الإمام جعفر الصادق

التجربة والاستخلاص

أتيحت للإمام الصادق حقبة طويلة للتعليم يتلقاه أو يلقيه. فلم يحبس كمثل ما حبس الكثيرون من أهل بيته، أو يقتل كما قتل عظماؤهم.
ولم يصطدم مذهبه الفقهي بمذهب فقهي للسلطان. فبنو أمية وبنو العباس، حتى عهده، لم يكن لهم مذهب فقهي - أن لم تظهر المذاهب « رسمياً » إلا في أخريات القرن الثاني للهجرة، عندما صير أبو يوسف مذهب أبي حنيفة مذهب السلطان. واستعصمت المدينة بفقهها، ثم ظهر الشافعي في أواخر القرن الثاني.
ولم يصطدم الإمام بمذهب سياسي للخليفة - أن لم يظهر اعتناق الدولة للاعتزال إلا في عصر المأمون في فاتحة القرن الثالث.
وكان الجهميون والقدريون مستضعفين. ولم يكن لمناقشات أصحاب الملل والنحل شأن يستلفت النظر.
بهذا أتيح للإمام في مجلسه العلمي، واقتداره الذي يسلم به الجميع. أن يرسي في أمنة واطمئنان. قواعد «منهج علمي» ما يزال يعبر القرون باعتباره فتحا من الفتوح التي فتحها اللّه على البشر.
وفحوى المنهج أن العلم « مشاهدة » و « نزاهة فكرية » في « استخلاص » النتائج لا يقبل اللّه سواها من عالم أو متعلم.
في هذا الفحوى قول الإمام « اطلبوا العلم. فانه السبب بينكم وبين اللّه ».
- والسبب إلى اللّه لا يقوى إلا بقلب خاشع. ومن ثم وجب إخلاص النية فيه، وصدق الهمة في تلقيه، وقبول حقائقه دون تلويثها بشوائب الهوى أو الغرض أو المقررات السابقة، أو العوامل الخارجية.
وبهذه الخصائص تصبح « النزاهة العلمية » سمتا للعبادة وشأوا للسيادة - يقول الإمام (الملوك حكام على الناس والعلم حاكم عليهم حسبك من العلم أن تخشى اللّه. وحسبك من الجهل أن تعجب بعلمك).

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة