كان بقية الرسول صلى اللّه عليه وسلم. وكانت آمال الأمة فيه آمالها في بقية الرسول.
وكان أبعد الناس عن أن يستخلف على المسلمين يزيد يزيد الصقور، يزيد الخمور كما لقبه معاصروه. فلم يكن أحد ليأمل شيئا من عهد يزيد، إلا دنيا يصيبها أو أموالا يجمعها. ولذلك رفض الحسين أن يبايعه.
ودعا أهل الكوفة الحسين إليهم فبعث قبله مسلما ابن عمه عقيل. وخرج في أثره. فقتل عبيد اللّه بن زياد والي الكوفة مسلماً. وتخاذل أهل الكوفة عن نصرة الحسين. فمضى حتى بلغ (كربلاء) على مبعدة خمسة وعشرين ميلا من الكوفة وفي ركبه ثمانية عشر رجلا من أهل بيته وستون من شيعته.
هنالك لقيهم جيش عبيد اللّه بن زياد، على رأسه عمر بن سعد والي عبيد اللّه على الري، فأعلن لهم الحسين أنه لا يريد الحرب، وخيرهم بين ثلاث (أن تتركوني ألحق بيزيد. أو أن أعود من حيث جئت. أو أمضي إلى بعض ثغور المسلمين فأقيم فيها) ورفض ابن زياد إلا أن ينزل الحسين على حكمه، أي أن يستسلم ليصير أسيرا لابن زياد ويزيد ليصنعا فيه ما صنعاه بأهل المدينة، بعد عامين، من استرقاق الرجال والنساء.
وحاول ابن بنت رسول اللّه أن يسير بأهله في أرض اللّه الواسعة، فسدت الجيوش أمامه كل مخرج، وانقضت عليه سهام الآلاف وسيوفهم، وهو يحارب كالأسد. وتسيل جراحات جسمه وهو في السابعة والخمسين حتى استشهد(1) واستشهد رجال أهل البيت جميعا.
(1) وكان المحرض على قتل الحسين وأهل البيت شمر بن ذي الجوشن رقيب ابن زياد على قائد الجيش. أما قاتل الحسين فالتاث عقله، وحمل الرأس الكريم إلى فسطاط القائد فصاح في وجهه - وهو مراقب من شمر بن ذي الجوشن - أشهد أنك مجنون. وحذفه بقضيب. فلقد كان المجنون يصيح والرأس في يده:
أوقر ركابي فضة وذهبا
|
|
فقد قتلت السيد المحجبا
|
قتلت خير الناس أما وابا
|
|
وخيرهم إذ ينسبون نسباً
|