام وربّ الرّكن والمقام وربّ الحلّ والحرام أبلغ محمّدا نبيّك عنّا السّلام اللّهمّ أعط محمّدا من البهاء والنّضرة والسّرور والكرامة والغبطة والوسيلة والمنزلة والمقام والشّرف والرّفعة والشّفاعة عندك يوم القيامة أفضل ما تعطي أحدا من خلقك وأعط محمّدا فوق ما تعطي الخلائق من الخير أضعافا كثيرة لا يحصيها غيرك اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد أطيب وأطهر وأزكى وأنمى وأفضل ما صلّيت على أحد من الأوّلين والاخرين وعلى أحد من خلقك يا أرحم الرّاحمين اللّهمّ صلّ على عليّ أمير المؤمنين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من شرك في دمه اللّهمّ صلّ على فاطمة بنت نبيّك محمّد عليه وآله السّلام ووال من والاها وعاد من عاداها وضاعف العذاب على من ظلمها والعن من آذى نبيّك فيها اللّهمّ صلّ على الحسن والحسين إمامي المسلمين ووال من والاهما وعاد من عاداهما وضاعف العذاب على من شرك في دمائهما اللّهمّ صلّ على عليّ بن الحسين إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه اللّهمّ صلّ على محمّد بن عليّ إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه اللّهمّ صلّ على جعفر بن محمّد إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه اللّهمّ صلّ على موسى بن جعفر إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:273

و ضاعف العذاب على من شرك في دمه اللّهمّ صلّ على عليّ بن موسى إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من شرك في دمه اللّهمّ صلّ على محمّد بن عليّ إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه اللّهمّ صلّ على عليّ بن محمّد إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه اللّهمّ صلّ على الحسن بن عليّ إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وضاعف العذاب على من ظلمه اللّهمّ صلّ على الخلف من بعده إمام المسلمين ووال من والاه وعاد من عاداه وعجّل فرجه اللّهمّ صلّ على القاسم والطّاهر ابني نبيّك اللّهمّ صلّ على رقيّة بنت نبيّك والعن من آذى نبيّك فيها اللّهمّ صلّ على أمّ كلثوم بنت نبيّك والعن من آذى نبيّك فيها اللّهمّ صلّ على ذرّيّة نبيّك اللّهمّ اخلف نبيّك في أهل بيته اللّهمّ مكّن لهم في الأرض اللّهمّ اجعلنا من عددهم ومددهم وأنصارهم على الحقّ في السّر والعلانية اللّهمّ اطلب بذحلهم ووترهم ودمائهم وكفّ عنّا وعنهم وعن كلّ مؤمن ومؤمنة بأس كلّ باغ وطاغ وكلّ دابّة أنت آخذ بناصيتها إنّك أشدّ بأسا وأشدّ تنكيلا «1».

عقيب الصلوات اليومية:

عن أبي نصر البزنطي أنّه قال: قلت للرضا عليه السّلام كيف الصلاة على رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم في دبر المكتوبة؟ وكيف السلام عليه؟

فقال عليه السّلام تقول:

__________________________________________________

 (1) مفاتيح الجنان ص 276.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:274

 «السلام عليك يا رسول اللّه، السلام عليك يا حبيب اللّه، السلام عليك يا صفوة اللّه، السلام عليك يا أمين اللّه، أشهد أنّك رسول اللّه، وأشهد أنّك محمّد بن عبد اللّه، وأشهد أنّك قد نصحت لأمتك وجاهدت في سبيل ربّك وعبدته حتى أتاك اليقين، فجزاك اللّه يا رسول اللّه أفضل ما جزى نبيّا عن أمّته، اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد أفضل ما صلّيت على إبراهيم وآل إبراهيم إنّك حميد مجيد» «1».

__________________________________________________

(1)    عين الحياة للمجلسي ج 2 ص 446.

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:275

 

أشعار الشيخ عبد المنعم الفرطوسي من كتاب «ملحمة أهل البيت»

الصلاة في القرآن‏

         وأتت آية الصلاة عليه           بفم الذكر من إله السماء

         قال عند السؤال كيف نصلّي     بصلاة مفروضة ودعاء

         صلّ ربّي على النبي وبارك    وعلى آل أحمد الأزكياء

         قد أتتنا ثلاثة بعد عشرين        حديثا عنهم من الخبراء

 (ج 1 ص 157)

لا تقبل الصلاة إلّا بالصلاة عليه‏

         قال طه لن يقبل اللّه فرضا             من فروض الصلاة عند الأداء

         قطّ منكم إن لم تصلّوا علينا             فيه حقّا يا معشر الأولياء

 (ج 1 ص 286)

كيفية الصلاة

         سألوه عليك كيف نصلّي            قال طه قولوا بوقت الدعاء

         صلّ ربّي على محمّد حقّا           وعلى آل أحمد النجباء

         وترد الصلاة دون صلاة           وثناء عليه عند الأداء

         فهي شرط القبول حين يؤدي       كل فرض من سائر الحنفاء

 (ج 1 ص 292)

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:276

فضل الصلاة

          والأحاديث في الصلاة عليه           وعلى آل بيته النجباء

          قد رواها كلا الفريقين منّا             فاستفاضت في أمة الحنفاء

          واصطفينا القليل مما رواه             أنس مثل غيره باصطفاء

          قال طه قد زفّ لي جبرئيل           حين وافى بشرى جزيل العطاء

          كل عبد صلّى عليّ حباه              حسنات كثرا بأسنى حباء

          رافعا مثلها له درجات                ماحيا مثلها من الأخطاء

          ويصلّي عليه لطفا فيحظى           من عطاء الباري بخير جزاء

          وهي عند المعراج للعرش فيها       حين تعلو لمنتهى الارتقاء

          كل فرد من الملائك مرّت             فيه صلى عليه بعد الثناء

          وبألفي صلاة يجزي المصلّي         مأة في صبيحة وعشاء

          وله ألف حاجة منه تقضى            بعد تيسيرها بخير قضاء

          وأقل الحاجات مما ذكرنا             عتقه من لظى بيوم البقاء

          وتسمّى الصلاة منّا عليه              دون آل النبي بالبتراء

 (ج 1 ص 302)

الصلاة توجب قضاء الحوائج‏

          صلّ ربّي على نبي البرايا           وعلى آل بيته الأزكياء

          صلوات موصولة طيبات             زاكيات موفورة بالنماء

          دائمات تبقى بغير انقضاء            ما لها منتهى بأي انتهاء

          رب فاجعل هذا لنا خير عون        ونجاح للسّؤل طول البقاء

 (ج 4 ص 133)

ربّ صلّ على محمّد وآل محمّد

         صلّ ربّي عليه في صلوات             زاكيات موفورة في الحباء

                       

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:277

          ليس أزكى منها وأنمى صلاة          منك صلّيتها على الأزكياء

          وصلاة مرضيّة ليس تعلو              صلوات من فوقها باعتلاء

          صلّ ربّي على نبيّك فضلا             بصلاة ترضيه خير ارتضاء

          وازديادا على رضاه وترضيك        وتزداد منك فوق الرّضاء

          وصلاة يا ربّ لا ترتضيها            قطّ إلا لخاتم الأصفياء

          لا ترى غيره بخير صلاة             تجتبيها أهلا بخير اجتباء

          صلّ ربّي عليه أسمى صلاة           وعلى أهل بيته النّجباء

          تتعدّى رضاك بعد اتصال             في علاك الباقي بدون فناء

          مثلما ليس تنتهي كلمات              منك لا تنتهي بأيّ انتهاء

          وصلاة الرّسل الكريمة طرّا          ورجال الرشاد والأمناء

          وصلاة العباد إنسا وجنّا             والّذي قد أجبته في الدّعاء

          وجميع الّذي برأت من الخلق         ابتداعا في ساعة الإنشاء

          صلّ ربّي على نبيّك طه             وعلى أهل بيته الشّفعاء

          بصلاة تحيط منها بماض             وتليد مستأنف في الأداء

          صلّ فضلا عليه خير صلاة          لك موصولة بخير ثناء

          ولمن كان من عبادك طرّا            دون علياك في رفيع العلاء

          معها منشئا هدى صلوات             زاكيات قد ضوعفت في العطاء

          وازدهاء على مرور اللّيالي           وكرور الأيام والاناء

          بتضاعيف لا تعدّ وتحصى           بدا من سواك طول البقاء

 (ج 4 ص 258)

ربّ صلّ على أطائب أهل بيته‏

          صلّ ربّي على الأطائب منه         وهم خير عترة أزكياء

          ألّذين اصطفيتهم باختيار             منك للأمر في أتمّ اصطفاء

          خازني العلم حافظي خير دين        لك في الأرض خيرة الخلفاء

          حجج الحقّ في العباد بفضل          منك طهّرتهم من الأقذاء

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:278

         حين صيّرتهم وسيلة فوز             وطريقا لجنّة الأتقياء

 (ج 4 ص 259)

أجزل لهم الكرامة

          صلّ ربّي عليه خير صلاة         وعلى أهل بيته الأمناء

          لهم تجزل الكرامة فيها             تحفة بعد تحفة باقتفاء

          وبها تكمل النّوافل طرّا           والعطايا من سائر الأشياء

          وتوفّي من العوائد فيها            حظّهم في إفادة وحباء

 (ج 4 ص 259)

صلّ عليهم صلاة ترضيك وترضيهم‏

          صلّ ربّي عليهم وعليه             بصلاة لا تنتهي بانتهاء

          ما لها غاية ولا حدّ فيها            أمد في نهاية وابتداء

          زنة العرش مل‏ء كل سماء          والّذي دونه وفوق السّماء

          عدد الأرض والذي هو تحت     الأرض أو بينها بكلّ فناء

          بصلاة تدنيهم لك زلفى             وثوابا بدون أيّ تنائي‏

          وهي ترضيهم وترضيك حمدا    باتصال فيها مع النّظراء

 (ج 4 ص 260)

الصّلاة على النبيّ وآله في التشهد

          ذهب الأكثرون فيما أتانا             من عيون الرّواة والفقهاء

          لوجوب الصّلاة منّا عليه             وعلى آل بيته النجباء

          أبدا في تشهّد الفرض مهما           قد أتى في فريضة غرّاء

          وروى جابر فروّى عطاشا          من كؤوس الولا بأصفى رواء

          عن أبي جعفر حديثا شريفا           قد رواه عن خاتم الأنبياء

          إنّ من جاء منكم في صلاة           مستدينا بها لربّ السّماء

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:279

          لا يصلّي عند التشهّد فيها           حين يأتي فيها بوقت الأداء

          بصلاة عليّ تكمل فيها              وعلى آل بيتي الأذكياء

          قطّ لا تقبل الفريضة منه           عند ربّ الورى بيوم الجزاء

 (ج 5 ص 274)

و لركن الطائفة السيد مهدي بحر العلوم:

          «يا أهل بيت رسول اللّه حبكم»         حبّ الرّسول ومن بالحقّ أرسله‏

          أجر الرسالة عند اللّه ودّكم             «فرض من اللّه في القرآن أنزله»

          «كفاكم من عظيم الشأن أنكم»           قد أكمل الدين فيكم يوم أكمله‏

          وأنكم بشهادات الصلاة لكم            «من لم يصلّ عليكم لا صلاة له»

و لاية اللّه العظمى السيد شهاب الدين المرعشي النجفي:

          يا ربّ صلّ على النبي وآله             ما لاح برق في الأباطح أو خبا

          يا ربّ صلّ على النبي وآله             ما قال ذو كرم لضيف مرحبا

          يا ربّ صلّ على النبي وآله             ما أمت الزوّار طيبة يثربا

          يا ربّ صلّ على النبي وآله             ما غرّدت في الايك ساجعة الربا

          يا ربّ صلّ على النبي وآله             ما كوكب في الجو قابل كوكبا

          يا ربّ صلّ على النبي وآله             سفن النجاة الغرّ أصحاب العبا

          يا ربّ صلّ على النبي وآله             في الحشر إذ يتسائلون عن النبا «1»

و للشيخ فضل سرور:

          يا قلب ما لي لا أراك ترنّم             واليوم قد ولد الرسول الأكرم‏

          ان كنت معلولا فذكر محمد             للمدنفين السادرين البلسم‏

          لا تجعلن مغناك لحدا مظلما            شرّعه للشمس التي تتبسّم‏

          مزّق غواشي الهمّ واصدح بالورى    ميلاد من ضاء الدياجي عظّموا

__________________________________________________

 (1) إحقاق الحق ج 9 ص 641.

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:280

          فاللّه عظمه وأعلى شأنه             بين الذين ذرى الفخار تسنّموا

          هو سيّد الدنيا وسيّد أهلها            وعلى جميع الأنبياء مقدّم‏

          وعليه صلّى الله في قرآنه           فعليه صلّوا يا قلوب وسلّموا

          يا قلب صلّ على النبيّ وآله         ما دمت أنسام الإبا تتنسّم‏

          سلّم وصلّ على النبيّ وآله          ما زيّنت جوّ السماء الأنجم‏

          سلّم وصلّ على النبي وآله          ما طاف حول البيت فخرا محرم‏

          سلّم وصلّ على النبيّ وآله          ما أروت الصادي فراتا زمزم‏

          ان الصلاة على النبيّ محبة           سكنت فؤادا بالهداة متيّم‏

          وتواصل حيث القلوب إلى اللقا       تهفو وإن عاق السير تجشّم‏

          وكرامة تغني المحبّ بفيضها         من نال من فيض الهنا لا يندم‏

          وفضيلة يوم اللقا إذ إنّها              تهب الجداوى وهي نعم المغنم‏

          وفريضة حيث الصلاة بفقدها         من بين أركان التشهد تعدم‏

          هي للمؤمنين الزاد إن هم أخلصوا     وبها الثواب مكمّل ومتمّم‏

          وهي انتماء للرسول وآله            يا ويح من جحدوا ولمّا ينتموا

          وهي احتماء بالمكارم والهدى        والعزّ يحصده الذين قد احتموا

          هي زينة لمحدّث متفوّه                فخطاب حاذفها بيان أجذم‏

          من بعد ذكر اللّه مبتدأ بها              طيب الحديث وبها التكلّم يختم‏

          هذا فمي يا قلب رهن إشارة           متفهّما ولك الزّمام يسلّم‏

          ذكر الرسول إذا سمعت فناده          بمحبة: أطلق صلاة يا فم‏

          من لم يصلّ على الرسول إذا سرى   ذكر الحبيب بمسمعيه مذمّم‏

          هو أول البخلاء في شرع السما       ولبخله يوم القيامة معدم‏

 وله حفظه المولى:

         إن المجالس لو طلبت علاها           بالاي والذكر الحكيم غناها

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:281

          وإذا ذكرنا المصطفى في مجلس      صلّوا على خير البرية طه‏

          لو لا أقمنا للحسين مجالسا            فكأنما دين النبي أقيما

          وإذا ذكرنا المصطفى في مجلس      صلّوا عليه وسلّموا تسليما

          طه النبي الأكرم                     بين الورى والأعظم‏

          وإذا ذكرنا المصطفى               صلّوا عليه وسلّموا

          عطر المجالس قد ظهر              من فوح آيات السور

          من كل ما باللّه موصول             وبالخير انذكر

          وإذا رددتم عبقة                    صلّوا على خير البشر

 وله سلّمه اللّه تعالى:

         صلّوا عليه وسلّموا تسليما

 

          زاد الإله محمّدا تعظيما             لمّا اصطفاه معلّما وحكيما

          وغدا صراطا للأنام قويما          إذ بيّن التحليل والتحريما

                               وعليه سلّم ربنا تسليما

 

          طه رسول الحقّ عنوان الهدى             رمز الفضائل والمكارم والنّدى‏

          وله الدّنى سجدت على طول المدى        وليسمع اللحن المرجّع بالصّدى‏

                                   صلّت عليه وسلّمت تسليما

 

          حتى الملائك في السموات العلى            قد شاهدت بدرا بهيّا قد علا

          وحظيرة القدس الإلهيّ اعتلى               ولأنه طه الذي زان الملا

                                  صلّت عليه وسلّمت تسليما

 

          والأنبياء جميعهم قد كرّموه           ولعلمه ولفضله قد عظّموه‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:282

         وعليهم بصلاتهم قد قدّموه             ولنيلهم من ربّهم شرفا رجوه‏

                                صلّوا عليه وسلّموا تسليما

 

          والأوصيا أبناؤه عين النقا             من حبّهم رهن بإبعاد الشّقا

          وجدوه أنسا في المجالس واللقا       وليستمرّ بذكره فوح التّقى‏

                                صلّوا عليه وسلّموا تسليما

 

          إنّ الصلاة على النبي المصطفى        أجر وتكريم ومصداق الوفا

          فمحمّد من كان رمزا للصفا             صلّى على المبعوث نورا واحتفى‏

                                   وعليه كان مسلّما تسليما

 

          يا أيّها الناس الذين تودّدوا             لمحمّد فخر الرجال محمّد

          فبقربه يلقى الهدى والسّؤدد           ولتطهر الزّلفى ويحلو المورد

                              صلّوا عليه وسلّموا تسليما

و للشيخ حسن خروبي العاملي:

         من معدن الفيض، فاضت الصلوات                 على روح الحبيب بالتسليم والبركات ...

         صلاة تطوف به كفراشات صبح سابحات           إذا ما لامست طيفه غدت سكرى ضائعات ...

         حبيب، أحمد هو خير الورى وليّ مولى الكائنات    من صلّى عليه فخرا حباه اللّه بالحسنات ...

         أحمد نور العلى حبل النجاة                         تمسّك به تنل شفاعته يوم الندامة والحسرات ...

         وإن رمت السعادة بعد الممات                      وال آله ثقل الإله في الظلمات ...

         وعقّب بذكرهم كل فريضة                         ملعون من بخل عليهم بالصلوات ...

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:283

         سل بلابل التين ما أشعارهم والصادحات          بغير ذكر طه ما طابت الأمسيات ..

         وسل الفردوس وكل الفانيات                      ما طرب إلّا بألحان الصلاة الهادئات ...

         وسر في الروض بين                              الورد لملم النسمات‏

          ألثم الطيب وأرسل شذاه إلى                      قبر الحبيب مع العابرات ...

         قبر طه قصر الحور والأملاك                     حضن الأمان في النائبات‏

          واشدد حيازيمك إليه شوقا                         واهتف بالصلاة عليه بأعلى الأصوات ....

 

من أشعار خادم أهل البيت عليهم السّلام الخطيب الحسيني السيد مرتضى محسن الحسني «أبو حسنين»:

         يا وافدين لحفلنا تكريما                   لمحمد ولاله تعظيما

          ان عطّر الدنيا عبير محمد              صلّوا عليه وسلّموا تسليما

          طرب الزمان بسحر صوت المنشد      لمديح خير الأنبياء الأمجد

          وكأنه بلسان حال فؤاده                 نادى بكل موّحد متوّدد

          إن مرّ ذكر المصطفى في مجلس       أدم الصلاة على النبيّ محمّد

          قلبي بكم يا آل طه مغرم               وبحبّكم أنا ذائب ومتيّم‏

          ولأجلكم بين الأنام أكرّم               فإذا وقفت بمدحكم أترنّم‏

          صلّى الجميع على النبيّ وسلّموا

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:284

قال صفي الدين الحلي:

          بلغ العلى بكماله             كشف الدجى بجماله‏

          حسنت جميع خصاله        صلّوا عليه وآله‏

و قال أبو نواس:

         مطهّرون نقيّات ثيابهم             تجري الصلاة عليهم كلّما ذكروا

و قيل في تخميس أبيات الشافعي:

          قلبي يروم نجاة في ولاءكم             وبالشفاعة ربّ البيت خصّكم‏

          فلنسأل الشمس هل ردّت لغيركم        يا آل بيت رسول اللّه حبّكم‏

          فرض من اللّه في القرآن أنزله         كفاكم من عظيم القدر أنّكم‏

          من لم يصلّ عليكم لا صلاة له‏

 

          أبناء فاطم روح القدس عبدكم             وثابت حول عرش اللّه اسمكم‏

          أقول والقلب لا يهديه غيركم             «يا آل بيت رسول اللّه حبكم»

          «فرض من اللّه في القرآن أنزله»         المصطفى خير خلق اللّه جدّكم‏

          والمرتضى والد والطهر أمكم            وبعد ذكر إله الخلق ذكركم‏

          «كفاكم من عظيم الشأن أنكم               من لم يصلّ عليكم لا صلاة له»

          أدم الصلاة على الحبيب محمّد             فقبولها حتم بدون تردد

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:285

         كل الصلاة بين القبول وردها             مرهونة إلّا الصلاة على الحبيب محمّد

          آل طه طهّروا من دنس                  ورفعوا أعلى الدرجات‏

          فإذا ما ذكروا في مجلس                  فارفعوا أصواتكم بالصلوات‏

          إن لم تصلّ على النبي وآله             بطلت وردّت منك كل صلاة

          فالهج بذكرهم وصلّ عليهم              في كل أمسية وكل غداة

          واجعل صلاتك وردك الباقي            فقد عرف المحبّ بكثرة الصلوات‏

          اللّه فضّل أحمدا وحباه                  ما كان يخلق عالما لولاه‏

          أمر الخلائق بالصلاة على النبي         بمحمّد تتعطّر الأفواه‏

          اخفض جناحك وانتقل بفؤادي          وإلى المدينة سر به يا حادي‏

          اليوم قد ولد الوصي المجتبى            وأنار أركان السما والوادي‏

          قم واملأ الدنيا أريج محبة              بشذا الصلاة على النبي الهادي‏

 

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:286

أهم مصادر الكتاب‏

القرآن الكريم‏

نهج البلاغة/ خطب ورسائل وكلمات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السّلام جمعه الشريف الرضي‏

الصحيفة السجادية/ أدعية الإمام زين العابدين عليه السّلام‏

1- إحقاق الحق/ القاضي نور الدين التستري‏

2- الأربعون حديثا/ الشيخ محمد باقر المجلسي‏

3- الشموس الطالعة في شرح الزيارة الجامعة/ السيد حسين الهمداني الدرودابادي‏

4- أصول الكافي/ الشيخ محمد يعقوب الكليني‏

5- الصلاة على محمد وآل محمّد في الكتاب والسنة/ السيد حسين الصدر

6- الأنوار النعمانية/ السيد نعمة اللّه الجزائري‏

7- بحار الأنوار/ الشيخ محمد باقر المجلسي‏

8- تفسير نور الثقلين/ الشيخ عبد علي الحويزي‏

9- ثواب الأعمال وعقابها/ الشيخ علي دخيّل‏

10- جمال الأسبوع/ السيد علي بن طاووس‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:287

11- دار السلام في تعبير الرؤيا والمنام/ الشيخ النوري‏

12- روضات الجنات/ الشيخ محمد باقر الخوانساري 13- رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين/ السيد علي خان الحسيني‏

14- سر السعادة/ السيد أحمد الروحاني‏

15- سفينة البحار/ الشيخ عباس القمي‏

16- فضائل الخمسة من الصحاح الستة/ السيد مرتضى الفيروز آبادي‏

17- كنز العرفان في فقه القرآن/ المقداد السيوري‏

18- لألي‏ء الأخبار/ الشيخ محمد نبي التويسركاني‏

19- مرآة العقول/ الشيخ محمد باقر المجلسي‏

20- مستدرك الوسائل/ الشيخ النوري‏

21- مصابيح الأنوار/ السيد عبد اللّه شبّر

22- مفتاح الفلاح في شرح دعاء الصباح/ الشيخ محمد اسماعيل المازندراني‏

23- منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة/ ميرزا حبيب اللّه الخوئي‏

24- مواهب الرحمن في تفسير القرآن/ السيد عبد الأعلى السبزواري‏

25- ميزان الحكمة/ الشيخ محمدي الريشهري‏

26- وسائل الشيعة/ الحرّ العاملي‏

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:288

الفهرست‏

المقدمة 9

الفصل الأول: فلسفة الصلاة على محمّد وآل محمّد 17

تمثل الشكر والمعرفة 19

التصديق بالروايات الشريفة 21

معرفة النبي (ص) والأئمة (ع) 22

علّة الخلق 24

أول الخلق 28

أفضل الخلق 30

الواسطة في الفيض 38

لهم الولاية التشريعية والتكوينية 40

حديث: معرفة الإمام بالنورانية 72

تمثل الارتباط بالمعصومين (ع) 79

تمثل الولاية والبراءة 81

تكملة في التبرّي من الكفّار 87

الدلالة على الإمامة 89

الفصل الثاني: معنى الصلاة على محمّد وآل محمّد 91

آل محمّد 96

الفصل الثالث: خواص الصلاة على محمّد وآل محمّد 107

1- تلبية نداء اللّه تعالى ورسوله 109

2- أنها من تمام الصلاة 110

3- زيادة الحسنات 111

4- أنها من أفضل الأعمال 117

5- تثقل الميزان 120

6- كفّارة الذنوب 124

7- الخروج من الظلمات إلى النور 127

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:289

8- أنها ترفع النفاق 130

9- تطرد الشياطين 132

من هو الشيطان 133

شياطين الجن والإنس 135

عداوة الشيطان 136

ما يطرد الشيطان 141

10- توجب محبة اللّه تعالى والقرب من النبي (ص) 149

التقرّب بالإيمان والعمل الصالح 151

الطاعة للّه تعالى وترك المعصية 154

الاتباع اللفظي والعملي للنبي وآله المعصومين (ع) 156

حب الرسول وأهل بيته (ع) 159

11- أنها تعين على أهوال الآخرة 160

12- أنها من موجبات الشفاعة 161

معنى الشفاعة 161

الشفعاء في القيامة 161

من يشفع له 164

مراتب الشفاعة 165

13- أنها توجب استجابة الدعاء 167

شروط استجابة الدعاء 169

14- أنّها توجب قضاء الحوائج 174

15- توجب التذكّر بعد النسيان 175

16- تزيل الفقر وتورث الغنى 176

17- تورث العافية 177

18- توجب رؤية النبي (ص) أو أحد الأئمة أو الموتى في المنام 179

الفصل الرابع: فائدة الصلاة على محمّد وآل محمّد 181

من يستحق اللعن 191

فائدة اللعن 192

الفصل الخامس: أحكام الصلاة على محمّد وآل محمّد 195

                        النور المبين في فضل الصلاة على محمد وآله الطاهرين ،ص:290

الصلاة على محمّد وآله في الصلاة الواجبة 198

في خطبة صلاة الجمعة 200

مواضع الاستحباب 201

1- كلّما ذكر النبي (ص) 201

2- عند الركوع والسجود 202

3- في القنوت 203

4- عقيب الصلاة 203

5- بعد صلاة الفجر 204

6- في سجدة الشكر 204

7- قبل النوم 205

8- عند الاستخارة 206

9- عند الدخول إلى المسجد والخروج منه 206

ثوابها في مواقع عديدة 206

في كل مجلس 206

ختام الكلام والخطابة 208

في الكتاب 209

عند شمّ الرياحين والورود 212

عند العطاس 212

في كل يوم 214

عشية الخميس وليلة الجمعة 214

يوم الجمعة 215

تكملة في حكم الصلاة على سائر الأنبياء (ع) والأوصياء 216

الصلاة على الأولياء والعلماء والمؤمنين 217

تعليم الأولاد الصلاة على محمّد وآل محمّد 219

الفصل السادس: كيفية الصلاة على محمّد وآل محمّد 223

تقديم الصلاة على النبي (ص) إذا ذكر أحد الأنبياء (ع) 225

الصلاة البتراء 226

الخاتمة في الصلوات في الأدعية الشريفة والأشعار 235