الإمام جعفر الصادق

أما أكبر صدقته فبالليل. يقول: (صدقة الليل تطفئ غضب الرب). ومع عظم مكانه كان إذا دخل المسجد تخطى الرقاب حتى يجلس في حلقة زيد بن أسلم، إذا كان هنالك. فيقول له نافع بن جبير بن مطعم: أنت سيد الناس. تأتي تتخطى خلق اللّه وأهل العلم من قريش حتى تجلس مع هذا العبد الأسود؟ فيجيب (إنما يجلس الرجل حيث ينتفع. وإن العلم يطلب حيث كان).
ولقد كان يريد أن يجلس إلى سعيد بن جبير وقيل له ماذا تصنع بلقاء سعيد؟ فأجاب (أريد أن أسأله عن أشياء ينفعنا اللّه بها)(1)
وزين العابدين لا ينسى أن النبي أمر زيد بن حارثة - وكان مولى النبي - على جعفر بن أبي طالب وجعل له القيادة، فإن قتل كانت لجعفر، فإن قتل كانت للصحابي عبد اللّه بن رواحة.
وزين العابدين بهذا يضع السوابق لأهل البيت ليتعلموا العلم المقارن من فقه المسلمين كافة. ولذلك سيجلس ابنه الباقر إلى نافع مولى ابن عمر. وسيجلس حفيده الصادق إلى عكرمة(103) مولى ابن عباس وإلى عطاء بن أبي رباح(114) مولى قريش، يجلس في المسجد الحرام مجلس ابن عباس. كما يجلس الصادق إلى عبد اللّه بن أبي رافع مولى أمير المؤمنين علي.


(1) وهو بهذا يعلم الجميع أن العلم شرف يسعي إليه الشرفاء. ولو كانوا قمة الشرف. والنبي رسالته التعليم. ومن ذلك كان تنافس أبناء الصحابة على أن يتعلموا العلم وأن يعلموه وكانت المشقة واقتحام المخاطر والفلوات لتحصيله وإنفاقه في الناس. يستوي في ذلك من لا مال عنده كابن حنبل ومن عنده الأموال كيحيى بن معين، كان عنده مليون درهم أنفقها في تحصيل الحديث. أو كابن حزم، قال له أبو الوليد الباجي - عالم المالكية: أنا أعظم منك همة في طلب العلم. أنت طلبته وأنت تعان عليه. تسهر بمشكاة الذهب. وأنا طلبته وأنا أسهر بقنديل السوق. وأجابه ابن حزم: أنت طلبته في حال فاقة تريد تبديلها لمثل حالي. وأنا طلبته في حين ما تعلمه وما ذكرته. لا أرجو إلا علو القدر في الدنيا والآخرة . .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة