وذلل لي صعوبته وأعطني من الخير أكثر مما أرجو واصرف عني من الشر أكثر مما أخاف).
ثم ركب راحلته حتى إذا بلغا قصر المنصور، أعلم المنصور بمكانه. فلم يحجبه قليلا أو كثيرا، بل تفتحت الأبواب. ورفعت الستر. فلما قرب من المنصور قام إليه فتلقاه. وأخذ بيده وما شاه. حتى انتهى به إلى مجلسه. ثم أقبل عليه يسأله عن حاله.
وذات يوم عزم المنصور على حاجبه الربيع بن يونس أن يدعوه، وكانت تبرق في أساريره بوارق الخطر. فلما خرج من اللقاء بسلام سأل الربيع الإمام الصادق عن الدعاء الذي دعا به ربه فأكرمه اللّه في لقاء المنصور. فأخبره به. فالصادق يستحضر رضى بارئ السماء في كل آونة وتعينه السماء.
ومع ذلك السلام الذي نشده الصادق وعلمه، يروي الطبري أن المنصور لما عزم الحج - في آخر أيامه - دعا ريطة بنت أبي العباس زوج المهدي، وكان زوجها بالري، فأوصاها بما شاء ودفع إليها مفاتيح غرفة بها خزانته، وأمرها ألا تسلمها إلى المهدي إلا عندما يجيء نبأ موت المنصور. فلما مات ذهبت ريطة والمهدي ففتحا الغرفة فإذا بقتلى من بني علي في آذانهم رقاع. فيها أنسابهم. وهم بين شيوخ وشباب وأطفال. فلما رأى المهدي ذلك ارتاع. فحفرت لهم مقبرة دفنوا فيها ثم بنى عليها دكانا.
لم يكن المنصور يكتفي بأن يقول مقالة لويس الرابع عشر بعد ثمانية قرون «أنا الدولة». ذلك المقال الذي نبذه واستهجنه الساسة والمؤرخون في الشرق والغرب، بل كان المنصور يدعى دعوى أبعد وأشد. كان يخطب فيقول: «إنما أنا سلطان اللّه في الأرض» فيجمع في يده ما عجز عنه الأباطرة والبابوات جميعا فإنما تقاسم الإمبراطور والكنيسة الأشياء، في القرن التاسع للميلاد، فصار لقيصر ملك الأرض وللكنيسة