فهرس الكتاب

مكتبة الإمام الرضا

 

الهيات

أمر الخلق بالإقرار(1)

إن سأل سائل فقال: أخبرني هل يجوز أن يكلّف الحكيم عبده فعلاً من الأفاعيل لغير علّة ولا معنا؟

قيل له: ﻻ يجوز ذلك، لأنّه حكيم غير عابث ولا جاهل.

فإن قال قائل: فأخبرني لم كلّف الخلق؟

قيل: للعلل.

فإن قال: فأخبرني عن تلك العلل معروفة موجودة هي، أم غير معروفة ولا موجودة؟

قيل: بل هي معروفة موجودة عند أهلها.

فإن قال قائل: أتعرفونها أنتم، أم ﻻ تعرفونها؟

قيل لهم: منها ما نعرفه، ومنها ما ﻻ نعرفه.

فإن قال قائل: فما أوّل الفرائض؟

قيل: الإقرار بالله وبرسوله وحجّته وبما جاء من عند الله.

فإن قال قائل: لم أمر الخلق بالإقرار بالله وبرسوله وحجّته وبما جاء من عند الله عزّ وجلّ؟

قيل: لعلل كثيرة، منها: أنّ من لم يقرّ بالله عزّ وجلّ لم يتجنّب معاصيه، ولم ينته عن ارتكاب الكبائر، ولم يراقب أحداً فيما يشتهي ويستلذّ من الفساد والظلم، فإذا فعل الناس هذه الأشياء وارتكب كلّ انسان ما يشتهي ويهواه من غير مراقبة لأحد كان في ذلك فساد الخلق أجمعين، ووثوب بعضهم على بعض، فغصبوا الفروج والأموال، وأبا حوا الدماء والسبي، وقتل بعضهم بعضاً من غير حقّ ولا جرم، فيكون في ذلك خراب الدنيا وهلاك الخلق وفساد الحرث والنسل.

ومنها: أنّ الله عزّ وجلّ حكيم، ولا يكون الحكيم ولا يوصف بالحكمة إلاّ الّذي يحظر الفساد ويأمر بالصلاح، ويزجر عن الظلم، وينهى عن الفواحش، ولا يكون حظر الفساد والأمر بالصلاح والنهي عن الفواحش إلاّ بعد الإقرار بالله عزّ وجلّ ومعرفة الآمر والناهي، فلو ترك الناس بغير إقرار بالله ولا معرفة لم يثبت أمر بصلاح ولا نهي عن فساد، إذ ﻻ آمر ولا ناهي.

ومنها: أنّا قد وجدنا الخلق قد يفسدون بامور باطنة مستورة عن الخلق، فلولا الإقرار بالله عزّ وجلّ وخشيته بالغيب لم يكن أحد إذا خلا بشهوته وإرادته يراقب أحداً في ترك معصية وانتهاك حرمة وارتكاب كبير إذا كان فعله ذلك مستوراً عن الخلق بغير مراقب لأحد، وكان يكون في ذلك هلاك الخلق أجمعين، فلم يكن قوام الخلق وصلاحهم إلاّ بالإقرار منهم بعليم خبير يعلم السرّ وأخفى، آمر بالصلاح، ناه عن الفساد، ولا يخفى عليه خافية، ليكون في ذلك انزجار لهم يخلون به من أنواع الفساد.

فإن قال قائل: فلم وجب عليهم الإقرار والمعرفة بأنّ الله تعالى واحد أحد؟

قيل: لعلل، منها: أنّه لو لم يجب ذلك عليهم لجاز لهم أن يتوهّموامدبّرين أو أكثر من ذلك وإذا جاز ذلك لم يهتدوا إلى الصانع لهم من غيره، لأنّ كلّ إنسان منهم ﻻ يدري لعلّه انّما يعبد غير الذي خلقه، ويطيع غير الذي أمره، فلا يكونوا على حقيقة من صانعهم وخالقهم، ولا يثبت عندهم أمر آمر، ولا نهي ناه، إذ ﻻ يعرف الآمر بعينه، ولا الناهي من غيره.

ومنها: أن لوجاز أن يكون اثنين لم يكن أحد الشريكين أولى بأن يعبدو يطاع من الآخر، وفي إجازة أن يطاع ذلك الشريك إجازة أن ﻻ يطاع الله، وفي أن ﻻ يطاع الله عزّ وجلّ الكفر بالله وبجميع كتبه ورسله وإثبات كلّ باطل وترك كلّ حقّ، وتحليل كلّ حرام، وتحريم كلّ حلال، والدخول في كلّ معصية، والخروج من كلّ طاعة، وإباحة كلّ فساد وإبطال كلّ حق.

ومنها: انّه لو جاز أن يكون أكثر من واحد لجاز لإبليس أن يدّعي أنّه ذلك الآخر حتّى يضادّ الله تعالى في جميع حكمه، ويصرف العباد إلى نفسه فيكون في ذلك أعظم الكفر وأشدّ النفاق.

فإن قال قائل: فلم وجب عليهم الإقرار بالله بأنّه ليس كمثله شيء؟

قيل: لعلل، منها، لأن يكونوا قاصدين نحوه بالعبادة والطاعة دون غيره، غير مشبه عليهم ربّهم وصانعهم ورازقهم.

ومنها: أنّهم لولم يعلموا أنّه ليس كمثله شيء لم يدروا لعلّ ربّهم وصانعهم هذه الأصنام الّتي نصبها لهم آباؤهم، والشمس والقمر والنيران، إذا كان جائزاً أن يكون مشبهاً، وكان يكون في ذلك الفساد، وترك طاعاته كلّها، وارتكاب معاصيه كلّها على قدر ما يتناهى إليهم من أخبار هذه الأرباب وأمرها ونهيها.

ومنها: أنّه لولم يجب عليهم أن يعرفوا أنّه ليس كمثله شيء لجاز عندهم أن يجري عليه ما يجري علىالمخلوقين من العجز والجهل والتغيّر والزوال والفناء والكذب والإعتداء، ومن جازت عليه هذه الأشياء لم يؤمن فناؤه ولم يوثق بعدله ولم يحقّق قوله وأمره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه، وفي ذلك فساد الخلق وإبطال الربوبيّة.

انّه ﻻ يحد(2)

قال بعض الزنادقة لأبي الحسن (عليه السّلام): لم احتجب الله؟ فقال أبو الحسن (عليه السّلام):

انّ الحجاب عن الخلق لكثرة ذنوبهم، فأمّا هو فلا تخفى عليه خافية في آناء اللّيل والنهار.

قال: فلم ﻻ تدركه حاسّة البصر؟

قال: للفرق بينه وبين خلقه الذين تدركهم حاسّة الأبصار، ثمّ هو أجلّ من أن تدركه الأبصار أو يحيط به وهم أو يضبطه عقل.

قال: فحدّه لي.

قال: إنّه ﻻ يحدّ.

قال: لم؟

قال: لأنّه كلّ محدود متناه إلى حدّ، فإذا احتمل التحديد احتمل الزيادة، وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان، فهو غير محدود ولا متزايد ولا متجزّ ولا متوهّم.

العالم حادث(3)

أنت لم تكن ثمّ كنت، وقد علمت أنّك لم تكوّن نفسك ولا كوّنك من هو مثلك.

الخلق والتنوّع(4)

عن عليّ بن الحسن بن علي بن فضّال، عن أبيه، عن أبي الحسن الرضا(عليه السّلام)، قال: قلت له: يابن رسول الله لم خلق الله عزّ وجلّ الخلق على أنواع شتّى، ولم يخلقه نوعاً واحداً؟ فقال:

لئلاّ يقع في الأوهام أنّه عاجز فلا تقع صورة في وهم ملحد إلاّ وقد خلق الله عزّ وجلّ عليها خلقاّ، ولا يقول قائل: هل يقدر الله عزّ وجلّ على أن يخلق على صورة كذا وكذا إلاّ وجد ذلك في خلقه تبارك وتعالى فيعلم بالنظر إلى أنواع خلقه أنّه على كلّ شيء قدير.

اعترفت بالواحد(5)

سأل رجل من الثنويّة أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليه السّلام) - وأنا حاضر - فقال له: انّي أقول: انّ صانع العالم اثنان، فما الدليل على أنّه واحد؟ فقال:

قولك: انّه اثنان دليل على أنّه واحد، لأنّك لم تدع الثاني إلاّ بعد إثباتك الواحد، فالواحد مجمع عليه، وأكثر من واحد مختلف فيه.

ليس كمثله شيء(6)

قال بعض الزنادقة لأبي الحسن (عليه السّلام) هل يقال لله: أنّه شيء؟

فقال:

نعم، وقد سمّى نفسه بذلك في كتابه، فقال: (قل أيّ شيء أكبر شهادة، قل الله شهيد بيني وبينكم)(7) فهو شيء ليس كمثله شيء.

سورة التوحيد(8)

كلّ من قرأ قل هو الله أحد وآمن بها فقد عرف التوحيد.

قلت: كيف يقرؤها؟

قال: كما يقرء الناس، وزاد فيه: كذلك الله ربّي، كذلك الله ربّي، كذلك الله ربّي.

إلهي لن يدركوك(9)

إلهي بدت قدرتك ولم تبد هيبتك فجهلوك، وبه قدّروك والتقدير على غير ما به وصفوك، وانّي بريء يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك، ليس كمثلك شيء، إلهي ولن يدركوك، وظاهر ما بهم من نعمك دليلهم عليك لو عرفوك، وفي خلقك يا إلهي مندوحة أن يتناولوك، بل سوّوك، بخلقك فمن ثمّ لم يعرفوك، واتّخذوا بعض آياتك ربّاً فبذلك وصفوك، تعاليت ربّي عمّا به المشبّهون نعتوك.

لا يقاس بالناس(10)

قام رجل إلى الرضا (عليه السّلام) فقال له: يابن رسول الله صف لنا ربّك، فإنّ من قبلنا قد اختلفوا علينا. فقال الرضا (عليه السّلام):

انّه من يصف ربّه بالقياس ﻻ يزال الدهر في الإلتباس، مائلاً عن المنهاج، ظاعناً في الإعوجاج، ضالاً عن السبيل، قائلاً غير الجميل، أعرفه بما عرّف به نفسه من غير رؤية، وأصفه بما وصف به نفسه من غير صورة، ﻻ يدرك بالحواسّ، ولا يقاس بالناس، معروف بغير تشبيه، ومتدان في بعده ﻻ بنظير، ﻻ يمثّل بخليقته، ولا يجور في قضيّته، الخلق إلى ما علم منقادون، وعلى ما سطر في المكنون من كتابه ماضون ولا يعملون خلاف ما علم منهم ولا غيره يريدون، فهو قريب غير ملتزق، وبعيد غير متقص، يحقّق ولا يمثّل، ويوحّد ولا يبعّض، يعرف بالآيات ويثبت بالعلامات، فلا إله غيره الكبير المتعال.

ثمّ قال (عليه السّلام) - بعد كلام آخر تكلّم به -: حدّثني أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن أبيه (عليهم السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال: ما عرف الله من شبّهه بخلقه، ولا وصفه بالعدل من نسب إليه ذنوب عباده.

رفع الله العرش بقدرته(11)

سأل المأمون أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليه السّلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (وهو الّذي خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام، وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً)(12) فقال:

انّ الله تبارك وتعالى خلق العرش والماء والملائكة قبل خلق السماوات والأرض، وكانت الملائكة تستدلّ بأنفسها وبالعرش وبالماء على الله عزّ وجلّ.

ثمّ جعل عرشه على الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فتعلموا أنّه على كلّ شيء قدير.

ثمّ رفع العرش بقدرته ونقله، وجعله فوق السماوات السبع.

ثمّ خلق السماوات والأرض في ستّة أيّام وهو مستولى على عرشه، وكان قادراً على أن يخلقها في طرفة عين، ولكنّه عزّوجلّ خلقها في ستّة أيّام ليظهر للملائكة ما يخلقه منها شيئاً بعد شيء فيستدلّ بحدوث ما يحدث على الله تعالى مرّة بعد مرّة، ولم يخلق الله العرش لحاجة به إليه، لأنّه غنيّ عن العرش وعن جميع ما خلق، لايوصف بالكون على العرش لأنّه ليس بجسم، تعالى عن صفة خلقه علوّاً كبيراً.

يداه مبسوطتان(13)

عن المشرقي، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام)، قال: سمعته يقول: (بل يداه مبسوطتان) فقلت له: يدان هكذا؟ - وأشرت بيديّ إلى يديه - فقال:

ﻻ، لوكان هكذا لكان مخلوقاً.

عالم بالأشياء(14)

الحسين بن بشّار، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليه السّلام) قال: سألته أيعلم الله الشيء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون؟ قال:

انّ الله تعالى هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء، قال عزّ وجلّ: (إنّا كنّا نستنسخ ما كنتم تعملون)(15).

وقال لأهل النار: (ولو ردّوا العادوا لما نهوا عنه وانّهم لكاذبون)(16) فقد علم عزّ وجلّ أنّه لو ردّوهم لعادوا لما نهو عنه.

وقال للملائكة لمّا قالت: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك قال إنّي أعلم ما ﻻ تعلمون)(17).

فلم يزل الله عزّ وجلّ علمه سابقاً للأشياء قديماً قبل أن يخلقها، فتبارك الله ربّنا وتعالى علوّاً كبيراً، خلق الأشياء وعلمه بها سابق لها كما شاء، كذلك ربّنا لم يزل عالماً سميعاً بصيراً.

خلقهم ليبلوهم(18)

سأل المأمون أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا(عليه السّلام) - في خبر طويل - عن قوله تعالى (ليبلوكم أيّكم أحسن عملاً)(19) فقال (عليه السّلام):

فإنّه عزّ وجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته ﻻ على سبيل الإمتحان والتجربة، لأنّه لم يزل عليماً بكلّ شيء.

كان عارفاً بنفسه(20)

عن محمّد بن سنان، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) هل كان الله عارفاً بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟ قال: نعم. قلت: يراها ويسمعها؟ قال:

ماكان محتاجاً إلى ذلك لأنّه لم يكن يسألها ولا يطلب منها هو نفسه ونفسه هو، قدرته نافذة فليس يحتاج إلى أن يسمّي نفسه، ولكنّه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها لأنّه إذا لم يدع باسمه لم يعرف.

فأوّل ما اختاره لنفسه: (العليّ العظيم) لأنّه أعلى الأشياء كلّها فمعناه الله واسمه العليّ العظيم هو أوّل أسمائه لأنّه علا على كلّ شيء.

خلق الأشياء بقدرة(21)

عن محمّد بن عرفة، قال: قلت للرضا (عليه السّلام): خلق الله الأشياء بالقدرة أم بغير القدرة؟ فقال (عليه السّلام):

ﻻ يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة، لأنّك إذا قلت: خلق الأشياء بالقدرة فكأنّك قد جعلت القدرة شيئاً غيره، وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء وهذا شرك.

وإذا قلت: خلق الأشياء بغير قدرة فإنّما تصفه أنّه جعلها باقتدار عليها وقدرة، ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولامحتاج إلى غيره، بل هو سبحانه قادر لذاته ﻻ بالقدرة.

الدنيا في أصغر من بيضة(22)

جاء رجل إلى الرضا (عليه السّلام) فقال: هل يقدر ربّك أن يجعل السماوات والأرض وما بينهما في بيضة؟ قال:

نعم، وفي أصغر من البيضة، قد جعل في عينك، وهي أقلّ من البيضة، لأنّك إذا فتحتها عاينت السماء والأرض وما بينهما، ولو شاء لأعماك عنها.

ماهي المشيئة؟(23)

المشيئة والإرادة من صفات الأفعال، فمن زعم أنّ الله تعالى لم يزل مريداً شائياً فليس بموحّد.

فاطر الأشياء ومبتدعها(24)

الحمد لله فاطر الأشياء إنشاءاً، ومبتدعها ابتداءاً بقدرته وحكمته، ﻻ من شيء فيبطل الإختراع، ولا لعلّة فلا يصحّ الإبتداع، خلق ما شاء كيف شاء، متوحّداً بذلك لإظهار حكمته وحقيقة ربوبيّته، ﻻ تضبطه العقول، ولا تبلغه الأوهام، ولا تدركه الأبصار، ولا يحيط به مقدار، عجزت دونه العبارة، وكلّت دونه الأبصار، وضلّ فيه تصاريف الصفات، احتجب بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور، عرف بغير رؤية، ووصف بغير صورة، ونعت بغير جسم ﻻ إله إلاّ هو الكبير المتعال.

التناسخ: كفر(25)

من قال بالتناسخ فهو كافر بالله العظيم، مكذب بالجنّة والنار.

الجنين ومراحله(26)

عن البزنطي، قال: سألت الرضا (عليه السّلام) أن يدعو الله عزّ وجلّ ﻻ مرأة من أهلنا بها حمل، فقال: قال أبو جعفر (عليه السّلام):

الدعاء مالم يمض أربعة أشهر.

فقلت له: انّما لها أقلّ من هذا فدعا لها، ثمّ قال: انّ النطفة تكون في الرحم ثلاثين يوماً، وتكون علقة ثلاثين يوماً، وتكون مضغة ثلاثين يوماً، وتكون مخلّقة وغير مخلّقة ثلاثين يوماً، وإذا تمّت الأربعة أشهر بعث الله تبارك وتعالى إليها ملكين خلاّقين يصوّرانه، ويكتبان رزقه وأجله شقيّاً أو سعيداً.

القرآن وإعجازه(27)

ذكر الرضا (عليه السّلام) يوماً القرآن فعظّم الحجّة فيه والآية والمعجزة في نظمه قال:

هو حبل الله المتين، وعروته الوثقى، وطريقته المثلى، المؤدّي إلي الجنّة، والمنجي من النار، ﻻ يخلق على الأزمنة، ولا يغثّ على الألسنة، لأنّه لم يجعل لزمان دون زمان بل جعل دليل البرهان، وحجّة على كلّ إنسان، ﻻ يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

ربّ إذ ﻻ مربوب(28)

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الملهم عباده الحمد، وفاطرهم على معرفة ربوبيّته، الدالّ على وجوده بخلقه، وبحدوث خلقه على أزله، وباشباههم على أن ﻻ شبه له، المستشهد آياته على قدرته، الممتنع من الصفات ذاته، ومن الأبصار رؤيته، ومن الأوهام الإحاطة به، ﻻ أمد لكونه، ولا غاية لبقائه، ﻻ يشمله المشاعر، ولا يحجبه الحجاب، فالحجاب بينه وبين خلقه، لامتناعه ممّا يمكن في ذواتهم، ولإمكان ذواتهم ممّا يمتنع منه ذاته، ولافتراق الصانع والمصنوع، والربّ والمربوب، والحادّ والمحدود، أحد ﻻ بتأويل عدد، الخالق ﻻ بمعنى حركة، السميع ﻻ بأداة، البصير ﻻ بتفريق آلة، الشاهد ﻻ بمماسّة، البائن ﻻ ببراح مسافة، الباطن ﻻ باجتنان، الظاهر ﻻ بمحاذ، الذي قد حسرت دون كنهه نواقذ الأبصار، وامتنع وجوده جوائل الأوهام.

أول الديانة معرفته، وكمال المعرفة توحيده، وكمال التوحيد نفي الصفات عنه، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف، وشهادة الموصوف أنّه غير الصفة، وشهادتهما جميعاً على أنفسهما بالبيّنة، الممتنع منها الأزل، فمن وصف الله فقد حدّه، ومن حدّه فقد عدّه، ومن عدّه فقد أبطل أزله، ومن قال: كيف؟ فقد استوصفه، ومن قال: على م؟ فقد حمله، ومن قال: أين؟ فقد أخلى منه، ومن قال: إلى م؟ فقد وقّته، عالم إذ ﻻ معلوم، وخالق إذ ﻻ مخلوق، وربّ إذ ﻻ مربوب، وإله إذ ﻻ مألوه، وكذلك يوصف ربّنا وهو فوق ما يصفه الواصفون.

مؤيّن الأين(29)

عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر قال: جاء رجل إلى أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) من وراء نهر بلخ فقال: إنّي أسألك عن مسألة فإن أجبتني فيها بما عندي قلت بإمامتك فقال أبو الحسن (عليه السّلام):

سل عمّا شئت.

فقال: أخبرني عن ربّك متى كان وكيف كان وعلى أيّ شيء كان اعتماده؟

فقال أبو الحسن (عليه السّلام): انّ الله تبارك وتعالى أيّن الأين بلا أين وكيف الكيف بلا كيف وكان اعتماده على قدرته. فقام إليه الرجل فقبّل رأسه.

وقال: أشهد أن ﻻ إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله، وأنّ عليّاً وصيّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) والقيّم بعده بما قام به رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنّكم الأئمة الصادقون وأنّك الخلف من بعدهم.

اوّل بقعة(30)

عن محمّد بن سنان: أنّ أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله:

علّة وضع البيت وسط الأرض أنّه الموضع الّذي من تحته دحيت الأرض، وكلّ ريح تهبّ في الدّنيا فانّها تخرج من تحت الركن الشامي وهي أول بقعة وضعت في الأرض، لأنها الوسط ليكون الفرض لأهل المشرق والمغرب سواء.

الازلي الابدي(31)

اعلم - علّمت الله الخير - أنّ الله تبارك وتعالى قديم والقدم صفة دلّت العاقل على أنّه ﻻ شيء قبله، ولا شيء معه في ديموميّته فقد بان لنا بإقرار العامّة مع معجزة الصفة أنّه ﻻ شيء قبل الله ولا شيء مع الله في بقائه.

وبطل قول من زعم أنّه كان قبله أو كان معه شيء، وذلك أنّه لو كان معه شيء في بقائه لم يجز أن يكون خالقاً له، لأنه لم يزل معه فكيف يكون خالقاً لمن لم يزل معه؟

ولو كان قبله شيء كان الأول ذلك الشيء لاهذا، وكان الأول أولى بأن يكون خالقاً للثاني.

تنوّع المخلوقات(32)

عن عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبيه، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: قلت له: لم خلق الله عزّ وجلّ الخلق على أنواع شتّى، ولم يخلقهم نوعاً واحداً؟ فقال:

لئلاّ يقع في الأوهام أنّه عاجز ولا يقع صورة في وهم ملحد إلاّ وقد خلق الله عزّ وجلّ عليها خلقاً لئلاّ يقول قائل:

هل يقدر الله عزّ وجلّ على أن يخلق صورة كذا وكذا لأنه ﻻ يقول من ذلك شيئاً إلاّ وهو موجود في خلقه تبارك وتعالى، فيعلم بالنظر إلى أنواع خلقه أنّه على كلّ شيء قدير.

 

1 - علل الشرائع 1/251 - 256، ب 182، ح 9: حدّثني عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري العطّار، قال: حدّثني أبوالحسن علي بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، قال: قال أبو محمّد الفضل بن شاذان النيسابوري:...

2 - علل الشرائع 1/119، ب 98، ح 1: حدّثنا الحسين بن أحمد، عن أبيه، قال: حدّثنا محمّد بن بندار، عن محمّد بن علي، عن محمّد بن عبد الله الخراساني - خادم الرضا (عليه السّلام) - قال:...

3 - التوحيد 293، ب 42، ح 3. حدّثنا أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار - ره - قال: حدّثنا سعد بن عبد الله، قال: حدّثنا إبراهيم بن هاشم، عن عليّ بن معبد، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليه السّلام)، أنّه دخل عليه رجل فقال له: يابن رسول الله ما الدليل على حدث العالم؟ فقال:...

4 - عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2/75، ب 32، ح 1: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني - رض - قال: حدثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفي،...

5 - التوحيد 269 - 270، ب 36، ح 6: حدّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيسابوري العطّار رضي الله عنه بنيسابور، سنة اثنين وخمسين وثلاثمأة، قال: حدّثنا عليّ بن محمّد بن قتيبة النيسابوري، قال: سمعت الفضل بن شاذان يقول:...

6 - عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 1/134، ب 11، ح 31: حدّثنا الحسين بن أحمد بن إدريس - رض -، عن أبيه، قال: حدثنا محمّد بن بندار، عن محمّد بن علي الكوفي، عن محمّد بن علي الخراساني - خادم الرضا (عليه السّلام) - قال:...

7 - الأنعام: 19.

8 - التوحيد 284، ب 40 ح 3: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدّثني الحسين بن الحسن، قال: حدّثني بكر بن زياد، عن عبد العزيز بن المهتدي، قال: سألت الرضا(عليه السّلام) عن التوحيد، فقال:...

9 - أمالي الصدوق 487، ب 89، ح 2: حدثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، قال: حدّثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سمعت عليّ بن موسى الرضا (عليه السّلام) يقول:...

10 - التوحيد 47/ ب 2، ح 9 و 10: حدّثنا محمّد بن القاسم المفسّر رحمه الله، قال: حدّثنا يوسف بن محمّد بن زياد، وعليّ بن محمّد بن سيّار، عن أبويهما، عن الحسن بن علي بن محمّد بن علي الرضا، عن أبيه، عن جدّه (عليهم السلام)، قال:...

11 - عيون أخبار الرضا 1/ 134، ب 11، ح 33: حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي، قال: حدّثنا أبي، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، قال:...

12 - هود: 7.

13 - معاني الأخبار 18، ب 13، ح 16: حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد - رضي الله عنه - عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن عيسى،...

14 - عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 1/118، ب 11، ح 8: حدثنا عبد الله بن محمّد بن عبدالوهاب القرشي، قال: حدّثنا أحمد بن الفضل بن المغيرة، قال: حدّثنا أبو نصر منصور بن عبد الله بن إبراهيم الاصبهاني، قال: حدّثنا عليّ بن عبد الله، قال: حدّثنا...

15 - الجاثية: 29.

16 - الأنعام: 28.

17 - البقرة: 30.

18 - التوحيد 320 و 321، ب 49، ح 2: حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي، قال: حدّثنا أبي عن أحمد بن علي الأنصاري، عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، قال:...

19 - هود: 7.

20 - عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 1/129، ب 11، ح 24: حدّثنا أبي رضي الله عنه، قال: حدّثنا أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبد الله، عن محمّد بن عبيد الله وموسى بن عمر، والحسن بن عليّ بن أبي عثمان،...

21 - عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 1/117، ب 11، ح 7: حدّثنا محمّد بن أحمد السناني رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدّثنا الحسين بن الحسن، قال: حدّثنا محمّد بن عيسى...

22 - التوحيد 130 - ب 9، ح 11: حدّثنا عليّ بن أحمد بن عبد الله البرقي رحمه الله قال: حدّثنا أبي، عن جدّه أحمد بن أبي عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، قال:...

23 - التوحيد 337، ب 55، ح 5: حدثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه قال: حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار، عن محمّد بن عيسى بن عبيد، عن سليمان بن جعفر الجعفري، قال: قال الرضا (عليه السّلام):...

24 - علل الشرائع 1/9 - 10، ب 9، ح 3: حدّثنا محمّد بن علي ما جيلويه رضي الله عنه، قال: حدّثنا محمّد بن يحيى العطّار، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمّد بن زيد، قال: جئت إلى الرضا(عليه السّلام) أسأله عن التوحيد، فأملى عليّ:...

25 - عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2/ 202، ب 46، ح 1: حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي - رضي الله عنه - قال: حدّثني أبي، قال: حدّثنا أحمد بن علي الأنصاري، عن الحسن بن الجهم، قال: قال المأمون للرضا (عليه السّلام): يا أبا الحسن فما تقول في القائلين بالتناسخ؟ فقال الرضا (عليه السّلام):...

26 - قرب الإسناد 154 - 155: أحمد بن محمّد بن عيسى،...

27 - عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2/130، ب 35، ح 9: حدّثناالحاكم أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي، عن محمّد بن يحيى الصوليّ، عن محمّد بن موسى الرازي، عن أبيه قال:...

28 - التوحيد 56، ب 2، ح 14: حدّثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقّاق رحمه الله، قال: حدّثنا محمّد بن أبي عبد الله الكوفي، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدّثني عليّ بن العبّاس، قال: حدّثني جعفر بن محمّد الأشعريّ، عن فتح بن يزيد الجرجاني، قال: كتبت إلى أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) اسأله عن شيء من التوحيد، فكتب إليّ بخطّه - قال جعفر -: وانّ فتحاً أخرج إليّ الكتاب فقرأته بخطّ أبي الحسن (عليه السّلام):...

29 - اصول الكافي 1/88، ح 2: عدة من اصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن خالد،...

30 - علل الشرائع 2/396، ب 134، ح 1: حدثنا عليّ بن أحمد بن موسى قال: حدثنا محمّد بن أبي عبد الله، عن محمّد بن اسماعيل، عن عليّ بن العباس، عن القاسم بن الربيع الصحاف...

31 - التوحيد 186 - 187، ب 29، صدر ح 2، واصول الكافي 1/120، صدر ح 2: حدثنا عليّ بن أحمد بن محمّد بن عمران الدقاق قال: حدثنا محمّد بن يعقوب الكليني قال: حدثنا عليّ بن محمّد، عن محمّد بن عيسى، عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) أنه قال:...

32 - علل الشرائع 1/14، ب 9، ح 13: حدثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني، قال: حدثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفي،...