الإمام جعفر الصادق

ويعتبر الشيعة الاعتقاد بإمامة الأئمة الاثني عشر من أصول الدين عندهم. وأنها «رديفة» التوحيد والنبوة، وفي حين لا يوافق أهل السنة على ذلك، لا تكفر الشيعة أهل السنة في إنكارها هذا الأصل. ولا يكفر أهل السنة الشيعة باعتقادها في الإمامة.
وإنما يشتد الخلاف من جراء الغلو في الأئمة ونسبة أشياء إليهم يختلف في بعضها أهل السنة أنفسهم، كالرجعة، أو القدح في بعض الصحابة، كعمرو ومعاوية والمغيرة. أو يختلف فيها الشيعة أنفسهم كولاية المفضول، والنص على الإمام بالاسم لا بالوصف. مما حدا بالأضداد والأشياع إلى تبادل أزمة الثقة. أما الفاقهون فأدخلوا خلافاتهم فى إطار ما يختلف فيه المجتهدون. وأما المتعصبون، من كل ملة، فيتقاطعون وما يتقاطعون إلا للمصلحة أو للغلواء أو لضيق الأفق(1).


(1) دخل إبراهيم بن هرثمة على المنصور فتهدده لأنه يمدح أهل البيت. ولما خرج إبراهيم لقي علويا سلم عليه فصاح به: لا تشط بدمي.
وفي سنة 350 استعانت الجماهير بالجند ضد الشيعة. وفي سنة 363 قتل الكثيرون من أجل اقامة الشيعة لشعائرهم. وفي سنة 403 صدر مرسوم بلعن العلويين خلفاء مصر وإنكار نسبهم. وكانت موقعة الكرخ فتكاً بأموال الشيعة وأرواحهم وأطفالهم. وفي سنة 439 كبست دار الطوسي ببغداد. وفي سنة 448 و 449 أحرقت مكتبة الطوسي فترك بغداد إلى النجف.
وعدوان المالكية على الشافعي في جامع عمرو مشهور. وطرد المالكية والحنفية من أجل الشغب في جامع عمرو بعد ذلك بأمر القاضي الحارث بن مسكين معروف. وكذلك فتنة الحنابلة في مجلس الطبري(310) وفي عهد البر بهاري وفيما بعده وقد طالما أرهجت بغداد.
ومن الإزراء بالتعصب المذهبي تتردد على الألسن سخرية الزمخشري، وهو حنفي


إذا سألوا عن مذهبي لم أبح به


وأكتمه كتمانه لي أسلم


فإن حنفيا قلت، قالوا بأننى


أبيح الطلى وهو الشراب المحرم


وإن شافعيا قلت، قالوا بأنني


أبيح نكاح البنت والبنت تحرم


وإن مالكيا قلت، قالوا بأننى


أبيح لهم أكل الكلاب وهم هم .

ولقد طالما كفرت جماعة جماعة أخرى: بغيا عليها أو تحاملا منها في التعبير عن الخلاف معها. كان نظم الملك(385) وزيراً عظيما: ينشر العلم وينشئ المدارس، ويعمل للوحدة، ويحاول أن يجمع الخلافتين العباسية والفاطمية، أي أهل السنة والشيعة الإسماعيلية، وكان يجتمع لديه علماء الفرق، فدخل عليه عبد السلام بن محمد القزويني شيخ المعتزلة وعنده أبو محمد التميمي ورجل آخر أشعري، فقال له: أيها الصدر. لقد اجتمع عندك رءوس أهل النار. أنا معتزلي وذلك أشعري وهذا مشبه. وبعضنا يكفر بعضا
وفي سنة 412 صدر مرسوم في بغداد كفر به الخليفة القادر المعتزلة وأمر باستتابتهم، وقد سبق منهم العمل عند الخلفاء لقهر المحدثين والفقهاء في عصر المأمون والمعتصم والواثق
وفي حياة الفيروزابادي الشافعي قامت الفتنة على الشافعية سنة 479. وفي سنة 507 قال قاضي الحنفية بدمشق: لو كان لي من الأمر شيء لوضعت الجزية على الشافعية. وفي سنة 567 قال أبو حامد الطوسي المقال نفسه في الحنابلة وفي سنة 554 حرقت الأسواق في أصفهان لنزاع الحنفية والشافعية. وفي سنة 469 هاج الحنابلة في بغداد إذ ولى القشيري الوعظ بالمدرسة النظامية. ومن قبل ذلك بعام سنة 468 انتقل السمعاني من مذهب أبي حنيفة إلى مذهب الشافعي فثار الحنفية بمدينة مرو في خراسان فنفاه سلطانها حقنا لدمه. وفي العصر ذاته أمر ابن تاشفين بإحراق كتب الغزالي في احتفال رسمي بمسجد قرطبة
وذات يوم رأى الوالي الحنفي في بلاد ما وراء النهر في مخرجه للصلاة في الصباح مسجداً للشافعية فقال: أما آن لهذه الكنيسة أن تغلق؟ وفي جيلان كان القوم حنابلة إذا قدم عليهم حنفي قتلوه وجعلوا ماله فيئا للمسلمين وأما أهل الأندلس فكانوا مالكية يطردون من الأندلس الحنفي أو الشافعي أو الحنبلي إذا وفد عليها. فإن كان معتزليا فربما قتلوه...
ومن سد الذريعة أفتى البعض بتعزير من يترك مذهبا لمذهب.
وفي القرن الثامن من الهجرة فصل من التدريس بمصر أبو العباس الحنبلي (716) لأنه ذكر أن عمر منع تدوين الحديث، وأن ذلك كان سبب تعارض النصوص في الحديث وخلاف العلماء.
وفي القرن العاشر علقت على باب زويلة رأس المولى ظهير المدين الأردبيلي لأنه قال ان مدح الصحابة ليس بفرض.
وفي تركيا قتل في عهد السلطان سليم الأول (926) نحو أربعين ألفا من الشيعة.
وهكذا تدور رحى البطش في كل اتجاه، لكن لها قانونا لا يتخلف هو أن الباطشين اليوم مبطوش بهم غداً.

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة