مصباح الشريعة

المنسوب للإمام الصادق (ع)


[ 1 ]

مصباح الشريعة


[ 3 ]

مصباح الشريعة للإمام جعفر الصادق (ع)

منشورات مؤسسة الاعلمي للمطبوعات بيروت - لبنان

ص. ب 7120


[ 4 ]

الطبعة الاولى

 حقوق الطبع محفوظة للناشر 1400 ه‍ - 1980 م


[ 5 ]

بسم الله الرحمن الرحيم

الباب الاول في العبودية

قال الصادق (ع): أصول المعاملات تقع اربعه اوجه معامله الله ومعامله النفس ومعاملة الخلق ومعاملة الدنيا وكل وجه منها منقسم على سبعه اركان أما أصول معاملة الله تعالى فسبعة اشياء اداء حقه وحفظ حده وشكر عطائه والرضا بقضائه والصبر على بلائه وتعظيم حرمته والشوق إليه


[ 6 ]

واصول معاملة النفس سبعة الخوف والجهد وحمل الاذى والرياضة وطلب الصدق والاخلاص واخراجها من محبوبها وربطها في الفقر واصول معاملة الخلق سبعة: الحلم والعفو والتواضع والسخاء والشفقه والنصح والعدل والانصاف واصول معامله الدنيا سبعه الرضا بالدون والايثار بالموجود وترك طلب المفقود وبغض الكثرة واختيار الزهد ومعرفه آفاتها ورفض شهواتها رفض الرياسة فإذا حصلت هذه الخصال في نفس واحدة فهو من خاصه الله وعباده المقربين واوليائه حقا


[ 7 ]

الباب الثاني قال الصادق (ع): العبودية جوهر كنهها الربوبيه فما فقد من العبودية وجد الربوبية وما خفى عن الربوبية اصيب في العبودية قال الله تعالى (سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أولم يكف بربك انه على كل شئ شهيد) أي موجود في غيبتك وفي حضرتك. وتفسير العبودية بذل الكل وسبب ذلك منع النفس عما تهوى وحملها على ما تكره ومفتاح ذلك ترك الراحه وحب العزلة وطريقة الافتقار الى الله تعالى


[ 8 ]

قال النبي (ص): اعبد الله كانك تراه فإن تكن تراه فانه يراك وحروف العبد ثلاثه (ع ب د) فالعين علمه بالله والباء بونه عمن سواه والدال دنوه الله تعالى بلا كيف ولا حجاب واصول المعاملات تقع على اربعة اوجه كما ذكر في اول الباب الاول


[ 9 ]

الباب الثالث في غض البصر الصادق (ع): ما اغتنم أحد بمثل ما اغتنم بغض البصر لأن البصر لا يغض عن محارم الله تعالى إلا و سبق الى قلبه مشاهده العظمة والجلال سئل أمير (ع) بما ذا يستعان على غض البصر فقال (ع): بالخمود تحت السلطان المطلع على سرك والعين جاسوس القلوب وبريد العقل فغض بصرك عما لا يليق بدينك ويكرهه قلبك وينكره عقلك قال النبي (ص): غضوا ابصاركم ترون العجايب


[ 10 ]

قال الله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا ابصارهم ويحفظوا فروجهم). وقال عيسى بن مريم (ع) للحواريين اياكم والنظر الى المحذورات فانها بذر الشهوات وبنات الفسق قال يحيى (ع): الموت احب الى من نظره بغير واجب. وقال عبد الله بن مسعود لرجل نظر الى امرأة قد عادها في مرضها لو ذهب عيناك لكان خيرا لك من عياده مريضك ولا تتوفر عين يصيبها من نظر الى محذور إلا وقد انعقد عقده على قلبه من المنيه ولا تنحل باحدى الحالين: أما ببكاء الحسرة والندامة بتوبة صادقة وأما باخذ نصيبه مما تمنى ونظر إليه فاخذ الحظ من غير توبه فيصيره الى النار وأما التائب البالى بالحسرة والندامة عن ذلك فماواه الجنة ومنقلبه الرضوان


[ 11 ]

الباب الرابع في المشى قال الصادق (ع) ان كنت عاقلا فقدم العزيمة الصحيحة والنية الصادقة في حين قصدك الى أي مكان اردت فإن النفس التخطي الى محذور وكن متفكرا في مشيك ومعبرا بعجائب صنع الله تعالى اينما بلغت ولا تكن مستهزءا ولا متبخترا في مشيك قال تعالى: ولا تمش في مرحا الخ وغض بصرك عما لا يليق بالدين واذكر كثيرا فانه قد جاء في الخبر ان المواضع التي يذكر الله فيها وعليها تشهد بذلك عند الله يوم القيامة وتستغفر لهم الى ان يدخلهم الله الجنة ولا تكثرن


[ 12 ]

الكلام مع الناس في الطريق فإن فيه سوء الادب واكثر الطرق مراصد الشيطان ومتجرته فلا تأمن كيده واجعل ذهابك ومجيئك في طاعه الله والسعى رضاه فإن حركاتك كلها مكتوبه في صحيفتك قال تعالى: (يوم تشهد عليهم السنتهم وايديهم وارجلهم بما كانوا يكسبون) وقال الله تعالى: (وكل انسان الزمناه طائره عنقه).


[ 13 ]

الباب الخامس في العلم قال الصادق (ع): العلم اصل كل حال سنى ومنتهى كل منزلة رفيعة ولذلك قال النبي (ص) طلب العلم فريضه كل مسلم ومسلمه أي علم التقوى واليقين. وقال علي (ع): اطلبوا العلم ولو بالصين فهو علم معرفة النفس ومعرفة الرب عز وجل قال النبي (ص): من عرف نفسه عرف ربه ثم عليك من العلم بما لا يصح العمل به وهو الاخلاص. قال النبي (ص): نعوذ بالله علم لا ينفع وهو العلم


[ 14 ]

الذي يضاد العمل بالاخلاص واعلم ان قليل العلم يحتاج إلى كثير العمل لأن علم الساعة يلزم صاحبه استعمال طول دهره. قال عيسى بن مريم (ع) رايت حجرا عليه مكتوب اقلبني فقلبته فإذا على باطنه مكتوب من لا يعمل بما يعلم مشؤم عليه طلب ما لا يعلم ومردود عليه ما علم اوحى تعالى الى داود (ع): ان اهون ما انا صانع بعالم عامل بعلمه اشد من سبعين عقوبة باطنة ان اخرج قلبه حلاوه ذكرى وليس الى الله سبحانه طريق يسلك بعلم والعلم زين المرء في الدنيا والاخره وسائقه الجنة وبه يصل الى رضوان الله تعالى والعالم حقا الذي ينطق فيه اعماله الصالحه واوراده الزاكية وصدقه وتقواه لا لسانه ومناظرته ومعادلته وتصاوله ودعواه ولقد كان يطلب هذا العلم في غير هذا الزمان من كان


[ 15 ]

فيه عقل ونسك وحكمه وحياء وخشيه وانا نرى طالبه اليوم ليس فيه من ذلك شئ والعالم يحتاج الى عقل ورفق وشفقه ونصح وحلم وصبر وقناعه وبذل والمتعلم يحتاج الى رغبة وارادة وفراغ ونسك وخشيه وحفظ وحزم


[ 16 ]

الباب السادس في الفتياء قال الصادق (ع): لا يحل الفتياء لمن لا يصطفى من الله تعالى بصفاء سره واخلاص علمه وعلانيته وبرهان من ربه في كل حال لأن من افتى فقد حكم والحكم لا يصح إلا باذن من الله عز وجل وبرهانه ومن حكم بالخير بلا معاينة فهو جاهل ماخوذ بجهله ومأثوم بحكمه دل الخبر العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء قال النبي (ص): اجراكم على الفتياء اجراكم على عز وجل ا ولا يعلم المفتى انه هو الذي يدخل بين الله تعالى وبين عباده وهو الحائر بين الجنة والنار


[ 17 ]

قال سفيان بن عيينه: كيف ينتفع بعلمي غيرى وانا قد حرمت نفسي نفعها ولا يحل الفتياء في الحلال والحرام بين الخلق إلا لمن اتبع الحق من أهل زمانه وناحيته وبلده بالنبي (ص) وعرف ما يصلح من فتياه قال النبي (ص): وذلك لربما ولعل ولعسى لأن الفتياء عظيمة قال أمير قوله المؤمنين (ع): لقاض هل تعرف الناسخ من المنسوخ ؟ قال لا قال: فهل اشرفت على مراد الله عز وجل في امثال القرآن ؟ قال: لا. قال (ع): إذا هلكت واهلكت والمفتى يحتاج الى معرفة معاني القرآن وحقايق السنن وبواطن الاشارات والاداب والاجماع والاختلاف والاطلاع على اصول ما اجتمعوا عليه وما اختلفوا فيه ثم الى حسن الاختيار ثم الى العمل الصالح ثم الحكمة ثم التقوى ثم حينئذ ان قدر.


[ 18 ]

الباب السابع في الامر بالمعروف والنهى المنكر قال الصادق (ع): من لم ينسلخ هواجسه ولم يتخلص من آفات نفسه وشهواتها ويهزم الشيطان ولم يدخل في كنف الله تعالى وامان عصمته لا يصلح له الامر بالمعروف والنهى عن المنكر لانه لم يكن بهذه الصفة فكلما اظهر امرا يكون حجه ولا ينتفع الناس به. قال تعالى: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم). ويقال له: يا خائن ا تطالب خلقي خنت به نفسك وارخيت عنه عنانك روى ان ثعلبة الاسدي سال رسول الله (ص) عن


[ 19 ]

هذه الايه: (يا ايها الذين آمنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) فقال رسول الله (ص): (وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على اصابك) حتى إذا رايت شحا مطاعا وهوى متبعا واعجاب كل ذى راى برايه فعليك بنفسك ودع عنك العامة وصاحب الامر بالمعروف يحتاج ان يكون عالما بالحلال والحرام فارغا من خاصة نفسه مما يامرهم وينهاهم عنه ناصحا للخلق رحيما لهم رفيقا بهم داعيا لهم باللطف وحسن البيان عارفا بتفاوت اخلاقهم لينزل كلا بمنزلته بصيرا بمكر النفس ومكائد الشيطان صابرا على ما يلحقه لا يكافيهم بها ولا يشكو منهم ولا يستعمل الحمية ولا يغتاظ لنفسه مجردا نيته لله مستعينا به تعالى ومبتغيا لوجهه فإن خالفوه وجفوه صبر وان وافقوه وقبلوا منه شكر مفوضا امره إلى الله ناظرا الى عيبه


[ 20 ]

الباب الثامن في آفة العلماء قال الصادق (ع): الخشية ميراث العلم وميزانه والعلم شعاع المعرفة وقلب الايمان ومن حرم الخشية لا يكون عالما وان يشق الشعر بمتشابهات العلم قال الله تعالى: (إنما يخشى الله من عباده العلماء). وآفة العلماء ثمانية: الطمع والبخل والرياء والعصبية وحب المدح والخوض فيما لم يصلوا الى حقيقته والتكلف في تزيين الكلام بزوائد الالفاظ وقلة الحياء من الله والافتخار وترك العمل علموا قال عيسى (ع) اشقى الناس من هو معروف


[ 21 ]

بعلمه مجهول بعمله وقال النبي (ص): لا تجلسوا كل داع مدع يدعوكم من اليقين الى الشك ومن الاخلاص الى الرياء ومن التواضع الى الكبر ومن النصيحة الى العداوة والزهد الى الرغبة وتقربوا الى عالم يدعوكم الى التواضع الكبر ومن الرياء الى الاخلاص ومن الشك الى اليقين ومن الرغبة الى الزهد ومن العداوة الى النصيحة ولا يصلح لموعظة الخلق إلا من جاوز هذه الافات بصدقه واشرف على عيوب الكلام وعرف الصحيح من السقيم وعلل الخواطر وفتن النفس والهوى قال (ع): كن كالطبيب الرفيق الشفيق الذي يضع الدواء بحيث ينفع في الخبر. سالوا عيسى بن مريم (ع): يا روح الله مع من نجالس ؟ قال (ع): من يذكركم رؤيته ويزيد في علمكم منطقه ويرغبكم في الاخرة عمله


[ 22 ]

الباب التاسع في الرعاية قال الصادق (ع): من رعى قلبه عن الغفلة ونفسه عن الشهوة وعقله عن الجهل فقد دخل في ديوان المتنبهين ثم من رعى علمه عن الهوى ودينه عن البدعة وماله عن الحرام فهو من جملة الصالحين قال رسول الله (ص): طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة وهو علم الانفس فيجب ان يكون نفس المؤمن على كل حال في شكر عذر على معنى ان قبل ففضل وان رد فعدل وتطالع الحركات الطاعات بالتوفيق وتطالع السكون عن المعاصي بالعصمة وقوام


[ 23 ]

ذلك كله بالافتقار الى الله تعالى والاضطرار والخشوع والخضوع ومفاتحها الانابة الى الله تعالى مع قصر الامل بدوام ذكر الموت وعيان الوقوف يدى الجبار لأن ذلك راحة من الحبس ونجاة من العدو وسلامة النفس وسبب الاخلاص في الطاعات التوفيق واصل ذلك ان يرد العمر الى يوم واحد قال الله (ص): الدنيا ساعه فاجعلها طاعه وباب ذلك كله ملازمة الخلوة بمداومة الفكر وسبب الخلوة القناعة وترك الفضول من المعاش وسبب الفكر الفراغ وعماد الفراغ الزهد وتمام الزهد التقوى وباب التقوى الخشية ودليل الخشية التعظيم لله تعالى والتمسك بخالص طاعة في اوامره والخوف والحذر مع الوقوف عن محارمه ودليلها العلم قال الله عز وجل: (إنما يخشى الله من عباده العلماء).


[ 24 ]

الباب العاشر في الشكر قال الصادق (ع) في كل نفس من انفاسك شكر لازم لك بل الف اكثر وادنى الشكر رؤيه النعمة من الله تعالى غير عله يتعلق القلب بها دون الله عز وجل والرضا اعطى وان لا تعصيه بنعمته وتخالفه بشئ من امره ونهيه بسبب نعمته فكن لله عبدا شاكرا على كل حال تجد الله ربا كريما على كل حال ولو كان عند الله تعالى عباده تعبد بها عباده المخلصون افضل من الشكر على كل لاطلق لفظه فيهم من جميع الخلق بها فلما يكن افضل منها خصها من بين العبادات وخص اربابها فقال:


[ 25 ]

(وقليل من عبادي الشكور) وتمام الشكر الاعتراف بلسان العز خالصا لله عز وجل بالعجز عن بلوغ ادنى شكره لأن التوفيق الشكر نعمه حادثه يجب الشكر عليها وهي اعظم قدرا واعز وجودا من النعمة التي من اجلها وفق له فيلزمك كل شكر شكرا اعظم منه الى ما لا نهايه له مستغرقا نعمه عاجزا قاصرا عن درك غاية شكره فانى يلحق العبد شكر نعمة الله ومتى يلحق صنيعه بصنيعه والعبد ضعيف لا قوه له ابدا إلا بالله تعالى عز وجل وتعالى غنى عن طاعه العبد فهو تعالى قوى على مزيد النعم على الابد فكن لله عبدا شاكرا على هذا الوجه ترى العجب.