2 ـ الدور السياسي للإمام (عليه السلام) في عهد هارون ومحمد استثمر الإمام (عليه السلام) أجواء وظروف الانفراج السياسي النسبي لبناء وتوسعة القاعدة الشعبية، وتسليحها بالفكر السياسي السليم المنسجم مع رؤية أهل البيت(عليهم السلام)، وتعبئة الطاقات لاتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، ولهذا لم تنفجر اي ثورة علوية في هذين العهدين لعدم اكتمال العدة والعدد . وكان الإمام (عليه السلام) يقدّم للاُمة المفاهيم والافكار السياسية باسلوب حذر لكي لا يعطي للحكّام مبرراً لمنعه أو سجنه أو قتله، فقد أكّد (عليه السلام) على ضرورة الامامة في كل زمن ونقل عن آبائه واجداده الروايات التي تتعلق بهذا المفهوم السياسي الذي هو جزء من عقيدة أهل البيت(عليهم السلام)، فنقل عبر السلسلة الذهبية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال : «يدعى كل اناس بامام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيّهم»[1]. وحدّد (عليه السلام) علامات الإمام لكي تتمكن الاُمة من تشخيص الإمام الحق في ظرف كثر فيه التدليس وقلب الحقائق فقال (عليه السلام) : «للامام علامات : يكون أعلم الناس، واحكم الناس، وأتقى الناس، وأحلم الناس، واشجع الناس، واسخى الناس، واعبد الناس ...»[2]. ويؤكّد الإمام الرضا (عليه السلام) على وحدة الإمامة فلابد من نصب إمام واحد غير متعدد[3] ، ويذكر العلّة من ذلك وهي توحيد جيمع الاعمال والمواقف والحيلولة دون حدوث الاضطراب في الدولة والاُمة. وهذا يعني ان تعدد الائمة مخالف لاُسس العقيدة الاسلامية في السياسة والحكم، وفي هذه الحالة لابد وان يكون أحد الائمة إمام حق والبقية ائمة ضلالة لا تجب طاعتهم وإن كانوا في قمة السلطة الزمنية . وقام الإمام (عليه السلام) بنشر الأحاديث المتعلقة بفضائل أهل البيت (عليهم السلام) ودورهم في الحياة الاسلامية، فقد روى عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انّه قال : «مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها زج في النار»[4]. وقال (صلى الله عليه وآله) : «النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لاُمّتي»[5]. وروى عنه (صلى الله عليه وآله) انه قال : «يا علي أنت قسيم الجنة والنار ...»[6]. ووجّه (عليه السلام) الانظار الى أهل البيت (عليهم السلام) والى موقعهم القيادي في الاُمة، ثم وجّه الانظار الى فضائل انصار أهل البيت (عليهم السلام) كعمّار وابي ذر والمقداد وسلمان; ليتم تشخيص أهل الحق وأهل الباطل على طول الأجيال، فقد روى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال، لعلي بن أبي طالب(عليه السلام) : «الجنّة تشتاق اليك وإلى عمّار وسلمان وأبي ذر والمقداد»[7]. وحدّث عنه (صلى الله عليه وآله) انه قال : «تقتل عماراً الفئة الباغية»[8] . كما أكّد على أهميّة ولاية أهل البيت (عليهم السلام) والبراءة من اعدائهم بقوله(عليه السلام) : «كمال الدين ولايتنا والبراءة من عدونا»[9]. وحثّ الاُمة على تكريم ذريّة الرسول (صلى الله عليه وآله) بما حدّث به عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال : «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة : المكرم لذرّيتي من بعدي، والقاضي لهم حوائجهم، والساعي لهم في اُمورهم عند اضطرارهم اليه، والمحب لهم بقلبه ولسانه»[10]. وفي خضم الاحداث الصاخبة وما طرأ من تشويه وتدليس في الحقائق والمعتقدات، بيّن الإمام(عليه السلام) للاُمة المفهوم الحقيقي للتشيّع، وشخص النماذج المجسدة له في الواقع فقال في شيعة علي (عليه السلام) : «انما شيعته الحسن والحسين وأبو ذر وسلمان والمقداد ومحمد بن أبي بكر، الذين لم يخالفوا شيئاً من أوامره، ولم يركبوا شيئاً من فنون زواجره ...»[11]. وقال (عليه السلام) : «شيعتنا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، ويحجّون البيت الحرام، ويصومون شهر رمضان، ويوالون أهل البيت ويتبرّؤن من اعدائهم، أولئك أهل الإيمان والتقى وأهل الورع والتقوى»[12]. واستثمر الإمام (عليه السلام) ذكرى استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) فحثّ على احيائها احياءً حقيقياً ينسجم مع عمق الاهداف التي ضحّى من اجلها الحسين (عليه السلام)، ليتعمق الولاء العاطفي والسياسي لنهج الإمام الحسين الثوري، واحياء الذكرى عامل من عوامل اثارة الحس الثوري المعارض للانحراف . قال (عليه السلام) : «ان يوم الحسين أقرح جفوننا واسبل دموعنا وأذلّ عزيزنا ... فعلى مثل الحسين فليبك الباكون، فإنّ البكاء عليه يحط الذنوب العظام»[13]. وحثّ (عليه السلام) على تمنّي الكون مع اصحاب الحسين (عليه السلام) وهو حثّ على تصعيد روح الثورة والتمرد على الواقع الفاسد، قال (عليه السلام) : «إن سرّك ان يكون لك من الثواب مثل ما لمن استشهد مع الحسين (عليه السلام) فقل متى ما ذكرته : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً»[14]. وحثّ (عليه السلام) على زيارة قبر الحسين (عليه السلام) للتزود من مواقفه الشجاعة ولتجديد العهد معه على رفض الانحراف والظلم والطغيان، قال (عليه السلام): «زيارة قبر الحسين صلوات الله عليه تعدل عمرة مبرورة متقبلة»[15]. واقامة مراسيم العزاء وزيارة القبر الشريف هو بمثابة معارضة ولكنها سلميّة، اضافة الى ذلك فانه وسيلة لجمع الانصار والموالين بأسرع الاوقات دون ان تقوم السلطة بملاحقتهم لأنّ مبرر اجتماعهم هو الحزن على الحسين (عليه السلام) . وفعلاً اثمر الموقف هذا، فإن الذين ثاروا فيما بعد على المأمون، انطلقوا من قبر الحسين واعلنوا الثورة[16]. واستطاع الإمام (عليه السلام) بهذا الاسلوب أن يوسع القاعدة الموالية لأهل البيت (عليهم السلام) دون أن تلاحقه السلطات القائمة أو تمنع نشاطه السياسي، واستطاع (عليه السلام) كسب عناصر جديدة مقربة للحكام من وزراء وقادة جيش وفقهاء، وكانت تصل اليه الاخبار ـ كما تقدم ـ من داخل البلاط الحاكم . وكان (عليه السلام) يقود جميع خطط التحرك بسرّية تامة ـ كما تقدم ـ ولم تقم في عهد هارون وابنه محمد أيّ ثورة مسلحة، لأن انصار أهل البيت (عليهم السلام) كانوا منشغلين باعادة بناء قواتهم المسلحة بعد اخفاق الثورات السابقة كثورة صاحب فخ وغيره. |
|