الإمام جعفر الصادق

والتفسير بالظاهر ممن يفهم البلاغة العربية، ومجازاتها المتعددة، والاستعارة، والإيجاز اللفظي، وهو بعض خصائص الإعجاز البياني في القرآن، لا ينفي استعمال العقل، بل فيه مجال واسع له. ولا ينفي القيمة العظيمة لتفسير الزمخشري المعتزلي، وهو حجة في اللغة، وحجة في الجمع بين الظاهر وبين وجوه « الرأي »، بالمعاني الدقيقة وأسرار البلاغة(1).
وممن أثارهم الإعجاب به الإمام يحيى بن حمزة العلوي (749) صاحب كتاب الطراز.
وما من تفسير ثبت عن إمام عن أهل البيت إلا تلقته العقول بالقبول، لأنه لا يغاير النص من القرآن والسنة. وإنما يشرحهما في نورانية باهرة(2)، في حين أن المعتزلة يؤولون ليخضعوا المعنى لأصولهم الخمسة(3). وهذا خلاف عظيم بين المؤولين وبين الإمام جعفر والشيعة الإمامية.


(1) يؤول المعتزلة الألفاظ ليفسروا معاني الآيات طبقا لأصولهم. وعلى ذلك أولوا الآيات التي قد تتم عن التشبيه والجهة والجسمية.
والتفسير بالرأي يقوم على قاعدة كصمام الإمان للذين ينهجونه. فبالكتاب آيات محكمات وأخر متشابهات والمحكمة آيات لا يتمارى في معناها أحد. فإذا وردت آية متشابهة فسرت على أساس الآية المحكمة. مثل قوله تعالى (إلى ربها ناظرة) تفسر على أساس قوله تعالى (لا تدركه الأبصار) فيكون معناها الرضى عنها وتوقع النعمة من اللّه. ومثل قوله (أمرنا مترفيها ففسقوا فيها) تفسر على أساس قوله (إن اللّه لا يأمر بالفحشاء). وأكثر المؤولين يلجئون للمجاز . وفي القرآن كثير منه مثل قوله تعالى (يد اللّه فوق أيديهم) فمعناها القدرة - وهم ككل المفسرين - يبدأون من أن اللّه تعالى ليس كمثله شيء. أما التفسير بالمأثور فتتصدره مدرسة الإمام الطبري: يجمع الأقوال والآثار ويختار منها.
(2) إليك مثلا تفسير « الإمام العسكري » للحروف المقطعة مثل (ا . ل . م .) في فواتح السور يراها تنبيها على أن هذا الكتاب الذي أنزله اللّه هو هذه الحروف المقطعة. وأنه بلغتكم وهجائكم فأتوا بمثله ان كنتم صادقين. وما يزال هذا التفسير في طليعة تفسير الحروف المقطعة - في أوائل السور.
(3) أصول المعتزلة الخمسة:
1 - التوحيد الذي ينفي عن الذات صفات الأجسام والمكان وأهل السنة يرون صفات اللّه خاصة به وأنه تعالى « كما وصف نصفه ». فليس في ذلك تشبيه للّه بخلقه.
2 - العدل وفحواه أن اللّه لا يأمر إلا بالحسن ولا ينهى إلا عن القبيح وما يفعله الناس عمل من أعمالهم ولذلك يثابون ويعاقبون. وأهل السنة يقولون إن اللّه خالق العمل والعبد كاسب له.
3 - الوعد والوعيد أو الثواب والعقاب ملازمان للفعل وأهل السنة يرون التوبة قد يقبلها اللّه من مرتكب الكبيرة.
4 - المنزلة بين المنزلتين. فمرتكب الكبيرة لا مؤمن ولا كافر بل فاسق وإن كان عقابه أقل من الكافر.
5 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع اشتدادهم في ذلك عندما كانت السلطة في أيديهم.

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة