الإسلام عند الله(1)
سأل المأمون عليّ بن موسى الرضا (عليه السّلام) أن يكتب له محض
الإسلام على سبيل الإيجاز والإختصار، فكتب (عليه السّلام) له:
انّ محض الإسلام شهادة أن ﻻ إله إلاّ الله وحده ﻻ شريك له،
إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً قيّوماً سميعاً بصيراً قديراً قديماً قائماً
باقياً، عالماً ﻻ يجهل، قادراً ﻻ يعجز، غنيّاً ﻻ يحتاج، عدلاً ﻻ يجور، وانّه خالق
كلّ شيء، وليس كمثله شيء، ﻻ شبه له ولا ضدّ له ولا ندّ له، ولا كفو له، وأنّه
المقصود بالعبادة والدعاء والرغبة والرهبة.
وأنّ محمّداً (صلى الله عليه وآله) عبده ورسوله، وأمينه وصفيّه،
وصفوته من خلقه، وسيّد المرسلين وخاتم النبيّين، وأفضل العالمين، ﻻ نبيّ بعده، ولا
تبديل لملّته، ولا تغيير لشريعته.
وأنّ جميع ما جاء به محمّد بن عبد الله هو الحقّ المبين،
والتصديق به و بجميع من مضى قبله من رسل الله وأنبيائه وحججه، والتصديق بكتابه
الصادق العزيز الّذي (ﻻ يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)(2).
وأنّه المهيمن على الكتب كلّها، وأنّه حقّ من فاتحته إلى
خاتمته، نؤمن بمحكمه ومتشابهه، وخاصّه وعامّه، ووعده ووعيده، وناسخه ومنسوخه، وقصصه
وأخباره، ﻻ يقدر أحد من المخلوقين أن يأتي بمثله.
وأنّ الدليل بعده والحجّة على المؤمنين والقائم بأمر المسلمين
والناطق عن القرآن والعالم بأحكامه أخوه وخليفته ووصيّه ووليّه، والّذي كان منه
بمنزلة هارون من موسى عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) أمير المؤمنين، وإمام
المتّقين، وقائد الغرّ المحجّلين، وأفضل الوصيّين، ووارث علم النبيّين والمرسلين.
وبعده الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة، ثمّ عليّ بن الحسين
زين العابدين، ثم محمّد بن عليّ باقر علم النبيّين، ثم جعفر بن محمّد الصادق وارث
علم الوصيّين، ثم موسى بن جعفر الكاظم، ثم عليّ بن موسى الرضا، ثم محمّد بن عليّ،
ثم عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ الحجّة القائم المنتظر صلوات الله عليهم
أجمعين.
أشهد لهم بالوصيّة والإمامة، وأنّ الأرض ﻻ تخلو من حجّة الله
تعالى على خلقه في كلّ عصر وأوان، وأنّهم العروة الوثقى، وأئمّة الهدى والحجّة على
أهل الدنيا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وأنّ كلّ من خالفهم ضالّ مضلّ باطل، تارك للحقّ والهدى، وانّهم
المعبّرون عن القرآن، والناطقون عن الرسول (صلى الله عليه وآله) بالبيان، ومن مات
ولم يعرفهم مات ميتة جاهليّة، وأنّ من دينهم الورع والعفّة، والصدق والصلاح،
والإستقامة والإجتهاد، وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر، وطول السجود، وصيام
النهار، وقيام اللّيل، واجتناب المحارم، وانتظار الفرج بالصبر، وحسن الجوار، وكرم
الصحبة.
ثم الوضوء كما أمر الله عزّ وجلّ في كتابه: غسل الوجه واليدين
من المرفقين.
ومسح الرأس والرجلين مرّة واحدة، ولا ينقض الوضوء إلاّ غائط أو
بول أو ريح أو نوم أو جنابة، وانّ من مسح على الخفّين فقد خالف الله تعالى و رسوله
(صلى الله عليه وآله) وترك فريضته وكتابه.
وغسل يوم الجمعة سنّة، وغسل العيدين وغسل دخول مكّة والمدينة
وغسل الزيارة، وغسل الإحرام، وأوّل ليلة من شهر رمضان، وليلة سبع عشر وليلة تسع عشر
وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين من شهر رمضان هذه الأغسال سنّة، وغسل الجنابة
فريضة، وغسل الحيض مثله.
والصلاة الفريضة الظهر أربع ركعات، والعصر أربع ركعات، والمغرب
ثلاث ركعات، والعشاء الآخرة أربع ركعات، والغداة ركعتان، هذه سبع عشرة ركعة.
والسنّة أربع وثلاثون ركعة: ثمان ركعات قبل فريضة الظهر، وثمان
ركعات قبل العصر، وأربع ركعات بعد المغرب، وركعتان من جلوس بعد العتمة(3)
تعدّان بركعة، وثمان ركعات في السحر، والشفع والوتر ثلاث ركعات يسلّم بعد الركعتين،
وركعتان الفجر.
والصلاة في أوّل الوقت أفضل، وفضل الجماعة على الفرد بكلّ ركعة
ألفي ركعة، ولا صلاة خلف الفاجر، ولا يقتدى إلاّ بأهل الولاية، ولا يصلّى في جلود
الميتة ولا في جلود السباع، ولا يجوز أن يقول في التشهّد الأوّل: السلام علينا وعلى
عباد الله الصالحين، لأنّ تحليل الصلاة التسليم فإذا قلت هذا فقد سلّمت.
والتقصير في ثمانية فراسخ ومازاد، واذا قصّرت أفطرت، ومن لم
يفطر لم يجزئ عنه صومه في السفر، وعليه القضاء لأنّه ليس عليه صوم في السفر.
والقنوت سنّة واجبة في الغداة والظهر والعصر والمغرب والعشاء
الآخرة.
والصلاة على الميّت خمس تكبيرات، فمن نقص فقد خالف السنّة،
والميت يسلّ من قبل رجليه ويرفق به إذا أدخل قبره.
والإجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في جميع الصلوات سنّة.
والزكات الفريضة في كلّ مائتي درهم خمسة دراهم، ولا يجب فيما
دون ذلك شيء، ولا تجب الزكاة على المال حتّى يحول عليه الحول، ولا يجوز أن يعطى
الزكاة غير أهل الولاية المعروفين، والعشر من الحنطة والشعير والتمر والزبيب إذا
بلغ خمسة أوساق، والوسق ستّون صاعاً، والصاع أربعة أمداد، وزكاة الفطر فريضة على
كلّ رأس صغير أو كبير حرّ أو عبد ذكر أو انثى، من الحنطة والشعير والتمر والزبيب
صاع، وهو أربعة أمداد، ولا يجوز دفعها إلاّ إلى أهل الولاية.
وأكثر الحيض عشرة أيّام، وأقلّه ثلاثة أيّام، والمستحاضة تحتشي
وتغتسل وتصلّي، والحائض تترك الصلاة ولا تقضي، وتترك الصوم وتقضي.
وصيام شهر رمضان فريضة، يصام للرؤية ويفطر للرؤية، ولا يجوز أن
يصلّي التطوّع في جماعة، لأنّ ذلك بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار.
وصوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر سنّة، في كلّ عشرة أيّام يوم:
أربعاء بين خميسين، وصوم شعبان حسن لمن صامه، وإن قضيت فوائت شهر رمضان متفرّقة
أجزأ.
وحجّ البيت فريضة على من استطاع إليه سبيلاً، والسبيل: الزاد
والراحلة مع الصحّة، ولا يجوز الحجّ إلاّ تمتّعاً، ولا يجوز القران والإفراد الّذي
يستعمله العامّة إلاّ لأهل مكّة وحاضريها، ولا يجوز الإحرام دون الميقات، قال الله
عزّ وجلّ: (وأتّموا الحجّ والعمرة لله)(4).
ولا يجوز أن يضحّى بالخصي لأنّه ناقص، ولا يجوز الموجوء.
والجهاد واجب مع الإمام العدل، ومن قتل دون ماله فهو شهيد، ولا
يجوز قتل أحد من الكفّار والنصّاب في دار التقيّة إلاّ قاتل أو ساع في فساد، وذلك
إذا لم تخف على نفسك وعلى أصحابك، والتقيّة في دار التقيّة واجبة، ولا حنث على من
حلف تقيّة يدفع بها ظلماً عن نفسه.
والطلاق للسنّة على ما ذكره الله عزّ وجلّ في كتابه وسنّة نبيّه
(صلى الله عليه وآله)، ولا يكون طلاق لغير سنّة، وكلّ طلاق يخالف الكتاب فليس
بطلاق، كما أنّ كلّ نكاح يخالف الكتاب فليس بنكاح، ولا يجوز أن يجمع بين أكثر من
أربع حرائر، وإذا طلّقت المرأة للعدّة ثلاث مرّات، لم تحلّ لزوجها حتّى تنكح زوجاً
غيره.
وقال أمير المؤمنين (عليه السّلام): اتّقوا تزويج المطلّقات
ثلاثاً في موضع واحد، فإنّهنّ ذوات أزواج، والصلوات على النبيّ وآله (عليهم السلام)
واجبة في كلّ موطن وعند العطاس والذبائح وغير ذلك.
وحبّ أولياء الله عزّ وجلّ واجب، وكذلك بغض أعداء الله والبراءة
منهم ومن أئمّتهم.
وبرّ الوالدين واجب وإن كانا مشركين، ولا طاعة لهما في معصية
الله عزّ وجلّ ولا لغيرهما، فإنّه ﻻ طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
وذكاة الجنين ذكاة امّة إذا أشعر وأوبر.
وتحليل المتعتين اللّتين أنزلهما الله عزّ وجلّ في كتابه
وسنّهما رسول الله (صلى الله عليه وآله): متعة النساء، ومتعة الحجّ.
والفرائض على ما أنزل الله عزّ وجلّ في كتابه، ولا عول فيها،
ولا يرث مع الولد والوالدين أحد إلاّ الزوج والمرأة، وذو السهم أحقّ ممّن ﻻ سهم له،
وليست العصبة من دين الله عزّ وجلّ.
والعقيقة عن المولود للذكر والانثى واجبة، وكذلك تسميته، وحلق
رأسه يوم السابع، ويتصدّق بوزن الشعر ذهباً أو فضّة، والختان سنّة واجبة للرجال،
ومكرمة للنساء.
وأنّ الله تبارك وتعالى ﻻ يكلّف نفساً إلاّ وسعها، وأنّ أفعال
العباد مخلوقة لله تعالى خلق تقدير ﻻ خلق تكوين، والله خالق كلّ شيء ولا نقول
بالجبر والتفويض، ولا يأخذ الله عزّ وجلّ البريء بالسقيم، ولا يعذّب الله تعالى
الأطفال بذنوب الآباء (ولا تزر وازرة وزر اخرى، وأن ليس للإنسان إلاّ ما سعى)(5)،
ولله عزّ وجلّ أن يعفو ويتفضّل ولا يجور ولا يظلم، لأنّه تعالى منزّه عن ذلك، ولا
يفرض الله تعالى طاعة من يعلم أنّه يضلّهم ويغويهم، ولا يختار لرسالته ولا يصطفي من
عباده من يعلم أنّه يكفر به وبعبادته ويعبد الشيطان دونه.
وانّ الإسلام غير الإيمان، وكلّ مؤمن مسلم، وليس كلّ مسلم
مؤمناً، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن.
وأصحاب الحدود مسلمون ﻻ مؤمنون ولا كافرون، والله عزّ وجلّ ﻻ
يدخل النار مؤمناً وقد وعده الجنّة، ولا يخرج من النار كافراً وقد أو عده النار
والخلود فيها، ولا يغفر أن يشرك به ويغفر مادون ذلك لمن يشاء، ومذنبوا أهل التوحيد
ﻻ يخلدون في النار ويخرجون منها، والشفاعة جائزة لهم، وانّ الدار اليوم دار تقيّة
وهي دار الإسلام، ﻻ دار كفر ولا دار إيمان.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان إذا أمكن، ولم يكن
خيفة على النفس، والإيمان هو أداء الأمانة، واجتناب جميع الكبائر، وهو معرفة
بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان.
والتكبير في العيدين واجب في الفطر في دبر خمس صلوات، ويبدأ به
في دبر صلاة المغرب ليلة الفطر، وفي الأضحى في دبر عشر صلوات، ويبدأ به من صلاة
الظهر يوم النحر وبمنى في دبر خمس عشرة صلاة.
والنفساء ﻻ تقعد عن الصلاة أكثر من ثمانية عشر يوماً، فإن طهرت
قبل ذلك صلّت، وإن لم تطهر حتّى تجاوز ثمانية عشر يوماً اغتسلت وصلّت وعملت ما تعمل
المستحاضة.
ويؤمن بعذاب القبر ومنكر ونكير والبعث بعد الموت والميزان
والصراط، والبراءة من الّذين ظلموا آل محمّد (عليهم السلام)، وهمّوا بإخراجهم
وسنّوا ظلمهم، وغيّروا سنّة نبيّهم (صلى الله عليه وآله) والبراءة من الناكثين
والقاسطين والمارقين الّذين هتكوا حجاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونكثوا بيعة
إمامهم وأخرجوا المرأة وحاربوا أمير المؤمنين (عليه السّلام) وقتلوا الشيعة
المتّقين رحمة الله عليهم واجبة.
والبراءة ممّن نفى الأخيار وشرّدهم وآوى الطرداء اللعناء وجعل
الأموال دولة بين الأغنياء واستعمل السفهاء مثل معاوية وعمرو بن العاص لعيني رسول
الله (صلى الله عليه وآله)، والبراءة من أشياعهم والّذين حاربوا أمير المؤمنين
(عليه السّلام) وقتلوا الأنصار والمهاجرين وأهل الفضل والصلاح من السابقين،
والبراءة من أهل الإستيثار ومن أبى موسى الأشعريّ وأهل ولايته الّذين ضلّ سعيهم في
الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً، اولئك الذين كفروا بآيات ربّهم
وبولاية أمير المؤمنين (عليه السّلام) ولقائه (عليه السّلام)، كفروا بأن لقوا الله
بغير إمامته، فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً فهم كلاب أهل النار،
والبراءة من الأنصاب والأزلام أئمّة الضلال وقادة الجور كلّهم أوّلهم وآخرهم،
والبراءة من أشباه عاقري الناقة أشقياء الأوّلين والآخرين وممّن يتولاّهم.
والولاية لأمير المؤمنين (عليه السّلام)، والّذين مضوا على
منهاج نبيهم (صلى الله عليه وآله) ولم يغيّروا ولم يبدّلوا، مثل سلمان الفارسي،
وأبي ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمّار بن ياسر، وحذيفة بن اليماني، وأبي
الهيثم بن التيهان، وسهل بن حنيف، وعبادة بن الصامت، وأبي أيّوب الأنصاري، وخزيمة
بن ثابت ذي الشهادتين، وأبي سعيد الخدري وأمثالهم رضي الله عنهم ورحمة الله عليهم،
والولاية لأتباعهم وأشياعهم والمهتدين بهداهم والسالكين منهاجهم رضوان الله عليهم.
وتحريم الخمر قليلها وكثيرها، وتحريم كلّ شراب مسكر قليله
وكثيره، وما أسكر كثيره فقليله حرام، والمضطر ﻻ يشرب الخمر لأنّها تقتله.
وتحريم كلّ ذي ناب من السباع، وكلّ ذي مخلب من الطير، وتحريم
الطحال فإنّه دم، وتحريم الجريّ والسمك والطافي والمارماهي والزمّير وكلّ سمك ﻻ
يكون له فلس.
واجتناب الكبائر، وهي قتل النفس الّتي حرّم الله عزّ وجلّ،
والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم
ظلماً، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهلّ لغير الله به من غير ضرورة، وأكل
الربا بعد البيّنة، والسحت، والميسر والقمار، والبخس في المكيال والميزان، وقذف
المحصنات، واللواط، وشهادة الزور، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، والقنوط
من رحمة الله، ومعونة الظالمين، والركون إليهم، واليمين الغموس، وحبس الحقوق من غير
العسرة، والكذب، والكبر، والإسراف، والتبذير، والخيانة، والإستخفاف بالحجّ،
والمحاربة لأولياء الله تعالى، والإشتغال بالملاهي، والإصرار على الذنوب.
المشرك والكافر(6)
من شبّه الله تعالى بخلقه فهو مشرك، ومن نسب إليه ما نهى عنه
فهو كافر.
هو أعدل وأحكم(7)
عن الحسن بن علي الوشاء، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام)
قال: سألته فقلت له: الله فوّض الأمر إلى العباد؟ قال:
الله أعزّ من ذلك.
قلت: فأجبرهم على المعاصي؟
قال: الله أعدل وأحكم من ذلك.
ثمّ قال: قال الله عزّ وجلّ: يابن آدم أنا أولى بحسناتك منك،
وأنت أولى بسيّئاتك منّي، عملت المعاصي بقوّتي ألّتي جعلتها فيك.
الإنسان والإستطاعة(8)
عن عليّ بن أسباط، قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السّلام) عن
الإستطاعة، فقال:
يستطيع العبد بعد أربع خصال: أن يكون مخلّى السرب، صحيح الجسم،
سليم الجوارح، له سبب وارد من الله عزّ وجلّ.
قال: قلت: جعلت فداك فسّرها لي.
قال: أن يكون العبد مخلّى السرب، صحيح الجسم، سليم الجوارح،
يريد أن يزني فلا يجد امرأة ثمّ يجدها، فإمّا أن يعصم فيمتنع كما امتنع يوسف (عليه
السّلام)، أو يخلّى بينه وبين إرادته فيزني فيسمّى زانياً، ولم يطع الله بإكراه،
ولم يعص بغلبة.
الله والقدر(9)
يا يونس ﻻ تقل بقول القدريّة، فإنّ القدريّة لم يقولوا بقول أهل
الجنّة، ولا بقول أهل النار، ولا بقول إبليس، فإنّ أهل الجنّة قالوا: (الحمد لله
الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله)(10).
ولم يقولوا بقول أهل النار، فإنّ أهل النار قالوا: (ربّنا غلبت
علينا شقوتنا)(11).
وقال إبليس: (ربّ بما أغويتني)(12).
فقلت: يا سيّدي، والله ما أقول بقولهم ولكنّي أقول: ﻻ يكون إلاّ
ما شاء الله وقضى وقدّر.
فقال: ليس هكذا يا يونس، ولكن ﻻ يكون إلاّ ما شاء الله وأراد
وقدّر وقضى، أتدري ما المشيّة يا يونس؟
قلت: ﻻ.
قال: هوالذكر الأوّل، وأتدري ما الإرادة؟
قلت: ﻻ.
قال: العزيمة على ما شاء، وتدري ما التقدير؟
قلت: ﻻ.
قال: هو وضع الحدود من الآجال والأرزاق والبقاء والفناء، وتدري
ما القضاء؟
قلت: ﻻ.
قال: هو إقامة العين، ولا يكون إلاّ ما شاء الله عنى الذكر
الأوّل.
السعادة والشقاء(13)
جفّ القلم بحقيقة الكتاب من الله بالسعادة لمن آمن واتّقى،
والشقاوة من الله تبارك وتعالى لمن كذّب وعصى.
الإذن أو الأمر؟(14)
عن الهرويّ قال: قال الرضا (عليه السّلام) في قوله عزّ وجلّ:
(وما كان لنفس أن تؤمن إلاّ بإذن الله)(15):
ليس ذلك على سبيل تحريم الإيمان عليها، ولكن على معنى أنّها ما
كانت لتؤمن إلاّ بإذن الله وإذنه أمره لها بالإيمان ما كانت مكلّفة متعبّدة،
وإلجاؤه إيّاها إلى الإيمان عند زوال التكليف والتعبّد عنها.
تثابون على نيّاتكم(16)
إذا كان يوم القيامة اوقف المؤمن بين يدي الله تعالى فيكون هو
الّذي يلي حسابه، فيعرض عليه عمله فينظر في صحيفة فأوّل ما يرى سيّئاته فيتغيّر
لذلك لونه وترعش فرائصه وتفزع نفسه، ثمّ يرى حسناته فتقرّ عينه وتسرّ نفسه ويفرح،
ثمّ ينظر إلى ما أعطاه الله من الثواب فيشتدّ فرحه.
ثمّ يقول الله تعالى للملائكة: احملوا الصحف الّتي فيها الأعمال
التي لم يعملوها، قال: فيقرؤونها فيقولون: وعزّتك انّك لتعلم أنّا لم نعلم منها
شيئاً.
فيقول: صدقتم ولكنّكم نويتموها فكتبناها لكم، ثمّ يثابون عليها.
الإيمان عند الموت(17)
عن جذان بن سليمان النيسابوري، قال: حدّثني إبراهيم بن محمّد
الهمداني، قال: قلت لأبي الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليه السّلام): لأيّ علّة أغرق
الله عزّ وجلّ فرعون وقد آمن به وأقرّ بتوحيده؟ قال:
لأنّه آمن عند رؤية البأس، والإيمان عند رؤية البأس غير مقبول،
وذلك حكم الله تعالى في السلف والخلف.
قال الله عزّ وجلّ: (فلمّا رأوا بأسنا قالوا آمنّا بالله وحده
وكفرنا بما كنّا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لمّا رأوا بأسنا)(18).
وقال عزّ وجلّ: (يوم يأتي بعض آيات ربّك ﻻ ينفع نفساً إيمانها
لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيراً)(19)
وهكذا فرعون لمّا أدركه الغرق قال: (آمنت أنّه ﻻ إله إلاّ الذي آمنت به بنو إسرائيل
وأنا من المسلمين).
فقيل له: (آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين، فاليوم ننجيك
ببدنك لتكون لمن خلفك آية)(20)
وقد كان فرعون من قرنه إلى قدمه في الحديد وقد لبسه على بدنه، فلمّا أغرق ألقاه
الله على نجوة من الأرض ببدنه لتكون لمن بعده علامة فيرونه مع تثقله بالحديد على
مرتفع من الأرض وسبيل الثقيل أن يرسب ولا يرتفع وكان ذلك آية وعلامة ولعلّة اخرى
أغرق الله عزّ وجلّ فرعون وهي: انّه استغاث بموسى لما أدركه الغرق ولم يستغث بالله
فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: يا موسى لم تغث فرعون لأنّك لم تخلقه ولو استغاث بي
لأغثته.
خلفاء الأرض(21)
نحن حجج الله في خلقه وخلفاؤه في عباده، وامناؤه على سرّه ونحن
كلمة التقوى، والعروة الوثقى، ونحن شهداء الله وأعلامه في بريّته، بنا يمسك الله
السماوات والأرض أن تزولا، وبنا ينزّل الغيث وينشر الرحمة ولا تخلو الأرض من قائم
منّا ظاهر أو خاف، ولو خلت يوماً بغير حجّة لماجت بأهلها كما يموج البحر بأهله.
الخميس: يوم العرض(22)
عن يونس، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال: سمعته يقول في
الأيّام حين ذكر يوم الخميس فقال:
هو يوم تعرض فيه الأعمال على الله وعلى رسوله (صلى الله عليه
وآله) وعلى الأئمّة (عليهم السلام).
عرض الأعمال(23)
عن عبد الله بن أبان الزيّات، وكان يكنّى عبد الرضا قال: قلت
للرضا (عليه السّلام): ادع الله لي ولأهل بيتي، قال:
أو لست أفعل؟ والله إنّ أعمالكم لتعرض عليّ في كلّ يوم وليلة،
فاستعظمت ذلك.
فقال: أما تقرأ كتاب الله: (قل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله
والمؤمنون)(24).
الإمامة: خلافة الله ورسوله(25)
عن عبد العزيز بن مسلم قال: كنّا في أيّام عليّ بن موسى الرضا
(عليه السّلام) بمرو، فاجتمعنا في مسجد جامعها في يوم جمعة في بدء مقدمنا فأدار
الناس أمر الإمامة وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيّدي ومولاي الرضا
(عليه السّلام) فأعلمته ما خاض الناس فيه، فتبسّم ثمّ قال:
يا عبد العزيز جهل القوم وخدعوا عن أديانهم، إنّ الله تبارك
وتعالى لم يقبض نبيّه (صلى الله عليه وآله) حتّى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن
فيه تفصيل كلّ شيء بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج الناس
إليه كملاً، فقال عزّ وجلّ: (ما فرّطنا في الكتاب من شيء)(26)
وأنزل في حجّة الوداع وهي آخر عمره (صلى الله عليه وآله): (اليوم أكملت لكم دينكم
وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)(27)
فأمر الإمامة من تمام الدين، ولم يمض (صلى الله عليه وآله) حتى بيّن لامّته معالم
دينهم وأوضح لهم سبله وتركهم على قصد الحقّ وأقام لهم عليّاً (عليه السّلام) علماً
وإماماً وما ترك شيئاً يحتاج إليه الامّة إلاّ بيّنه.
فمن زعم أنّ الله عزّ وجلّ لم يكمّل دينه فقد ردّ كتاب الله عزّ
وجلّ، ومن ردّ كتاب الله عزّ وجلّ فهو كافر.
فهل يعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الامّة فيجوز فيها اختيارهم،
إنّ الإمامة أجلّ قدراً وأعظم شأناً وأعلى مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن
يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم.
إنّ الإمامة خصّ الله عزّ وجلّ بها إبراهيم الخليل (عليه
السّلام) بعد النبوّة والخلّة مرتبة ثالثة وفضيلة شرّفه الله بها فأشاد بها ذكره
فقال عزّ وجلّ: (إنّي جاعلك للناس إماماً) فقال الخليل (عليه السّلام) سروراً بها:
(ومن ذرّيتي) قال الله عزّ وجلّ: (ﻻ ينال عهدي الظالمين)(28)
فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة، وصارت في الصفوة.
ثمّ أكرمه الله بأن جعلها في ذرّيته أهل الصفوة والطهارة فقال
عزّ وجلّّ: (ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلاً جعلنا صالحين، وجعلناهم أئمّة
يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا
عابدين)(29).
فلم تزل في ذرّيته يرثها بعض [عن بعض] قرناً فقرناً حتّى ورثها
النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال الله جلّ جلاله: (إنّ أولى الناس بإبراهيم للّذين
اتّبعوه وهذا النبيّ والّذين آمنوا والله وليّ المؤمنين)(30)
فكانت له خاصّة فقلّدها النبي (صلى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السّلام) بأمر
ربّه عزّ وجلّ على رسم ما فرض الله، فصارت في ذرّيته الأصفياء الذين آتاهم الله
العلم والإيمان بقوله عزّ وجلّ: (وقال الذين اوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في
كتاب الله إلى يوم البعث)(31)
فهي في ولد عليّ (عليه السّلام) خاصّة إلى يوم القيامة إذ ﻻ نبيّ بعد محمّد (صلى
الله عليه وآله)، فمن أين يختار هؤلاء الجهّال؟
إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء، إنّ الإمامة
خلافة الله عزّ وجلّ وخلافة الرسول ومقام أمير المؤمنين وميراث الحسن والحسين
(عليهما السلام)، إن الإمامة زمام الدين، ونظام المسلمين، وصلاح الدنيا وعزّ
المؤمنين، إنّ الإمامة اسّ الإسلام النامي، وفرعه السامي، بالإمام تمام الصلاة
والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع
الثغور والأطراف.
الإمام يحلّل حلال الله ويحرّم حرام الله، ويقيم حدود الله،
ويذبّ عن دين الله ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجّة البالغة،
الإمام كالشمس الطالعة للعالم وهي في الافق بحيث ﻻ تنالها الأيدي والأبصار، الإمام
البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجى والبلد
القفار ولجج البحار.
الإمام الماء العذب على الظمأ والدالّ على الهدى والمنجي من
الردى. الإمام النار على اليفاع، الحارّ لمن اصطلى به، والدليل على المسالك، من
فارقه فهالك.
الإمام السحاب الماطر والغيث الهاطل والشمس المضيئة [والسماء
الظليلة] والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة، الإمام الأمين الرفيق
والوالد الرقيق والأخ الشفيق ومفزع العباد في الداهية.
الإمام أمين الله في أرضه وحجّته على عباده وخليفته في بلاده
والداعي إلى الله والذابّ عن حرم الله، الإمام المطهّر من الذنوب المبرّأ من العيوب
مخصوص بالعلم موسوم بالحلم نظام الدين وعزّ المسلمين وغيظ المنافقين وبوار
الكافرين.
الإمام واحد دهره ﻻ يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد به
[منه] بدل ولا له مثل ولا نظير مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه له ولا اكتساب، بل
اختص من المفضّل الوهّاب، فمن ذا الّذي يبلغ بمعرفة الإمام أو يمكنه اختياره؟
هيهات هيهات ضلّت العقول، وتاهت الحلوم، وحارت الألباب، وحسرت
العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيّرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت
الألبّاء، وكلّت الشعراء، وعجزت الادباء، وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو
فضيلة من فضائله فأقرّت بالعجز والتقصير.
وكيف يوصف أو ينعت بكنهه أو يفهم شيء من أمره أو يوجد من يقوم
مقامه ويغني غناءه؟ ﻻ، كيف وأنّى وهو بحيث النجم من أيدي المتناولين ووصف الواصفين؟
فأين الإختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟
أظنّوا أنّ ذلك يوجد في غير آل الرسول صلّى الله عليهم كذبتهم
والله أنفسهم ومنّتهم الأباطيل وارتقوا مرتقاً صعباً دحضاً تزلّ عنه إلى الحضيض
أقدامهم، راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة وآراء مضلّة فلم يزدادوا منه
إلاّ بعداً، قاتلهم الله أنّى يؤفكون، لقد راموا صعباً، وقالوا إفكاً وضلّوا ضلالاً
بعيداً، ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة، وزيّن لهم الشيطان أعمالهم
فصدّهم عن السبيل وكانوا مستبصرين.
رغبوا عن اختيار الله واختيار رسوله إلى اختيارهم والقرآن
يناديهم: (وربّك يخلق ما يشاء ويختار ماكان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عمّا
يشركون)(32).
وقال عزّ وجلّ: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله
أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)(33).
وقال عزّ وجلّ: (مالكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إنّ
لكم فيه لما تخيّرون أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إنّ لكم لما تحكمون
سلهم أيّهم بذلك زعيم أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين)(34).
وقال عزّ وجلّ: (أفلا يتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها)(35)
أم طبع الله على قلوبهم فهم ﻻ يفقهون، أم قالوا: سمعنا وهم ﻻ يسمعون (إنّ شرّ
الدوابّ عند الله الصمّ البكم الذين ﻻ يعقلون ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو
أسمعهم لتولّوا وهم معرضون)(36)
وقالوا سمعنا وعصينا بل هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
فكيف لهم باختيار الإمام؟ والإمام عالم ﻻ يجهل، راع ﻻ ينكل،
معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة، مخصوص بدعوة الرسول وهو نسل
المطهّرة البتول، ﻻ مغمز فيه في نسب، ولا يدانيه ذو حسب، في البيت من قريش، والذروة
من هاشم، والعترة من آل الرسول، والرضا من الله، شرف الأشراف، والفرع من عبد مناف.
نامي العلم، كامل الحلم، مضطلع بالإمامة، عالم بالسياسة، مفروض
الطاعة قائم بأمر الله، ناصح لعباد الله، حافظ لدين الله.
إنّ الأنبياء والأئمّة يوفّقهم الله عزّ وجلّ ويؤتيهم من مخزون
علمه وحكمه مالا يؤتيه غيرهم فيكون علمهم فوق كلّ علم أهل زمانهم في قوله تبارك
وتعالى: (أفمن يهدي إلى الحقّ أحقّ أن يتّبع أمّن ﻻ يهدّي إلاّ أن يهدى فما لكم كيف
تحكمون)(37).
وقوله عزّ وجلّ: (ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراً)(38).
وقوله عزّ وجلّ في طالوت: (إنّ الله اصـــطفاه عليكم وزاده بسطـــة في
العـــلم والجـــسم والله يـــؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم)(39).
وقال عزّ وجلّ لنبيّه (صلى الله عليه وآله): (وكان فضل الله
عليك عظيماً)(40).
وقال عزّ وجلّ في الأئمّة من أهل بيته وعترته وذرّيته (صلى الله
عليه وآله): (أم يحسدون الناس على ماآتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم
الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً فمنهم من آمن به ومنهم من صدّ عنه وكفى
بجهنّم سعيراً)(41).
وإنّ العبد إذا اختاره الله عزّ وجلّ لامور عباده شرح صدره
لذلك، وأودع قلبه ينابيع الحكمة، وألهمه العلم إلهاماً، فلم يعي بعده بجواب، ولا
يحيّر فيه عن الصواب، وهو معصوم مؤيّد موفّق مسدّد قد أمن الخطايا والزلل والعثار،
وخصّه الله عزّ وجلّ بذلك ليكون حجّته على عباده وشاهده على خلقه، وذلك فضل الله
يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، فهل يقدرون على مثل هذا فيختاروه؟ أو يكون
مختارهم بهذه الصفة فيقدّموه؟ تعدّوا وبيت الله الحقّ، ونبذوا كتاب الله وراء
ظهورهم كأنّهم ﻻ يعلمون، وفي كتاب الله الهدى والشفاء، فنبذوه واتّبعوا أهواءهم
فذمّهم الله ومقتهم وأتعسهم فقال عزّوجلّ: (ومن أضلّ ممّن اتّبع هواه بغير هدى من
الله إنّ الله ﻻ يهدي القوم الظالمين)(42).
وقال عزّ وجلّ: (فتعساً لهم وأضلّ أعمالهم)(43).
وقال عزّ وجلّ: (كبر مقتاً عند الله وعند الّذين آمنوا كذلك
يطبع الله على كلّ قلب متكبّر جبّار)(44).
الفرق بين الرسول والإمام(45)
كتب الحسن بن العبّاس بن المعروف إلى الرضا (عليه السّلام):
جعلت فداك أخبرني ما الفرق بين الرسول والنبيّ والإمام؟ قال: فكتب أو قال:
الفرق بين الرسول والنبيّ والإمام هو أنّ الرسول الذي ينزل عليه
جبرئيل فيراه ويسمع كلامه.
والنبيّ ينزل عليه جبرئيل فيراه ويسمع كلامه، والنبيّ الذي ينزل
عليه جبرئيل وربّما نبّئ في منامه نحو رؤيا إبراهيم، والنبيّ ربما يسمع الكلام
وربما يرى الشخص ولم يسمع الكلام، والإمام هوالذي يسمع [الكلام] ولا يرى الشخص.
هم العروة الوثقى(46)
الأئمة من وُلد الحسين (عليه السلام) من أطاعهم
فقد أطاع الله ومن عصاهم فقد عصى الله عز وجل هم العروة الوثقى، وهم الوسيلة إلى
الله عز وجل.
أمير كل مؤمن(47)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
من أحبّ أن يتمسّك بديني ويركب سفينة النجاة بعدي فليقتد بعليّ
بن أبي طالب وليعاد عدوّه وليوال وليّه، فإنّه وصيّي وخليفتي على امّتي في حياتي
وبعد وفاتي وهو إمام كلّ مسلم وأمير كل مؤمن بعدي، قوله قولي، وأمره أمري ونهيه
نهيي، وتابعه تابعي، وناصره ناصري، وخاذله خاذلي.
ثم قال (عليه السّلام): من فارق عليّاً بعدي لم يرني ولم أره
يوم القيامة، ومن خالف عليّاً حرّم الله عليه الجنّة وجعل مأواه النار وبئس المصير،
ومن خذل عليّاً خذله الله يوم يعرض عليه، ومن نصر علياً نصره الله يوم يلقاه ولقنه
حجّته عند المساءلة.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): الحسن والحسين إماما امّتي بعد
أبيهما، وسيّدا شباب أهل الجنّة، امّهما سيّدة نساء العالمين وأبوهما سيّد
الوصيّين، ومن ولد الحسين تسعة أئمّة، تاسعهم القائم من ولدي طاعتهم طاعتي،
ومعصيتهم معصيتي، إلى الله أشكو المنكرين لفضلهم والمضيعين لحرمتهم بعدي، وكفى
بالله وليّاً وناصراً لعترتي وأئمّة امّتي، ومنتقماً من الجاحدين لحقّهم (وسيعلم
الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون)(48).
عدد الأنبياء(49)
عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال:
خلق الله عزّ وجلّ ألف نبيّ وأربعة وعشرين ألف نبيّ، أنا أكرمهم
على الله ولا فخر، وخلق الله عزّ وجلّ مائة ألف وصيّ وأربعة وعشرين ألف وصيّ، فعليّ
أكرمهم على الله وأفضلهم.
إمام الخليقة(50)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
عليّ منّي وأنا من عليّ، قاتل الله من قاتل عليّاً، لعن الله من
خالف عليّاً، عليّ إمام الخليقة بعدي من تقدّم على عليّ فقد تقدّم عليّ، ومن فارقه
فقد فارقني، ومن آثر عليه فقد آثر عليّ، أنا سلم لمن سالمه وحرب لمن حاربه ووليّ
لمن والاه وعدوّ لمن عاداه.
ذاك أمير المؤمنين (عليه السّلام)(51)
عن الحسين بن خالد، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) قال:
سألته فقلت: قوله: (الرحمن علّم القرآن) قال:
إنّ الله علّم القرآن.
قال: قلت: (خلق الإنسان علّمه البيان)(52).
قال: ذاك أمير المؤمنين (عليه السّلام) علّمه بيان كلّ شيء ممّا
يحتاج الناس إليه.
الله يزوّج فاطمة(53)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
أتاني ملك فقال: يا محمّد إنّ الله يقرؤك السلام ويقول لك: قد
زوّجت فاطمة من عليّ فزوّجها منه، وقد أمرت شجرة طوبى أن تحمل الدرّ والياقوت
والمرجان، وإنّ أهل السماء قد فرحوا بذلك، وسيولد منهما ولدان سيّدا شباب أهل
الجنّة وبهما تتزيّن أهل الجنّة، فأبشر يا محمّد فإنّك خير الأولين والآخرين.
إيمان أبي طالب(54)
عن أبان بن محمّد قال: كتبت إلى الإمام عليّ بن موسى الرضا
(عليه السّلام): جعلت فداك انّي شككت في إيمان أبي طالب، قال: فكتب:
بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد: فمن (يتبع غير سبيل المؤمن
نولّه ما تولّى)(55)
انّك إن لم تقرّ بإيمان أبي طالب كان مصيرك إلى النار.
الأئمّة ليسوا أنبياء(56)
سليمان الجعفري قال: كنت عند أبي الحسن الرضا (عليه السّلام)
والبيت مملوء من الناس يسألونه وهو يجيبهم، فقلت في نفسي: ينبغي أن يكونوا أنبياء.
فترك الناس ثمّ التفت إليّ فقال:
يا سليمان إنّ الأئمّة حلماء علماء يحسبهم الجاهل أنبياء وليسوا
أنبياء.
رؤيا المعصومين(57)
عن الحسن بن علي ابن بنت الياس عن أبي الحسن الرضا (عليه
السّلام) قال:
قال لي إبتداءً: إنّ أبي كان عندي البارحة.
قلت: أبوك؟
قال: أبي.
قلت: أبوك؟
قال: أبي.
قلت: أبوك؟
قال: [أبي] في المنام، إنّ جعفراً كان يجيئ إلى أبي فيقول يا
بنيّ افعل كذا يا بني افعل كذا [يا بني افعل كذا].
قال: فدخلت عليه بعد ذلك، فقال لي: يا حسن إنّ منامنا ويقظتنا
واحدة.
ﻻ جبر ولا تفويض(58)
علي بن موسى الرضا (عليه السّلام) سأله الفضل بن سهل في مجلس
المأمون فقال:
يا أبا الحسن الناس مجبرون؟ فقال:
الله أعدل من أن يجبر ثمّ يعذّب.
قال: فمطلقون؟
قال: الله أحكم من أن يهمل عبده ويكله إلى نفسه.
المعصية ممّن(59)
خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق (عليه السّلام): فاستقبله
موسى بن جعفر (عليه السّلام) فقال له:
يا غلام ممّن المعصية؟
فقال (عليه السّلام): ﻻ تخلو من ثلاثة:
امّا أن تكون من الله عزّ وجلّ وليست منه فلا ينبغي للكريم أن
يعذّب عبده بما لم يكتسبه.
وامّا أن تكون من الله عزّ وجلّ ومن العبد فلا ينبغي للشريك
القويّ أن يظلم الشريك الضعيف.
وامّا أن تكون من العبدوهي منه فإن عاقبه الله فبذنبه وان عفى
عنه فبكرمه وجوده.
من مختصات المهدي(عليه السّلام)(60)
ﻻ يرى جسمه ولا يسمّى باسمه.
علامة المهديّ (عليه السّلام)(61)
عن أبي الصلت الهروي قال: قلت للرّضا (عليه السّلام): ما علامة
القائم منكم إذا خرج؟ قال:
علامته أن يكون شيخ السنّ شابّ المنظر، حتّى أنّ الناظر إليه
ليحسبه ابن أربعين سنة أو دونها وانّ من علامته أن ﻻ يهرم بمرور الأيام والليالي
عليه حتّى يأتيه أجله.
النداء باسم المهديّ (عليه السّلام)(62)
عن الحسين بن خالد قال: قال عليّ بن موسى الرّضا (عليه
السّلام):
ﻻ دين لمن ﻻ ورع له ولا ايمان لمن ﻻ تقيّة له أنّ أكرمكم عند
الله أعملكم بالتقيّة.
فقيل له: يابن رسول الله إلى متى؟
قال: إلى يوم الوقت المعلوم وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت فمن
ترك التقيّة قبل خروج قائمنا فليس منّا.
فقيل له: يابن رسول الله ومن القائم منكم أهل البيت؟
قال: الرّابع من ولدي ابن سيّدة الإماء، يطهّر الله به الأرض من
كل جور، ويقدسها من كلّ ظلم وهو الذي يشكّ الناس في ولادته وهو صاحب الغيبة قبل
خروجه، فإذا خرج أشرقت الأرض بنوره، ووضع ميزان العدل بين الناس، فلا يظلم أحد
أحداً.
وهو الذي تطوي له الأرض، ولا يكون له ظلّ، وهو الذي ينادي مناد
من السماء باسمه، يسمعه جميع أهل الأرض بالدعّاء إليه.
يقول: الا انّ حجّة الله قد ظهر عند بيت الله فاتّبعوه، فإن
الحقّ معه وفيه، وهو قول الله عزّ وجلّ (انّ نشأ ننزّل عليهم من السماء آية فظلّت
أعناقهم لها خاضعين)(63).
الرابع من ولد الرضا (عليه السّلام)(64)
عن الريّان بن الصلت، قال: قلت للرضا (عليه السّلام): أنت صاحب
هذا الأمر؟ فقال:
أنا صاحب هذا الأمر، ولكنّي لست بالذي أملأها عدلاً كما ملئت
جوراً، وكيف أكون ذاك على ما ترى من ضعف بدني؟
وانّ القائم هو الذي إذا خرج كان في سنّ الشيوخ، ومنظر الشبّان.
قويّاً في بدنه حتّى لو مدّ يديه إلى أعظم شجرة على وجه الأرض لقلعها، ولو صاح بين
الجبال لتدكدكت صخورها، يكون معه عصا موسى، وخاتم سليمان (عليهما السلام). ذاك
الرابع من ولدي يغيبه الله في ستره ما شاء ثمّ يظهره فيملا به الأرض قسطاً وعدلاً
كما ملئت جوراً وظلماً.
الإيمان فوق الإسلام(65)
الإيمان فوق الإسلام بدرجة، والتقوى فوق الإيمان بدرجة، واليقين
فوق التقوى بدرجة ولم يقسم بين العباد شيء أقلّ من اليقين.
من معتقدات الشيعة(66)
من أقّر بتوحيد الله ونفى التشبيه عنه، ونزّهه عما ﻻ يليق له،
واقر بان له الحول والقوة والارادة والمشية، والخلق والامر، والقضاء والقدر، وان
افعال العباد مخلوقة خلق تقدير ﻻ خلق تكوين، وشهد ان محمّداً رسول الله (صلى الله
عليه وآله) وان علياً والأئمة بعده حجج الله، ووالى اولياءهم وعادى اعداءهم واجتنب
الكبائر، واقرّ بالرجعة والمتعتين، وآمن بالمعراج، والمساءلة في القبر، والحوض
والشفاعة وخلق الجنة والنار، والصراط والميزان، والبعث والنشور، والجزاء والحساب،
فهو مؤمن حقاً، وهو من شيعتنا أهل البيت.
هذا هو الإيمان(67)
عن أبي الصلت الهروي قال: سألت الرضا (عليه السّلام) عن
الإيمان؟
فقال:
الإيمان عقد بالقلب ولفظ بالسان، وعمل بالجوارح، ﻻ يكون الإيمان
إلاّ هكذا.
من أركان الإيمان(68)
الإيمان أربعة اركان: التوكل على الله عزّ وجلّ، والرّضا بقضائه
والتسليم لأمر الله والتفويض إلى الله.
قال عبد صالح: (وافوّض أمري إلى الله)، (فوقاه الله سيّئات
مامكروا)(69).
امر بين الأمرين(70)
قال له بعض اصحابه: روي لنا عن الصادق (عليه السّلام) انه قال:
(ﻻ جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين) فما معناه؟
قال: من زعم انّ الله فوّض امر الخلق والرزق الى عباده فقد قال
بالتفويض.
قلت: يابن رسول الله والقائل به مشرك؟
فقال: نعم، ومن قال بالجبر فقد ظلم الله تعالى.
فقلت: يابن رسول الله فما أمر بين أمرين؟
فقال: وجود السبيل الى اتيان ما امروا به، وترك ما نهوا عنه.
افعال العباد(71)
قال وقد قال له رجل: ان الله تعالى فوض الى العباد افعالهم؟
فقال:
هم اضعف من ذلك وأقلّ.
قال: فجبرهم؟
قال: هو اعدل من ذلك واجلّ.
قال: فكيف تقول؟
قال: نقول: ان الله امرهم ونهاهم واقدرهم على ما أمرهم به
ونهاهم عنه.
ﻻ مجبورون ولا مطلقون(72)
سأله (عليه السّلام) الفضل بن الحسن بن سهل، الخلق مجبورون؟
قال:
الله أعدل من أن يجبر ويعذب.
قال: فمطلقون؟
قال: الله احكم أن يهمل عبده ويكله الى نفسه.
|