عبد اللّه وقتله. وبمغامراته للاستئثار لبنيه بالخلافة دون سائر أهله.
فإذا كان ثمة من أحبه، فإن حبهم كان أقبح من البغض، مذ كانوا يؤلهونه، فيكفرون أنفسهم ويفضحونه، بل كادوا يقتلونه، يوم أحاط الراوندية بقصره فلم يمكنه اللّه منهم إلا بمساعدة عدو كان يطلب رأسه، هو معن بن زائدة الشيباني. وكان معن حريا أن يقتله في وطيس المعركة. حتى الذي أنجاه كان عدوا له
وفي سنة 145 انتفضت خراسان فقتلت جيوشه من أهلها سبعين ألفا وأسرت بضعة عشر ألفا.
ولم يكن شغله بالجيوش المحاربة في المشرق أو في جزيرة العرب أهم أشغاله. ففي افريقية خرج عليه محمد بن الأشعث والى افريقية، فجرد عليه جيشا بقيادة الأغلب بن سالم، وسيقتل الأغلب بعد سنين سنة 150. ولم ينهزم الخوارج إلا بعد أن خاضوا ثلثمائة وخمسة وسبعين وقعة وأمام جيش قوامه خمسون ألفا.
كل أولئك وهو من شح نفسه، ومن اصطحاب جماجم أهل البيت في خزائنه، في أمر مريج. يحسب أن كل صيحة عليه هي العدو: وأن كل خروج عليه يدعو الجميع ليخرجوا. وهم على خروج قادرون.
مع كل ذلك نجح أبو جعفر بالحذر والغدر ومعاجلة الخصوم. فاستبقى دولته لتكون أطول الدول الإسلامية عمرا. وأبعدها في الحضارة العالمية أثرا.
لكن التاريخ - وقانونه الاستقامة - وطبيعة الأشياء - وقانونها (لكل فعل رد فعل، مساو له في المقدار، ومضاد له في الاتجاه) - لم يتركا أبناءه وحفدته دون عقاب. وكأنما كان طول عمر دولته تطويلا للعقاب عليهم وتكثيرا لمن ينزل بهم.