فلنلاحظ أنه يبدأ بآثار اللّه التي يراها الناس في نور الإيمان، ويثبتها العقل والبصر. ثم يثني بالرسل اللافتين أنظار الناس إلى آيات اللّه، وبالنصوص المحكمة التي جاءوا بها. وأخيراً يذكر ما يحصله العلم المحدود بما يراه العلماء من آثار ذلك.
لكن الزنديق يستمر : أليس هو قادراً أن يظهر لهم . فيعرفوه فيعبد على يقين ؟ قال الصادق (ليس للمحال جواب). قال الزنديق: فمن أين أثبت أنبياء ورسلا؟ قال الصادق (إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيما، لم يجز أن يشاهده خلقه أو يلامسوه . ثبت أن له سفراء في خلقه وعباده يدلونهم على مصالحهم . .)
ومثلا مما يروي محمد بن سنان (حدثني المفضل بن عمر قال: كنت ذات يوم بين القبر والمنبر - قبر الرسول بالمدينة - وأنا أفكر فيما خص به اللّه تعالى سيدنا محمدا صلى اللّه عليه وسلم . إذا جاء ابن أبي العوجاء فجلس بحيث أسمع كلامه . فخرجت من المجلس محزونا متفكراً فيما يلي به الإسلام وأهله من كفر هذه العصابة وتعطيلها. فدخلت على مولاي. عليه السلام، منكسرا فقال: مالك؟ فأخبرته. فقال: بكر علي غدا فلما أصبحت غدوت فاستؤذن لي فجلست وقمت بين يديه فقال:
(إن الشكاك جهلوا الأسباب والمعاني في الخلقة، وقصرت أفهامهم عن تأمل الصواب والحكمة، فخرجوا بقصر علومهم إلى الجحود فهم في ضلالهم وتجبرهم بمنزلة عميان دخلوا دارا قد بنيت أتقن بناء وفرشت بأحسن الفرش ووضع كل شيء من ذلك موضعه فجعلوا يترددون فيها يمينا وشمالا محجوبة أبصارهم عنها.. والإنسان كالمالك لهذا البيت ففي هذا دلالة على أن العالم مخلوق بتقدير وحكمة ونظام وملاءمة، وأن الخالق له واحد . .).
وهو هنا يدلل بما تلمسه الحواس على لزوم وجود ما لا تلمسه. فهو يستعمل العقل والواقع معا.
ويروي ابن بابويه القمي(381) (كان ابن أبي العوجاء وابن المقفع يلاحظان الجمع الذي كان يطوف بالكعبة فقال ابن المقفع لأصحابه: