الإمام جعفر الصادق

الدرس الكبير

أحدث انقسام الأمة بفعل بني أمية أثره في الفقه . وليس كلام بعض المسلمين في أفراد من الصحابة إلا أثر من آثار هذا الانقسام. ومن الطبيعي ألا تمتنع الألسنة عما لم تمتنع عنه الأسلحة. وأن تستمر معارك الكلام وإن توقفت رحى الحرب.
شق أهل الشام عصا الطاعة لأمير المؤمنين منذ استخلف. وانتهت يوم «وقعة الجمل» فتنة عمياء فيومئذ قال محمد بن الحنفية وهو يحمل الراية: هذه والله الفتنة الكاملة العمياء. وناداه أمير المؤمنين (هل عندك في جيش، مقدمه أبوك، شيء !) .
ونفر البطل للقاء أهل الشام في صفين. ورفع جيش معاوية المصاحف. ثم كانت خدعة التحكيم وخروج الخوارج وهزيمتهم. لكنهم ظلوا يمثلون التعصب العميق لفكر لم يتمرس بالسياسة وتبعات القيادة وحقن الدماء. فلاموا عليا لقبوله التحكيم مع معاوية(1). وعندئذ لم يوالوا عليا ولا من والاه- لكن الدولة لم تؤل إليهم، ولهذا قل أثرهم في الاتجاه العام للأمة.
وأنما الذي أحدث أثره العظيم في الأمة خلاف معاوية. إذ ولي الحكم وألزم ولاته بالطعن في علي. والتنكيل بمن والاه.ونظرت العامة إلى مصلحتها العاجلة في توقي الشرور من السلطة. ونظر المتفقهون - ومعهم جمهور الأمة-


(1) كفروا عليا لقبوله التحكيم ورأوا أن الخلافة لابد لها من بيعة الجمهور. وأنها لا تنحصر في بيت معين وبرئوا من علي وعثمان ومعاوية. الأول لقبوله التحكيم والثاني لمخالفة سياسة الشيخين أبي بكر وعمر والثالث لاستيلائه على الأمر بالقوة .. يأخذون بظاهر العبارة من القرآن. ولا يأخذون من السنة إلا ما يرويه من يتولونهم. وعمدتهم في ذلك الأحاديث المروية على عهد الشيخين. وكل من تعدى حدود الله عندهم فاسق. ولذلك عدوا أشياع معاوية والذين لم يتبرءوا من علي وعثمان - وهؤلاء جمهور الأمة - خارجين على الإسلام واستحلوا مالهم وقتلهم، وبهذا نفر الناس منهم .

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة