[ 126 ]

الباب التاسع والخمسون في التبزر قال الصادق (عليه السلام): إنما سمى المستراح مستراحا لاستراحة الانفس من اثقال النجاسات واستفراغ الكثافات والقذر فيها والمؤمن يعتبر عندها ان الخالص من الطعام والحطام الدنيا كذلك يصير عاقبته فيستريح بالعدول عنها وبتركها ويفرغ نفسه وقلبه من شغل ويستنكف جمعها واخذها استنكافه عن النجاسة والغائط والقذر ويتفكر في نفس المكرمة في حال كيف تصير ذليلا حال ويعلم ان التمسك بالقناعة والتقوى يورث راحة الدارين فإن الراحة من هوان الدنيا


[ 127 ]

والفراغ من التمتع بها وفي ازالة النجاسة من الحرام والشبهة فينطق عن نفسه باب الكبر بعد معرفته اياها ويفر من الذنوب ويفتح باب التواضع والندم والحياء ويجتهد في اداء اوامره واجتناب نواهيه طلبا لحسن الماب وطيب الزلفى ويسجن نفسه سجن الخوف والصبر والكف عن الشهوات الى يتصل بامان الله تعالى في دار القرار ويذوق طعم رضاه فإن المعول ذلك وما عداه فلا شئ


[ 128 ]

الباب الستون في الطهارة قال الصادق (عليه السلام): إذا اردت الطهارة والوضوء فتقدم الماء تقدمك الى رحمه الله تعالى فإن الله قد جعل الماء مفتاح قربته ومناجاته ودليلا بساط خدمته وكما ان رحمه الله تطهر ذنوب العباد كذلك النجاسات الظاهرة يطهرها الماء لا غير قال الله تعالى: (وهو الذي ارسل الرياح بشرا بين يدى رحمته وانزل من السماء ماء طهورا). وقال الله تعالى: وجعلنا من الماء كل شئ حي افلا يؤمنون). فكما احيا به كل شئ من نعيم الدنيا كذلك


[ 129 ]

برحمته وفضله جعل حيوة القلب والطاعات والتفكر صفاء الماء ورقته وطهره وبركته ولطيف امتزاجه بكل شئ واستعمله في تطهير الاعضاء التي امرك الله بتطهيرها وتعبدك بادائها في فرائضه وسننه فإن تحت واحدة منها فوائد كثيره فإذا استعملها بالحرمة انفجرت لك عيون فوائده عن قريب ثم عاشر خلق كامتزاج الماء بالاشياء يؤدى كل شئ حقه ولا يتغير معناه معبرا لقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): مثل المؤمن المخلص كمثل الماء ولتكن صفوتك مع الله تعالى في جميع طاعتك كصفوة الماء حين انزله من السماء وسماه طهورا وطهر قلبك بالتقوى واليقين عند طهاره جوارحك بالماء


[ 130 ]

الباب الواحد والستون في دخول المسجد قال الصادق (عليه السلام): إذا بلغت باب المسجد فاعلم انك قصدت باب ملك عظيم لما يطا بساطه إلا المطهرون ولا يؤذن لمجالسته إلا الصديقين فتهب القدوم الى بساط هيبة الملك فانك على خطر عظيم ان غفلت فاعلم قادر على ما يشاء من العدل والفضل معك وبك عطف عليك برحمته وفضله قبل منك يسير الطاعة واجزل لك عليها ثوابا كثيرا وان طالبك باستحقاقه الصدق والاخلاص عدلا بك حجبك ورد طاعتك وان كثرت وهو وفعال لما يريد واعترف بعجزك وتقصيرك وانكسارك


[ 131 ]

وفقرك بين يديه فانك قد توجهت للعبادة له والمؤانسة به واعرض عليه ولتعلم انه لا يخفى اسرار الخلايق اجمعين وعلانيتهم وكن كافقر عباده يديه واخل قلبك عن كل شاغل يحجبك عن ربك فانه يقبل إلا الاطهر والاخلص انظر من أي ديوان يخرج اسمك فإن ذقت حلاوة مناجاته ولذيد مخاطباته وشربت بكاس رحمته وكراماته من حسن اقباله عليك واجابته فقد صلحت لخدمته فادخل فلك الاذن والامان وإلا فقف وقوف من قد انقطع عنه الحيل وقصر عنه الامل وقضى عليه الاجل فإن علم الله وجل من قلبك صدق الالتجاء إليه نظر اليك بعين الرافة والرحمة واللطف ووفقك لما يحب ويرضى فانه كريم يحب الكرامة وعبادة المضطرين إليه المحترقين على بابه لطلب مرضاته. قال الله تعالى: (امن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء.


[ 132 ]

الباب الثاني والستون في الدعاء قال الصادق (عليه السلام): احفظ ادب الدعاء وانظر تدعو كيف تدعو ولماذا تدعو وحقق عظمة الله وكبريائه وعاين بقلبك علمه بما في ضميرك واطلاعه سرك وما تكن وما تكون فيه من الحق والباطل واعرف طرق نجاتك وهلاكك كيلا تدعو الله تعالى بشئ عسى فيه هلاكك وأنت تظن ان فيه نجاتك قال تعالى: (ويدعو الانسان بالشر دعائه بالخير وكان الانسان عجولا) وتفكر ما ذا تسال ولماذا تسال والدعاء استجابه الكل منك للحق وتذويبا لمهجه في


[ 133 ]

مشاهدة الرب وترك الاختيار جميعا وتسليم الامور كلها ظاهرا وباطنا الى الله تعالى فإن لم تات بشرط الدعاء فلا تنظر الاجابة فانه يعلم السر واخفى فلعلك تدعوه بشئ علم من سرك خلاف ذلك قال بعض الصحابة لبعضهم انتم تنتظرون المطر وانا انتظر الحجر واعلم لو لم يكن الله امرنا بالدعاء لكان إذا اخلصنا الدعاء تفضل علينا بالاجابة فكيف قد ضمن ذلك لمن اتى بشرائط الدعاء وسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن اسم الله الاعظم فقال (ص): كل اسم من اسماء الله اعظم ففرغ قلبك كل ما سواه وادعه تعالى باي اسم شئت فليس في الحقيقة اسم دون اسم بل هو الله الواحد القهار قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ان الله لا يستجيب الدعاء قلب لاه قال الصادق (عليه السلام): إذا اراد احدكم ان يسال ربه


[ 134 ]

إلا اعطاه فليياس من الناس كلهم ولا يكن رجاه من عند الله عز وجل فإذا علم الله تعالى من قلبه لم يساله شيئا إلا اعطاه فإذا اتيت ذكرت لك من شرائط الدعاء واخلصت سرك لوجهه فابشر باحدى ثلاث أما ان يعجل لك ما سئلت وان يدخر لك ما هو افضل منه وأما ان يصرف منك البلاء ما لو ارسله اليك لهلكك قال النبي: قال الله تعالى من شغله ذكرى عن مسئلتي اعطيته افضل اعطى للسائلين قال الصادق (عليه السلام): لقد دعوت مرة فاستجاب لي ونسيت الحاجة لأن استجابته باقباله عبده عند دعوته اعظم واجل مما يريد منه العبد وكانت الجنة ونعيمها الابدي وليس يعقل ذلك العاملون المحبون العارفون صفوة لله وخواصه


[ 135 ]

الباب الثالث والستون في الصوم قال الصادق (عليه السلام): قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الصوم جنة آفات الدنيا وحجاب من عذاب الاخرة فإذا صمت فانو بصومك كف النفس عن الشهوات وقطع الهمة عن خطوات الشيطان والشياطين وانزل نفسك منزلة المرضى لا تشتهى طعاما ولا شرابا وتوقع في كل لحظة شفاك من مرض الذنوب وطهر باطنك من كل كذب وكدر وغفله وظلمة يقطعك عن معنى الاخلاص لوجه الله تعالى قيل لبعضهم انك ضعيف والصيام يضعفك قال اني اعده بشر يوم طويل والصبر طاعة الله اهون من الصبر على عذابه


[ 136 ]

وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): قال تعال: الصوم لي وانا اجزى به والصوم يميت مراد النفس وشهوة الطمع وفيه صفاء القلب وطهاره الجوارح وعمارة الظاهر والباطن والشكر على النعم والاحسان الى الفقراء وزيادة التضرع والخشوع والبكاء وجل الالتجاء الله تعالى وسبب انكسار الهمة وتخفيف السيئات وتضعيف الحسنات وفيه من الفوائد ما لا يحصى وكفى ذكرناه منه لمن عقله ووفق لاستعماله ان شاء تعالى


[ 137 ]

الباب الرابع والستون في الزهد قال الصادق (عليه السلام) الزهد مفتاح باب الاخرة والبرائة من النار وهو تركك كل شئ يشغلك عن الله تعالى من غير تأسف على فوتها ولا اعجاب في تركها ولا انتظار فرج منها ولا تطلب محمده عليها ولا غرض لها بل يرى فوتها راحة وكونها آفة ويكون ابدا هاربا من الافة معتصما بالراحة الزاهد الذي يختار الاخرة والذل على العز والدنيا والجهد على الراحة والجوع على الشبع وعافية الاجل على المحنه العاجل والذكر على الغفلة وتكون نفسه في الدنيا وقلبه في الاخرة


[ 138 ]

قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): حب الدنيا راس كل خطيئه. وقال رسول الله (ص): الدنيا جيفة وطالبها كلاب الا ترى كيف احب ما ابغضه الله وأي خطيئه اشد جرما من هذا. قال بعض أهل البيت: لو كانت باجمعها لقمه في فم طفل لرحمناه فكيف حال من نبذ حدود الله تعالى وراء ظهوره في طلبها والحرص عليها والد نيا دار لو حسنت سكناها لما رحمتك ولما اجبتك واحسنت وداعك قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لما خلق تعالى الدنيا امرها بطاعته فاطاعت ربها فقال خالفي من طلبك وواقفي من خالفك وهي على عهد الله إليها وطبعها بها.


[ 139 ]

الباب الخامس والستون في صفة الدنيا الدنيا بمنزلة صورة راسها الكبر وعينها الحرص واذنها الطمع ولسانها الرياء ويدها الشهوة ورجلها العجب وقلبها الغفلة وكونها الفناء وحاصلها الزوال فمن احبها اورثته الكبر ومن استحسنها اورثته الحرص ومن طلبها اورثته الطمع ومن مدحها البسته الرياء ومن ارادها مكنته من العجب ومن ركن إليها اولته الغفلة ومن اعجبه متاعها افتنته ولا تبقى له ومن جمعها وبخل بها ردتها الى مستقرها وهي النار


[ 140 ]

الباب السادس والستون في المتكلف قال الصادق (عليه السلام): المتكلف متخلف عن الصواب وان اصاب والمتطوع مصيب وان اخطا والمتكلف لا يستجلب في عاقبة امره إلا الهوان وفي الوقت إلا التعب والعناء والشقاء والمتكلف ظاهره رياء وباطنه نفاق وهما جناحان يطير بهما المتكلف وليس في الجملة اخلاق الصالحين ولا من شعار المؤمنين المتكلف في أي باب كان. قال الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم): (قل اسئلكم عليه من اجر وما انا من المتكلفين) قال (صلى الله عليه وآله وسلم) نحن معاشر الانبياء والاتقياء والامناء


[ 141 ]

براء من المتكلف فاتق الله تعالى واستقم نفسك عن التكلف فيطبعك بطباع الايمان ولا تشتغل بلباس آخره البلاء وطعام آخره الخلاء ودار آخره الخراب ومال آخره الميراث واخوات آخرهم الفراق وعز آخره الذل ووفاء آخره الجفاء وعيش آخره الحسره


[ 142 ]

* (الباب السابع والستون في الغرور) * قال الصادق (عليه السلام) المغرور في الدنيا مسكين وفي والاخره مغبون لانه باع الافضل بالادنى ولا تعجب من نفسك فربما اغتررت بمالك وصحة جسدك ان لعلك تبقى وربما اغتررت بطول عمرك واولادك واصحابك لعلك تنجو بهم وربما اغتررت بجمالك ومنبتك واصابتك مامولك وهواك فظننت انك صادق ومصيب وربما اغتررت ترى الخلق من الندم على تقصيرك في العبادة ولعل تعالى يعلم من قلبك بخلاف ذلك وربما اقمت نفسك العبادة متكلفا والله يريد الاخلاص وربما


[ 143 ]

توهمت انك تدعو الله وأنت تدعو سواه وربما حسبت انك ناصح للخلق وأنت تريدهم لنفسك ان يميلوا اليك وربما ذممت نفسك وتمدحها على الحقيقة واعلم انك لن تخرج من ظلمات الغرور والتمنى إلا بصدق الانابه الى الله تعالى والاخبار ومعرفه عيوب احوالك من حيث لا يوافق العقل والعلم ولا يحتمله الدين والشريعه وسنن القدوه وائمه الهدى وان كنت راضيا بما أنت فيه فما اشقى بعلمه وعمله منك واضيع عمرا فاورثت حسرة يوم القيامة


[ 144 ]

* (الباب الثامن والستون في صفه المنافق) * قال الصادق (عليه السلام) المنافق قد رضى ببعده عن رحمة الله تعالى لانه ياتي باعماله الظاهره شبيها بالشريعة وهو لاه ولاغ وباغ بالقلب عن حقها مستهزئ وعلامه النفاق قله المبالات بالكذب والخيانه والوقاحة والدعوى بلا معنى واستخانه العين والسفه والغلط وقلة الحياء واستصغار المعاصي واستيضاع ارباب الدين واستخفاف المصائب في الدين والكبر والمدح ومدح الحب وحب المدح والحسد وايثار الدنيا على الاخرة والشر على الخير


[ 145 ]

والحث على النميمة وحب اللهو ومعرفه أهل الفسق ومعونة أهل البغى والتخلف عن الخيرات وتنقص اهلها واستحسان ما يفعله من سوء واستقباح ما يفعله غيره من حسن وامثال ذلك كثيره وقد وصف الله المنافقين غير موضع قال تعالى: (ومن الناس من يعبد على حرف). في التفسير أي (فإن اصابه خير اطمان وان اصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والاخرة ذلك هو الخسران المبين) قال تعالى في وصفهم (ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الاخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله ورسوله والذين آمنوا وما يخدعون إلا انفسهم وما يشعرون في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا) قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المنافق من إذا وعد خلف وإذا


[ 146 ]

فعل اساء، وإذا قال كذب وإذا ائتمن خان وإذا رزق طاش وإذا منع عاش وقال ايضا من خالفت سريرته علانيته فهو منافق كائنا من كان وحيث كان وفي أي زمن وعلى أي رتبه كان


[ 147 ]

* (الباب التاسع والستون في حسن المعاشرة) * قال الصادق (عليه السلام) حسن المعاشرة مع خلق الله تعالى في غير معصية من مزيد فضل الله تعالى عند عبده ومن كان خاضعا لله في السر كان حسن المعاشرة العلانية فعاشر الخلق لله تعالى ولا تعاشرهم لنصيبك لامر الدنيا، ولطلب الجاه والرياء والسمعة ولا تقطن بسببها عن حدود الشريعة من باب المماثلة والشهرة فانهم لا يغنون عنك شيئا وتفوتك الاخيرة بلا فائدة


[ 148 ]

* (الباب السبعون في الاخذ والعطاء) * قال الصادق (عليه السلام) من كان الاخذ احب إليه من الاعطاء فهو مغبون لانه يرى العاجل بغفلته افضل من الاجل وينبغى للمؤمن إذا اخذ ان ياخذ بحق وإذا اعطى ففى حق وبحق ومن حق فكم من آخذ معطى دينه وهو لا يشعر وكم من معطى مورث بنفسه سخط الله وليس الشان في الاخذ والاعطاء ولكن الناجى من اتق الله في الاخذ والاعطاء واعتصم بحبل الورع والناس في هاتين الخصلتين خاص وعام فالخاص ينظر في دقيق الورع فلا يتناول حتى يتيقن انه حلال وإذا اشكل


[ 149 ]

عليه تناول عند الضرورة والعام ينظر في الظاهر فما لم يجده ولا يعلمه غصب ولا سرقة تناول وقال لا باس هو لي حلال والامر في ذلك بين ياخذ بحكم الله عز وجل وينفق في رضى الله عز وجل


[ 150 ]

* (الباب الواحد والسبعون في المواخاه) * قال الصادق (عليه السلام) ثلاثه اشياء في كل زمان عزيزة وهي الاخاء في الله تعالى والزوجة الصالحه الاليفة تعينه في دين الله عز وجل وولد الرشيد ومن وجد الثلاثة فقد اصاب خير الدارين والحظ الاوفر من الدنيا والاخرة واحذر ان تواخى من ارادك الطمع أو خوف أو ميل أو مال أو اكل أو شرب واطلب مواخاة الاتقياء ولو في ظلمات الأرض وان افنيت عمرك في طلبهم فان الله عز وجل لم يخل على وجه الأرض افضل منهم بعد النبيين وما انعم الله تعالى على العبد بمثل ما انعم به من التوفيق