قال « يا سفيان قد فسد الزمان وتغير الإخوان فرأيت الانفراد أسكن للفؤاد » وأنشد:
ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب
|
|
والناس بين مخاتل وموارب
|
يفشون بينهم المودة والصفا
|
|
وقلوبهم محشوة بعقارب
|
ومثل قوله:
فلا تجزع وإن أعسرت يوما
|
|
فقد أيسرت في زمن طويل
|
ولا تيأس فإن اليأس كفر
|
|
لعل اللّه يغني عن قليل
|
ولا تظن بربك ظن سوء
|
|
فإن اللّه أولى بالجميل
|
ومثل قوله:
لا تجزعن من المداد فإنه
|
|
عطر الرجال وحلية الآداب
|
فإذا جاءه المناظرون من كل فج عميق، أو التلاميذ الفقهاء، يمثلون أقطار الإسلام، ويجادلون في الأصول أو الفروع، فهو البحر لا تنزفه الدلاء. يروي العقول ويشفي الصدور.
فالديصاني، رغيم فرقة ملحدة، وصاحب الإهليلجة طبيب هندي. وعبد الكريم بن أبي العوجاء(1) عربي ملحد. وعبد الملك مصري يتزندق. وعمرو بن عبيد شيخ المعتزلة. وأبو حنيفة إمام الكوفة، ومالك إمام المدينة، وسفيان الثوري، وغيرهم. كل هؤلاء تملأ مجادلاته معهم الكتب، ولا يضيق صدرا بجدالهم. بل يضرب الأمثال، بمسلكه معهم واتساع صدره لهم، على الحرية الفكرية التي يتيحها الإمام للناس في مجلسه، ليفهموا العلم، أو ليؤمنوا عن
(1) عبد الكريم بن أبي العوجاء هو خال معن بن زائدة الشيباني أحد قواد بني مروان، وكبير من كبار الولاة لأبي جعفر. وهو الذي أنقذ أبا جعفر من الموت يوم الراوندية وأبلى - وأهله بنو شيبان أعظم البلاء في الدفاع عن بني العباس. ولما قدم ابن أبي العوجاء للقتل للزندقة سنة 161 قال (لن يقتلوني. لقد وضعت أربعة آلاف حديث أحللت فيها الحرام وحرمت الحلال) لكن علماء الجرح والتعديل فطنوا إليها جميعا واستبعدوها .