بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين والصلاة
والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين
وبعد فإن أهل البيت (صلوات الله وسلامه) عليهم مفتاح لكل خير،
ومنهل لكل علم، ومربع لكل خلق فاضل، ومرتع لكل ضال جائع، فلا ينفك ذكرهم يملأ
الآفاق وسيرتهم تشرف الأخلاق، وروائع أفعالهم قلائد في الأعناق، فما من إنسان عالم،
سما به علمه، إلاّ وهم أساتذته أيّاً كان وفي أي فرع تكلم.
وقد جهل العالم قدرهم مدّة من الزمن يوم كان الضلال مخيّماً على
ربوعهم، والجهل منتشراً بين أجوائهم وعندما أزيح هذا الحجاب عن أعين الناس
واستبصروا بعد ضلال وجهالة عرفوا ما لأهل هذا البيت من قيمة علمية فريدة.
فكانوا عندما تسنح الفرص لنشر العلوم ينتهزونها ولا يدخرون
وسعاً في تعليم الجاهل وتكريم العالم ونشر العلوم على أي صعيد كان ويكفي عندما سنحت
الفرصة وثنيت الوسادة للإمام الصادق (عليه السلام) مدّة وجيزة من عمره الشريف.
ملأ الكون علوماً حتى لا ترى عالماً في شتى بقاع الدنيا إلاّ
ويفتخر بالانتساب إلى مدرسته سواء أكان تلميذه مباشرة أو غير مباشرة.
وما انفك أهل البيت (عليهم السلام) أصحاب مدرسة مستقلة في ذاتها
فريدة في أسلوبها عميقة في جوهرها وأصالتها فلم يخضعوا رغم شدّة الظروف وحراجتها
يوماً إلى الظلمة أو يساورهم لحظة واحدة حتى قضوا ما بين قتيل وشهيد مشردين في كل
بقاع الدنيا تتشرف بضم جسومهم، والناس بتقبيل ترابهم. وهكذا كانوا مصدر خير لكل أرض
يحلّون بها أو مكان ينزلون به، وسيبقون إلى أن يأخذ الله الأرض ومن عليها قدوة
الأنام وأعلام الإسلام إليهم يقصد القاصدون وعلى موائدهم الفكرية يجلس العلماء
الجائعون.
وإمامنا الإمام الرضا (عليه السلام) الذي عاش مدرسة آبائه
وأجداده بكل ظروفها وأساليبها لم يتجاوزها قيد أنملة بل كان مطبقاً لبنودها أميناً
على أسرارها ناشراً لآرائها وأفكارها.
وكان في عصره أمثولة الحياة وأنشودة الزمن إليه يرجع العالم
والمتعلم والسياسي والطبيب والمهندس وهلم جراً. حتى هز العباقرة بما أعطى من علوم
وحكمة، وكأنه يفيض هذه العلوم إفاضة دون تكلف.
ولم يسأل عن مسألة فلسفية أو فكرية حديثة وقديمة إلاّ وحلها،
ولم يناظر من قبل كبار المفكرين والفلاسفة إلاّ وغلبهم وكان أعلم منهم حتى في
كتبهم. وكان موقفه من السلطة الغاشمة كموقف آبائه من الظلمة والغاصبين، لم يتهاون
ولم يساوم وبقي يقاوم بكل ما أوتي من حول وقوة حتى غدر به فمات مسموماً غريباً
مظلوماً، فذهب إلى ربّه نقي الثوب طاهر الذيل لم يغمز في سلوكه بغمزة واحدة طوال
حياته.
وقد اعترف بزهده وورعه وعلمه وفهمه كل من عاشره وسمعه وقد تأسّى
بسلوكه كل أبنائه في الموقف الصلب أمام تهديد الظالم ولو أدّى إلى سفك دمائهم ولم
يتنازل عن ناموسه ومبدئه.
|