مكتبة الإمام الرضا

فهرس الكتاب

 

 ثانياً : الاستبداد

لقد استبد هارون بالحكم وجعله موروثاً لأولاده الثلاث من بعده، واختار ابنه محمداً بن زبيدة ارضاءً لها على الرغم من اعترافه بعدم أهلية محمد للخلافة، حيث اعترف بذلك قائلاً : وقد قدمت محمداً ... واني لأعلم انّه منقاد الى هواه مبذر لما حوته يداه، يشارك في رأيه الاماء والنساء، ولولا اُمّ جعفر ـ يعني زبيدة ـ وميل بني هاشم اليه لقدمت عبدالله عليه[1].

فاختار ابن زبيدة لهواها فيه، ولم يكترث ممّا سيحل بالمسلمين من كوارث جراء التنافس بين ولديه الذي ذهب ضحيته الآف المسلمين في قتال دموي وإنفاق لأموال المسلمين في ذلك القتال .

ومن مظاهر الاستبداد هو اسناد المناصب الحكومية والعسكرية الى اقربائه وخواصّه والمتملّقين اليه دون النظر الى مؤهلاتهم الدينية والخلقية والإدارية .

ثالثاً : الأخطار الخارجية

كانت الدولة والحكومة محاطة بمخاطر خارجية ففي بداية عهد الإمام الرضا (عليه السلام) أوقع الخزر بالمسلمين وقعة شديدة الوطأة، قتل فيها الآلاف وأسر فيها من النساء والرجال أكثر من مائة ألف، وكما يقول المؤرخون : جرى على الإسلام أمر عظيم لم يسمع قبله بمثله أبداً[2].

وكان الروم يتحيّنون الفرص للوثوب على المسلمين، وكانوا ينقضون الصلح بين فترة واُخرى، ولا يرجعون إليه إلاّ بمعارك طاحنة، وكان الغزو غير قائم على أسس نشر الإسلام وتوسيع رقعة الدولة الاسلامية، وإنّما الدافع إليه هوى الحاكم ورغبته في السيطرة على أكبر مساحة وأكثر عدد من الناس، واضافة الى اشغال المسلمين وابعادهم عن السياسة والمعارضة وسلوك هارون خير شاهد على هذه الحقيقة، فالحريص على الإسلام والمسلمين لا ينشغل بالجواري والاُمسيات الفكاهية، ولا ينشغل بالترف والملذات .

 رابعاً : إختلال الجبهة الداخلية

بسبب السياسات الخاطئة التي مارسها هارون في مرحلة حكمه، ظهر الخلل والاضطراب في الجبهة الداخلية، ففي سنة (184 هـ) خرج ابو عمرو حمزة الشاري، واستمر في خروجه الى سنة (185 هـ )، وقمع هارون حركته بعد مقتل عشرة آلاف من أنصاره والخارجين معه .

وفي نفس السنة قتل أهل طبرستان والي هارون .

وفي السنة نفسها خرج ابو الخصيب للمرّة الثانية وسيطر على نسا وأبيورد وطوس ونيسابور وزحف الى مرو وسرخس وقوي أمره، ولم تنته حركته إلاّ بمقتل الآلاف من الطرفين سنة ( 186 هـ ) [3].

وتوسع الخلل في الجبهة الداخلية سنة (187 هـ ) حينما قام هارون بقتل البرامكة وهم أركان الحكم والمشيدون له[4]، وقد كان لهم دور كبير في القضاء على خصوم العباسيين ومخالفيهم .

وفي السنة نفسها سجن هارون بن عبدالملك بن صالح بن علي العباسي، لسعي ابنه به وادعائه بانه يطلب الخلافة[5].

 وقتل ابراهيم بن عثمان بن نهيك لطلبه بثأر البرامكة[6] .

وفي سنة (189 هـ ) توجه هارون الى الري بعد ما وصلته الاخبار بأنّ علي بن عيسى بن ماهان ـ والي خراسان ـ قد أجمع على خلافه، اضافة الى القطيعة بينه وبين أهل خراسان، وعاد بعد اربعة اشهر الى بغداد دون أن يعزله[7].

وكان هارون كثير العزل والاقصاء لقادة الاجهزة الحسّاسة في الحكومة، فمنصب قائد الشرطة قد تناوب عليه ثمانية اشخاص يعزل أحدهم ويستبدله بثان وهكذا[8].

والسياسة الخاطئة أدّت الى ضعف العلاقة بين هارون والاُمة، والتي وصلت الى حد الكراهية والبغضاء، فعند مرور هارون على فضيل بن عياض بمكة قال فضيل : الناس يكرهون هذا[9].

وخلاصة القول انّ الاوضاع السياسية التي كان يمرّ بها حكم هارون جعلته يستثني من قتل الإمام الرضا (عليه السلام) لقرب العهد بمقتل والده مسجوناً، إضافة الى انّ عهد الإمام كان خالياً من الثورات العلوية التي قد تنسب مسؤوليتها الى الإمام (عليه السلام) لو كانت قائمة .

وكان دور الإمام (عليه السلام) في هذه المرحلة هو الاصلاح الهادئ لجميع الاوضاع، ومن اعماله القيام بتوضيح المفاهيم السياسية السليمة دون اعلان المعارضة الصريحة .

2 ـ الاوضاع السياسية في عهد محمد ( الأمين )

عاصر الإمام (عليه السلام) حكومة محمد بن هارون خمس سنين، من سنة (193 هـ ) الى سنة (198 هـ )، وفي هذه المرحلة لم تظهر من محمد بن هارون أي مبادرة إرهابية باتجاه الإمام (عليه السلام) وباتجاه أهل البيت عموماً، فلم يهدّد بقتله وقتل بقية العلويين، ولم يذكر لنا التأريخ تصريحاً منه بالتفكير في ذلك، ولعلّ الظروف والاوضاع التي أحاطت به لم تساعده على ذلك، ففي بداية حكومته بدأ الخلاف بينه وبين أخيه عبدالله المأمون، وانقسمت الدولة الاسلامية في الحكم الى قسمين، فلكل منهما أنصار وأتباع ومصادر قوة من أموال وسلاح .

وفي سنة (194 هـ ) تمرّد أهل حمص على الحكومة العباسية فقام قائد جيش محمد الامين بقتل وجوه أهالي حمص وسجن أهاليها والقاء النار في نواحيها، ولم ينته التمرّد الاّ بعد مزيد من القتلى والخراب الاقتصادي .

وفي السنة نفسها أمر الأمين بالدعاء على المنابر لابنه موسى بولاية العهد من بعده، ثم أمر أخاه المأمون أن يقدم ابنه موسى عليه فرفض .

 وفي سنة ( 195 هـ ) أرسل جيشاً الى خراسان لقتال أخيه المأمون ولكن مني جيشه بالهزيمة، واستمر بارسال الجيوش تباعاً الى سنة ( 197 هـ ) ولم تفلح جيوشه بالسيطرة على خراسان بل عادت متقهقرة، ولاحقتها جيوش المأمون إلى ان حاصرت بغداد حصاراً شديداً دام سنة كاملة .

وفي سنة (198 هـ ) سيطرت جيوش المأمون على بغداد بعد قتال دام ذهب ضحيته عشرات الآلاف من الطرفين، وقُتِل الامين ومن بقي معه من أصحابه، وأصبح المأمون هوالحاكم الوحيدالذي لاينازعه منازع بعد مقتل أخيه[10].

وهذه الظروف أدّت إلى عدم توفر فرصة لملاحقة الإمام الرضا (عليه السلام) وغيره من العلويين. وبطبيعة الحال، كان الإمام (عليه السلام) يستثمر هذه الظروف لاصلاح ما أمكن إصلاحه مما فسد في المجتمع الاسلامي والقيام بتوسيع القاعدة الشعبية الشيعية، ونشر المفاهيم والافكار السليمة. وكان العلويون يقومون بإعادة بناء تنظيماتهم العسكرية، والإعداد لمرحلة مقبلة تبعاً للظروف التي تمر بها الحكومة والاُمة الإسلامية معاً .

[1] تاريخ الخميس 6 2 / 334 .

[2] تاريخ الاسلام للذهبي حوادث سنة ( 181، 191) : 12 .

[3] تاريخ الطبري : 8 / 272 ـ 273 .

[4] تاريخ الطبري : 8 / 287 .

[5] الكامل في التاريخ : 6 / 180 .

[6] الكامل في التاريخ : 6 / 186 .

[7] الكامل في التاريخ : 6 / 191، 192 .

[8] تاريخ اليعقوبي : 2 / 429 .

[9] تاريخ بغداد : 14 / 12 .

[10] الكامل في التاريخ : 6 / 222 ـ 282 .