االفرار من الموت(1)
إنّ قوماً من بني إسرائيل هربوا من بلادهم من الطاعون وهم الوف
حذر الموت فأماتهم الله في ساعة واحدة، فعمد أهل تلك القرية فحظروا عليهم حظيرة فلم
يزالوا فيها حتّى نخرت عظامهم فصاروا رميماً، فمرّ بهم نبيّ من أنبياء بني إسرائيل
فتعجّب منهم ومن كثرة العظام البالية، فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: أتحبّ أن احييهم
لك فتنذرهم؟
فقال: نعم يا ربّ.
فأوحى الله عزّ وجلّ: أن نادهم.
فقال: أيّتها العظام البالية! قومي بإذن الله عزّ وجلّ.
فقاموا أحياء أجمعون ينفضون التراب عن رؤوسهم.
أطيب اللحوم(2)
ذكر بعضنا اللحمان عند أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) فقال: ما
لحم بأطيب من لحم الماعز، قال: فنظر إليه أبو الحسن (عليه السّلام) وقال:
لو خلق الله عزّ وجلّ مضغة هي أطيب من الضأن لفدى بها إسماعيل
(عليه السّلام).
مصيرالبرامكة(3)
عن مسافر قال: كنت مع أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) بمنى،
فمرّ يحيى بن خالد مع قوم من آل برمك، فقال (عليه السّلام):
مساكين هؤلاء ﻻ يدرون مايحلّ بهم في هذه السنة، ثمّ قال: هاه
وأعجب من هذا هارون وأنا كهاتين، وضمّ بأصبعيه.
قال مسافر: فوالله ما عرفت معنى حديثه حتى دفناه معه.
الإخبار بموت هارون(4)
محمّد بن سنان: قيل للرضا (عليه السّلام) إنّك قد شهرت نفسك
بهذا الأمر وجلست مجلس أبيك وسيف هارون يقطر دماً؟ فقال:
جوابي هذا ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن أخذ
أبوجهل من رأسي شعرة فاشهدوا أنني لست بنبيّ، وأنا أقول لكم: إن أخذ هارون من رأسي
شعرة فاشهدوا أنني لست بإمام.
الخبز والماء(5)
سئل الرضا (عليه السّلام) عن طعم الخبز والماء فقال:
طعم الماء طعم الحياة وطعم الخبز طعم العيش.
في وداع الرسول(6)
عن محول السجستاني قال: لمّا ورد البريد باشخاص الرضا (عليه
السّلام) إلى خراسان، كنت أنا بالمدينة، فدخل المسجد ليودّع رسول الله (صلى الله
عليه وآله) فودّعه مراراً كلّ ذلك يرجع إلى القبر ويعلو صوته بالبكاء والنحيب
فتقدمت إليه وسلّمت عليه فردّ السلام وهنّأته فقال:
ذرني فإنّي أخرج من جوار جدّي (صلى الله عليه وآله) وأموت في
غربة وادفن في جنب هارون.
قال: فخرجت متبعاً لطريقه حتّى مات بطوس ودفن إلى جنب هارون.
هذه تربتي(7)
دخل الإمام الرضا (عليه السّلام) - في طريقه إلى المأمون - دار
حميد بن قحطبة الطائي ودخل القبّة التي فها هارون الرشيد ثمّ خطّ بيده إلى جانبه
ثمّ قال:
هذه تربتي وفيها ادفن، وسيجعل الله هذا المكان مختلف شيعتي وأهل
محبّتي، والله ما يزورني منهم زائر ولا يسلّم عليّ منهم مسلّم إلاّ وجب له غفران
الله ورحمته بشفاعتنا أهل البيت.
هذا من تربتي(8)
عن أبي الصلت الهروي قال: بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن عليّ
بن موسى الرضا (عليه السّلام) إذ قال لي:
يا أبا الصلت ادخل هذه القبّة التي فيها قبر هارون وائتني بتراب
من أربعة جوانبها.
قال: فمضيت فأتيت به.
فلمّا مثلت بين يديه قال لي: ناولني هذا التراب، وهو من عند
الباب، فناولته.
فأخذه وشمّه ثمّ رمى به ثمّ قال: سيحفر لي ههنا، فتظهر صخرة لو
جمع عليها كلّ معول بخراسان لم يتهيّأ قلعها ثمّ قال في الذي عند الرجل، والذي عند
الرأس، مثل ذلك.
ثم قال: سيحفر لي في هذا الموضع فتأمرهم أن يحفروا لي سبع مراقي
إلى أسفل وأن يشقّ لي ضريحة، فإن أبوا الاّ أن يحلدوا فتأمرهم أن يجعلوا اللحد
ذراعين وشبراً فإنّ الله سيوسّعه ما يشاء.
فإذا فعلوا ذلك فإنّك ترى عند رأسي نداوة، فتكلّم بالكلام الذي
اعلّمك فإنّه ينبع الماء حتّى يمتلئ اللحد وترى فيه حيتاناً صغاراً ففتّت لها الخبز
الذي أعطيك فإنّها تلتقطه، فإذا لم يبق منه شيء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت
الحيتان الصغار حتّى ﻻ يبقى منها شيء ثمّ تغيب فإذا غابت فضع يدك على الماء ثمّ
تكلّم بالكلام الذي اعلّمك فإنّه ينضب الماء ولا يبقى منه شيء ولا تفعل ذلك إلاّ
بحضرة المأمون.
ثمّ قال (عليه السّلام): يا أبا الصلت غداً أدخل على هذا
الفاجر، فإن أنا خرجت وأنا مكشوف الرأس فتكلّم اكلّمك، وإن أنا خرجت وأنا مغطّى
الرأس فلا تكلّمني.
قال أبوالصلت: فلمّا أصبحنا من الغد ليس ثيابه وجلس، فجعل في
محرابه ينتظر.
فبينا هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون فقال له: أجب المأمون.
فلبس نعله ورداءه، وقام يمشي وأنا أتبعه حتّى دخل على المأمون
وبين يديه طبق عليه عنب وأطباق فاكهة وبيده عنقود عنب قد أكل بعضه وبقي بعضه.
فلمّا أبصر بالرضا (عليه السّلام) وثب إليه فعانقه وقبّل ما بين
عينيه وأجلسه معه ثمّ ناوله العنقود وقال: يابن رسول الله ما رأيت عنباً أحسن من
هذا.
فقال له الرضا (عليه السّلام): ربّما كان عنباً حسناً يكون من
الجنّة.
فقال له: كل منه.
فقال له الرضا (عليه السّلام): تعفيني منه.
فقال: لابدّ من ذلك وما يمنعك منه لعلّك تتّهمنا بشيء فتناول
العنقود فأكل منه، ثمّ ناوله فأكل منه الرضا (عليه السّلام) ثلاث حبّات ثمّ رمى به
وقام.
فقال المأمون: إلى أين؟
فقال: إلى حيث وجّهتني.
فخرج (عليه السّلام) مغطّى الرأس، فلم اكلّمه حتى دخل الدار
فأمرأن يغلق الباب فغلق ثمّ نام (عليه السّلام) على فراشه ومكثت واقفاً في صحن
الدار مهموماً محزوناً.
فبينما أنا كذلك إذ دخل عليّ شابّ حسن الوجه، قطط الشعر أشبه
الناس بالرضا (عليه السّلام) فبادرت إليه وقلت له: من أين دخلت والباب مغلق؟
فقال: الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني
الدار والباب مغلق.
فقلت له: ومن أنت؟
فقال لي: أنا حجّة الله عليك، يا أبا الصلت أنا محمّد بن علي.
ثمّ مضى نحو أبيه (عليه السّلام) فدخل وأمرني بالدخول معه،
فلمّا نظر إليه الرضا (عليه السّلام) وثب إليه فعانقه وضمّه إلى صدره، وقبّل ما بين
عينيه، ثمّ سحبه سحباً إلى فراشه وأكبّ عليه محمّد بن علي (عليهما السلام) يقبّله
ويسارّه بشيء لم أفهمه.
ورأيت على شفتي الرضا (عليه السّلام) زبداً أشدّ بياضاً من
الثلج ورأيت أبا جعفر (عليه السّلام) يلحسه بلسانه ثمّ أدخل يده بين ثوبيه وصدره
فاستخرج منه شيئاً شبيهاً بالعصفور فابتلعه أبو جعفر (عليه السّلام) ومضى الرضا
(عليه السّلام).
فقال أبو جعفر (عليه السّلام): قم يا أبا الصلت ائتني بالمغتسل
والماء من الخزانة.
فقلت: ما في الخزانة مغتسل ولا ماء.
فقال لي: اِنته إلى ما آمرك به، فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل
وماء فأخرجته وشمرّت ثيابي لأغسله معه فقال لي: تنح يا أبا الصلت فإنّ لي من يعينني
غيرك فغسله ثمّ قال لي: ادخل الخزانة، فأخرج لي السفط الذي فيه كفنه وضوطه.
فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قطّ فحملته إليه
فكفّنه وصلّى عليه ثمّ قال لي: إئتني بالتابوت.
فقلت: أمضي إلى النجار حتى يصلح التابوت.
قال: قم فإنّ في الخزانة تابوتاً.
فدخلت الخزانة فوجدت تابوتاً لم أره قط فأتيته به فأخذ الرضا
(عليه السّلام) بعد ما صلّى عليه فوضعه في التابوت وانشقّ السقف فخرج منه التابوت
ومضى.
فقلت: يابن رسول الله الساعة يجيئنا المأمون ويطالبنا بالرضا
(عليه السّلام) فما نصنع؟
فقال لي: اسكت فإنّه سيعود يا أبا الصلت، ما من نبيّ يموت
بالمشرق ويموت وصيّه بالمغرب إلاّ جمع الله بين أرواحهما وأجسادهما، فما أتمّ
الحديث حتى انشقّ السقف ونزل التابوت، فقام (عليه السّلام) فاستخرج الرضا (عليه
السّلام) من التابوت ووضعه على فراشه كأنّه لم يغسّل ولم يكفّن.
ثمّ قال لي: يا أبا الصلت قم فافتح الباب للمأمون ففتحت الباب
فإذا المأمون والغلمان بالباب، فدخل باكياً حزيناً قد شقّ جيبه، ولطم رأسه، وهو
يقول: يا سيّداه فجعت بك يا سيّدي.
ثمّ دخل وجلس عند رأسه وقال: خذوا في تجهيزه فأمر بحفر القبر،
فحفرت الموضع فظهر كلّ شيء على ما وصفه الرضا (عليه السّلام).
فقال له بعض جلسائه: ألست تزعم أنّه إمام؟
فقال: بلى، ﻻ يكون الإمام إلاّ مقدّم الناس فأمر أن يحفر له في
القبلة.
فقلت له: أمرني أن يحفر له سبع مراقي وأن أشقّ له ضريحه.
فقال: انتهوا إلى ما يأمر به أبو الصلت سوى الضريح، ولكن يحفر
له ويلحد.
فلمّا رأى ما ظهر له من النداوة والحيتان وغير ذلك قال المأمون:
لم يزل الرضا (عليه السّلام) يرينا عجائبه في حياته حتى أراناها بعد وفاته أيضاً.
فقال له وزير كان معه: أتدري ما أخبرك به الرضا (عليه السّلام)؟
قال: ﻻ.
قال: إنّه قد أخبرك أنّ ملككم يا بني العباس مع كثرتكم وطول
مدتكم مثل هذه الحيتان حتى إذا فنيت آجالكم وانقطعت آثاركم، وذهبت دولتكم، سلّط
الله تعالى عليكم رجلاً منّا فأفناكم عن آخركم.
قال له: صدقت.
ثمّ قال لي: يا أبا الصلت علّمني الكلام الذي تكلّمت به.
قلت: والله لقد نسيت الكلام من ساعتي، وقد كنت صدقت، فأمر بحبسي
ودفن الرضا (عليه السّلام)، فحبست سنة فضاق عليّ الحبس، وسهرت الليلة ودعوت الله
تبارك وتعالى بدعاء ذكرت فيه محمّد وآل محمّد صلوات الله عليهم وسألت الله بحقّهم
أن يفرّج عنّي.
فما استتمّ دعائي حتى دخل عليّ أبو جعفر محمّد بن علي (عليهما
السلام) فقال لي: يا أبا الصلت ضاق صدرك؟
فقلت: إي والله.
ثم قال لي: إمض في ودائع الله فإنّك لن تصل إليه ولا يصل إليك
أبداً.
قال: قم، فأخرجني ثمّ ضرب يده إلى القيود التي كانت عليّ ففكّها
وأخذ بيدي وأخرجني من الدار والحرسة والغلمان يرونني، فلم يستطيعوا أن يكلّموني
وخرجت من باب الدار:
ثمّ قال أبو الصلت: فلم ألتق المأمون إلى هذا الوقت.
زينة الرجال(9)
ممّا أجاب الرضا (عليه السّلام) بحضرة المأمون لصباح بن نصر
الهندي وعمران الصابي عن مسائلهما قالا: فما بال الرجل يلتحي دون المرأة؟ قال (عليه
السّلام):
زيّن الله الرجال باللحى وجعلها فصلاً يستدلّ على الرجال من
النساء.
نخلة مريم(10)
كانت نخلة مريم العجوة، ونزلت في كانون، ونزل مع آدم من الجنة
العتيق والعجوة، منهما تفرقّ أنواع النخل.
تطهير ورحمة(11)
المرض للمؤمن تطهير ورحمة، وللكافر تعذيب ولعنة، وانّ المرض ﻻ
يزال بالمؤمن حتى ﻻ يكون عليه ذنب.
لطلب الولد(12)
تزوجت ابنة جعفر بن محمود الكاتب فاحببتها حبّاً لم يحب احدا
احداً مثله، وابطأ على الولد فصرت الى أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السّلام)
فذكرت ذلك له، فتبسم وقال:
اتخذ خاتماً فصّه فيروزج واكتب عليه (ربّ لاتذرني فرداً وأنت
خير الوارثين)(13).
قال: ففعلت ذلك، فما أتى عليّ حول حتى رزقت منها ولداً ذكراً.
إذا اراد الله امراً(14)
إذا اراد الله أمراً سلب العباد عقولهم: فانفذ امره وتمت ارادته
فإذا انفذ امره ردّ الى كل ذي عقل عقله، فيقول: كيف ذا ومن اين ذا؟
المشية والإرادة(15)
سئل (عليه السّلام) عن المشيئة والارادة فقال:
المشيئة الاهتمام بالشيء، والارادة اتمام ذلك الشيء.
ألم تقتله مرة؟(16)
انه اقر رجل بقتل ابن رجل من الانصار فدفعه عمر اليه ليقتله به
فضربه ضربتين بالسيف حتى ظن انه هلك، فحمل الى منزله وبه رمق فبرئ الجرح بعد ستة
اشهر فلقيه الاب وجره الى عمر فدفعه اليه عمر فاستغاث الرجل الى امير المؤمنين فقال
لعمر:
ما هذا الذي حكمت به على هذا الرجل؟
فقال: النفس بالنفس.
قال: ألم يقتله مرة؟
قال: قد قتله ثم عاش.
قال: فيقتل مرتين؟
فبهت، ثم قال فاقض ما أنت قاض، فخرج (عليه السّلام) فقال للأب
ألم تقتله مرة؟
قال: بلى فيبطل دم ابني؟
قال: ﻻ ولكن الحكم ان تدفع اليه فيقتص منك مثل ما صنعت به. ثم
تقتله بدم ابنك.
قال: هو والله الموت ولابد منه؟
قال: لابد أن يأخذ بحقه.
قال: فإني قد صفحت عن دم ابني ويصفح لي عن القصاص، فكتب بينهما
كتاباً بالبراءة فرفع عمر يده الى السماء وقال: الحمد لله أنتم أهل بيت الرحمة يا
أبا الحسن.
ثم قال: لولا علي لهلك عمر.
على من دية هذا؟(17)
سألت أبا الحسن الثاني (عليه السّلام) عن رجل استغاث به قوم
لينقذهم من قوم يغيرون عليهم ليستبيحوا أموالهم ويسبوا ذراريهم ونساءهم فخرج الرجل
يعدو بسلاحه في جوف الليل ليغيثهم، فمر برجل قائم على شفير بئر يستقي منها فدفعه
وهو ﻻ يعلم ولا يريد ذلك فسقط في البئر ومات، ومضى الرجل فاستنقذ أموال الذين
استغاثوا به، فلما انصرف قالوا: ما صنعت؟ قال: قد سلموا وآمنوا. قالوا: اشعرت ان
فلاناً سقط في البئر فمات؟ قال: أنا والله طرحته خرجت اعدو بسلاحي في ظلمة الليل
وأنا أخاف الفوت على القوم الذين استغاثوا بي، فمررت بفلان وهو قائم يستقي من البئر
فزحمته ولم ارد ذلك فسقط في البئر، فعلى من دية هذا؟ قال:
ديته على القوم الذين استنجدوا الرجل فأنجدهم وانقذ أموالهم
ونساءهم وذراريهم، اما لو كان آجر نفسه باجرة لكانت الدية عليه وعلى عاقلته دونهم،
وذلك ان سليمان بن داود (عليه السّلام) أتته امرأة عجوز مستعدية على الريح فدعا
سليمان الريح فقال لها: ما دعاك الى ما صنعت بهذه المرأة؟
قالت: ان رب العزةبعثني الى سفينة بني فلان ﻻ نقذها من الغرق
وكانت قد اشرفت على الغرق فخرجت في سنتي عجلي الى ما أمرني الله به فمررت بهذه
المرأة وهي على سطحها فعثرت بها ولم اردها فسقطت فانكسرت يدها.
فقال سليمان: يارب بما احكم على الريح؟
فأوحى الله اليه: يا سليمان احكم بارش كسر هذه المرأة على ارباب
السفينة التي انقذتها الريح من الغرق فإنه ﻻ يظلم لديّ احد من العالمين.
|