مكتبة الإمام الرضا

فهرس الكتاب

 

الإمام يخرج لصلاة العيد

لم يخرج إمام من أئمتنا لصلاة العيد بعد الإمام أمير المؤمنين نتيجة لظروف سياسية قاسية، ولذلك لم يصدر عنهم تعاليم واضحة في كيفية الخروج لصلاة العيد حتى إذا أخذ الرضا ولاية العهد.

وتهيأ الجو السياسي ومهما كان التعليل بأن المأمون كان موعوكاً أو مشغولاً أو ما إلى ذلك.

فقد طلب من الإمام أن يخرج فيصلّي بالناس فامتنع الإمام أشدّ امتناع لأنّه عند دخوله في ولاية العهد شرط أن لا يدخل في شيء من أمور الدولة وبما أن صلاة العيد فيها جانب سياسي رفض أن يكون له شيء منها وطلب من المأمون أن يفي له بالشروط فقال المأمون: إنّما أريد بذلك أن تطمئن قلوب الناس ويعرفوا فضلك.

ولم تزل الرسل تتردد بينهما في ذلك، فلما ألحّ عليه المأمون أرسل إليه: إن أعفيتني فهو أحبّ إليّ وإن لم تعفني أخرج كما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين، فقال له المأمون: أخرج كيف شئت.

ولم يدر في خلد المأمون أنّ الدنيا ستتجاوب مع هذه الصلاة فأمر القوّاد والحجّاب والناس أن يبكّروا إلى باب الرضا (عليه السلام).

فقال: فقعد الناس لأبي الحسن الرضا في الطرقات والسطوح واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه، وصار جميع القوّاد والجند إلى بابه، فوقفوا على دوابهم حتى طلعت الشمس فاغتسل أبو الحسن ولبس ثيابه وتعمّم بعمامة بيضاء من قطن وألقى طرفاً منها على صدره وطرفاً منها بين كتفيه ومسّ شيئاً من الطيب وأخذ بيده عكازه.

وقال لمواليه: افعلوا مثلما فعلته.

فخرجوا بين يديه وهو حاف قد شمّر سراويله إلى نصف الساق وعليه ثياب مشمّرة فمشى قليلاً ورفع رأسه إلى السماء وكبّر وكبّر مواليه معه ثم مشى حتى وقف على الباب، فلما رآه القوّاد والجند على تلك الصورة سقطوا كلهم عن الدواب إلى الأرض، وكان أحسنهم حالاً من كان معه سكين قطع به شرآبة جاجيلته (وهي من النعل تتخذ من الجلد) ونزعها وتحفى وكبر الرضا على الباب وكبّر الناس معه فخيّل إلينا أنّ السماء والحيطان تجاوبه وتزعزت (مرو) بالبكاء والضجيج لما رأوا أبا الحسن وسمعوا تكبيره.

إرجاع الإمام:

وبلغ المأمون ذلك. فقال له الفضل بن سهل ذو الرئاستين يا أمير المؤمنين إن بلغ الرضا المصلّى على هذا السبيل أفتتن به الناس، وخفنا كلّنا على دمائنا فأنفذ إليه أن يرجع.

فأنفذ المأمون إليه: قد كلفناك شططاً، وأتعبناك، ولسنا نحب أن تلحقك مشقة، فارجع، وليصل بالناس من كان يصلّي بهم على رسمه.

فدعا أبو الحسن بخفه فلبسه (عليه السلام) وركب ورجع واختلف أمر الناس في ذلك اليوم ولم تنتظم صلاتهم(1).

 

1 - الإرشاد ص 313.