مكتبة الإمام الرضا

فهرس الكتاب

 

نبويات

أصحاب العزائم(1)

انّما سُمّي أولوا العزم أولي العزم لأنّهم كانوا أصحاب الشرائع والعزائم، وذلك أنّ كلّ نبيّ بعد نوح (عليه السّلام) كان على شريعته ومنهاجه وتابعاً لكتابه إلى زمن إبراهيم الخليل (عليه السّلام)، وكلّ نبيّ كان في أيّام إبراهيم وبعده كان على شريعته ومنهاجه وتابعاً لكتابه إلى زمن موسى (عليه السّلام) وكلّ نبيّ كان في زمن موسى وبعده كان على شريعة موسى ومنهاجه وتابعاً لكتابه إلى أيّام عيسى (عليه السّلام) وكلّ نبيّ كان في أيّام عيسى (عليه السّلام) وبعده كان على منهاج عيسى وشريعته وتابعاً لكتابه إلى زمن نبيّنا محمّد (عليه السّلام) فهؤلاء الخمسة اولوا العزم فهم أفضل الأنبياء والرسل (عليهم السلام)، وشريعة محمّد (صلى الله عليه وآله) ﻻ تنسخ إلى يوم القيامة، ولا نبيّ بعده إلى يوم القيامة، فمى ادّعى بعده نبوّة أو أتى بعد القرآن بكتاب فدمه مباح لكلّ من سمع ذلك منه.

طعام الأنبياء(2)

فضل خبز الشعير على البرّ كفضلنا على الناس، وما من نبيّ إلاّ وقد دعا لأكل الشعير وبارك عليه، وما دخل جوفاً إلاّ وأخرج كلّ داء فيه، وهو قوت الأنبياء وطعام الأبرار، أبى الله تعالى أن يجعل قوت أنبيائه إلاّ شعيراً.

في كفة المنجنيق(3)

انّ إبراهيم (عليه السّلام) لمّا وضع في كفّة المنجنيق غضب جبرئيل (عليه السّلام)، فأوحى الله عزّ وجلّ: ما يغضبك يا جبرئيل؟

قال: يا ربّ خليلك ليس من يعبدك على وجه الأرض غيره، سلّطت عليه عدوّك وعدوّه.

فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: اسكت انّما يعجل العبد الذي يخاف الفوت مثلك، فأمّا أنا فإنّه عبدي آخذه إذا شئت.

قال: فطابت نفس جبرئيل (عليه السّلام) فالتفت إلى إبراهيم (عليه السّلام) فقال: هل لك حاجة؟

فقال: أمّا إليك فلا.

فأهبط الله عزّ وجلّ عندها خاتماً فيه ستّة أحرف: (ﻻ إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، ﻻ حول ولا قوّة إلاّ بالله، فوّضت أمري إلى الله، أسندت ظهري إلى الله، حسبي الله) فأوحى الله جلّ جلاله إليه: أن تختّم بهذا الخاتم فإنّي أجعل النار عليك برداً وسلاماً.

الخضر وماء الحياة(4)

انّ الخضر (عليه السّلام) شرب من ماء الحياة فهو حيّ لايموت حتّى ينفخ في الصور، وانّه ليأتينا فيسلّم علينا فنسمع صوته ولا نرى شخصه، وانّه ليحضر حيثما ذكر، فمن ذكره منكم فليسلّم عليه، وانّه ليحضر الموسم كل سنة فيقضي جميع المناسك ويقف بعرفة فيؤمّن على دعاء المؤمنين، وسيؤنس الله به وحشة قائمنا في غيبته، ويصل به وحدته.

خاتم عيسى(5)

كان نقش خاتم عيسى (عليه السّلام) حرفين اشتقّهما من الإنجيل: طوبى لعبد ذكر الله من أجله، وويل لعبدنسى الله من أجله.

يونس وقومه(6)

سأل المأمون الرضا (عليه السّلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظنّ أن لن نقدر عليه) فقال الرضا (عليه السّلام):

ذلك يونس بن متى (عليه السّلام) ذهب مغاضباً لقومه (فظنّ) بمعنى استيقن (أن لن نقدر عليه) أي: لن نضيّق عليه رزقه، ومنه قول الله عزّ وجلّ: (وأمّا إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه)(7) أي: ضيّق عليه وقتر (فنادى في الظلمات) أي: ظلمة اللّيل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت: (أن ﻻ إله إلاّ أنت سبحانك إنّي كنت من الظالمين) بتركي مثل هذه العبادة الّتي قد فرغتني لها في بطن الحوت فاستجاب الله له، وقال عزّ وجلّ: (فلو ﻻ أنّه كان من المسبّحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون)(8).

أنا ابن الذبيحين(9)

علي بن الحسين بن فضّال، عن أبيه قال: سألت أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليه السّلام) عن معنى قول النبي (صلى الله عليه وآله): أنا ابن الذبيحين؟ قال:

يعني: إسماعيل بن إبراهيم الخليل (عليهما السلام)، وعبد الله بن عبد المطّلب.

أمّا إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشّر الله تعالى به إبراهيم (عليه السّلام) (فلمّا بلغ معه السعي) وهو لما عمل مثل عمله (قال يا بنيّ إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك فانظر ماذا ترى قال: يا أبت افعل ما تؤمر) ولم يقل: يا أبت افعل ما رأيت (ستجدني إن شاء الله من الصابرين)(10).

فلمّا عزم على ذبحه فداه الله تعالى بذبح عظيم بكبش أملح، يأكل في سواد، ويشرب في سواد، وينظر في سواد، ويمشي في سواد، ويبول في سواد، ويبعر في سواد، وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنّة أربعين عاماً، وما خرج من رحم أنثى، وانّما قال الله عزّ وجلّ له: كن، فكان، ليفدي به إسماعيل، فكلّما يذبح في منى فهو فدية لإسماعيل إلى يوم القيامة، فهذا أحد الذبيحين.

وأمّا الآخر فإنّ عبد المطّلب كان تعلّق بحلقة باب الكعبة ودعا الله عزّ وجلّ أن يرزقه عشرة بنين، ونذر لله عزّ وجلّ أن يذبح واحداً منهم متى أجاب الله دعوته، فلمّا بلغوا عشرة قال: قد وفى الله تعالى لي فلأوفينّ لله عزّ وجلّ فأدخل ولده الكعبة، وأسهم بينهم، فخرج سهم عبد الله أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان أحبّ ولده إليه، ثمّ أجالها ثانية فخرج سهم عبد الله، ثمّ أجالها ثالثة، فخرج سهم عبد الله فأخذه وحبسه وعزم على ذبحه، فاجتمعت قريش ومنعته من ذلك، واجتمع نساء عبد المطّلب يبكين ويصحن.

فقالت له ابنته عاتكة: يا أبتاه أعذر فيما بينك وبين الله عزّ وجلّ في قتل ابنك.

قال: وكيف أعذر يا بنيّة فانّك مباركة؟

قالت: أعمد على تلك السوائم التي لك في الحرم فاضرب بالقداح على ابنك، وعلى الإبل واعط ربّك حتّى يرضى، فبعث عبد المطّلب إلى إبله فأحضرها وعزل منها عشراً، وضرب بالسهام فخرج سهم عبد الله، فما زال يزيد عشراً عشراً حتى بلغت مأة، فضرب فخرج السهم على الإبل، فكبّرت قريش تكبيرة ارتجّت لها جبال تهامة.

فقال عبد المطّلب: ﻻ حتّى أضرب بالقداح ثلاث مرّات، فضرب ثلاثاً كلّ ذلك يخرج السهم على الإبل، فلمّا كان في الثالثة اجتذبه الزبير وأبو طالب وأخواتهما من تحت رجليه، فحملوه وقد انسلخت جلدة خدّه الذي كان على الأرض وأقبلوا يرفعونه ويقبّلونه ويمسحون عنه التراب، وأمر عبد المطّلب أن تنحر الإبل بالجزورة، ولا يمنع أحد منها، وكانت مأة، فكانت لعبد المطّلب خمس من السنن أجراها الله عزّ وجلّ في الإسلام: حرّم نساء الآباء على الأبناء، وسنّ الدية في القتل مأة من الإبل، وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط، ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وسمّى زمزم حين حفرها سقاية الحاجّ، ولولا أنّ عمل عبد المطّلب كان حجّة وانّ عزمه على ذبح بانه عبد الله شبيه بعزم إبراهيم (عليه السّلام) على ذبح ابنه إسماعيل لمّا افتخر النبي (صلى الله عليه وآله) بالإنتساب إليهما لأجل أنّهما الذبيحان في قوله (صلى الله عليه وآله): أنا ابن الذبيحين.

والعلّة التي من أجلها دفع الله عزّ وجلّ الذبح عن إسماعيل هي العلّة التي من أجلها دفع الذبح عن عبد الله، وهي كون النبي (صلى الله عليه وآله)، والأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم في صلبيهما، فببركة النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمّة صلوات الله عليهم دفع الله الذبح عنهما، فلم تجر السنّة في الناس بقتل أولادهم، ولو ﻻ ذلك لوجب على الناس كلّ أضحى التقرّب إلى الله تعالى بقتل أولادهم وكلّ ما يتقرّب الناس به إلى الله عزّ وجلّ من أضحية فهو فداء لإسماعيل (عليه السّلام) إلى يوم القيامة.

الأنبياء معصومون(11)

سأل المأمون الرضا (عليه السّلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر)(12) قال الرضا (عليه السّلام):

لم يكن أحد عند مشركي أهل مكّة أعظم ذنباً من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأنّهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمأة وستّين صنماً، فلمّا جاءهم بالدعوة إلى كلمة الإخلاص كبر ذلك عليهم وعظم، وقالوا: (أجعل الآلهة إلهاً واحداً إنّ هذا لشيء عجاب، وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم انّ هذا لشيء يراد، ما سمعنا بهذا في الملّة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاق)(13) فلمّا فتح الله عزّ وجلّ على نبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله) مكّة قال له: يا محمّد: (إنّا فتحنا لك) مكّة (فتحاً مبيناً، ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر) عند مشركي أهل مكّة بدعائك إلى توحيد الله عزّ وجلّ فيما تقدّم وما تأخّر، لأنّ مشركي مكّة أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكّة، ومن بقي منهم لم يقدر على انكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه، فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفوراً بظهوره عليهم.

فقال المأمون: لله درّك يا أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله عزّ وجلّ: (عفا الله عنك لم أذنت لهم)(14).

قال الرضا (عليه السّلام): هذا ممّا نزل بإيّاك أعني واسمعي يا جارة، خاطب الله عزّ وجلّ بذلك نبيّه (صلى الله عليه وآله) وأراد به أمّته، وكذلك قوله عزّ وجلّ: (لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكوننّ من الخاسرين)(15). وقوله عزّ وجلّ: (ولا ﻻ أن ثبّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً)(16).

قال: صدقت يا بن رسول الله، الخبر.

الرسل وأخبار الملاحم(17)

عن الحسن بن محمّد بن أبي طلحة قال: قلت للرضا (عليه السّلام): أيأتي الرسل عن الله بشيء ثمّ تأتي بخلافة؟ قال:

نعم، إن شئت حدّثتك وإن شئت أتيتك به من كتاب الله تعالى.

قال الله تعالى جلّت عظمته: (ادخلوا الأرض المقدّسة التي كتب الله لكم)(18)، فما دخلوها ودخل أبناء أبنائهم.

وقال عمران: انّ الله وعدني أن يهب لي غلاماً نبيّاً في سنتي هذه وشهري هذا.

ثمّ غاب وولدت امرأته مريم وكفّلها زكريّا.

فقالت طائفة: صدق نبيّ الله، وقالت الآخرون: كذب، فلمّا ولدت مريم عيسى قالت الطائفة التي أقامت على صدق عمران: هذا الذي وعدنا الله.

 

1 - عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2/80، ب 32، ح 13: حدّثنا محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه، قال: حدّثنا أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفي الهمداني، قال: حدّثنا عليّ بن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن أبيه، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال:...

2 - فروع الكافي 4/304، ح 1: عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسى، عن يونس، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال:...

3 - بحار الأنوار 12/ 35،، ح 11، عن أمالي الصدوق و عيون أخبار الرضا (عليه السّلام): أبي، عن سعد، عن البرقي، عن محمّد بن عليّ الكوفي، عن الحسن بن أبي العقبة الصيرفيّ، عن الحسين بن خالد، عن الرضا (عليه السّلام) قال:...

4 - كمال الدين 2/390، ب 38، ح 4: حدّثنا المظفّر بن جعفر بن المظفّر العلوي العمري السمرقندي رضي الله عنه، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه محمّد بن مسعود، عن جعفر بن أحمد، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، قال: سمعت أبا الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليه السّلام) يقول:...

5 - بحار الأنوار 14/247، ح 31، عن عيون أخبار الرضا (عليه السّلام): بإسناده عن الرضا (عليه السّلام) قال:...

6 - عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 1/201، ب 15 في ضمن ح 1: حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي - رض - قال: حدّثني أبي، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن عليّ بن محمّد بن الجهم أنّه قال:...

7 - الفجر: 16.

8 - الصافّات: 143 - 144.

9 - عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 1/210 - 212، ب 18، ح 1: أحمد بن الحسين [الحسن خ ل] القطّان قال: أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد الكوفي، قال: حدّثنا...

10 - الصافات: 102.

11 - عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 1/202، ب 15، ح 1: حدّثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي (رض) عن أبيه، عن حمدان بن سليمان النيسابوري، عن عليّ بن محمّد بن الجهم قال:...

12 - الفتح: 2.

13 - ص : 5 - 7.

14 - التوبة: 43.

15 - الزمر: 65.

16 - الأسراء: 74.

17 - بحار الأنوار 26/ 225، ح 5، عن قصص الأنبياء: بالإسناد إلى الصدوق بإسناده عن ابن أورمة، عن محمّد بن أبي صالح،...

18 - المائدة: 21.