فهرس الكتاب

مكتبة الإمام الرضا

 

طب

علاج اليرقان(1)

حماد بن مهران البلخي قال: كنّا نختلف إلى الرضا (عليه السّلام) بخراسان فشكى إليه يوماً من الأيام شابّ منّا اليرقان، فقال: خذ (خيار بادرنج) فقشّره ثمّ اطبخ قشوره بالماء، ثمّ اشربه ثلاثة أيام على الريق، كلّ يوم مقدار رطل، فأخبرنا الشابّ بعد ذلك أنّه عالج به صاحبه مرتين فبرأ باذن الله تعالى.

الوقاية والاحتماء(2)

ليس الحمية من الشيء تركه، انّما الحمية من الشيء الاقلال منه.

القصد في الأكل(3)

لو أنّ الناس قصروا في الطعام لاستقامت أبدانهم.

لدفع المغص(4)

عن محمّد بن إبراهيم الجعفي، قال: شكى رجل إلى أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليه السّلام) مغصاً كاد يقتله وسأله أن يدعو الله عزّ وجلّ له، فقد أعياه كثرة ما يتخذ له من الادوية، وليس ينفعه ذلك بل يزداد عليه شدّة. قال: فتبسم (عليه السّلام) وقال: ويحك، انّ دعاءنا من الله بمكان، وانّي أسأل الله أن يخفف عنك بحوله وقوّته، فإذا اشتدّت بك الأمر والتويت منه فخذ جوزة واطرحها على النار حتّى تعلم أنّها قد اشتوى ما في جوفها وغيرت النار قشرها، كلها فانّها تسكن من ساعتها.

قال: فوالله ما فعلت ذلك إلاّ مرّة واحدة، فسكن عنّي المغص باذن الله عزّ وجلّ.

الهندباء شفاء(5)

الهندباء شفاء من ألف داء ما من داء في جوف ابن آدم إلاّ قمعه الهندباء.

قال: ودعا به يوماً لبعض الحشم وكان تأخذه الحمّى والصداع فأمر أن يدقّ وصيّره على قرطاس وصبّ عليه دهن البنفسج ووضعه على جبينه ثمّ قال:

أما انّه يذهب بالحمّى وينفع من الصّداع ويذهب به.

الرسالة الذهبية(6)

حدّثنا الحسن بن محمّد بن جمهور، قال: حدّثني أبي وكان عالماً بأبي الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليه السّلام) خاصّة به، ملازماً لخدمته، وكان معه حين حمل من المدينة إلى أن سار إلى خراسان واستشهد عليه الصلاة والسلام بطوس وهو ابن تسع وأربعين سنة. قال: وكان المأمون بنيسابور، وفي مجلسه سيّدي أبو الحسن الرضا (عليه السّلام) وجماعة من المتطببين، والفلاسفة، مثل: يوحنّا بن ماسويه وجبرئيل بن بختيشوع وصالح بن سلهمة الهندي، وغيرهم من منتحلي العلوم وذوي البحث والنظر، فجرى ذكر الطبّ وما فيه صلاح الاجسام وقوامها. فأغرق المأمون ومن بحضرته في الكلام وتغلغلوا في علم ذلك وكيف ركّب الله تعالى هذا الجسد، وجميع ما فيه من هذه الأشياء المتضادة من الطبائع الأربع، ومضّار الاغذية ومنافعها، وما يلحق الاجساد من مضارها من العلل. قال: وأبو الحسن (عليه السّلام) ساكت ﻻ يتكلم في شيء من ذلك فقال له المأمون: ما تقول يا ابا الحسن في هذا الأمر الّذي نحن فيه هذا اليوم، والذي ﻻ بدّ منه من معرفة هذه الأشياء، والاغذية، النافع منها والضارّ، وتدبير الجسد؟ فقال: أبو الحسن (عليه السّلام): عندي من ذلك ما جرّبته وعرفت صحته بالاختبار ومرور الأيام، مع ما وقفني عليه من مضى من السلف، ممّا ﻻ يسع الانسان جهله، ولا يعذر في تركه، فأنا أجمع ذلك مع ما يقاربه مما يحتاج إلى معرفته. قال: وعاجل المأمون الخروج إلى بلخ، وتخلّف عنه أبو الحسن (عليه السّلام) وكتب المأمون إليه كتاباً يتنجزّه ما كان ذكره مما يحتاج إلى معرفته من جهته على ما سمعه منه وجربه من الأطعمة والأشربة وأخذ الأدوية والفصد والحجامة والسواك والحمام والنورة والتدبير في ذلك. فكتب الرضا (عليه السّلام) إليه كتاباً نسخته:

بسم الله الرحمن الرحيم. اعتصمت بالله، أمّا بعد... اعلم أن الله عزّ وجلّ لم يبتل الجسد بداء حتّى جعل له دواء يعالج به، ولكل صنف من الداء صنف من الدواء وتدبير ونعت، وذلك أنّ الاجسام الانسانية جعلت على مثال الملك فملك الجسد هو القلب، والعمّال العروق والاوصال والدماغ، وبيت الملك قلبه وأرضه الجسد، والاعوان يداه ورجلاه وشفتاه وعيناه ولسانه واذناه وخزانته معدته وبطنه، وحجابه صدره.

فاليدان عونان يقرّبان ويبعدان ويعملان على ما يوحي اليهما الملك والرجلان تنقلان الملك حيث يشاء.

والعينان تدلاّنه على ما يغيب، عنه، لأنّ الملك من وراء الحجاب ﻻ يوصل إليه شيء إلاّ بهما، وهما سراجان أيضاً، وحصن الجسد وحرزه الاذنان ﻻ يدخلان على الملك إلاّ ما يوافقه، لأنهما ﻻ يقدران أن يدخلان شيئاً حتّى يوحى الملك اليهما فإذا أوحى الملك اليهما أطرق الملك منصتاً لهما حتّى يسمع منهما.

ثمّ يجيب بما يريد فيترجم عنه اللسان بأدولت كثيرة، منها ريح الفؤاد وبخار المعدة، ومعونة الشفتين وليس للشفتين قوّة إلاّ بالاسنان وليس يستغنى بعضها عن بعض.

والكلام ﻻ يحسن إلاّ بترجيعه في الانف، لأنّ الانف يزين الكلام كما يرين النفخ في المزمار وكذلك المنخران، وهما ثقبتا الانف، يدخلان على الملك مما يحب من الرياح الطيبة فإذا جاءت ريح تسوء على الملك أوحى إلى اليدين فحجبا بين الملك وتلك الريح.

وللملك مع هذا ثواب وعقاب، فعذابه اشدّ من عذاب الملوك الظاهرة القاهرة في الدنيا، وثوابه أفضل من ثوابهم!

فأمّا عذابه فالحزن، وأما ثوابه فالفرح، وأصل الحزن في الطحال وأصل الفرح في الثرب والكليتين، ومنهما عرقان موصلان إلى الوجه.

فمن هناك يظهر الفرح والحزن فترى علامتهما في الوجه، وهذه العروق كلها طرق من العمال إلى الملك ومن الملك إلى العمال، ومصداق ذلك أنّك إذا تناولت الدواء أدتّه العروق إلى موضع الداء باعانتها.

(من آداب الطعام)

واعلم أنّ الجسد بمنزلة الأرض الطيبة، متى تعوهدت بالعمارة والسقي من حيث ﻻ يزداد في الماء فتغرق، ولا ينقص منه فتعطش، دامت عمارتها وكثر ريعها وزكى زرعها، وان تغوفل عنها فسدت، ولم ينبت فيها العشب فالجسد بهذه المنزلة.

وبالتدبير في الاغذية والاشربة يصلح ويصح وتزكو العافية [فيه] فانظر ما يوافقك ويوافق معدتك، ويقوي عليه بدنك ويستمرئه من الطعام فقدره لنفسك واجعله غذاءك.

واعلم أنّ كلّ واحدة من هذه الطبائع تحت ما يشاكها فاغتذ ما يشاكلها جسدك، ومن أخذ من الطعام زيادة لم ينفعه وضره ومن أخذ بقدر ﻻ زيادة عليه ولا نقص في غذائه نفعه.

وكذلك الماء فسبيله أن تأخذ من الطعام كفايتك في ابانه وارفع يديك منه ولك إليه بعض القرم(7) وعندك إليه ميل، فانه اصلح لمعدتك ولبدنك وأزكى لعقلك وأخف لجسمك.

كل البارد في الصيف والحار في الشتاء، والمعتدل في الفصلين على قدر قوتك وشهوتك، وأبدأ في أول الطعام بأخلف الاغذية التي يغتذي بها بدنك بقدر عادتك وبحسب طاقتك ونشاطك وزمانك الذي يجب أن يكون أكلك في كلّ يوم عندما يمضي من النهار ثمان ساعات أكلة واحدة، أو ثلاث أكلات في يومين تتغدى باكراً في أول يوم ثمّ تتعشى.

فإذا كان في اليوم الثاني فعند مضيّ ثمان ساعات من النهار أكلت أكلة واحدة ولم تحتج إلى العشاء، وكذا أمر جدّي محمّد (صلى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السّلام) في كلّ يوم وجبة(8) وفي غده وجبتين وليكن ذلك بقدر ﻻ يزيد ولا ينقص.

وارفع يديك من الطعام وأنت تشتهيه، وليكن شرابك على أثر طعامك من الشراب الصافي العتيق ممّا يحلّ شربه، والذي أنا واصفه فيما بعد.

ونذكر الان ما ينبغي ذكره من تدبير فصول السنة وشهورها الرومية الواقعة فيها في كلّ فصل على حدة، وما يستعمل من الاطعمة والاشربة وما يجتنب منه، وكيفية حفظ الصحة من أقاويل القدماء ونعود إلى قول الأئمة (عليهم السلام) في صفة شراب يحلّ شربه ويستعمل بعد الطعام.

(فصول السنة)

أمّا فصل الربيع فإنّه روح الأزمان وأوله (آذار) وعدد أيّامه ثلاثون يوماً، وفيه يطيب الليل والنهار، وتلين الأرض ويذهب سلطان البلغم، ويهيج الدم، ويستعمل فيه من الغذاء اللطيف واللحوم والبيض النيمبرشت، ويشرب الشراب بعد تعديله بالماء، ويتقي فيه أكل البصل والثوم والحامض، ويحمد فيه شرب المسهل ويستعمل فيه الفصد والحجامة.

نيسان ثلاثون يوماً، فيه يطول النهار ويقوي مزاج الفصل، ويتحرك الدم وتهب فيه الرياح الشرقيه، ويستعمل فيه من الماكل المشوية، وما يعمل بالخل ولحوم الصيد ويعالج الجماع والتمريخ بالدهن في الحمام، ولا يشرب الماء على الريق، ويشم الرياحين والطيب.

ايار أحد وثلاثون يوماً، [و] تصفوفيه الرياح، وهو آخر فصل الربيع، وقد نهي فيه عن أكل الملوحات واللحوم الغليظة كالرؤوس ولحم البقر واللبن، وينفع فيه دخول الحمام أول النهار ويكره فيه الرياضه قبل الغذاء.

حزيران ثلاثون يوماً، يذهب فيه سلطان البلغم والدم، ويقبل زمان المرة الصفراوية، ونهي فيه عن التعب وأكل اللحم داسماً والإكثار منه، وشم المسك والعنبر، وينفع فيه أكل البقول الباردة كالهندباء وبقلة الحمقاء، وأكل الخضر كالخيار والقثاء، والشيرخشت، والفاكهة الرطبة واستعمال المحمضات ومن اللحوم لحم المعز الثني والجذع(9) ومن الطيور الدجاج والطيهوج والدراج والألبان والسمك الطري.

تموز أحد وثلاثون يوماً، فيه شدةّ الحرارة وتغور المياه، ويستعمل فيه شرب الماء البارد على الريق، ويؤكل فيه الأشياء الباردة الرطبة، ويكسر فيه مراج الشراب، وتؤكل فيه الأغذية السريعة الهضم، كما ذكر في حزيران ويستعمل فيه من النور والرياحين الباردة الرطبة الطيبة الرائحة.

آب آحد وثلاثون يوماً فيه تشتد السموم، ويهيج الزكام بالليل، وتهب الشمال، ويصلح المزاج بالتبريد والترطيب، وينفع فيه شرب اللبن الرائب، ويجتنب في الجماع والمسهل، ويقل من الرياضة، ويشم من الرياحين الباردة.

ايلول ثلاثون يوماً، فيه يطيب الهواء، ويقوي سلطان المرة السوداء، ويصلح شرب المسهل، وينفع فيه أكل الحلاوات وأصناف اللحوم المعتدلة كالجداء والحولي(10) من الضأن، ويجتنب فيه لحم البقر، والإكثار من الشواء، ودخول الحمام، ويستعمل فيه الطيب المعتدل المزاج ويجتنب فيه أكل البطيخ والقثاء.

تشرين الأول أحد وثلاثون يوماً، فيه تهب الرياح المختلفة، ويتنفس فيه ريح الصبا، ويجتنب فيه الفصد وشرب الدواء، ويحمد فيه الجماع، وينفع فيه أكل اللحم السمين والرمان المز والفاكهة بعد الطعام، ويستعمل فيه أكل اللحوم بالتوابل، ويقلل فيه من شرب الماء، ويحمد فيه الرياضة.

تشرين الآخر ثلاثون يوماً، فيه يقطع المطر الوسمي(11) وينهى فيه عن شرب الماء بالليل، ويقلل فيه من دخول الحمام والجماع، ويشرب بكرة كل يوم جرعة ماء حار، ويجتنب أكل البقول كالكرفس والنعناع والجرجير.

كانون الأول أحد وثلاثون يوماً، يقوي فيه العواصف، ويشتد فيه البرد وينفع فيه كل ما ذكرناه في تشرين الآخر، ويحذر فيه من أكل الطعام البارد، ويتقى فيه الحجامة والفصد، ويستعمل فيه الأغذية الحارة بالقوة والفعل.

كانون الآخر أحد وثلاثون يوماً، يقوي فيه غلبة البلغم، وينبغي أن يتجرع فيه الماء الحار على الريق، ويحمد فيه الجماع، وينفع الأحشاء فيه مثل البقول الحارة كالكرفس والجرجير والكراث، وينفع فيه دخول الحمام أوّل النهار، والتمريخ بدهن الخيري وما ناسبه، ويحذر فيه الحلو وأكل السمك الطوي واللبن.

شباط ثمانية وعشرون يوماً، تختلف فيه الرياح، وتكثر الأمطار، ويظهر فيه العشب، ويجري فيه الماء في العود، وينفع فيه أكل الثوم ولحم الطير والصيود والفاكهة اليابسة، ويقلل من أكل الحلاوة، ويحمد فيه كثرة الجماع، والحركة والرياضة.

(وصفة طبية)

صفة الشراب الذي يحل شربه واستعماله بعد الطعام، وقد تقدم ذكر نفعه في ابتدائنا بالقول على فصول السنة وما يعتمد فيها من حفظ الصحة.

وصفته: أن يؤخذ من الزبيب المنقى عشرة أرطال، فيغسل وينقع في ماء صاف في غمرة وزيادة عليه أربع أصابع، ويترك في إنائه ذلك ثلاثة أيام في الشتاء وفي الصيف يوماً وليلة، ثمّ يجعل في قدر نظيفة، وليكن الماء ماء السماء، إن قدر عليه وإلاّ فمن الماء العذب الذي ينبوعه من ناحية المشرق ماء براقاً أبيض خفيفاً وهو القابل لما يعترضه على سرعة من السخونة والبرودة، وتلك دلالة على خفة الماء ويطبخ حتّى ينشف [ينتفخ] الزبيب وينضج، ثمّ يعصر ويصفي ماؤه ويبرد، ثمّ يرد إلى القدر ثانياً ويؤخذ مقاره بعود، ويغلي بنار لينة غلياناً ليناً رقيقاً حتّى يمضي ثلثاه ويبقى ثلثه.

ثمّ يؤخذ من عسل النحل المصفى رطل، فيلقى عليه ويؤخذ مقداره ومقدار الماء إلى أين كان من القدر، ويغلي حتّى يذهب قدر العسل ويعود إلى حدّه ويؤخذ خرقة صفيقة فيجعل فيها زنجبيل وزن درهم، ومن القرنفل نصف درهم، ومن الدارجيني نصف درهم، ومن الزعفران درهم، ومن سنبل الطيب نصف درهم، ومن الهندباء مثله، ومن مصطكي نصف درهم، بعد أن يسحق الجميع كل واحدة على حدة، وينخل ويجعل في الخرقة، ويشد بخيط شداً جيداً، وتلقى فيه وتمرس الخرقة في الشراب بحيث تنزل قوى العقاقير التي فيها، ولا يزال يعاهد بالتحريك على نار لينة برفق حتّى يذهب عنه مقدار العسل، ويرفع القدر ويبرد ويؤخذ مدة ثلاثة أشهر حتى يتداخل مزاجه بعضه ببعض وحينئذ يستعمل.

ومقدار ما يشرب منه أوقية إلى أوقيتين من الماء القراح.

فإذا أكلت مقدار ما وصفت لك من الطعام فاشرب من هذا الشراب مقدار ثلاثة أقداح بعد طعامك، فإذا فعلت ذلك فقد أمنت بإذن الله تعالى يومك وليلتك من الأوجاع الباردة المزمنة كالنقرس، والرياح، وغير ذلك من أوجاع العصب والدماغ والمعدة وبعض أوجاع الكبد والطحال والمعاء والأحشاء فإن صدقت بعد ذلك شهوة الماء فليشرب منه مقدار النصف ممّا كان يشرب قبله... فإنّ صلاح البدن وقوامه يكون بالطعام والشراب، وفساده يكون بهما فان اصلحتهما صلح البدن، وان أفسدتهما فسد البدن.

(النفس والبدن)

واعلم أنّ قوة النفوس تابعة لأمزجة الأبدان، وأنّ الأمزجة تابعة للهواء، وتتغيرّ بحسب تغيّر الهواء في الأمكنة، فإذا برد الهواء مرة وسخن اخرى تغيّرت بسببه أمزجة الأبدان، وأثّر ذلك التغيّر في الصور، فإذا كان الهواء معتدلاً اعتدلت أمزجة الأبدان، وصلحت تصرفّات الأمزجة في الحركات الطبيعية كالهضم والجماع والنوم والحركة وسائر الحركات.

لأنّ الله تعالى بنى الأجسام على أربع طبائع، وهي:

المرّتان والدم والبلغم وبالجملة حاران وباردان، قد خولف بينهما فجعل الحارّين لينا ويابساً وكذلك الباردين رطباً ويابساً، ثمّ فرّق ذلك على أربعة أجزاء من الجسد [و] على الرأس والصدر والشراسيف واسفل البطن.

واعلم أنّ الرأس والاذنين والعينين والمنخرين والفم والانف من الدم، وأنّ الصدر من البلغم والريح والشراسيف من المرّة الصفراء وأن أسفل البطن من المرة السوداء.

(من آداب النوم)

واعلم أنّ النوم سلطان الدماغ وهو قوام الجسد وقوتّه فإذا أردت النوم فليكن اضطجاعك أولاً على شقّك الايمن، ثمّ انقلب على الأيسر وكذلك فقم من مضجعك على شقّك الايمن كما بدأت به عند نومك.

وعوّد نفسك العقود من الليل ساعتين مثل ما تنام، فإذا بقى من الليل ساعتان فادخل وادخل الخلاء لحاجة الانسان والبث فيه بقدر ما تقضي حاجتك ولا تطل فيه، فإنّ ذلك يورث داء الفيل.

(السواك وفوائده)

واعلم أنّ أجود ما استكت به ليف الاراك، فانه يجلو الاسنان ويطيب النكهة، ويشدّ اللثّة ويسننها(12) وهو نافع من الحفر إذا كان باعتدال والإكثار منه يرقّ الاسنان ويزعزعها، ويضعف اصولها، فمن أراد حفظ الاسنان فليأخذ قرن الايل محرقاً وكزمازجاً وسعداً وورداً وسنبل الطيب وحبّ الاثل أجزاء سواء وملحاً أندرانيّاً ربع جزء فيدقّ الجميع ناعماً ويستنّ به فانّه يمسك الاسنان ويحفظ اصولها من الآفات العارضة.

ومن أراد أن يبيض أسنانه فليأخذ جزء من ملح أندراني ومثله زبد البحر فيسحقهما ناعماً ويستنّ به(13).

(مراحل لابدّ منها)

واعلم أنّ أحوال الانسان التي بناه الله تعالى عليها وجعله متصرفاً بها فانّها أربعة أحوال:

الحالة الاولى: لخمس عشرة سنة على خمس وعشرين وفيها شبابه وحسنه وبهاؤه وسلطان الدم في جسمه.

ثمّ الحالة الثانية: من خمسة وعشرين سنة إلى خمس وثلاثين سنة وفيها سلطان المرّة الصفراء وقوّة غلبتها على الشخص، وهي أقوى ما يكون ولا يزال كذلك حتّى يستوفي المدة المذكورة، وهي خمس وثلاثون سنة.

ثمّ يدخل في الحالة الثالثة إلى أن تتكامل مدة العمر: ستين سنة فيكون في سلطان المرّة السوداء، وهي سنّ الحكمة والموعظة والمعرفة والدراية، وانتظام الامور وصحة النظر في العواقب، وصدق الرأي، وثبات الجأش في التصرفات.

ثمّ يدخل في الحالة الرابعة: وهي سلطان البلغم، وهي الحالة التي ﻻ يتحولّ عنها ما بقى إلاّ إلى الهرم، ونكد عيش، وذبول، ونقص في القوة، وفساد في كونه، ونكتته أن كل شيء كان ﻻ يعرفه حتّى ينام عند القوة، ويسهر عند النوم، ولا يتذكّر ما تقدّم، وينسى ما يحدث في الأوقات ويذبل عوده، ويتغيّر معهوده، ويجفّ ماء رونقه وبهائه، ويقلّ نبت شعره وأظفاره، ولا يزال جسمه في انعكاس وادبار ما عاش، لأنه في سلطان المرة البلغم، وهو بارد وجامد، فبجموده وبرده يكون فناء كلّ جسم يستولي عليه في آخر القوة البلغميّة.

(الفصد والحجامة)

وقد ذكرت جميع ما يحتاج إليه فيه سياسة المزاج... وأنا أذكر ما يحتاج إلى تناوله من الاغذية والادوية... فإذا أردت الحجامة فليكن في اثنى عشرة ليلة من الهلال إلى خمس عشرة فانّه أصح لبدنك، فإذا انقضى الشهر فلا تحتجم إلاّ أن تكون مضطراً إلى ذلك.

وهو لأن الدم ينقص في نقصان الهلال، ويزيد في زيادته، ولتكن الحجامة بقدر ما يمضي من السنين:

فابن عشرين سنة يحتجم في كلّ عشرين يوماً مرّة وابن الثلاثين في كلّ ثلاثين يوماً مرة واحدة، وكذلك من بلغ من العمر أربعين سنة يحتجم في كلّ أربعين يوماً [مرّة] وما زاد فبحسب ذلك.

واعلم أنّ الحجامة انّما تأخذ دمها من صغار العروق المبثوثة في اللحم، ومصداق ذلك ما أذكره أنّها ﻻ تضعّف القوة كما يوجد من الضعف عند الفصد.

وحجامة النقرة من ثقل الرأس، وحجامة الاخدعين تخففّ عن الرأس والوجه والعينين، وهي نافعة لوجع الاضراس.

وربّما ناب الفصد عن جميع ذلك، وقد يحتجم تحت الذقن لعلاج القلاع في الفم.

ومن فساد اللثة وغير ذلك من أوجاع الفم، وكذلك الحجامة بين الكتفين تنفع من الخفقان الذي يكون من الإمتلاء والحرارة، والذي يوضع على الساقين قد ينقص من الإمتلاء نقصاً بيناً، وينفع من الأوجاع المزمنة في الكلى والمثانة والأرحام، ويدر الطمث، غير أنّها تنهك الجسد.

وقد يعرض منها الغشي الشديد، إلاّ أنّها تنفع ذوي البثور والدماميل.

والذي يخففّ من ألم الحجامة تخفيف المص عند أول ما يضع المحاجم ثمّ يدرج المص قليلاً قليلاً، والثواني أزيد في المص من الأوائل، وكذلك الثوالث فصاعداً، ويتوقف عن الشرط حتّى يحمر الموضع جيداً بتكرير المحاجم عليه، ويلين المشراط على جلود لينة، ويمسح الموضع قبل شرطه بالدهن.

وكذلك الفصد يمسح الموضع الذي يفصد فيه بالدهن، فإنه يقلل الألم، وكذلك يلين المشرط والمبضع بالدهن عند الحجامة، وعند الفراغ منها يلين الموضع بالدهن، وليقطر على العروق إذا فصد شيئاً من الدهن، لئلا يحتجب فيضر ذلك بالمفصود.

وليعمد الفاصد أن يفصد من العروق ما كان في المواضع القليلة اللحم، لأنّ في قلة اللحم من العروق قلة الألم.

وأكثر العروق ألماً إذا فصد حبل الذراع والقيفال، لإتصالهما بالعضل وصلابة الجلد، فأمّا الباسليق والأكحل فإنهما في الفصد أقل ألماً إذا لم يكن فوقهما لحم.

والواجب تكميد موضع الفصد بالماء الحار ليظهر الدم، وخاصة في الشتاء فإنه يلين الجلد، ويقلل الألم، ويسهل الفصد، ويجب في كل ما ذكرناه من إخراج الدم اجتناب النساء قبل ذلك باثنتي عشرة ساعة.

ويحتجم في يوم صاح صاف ﻻ غيم فيه ولا ريح شديدة ويخرج من الدم بقدر ما يرى من تغيره ولا تدخل يومك ذلك الحمّام، فإنّه يورث الداء وصبّ على رأسك وجسدك الماء الحّار، ولا تفعل ذلك من ساعتك.

واياك والحمّام إذا احتجمت فإنّ الحمّى الدائمة يكون منه فإذا اغتسلت من الحجامة فخذ خرقة من قز فألقها على محاجمك، أو ثوباً ليناً من قز أو غيره، وخذ قدر حمصّة من الترياق الأكبر واشربه.. امزجه بالشراب المفرح المعتدل، وتناوله أو بشراب الفاكهة.

وان تعذر ذلك فشراب الاترج فإن لم تجد شيئاً من ذلك فتناوله بعد عركه ناعماً تحت الاسنان، واشرب عليه جرع ماء فاتر.

وان كان في زمان الشتاء والبرد فاشرب عليه السكنجبين [العنصلي] العسلي فانّك متى فعلت ذلك أمنت من اللقوة والبرص البهق والجذام بإذن الله تعالى وامتص من الرّمان المزّ، فانّه يقوي النفس، ويجلي الدم ولا تأكل طعاماً مالحاً بعد ذلك بثلاث ساعات، فانّه يخاف أن يعرض من ذلك الجرب.

وان شئت فكل من الطباهيج إذا احتجمت، واشرب عليه من الشراب المذكّى الذي ذكرته أولاً، وادّهن بدهن الخيريّ أو شيء من المسك وماء ورد، وصبّ منه على هامتك ساعة فراغك من الحجامة.

وأمّا في الصيف فإذا احتجمت فكل السكباج والهلام والمصوص أيضاً والحامض.

وصبّ على هامتك دهن البنفسج بماء الورد وشيء من الكافور، واشرب من ذلك الشراب الذي وصفته لك بعد طعامك، وإيّاك وكثرة الحركة والغضب ومجامعة النساء ليومك.

(وقائيات)

واحذر أن تجمع بين البيض والسمك في المعدة في وقت واحد فإنهما متى اجتمعا في جوف الانسان ولد عليه النقرس والقولنج والبواسير ووجع الأضراس.

واللبن والنبيذ الذي يشربه أهله إذا اجتمعا ولد النقرس والبرص، ومداومة أكل البيض يعرض منه الكلف في الوجه، وأكل المملوحة واللحمان المملوحة وأكل السمك المملوح بعد الفصد والحجامة يعرض منه البهق، والجرب، وأكل كلية الغنم وأجواف الغنم يغير المثانة.

ودخول الحمام على البطنة يولد القولنج، والإغتسال بالماء البارد بعد أكل السمك يورث الفالج، وأكل الاترج في الليل يقلب العين ويوجب الحول، وإتيان المرأة الحائض يورث الجذام في الولد، والجماع من غير إهراق الماء على أثره يوجب الحصاة.

والجماع بعد الجماع من غير فصل بينهما بغسل يورث للولد الجنون، وكثرة أكل البيض وإدمانه يولد الطحال ورياحاً في رأس المعدة، والامتلاء من البيض المسلوق يورث الربو(14) والانبهار، وأكل اللحم الني(15) يولد الدود في البطن.

وأكل التين يقمل منه الجسد إذا أدمن عليه، وشرب الماء البارد عقيب الشيء الحارّ والحلاوة يذهب بالاسنان، والإكثار من أكل لحوم الوحش والبقر يورث تغير العقل، وتحيّر الفهم، وتبلّد الذهن، وكثرة النسيان.

(من آداب الحمّام)

وإذا أردت دخول الحمّام وأن ﻻ تجد في رأسك ما يؤذيك فابدأ قبل دخولك بخمس جرع من ماء فاتر، فانّك تسلم - ان شاء الله تعالى - من وجع الرأس والشقيقة.

وقيل: خمس مرّات يصبّ الماء الحار عليه عند دخول الحمّام.

واعلم أنّ الحمّام ركّب على تركيب الجسد: للحمّام أربعة بيوت مثل أربع طبائع الجسد:

البيت الأول: بارد يابس، والثاني: بارد رطب، والثالث: حار رطب والرابع: حارّ يابس، ومنفعة الحمّام عظيمة، يؤدي إلى الاعتدال، وينقّي الدرن، ويلين العصب والعروق، ويقوّي الأعضاء الكبار، ويذيب الفضول ويذهب العفن.

فإذا أردت أن ﻻ يظهر في بدنك بثرة ولا غيرها، فابدء عند دخول الحمّام فدهنّ بدنك بدهن البنفسج.

وإذا إردت استعمال النورة ولا يصيبك قروح ولا شقاق ولا سواد فاغتسل بالماء البارد قبل أن تنورّ.

ومن أراد دخول الحمّام للنورة فليجتنب الجماع قبل ذلك باثنتي عشرة ساعة وهو تمام يوم... وليكن الزرنيخ مثل سدس النورة.

ويدلك الجسد بعد الخروج منها بشيء يقلع رائحتها كورق الخوخ... والحناء والورد والسنبل مفردة أو مجتمعة.

(تعليمات صحيّة)

ومن أراد أن يأمن إحراق النورة فليقلل من تقليبها، وليبادر إذا عملت في غسلها، وأن يمسح البدن بشيء من دهن الورد، فإن أحرقت البدن - والعياذ بالله - يؤخذ عدس مقشر يسحق ناعماً ويداف في ماء ورد وخل، ويطلى به الموضع الذي اثرت فيه النورة، فإنه يبرأ بإذن الله تعالى. والذي يمنع من آثار النورة في الجسد هو أن يدلك الموضع بخل العنب العنصل الثقيف(16) ودهن الورد دلكاً جيداً.

ومن أراد أن ﻻ يشتكي مثانته فلا يحبس البول ولو على ظهر دابته.

ومن أراد أن ﻻ يؤذيه معدته فلا يشرب بين طعامه ماء حتى يفرغ ومن فعل ذلك رطب بدنه وضعفت معدته، ولم يأخذ العروق قوة الطعام، فإنه يصير في المعدة فجاً(17) إذا صبّ الماء على الطعام أولا فأولا.

ومن أراد أن ﻻ يجد الحصاة وعسر البول فلا يحبس المني عند نزول الشهوة، ولا يطل المكث على النساء.

ومن أراد أن يأمن من وجع السفل ولا يظهر به وجع البواسير فليأكل كل ليلة سبع تمرات برني، بسمن البقر، ويدهن بين انثييه بدهن زنبق خالص.

ومن أراد أن يزيد في حفظه فليأكل سبع مثاقيل زبيباً بالغداة على الريق.

ومن أراد أن يقل نسيانه ويكون حافظاً فليأكل كل يوم ثلاث قطع زنجبيل مربّى بالعسل، ويصطبغ بالخردل مع طعامه في كل يوم.

ومن أراد أن يزيد في عقله يتناول كل يوم ثلاث هليلجات بسكر ابلوج(18).

ومن أراد أن ﻻ ينشق ظفره ولا يميل إلى الصفرة ولا يفسد حول ظفره فلا يقلم أظفاره إلاّ يوم الخميس، ومن أراد أن ﻻ يؤلمه أذنه فليجعل فيها عند النوم قطنة.

ومن أراد ردع الزكام مدة أيام الشتاء فليأكل كل يوم ثلاث لقم من الشهد.

(اقسام العسل)

واعلم أن للعسل دلائل يعرف بها نفعه من ضره، وذلك أن منه شيئاً إذا أدركه الشم عطش، ومنه شيء يسكر، وله عند الذوق حراقة شديدة فهذه الأنواع من العسل قاتلة.

(امور صحية عامة)

ولا يؤخر شم النرجس، فإنه يمنع الزكام في مدة أيّام الشتاء، وكذلك الحبة السوداء، وإذا خاف الانسان الزكام في زمان الصيف فليأكل يوم خيارة وليحذر الجلوس في الشمس.

ومن خشي الشقيقة والشوصة فلا يؤخر أكل السمك الطري صيفاً وشتاء، ومن أراد أن يكون صالحاً خفيف الجسم [واللحم] فليقلل من عشائه بالليل، ومن أراد أن ﻻ يشتكي سرته فليدهنها متى دهن رأسه.

ومن أراد أن ﻻ تنشق شفتاه ولا يخرج فيها باسور فليدهن حاجبه من دهن رأسه.

ومن أراد أن ﻻ تسقط اذناه ولهاته فلا يأكل حلواً حتّى يتغرغر بعده بخل.

ومن أراد أن ﻻ يصيبه اليرقان فلا يدخل بيتاً في الصيف أول ما يفتح بابه، ولا يخرج منه أول ما يفتح بابه في الشتاء غدوة.

ومن أراد أن ﻻ يصيبه ريح في بدنه فليأكل الثوم كل سبعة أيّام مرة.

ومن أراد أن ﻻ تفسد أسنانه فلا يأكل حلواً إلاّ بعد كسرة خبز.

ومن أراد أن يستمرء طعامه فليستك بعد الأكل على شقه الأيمن ثم ينقلب بعد ذلك على شقه الأيسر حتى ينام.

ومن أراد أن يذهب البلغم من بدنه وينقصه فليأكل كل يوم بكرة شيئاً من الجوارش الحريف، ويكثر دخول الحمام، ومضاجعة النساء، والجلوس في الشمس ويجتنب كل بارد من الأغذية، فإنه يذهب البلغم ويحرقه.

ومن أراد أن يطفيء لهب الصفراء فليأكل كل يوم شيئاً رطباً بارداً، ويروح بدنه، ويقل الحركة، ويكثر النظر إلى من يحب.

ومن أراد أن يحرق السوداء فعليه بكثرة القيء وفصد العروق ومداومة النورة.

ومن أراد أن يذهب بالريح الباردة فعليه بالحقنة والأدهان اللينة على الجسد وعليه بالتكميد بالماء الحار في الابزن [ويجتنب كل بارد، ويلزم كل حار لين].

ومن أراد أن يذهب عنه البلغم فليتناول بكرة كل يوم من الاطريفل الصغير مثقالاً واحداً.

(من آداب السفر)

واعلم أن المسافر ينبغي له أن يتحرز بالحر إذا سافر وهو ممتليء من الطعام ولا خالي الجوف، وليكن على حد الاعتدال، وليتناول من الأغذية الباردة مثل القريص(19) والهلام والخل والزيت وماء الحضرم ونحو ذلك من الاطعمة الباردة.

واعلم أن السير في الحر الشديد ضارّ بالابدان المنهوكة إذا كانت خالية عن الطعام، وهو نافع في الابدان الخصبة.

فأما صلاح المسافر ودفع الاذى عنه فهو أن ﻻ يشرب من ماء كل منزل يرده إلاّ بعد أن يمزجه بماء المنزل الذي قبله... والواجب أن يتزود المسافر من تربة بلده وطينته التي ربّي عليها، وكلمّا ورد إلى منزل طرح في انائه الذي يشرب منه الماء شيئاً من الطين الذي تزودّه من بلده ويشوب الماء والطين في الآنية بالتحريك، ويؤخر قبل شربه حتى يصفع صفاء جيداً.

(أنواع المياه)

وخير الماء شرباً لمن مقيم أو مسافر ما كان ينبوعه من الجهة المشرقية من الخفيف الابيض.

وأفضل المياه ما كان مخرجها من مشرق الشمس الصيفي، وأصحها وأفضلها ماكان بهذا الوصف الذي نبع منه وكان مجراه في جبال الطين وذلك أنها تكون في الشتاء باردة وفي الصيف ملينة للبطن نافعة لأصحاب الحرارات.

وأما الماء المالح والمياه الثقيلة فانّها تيبس البطن، ومياه الثلوج والجليد رديّة لسائر الإجساد، وكثيرة الضرر جدّاً وأمّا مياه السحب فانّها خفيفة عذبه صافية نافعة للأجسام إذا لم يطل خزنها وحبسها في الأرض وأمّا مياه الجبّ فانّها عذبة صافية نافعة ان دام جريها ولم يدم حبسها في الأرض.

وأما البطائح والسباخ فانّها حارّة غليظة في الصيف لركودها ودوام طلوع الشمس عليها وقد يتولّد من دوام شربها المرّة الصفراوية وتعظم به أطحلتهم.

(علاقات زوجيه خاصة)

وقد وصفت لك فيما تقدم من كتابي هذا ما فيه كفاية لمن أخذ به وأنا أذكر أمر الجماع ما هو يصلح، فلا تقرب النساء من أول الليل صيفاً ولا شتاء وذلك لأنّ المعدة والعروق تكون ممتلئة وهو غير محمود ويتولّد منه القولنج والفالج واللقوة والنقرس والحصاة والتقطير والفتق وضعف البصر ورقّته.

فإذا أردت ذلك فليكن في آخر الليل، فانّه أصلح للبدن، وارجى للولد، وأزكى للعقل في الولد الذي يقضي الله بينهما.

ولا تجامع أمرأة حتّى تلاعبها، وتكثر ملاعبتها، وتغمز ثدييها فانّك إذا فعلت ذلك غلبت شهوتها واجتمع ماؤها، لأنّ ماءها يخرج من ثدييها، والشهوة تظهر من وجهها وعينيها، واشتهت منك مثل الذي تشتهيه منها.

ولا تجامع النساء إلاّ وهي طاهرة.

فإذا فعلت ذلك فلا تقم قائماً، ولا تجلس جالساً، ولكن تميل على يمينك، ثمّ انهض للبول إذا فرغت من ساعتك، شيئاً فإنك تأمن الحصاة بإذن الله تعالى. ثم اغتسل وأشرب من ساعتك شيئاً من الموميائي بشراب العسل أو بعسل منزوع الرغوة، فانه يردّ من الماء مثل الذي خرج منك.

واعلم أنّ جماعهن والقمر في برج الحمل أو الدلو من البروج أفضل وخير من ذلك أن يكون في برج الثور، لكونه شرف القمر.

ومن عمل فيما وصفت في كتابي هذا ودبّر به جسده أمن بأذن الله تعالى من كل داء، وصحّ جسمه بحول الله وقوته، فإنّ الله تعالى يعطي العافية لمن يشاء، ويمنحها اياه والحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً.

لحم الضأن(20)

عن سعد بن سعد الاشعري قال: قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السّلام): أنّ أهل بيتي ﻻ يأكلون لحم الضأن: قال:

ولم؟

قلت: يقولون: انه يهيج لهم المرة والصفراء والصداع والأوجاع.

فقال: يا سعد لو علم الله شيئاً اكرم من الضأن لفدى به اسماعيل.

المقاديم(21)

اشتر لنا من اللحم المقاديم، ولا تشتر لنا المآخير، فإن المقاديم أقرب من المرعى وأبعد من الأذى.

حطب الرمان(22)

حطب الرمان ينفي الهوام.

التين دواء(23)

التين يذهب بالبخر(24) ويشدّ العظم وينبت الشعر، ويذهب بالداء حتى ﻻ يحتاج معه إلى دواء، التين أشبه شيء بنبات الجنّة.

من فوائد التين(25)

حدثنا محمّد بن عرفة قال: كنت بخراسان أيام الرضا (عليه السّلام) والمأمون، فقلت للرضا (عليه السّلام) يابن رسول الله ما تقول في أكل التين؟ فقال:

هو جيد للقولنج فكلوه.

من فوائد الاجّاص(26)

عن زياد القندي قال: دخلت: على الرضا (عليه السّلام) وبين يديه تور فيه اجاص أسود في ابانه. فقال:

انه هاجت بي حرارة وأرى الاجاص يطفىء الحرارة ويسكّنالصفراء، وان اليابس [منه] يسكّن الدم، ويسكن الداء الدوى وهو للداء دواء باذن الله عزوجل.

من فوائد البطيخ(27)

أهـــــدت لنـــــا الأيــــام بطيخة          من حــلل الارض ودار السلام

تجــــــمع أوصـــافاً عظاماً وقد          عددتها موصـــــوفة بــــالنظام

كــــذاك قال المصطفى المجتبى          محمّد جــــــدّي علــــيه السلام

مـاء وحــــــلواء وريـــــحانـــة          فاكهة، حـــــرض، طـــعام ادام

تنـــقي المثانة وتصفي الوجوه          تـــــطيّب الــــــنكهة عشر تمام

بقلة الهندباء(28)

عليكم بأكل بقلة الهندباء فانها تزيد في المال والولد، ومن أحب أن يكثر ماله وولده فليد من أكل الهندباء.

الهندباء دواء(29)

الهندباء شفاء من ألف داء، وما من داء في جوف الانسان إلاّ قمعه الهندباء ودعا به يوماً لبعض الحشم وقد كان تأخذه الحمى والصداع فأمر بأن يدقّ ويضمد على قرطاس ويصبّ عليه دهن بنفسج ويوضع علي رأسه.

وقال: أما انه يقمع الحمى ويذهب بالصداع.

عليك بالسلق(30)

عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي قال: قال [لي] أبو الحسن الرضا (عليه السّلام):

يا أحمد كيف شهوتك للبقل؟

فقلت: اني لأشتهي عامّته.

فقال: فإذا كان كذلك فعليك بالسلق، فانه ينبت على شاطئ الفردوس وفيه شفاء من الادواء، وهو يغلظ العظم، وينبت اللحم، ولو ﻻ أن تمسّه أيدي الخاطئين، لكانت الورقة منه تستر رجالاً.

قلت: من أحبّ البقول إليّ.

فقال: أحمد الله على معرفتك به.

تعاليم صحيّة(31)

ﻻ تخلون جوفك من الطعام وأقل من شرب الماء، ولا تجامع إلاّ من شبق، ونعم البقلة السلق.

الماش الرطب(32)

سألن بعض اصحاب الرضا عنه (عليه السّلام) عن البهق(33) قال:

خذ الماش الرطب في أيامه ودقّه مع ورقه، واعصر الماء واشربه على الريق، واطله على البهق، قال: ففعلت فعوفيت.

الحمّص(34)

الحمّص جيّد لوجع الظهر، وكان يدعو به قبل الطعام وبعده.

الخبز اليابس(35)

الخبز اليابس يهضم الاترج.

إذا اكتهل الرجل(36)

إذا اكتهل الرجل فلا يدع أن يأكل بالليل شيئاً فانه أهدأ لنومنه وأطيب للنكهة.

ﻻ يدعنّ أحدكم العشاء(37)

انّ في الجسد عرقاً يقال له: العشاء، فإن ترك الرجل العشاء لم يزل يدعو عليك ذلك العرق إلى أن يصبح يقول:

أجاعك الله كما أجعتني، وأظمأك الله كما أظمأتني، فلا يدعنّ أحدكم العشاء ولو بلقمة من خبز أو شربة من ماء.

عود الخلال(38)

ﻻ تخلّلوا بعود الرمان. ولا بقضيب الريحان، فانهما يحركان عرق الجذام قال: وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتخلّل بكلّ ما أصاب إلاّ الخوص والقصب.

استكثروا من اللبان(39)

استكثروا من اللبان واستفّوه وامضغوه وأحبّه ذلك إليّ المضغ، فانه ينزف بلغم المعدة، وينظفها، ويشدّ العقل، ويمرئ الطعام.

اطعموه حبالاكم(40)

أطعموا حبالاكم اللبان فإن يكن في بطنهن غلام خرج ذكّي القلب عالماً شجاعاً، وان تكن جارية حسن خلقها وخلقها، وعظمت عجيزتها وحظيت(41) عند زوجها.

الماء المسخن(42)

الماء المسخن إذا غليته سبع غليات وقلبته من اناء إلى اناء فهو يذهب بالحمى وينزل القوة في الساقين والقدمين.

بعد الطعام ﻻ في الأثناء(43)

ﻻ بأس بكثرة شرب الماء على الطعام، وأن ﻻ يكثر منه.

وقال: أرأيت لو أنّ رجلاً أكل مثل ذا طعاماً = وجمع يديه كلتيهما لم يضمهما ولم يفرّقهما - ثمّ لم يشرب عليه الماء، أليس كانت تنشقّ معدته!.

نعم الطعام(44)

نعم الطعام الزيت: يطيب النكهة ويذهب بالبلغم ويصفّي اللون ويشدّ العصب، ويذهب بالوصب(45)، ويطفئ الغضب.

للمرّة(46)

شكوت الى الرضا (عليه السّلام) مُرة كنت اجدها يأخذني منها شبيه الجنون، وصداع غالب. فقال:

عليك بهذه البقلة التي يلتفّ ورقها، فدقّها وضعها على رأسك، ومر أهلك فليضعوها على رؤوس صبيانهم، فإنها نافعة لهم بإذن الله، ففعلت فسكن عني الوجع وتلك البقلة هي اللبلاب.

لشفاء العين(47)

انما شفاء العين قراءة الحمد، والمعوذتين، وآية الكرسي وبالبخور بالقسط، والمرّ، واللبان.

 

1 - طب الأئمة 72:...

2 - معاني الأخبار 238، وعيون اخبار الرضا (عليه السّلام) 1/309، ب 28، ح 72، ومكارم الأخلاق 362: أبي قال: حدثنا محمّد بن يحيى العطار، عن أحمد بن محمّد، عن إبراهيم بن إسحاق، عن عبد الله بن أحمد، عن اسماعيل، عن الخراساني - يعني الرضا (عليه السّلام) - قال:...

3 - مكارم الأخلاق 362: عن الرضا (عليه السّلام) قال:...

4 - طب الأئمة 101: أيوب بن عمر قال: حدثنا محمّد بن عيسى، عن كامل:...

5 - فروع الكافي 4/363، ح 9: عدة من اصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمّد بن اسماعيل، قال: سمعت الرضا (عليه السّلام) يقول:...

6 - بحار الأنوار 62/307-328 عن طب الرضا (عليه السّلام): هارون بن موسى التلعكبريّ - رضي الله عنه - حدثنا محمّد بن هشام بن سهل - رحمه الله - قال:...

7 - القرم: بالتحريك شهوة الطعام.

8 - الوجبة - بالفتح -: الاكلة الواحدة في اليوم.

9 - الجذع من البهائم: صغيرها.

10 - أي: ما اتى عليه حول.

11 - أي: مطر الربيع الأول، لأنه يسم الأرض بالنبات.

12 - أي: يسددها.

13 - أي: يستاك به.

14 - الربو - بالفتح -: انتفاخ الجوف، وعلة تحدث في الرئة فتصير التنفس صعباً، والانبهار: انقطاع النفس.

15 - أي: غير المطبوخ.

16 - خل ثقيف أي: حامض جداً.

17 - أي: لم ينضج.

18 - هو السكر الذي استقصى طبخه فجعل في اقماع صنوبرية.

19 - القريص: غذاء يطبخ من اللحوم اللطيفة كلحم السمك والفرخ مع الخل أو الحموضات.

20 - المحاسن 467- 468، ب 55، ح 445، ومكارم الأخلاق 159: أحمد بن أبي عبد الله البرقي:...

21 - دعوات الراوندى: 140، ح 353: قال الرضا (عليه السّلام) لغلامه:...

22 - المحاسن 545، ب 111، ح 857: أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن القاسم بن الحسن بن علي بن يقطين قال: قال أبو الحسن الرضا (عليه السّلام):...

23 - المحاسن 554، ب 117، ح 903: ومكارم الأخلاق 173: أحمد بن أبي عبد الله، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال:...

24 - البخر: - بالتحريك - الريح المنتن في الفم.

25 - طب الأئمة 137: أحمد بن محمّد بن عبد الله النيسابوري قال:...

26 - مكارم الأخلاق 175:...

27 - مكارم الأخلاق 185: للرضا (عليه السّلام):...

28 - المحاسن 508، ب 88، ذيل ح 662: قال الرضا (عليه السّلام):...

29 - مكارم الأخلاق 178: عن الرضا (عليه السّلام) قال:...

30 - المحاسن 519-520، ب 99، ح 725: أحمد بن أبي عبد الله البرقي:...

31 - مكارم الأخلاق 181: روي عن الرضا (عليه السّلام) أنه قال:...

32 - مكارم الأخلاق 187:...

33 - البهق - بالتحريك -: بياض في الجسد لاهن جرض.

34 - المحاسن 505، ب 85، ح 643: أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أحمد بن أبي نصر البزنطي، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال:...

35 - فروع الكافي 4/360 ح 4: عدة من اصحابنا، عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال:...

36 - المحاسن 422، ب 26، ح 208: أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا، عن ذربح بن العباس، عن سعيد بن جناح، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال:...

37 - فروع الكافي 4/289، ح 12: عدة من اصحابنا، عن سهل بن زياد، عن بعض الاهوازيين، عن الرضا (عليه السّلام) قال قال:...

38 - مكارم الأخلاق 152-153: من كتاب طب الأئمة، عن الرضا (عليه السّلام) قال:...

39 - مكارم الأخلاق 194: عن الرضا (عليه السّلام) قال:...

40 - مكارم الأخلاق 194: عن الرضا (عليه السّلام) قال:...

41 - الحظوة: المكانة والمنزلة.

42 - مكارم الأخلاق 157: عن الرضا (عليه السّلام) قال:...

43 - المحاسن 572، ب 1، ح 16، ومكارم الأخلاق 155، وفروع الكافي 4/382، ح 3: أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن ياسر الخادم، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال:...

44 - مكارم الأخلاق 190: قال الرضا (عليه السّلام):...

45 - الوصب - بالتحريك -: الوجع.

46 - مكارم الأخلاق 374: عمرو بن ابراهيم قال:...

47 - فروع الكافي 4/503 ذيل ح 38: الحسين بن محمّد بن محمّد ومحمّد بن يحيى، عن علي بن محمّد بن سعد عن محمّد بن سالم، عن موسى بن عبد الله بن موسى، عن محمّد بن علي بن جعفر عن ابي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال:...