الإمام جعفر الصادق

= وان يخيرني اخترت العافية قال انصرف إلى أهلك معافى مكلوءا. فلما أصبحنا أمر بصرر دنانير في كل صرة خمسة آلاف درهم ثم دعا برجل من شرطته فقال له: تدفع إلى كل رجل منهم صرة. أما مالك إن أخذها فبسبيله. وإن ردها عليك فلا جناح عليه. وإن كان ابن سمعان ردها، فأتني برأسه وان أخذها فهي عافيته. وإن أخذها ابن أبي ذؤيب فأتني برأسه وإن ردها عليك فسبيله.
قال مالك: أما ابن سمعان فأخذها وسلم. وأما ابن أبي ذؤيب فردها وسلم. وأما أنا فكنت واللّه محتاجا إليها فأخذتها. ثم رحل أبو جعفر متوجها إلى العراق.
وروى مالك أنه استدعاه يوماً وعبيد اللّه بن طاووس بن كيسان. وكان طاووس فقيه اليمن حتى مات في سنة 106 (طاووس بن كيسان تلميذ ابن عباس جد أبي جعفر) قال أبو جعفر: حدثني حديث أبيك. قال عبيد اللّه حدثني أبي أن أشد الناس عذاباً يوم القيامة رجل أشركه اللّه في سلطانه فأدخل عليه الجور في حكمه. قال مالك فضممت ثيابي خوفاً من أن يصيبني دمه . فقال المنصور ناولني هذه الدواة ثلاث مرات. فلم يفعل. قال أبو جعفر لم لا تناولني؟ قال أخاف أن تكتب بها معصية فأكون قد شاركتك فيها. قال: قوما عني. ذلك ما كنا نبغي. قال مالك فما زلت أعرف لابن طاووس فضله منذ ذلك اليوم.
ويروي الإمام الشافعي حول أساطين جامع عمرو عن عمه محمد بن علي بن شافع مثل ذلك. عندما قال له ابن أبي ذؤيب أخذت المال من غير حله وجعلته في غير أهله وأن المنصور رد عليه بقوله واللّه لولا أنا لأخذت أبناء الفرس والروم والديلم هذا المكان منك فو اللّه لولا أني أعلم أنك صادق لقتلتك.
أما عمرو بن عبيد فكان أبو جعفر المنصور يستقيله بالترحاب وينشد في نزاهته الشعر (كلكم يمشي رويد. كلكم طالب صيد غير عمرو بن عبيد) وهو زعيم المعتزلة الذين يطلقون ألسنتهم في الملوك والصحابة. دخل عليه فقال له (إن اللّه أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك ببعضها واذكر ليلة تتمخص عن يوم لا ليلة بعده) قال الربيع بن يونس حاجب المنصور: يا عمرو غممت أمير المؤمنين. قال عمرو للمنصور (إن هذا صحبك عشرين سنة لم ير لك عليه أن ينصحك يوماً واحداً. وما عمل وراء بابك بشيء من كتاب اللّه ولا سنة نبيه) قال أبو جعفر المنصور: فما أصنع قلت لك خاتمي في يدك فتعال وأصحابك فاكفني. قال عمرو: لا. أدعنا بعد لك، تسخ أنفسنا بعونك، ببابك ألف مظلمة اردد منها شيئا نعلم أنك صادق. ولما مات عمرو كان أول واحد من الرعية، وآخر واحد، ينظم في رثائه الخليفة شعراً. ومن أبياته:

وإذا الرجال تنازعوا في شبهة *** وصل الحديث بحجة وبيان

ولو ان هذا الدهر أبقى صالحا *** أبقى لنا عمراً أبا عثمان

والجاحظ من تعصبه لزعيمه يقول فيه (إن عبادته تفي بعبادة عامة الفقهاء والمحدثين).
وستبقى صلة المعتزلة بالدولة العباسية طويلا بعد وفاة عمرو وأبي جعفر لأن المعتزلة يمدون إلى بني العباس سببا علميا وسببا سياسا قالوا: إن واصلا (وهو زعيمهم مع أخي زوجته عمرو ابن عبيد) أخذ أصوله عن أبي هاشم (98) عبد اللّه بن محمد بن الحنفية - بن علي بن أبي طالب وكان أبو هاشم قدريا مثلهم - ينفي القدر - ويضيفون أن محمد بن علي من عبد اللّه بن عباس(1) تعلم على أبي هاشم(2) وتلقى منه الوصية بالإمامة بعده - دون بني علي بن أبي طالب - عندما أحس أبو هاشم بدنو أجله إذ دس السم إليه سليمان بن عبد الملك.

اللاحق   السابق   فهرست الكتاب   كتب متفرقة