الحسد أو الحقد أو الخوف من جانبه، لما يعرفون من دخائل يخشاها. أو لما يتضح لهم من عورات، أو فيهم من مطامع. أو استخفاف بالسلطان، الذي رأوه وهو سوقة، أو مطالبة السلطان لهم بإعطائه حقه، أو أكثر من حقه. والآخرون أحرى بالخوف والحذر، سدا لذريعة الوثوب وافتراض الفرص. أو شغلا لهم بأنفسهم، أو معالجة من السلطان لما يكابده من الشجن أو الفزع من جراء الحكم، أو من العجز أو الجشع أو ضيق الصدر أو الأفق وكالسلطان أعوانه. ولا يتوازن في سدة السلطة الا القليلون. وقل ما يتوازنون. وللإمام الصادق في ذلك مقولة معلمة (إذا كان لك صديق فولي ولاية فأصبته على العشر مما كان لك عليه قبل ولايته فليس بصديق سوء).
قيل لأبي جعفر «لقد هجمت بالعقوبة حتى كأنك لم تسمع بالعفو» فقال: (لأن بني مروان لم تبل رممهم بعد. ونحن بين قوم قد رأونا بالأمس سوقة ونحن اليوم خلفاء، فليس تتمهد هيبتنا فى نفوسهم إلا بنسيان العفو واستعمال العقوبة).
وصاحب السلطة كراكب الأسد - على ما قال أفلاطون - يهابه الناس وهو لمركوبه أهيب.
لهذا أخذ بنو العباس أبناء علي، أخذ ظلوم غشوم، وبطشوا، وغدروا بمن حذروهم من أنصارهم وذويهم، كعبد اللّه بن علي عم المنصور. وأبي مسلم الخراساني قائدهم. وأبي سلمة الخلال وزيرهم، بمثل ما غدروا باعدائهم بعد أن أمنوهم.
ولما أعطى أبو جعفر المنصور محمد بن عبد اللّه أمانا كتب إليه محمد ساخرا (أي أماناتك هو؟ أأمان ابن هبيرة، أو أمان عمك عبد اللّه أو أمان أبي مسلم) فقد أعطى أبو جعفر عهودا للكل، وقتل الأول والثالث ولم يكن قد قتل الثاني بعد. لكنه كان قد حبسه من سبع سنين ليقتله بعد أن يقتل محمد بن عبد اللّه بن الحسن ذاته. فصير خلافته، كالمسبعة، لا يأمن فيها الصديق، أو العدو، أو الصياد، أو الفريسة
وزاد ضراوة أبي جعفر على أقربائه أن لواحد منهم في عنقه بيعة، على ملأ منهم. كانت حرية أن تمنعهم وتمنعه، لولا ما للشهوة من خدر يطيح