عن أبي الصلت الهروي قال : قال المأمون يوماً للرضا(عليه السلام) : يا أبا الحسن أخبرني عن جدّك أمير المؤمنين بأيّ وجه هو قسيم الجنّة والنار؟ وبأي معنى ؟ فقد كثر فكري في ذلك ! فقال له الرضا (عليه السلام) : «يا أمير المؤمنين ألم ترو، عن أبيك، عن آبائه، عن عبدالله بن عباس أنه قال : سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : حبّ علي إيمان وبغضه كفر؟ فقال: بلى! فقال الرضا (عليه السلام) : فقسمة الجنة والنار إذا كانت على حبّه وبغضه فهو قسيم الجنّة والنار . فقال المأمون : لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن، أشهد أنك وارث علم رسول الله (صلى الله عليه وآله) . قال أبو الصلت الهروي : فلما انصرف الرضا (عليه السلام) إلى منزله أتيته، فقلت له، ياابن رسول الله ما أحسن ما أجبت به أمير المؤمنين ؟ فقال الرضا (عليه السلام) : يا أبا الصلت إنما كلمته من حيث هو، ولقد سمعت أبي يحدّث عن آبائه عن عليّ (عليه السلام) أنّه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا علي أنت قسيم الجنة والنار يوم القيامة، تقول للنار هذا لي وهذا لك» [1] .
7 ـ حواره مع متكلمي الفرق الإسلامية عن الحسن بن الجهم، قال : «حضرت مجلس المأمون يوماً وعنده عليّ ابن موسى الرضا (عليه السلام) وقد اجتمع الفقهاء وأهل الكلام من الفرق المختلفة فسأله بعضهم، فقال له : يابن رسول الله بأيّ شيء تصح الإمامة لمدّعيها ؟ قال(عليه السلام): بالنصّ والدليل، قال له : فدلالة الإمام فيما هي ؟ قال في العلم واستجابة الدّعوة، قال : فما وجه إخباركم بما يكون قال : ذلك بعهد معهود إلينا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : فما وجه إخباركم بما في قلوب الناس . قال (عليه السلام) : أما بلغك قول الرسول (صلى الله عليه وآله) اتقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور الله قال : بلى; قال : وما من مؤمن إلاّ وله فراسة ينظر بنور الله على قدر إيمانه، ومبلغ استبصاره وعلمه، وقد جمع الله الأئمة منّا ما فرّقه في جميع المؤمنين، وقال عزوجل في محكم كتابه : (إنّ في ذلك لآيات للمتوسمين) فأوّل المتوسمين رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم أمير المؤمنين (عليه السلام) من بعده ثمّ الحسن والحسين والأئمة من ولد الحسين (عليهم السلام) إلى يوم القيامة . قال فنظر إليه المأمون فقال له : يا أبا الحسن زدنا ممّا جعل الله لكم أهل البيت فقال الرضا (عليه السلام) : إنّ الله عزَّوجل قد أيدنا بروح منه مقدّسة مطهرة ليست بملك لم تكن مع أحد ممّن مضى إلاّ مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي مع الأئمة منّا تسدّدهم وتوفقهم وهو عمود من نور بيننا وبين الله عزوجلَّ . قال له المأمون : يا أبا الحسن بلغني أنَّ قوماً يغلون فيكم ويتجاوزون فيكم الحدّ ؟ فقال الرضا (عليه السلام) : «حدَّثني أبي موسى بن جعفر; عن أبيه، عن جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه عليّ بن الحسين، عن أبيه الحسين بن عليّ عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لا ترفعوني فوق حقّي فإنَّ الله تبارك وتعالى اتّخذني عبداً قبل أن يتخذني نبياً . قال الله تبارك وتعالى: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا ربانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون، ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون). قال (عليه السلام) : «يهلك فيَّ إثنان ولا ذنب لي، محبّ مفرط ومبغض مفرّط وأنا أبرء إلى الله تبارك وتعالى ممن يغلو فينا ويرفعنا فوق حدّنا كبراءة عيسى بن مريم (عليه السلام) من النصارى، قال الله تعالى : (وإذا قال الله يا عيسى بن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني واُمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحقّ إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد) [2] . وقال عزَّوجل : (لن يستنكف المسيح أن يكون عبداً لله ولا الملائكة المقرّبون)وقال عزوجل : (ما المسيح بن مريم إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل واُمّه صدّيقة كانا يأكلان الطعام) ومعناه إنهما كانا يتغوَّطان، فمن ادّعى للأنبياء ربوبية وادّعى للائمة ربوبية أو نبوة أو لغير الأئمة إمامة فنحن منه براء في الدنيا والآخرة . فقال المأمون : يا أبا الحسن فما تقول في الرّجعة فقال الرضا (عليه السلام) : إنها لحقّ قد كانت في الاُمم السالفة ونطق به القرآن وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكون في هذه الاُمة كلّ ما كان في الاُمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة قال (عليه السلام) إذا خرج المهدي من ولدي نزل عيسى بن مريم (عليه السلام) فصلّى خلفه . وقال (عليه السلام) :قال رسول الله(صلى الله عليه وآله) إنَّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء. قيل: يا رسول الله ثمّ يكون ماذا؟ قال: ثمّ يرجع الحق إلى أهله. فقال المأمون يا أبا الحسن فما تقول في القائلين بالتناسخ ؟ فقال الرضا (عليه السلام) : من قال بالتناسخ فهو كافر بالله العظيم مكذّب بالجنة والنار. قال المأمون : ما تقول في المسوخ ؟ قال الرضا (عليه السلام) : اولئك قوم غضب الله عليهم، فمسخهم، فعاشوا ثلاثة أيام ثم ماتوا ولم يتناسلوا، فما يوجد في الدنيا من القردة والخنازير وغير ذلك مما وقع عليهم اسم المسوخيّة فهو مثل ما لايحلّ أكلها والانتفاع بها. قال المأمون : لا أبقاني الله بعدك يا أبا الحسن، فو الله ما يوجد العلم الصحيح إلا عند أهل هذا البيت وإليك انتهت علوم آبائك فجزاك الله عن الإسلام وأهله خيراً. قال الحسن بن الجهم : فلما قام الرضا (عليه السلام) تبعته فانصرف إلى منزله، فدخلت عليه وقلت له : يا ابن رسول الله، الحمد لله الذي وهب لك من جميل رأي أمير المؤمنين ما حمله على ما أرى من إكرامه لك وقبوله لقولك . فقال (عليه السلام) : يابن الجهم لا يغرنَّك ما ألفيته عليه من إكرامي والاستماع منّي فإنه سيقتلني بالسمّ وهو ظالم إليَّ إني أعرف ذلك بعهد معهود إليَّ من آبائي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فاكتم هذا ما دمت حياً . قال الحسن بن الجهم : فما حدَّثت أحداً بهذا الحديث إلى أن مضى(عليه السلام) بطوس مقتولاً بالسمّ ودفن في دار حميد بن قحطبة الطائي في القبة التي فيها قبر هارون الرشيد الى جانبه [3] .
8 ـ حواره مع يحيى بن الضّحاك السمرقندي لقد كان المأمون يحبّ سقطات الرضا (عليه السلام) وأن يعلوه المحتج وإن أظهر غير ذلك، فاجتمع عنده الفقهاء والمتكلمون فدس إليهم أن ناظروه في الإمامة . فقال لهم الرضا (عليه السلام) : «اقتصروا على واحد منكم يلزمكم ما يلزمه، فرضوا برجل يعرف بيحيى بن الضحاك السمرقندي ولم يكن بخراسان مثله، فقال الرضا (عليه السلام) : يا يحيى سل عما شئت. فقال : نتكلّم في الامامة، كيف ادّعيت لمن لم يؤمّ وتركت من أمَّ ووقع الرضا به ؟ فقال له : يا يحيى أخبرني عمن صدّق كاذباً على نفسه أو كذّب صادقاً على نفسه أيكون محقّاً مصيباً أو مبطلاً مخطئاً ؟ فسكت يحيى. فقال له المأمون : أجبه، فقال : يعفيني أمير المؤمنين من جوابه، فقال المأمون : يا أبا الحسن عرِّفنا الغرض في هذه المسألة . فقال(عليه السلام) : لابدّ ليحيى من أن يخبر عن أئمته أنهم كذبوا على أنفسهم أو صدقوا ؟ فإن زعم أنهم كذبوا فلا أمانة لكذّاب، وإن زعم أنهم صدقوا، فقد قال أوّلهم : وليتكم ولست بخيركم، وقال تاليه كانت بيعته فلتة، فمن عاد لمثلها فاقتلوه، فوالله ما رضي لمن فعل مثل فعلهم إلا بالقتل، فمن لم يكن بخير الناس والخيرية لا تقع الا بنعوت منها العلم، ومنها الجهاد، ومنها ساير الفضائل وليست فيه . ومن كانت بيعته فلتة يجب القتل على من فعل مثلها، كيف يقبل عهده الى غيره وهذه صورته ؟! ثمّ يقول على المنبر : إنَّ لي شيطاناً يعتريني، فإذا مال بي فقوموني وإذا أخطأت فارشدوني فليسوا أئمة بقولهم إن صدقوا أو كذبوا، فما عند يحيى في هذا جواب. فعجب المأمون من كلامه، وقال: يا أبا الحسن ما في الارض من يحسن هذا سواك» [4] . |
|