فالباقر - وهو من هو - أكفأ الناس لأم فروة(1) المنحدرة من صلب أبي بكر أول الخلفاء الراشدين، والقاسم بن محمد(2) الذي يرشحه للخلافة عمر بن عبد العزيز - خامس الخلفاء الراشدين.
وكأنما سلم الباقر ابنه شعار حياته في مقولتين صيرتاه ربانيا من كل وجه. الأولى (شيعتنا من أطاع اللّه) والثانية (إن اللّه خبأ رضاه في طاعته. فلا تحقرن من الطاعات شيئاً فلعل رضاه فيه. وخبأ سخطه في معصيته. فلا تحقرن من معصية شيئاً فلعل سخطه فيه . وخبأ أولياءه في خلقه . فلا تحقرن أحداً فلعله ذلك الولي).
تلقى الصادق من أبيه كل ما وعاه قلبه وقرأ كل ما حوته كتبه. واستمع إلى علماء العصر. وانتفع بعلوم جده لأمه القاسم بن محمد بن أبي بكر(106) وكان مثلا عاليا للأمة وواحداً من الأعمدة السبعة المسلمين «علماء المدينة السبعة»(3). يعلن عمر بن عبد العزيز أنه «لو لا خوف الفتنة من بني أمية لاستخلفه على الأمة» ويوصي عمر عماله أن يكتبوا السنن من عنده. فهذا رجل له ورع عمر بن عبد العزيز، وعنده كل علم المدينة، وإنه ليستطيع أن يقول - من صلة على الوثقى بأبيه محمد بن أبي بكر - إنه أوثق أهل
(1) حجت أم فروة متنكرة فاستلمت الحجر بيدها اليسرى فقال لها رجل لا يعرفها: يا أمة اللّه أخطأت السنة فأجابت يا هذا إنا عن علمك لأغنياء.
(2) وللقاسم وأبيه أكبر الصلات بأم المؤمنين عائشة. إذ ضمته إليها بعد مقتل أبيه محمد، على أيدي جند معاوية. ومحمد ربيب علي. سيره معها بعد وقعة الجمل إلى المدينة في كوكبة من النساء في ملابس الرجال. وكان تسيير أخيها معها كرامة يحفظ بها أخو الرسول أم المؤمنين.
وفي بيت عائشة سقي القاسم علمها الذي أراد عمر بن عبد العزيز تدوينه عن طريقه، وعمر خليفة، حتى لا يضيع علم المدينة. فكتب بذلك إلى قاضيه وواليه على المدينة أبي بكر بن محمد بن عمرو ابن حزم.
وسنرى الإمام جعفر الصادق يروي عن خاله عبد الرحمن بن القاسم وعن عروة بن الزبير (ابن أسماء أخت عائشة). وعروة من كبار رواتها ورواة الصحابة.
(3) يقول فيه يحيى بن سعيد(143) تلميذ فقهاء المدينة السبعة (ما أدركنا بالمدينة أحدا نفضله على القاسم) وابن حنبل يقول في يحيى (أثبت الناس).