في السياسة والاجتماع
لم تكن خلافة أمير المؤمنين علي هادئة أو هانئة. ولو هدأت لحمل الناس على الجادة بعلمه وعدله، وشجاعة رأيه وزهده. والزهد آية على صدق الولاة. وسبيل معبدة لهم إلى أنفس الرعية. فالشجاعة تروعها. أما الزهادة فتقنعها.
وعلي رضي عنه إمام الزاهدين والمتقشفين من الصحابة. أجمع عليه العلماء والفقهاء والبلغاء وأبطال الحروب والحكماء وكل محب لأهل بيت النبي صلى اللّه عليه وسلم.
والصوفية يمدون إليه بالأسباب، فيضعونه في قمتهم. كما يصرح بذلك: الشبلي. والجنيد. وسرى السقطي. وأبو يزيد البسطامي. ومعروف الكرخي. وهم يسندون إليه الخرقة التي يتخذونها شعارا لزهدهم.
وأحمد بن حنبل - والصوفية يعتبرونه من أئمتهم - يقول إنه «ما اجتمعت لأحد من الفضائل بالأسانيد الصحاح ما اجتمع لعلي»، يقابله الجاحظ زعيم المعتزلة. أي في الطرف الأقصى من الخصومة لأحمد. ومع ذلك يتلاقى الطرفان في «علي» حيث يقول الجاحظ (لا يعلم رجل من أهل الأرض: متى ذكر السبق في الإسلام والتقدم فيه، ومتى ذكرت النخوة والذب عن الإسلام، ومتى ذكر الفقه في الدين، ومتى ذكر الزهد في الأمور التي يتناحر الناس عليها، كان مذكورا في هذه الخلال كلها، إلا علي).
والمعتزلة يمدون إليه أسبابهم الفكرية عن طريق حفيده أبي هاشم بن محمد بن الحنفية.
وفي مكان بعيد جداً من المعتزلة يقف محيي الدين بن عربي، من فلاسفة المتصوفة، ليقول (علي من أصحاب العلم وممن يعلمون من اللّه ما لا يعلمه غيره) ويقول السراج الطوسي (لأمير المؤمنين علي - رضي اللّه عنه - من بين جميع أصحاب رسول اللّه «خصوصية» بمعاني جليلة وإشارات لطيفة وألفاظ مفردة وعبارات ومعان للتوحيد و المعرفة والإيمان والعلم ، وغير ذلك، وخصال شريفة تعلق وتخلق بها أهل الحقائق من الصوفية).