تلك آداب اللّه، وأسباب الحكم الصالح، وملاك السيطرة للحاكم المسلم على قلوب الرعية.
وظاهر أن أبا جعفر كان يتظاهر بالاستعلاء إذ يدعى الصفح، وليس لديه تهمة. ولو كانت عنده تهمة للصادق لما طلب الموعظة إليه.
وللملوك سماعات، أو أبواق دعايات، منتشرة في الرعية، تلتقط موجات الرضا والغضب، والهدوء والقلق، وتبث نظائرها، حسب الحاجة. والنمامون كثر، كالفراشات التي تدور حول النور، تلتمس الدفء أو الظهور. ولأبي جعفر جهاز لا يني عن استعماله ليروع خصومه، أو ليجعلهم في قبضة يده . .
فلقد يدس من أجهزته دسيسا بعد دسيس على بني الحسن، والحسين، مثل أن يدعو ابن مهاجر ذات يوم فيقول له: خذ هذا المال وإيت المدينة والق عبد اللّه بن الحسن وجعفر بن محمد (الصادق) وأهل بيتهم وقل لهم إني رجل من خراسان من شيعتكم وقد وجهوا إليكم هذا المال. فادفع إلى كل واحد منهم على هذا الشرط. كذا وكذا. فإذا قبض المال فقل إني رسول. وأحب أن تكون معي خطوطكم بقبض ما قبضتموه مني . وذهب ابن مهاجر. فلما رجع قال له أبو جعفر ما وراءك؟ قال: أتيت القوم وهذه خطوطهم ما خلا جعفر بن محمد. قال لي يا هذا: اتق اللّه ولا تغرن أهل بيت محمد. فإنهم قريبو العهد بدولة بني مروان. وكلهم محتاج. فقلت وما ذاك أصلحك اللّه. فقال ادن مني. فدنوت فأخبرني بجميع ما جرى بيني. وبينك كأنه ثالثنا.
قال المنصور: يا ابن مهاجر إنه ليس من أهل بيت نبوة إلا وفيهم محدث. وإن جعفر بن محمد محدثنا اليوم.
فالصادق يكشف للمنصور ودسيسه، حقائق يعلمونها، وينبههما على ألا يورطا أهل البيت من جراء حاجاتهم. يريد لأهله السلامة. وللخليفة الاستقامة، وللأمة الطمأنينة. وفي كل ذلك خير لأبي جعفر المنصور.