الأنبياء والخمر(1)
ما بعث الله عزّ وجلّ نبيّا إلاّ بتحريم الخمر، وأن يقرّ له
بأنّ الله يفعل ما يشاء، وأن يكون في تراثه الكندر.
فلسفة الأحكام(2)
إن سأل سائل فقال: أخبرني هل يجوز أن يكلّف الحكيم عبده فعلاً
من الأفاعيل لغير علّة ولا معنى؟ قيل له:
ﻻ يجوز ذلك لأنّه حكيم غير عابث ولا جاهل.
فإن قال قائل: فأخبرني لم كلّف الخلق؟
قيل: لعلل.
فإن قال: فأخبرني عن تلك العلل معروفة موجودة هي أم غير معروفة
ولا موجودة؟
قيل: بل هي معروفة وموجودة عند أهلها.
فإن قال قائل: أتعرفونها أنتم أم ﻻ تعرفونها؟
قيل لهم: منها ما نعرفه، ومنها ما ﻻ نعرفه.
فإن قال قائل: فما أوّل الفرائض؟
قيل: الإقرار بالله عزّ وجلّ وبرسوله وحجّته (عليهم السلام)
وبما جاء من عند الله عزّ وجلّ
فإن قال قائل: لم أمر الخلق بالإقرار بالله وبرسوله وحجته وبما
جاء من عند الله عز وجل؟
قيل: لعلل كثيرة:
منها: أنّ من لم يقرّ بالله عزّ وجلّ لم يتجنّب معاصيه ولم ينته
عن ارتكاب الكبائر، ولم يراقب أحداً فيما يشتهي ويستلذّ من الفساد والظلم، فإذا فعل
الناس هذه الأشياء وارتكب كلّ انسان ما يشتهي ويهواه من غير مراقبة لأحد كان في ذلك
فساد الخلق أجمعين ووثوب بعضهم على بعض، فغصبوا الفروج والأموال وأبا حوا الدماء
والسبي وقتل بعضهم بعضاً من غير حقّ ولا جرم، فيكون في ذلك خراب الدنيا، وهلاك
الخلق، وفساد الحرث والنسل.
ومنها: أنّ الله عزّ وجلّ حكيم، ولا يكون الحكيم ولا يوصف
بالحكمة إلاّ الّذي يحظر الفساد، ويأمر بالصلاح، ويزجر عن الظلم، وينهى عن الفواحش
ولا يكون حظر الفساد والأمر بالصلاح والنهي عن الفواحش إلاّ بعد إلإقرار بالله عزّ
وجلّ ومعرفة الآمر والناهي، فلو ترك الناس بغير إقرار بالله ولا معرفته لم يثبت أمر
بصلاح، ولا نهي عن فساد، إذ ﻻ آمر ولا ناهي.
ومنها: أنّا قد وجدنا الخلق [قد] يفسدون بامور باطنة، مستورة عن
الخلق، فلولا الإقرار بالله عزّ وجلّ وخشيته بالغيب لم يكن أحد إذا خلا بشهوته
وإرادته يراقب أحداً في ترك معصية، وانتهاك حرمة، وارتكاب كبيرة، إذا كان فعله ذلك
مستوراً عن الخلق، بغير مراقب لأحد، وكان يكون في ذلك هلاك الخلق أجمعين، فلم يكن
قوام الخلق وصلاحهم إلاّ بالإقرار منهم بعليم خبير، يعلم السرّ وأخفى، آمر بالصلاح
ناه عن الفساد، ولا يخفى عليه خافية، ليكون في ذلك انزجار لهم يخلون به من أنواع
الفساد.
فإن قال قائل: فلم وجب عليكم معرفة الرسل والإقرار بهم والإذعان
لهم بالطاعة؟
قيل له: لأنّه لمّا لم يكتف في خلقهم وقواهم ما يثبتون به
لمباشرة الصانع عزّ وجلّ حتّى يكلّمهم ويشافههم لضعفهم وعجزهم وكان الصانع متعالياً
عن أن يرى ويباشر، وكان ضعفهم وعجزهم عن إدراكه ظاهراً لم يكن بدّ لهم من رسول بينه
وبينهم، معصوم يؤدّي إليهم أمره ونهيه وأدبه، ويقفهم على ما يكون به اجتلاب
منافعهم، ودفع مضارّهم، إذ لم يكن في خلقهم ما يعرفون به ما يحتاجون إليه من
منافعهم ومضارّهم، فلو لم يجب عليهم معرفته وطاعته لم يكن لهم في مجيء الرسول منفعة
ولا سدّ حاجة، ولكان يكون إتيانه عبثاً لغير منفعة ولا صلاح، وليس هذا من صفة
الحكيم الذي أتقن كلّ شيء.
فإن قال قائل: فلم جعل اولي الأمر وأمر بطاعتهم؟
قيل: لعلل كثيرة:
منها: أنّ الخلق لمّا وقفوا على حدّ محدود وأمروا أن ﻻ يتعدّوا
تلك الحدود لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلاّ بأن يجعل عليهم فيها
أميناً يأخذهم بالوقت عند ما ابيح لهم ويمنعهم من التعدّي على ما حظر عليهم لأنّه
لو لم يكن ذلك لكان أحد ﻻ يترك لذّته ومنفعته لفساد غيره، فجعل عليهم قيّماً يمنعهم
من الفساد، ويقيم فيهم الحدود والأحكام.
ومنها: أنّا ﻻ نجد فرقة من الفرق ولا ملّة من الملل بقوا وعاشوا
إلاّ بقيّم ورئيس لما ﻻ بدّلهم منه في أمر الدين والدنيا، فلم يجز في حكمة الحكيم
أن يترك الخلق ممّا يعلم أنّه لابدّ لهم منه ولا قوام لهم إلاّ به فيقاتلون به
عدوّهم، ويقسّمون به فيئهم، ويقيمون به جمعتهم وجماعتهم، ويمنع ظالمهم من مظلومهم.
ومنها: أنّه لو لم يجعل لهم إماماً قيّماً أميناً حافظاً
مستودعاً لدرست الملّة، وذهب الدين، وغيّرت السنن والأحكام، ولزاد فيه المبتدعون،
ونقص منه الملحدون، وشبّهوا ذلك على المسلمين، إذ قد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين،
غير كاملين، مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتّت حالاتهم، فلو لم يجعل فيها قيّماً
حافظاً لما جاء به الرسول الأوّل لفسدوا على نحو ما بينّاه، وغيّرت الشرايع والسنن
والأحكام والإيمان، وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين.
فإن قيل: فلم ﻻ يجوز أن يكون في الأرض إمامان في وقت واحد أو
أكثر من ذلك؟
قيل: لعلل:
منها: أنّ الواحد ﻻ يختلف فعله وتدبيره، والإثنين ﻻ يتّفق
فعلهما وتدبيرهما، وذلك إنّا لم نجد اثنين إلاّ مختلفي الهمم والإرادة فإذا كانا
اثنين ثمّ اختلف هممهما وإرادتهما وكانا كلاهما مفترضي الطاعة لم يكن أحدهما أولى
بالطاعة من صاحبه، فكان يكون في ذلك اختلاف الخلق والتشاجر والفساد، ثمّ ﻻ يكون أحد
مطيعاً لأحدهما إلاّ وهو عاص للآخر فتعمّ المعصية أهل الأرض، ثمّ ﻻ يكون لهم مع ذلك
السبيل إلى الطاعة والإيمان، ويكونون انّما أتوا في ذلك من قبل الصانع والذي وضع
لهم باب الاختلاف وسبب التشاجر إذ أمرهم باتّباع المختلفين.
ومنها: أنّه لو كانا إمامين لكان لكلّ من الخصمين أن يدعو إلى
غير الذي يدعو إليه الآخر في الحكومة، ثمّ ﻻ يكون أحدهما أولى بأن يتّبع صاحبه من
الآخر فتبطل الحقوق والأحكام والحدود.
ومنها: أنّه ﻻ يكون واحد من الحجّتين أولى بالنظر والحكم والأمر
والنهي من الآخر، فإذا كان هكذا كذلك وجب عليهما أن يبتدءا بالكلام، وليس لأحدهما
أن يسبق صاحبه بشيء إذا كانا في الإمامة شرعاً واحداً، فإن جاز لأحدهما السكوت جاز
للآخر مثل ذلك، وإذا جاز لهما السكوت بطلت الحقوق والأحكام وعطّلت الحدود، وصار
الناس كأنّهم ﻻ إمام لهم.
فإن قيل: فلم ﻻ يجوز أن يكون الإمام من غير جنس الرسول (صلى
الله عليه وآله)؟
قيل: لعلل:
منها: أنّه لمّا كان الإمام مفترض الطاعة لم يكن بدّ من دلالة
تدلّ عليه ويتميّز بها من غيره، وهي القرابة المشهورة، والوصيّة الظاهرة ليعرف من
غيره ويهتدي إليه بعينه.
ومنها: أنّه لو جاز في غير جنس الرسول لكان قد فضل من ليس برسول
على الرسول، إذ جعل أولاد الرسول أتباعاً لأولاد أعدائه، كأبي جهل وابن أبي معيط،
لأنّه قد يجوز بزعمه أن ينتقل ذلك في أولادهم إذا كانوا مؤمنين، فيصير أولاد الرسول
تابعين، وأولاد أعداء الله وأعداء رسوله متبوعين، وكان الرسول أولى بهذه الفضيلة من
غيره وأحقّ.
ومنها: أنّ الخلق إذا أقرّوا للرسول بالرسالة وأذعنوا له
بالطاعة لم يتكبّر أحد منهم عن أن يتّبع ولده ويطيع ذرّيته ولم يتعاظم ذلك في أنفس
الناس، وإذا كان في غير جنس الرسول كان كلّ واحد منهم في نفسه أولى به من غيره،
ودخلهم من ذلك الكبر، ولم تسخ أنفسهم بالطاعة لمن هو عندهم دونهم، فكان يكون في ذلك
داعية لهم إلى الفساد والنفاق والإختلاف.
فإن قال قائل: فلم وجب عليهم الإقرار والمعرفة بأنّ الله تعالى
واحد أحد؟
قيل: لعلل:
منها: أنّه لو لم يجب ذلك عليهم لجاز لهم أن يتوهّموا مدبّرين
أو أكثر من ذلك، وإذا جاز ذلك لم يهتدوا إلى الصانع لهم من غيره لأنّ كلّ إنسان
منهم ﻻ يدري لعلّه انّما يعبد غير الّذي خلقه، ويطيع غير الذي أمره، فلا يكونوا على
حقيقة من صانعهم وخالقهم، ولا يثبت عندهم أمر آمر ولا نهي ناه، إذ ﻻ يعرف الآمر
بعينه ولا الناهي من غيره.
ومنها: أنّه لو جاز أن يكون اثنين لم يكن أحد الشريكين أولى بأن
يعبدو يطاع من الآخر، وفي إجازة أن يطاع ذلك الشريك إجازة أن ﻻ يطاع الله، وفي أن ﻻ
يطاع الله عزّ وجلّ الكفر بالله وبجميع كتبه ورسله، وإثبات كلّ باطل، وترك كلّ حقّ،
وتحليل كلّ حرام، وتحريم كلّ حلال، والدخول في كلّ معصية، والخروج من كل طاعة،
وإباحة كلّ فساد، وإبطال كل حقّ.
ومنها: أنّه لو جاز أن يكون أكثر من واحد لجاز لإبليس أن يدّعي
أنّه ذلك الآخر، حتى يضادّ الله تعالى في جميع حكمه، ويصرف العباد إلى نفسه، فيكون
في ذلك أعظم الكفر وأشدّ النفاق.
فإن قال: فلم وجب عليهم الإقرار بالله بأنّه ليس كمثله شيء؟
قيل: لعلل:
منها: لأن يكونوا قاصدين نحوه بالعبادة والطاعة دون غيره، غير
مشبه عليهم ربّهم وصانعهم ورازقهم.
ومنها: أنّهم لولم يعلموا أنّه ليس كمثله شيء لم يدروا لعلّ
ربّهم وصانعم هذه الأصنام التي نصبها لهم آباؤهم والشمس والقمر والنيران إذا كان
جائزاً أن يكون مشبّهاً، وكان يكون في ذلك الفساد، وترك طاعاته كلّها، وارتكاب
معاصيه كلّها، على قدر ما يتناهى إليهم من أخبار هذه الأرباب وأمرها ونهيها.
ومنها: أنّه لو لم يجب عليهم أن يعرفوا أنّه ليس كمثله شيء لجاز
عندهم أن يجري عليه ما يجري على المخلوقين من العجز والجهل والتغيير والزوال
والفناء والكذب والإعتداء، ومن جازت عليه هذه الأشياء لم يؤمن فناؤه ولم يوثق بعد
له، ولم يحقّق قوله وأمره ونهيه، ووعده ووعيده وثوابه وعقابه، وفي ذلك فساد الخلق
وإبطال الربوبيّة.
فإن قال قائل: لم أمر الله تعالى العباد ونهاهم؟
قيل: لأنّه ﻻ يكون بقاؤهم وصلاحهم إلاّ بالأمر والنهي والمنع عن
الفساد والتغاصب.
فإن قال قائل: لم تعبّدهم؟
قيل: لئلاّ يكونوا ناسين لذكره، ولا تاركين لأدبه، ولا لاهين عن
أمره ونهيه، إذ كان فيه صلاحهم وفسادهم وقوامهم، فلو تركوا بغير تعبّد لطال عليهم
الأمد فقست قلوبهم.
فإن قيل: فلم امروا بالصلاة؟
قيل: لأنّ في الصلاة الإقرار بالربوبيّة، وهو صلاح عامّ لأنّ
فيه خلع الأنداد، والقيام بين يدي الجبّار بالذلّ والإستكانة والخضوع، والإعتراف
والطلب في الإقالة من سالف الذنوب، ووضع الجبهة على الأرض كلّ يوم، ليكون ذاكراً
لله تعالى غير ناس له، ويكون خاشعاً، وجلاً، متذلّلاً، طالباً، راغباً مع طلب للدين
والدنيا بالزيادة، مع مافيه من الإنزجار عن الفساد جدّاً، وصار ذلك عليه في كلّ يوم
وليلة لئلاّ ينسى العبد مدبّره وخالقه فيبطر ويطغى، وليكون في ذكر خالقه والقيام
بين يدي ربّه زاجراً له عن المعاصي، وحاجزاً ومانعاً عن أنواع الفساد.
فإن قال قائل: فلم أمر بالوضوء وبدأ به؟
قيل: لأنّه يكون العبد طاهراً إذا قام بين يدي الجبّار عند
مناجاته إيّاه، مطيعاً له فيما أمره، نقيّاً من الأدناس والنجاسة، مع ما فيه من
ذهاب الكسل وطرد النعاس، وتزكية الفؤاد للقيام بين يدي الجبّار.
فإن قال قائل: فلم وجب ذلك على الوجه واليدين ومسح الرأس
والرجلين؟
قيل: لأنّ العبد إذا قام بين يدي الجبّار قايماً ينكشف من
جوارحه ويظهر ما وجب فيه الوضوء، وذلك أنّه بوجهه يستقبل ويسجد ويخضع، وبيده يسأل
ويرغب ويرهب ويتبتّل، وبرأسه يستقبل في ركوعه وسجوده، وبرجليه يقوم ويقعد.
فإن قيل: فلم وجب الغسل على الوجه واليدين، والمسح على الرأس
والرجلين، ولم يجعل غسلاً كلّه ولا مسحاً كلّه؟
قيل: لعلل شتّى:
منها: أنّ العبادة انّما هي الركوع والسجود، وانّما يكون الركوع
والسجود بالوجه واليدين ﻻ بالرأس والرجلين.
ومنها: أنّ الخلق ﻻ يطيقون في كلّ وقت غسل الرأس والرجلين
ويشتدّ ذلك عليهم في البرد والسفر والمرض والليل والنهار، وغسل الوجه واليدين أخفّ
من غسل الرأس والرجلين، وانّما وضعت الفرايض على قدر أقلّ الناس طاقة من أهل الصحّة
ثمّ عمّ فيها القويّ والضعيف.
ومنها: أنّ الرأس والرجلين ليسا هما في كلّ وقت باديين وظاهرين
كالوجه واليدين، لموضع العمامة والخفّين وغير ذلك.
فإن قال قائل: فلم وجب الوضوء ممّا خرج من الطرفين خاصّة ومن
النوم دون سائر الأشياء؟
قيل: لأنّ الطرفين هما طريق النجاسة، وليس للإنسان طريق تصيبه
النجاسة من نفسه إلاّ منهما، فامروا بالطهارة عند ما تصيبهم تلك النجاسة من أنفسهم،
وأمّا النوم فإنّ النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كلّ شيء منه واسترخى وكان أغلب
الأشياء كلّه فيما يخرج منه فوجب عليه الوضوء بهذه العلّة.
فإن قال قائل: فلم لم يؤمروا بالغسل من هذه النجاسة كما امروا
بالغسل من الجنابة؟
قيل: لأنّ هذا شيء دائم غير ممكن للخلق الإغتسال منه كلّما يصيب
ذلك و(ﻻ يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها)(3).
والجنابة ليست هي أمراً دائماً، انّما هي شهوة يصيبها إذا أراد، ويمكنه تعجيلها
وتأخيرها للأيّام الثلاثة والأقلّ والأكثر، وليس ذلك هكذا.
فإن قيل: فلم امروا بالغسل من الجنابة ولم يؤمروا بالغسل من
الخلاء وهو أنجس من الجنابة وأقذر؟
قيل: من أجل أنّ الجنابة من نفس الإنسان وهو شيء يخرج من جميع
جسده، والخلاء ليس هو من نفس الإنسان انّما هو غذاء يدخل من باب ويخرج من باب.
فإن قال قائل: فلم صار الإستنجاء بالماء فرضاً؟
قيل: لأنّه ﻻ يجوز للعبد أن يقوم يدي الجبّار وشيء من ثيابه
وجسده نجس.
فإن قال قائل: فأخبرني عن الأذان لم امروا به؟ قيل: لعلل كثيرة:
منها: أن يكون تذكيراً للساهي، وتنبيهاً للغافل، وتعريفاً لمن
جهل الوقت واشتغل عنه وداعياً إلى عبادة الخالق، مرغّباً فيها، مقرّاً له بالتوحيد،
مجاهراً بالإيمان، معلناً بالإسلام، مؤذناً لمن يتساهى وإنّما يقال: مؤذّن، لأنّه
المؤذن بالصلاة.
فإن قيل: فلم بدأ بالتكبير قبل التسبيح والتهليل والتحميد؟
قيل: لأنّه أراد أن يبدأ بذكره واسمه لأنّ اسم الله تعالى في
التكبير في أوّل الحرف، وفي التسبيح والتهليل والتحميد إسم الله في آخر الحرف فبدأ
بالحرف الذي اسم الله في أوّله ﻻ في آخره.
فإن قيل: فلم جعل مثنى مثنى؟
قيل: لان يكون مكرّراً في آذان المستمعين، مؤكّداً عليهم، إن
سها أحد عن الأوّل لم يسه عن الثاني، ولأنّ الصلاة ركعتان ركعتان فكذلك جعل الأذان
مثنى مثنى.
فإن قال قائل: فلم جعل التكبير في أوّل الأذان أربعاً؟
قيل: لأنّ أوّل الأذان انّما يبدؤ غفلة، وليس قبله كلام يتنبّه
المستمع له فجعل الأولين تنبيهاً للمستمعين لما بعده في الأذان.
فإن قال قائل: فلم جعل بعد التكبيرين الشهادتين؟
قيل: لأنّ أوّل الإيمان هو التوحيد والإقرار لله عزّ وجلّ
بالوحدانيّة، والثاني الإقرار للرسول بالرسالة، لأنّ طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان،
ولأنّ أصل الإيمان انّما هو الشهادة، فجعلت الشهادتين شهادتين، كما جعل في سائر
الحقوق شهادتين، فإذا أقرّ لله بالوحدانيّة وأقرّ للرسول بالرسالة فقد أقرّ بجملة
الإيمان، لأنّ اصل الإيمان انّما هو الإقرار بالله ورسوله.
فإن قال قائل: فلم جعل بعد الشهادتين الدعاء إلى الصلاة؟
قيل: لأنّ الأذان انّما وضع لموضع الصلاة، وانّما هو نداء إلى
الصلاة، فجعل النداء إلى الصلاة في وسط الأذان فقدّم قبلها أربعاً، التكبيرتين
والشهادتين، وأخّر بعدها أربعاً يدعو إلى الفلاح حثّاً على البرّ والصلاة، ثم دعا
إلى خير العمل، مرغّباً فيها وفي عملها وفي أدائها، ثمّ نادى بالتكبير والتهليل
ليتمّ بعدها أربعاً، كماأتمّ قبلها أربعاً، وليختم كلامه بذكر الله تعالى وتحميده
كما فتحه بذكره وتحميده.
فإن قال قائل: فلم جعل آخرها التهليل ولم يجعل آخرها التكبير
كما جعل في أوّلها التكبير؟
قيل: لأنّ التهليل اسم الله في آخر الحرف منه فأحبّ الله تعالى
أن يختم الكلام باسمه كما فتحه باسمه.
فإن قيل: فلم لم يجعل بدل التهليل التسبيح أو التحميد واسم الله
في آخر الحرف من هذين الحرفين؟
قيل: لأنّ التهليل إقرار لله تعالى بالتوحيد وخلع الأنداد من
دون الله، وهو أوّل الإيمان وأعظم من التسبيح والتحميد.
فإن قال قائل: فلم بدأ في الإستفتاح والركوع والسجود والقيام
والقعود بالتكبير؟
قيل: للعلّة الّتي ذكرناها في الأذان.
فإن قال: فلم جعل الدعاء في الركعة الأولى قبل القراءة؟ ولم جعل
في الركعة الثانية القنوت بعد القراءة؟
قيل: لأنّه أحبّ أن يفتح قيامه لربّه وعبادته بالتحميد والتقديس
والرغبة والرهبة، ويختمه بمثل ذلك وليكون في القيام عند القنوت بعض الطول فأحرى أن
يدرك المدرك الركوع فلا تفوته الركعتان في الجماعة.
فإن قال: فلم امروا بالقراءة في الصلاة؟
قيل: لئلاّ يكون القرآن مهجوراً مضيّعاً، بل يكون محفوظاً
مدروساً فلا يضمحلّ ولا يجهل.
فإن قال: فلم بدء بالحمد في كلّ قراءة دون سائر السور؟
قيل: لأنّه ليس شيء من القرآن والكلام جمع فيه من جوامع الخير
والحكمة ما جمع في سورة (الحمد) وذلك قوله عزّ وجلّ: (الحمد لله) انّما هو أداء لما
أوجب الله تعالى على خلقه من الشكر، لما وفّق عبده للخير (ربّ العالمين) تمجيداً له
وتحميداً وإقراراً بأنّه هو الخالق المالك ﻻ غير (الرحمن الرحيم) استعطاف وذكر
لربّه ونعمائه على جميع خلقه.
(مالك يوم الدين) إقرار له بالبعث والحساب والمجازاة، وإيجاب له
ملك الآخرة كما أوجب له ملك الدنيا (إيّاك نعبد) رغبة وتقرّباً إلى الله عزّ وجلّ
وإخلاصاً بالعمل له دون غيره (وإيّاك نستعين) استزادة من توفيقه وعبادته واستدامة
لما أنعم عليه ونصره.
(إهدنا الصراط المستقيم) استرشاداً لأدبه ومعتصماً بحبله
واستزادة في المعرفة بربّه وبعظمته وكبريائه.
(صراط الّذين أنعمت عليهم) توكيداً في السؤال والرغبة، وذكر لما
قد تقدّم من نعمه على أوليائه، ورغبة في مثل تلك النعم.
(غير المغضوب عليهم) استعاذة من أن يكون من المعاندين الكافرين،
المستخفّين به وبأمره ونهيه.
ولا الضالّين) اعتصاماً من أن يكون من الذين ضلّوا عن سبيله من
غير معرفة، وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً فقد اجتمع فيه من جوامع الخير والحكمة في
أمر الآخرة والدنيا ما ﻻ يجمعه شيء من الأشياء.
فإن قال: فلم جعل التسبيح في الركوع والسجود؟
قيل: لعلل:
منها: أن يكون العبد مع خضوعه وخشوعه وتعبّده وتورّعه واستكانته
وتذلله وتواضعه وتقرّبه إلى ربّه مقدّساً له، ممجّداً، مسبّحاً، معظّماً، شاكراً
لخالقه ورازقه، وليستعمل التسبيح والتحميد كما استعمل التكبير والتهليل، وليشغل
قلبه وذهنه بذكر الله ولم يذهب به الفكر والأمانيّ إلى غير الله.
فإن قال: فلم جعل أصل الصلاة ركعتين ركعتين؟ ولم زيد على بعضها
ركعة وعلى بعضها ركعتان ولم يزد على بعضها شيء؟
قيل: لأنّ أصل الصلاة انّما هي ركعة واحدة لأنّ أصل العدد واحد،
فإذا نقصت من واحد فليست هي صلاة فعلم الله عزّ وجلّ أنّ العباد ﻻ يؤدّون تلك
الركعة الواحدة الّتي ﻻ صلاة أقلّ منها بكمالها وتمامها والإقبال عليها، فقرن إليها
ركعة ليتمّ بالثانية ما نقص من الأولى، ففرض الله عزّ وجلّ أصل الصلاة ركعتين، ثمّ
علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّ العباد ﻻ يؤدّون هاتين الركعتين بتمام ما
امروا به و بكماله فضمّ إلى الظهر والعصر والعشاء الآخرة ركعتين ركعتين، ليكون
فيهما تمام الركعتين الأوليين، ثمّ علم أنّ صلاة المغرب يكون شغل الناس في وقتها
أكثر للإنصراف إلى الإفطار والأكل والوضوء والتهيئة للمبيت، فزاد فيها ركعة واحدة
ليكون أخفّ عليهم، ولأن تصير ركعات الصلاة في اليوم والليلة فرداً، ثم ترك الغداة
على حالها لأنّ الإشتغال في وقتها أكثر، والمبادرة إلى الحوائج فيها أعمّ، ولأنّ
القلوب فيها أخلا من الفكر لقلّة معاملات الناس بالليل، ولقلّة الأخذ والإعطاء،
فالإنسان فيها أقبل على صلاته منه في غيرها من الصلوات لأنّ الفكر أقلّ لعدم العمل
من الليل.
فإن قال: فلم جعل في الإستفتاح سبع تكبيرات؟
قيل: لأنّ الفرض منها واحد، وسائرها سنّة، وانّما جعل ذلك لأنّ
التكبير في الصلاة الأولى الّتي هي الأصل كلّه سبع تكبيرات: تكبيرة الإستفتاح،
وتكبيرة الركوع، وتكبيرتي السجود، وتكبيرة أيضاً للركوع، وتكبيرتين للسجود، فإذا
كبّر الإنسان في أوّل صلاته سبع تكبيرات فقد علم أجزاء التكبير كلّه، فإن سها في
شيء منها أو تركه لم يدخل عليه نقص في صلاته.
كما قال أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهم السلام): من كبّر أوّل
صلاته سبع تكبيرات أجزأه وتجزي تكبيرة واحدة، ثمّ إن لم يكبّر في شيء من صلاته
أجزأه عنه ذلك وانّما عنى بذلك إذا تركها ساهياً أو ناسياً.
فإن قال: فلم جعل ركعة وسجدتين؟
قيل: لأنّ الركوع من فعل القيام، والسجود من فعل القعود، وصلاة
القاعد على النصف من صلاة القائم، فضوعف السجود ليستوي بالركوع فلا يكون بينهما
تفاوت لأن الصلاة انّما هي ركوع وسجود.
فإن قال قائل: فلم جعل التشهّد بعد الركعتين؟
قيل: لأنّه كما قدّم قبل الركوع والسجود الأذان والدعاء
والقراءة فكذلك أيضاً أمر بعدها بالتشهّد والتحميد والدعاء.
فإن قال: فلم جعل التسليم تحليل الصلاة، ولم يجعل بدلها تكبيراً
أو تسبيحاً، أو ضرباً آخر؟
قيل: لأنّه لمّا كان في الدخول في الصلاة تحريم الكلام
للمخلوقين والتوجّه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين والإنتقال عنها، وانما
بدء المخلوقين في الكلام أولاً بالتسليم.
فإن قال: فلم جعل القراءة في الركعتين الأوليين والتسبيح في
الاخريين؟
قيل: للفرق بين ما فرضه الله عزّ وجلّ من عنده وما فرضه من عند
رسوله.
فإن قال: فلم جعلت الجماعة؟
قيل: لأن ﻻ يكون الإخلاص والتوحيد والإسلام والعبادة لله إلاّ
ظاهراً مكشوفاً مشهوداً، لأنّ في إظهاره حجّة على أهل الشرق والغرب لله عزّ وجلّ
وحده، وليكون المنافق والمستخفّ مؤدّياً لما أقرّ به بظاهر الإسلام والمراقبة،
ولتكون شهادات الناس بالإسلام من بعضهم لبعض جائزة ممكنة، مع ما فيه من المساعدة
على البرّ والتقوى والزجر عن كثير من معاصي الله عزّ وجلّ.
فإن قال: فلم جعل الجهر في بعض الصلوات ولا يجهر في بعض؟
قيل: لأنّ الصلوات الّتي يجهر فيها انّما هي صلوات تصلّى في
أوقات مظلمة فوجب أن يجهر فيها، لأن يمرّ المارّ فيعلم أنّ ههنا جماعة، فإن أراد أن
يصلّي صلّى، لأنّه إن لم ير جماعة تصلّي سمع وعلم ذلك من جهة السماع، والصلاتان
اللتان ﻻ يجهر فيهما فإنّما هما صلاة تكون بالنهار، وفي أوقات مضيئة فهي تعلم من
جهة الرؤية، فلا يحتاج فيها إلى السماع.
فإن قال: فلم جعلت الصلوات في هذه الأوقات ولم تقدّم ولم تؤخّر؟
قيل: لأنّ الأوقات المشهورة المعلومة التي تعمّ أهل الأرض
فيعرفها الجاهل والعالم أربعة: غروب الشمس معروف تجب عنده المغرب، وسقوط الشفق
مشهور تجب عنده العشاء الآخرة، وطلوع الفجر مشهور تجب عنده الغداة، وزوال الشمس
وإيفاء الفيء مشهور معلوم تجب عنده الظهر، ولم يكن للعصر وقت معلوم مشهور مثل هذه
الأوقات الأربعة فجعل وقتها الفراغ من الصلاة ألّتي قبلها إلى أن يصير الظلّ من كلّ
شيء أربعة أضعافه.
وعلّة اخرى: أنّ الله عزّ وجلّ أحبّ أن يبدأ الناس في كلّ عمل
أوّلاً بطاعته وعبادته، فأمرهم أوّل النهار أن يبدؤوا بعبادته ثمّ ينتشروا فيما
أحبّوا من مؤنة دنياهم، فأوجب صلاة الفجر عليهم، فإذا كان نصف النهار وتركوا ما
كانوا فيه من الشغل وهو وقت يضع الناس فيه ثيابهم، ويستريحون، ويشتغلون بطعامهم
وقيلولتهم، فأمرهم أن يبدؤوا بذكره، وعبادته، فأوجب عليهم الظهر، ثمّ يتفرّغوا لما
أحبّوا من ذلك، فإذا قضوا ظهرهم وأرادوا الإنتشار في العمل لآخر النهار بدؤوا أيضاً
بعبادته، ثم صاروا إلى ما أحبّوا من ذلك فأوجب عليهم العصر، ثم ينتشرون فيما شاؤوا
من مؤنة دنياهم، فإذا جاء اللّيل ووضعوا زينتهم وعادوا إلى أوطانهم بدؤا أوّلاً
بعبادة ربّهم، ثم يتفرّغون لما أحبّوا من ذلك فأوجب عليهم المغرب، فإذا جاء وقت
النوم وفرغوا ممّا كانوا به مشتغلين أحبّ أن يبدؤا أوّلاً بعبادته وطاعته ثمّ
يصيرون إلى ما شاؤوا أن يصيروا إليه من ذلك فيكونوا قد بدؤا في كلّ عمل بطاعته
وعبادته، فأوجب عليهم العتمة فإذا فعلوا ذلك لم ينسوه ولم يغفلوا عنه ولم تقس
قلوبهم ولم تقلّ رغبتهم.
فإن قال: فلم إذا لم يكن للعصر وقت مشهور مثل تلك الأوقات
أوجبها بين الظهر والمغرب، ولم يوجبها بين العتمة والغداة، أو بين الغداة والظهر؟
قيل: لأنّه ليس وقت على الناس أخفّ ولا أيسر ولا أحرى أن يعمّ
فيه الضعيف والقويّ بهذه الصلاة من هذا الوقت، وذلك أنّ الناس عامّتهم يشتغلون في
أوّل النهار بالتجارات والمعاملات والذهاب في الحوائج، وإقامة الأسواق، فأراد أن لا
يشغلهم عن طلب معاشهم ومصلحة دنياهم وليس يقدر الخلق كلّهم على قيام الليل ولا
يشعرون به ولا ينتبهون لوقته لو كان واجباً، ولا يمكنهم ذلك فخفّف الله تعالى عنهم
ولم يجعلها في أشدّ الأوقات عليهم، ولكن جعلها في أخفّ الأوقات عليهم، كما قال الله
عزّ وجلّ: (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)(4).
فإن قال: فلم يرفع اليدين في التكبير؟
قيل: لأنّ رفع اليدين هو ضرب من الإبتهال والتبتّل والتضرّع،
فأحبّ الله عزّ وجلّ أن يكون العبد في وقت ذكره متبتّلاً متضرّعاً، مبتهلاً، ولأنّ
في وقت رفع اليدين إحضار النيّة وإقبال القلب على ما قال وقصد.
لأنّ الفرض من الذكر انّما هو الإستفتاح وكلّ سنّة فإنّها تؤدّي
على جهة الفرض، فلمّا أن كان في الإستفتاح الذي هو الفرض رفع اليدين أحبّ أن يؤدّوا
السنّة على جهة ما يؤدّي الفرض.
فإن قال: فلم جعل صلاة السنّة أربعاً وثلاثين ركعة؟
قيل: لأنّ الفريضة سبع عشر ركعة فجعلت السنّة مثلي الفريضة،
كمالاً للفريضة.
فإن قال: فلم جعل صلاة السنّة في أوقات مختلفة، ولم تجعل في وقت
واحد؟
قيل: لأنّ أفضل الأوقات ثلاثة: عند زوال الشمس، وبعد الغروب،
وبالأسحار، فأحبّ أن يصلّي له في كلّ هذه الأوقات الثلاثة، لأنّه إذا فرّقت السنّة
في أوقات شتّى كان أداؤها أيسر وأخفّ من أن تجمع كلّها في وقت واحد.
فإن قال: فلم صارت صلاة الجمعة إذا كانت مع الإمام ركعتين، وإذا
كانت بغير إمام ركعتين وركعتين؟
قيل: لعلل شتّى:
منها: أنّ الناس يتخطّون إلى الجمعة من بعد، فأحبّ الله عزّ
وجلّ أن يخفّف عنهم لموضع التعب الّذي صاروا إليه.
ومنها: أنّ الإمام يحبسهم للخطبة وهم منتظرون للصلاة، ومن انتظر
الصلاة فهو في صلاة في حكم التمام.
ومنها: أنّ الصلاة مع الإمام أتّم وأكمل لعلمه وفقهه وعدله
وفضله.
ومنها: أنّ الجمعة عيد وصلاة العيد ركعتان، ولم تقصّر لمكان
الخطبتين.
فإن قال: فلم جعلت الخطبة؟
قيل: لأنّ الجمعة مشهد عام، فأراد أن يكون للإمام سبب إلى
موعظتهم وترغيبهم في الطاعة، وترهيبهم من المعصية وفعلهم، وتوقيفهم على ما أرادوا
من مصلحة دينهم ودنياهم، ويخبرهم بما ورد عليهم من الآفات ومن الأحوال التي لهم
فيها المضرّة والمنفعة، ولا يكون الصائر في الصلاة منفصلاً وليس بقاعل غيره ممّن
يؤمّ الناس في غير يوم الجمعة.
فإن قال: فلم جعلت خطبتان؟
قيل: لأن تكون واحدة للثناء والتمجيد والتقديس لله عزّ وجلّ،
والاخرى للحوائج والاعذار والإنذار والدعاء، ولما يريد أن يعلّمهم من أمره ونهيه ما
فيه الصلاح والفساد.
فإن قيل: فلم جعلت الخطبة في يوم الجمعة في أوّل الصلاة، وجعلت
في العيدين بعد الصلاة؟
قيل: لأنّ الجمعة أمر دائم، وتكون في الشهر مراراً وفي السنة
كثيراً، فإذا كثر ذلك على الناس ملّوا وتركوا ولم يقيموا عليه وتفرّقوا عنه فجعلت
قبل الصلاة ليحتبسوا على الصلاة ولا يتفرّقوا ولا يذهبوا، وأمّا العيدين فإنّما هو
في السنة مرّتين وهو أعظم من الجمعة والزحام فيه أكثر، والناس فيه أرغب، فإن تفرّق
بعض الناس بقى عامّتهم، وليس هو بكثير فيملّوا ويستخفّوا به.
قال الشيخ الصدوق (رحمه الله): جاء هذا الخبر هكذا:
والخطبتان في الجمعة والعيدين من بعد الصلاة، لأنّهما بمنزلة
الركعيتن الاخراوين، وان أوّل من قدّم الخطبتين عثمان لأنّه لمّا أحدث ما أحدث لم
يكن الناس ليقفوا على خطبته، ويقولون: ما نصنع بمواعظه وقد أحدث ما أحدث؟ فقدّم
الخطبتين ليقف الناس انتظاراً للصلاة.
فإن قال: فلم وجبت الجمعة على من يكون على فرسخين ﻻ أكثر من
ذلك؟
قيل: لأنّ ما يقصّر فيه الصلاة بريدان ذاهباً أو بريد ذاهباً
وجائياً، والبريد أربعة فراسخ فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد الذي يجب فيه
التقصير، وذلك أنّه يجيء فرسخين ويذهب فرسخين فذلك أربعة فراسخ وهو نصف طريق
المسافر.
فإن قال: فلم زيد في الصلاة السنّة يوم الجمعة أربع ركعات؟
قيل: تعظيماً لذلك اليوم وتفرقة بينه وبين سائر الأيام.
فإن قيل: فلم قصرت الصلاة في السفر؟
قيل: لأنّ الصلاة المفروضة أوّلاً انّما هي عشر ركعات، والسبع
انّما زيدت فيها بعد، فخفّف الله عزّ وجلّ تلك الزيادة لموضع سفره وتعبه ونصبه،
واشتغاله بأمر نفسه وظعنه وإقامته، لئلا يشتغل عمّا لابدّ له من معيشته، رحمة من
الله تعالى وتعطّفاً عليه، إلاّ صلاة المغرب فإنّها لم تقصّر لأنّها صلاة مقصورة في
الأصل.
فإن قال: فلم وجب التقصير في ثمانية فراسخ ﻻ أقلّ من ذلك ولا
أكثر؟
قيل: لأنّ ثمانية فراسخ مسيرة يوم للعامّة والقوافل والأثقال
فوجب التقصير في مسيرة يوم.
فإن قال: فلم وجب التقصير في مسيرة يوم؟
قيل: لأنّه لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة،
وذلك أنّ كلّ يوم يكون بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم، فلو لم يجب في هذا
اليوم لما وجب في نظيره إذا كان نظيره مثله ولا فرق بينهما.
فإن قال: قد يختلف المسير وذلك ان سير البقر انّما هو أربعة
فراسخ، وسير الفرس عشرين فرسخاً، فلم جعلت أنت مسيرة يوم ثمانية فراسخ؟
قيل: لأنّ ثمانية فراسخ هو سير الجمال والقوافل وهو الغالب على
المسير وهو أعظم السير الذي يسيره الجمّالون والمكارون.
فإن قال: فلم ترك في السفر تطوّع النهار ولم يترك تطوّع اللّيل؟
قيل: لأنّ كلّ صلاة ﻻ تقصر فيها فلا تقصر في تطوّعها، وذلك أنّ
المغرب ﻻ يقصر فيها فلا يقصر فيما بعدها من التطوّع، وكذلك الغداة ﻻ يقصر فيها ولا
فيما قبلها من التطوّع.
فإن قال: فما بال العتمة مقصورة وليس تترك ركعتاها؟
قيل: انّ تلك الركعتين ليستاهي من الخمسين، وأنّما هي زيادة في
الخمسين تطوّعاً ليتمّ بها بدل ركعة من الفريضة ركعتين من التطوّع.
فإن قيل: فلم جاز للمسافر والمريض أن يصلّيا صلاة اللّيل في
أوّل اللّيل؟
قيل: لاشتغاله وضعفه ليحرز صلاته، فيستريح المريض في وقت راحته،
ويشتغل المسافر بأشغاله وارتحاله وسفره.
فإن قيل: فلم امروا بالصلاة على الميّت؟
قيل: ليشفعوا له ويدعوا له بالمغفرة، لأنّه لم يكن في وقت من
الأوقات أحوج إلى الشفاعة فيه والطلبة والدعاء والاستغفار من تلك الساعة.
فإن قال: فلم جعلت خمس تكبيرات دون أن تصير أربعاً أو ستّاً؟
قيل: إنّما الخمس اخذت من الخمس الصلوات في اليوم واللّيلة.
وذلك أنّه ليس في الصلاة تكبيرة مفروضة إلاّ تكبيرة الإفتتاح
فجمعت التكبيرات المفروضات في اليوم والليلة فجعلت صلاة على الميّت.
فإن قال: فلم لم يكن فيها ركوع ولا سجود؟
قيل: لأنّه لم يكن يريد بهذه الصلاة التذلّل والخضوع انّما اريد
بها الشفاعة لهذا العبد الذي قد تخلّى عمّا خلّف واحتاج إلى ما قدّم.
فإن قيل: فلم أمر بغسل الميّت؟
قيل: لأنّه إذا مات كان الغالب عليه النجاسة والآفة والأذى،
فأحبّ أن يكون طاهراً إذا باشر أهل الطهارة الملائكة الذين يلونه ويماسّونه فيما
بينهم نظيفاً، موجّهاً به إلى الله عزّ وجلّ.
وقد روي عن بعض الأئمّة (عليهم السلام) أنّه قال: ليس من ميّت
يموت إلاّ خرجت منه الجنابة، فلذلك وجب الغسل.
فإن قيل: فلم أمر أن يكفن الميّت؟
قيل: لئلاّ يلقي ربّه عزّ وجلّ ظاهر الجسد، ولئلاّ تبدو عورته
لمن يحمله ويدفنه، ولئلاّ يظهر الناس على بعض حاله وقبح منظره ولئلاّ يقسو القلب من
كثرة النظر إلى مثل ذلك العاهة والفساد، وليكون أطيب لأنفس الأحياء، ولئلاّ يبغضه
حميم فيلقى ذكره ومودّته فلا يحفظه فيما خلّف وأوصاه وأمر به وأحبّ.
فإن قيل: فلم أمر بدفنه؟
قيل: لئلاّ يظهر الناس على فساد جسده وقبح منظره وتغيّر ريحه
ولا يتأذّى به الأحياء بريحه وبما يدخل عليه من الآفة والدنس والفساد، وليكون
مستوراً عن الأولياء والأعداء فلا يشمت عدوّ ولا يحزن صديق.
فإن قيل: فلم أمر من يغسّله بالغسل؟
قيل: لعلّة الطهارة ممّا أصابه من نضح الميّت لأنّ الميّت إذا
خرج منه الروح بقي منه أكثر آفته، ولئلاّ يلهج الناس به وبمماسته، إذ قد غلبت علّة
النجاسة والآفة.
فإن قيل: فلم ﻻ يجب الغسل على من مسّ شيئاً من الأموات من غير
الإنسان كالطير والبهائم والسباع وغير ذلك؟
قيل: لأنّ هذه الأشياء كلّها ملبسة ريشاً وصوفاً وشعراً ووبراً
وهذا كلّه ذكيّ ولا يموت، وانّما يماسّ منه الشيء الذي هو ذكيّ من الحيّ والميّت،
الذي قد ألبسه وعلاه.
فإن قيل: فلم جوّزتم الصلاة على الميّت بغير وضوء؟
قيل: لأنّه ليس فيها ركوع ولا سجود، وانّما هي دعاء ومسائلة،
وقد يجوز أن تدعو الله عزّ وجلّ وتسأله على أيّ حال كنت، وانّما يجب الوضوء في
الصلاة الّتي فيها ركوع وسجود.
فإن قيل: فلم جوّزتم الصلاة عليه قبل المغرب وبعد الفجر؟
قيل: لأنّ هذه الصلاة انّما تجب في وقت الحضور والعلّة، وليست
هي موقّتة كسائر الصلوات، وانّما هي صلاة تجب في وقت حدوث الحدث ليس للإنسان فيه
اختيار، وانّما هو حقّ يؤدّى وجائز أن تؤدّى الحقوق في أيّ وقت كان، إذا لم يكن
الحقّ موقّتاً.
فإن قيل: فلم جعلت للكسوف صلاة؟
قيل: لأنّه آية من آيات الله عزّ وجلّ ﻻ يدري ألرحمة ظهرت أم
لعذاب؟ فأحبّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) أن تفزع امّته إلى خالقها وراحمها عند
ذلك ليصرف عنهم شرّها ويقيم مكروهها، كما صرف عن قوم يونس حين تضرّعوا إلى الله عزّ
وجلّ.
فإن قيل: فلم جعلت عشر ركعات؟
قيل: لأنّ الصلاة الّتي نزل فرضها من السماء أوّلاً في اليوم
والليلة فإنّما هي عشر ركعات فجمعت تلك الركعات ههنا، وانّما جعل فيها السجود لأنّه
ﻻ يكون صلاة فيها ركوع إلاّ وفيها سجود، ولأن يختموا صلاتهم أيضاّ بالسجود والخضوع
والخشوع، وانّما جعلت أربع سجدات لأنّ كلّ صلاة نقص سجودها من أربع سجدات ﻻ تكون
صلاة لأنّ أقلّ الفرض من السجود في الصلاة ﻻ يكون إلاّ على أربع سجدات.
فإن قيل: فلم لم يجعل بدل الركوع سجوداً؟
قيل: لأنّ الصلاة قائماً أفضل من الصلاة قاعداً، ولأنّ القائم
يرى الكسوف والإنجلاء والساجد ﻻ يرى.
فإن قيل: فلم غيّرت عن أصل الصلاة الّتي افترضها الله عزّ وجلّ؟
قيل: لأنّها صلاة لعلّة تغيّر أمر من الامور وهو الكسوف، فلمّا
تغيّرت العلّة تغيّر المعلول.
فإن قيل: فلم جعل يوم الفطر العيد؟
قيل: لأن يكون للمسلمين مجمعاً يجتمعون فيه، ويبرزون إلى الله
عزّ وجلّ فيحمدونه على ما منّ عليهم، فيكون يوم عيد، ويوم اجتماع، ويوم فطر، ويوم
زكاة، ويوم رغبة، ويوم تضرّع، ولأنّه أوّل يوم من السنة يحلّ فيه الأكل والشرب،
لأنّ أوّل شهور السنة عند أهل الحقّ شهر رمضان فأحبّ الله عزّ وجلّ أن يكون لهم في
ذلك اليوم مجمع يحمدونه فيه ويقدّسونه.
فإن قيل: فلم جعل التكبير فيها أكثر منه في غيرها من الصلوات؟
قيل: لأنّ التكبير انّما هو تعظيم لله وتحميد على ما هدى وعافا
كما قال الله عزّ وجلّ: (ولتكبّروا الله على ما هداكم ولعلّكم تشكرون)(5).
فإن قيل: فلم جعل اثنتا عشرة تكبيرة فيها؟
قيل: لأنّه يكون في الركعتين اثنتا عشرة تكبيرة، فلذلك جعل فيها
اثنتا عشرة تكبيرة.
فإن قيل: فلم جعل في الأولى سبع، وخمس في الثانية ولم يسو
بينهما؟
قيل: لأنّ السنّة في صلاة الفريضة أن يستفتح بسبع تكبيرات فلذلك
بدأ ههنا بسبع تكبيرات، وجعل في الثانية خمس تكبيرات، لأنّ التحريم من التكبير في
اليوم والليلة خمس تكبيرات، وليكون التكبير في الركعتين جميعاً وتراً وتراً.
فإن قيل: فلم امروا بالصوم؟
قيل: لكي يعرفوا ألم الجوع والعطش فيستدلّوا على فقر الآخرة،
وليكون الصائم خاشعاً، ذليلاً، مستكيناً، مأجوراً، محتسباً، عارفاً، صابراً على ما
أصابه من الجوع والعطش، فيستوجب الثواب مع ما فيه من الإمساك عن الشهوات، وليكون
ذلك واعظاً لهم في العاجل، ورائضاً لهم على أداء ما كلّفهم ودليلاً لهم في الأجر،
وليعرفوا شدّة مبلغ ذلك على أهل الفقر والمسكنة في الدنيا فيؤدّوا إليهم ما فرض
الله تعالى لهم في أموالهم.
فإن قيل: فلم جعل الصوم في شهر رمضان خاصّة دون سائر الشهور؟
قيل: لأنّ شهر رمضان هو الشهر الّذي أنزل الله تعالى فيه
القرآن، وفيه فرّق الله بين أهل الحقّ والباطل، كما قال الله تعالى: (شهر رمضان
الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان)(6)،
وفيه نبّئ محمّد (صلى الله عليه وآله)، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر،
وفيها يفرق كلّ أمر حكيم، وهو رأس السنة ويقدّر فيها ما يكون في السنة من خير، أو
شرّ، أو مضرّة، أو منفعة، أو رزق، أو أجل، ولذلك سمّيت ليلة القدر.
فإن قيل: فلم امروا بصوم شهر رمضان ﻻ أقلّ من ذلك ولا أكثر؟
قيل: لأنّه قوّة العبادة الذي يعمّ فيه القويّ والضعيف، وانّما
أوجب الله تعالى الفرائض على أغلب الأشياد وأعمّ القوى، ثمّ رخّص لأهل الضعف وانّما
أوجب الله ورغّب أهل القوّة في الفضل، ولو كانوا يصلحون على أقلّ من ذلك لنقصهم،
ولو احتاجوا إلى أكثر من ذلك لزادهم.
فإن قيل: فلم إذا حاضت المرأة ﻻ تصوم ولا تصلّي؟
قيل: لأنّها في حدّ النجاسة فأحبّ أن ﻻ تتعبّد إلاّ طاهرة
ولأنّه ﻻ صوم لمن ﻻ صلاة له.
فإن قيل: فلم صارت تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة؟
قيل: لعلل شتّى.
فمنها: أنّ الصيام ﻻ يمنعها من خدمة نفسها وخدمة زوجها، وإصلاح
بيتها والقيام بامورها، والإشتغال بمرمّة معيشتها، والصلاة تمنعها من ذلك كلّه،
لأنّ الصلاة تكون في اليوم والليلة مراراً فلا تقوى على ذلك، والصوم ليس كذلك.
ومنها: أنّ الصلاة فيها عناء وتعب واشتغال الأركان، وليس في
الصوم شيء من ذلك، وانّما هو ترك الطعام والشراب وليس فيه اشتغال الأركان.
ومنها: أنّه ليس من وقت يجيء إلاّ وتجب عليها فيه صلاة جديدة في
يومها وليلتها وليس الصوم كذلك، لأنّه ليس كلّما حدث عليها يوم وجب عليها الصوم،
وكلّما حدث وقت الصلاة وجبت عليها الصلاة.
فإن قيل: فلم إذا مرض الرجل أو سافر في شهر رمضان فلم يخرج من
سفره أولم يفق من مرضه حتّى يدخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداء للأوّل وسقط
القضاء، فإذا أفاق بينهما أو أقامولم يقضه وجب عليه القضاء والفداء؟
قيل: لأنّ ذلك الصوم انّما وجب عليه في تلك السنة في هذا الشهر،
فأمّا الذي لم يفق فإنّه لمّا مرّ عليه السنة كلّها وقد غلب الله عليه فلم يجعل له
السبيل إلى أدائه سقط عنه، وكذلك كلّما غلب الله تعالى عليه مثل المغمى عليه الذي
يغمى عليه يوماً وليلة فلا يجب عليه قضاء الصلاة، كما قال الصادق (عليه السّلام):
كلّما غلب الله على العبد فهو أعذر له، لأنّه دخل الشهر وهو مريض فلم يجب عليه
الصوم في شهره، ولا سنته للمرض الذي كان فيه، ووجب عليه الفداء لأنّه بمنزلة من وجب
عليه الصوم فلم يستطيع أداؤه فوجب عليه الفداء، كما قال الله عزّ وجلّ: (فصيام
شهرين متتابعين) (فمن لم يستطع فإطعام ستّين مسكيناً)(7)
وكما قال الله عزّ وجلّ: (ففدية من صيام أو صدقة)(8)
فأقام الصدقة مقام الصيام إذا عسر عليه.
فإن قيل: فإن لم يستطع إذ ذاك فهو الآن يستطيع؟
قيل: لأنّه لمّا دخل عليه شهر رمضان آخر وجب عليه الفداءللماضي،
لأنّه كان بمنزلة من وجب عليه صوم في كفّارة فلم يستطعه فوجب عليه الفداء، وإذا وجب
عليه الفداء سقط الصوم، والصوم ساقط والفداء لازم، فإن أفاق فيما بينهما ولم يصمه
وجب عليه الفداء لتضييعه والصوم لاستطاعته.
فإن قيل: فلم جعل صوم السنّة؟
قيل: ليكمل به صوم الفرض.
فإن قيل: فلم جعل في كلّ شهر ثلاثة أيّام، وفي كلّ عشرة أيّام
يوماً؟
قيل: لأنّ الله تبارك وتعالى يقول: (من جاء بالحسنة فله عشر
أمثالها)(9) فمن صام
في كلّ عشرة أيّام يوسماً واحداً فكأنّما صام الدهر كلّه كما قال سلمان الفارسي
رحمة الله عليه: (صوم ثلاثة أيّام في الشهر صوم الدهر كلّه فمن وجد شيئاً غير الدهر
فليصمه).
فإن قيل: فلم جعل أوّل خميس من العشر الأوّل، وآخر خميس في
العشر الآخر، وأربعاء في العشر الأوسط؟
قيل: أمّا الخميس فإنّه قال الصادق (عليه السّلام): يعرض كلّ
خميس أعمال العباد على الله عزّ وجلّ، فأحبّ أن يعرض عمل العبد على الله تعالى وهو
صائم.
فإن قيل: فلم جعل آخر خميس؟
قيل: لأنّه إذا عرض عمل العبد ثلاثة أيّام والعبد صائم كان أشرف
وأفضل من أمر يعرض عمل يومين وهو صائم، وانّما جعل أربعاء في العشر الأوسط لأنّ
الصادق (عليه السّلام) أخبر بأنّ الله عزّ وجلّ خلق النار في ذلك اليوم وفيه أهلك
الله القرون الأولى، وهو يوم نحس مستمرّ، فأحبّ أن يدفع العبد عن نفسه نحس ذلك
اليوم بصومه.
فإن قيل: فلم وجب في الكفّارة على من لم يجد تحرير رقبة الصيام
دون الحجّ والصلاة وغيرهما من الأنواع؟
قيل: لأنّ الصلاة والحجّ وسائر الفرائض مانعة للإنسان من
التقلّب في أمر دنياه ومصلحة معيشته، مع تلك العلل التي ذكرناها في الحائض التي
تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة.
فإن قيل: فلم وجب عليه صوم شهرين متتابعين، دون أن يجب عليه شهر
واحد أو ثلاثة أشهر؟
قيل: لأنّ الفرض الّذي فرضه الله عزّ وجلّ على الخلق هوشهر واحد
فضوعف هذا الشهر في الكفّارة توكيداً وتغليظاً عليه.
فإن قيل: فلم جعلت متتابعين؟
قيل: لئلاّ يهون عليه الأداء فيستخفّ به، لأنّه إذا قضاه
متفرّقاً هان عليه القضاء واستخفّ بالإيمان.
فإن قيل: فلم أمر بالحجّ؟
قيل: لعلّة الوفادة إلى الله عزّ وجلّ، وطلب الزيادة، والخروج
من كلّ ما اقترف العبد تائباً ممّا مضى، مستأنفاً لما يستقبل، مع ما فيه من إخراج
الأموال وتعب الأبدان، والإشتغال عن الأهل والولد، وحظر الأنفس عن اللذات، شاخصاً
في الحر والبرد، ثابتاً عليه ذلك، دائماً مع الخضوع والإستكانة والتذلّل، مع ما في
ذلك لجميع الخلق من المنافع.
كلّ ذلك لطلب الرغبة إلى الله والرهبة منه، وترك قساوة القلب
وخساسة الأنفس، ونسيان الذكر، وانقطاع الرجاء والأمل، وتجديد الحقوق، وحظر الأنفس
عن الفساد، مع ما في ذلك من المنافع لجميع من في شرق الأرض وغربها ومن في البرّ
والبحر ممّن يحجّ وممّن لم يحجّ: من بين تاجر، وجالب، وبائع ومشتري، وكاسب، ومسكين،
ومكار، وفقير، وقضاء حوائج أهل الأطراف في المواضع الممكن لهم الإجتماع فيه، مع ما
فيه من التفقّه ونقل أخبار الأئمّة (عليهم السلام) إلى كلّ صقع وناحية، كما قال
الله عزّ وجلّ: (فلولا نفر من كلّ فرقة منهم طائفة ليتفقّهوا في الدين ولينذروا
قومهم إذا رجعوا إليهم لعلّهم يحذرون)(10)،
(وليشهدوا منافع لهم)(11).
فإن قيل: فلم امروا بحجّة واحدة ﻻ أكثر من ذلك؟
قيل: لأنّ الله عزّ وجلّ وضع الفرائض على أدنى القوم قوّة، كما
قال عزّ وجلّ: (فما استيسر من الهدى)(12)
يعني شاة ليسع القويّ والضعيف، وكذلك سائر الفرائض انّما وضعت على أدنى القوم قوّة،
وكان من تلك الفرائض الحجّ المفروض واحداً، ثم رغّب بعد أهل القوّة بقدر طاقتهم.
فإن قيل: فلم امروا بالتمتّع في الحجّ؟
قيل: ذلك تخفيف من ربّكم ورحمة لأن يسلم الناس في إحرامهم ولا
يطول ذلك عليهم فيدخل عليهم الفساد وأن يكون الحجّ والعمرة واجبين جميعاً فلا تعطّل
العمرة وتبطل، ولا يكون الحجّ مفرداً من العمرة ويكون بينهما فصل وتمييز، وأن ﻻ
يكون الطواف بالبيت محظوراً لأنّ المحرم إذا طاف بالبيت قد أحلّ إلاّ لعلّة، فلو ﻻ
التمتّع لم يكن للحاجّ أن يطوف لأنّه إن طاف أحلّ وفسد إحرامه ويخرج منه قبل أداء
الحجّ، ولأن يجب على الناس الهدي والكفّارة فيذبحون وينحرون ويتقرّبون إلى الله جلّ
جلاله فلا تبطل هراقة الدماء والصدقة على المسلمين.
فإن قيل: فلم جعل وقتها عشر ذي الحجّة ولم يقدم ولم يؤخّر؟
قيل: قد يجوز أن يكون لما أوجب الله عزّ وجلّ أن يعبد بهذه
العبادة وضع البيت والمواضع في أيّام التشريق فكان أوّل ما حجّت لله الملائكة وطافت
به في هذا الوقت فجعله سنّة ووقتاً إلى يوم القيامة، فأمّا النبيّون آدم ونوح
وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد صلوات الله عليهم وغيرهم من الأنبياء (عليهم السلام)
انّما حجّوا في هذا الوقت فجعلت سنّة في أولادهم إلى يوم القيامة.
فإن قيل: فلم امروا بالإحرام؟
قيل: لأن يخشعوا قبل دخول حرم الله عزّ وجلّ وأمنه، ولئلاّ
يلهوا ويشتغلوا بشيء من امور الدنيا وزينتها، ولذّاتها، ويكونوا صابرين فيما هم
فيه، قاصدين نحوه، مقبلين عليه بكلّيتهم، مع ما فيه من التعظيم لله عزّ وجلّ ولبيته
والتذلّل لانفسهم عند قصدهم إلى الله عزّ وجلّ ووفادتهم إليه، راجعين ثوابه راهبين
من عقابه، ماضين نحوه مقبلين إليه، بالذلّ والإستكانة والخضوع، والله الموفّق وصلّى
الله على محمّد وآله أجمعين(13).
التحريم والتحليل(14)
عن محمّد بن سنان: أنّ ابا الحسن عليّ بن موسى الرضا (عليه
السّلام) كتب إليه بما في هذا الكتاب جواب كتابه إليه يسأله عنه:
جاءني كتابك تذكر أنّ بعض أهل القبلة يزعم أنّ الله تبارك
وتعالى لم يحلّ شيئاً ولم يحرّمه لعلّة أكثر من التعبّد لعباده بذلك، قد ضلّ من قال
ذلك ضلالاً بعيداً وخسر خسراناً مبيناً، لأنّه لو كان كذلك لكان جائزاً أن يستعبدهم
بتحليل ما حرّم وتحريم ما أحلّ حتّى يستعبدهم بترك الصلاة والصيام وأعمال البرّ
كلّها، والإنكار له ولرسله وكتبه والجحود بالزنا والسرقة وتحريم ذوات المحارم وما
أشبه ذلك من الامور التي فيها فساد التدبير وفناء الخلق، إذ العلّة في التحليل
والتحريم التعبّد ﻻ غيره، فكان كما أبطل الله عزّ وجلّ به قول من قال ذلك انّا
وجدنا كلّ ما أحلّ الله تبارك وتعالى ففيه صلاح العباد وبقاؤهم ولهم إليه الحاجة
التي ﻻ يستغنون عنها.
ووجدنا المحرّم من الأشياء ﻻ حاجة للعباد إليه ووجدناه مفسداً
داعياً إلى الفناء والهلاك.
ثم رأيناه تبارك وتعالى قد أحلّ بعض ما حرّم في وقت الحاجة لما
فيه من الصلاح في ذلك الوقت، نظير ما أحلّ من الميتة والدم ولحم الخنزير إذا اضطرّ
إليها المضطّر، لما في ذلك الوقت من الصلاح والعصمة ودفع الموت، فكيف دلّ الدليل
على أنّه لم يحلّ إلاّ لما فيه من المصلحة للأبدان، وحرّم ما حرّم لما فيه من
الفساد، ولذلك وصف في كتابه وأدّت عنه رسله وحججه كما قال أبو عبد الله (عليه
السّلام): لو يعلم العباد كيف كان بدؤ الخلق ما اختلف اثنان.
وقوله (عليه السّلام): ليس بين الحلال والحرام إلاّ شيء يسير،
يحوله من شيء إلى شيء فيصير حلالاً وحراماً.
علل الأحكام(15)
عن محمّد بن سنان، أنّ عليّ بن موسى الرضا (عليه السّلام) كتب
إليه في جواب مسائله:
علّة غسل الجنابة النظافة وتطهير الإنسان نفسه ممّا أصابه من
أذاه، وتطهير سائر جسده، لأنّ الجنابة خارجة من كلّ جسده فلذلك وجب عليه تطهير جسده
كلّه.
وعلّة التخفيف في البول والغائط لأنّه أكثر وأدوم من الجنابة
فرضي فيه بالوضوء لكثرته ومشقته ومجيئه بغير إرادة منهم ولا شهوة، والجنابة ﻻ تكون
إلاّ بالاستلذاذ منهم والإكراه لأنفسهم.
وعلّة غسل العيد والجمعة وغير ذلك من الأغسال لما فيه من تعظيم
العبد ربّه، واستقباله الكريم الجليل وطلب المغفرة لذنوبه، وليكون لهم يوم عيد
معروف يجتمعون فيه على ذكر الله عزّ وجلّ، فجعل فيه الغسل تعظيماً لذلك اليوم،
وتفضيلاً له على سائر الأيّام، وزيادة في النوافل والعبادة، ولتكون تلك طهارة له من
الجمعة إلى الجمعة.
وعلّة غسل الميّت أنّه يغسّل لأنّه يطهر وينظف من أدناس
أمراضيه، وما أصابه من صنوف علله لأنّه يلقي الملائكة ويباشر أهل الآخرة، فيستحبّ
إذا ورد على الله ولقي أهل الطهارة ويماسّونه ويماسّهم أن يكون طاهراً، نظيفاً،
موجّها به إلى الله عزّ وجلّ ليطلب به ويشفع له.
وعلّة اخرى أنّه يخرج منه الأذى الّذي منه خلق فيجنب فيكون غسله
له.
وعلّة اغتسال من غسّله أو مسّه فظاهرة لما أصابه من نضح الميّت،
لأنّ الميّت إذا خرجت الروح منه بقي أكثر آفة فلذلك يتطهّر منه ويطهّر.
وعلّة الوضوء الّتي من أجلها صار غسل الوجه والذراعين ومسح
الرأس والرجلين فلقيامه بين يدي الله عزّ وجلّ، واستقباله إيّاه بجوارحه الظاهرة،
وملاقاته بها الكرام الكاتبين.
فغسل الوجه للسجود والخضوع، وغسل اليدين ليقلّبهما ويرغب بهما
ويرهب ويبتهل، ومسح الرأس والقدمين لأنّهما ظاهر ان مكشوفان يستقبل بهما في كلّ
حالاته، وليس فيهما من الخضوع والتبتّل ما في الوجه والذراعين.
وعلّة الزكاة من أجل قوت الفقراء وتحصين أموال الأغنياء لأنّ
الله تبارك وتعالى كلّف أهل الصحّة القيام بشأن أهل الزمانة والبلوى، كما قال عزّ
وجلّ: (لتبلون في أموالكم وأنفسكم)(16)
في أموالكم بإخراج الزكاة، (وفي أنفسكم) بتوطين الأنفس على الصبر، مع ما في ذلك من
أداء شكر نعم الله عزّ وجلّ، والطمع في الزيادة، مع ما فيه من الرحمة والرأفة لأهل
الضعف، والعطف على أهل المسكنة، والحثّ لهم على المواساة وتقوية الفقراء والمعونة
لهم على أمر الدين، وهم عظة لأهل الغنى، وعبرة لهم ليستدلّوا على فقراء الآخرة بهم
ومالهم من الحثّ في ذلك على الشكر لله عزّ وجلّ لما خوّلهم وأعطاهم والدعاء
والتضرّع والخوف من أن يصيروا مثلهم في امور كثيرة من أداء الزكاة والصدقات وصلة
الأرحام واصطناع المعروف.
وعلّة الحجّ الوفادة إلى الله عزّ وجلّ وطلب الزيادة والخروج من
كلّ ما اقترف، وليكون تائباً ممّا مضى، مستأنفاً لما يستقبل، وما فيه من استخراج
الأموال وتعب الأبدان وحظرها عن الشهوات واللذات، والتقرّب بالعبادة إلى الله عزّ
وجلّ، والخضوع والإستكانة والذلّ، شاخصاً إليه في الحرّ والبرد والخوف والأمن،
دائباً في ذلك دائماً، وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع والرغبة والرهبة إلى الله
عزّ وجلّ ومنه ترك قساوة القلب وجسارة الأنفس ونسيان الذكر وانقطاع الرجاء والعمل،
وتجديد الحقوق وحظر النفس عن الفساد، ومنفعة من في شرق الأرض وغربها، ومن في البرّ
والبحر ممّن يحجّ وممّن ﻻ يحجّ، من تاجر وجالب وبايع ومشتر وكاسب ومسكين، وقضاء
حوائج أهل الأطراف والمواضع الممكن لهم الإجتماع فيها كذلك ليشهدوا منافع لهم.
وعلّة فرض الحجّ مرّة واحدة لأنّ الله عزّ وجلّ وضع الفرائض على
أدنى القوم قوّة فمن تلك الفرايض الحجّ المفروض [مرّة] واحدة، ثمّ رغّب أهل القوّة
على قدر طاقتهم.
وعلّة وضع البيت وسط الأرض أنّه الموضع الّذي من تحته دحيت
الأرض وكلّ ريح تهبّ في الدنيا فإنّها تخرج من تحت الركن الشاميّ، وهي أوّل بقعة
وضعت في الأرض، لأنّها الوسط ليكون الفرض لأهل الشرق والغرب في ذلك سواء.
وسمّيت مكّة مكّة لأنّ الناس كانوا يمكّون فيها، وكان يقال لمن
قصدها: قد مكّا، وذلك قول الله عزّ وجلّ: (وما كان صلاتهم عند البيت إلاّ مكاء
وتصدية)(17) فالمكاء:
الصفير، والتصدية: صفق اليدين.
وعلّة الطواف بالبيت أن الله عزّ وجلّ قال للملائكة: (إنّي جاعل
في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)(18)
فردّوا على الله عزّ وجلّ هذا الجواب فندموا فلاذوا بالعرش واستغفروا، فأحب الله
عزّ وجلّ أن يتعبّد بمثل ذلك العباد فوضع في السماء الرابعة بيتاً بحذاء العرش
يسمّى الضراح، ثمّ وضع في السماء الدنيا بيتاً يسمّى المعمور بحذاء الضراح، ثمّ وضع
هذا البيت بحذاء البيت المعمور، ثمّ أمر آدم (عليه السّلام) فطاف به فتاب الله عزّ
وجلّ عليه فجرى ذلك في ولده إلى يوم القيامة.
وعلّة استلام الحجر أنّ الله تبارك وتعالى لمّا أخذ ميثاق بني
آدم التقمه الحجر فمن ثمّ كلّف الناس تعاهد ذلك الميثاق، ومن ثمّ يقال عند الحجر:
أمانتي أدّيتها، وميثاق تعاهدته لتشهد لي بالموافاة، ومنه قول سلمان رحمه الله:
ليجيئنّ الحجر يوم القيامة مثل أبي قبيس له لسان وشفتان يشهد لمن وافاه بالموافاة.
والعلّة التي من أجلها سميّت منى منى أنّ جبرئيل (عليه السّلام)
قال هناك لإبراهيم (عليه السّلام): تمنّ على ربّك ما شئت، فتمنّى إبراهيم (عليه
السّلام) في نفسه أن يجعل الله مكان ابنه إسماعيل كبشاً يأمره بذبحه فداءاً له
فأعطى مناه.
وعلّة الصوم لعرفان مسّ الجوع والعطش ليكون العبد ذليلاً
مستكيناً مأجوراً محتسباً صابراً، فيكون ذلك دليلاً له على شدائد الآخرة مع ما فيه
من الإنكسار له عن الشهوات، واعظاً له في العاجل، دليلاً على الآجل ليعلم شدّة مبلغ
ذلك من أهل الفقر والمسكنة في الدنيا والآخرة.
وحرّم الله قتل النفس الّتي من الكبائر لعلّة فساد الخلق في
تحليله لو أحلّ وفنائهم وفساد التدبير.
وحرّم الله عزّ وجلّ عقوق الوالدين لما فيه من الخروج عن
التوقير لطاعة الله عزّ وجلّ، والتوقير للوالدين، وتجنّب كفر النعمة، وإبطال الشكر
وما يدعو في ذلك إلى قلّة النسل وانقطاعه، لما في العقوق من قلّة توقير الوالدين
والعرفان بحقّهما، وقطع الأرحام، والزهد من الوالدين في الولد، وترك التربية لعلّة
ترك الولد برّهما.
وحرّم الزنا لما فيه من الفساد من قتل الأنفس، وذهاب الأنساب
وترك التربية للأطفال، وفساد المواريث، وما أشبه ذلك من وجوه الفساد.
وحرّم أكل مال اليتيم ظلماً لعلل كثيرة من وجوه الفساد.
أوّل ذلك أنّه: إذا أكل الإنسان مال اليتيم ظلماً فقد أعان على
قتله، إذ اليتيم غير مستغن، ولا متحمّل لنفسه، ولا قائم بشأنه، ولا له من يقوم عليه
ويكفيه كقيام والديه، فإذا أكل ماله فكأنّه قد قتله وصيّره إلى الفقر والفاقة، مع
ما خوّف الله تعالى وجعل من العقوبة في قوله عزّ وجلّ: (وليخش الّذين لو تركوا من
خلفهم ذرّية ضعافاً خافوا عليهم فليتّقوا الله)(19).
ولقول أبي جعفر (عليه السّلام): انّ الله عزّ وجلّ وعد في أكل
مال اليتيم عقوبتين: عقوبة في الدنيا، وعقوبة في الآخرة، ففي تحريم مال اليتيم
استبقاء اليتيم، واستقلاله بنفسه، والسلامة للعقب أن يصيبه ما أصابه، لما وعد الله
تعالى فيه من العقوبة، مع ما في ذلك من طلب اليتيم بثاره إذا ادرك، ووقوع الشحناء
والعداوة والبغضاء حتّى يتفانوا.
وحرّم الله تعالى الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين،
والإستخفاف بالرسل، والأئمّة العادلة (عليهم السلام)، وترك نصرتهم على الأعداء،
والعقوبة لهم على إنكار ما دعوا إليه من الإقرار بالربوبيّة وإظهار العدل وترك
الجور وإماتة الفساد، لما في ذلك من جرأة العدوّ على المسلمين وما يكون في ذلك من
السبي والقتل، وإبطال دين الله عزّ وجلّ وغيره من الفساد.
وحرّم التعرّب بعد الهجرة للرجوع عن الدين، وترك المؤازرة
للأنبياء والحجج (عليهم السلام)، وما في ذلك من الفساد، وإبطال حقّ كلّ ذي حقّ ﻻ
لعلّة سكنى البدو، وكذلك لو عرف بالرجل الدين كاملاً لم يجز له مساكنة أهل الجهل،
والخوف عليهم لأنّه ﻻ يؤمن أن يقع منه ترك العلم والدخول مع أهل الجهل والتمادي في
ذلك.
وحرّم ما أهل به لغير الله عزّ وجلّ للّذي أوجب الله عزّ وجلّ
على خلقه من الإقرار به، وذكر اسمه على الذبائح المحلّلة، ولئلاّ يساوي بين ما
تقرّب به إليه، وبين ما جعل عبادة للشياطين والأوثان، لأنّ في تسمية الله عزّ وجلّ
الإقرار بربوبيّته وتوحيده، وما في الإهلال لغير الله من الشرك به والتقرّب به إلى
غيره، ليكون ذكر الله تعالى وتسميته على الذبيحة فرقاً بين ما أحلّ الله وبين ما
حرّم الله.
وحرّم سباع الطير والوحش كلّها لأكلها من الجيف ولحوم الناس
والعذرة وما أشبه ذلك فجعل الله عزّ وجلّ دلائل ما أحلّ من الوحش والطير وما حرّم
كما قال أبي (عليه السّلام): كلّ ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير حرام، وكلّما
كانت له قانصة من الطير فحلال.
وعلّة اخرى يفرق بين ما أحلّ من الطير وما حرّم قوله (عليه
السّلام): كلما دفّ، ولا تأكل ما صفّ.
وحرّم الأرنب لأنها بمنزلة السنّور ولها مخاليب كمخاليب السنّور
وسباع الوحش فجرت مجراها، مع قذرها في نفسها، وما يكون منها من الدم كما يكون من
النساء لأنّها مسخ.
وعلّة تحريم الربا انّما نهى الله عنه لما فيه من فساد الأموال،
لأنّ الإنسان إذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهماً، وثمن الآخر
باطلاً، فبيع الربا وكس على كلّ حال على المشتري وعلى البائع، فحرّم الله عزّ وجلّ
الربا لعلّة فساد الأموال كما حظر على السفيه أن يدفع ماله إليه لما يتخوّف عليه من
إفساده حتّى يؤنس منه رشده فلهذه العلّة حرّم الله الربا وبيع الدرهم بالدرهمين
يداً بيد.
وعلّة تحريم الربا بعد البيّنة لما فيه من الإستخفاف بالحرام
المحرّم وهي كبيرة بعد البيان وتحريم الله تعالى لها، ولم يكن ذلك منه إلاّ
استخفافاً بالمحرّم للحرام، والإستخفاف بذلك دخول في الكفر.
وعلّة تحريم الربا بالنسية لعلّة ذهاب المعروف، وتلف الأموال،
ورغبة الناس في الربح، وتركهم القرض، والقرض من صنايع المعروف، ولما في ذلك من
الفساد والظلم وفناء الأموال.
وحرّم الخنزير لأنّه مشوّه، جعله الله عزّ وجلّ عظة للخلق وعبرة
وتخويفاً ودليلاً على ما مسخ على خلقته، ولأنّ غذاءه أقذر الأقذار مع علل كثيرة.
وكذلك حرّم القرد لأنّه مسخ مثل الخنزير، وجعل عظة وعبرة للخلق
ودليلاً على ما مسخ على خلقته وصورته، وجعل فيه شبهاً من الإنسان، ليدلّ على أنّه
من الخلق المغضوب عليهم.
وحرّمت الميتة لما فيها من فساد الأبدان والآفة، ولما أراد الله
عزّ وجلّ أن يجعل التسمية سبباً للتحليل وفرقاً بين الحلال الحرام.
وحرّم الله عزّ وجلّ الدم كتحريم الميتة لما فيه من فساد
الأبدان، ولأنّه يورّث الماء الأصفر، ويبخر الفم، وينتن الريح، ويسيّئ الخلق، ويورث
القسوة للقلب، وقلّة الرأفة والرحمة حتّى ﻻ يؤمن أن يقتل [ولده] ووالده وصاحبه.
وحرّم الطحال لما فيه من الدم، ولأنّ علّته وعلّة الدم والميتة
واحدة، لأنّه يجري مجراها في الفساد.
وعلّة المهر ووجوبه على الرجال ولا يجب على النساء أن يعطين
أزواجهنّ لأنّ على الرجل مؤونة المرأة ولأنّ المرأة بائعة نفسها، والرجل مشتر، ولا
يكون البيع إلاّ بثمن، ولا الشراء بغير إعطاء الثمن، مع أنّ النساء محظورات عن
التعامل والمتجر مع علل كثيرة.
وعلّة تزويج الرجل أربع نسوة وتحريم أن تتزوّج المرأة أكثر من
واحد، لأنّ الرجل إذا تزوّج أربع نسوة كان الولد منسوباً إليه، والمرأة لو كان لها
زوجان وأكثر من ذلك لم يعرف الولد لمن هو؟ إذ هم مشتركون في نكاحها، وفي ذلك فساد
الأنساب والمواريث والمعارف.
وعلّة تزويج العبد اثنتين ﻻ أكثر منه لأنّه نصف رجل حرّ في
الطلاق والنكاح، ﻻ يملك نفسه ولا له مال انّما ينفق مولاه عليه وليكون ذلك فرقاً
بينه وبين الحرّ، وليكون أقلّ لاشتغاله عن خدمة مواليه.
وعلّة الطلاق ثلاثاً لما فيه من المهلة فيما بين الواحدة إلى
الثلاث لرغبة تحدث، أو سكون غضبه إن كان، وليكون ذلك تخويفاً وتأديباً للنساء
وزجراً لهنّ عن معصية أزواجهنّ، فاستحقّت المرأة الفرقة والمباينة لدخولها فيما ﻻ
ينبغي من معصية زوجها.
وعلّة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات فلا تحلّ له أبداً عقوبة
لئلاّ يتلاعب بالطلاق، ولا يستضعف المرأة، وليكون ناظراً في اموره، متيقّظاً
معتبراً، وليكون يأساً لهما من الإجتماع بعد تسع تطليقات.
وعلّة طلاق المملوك اثنتين لأنّ طلاق الأمة على النصف فجعله
اثنتين احتياطاً لكمال الفرائض، وكذلك في الفرق في العدّة للمتوفّي عنها زوجها.
وعلّة ترك شهادة النساء في الطلاق والهلال لضعفهنّ عن الرؤية
ومحاباتهنّ في النساء الطلاق، فلذلك ﻻ يجوز شهادتهنّ إلاّ في موضع ضرورة مثل شهادة
القابلة، وما ﻻ يجوز للرجال أن ينظروا إليه، كضرورة تجويز شهادة أهل الكتاب إذا لم
يوجد غيرهم، وفي كتاب الله عزّ وجلّ: (إثنان ذوا عدل منكم) مسلمين (أو آخران من
غيركم)(20) كافرين،
ومثل شهادة الصبيان على القتل إذا لم يوجد غيرهم.
والعلّة في شهادة أربعة في الزنا واثنين في ساير الحقوق لشدّة
حدّ المحصن لأنّ فيه القتل فجعلت الشهادة فيه مضاعفة مغلّظة، لما فيه من قتل نفسه،
وذهاب نسب ولده ولفساد الميراث.
وعلّة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه وليس ذلك للولد، لأنّ
الولد موهوب للوالد في قول الله عزّ وجلّ: (يهب لمن يشاء اناثاً ويهب لمن يشاء
الذكور)(21) مع أنّه
المأخوذ بمؤونته صغيراً أو كبيراً، والمنسوب إليه والمدعوّ له لقول الله عزّ وجلّ:
(ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله)(22)
وقول النبيّ (صلى الله عليه وآله): أنت ومالك لأبيك.
وليس للوالدة كذلك، ﻻ تأخذ من ماله إلاّ بإذنه، أو بإذن الأب،
لأنّ الأب مأخوذ بنفقة الولد، ولا تؤخذ المرأة بنفقة ولدها.
والعلّة في أنّ البيّنة في جميع الحقوق على المدّعي واليمين على
المدّعى عليه ما خلا الدم لأنّ المدّعى عليه جاحد، ولا يمكنه إقامة البيّنة على
الجحود ولأنّه مجهول.
وصارت البيّنة في الدم على المدّعى عليه واليمين على المدّعي
لأنّه حوط يحتاط به المسلمون لئلاّ يبطل دم أمرئ مسلم، وليكون ذلك زاجراً وناهياً
للقاتل، لشدّة إقامة البيّنة عليه لأنّ من يشهد على أنّه لم يفعل قليل.
وأمّا علّة القسامة أن جعلت خمسين رجلاً فلما في ذلك من التغليظ
والتشديد والإحتياط لئلاّ يهدر دم امرئ مسلم.
وعلّة قطع اليمين من السارق لأنّه يباشر الأشياء بيمينه وهي
أفضل أعضائه وأنفعها له فجعل قطعها نكالاً وعبرة للخلق لئلاّ يبتغوا أخذ الأموال من
غير حلّها، ولأنّه أكثر ما يباشر السرقة بيمينه.
وحرّم غصب الأموال وأخذها من غير حلّها لما فيه من أنواع
الفساد، والفساد محرّم لما فيه من الفناء وغير ذلك من وجوه الفساد.
وحرّم السرقة لما فيها من فساد الأموال وقتل الأنفس لوكانت
مباحة، ولما يأتي في التغاصب من القتل والتنازع والتحاسد، وما يدعو إلى ترك
التجارات والصناعات في المكاسب، واقتناء الأموال إذا كان الشيء المقتني ﻻ يكون أحد
أحقّ به من أحد.
وعلّة ضرب الزاني على جسده بأشدّ الضرب لمباشرته بالزنا
واستلذاذ الجسد كلّه به فجعل الضرب عقوبة له وعبرة لغيره وهو أعظم الجنايات.
وعلّة ضرب القاذف وشارب الخمر ثمانين جلدة لأنّ في القذف نفي
الولد، وقطع النسل، وذهاب النسب، وكذلك شارب الخمر لأنّه إذا شرب هذى وإذا هذى
افترى فوجب عليه حدّ المفتري.
وعلّة القتل بعد إقامة الحدّ في الثالثة على الزاني والزانية
لاستحقاقهما وقلّة مبالاتهما بالضرب حتّى كأنّهما مطلق لهما ذلك الشيء.
وعلّة اخرى أنّ المستخفّ بالله وبالحدّ كافر فوجب عليه القتل
لدخوله في الكفر.
وعلّة تحريم الذكران للذكران، والاناث للاناث لما ركّب في
الاناث، وما طبع عليه الذكران، ولما في إتيان الذكران الذكران والاناث الاناث من
انقطاع النسل وفساد والتدبير وخراب الدنيا.
وأحلّ الله تعالى لحوم البقر والغنم والإبل لكثرتها وإمكان
وجودها، وتحليل بقر الوحش وغيرها من أصناف ما يؤكل من الوحش المحلّلة لأنّ غذاءها
غير مكروه ولا محرّم، ولا هي مضرّة بعضها ببعض ولا مضرّة بالأنس، ولا في خلقها
تشويه.
وكره أكل لحوم البغال والحمير الأهليّة لحاجة الناس إلى ظهورها
واستعمالها والخوف من فنائلها لقلّتها، ﻻ لقذر خلقتها ولا لقذر غذائها.
وحرّم النظر إلى شعور النساء المحجوبات بالأزواج وإلى غير هنّ
من النساء لما فيه من تهييج الرجال، وما يدعو التهييج إليه من الفساد والدخول فيما
ﻻ يحلّ ولا يجمل وكذلك ما أشبه الشعور، إلاّ الّذي قال الله عزّ وجلّ: (والقواعد من
النساء اللاّتي ﻻ يرجون نكاحاً فليس عليهنّ جناح أن يضعن ثيابهنّ غير متبرّجات
بزينة)(23) أي: غير
الجلباب، فلا بأس بالنظر إلى شعور مثلهنّ.
وعلّة إعطاء النساء نصف ما يعطى الرجل من الميراث، لأنّ المرأة
إذا تزوّجت أخذت، والرجل يعطي فلذلك وفّر على الرجال.
وعلّة اخرى في إعطاء الذكر مثلي ما تعطى الأنثى لأنّ الانثى في
عيال الذكر إن احتاجت، وعليه أن يعولها وعليه نفقتها، وليس على المرأة أن تعول
الرجل ولا تؤخذ بنفقته إن احتاج، فوفّر الله تعالى على الرجال لذلك، وذلك قول الله
عزّ وجلّ: (الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من
أموالهم)(24).
وعلّة المرأة أنّها ﻻ ترث من العقار شيئاً إلاّ قيمة الطوب
والنقض لأنّ العقار ﻻ يمكن تغييره وقلبه، والمرأة يجوز أن ينقطع ما بينها وبينه من
العصمة ويجوز تغييرها وتبديلها، وليس الولد والوالدك كذلك، لأنّه ﻻ يمكن التفصّي
منهما، والمرأة يمكن الإستبدال، بها، فما يجوز أن يجيء ويذهب كان ميراثها فيما يجوز
تبديله وتغييره إذا أشبهها وكان الثابت المقيم على حاله، كمن كان مثله في الثبات
والقيام.
حقوق متقابلة(25)
انّا أهل بيت وجب حقّنا برسول الله (صلى الله عليه وآله) فمن
أخذ برسول الله (صلى الله عليه وآله) حقّاً ولم يعط النّاس من نفسه مثله فلا حقّ
له.
في سماع الاغاني(26)
حدثني الرّيان بن الصلت قال: قلت للرضا (عليه السّلام) انّ
العبّاسيّ أخبرني أنّك رخّصت في سماع الغناء؟ فقال:
كذب الزنّديق، ما هكذا كان انما سألني عن سماع الغناء فأعلمته
أنّ رجلاً أتا أبا جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين (عليه السّلام) فسأله عن سماع
الغناء فقال له:
أخبرني إذا جمع الله تبارك وتعالى بين الحقّ والباطل مع أيهمّا
يكون الغناء؟
فقال الرّجل: مع الباطل.
فقال له ابو جعفر (عليه السّلام): حسبك فقد حكمت على نفسك فهكذا
كان قولي له.
الطين المستثنى(27)
عن سعد بن سعد الأشعري: سألته عن الطين الّذي يؤكل، يأكله
الناس؟ فقال:
كلّ طين حرام كالميتة والدم [ولحم الخنزير خ ل] وما أهلّ لغير
الله به ما خلا طين قبر الحسين (عليه السّلام) فانّه شفاء من كلّ داء وأمن من كلّ
خوف.
ﻻ تقتلوا القنبرة(28)
ﻻ تقتلوا القنبرة ولا تأكلوا لحمها فانها كثيرة التسبيح، تقول
في آخر تسبيحها: لعن الله مبغضي آل محمّد (عليهم السلام).
من حكمة الإسلام(29)
اعلم يرحمك الله انّ الله تبارك وتعالى لم يبح أكلاً ولا شرباً
إلاّ لما فيه المنفعة والصلاح، ولم يحرم إلاّ ما فيه الضرر والتلف والفساد.
فكلّ نافع مقوّ للجسم فيه قوّة للبدن فحلال، وكلّ مضر يذهب
بالقوّة أو قاتل فحرام مثل السموم والميتة والدم ولحم الخنزير وذي ناب من السباع
ومخلب من الطير وما ﻻ قانصة له منها، ومثل البيض إذا استوى طرفاه والسمك الذي ﻻ
فلوس له فحرام كلّه إلاّ عند الضرورة والعلّة في تحريم الجريّ وهو السلور وما جرى
مجراه من سائر المسوخ البريّة والبحرية ما فيها من الضرر للجسم لأنّ الله تقدّست
آلاؤه مثّل على صورها مسوخاً فأراد أن ﻻ يستخفّ بمثله.
والميتة تورث الكلب وموت الفجأة والآكلة، والدم يقسي القلب
ويورث الداء الدبيلة، والسموم قاتلة، والخمر يورث فساد القلب ويسوّد الأسنان ويبخر
الفم ويبعد من الله ويقرب من سخطه وهو من شراب إبليس.
وقال (عليه السّلام): شارب الخمر ملعون، شارب الخمر كعبدة
الأوثان يحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان.
الرجل وخاتم الذهب(30)
ﻻ تصلّ في جلد الميتة على كل حال ولا في خاتم ذهب ولا تشرب في
آنية الذهب والفضة.
من ﻻ غيبة له(31)
من ألقى جلباب الحياء فلا غيبة له.
حكمة التحريم(32)
حرّم الله الخمر لما فيها من الفساد، ومن تغييرها عقول شاربيها
وحملها ايّام على انكار الله عزّ وجلّ، والفرية عليه، وعلى رسله وساير ما يكون منهم
من الفساد والقتل والقذف والزنا، وقلّة الإحتجاز من شيء من الحرام، فبذلك قضينا على
كلّ مسكر من الأشربة انّه حرام محرّم لانّه يأتي من عاقبتها ما يأتي من عاقبة
الخمر.
فليجتنبه من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتولاّنا وينتحل مودتنا
كلّ شراب مسكر، فانّه ﻻ عصمة بيننا وبين شاربيها.
من حكمة القطع(33)
ﻻ يزال العبد يسرق حتّى إذا استوفى ثمن دية يده، اظهره الله
عليه.
دور النيّة(34)
ﻻ عمل إلاّ بنية.
التأويل بالرأي(35)
ﻻ تتأول كتاب الله عزّ وجلّ برأيك فإن الله عزّ وجلّ قد قال:
(ولا يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم)(36).
المراء في القرآن(37)
المراء في كتاب الله كفر.
القرآن كلام الله(38)
عن الريّان بن الصلت قال: قلت للرضا(عليه السّلام): ما تقول في
القرآن؟ فقال:
كلام الله ﻻ تتجاوزوه، ولا تطلبوا الهدى في غيره فتضلّوا.
تشريع الزكاة(39)
علة الزكاة من اجل قوت الفقراء، وتحصين أموال الاغنياء لأن الله
تبارك وتعالى كلّف أهل الصحة القيام بشأن اهل الزمانة والبلوى، كما قال الله تعالى
(لتبلون في أموالكم وأنفسكم)(40).
في أموالكم باخراج الزكاة وفي أنفسكم بتوطين الانفس على الصبر، مع ما في ذلك من
اداء شكر نعم الله عزّ وجلّ، والطمع في الزيادة مع ما فيه من الرأفة والرحمة لأهل
الضعف، والعطف على أهل المسكنة، والحثّ لهم على المواساة وتقوية الفقراء، والمعونة
لهم على امر الدين، وهم عظة لأهل الغنى وعبرة لهم، ليستدلوا على فقر الاخرة بهم،
وما لهم من الحث في ذلك على الشكر لله تبارك وتعالى، لما خولهم واعطاهم، والدعاء
والتضرع والخوف من ان يصيروا مثلهم، في امور كثيرة في اداء الزكاة والصدقات، وصلة
الارحام واصطناع المعروف.
سوق المسلمين(41)
عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي قال: سألت الرضا (عليه
السّلام) عن الخفاف يأتي الرجل السوق ليشتري الخف ﻻ يدري ذكي هو أم ﻻ؟ ما تقول في
الصلاة فيه وهو لايدري؟ قال:
نعم أنا اشتري الخفّ من السوق واصلي فيه وليس عليكم المسألة.
قال: وسألته عن الجبة الفراء يأتي الرجل السوق من اسواق
المسلمين فيشتري الجبة ﻻ يدري أهي ذكية أم ﻻ؟ يصلي فيها؟
قال: نعم ان ابا جعفر (عليه السّلام) كان يقول: ان الخوارج
ضيّقوا على أنفسهم بجهالتهم ان الدين اوسع من ذلك ان علي بن ابي طالب (عليه
السّلام) كان يقول: ان شيعتنا في اوسع ما بين السماء الى الأرض أنتم مغفور لكم.
|