ومن توفيق الإمام جعفر ، وأبنائه، أنهم لم يطلبوا لأنفسهم خلافة دنيوية. وبهذا يتميز تاريخ الشيعة الإمامية من الشيعة الإسماعيلية، التي ستظهر بعد موت الإمام بوقت طويل. والتي كان من أهدافها ولاية السلطة، وإقامة الدول.
قال سليمان بن خالد للإمام الصادق: إن الزيدية قوم عرفوا وخرجوا وشهدهم الناس، وما على الأرض محمدي أحب إليهم منك. فان أردت أن تدنيهم وتقربهم منك فافعل. فاجاب (إن كان هؤلاء السفهاء يريدون أن يصدونا عن علمنا إلى جهلهم، فلا مرحبا بهم، وإن كانوا يسمعون قولنا وينظرون أمرنا، فلا بأس).
ومع أن «مؤمن الطاق» - تلميذ الإمام الصادق - ثبط زيد عن الخروج، «فالصدوق» يروي عن الإمام «الكاظم» قول أبيه (رحم الله عمي زيدا إنه دعا إلى الرضا من آل محمد ولو ظفر لوفى) فزيد لم يدع لنفسه، لأن الإمامة كانت للباقر. وإنما كان خروجه تجديداً للاستشهاد عندما تدعو دواعيه.
يقول الصادق (مضى والله عمي زيد وأصحابه شهداء على مثل ما مضى عليه الحسين بن علي بن أبي طالب وأصحابه)- بل هو يعلن الاستعداد للاستشهاد، ويراه واجباً من واجبات أهل البيت عامة، والأئمة خاصه وأبو بصير يروي عنه قوله (إن الله تعالى أعفى نبيكم أن يلقى من أمته ما لقيت الأنبياء من أممها . جعل ذلك علينا).
والشيعة مجمعون أن عليا أولى بالخلافة - دينية أو دنيوية - من الصديق ومن عمر ومن عثمان - لكن عليا سما عن أن يترك في الأمة صدعا يوم بايع لأبي بكر، وقبل استخلاف أبي بكر لعمر، وبايع لعثمان مع المسلمين.
وتسبيب البيعة بأنها كانت لرأب الصدع فيه تسليم بأن ولاية شئون الدولة يمكن أن تنفصل عن الخلافة الدينية. فلو كانت غير ذلك لما سلم علي في أمر يخالف الدين. ولقد طالما عالن الخلفاء الثلاثة برأيه الشجاع. وأجمعوا دائما على تقديره، ونزلوا عنده- وسيبقى له في ضمير التاريخ وصحفه أنه دخل