ولقد يفد على المجلس الكميت - شاعر أهل البيت - كما كان يدخل على زين العابدين(1) والإمام يعرف انبعاث الشاعر. ويخشى عليه من الخيال الصادق في تصوير ظلم يعانيه أهل البيت. وشعر الكميت من أسير الشعر في الأدب العربي - والبرد تنقل للخليفة الخبء من أي شيء - فيستأذن الكميت الإمام قائلا: جعلت فداك. ألا أنشدك؟ فينبهه الإمام قائلا: «إنها أيام عظام»
فيقول الكميت عن القصيدة: إنها فيكم. ويقول الإمام: هات فينشده قصيدته التي مطلعها:
ألا هل عم في رأيه متأمل
|
|
وهل مدبر بعد الإساءة مقبل
|
إلى أن قال:
كلام النبيين الهداة كلامنا
|
|
وأفعال أهل الجاهلية تفعل
|
رضينا بدنيا لا نريد فراقها
|
|
على أننا فيها نموت ونقتل
|
ونحن بها مستمسكون كأنها
|
|
لنا جنة مما نخاف ونعقل
|
(1) دخل الكميت على زين العابدين فأنشده قصيدته التي مطلعها:
من لقلب متيم مستهام
|
|
غير ما صبوة ولا أحلام
|
وقال الإمام: ثوابك نعجز عنه لكن اللّه لا يعجز عن مكأفاتك. اللهم اغفر للكميت. ثم قسط على نفسه وعلى أهله أربعمائة ألف درهم. أعطاه القسط الأول. قائلا: خذ يا أبا المستهل. قال الكميت لو وصلتني بدانق كان شرفا لي ولكن إن أحببت أن تحسن إلي فادفع لي بعض ثيابك، التي تلي جسمك أتبرك بها. فنزع ثيابه ودفعها إليه كلها ثم قال: اللهم إن الكميت جاد في آل رسولك وذرية نبيك بنفسه حين ضن الناس. وأظهر ما كتمه غيره من الحق فأحيه سعيدا. وأمته شهيدا. وأره الجزاء عاجلا وأجزل له المثوبة آجلا. فإنا قد عجزنا عن مكافأته - قال الكميت فيما بعد: فما زلت أعرف بركات دعائه.
ولئن كان عطاء الشعراء جوائز تشجيع لهم، إن تقسيط العطاء آية سخاء في التشجيع، وارتباط طويل بالمودة بين من قرض الشعر وبين من أجازه.
وتعجيل العطاء بالاستدانة درس تعلمه زين العابدين على جده - صلى اللّه عليه وسلم - كان يمكث شهرا ما يستوقد نارا، إن هو إلا التمر واللبن. ومع ذلك لا يرد أحدا يسأله، بل يعطيه إذا كان عنده وإلا وعده. وذات يوم جاءه رجل. فقال عليه الصلاة والسلام «ما عندي شيء. ابتع علي فإذا جاء شيء قضيناه». قال عمر: يا رسول اللّه ما كلفك اللّه ما لا تقدر عليه. فكره ما قال عمر. وقال رجل من الأنصار: يا رسول اللّه أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالا. فتبسم صلى اللّه عليه وسلم. وقال «بهذا أمرت».