اغتيال الإمام الرضا (عليه السلام)لقد كان الإمام الرضا(عليه السلام) يعلم بأنه سوف يُقتل، وذلك لروايات وردت عن آبائه عن رسول الله(صلى الله عليه وآله)، اضافة الى الإلهام الإلهي له، لوصوله الى قمة السموّ والارتقاء الروحي. ولا غرابة في ذلك، فقد شاهدنا في حياتنا المعاصرة انّ بعض الاتقياء يحدّدون ايام وفاتهم أو سنة وفاتهم، لرؤيا رأوها أو لإلهام إلهي غير منظور. فما المانع أن يعلم الإمام الرضا (عليه السلام) بمقتله وهو الشخصية العظيمة التي ارتبطت بالله تعالى ارتباطاً حقيقياً في سكناتها وحركاتها، واخلصت له اخلاصاً تاماً . وقد اخبر الإمام (عليه السلام) جماعة من الناس بأنّه سيدفن قرب هارون، بقوله(عليه السلام) : «انا وهارون كهاتين»، وضم اصبعيه السبابة والوسطى[1]. وكان هارون يخطب في مسجد المدينة والإمام حاضر فقال (عليه السلام) : «تروني واياه ندفن في بيت واحد»[2]. وفي ذات مرّة، خرج هارون من المسجد الحرام من باب، وخرج الإمام من باب آخر فقال (عليه السلام) : «يا بعد الدار وقرب الملتقى ان طوس ستجمعني واياه»[3]. وقال ابن حجر : أخبر بأنه يموت قبل المأمون ، وأنّه يدفن قرب الرشيد فكان كما أخبر[4] . وحينما اراد المأمون اشخاصه الى خراسان، جمع عياله وكان (عليه السلام) يقول : «انّي حيث أرادوا الخروج بي من المدينة جمعت عيالي، فأمرتهم أن يبكوا عليّ حتى اسمع، ثم فرقت فيهم اثنى عشر الف دينار، ثم قلت : اما انّي لا ارجع الى عيالي أبداً»[5]. وحينما انشده دعبل الخزاعي قصيدته ـ بعد ولاية العهد ـ وانتهى الى قوله : «وقبر ببغداد لنفس زكية***تضمّنها الرحمن في الغرفات قال له الإمام (عليه السلام) : «أفلا اُلحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟ فقال : بلى يا ابن رسول الله، فقال (عليه السلام) : وقبر بطوس يا لها من مصيبة***توقد في الاحشاء بالحرقات فقال دعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر الذي بطوس قبر من هو ؟ فقال الإمام (عليه السلام) : قبري، ولا تنقضي الايام والليالي حتى تصير طوس مختلف شيعتي وزواري ...»[6]. وقد تقدم انه اخبر عن عدم إتمام ولاية العهد . الأدلة على شهادته مسموماًاختلفت الروايات في سبب موت الإمام (عليه السلام) بين الموت الطبيعي وبين السمّ، وقال الاكثر انّه مات مسموماً، وفيما يلي نستعرض بعض الروايات ـ الدالة على ذلك ـ باختصار . قال صلاح الدين الصفدي : وآل أمره مع المأمون الى أن سمّه في رمّانة... مداراة لبني العباس[7]. وقال اليعقوبي : فقيل ان علي بن هشام اطعمه رمّاناً فيه سمّ[8]. وقال ابن حبّان : ومات علي بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه اياها المأمون فمات من ساعته[9]. وقال شهاب الدين النويري : ... وقيل ان المأمون سمّه في عنب، واستبعد ذلك جماعة وانكروه[10]. وقال القلقشندي : يقال انه سمّ في رمّان أكله[11]. وكان اهل طوس يرون ان المأمون سمّه، وقد اعترف المأمون بتهمة الناس له فقد دخل على الإمام (عليه السلام) قبيل موته فقال : «يا سيدي والله ما أدري أي المصيبتين أعظم علي ؟ فقدي لك، وفراقي اياك ؟ او تهمة الناس لي اني اغتلتك وقتلتك...»[12]. ولما كان اليوم الثاني اجتمع الناس وقالوا : ان هذا قتله واغتاله، يعنون المأمون[13]. ومن الشواهد على ان المأمون قتله مسموماً، انه كان يخطط للتخلص منه. قال المأمون لبني العباس: ... فليس يجوز التهاون في امره، ولكنّا نحتاج ان نضع منه قليلاً قليلاً، حتى نصوّره عند الرعايا بصورة من لا يستحق هذا الأمر، ثم ندبّر فيه بما يحسم عنّا مواد بلائه[14]. ويأتي موت الإمام (عليه السلام) بعد قرار المأمون بالتوجه الى العراق ونقل عاصمة حكمه إليه، فقد وجد أنّ العباسيين في العراق سيبقون معارضين له ما دام الإمام(عليه السلام) ولياً لعهده، لذا نجده قد كتب لهم ليستميلهم: انكم نقمتم عليّ بسبب توليتي العهد من بعدي لعلي بن موسى الرضا، وها هو قد مات، فارجعوا الى السمع والطاعة . ولا يستبعد من المأمون ان يقدم على قتله، وقد قتل من اجل الملك والسلطة أخاه وآلاف المسلمين من جنوده وجنود أخيه، فالملك عقيم كما أخبره ابوه من قبل . أسباب إقدام المأمون على سمّ الإمام(عليه السلام) واغتيالهمن الأسباب التي دعت المأمون الى سمّ الإمام انّه لم يحصل على ما أراد من توليته للعهد، فقد حدثت له فتنة جديدة وهي تمرّد العباسيين عليه، ومحاولتهم القضاء عليه . ومن الأسباب التي وردت عن أحمد بن علي الانصاري عن ابي الصلت الهروي في قوله : «... وجعل له ولاية العهد من بعده ليرى الناس أنه راغب في الدنيا; فيسقط محلّه من نفوسهم، فلمّا لم يظهر منه في ذلك للناس الاّ ما ازداد به فضلاً عندهم، ومحلاًّ في نفوسهم، وجلب عليه المتكلمين من البلدان طمعاً من أن يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء، وبسببهم يشتهر نقصه عند العامة، فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئية والبراهمة والملحدين والدهرية، ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين الاّ قطعه وألزمه الحجة . وكان الناس يقولون : والله انّه أولى بالخلافة من المأمون، فكان أصحاب الأخبار يرفعون ذلك إليه، فيغتاظ من ذلك ويشتد حسده ». وكان الرضا لا يُحابي المأمون في حق، وكان يجيبه بما يكره في أكثر احواله; فيغيظه ذلك، ويحقد عليه، ولا يظهره له، فلمّا أعيته الحيلة في أمره اغتاله فقتله بالسم[15]. وقد نصحه الإمام (عليه السلام) ـ كما تقدم ـ بأن يبعده عن ولاية العهد لبغض البعض لذلك، وقد علّق ابراهيم الصولي على ذلك بالقول : كان هذا والله السبب فيما آل الأمر اليه[16]. اضافة الى ذلك ان بعض وزراء المأمون وقوّاده كانوا يبغضون الإمام (عليه السلام) ويحسدونه، فكثرت وشاياتهم على الإمام (عليه السلام)، فأقدم المأمون على سمّه[17]. وبدأت علامات الموت تظهر على الإمام (عليه السلام) بعد ان اكل الرمان أو العنب الذي اطعمه المأمون، وبعد خروج المأمون ازدادت حالته الصحية تدهوراً، وكان آخر ما تكلم به : (قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم) [18] (وكان أمر الله قدراً مقدوراً)[19]. ودخل عليه المأمون باكياً، ثم مشى خلف جنازته حافياً حاسراً يقول : «يا اخي لقد ثلم الاسلام بموتك وغلب القدر تقديري فيك» وشق لحد هارون ودفنه بجنبه[20]. وقد رثاه دعبل الخزاعي قائلاً : ارى امية معذورين ان قتلوا *** ولا ارى لبني العباس من عذر اربِع بطوس على قبر الزكي به *** ان كنت تربع من دين على خطر قبران في طوس خير الناس كلّهم***وقبر شرهم هذا من العبر ماينفع الرجس من قرب الزكي وما***على الزكي بقرب الرجس من ضرر[21] وكانت شهادة الإمام الرضا (عليه السلام) في آخر صفر سنة (203 هـ ) كما ذكر على ذلك اغلب الرواة والمؤرخين . كرامة زيارتهقال ابن حبّان : قد زرته مراراً كثيرة، وما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا، صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله ازالتها عني الاّ استجيب لي، وزالت عني تلك الشدة، وهذا شيء جربته مراراً، فوجدته كذلك[22]. وقد اشتهرت هذه الكرامات على مدى القرون ولا سيّما في عصرنا الراهن حتى أن القائمين بشؤون الحرم الرضوي قد أسّسوا قسماً خاصاً بتسجيل هذه الكرامات وتدوينها مع شواهدها وذاع صيتها واشتهر أمرها وأصبحت من الواضحات لدى عامة المؤمنين بل جملة من الأطباء الذين كانوا يشرفون على تطبيب بعض المرضى الذين لا علاج لهم. |
|