الإمام جعفر الصادق

يقول (ليس من أحد وإن ساعدته الدنيا بمستخلص غضارة عيش إلا من خلال مكروه).
والغضارة نضارة ووضاءة وصلاح بال، لا يمكن أن تكون بمعدى عن المكاره، ومنها الإيجابي الذي يستوجب النضال، ومنها سلبي، يتراءى فيما يفقده المرء من ذات نفسه بإضعاف قدرته على التحمل، أو منعها من العمل، أو مصير ذاته إلى الترهل. ومنها ما يتقاضاه الناس من أعراض الناضرين إذ يمسون أغراضا لسهام الكلام.
وإنما ينضر اللّه عبدا سمع مقال الرسول ووعاه أسلوبا في الحياة، وما هو إلا الجد وأداء الواجب. والاقتصاد في مظاهر الرفاه. وهو أقوم وأسلم.
وينضر الإمام وجه العمل ذاته ليزيد العامل قوة، ويزيد الأداء أناقة، وصلات المتعاملين وثاقة، حيث يقول (كل ذي صناعة مضطر إلى ثلاث خصال يجتلب بها الكسب: أن يكون حاذقا بعمله. مؤديا للأمانة. مستميلا لمن استعمله).
ولما ختم الخصال الثلاثة بالاستمالة كان يوجه من استعمل غيره أو استعمله غيره: ليدخل قلب عميله في حسابه. فهذا درس إسلامي اجتماعي في المحبة، مثلما أنه درس اقتصادي في إحسان الصناعة ووثاقة العلاقة. ولباقة الأخذ. ولياقة العطاء. والحياة كلها أخذ وعطاء.

التجارة

روى المعلى بن خنيس تابع الإمام(1): رآني أبو عبد اللّه وقد تأخرت عن السوق فقال: اغد إلى عزك.


(1) قتله داود بن علي - أمير المدينة لأبي جعفر المنصور - وصادر ما تحت يديه، من أموال كانت أموال الإمام الصادق، في نوبة من نوبات البطش التي اجتاحت المدينة وأهل البيت، بتهمة أنه لم يدل داود على اثنين من العلويين كان يبحث عنهما - وقصد الإمام إلى دار الإمارة يصيح في وجه داود بل يتهدده (قتلت مولاي وأخذت مالي أما علمت أن الرجل لا ينام على الحرب)؟ فتنصل داود من المسؤلية وأمر بقتل القاتل فصاح هذا الأخير (يأمرونني بقتل الناس فإذا أمرت بقتلهم قتلوني).

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة