[ 26 ]

الباب الحادى عشر في الخروج من المنزل قال الصادق (ع): إذا خرجت من منزلك فاخرج خروج لا يعود ولا يكن خروجك إلا لطاعة أو سبب من اسباب الدين والزم السكينه والوقار واذكر الله سرا وجهرا سال بعض اصحاب أبي ذر (ره) أهل داره عنه فقالت خرج متى يرجع فقالت متى يرجع من روحه بيد غيره ولا يملك لنفسه شيئا واعتبر بخلق الله تعالى برهم وفاجرهم اينما مضيت فاسال الله تعالى ان يجعلك من خلص عباده الصادقين ويلحقك بالماضين منهم ويحشرك


[ 27 ]

في زمرتهم واحمده واشكره على ما جنبك من الشهوات وعصمك من قبيح افعال المجرمين وغض بصرك الشهوات ومواضع النهى واقصد من مشيك وراقب في كل خلوه كانك على الصراط جائز ولا تكن لفاتا وافش السلام لاهله مبتدئا ومجيبا واعن من استعان بك في حق وارشد الضال واعرض عن الجاهلين وإذا رجعت منزلك فادخل دخول الميت القبر حيث ليس همته إلا رحمة الله تعالى وعفوه.


[ 28 ]

الباب الثاني عشر في قراءه القرآن قال الصادق (ع): من قرا القرآن ولم يخضع ولم يرق قلبه ولا ينشى حزنا ووجلا في سره فقد استهان بعظم شان الله تعالى وخسر خسرانا مبينا فقارئ القرآن محتاج ثلاثه اشياء: قلب خاشع وبدن فارغ وموضع خال فإذا خشع الله قلبه فر منه الشيطان الرجيم قال الله (فإذا قرات القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) فإذا تفرغ نفسه من الاسباب تجرد قلبه للقراءة ويعترضه عارض فيحرمه بركة نور القرآن وفوائده فإذا اتخذ مجلسا خاليا


[ 29 ]

واعتزل عن الخلق بعد ان اتى بالخصلتين: خضوع القلب وفراغ البدن استانس روحه وسره بالله عز وجل ووجد حلاوة مخاطبات الله تعالى عز وجل عباده الصالحين وعلم لطفه بهم ومقام اختصاصه لهم بفنون كراماته وبدايع اشاراته فإن شرب كاسا من هذا المشرب لا يختار ذلك الحال حالا وعلى ذلك الوقت وقتا بل يؤثره كل طاعة وعبادة لأن فيه المناجاة مع الرب بلا واسطه فانظر كيف تقرا كتاب ربك ومنشود ولايتك وكيف تجيب اوامره وتجتنب نواهيه وكيف تتمثل حدوده فانه كتاب عزيز: (لا ياتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه تنزيل من حكيم حميد) فرتله ترتيلا وقف وعده ووعيده وتفكر في امثاله ومواعظه واحذر تقع من اقامتك حروفه في اضاعة حدوده


[ 30 ]

الباب الثالث عشر في اللباس قال الصادق (ع): زين اللباس للمؤمن التقوى وانعمه الايمان قال الله تعالى: (ولباس التقوى ذلك خير) وأما اللباس الظاهر فنعمه من الله تعالى تستر بها عورات آدم هي كرامة اكرم الله بها ذرية آدم ما لم يكرم غيرهم وهي للمؤمنين من اله لاداء ما افترض عليهم وخير لباسك ما لا يشغلك عن الله عز وجل بل يقربك ذكره وشكره وطاعته ولا يحملك على العجب والرياء والتزيين والتفاخر والخيلاء فانها من آفات الدين ومورثه القسوة في القلب فإذا لبست ثوبك فاذكر ستر


[ 31 ]

الله عليك ذنوبك برحمته والبس باطنك كما البست ظاهرك بثوبك وليكن باطنك من الصدق في ستر الهيبه وظاهرك في ستر الطاعه واعتبر بفضل الله عز وجل حيث خلق اسباب اللباس ليستر العورات الظاهره وفتح ابواب التوبة والانابة والاغاثة ليستر بها العورات الباطنة من الذنوب واخلاق السوء ولا تفضح احدا حيث ستر الله عليك ما اعظم منه واشتغل بعيب نفسك واصفح عما لا يعنيك حاله وامره واحذر ان يفنى عمرك بعمل غيرك ويتجر براس مالك غيرك فتهلك نفسك فإن نسيان الذنوب من اعظم عقوبة الله تعالى العاجل واوفر اسباب العقوبة في الاجل وما دام العبد مشتغلا بطاعة الله تعالى ومعرفة عيوب نفسه وترك ما يشين في دين الله عز وجل فهو بمعزل عن الافات غائص في بحر رحمة الله تعالى يفوز بجواهر الفوائد من الحكمة والبيان وما دام ناسيا لذنوبه جاهلا لعيوبه راجعا الى حوله وقوته لا يفلح إذا ابدا


[ 32 ]

الباب الرابع عشر في الرياء قال الصادق (ع): لا تراني بعملك من لا يحيى ويميت ويغنى عنك شيئا والرياء شجرة لا تثمر إلا الشرك الخفى واصلها النفاق يقال للمرائي عند الميزان خذ ثوابا تعد ثواب عملك ممن اشركته معى فانظر من تعبد وتدعو ومن ترجو ومن تخاف واعلم انك لا تقدر على اخفاء شئ من باطنك عليه تعالى وتصير مخدوعا بنفسك قال الله تعالى: (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا انفسهم وما يشعرون) واكثر ما يقع


[ 33 ]

الرياء في البصر والكلام والاكل والشرب والمجئ والمجالسة واللباس والضحك والصلاه والحج والجهاد وقراءة القرآن وسائر العبادات الظاهرة فمن اخلص باطنه لله تعالى وخشع له بقلبه وراى نفسه مقصرا بذل كل مجهود وجد الشكر عليه حاصلا ويكون من يرجو الخلاص من الرياء والنفاق إذا استقام على في كل حال


[ 34 ]

الباب الخامس عشر في الصدق قال الصادق (ع): الصدق نور متشعشع في عالمه كالشمس يستضئ كل شئ بمعناها من غير نقصان يقع على معناها والصادق حقا هو الذي يصدق كل كاذب بحقيقة صدق ما لديه وهو المعنى لا يسع معه سواه أو ضده مثل آدم على نبينا وآله و (ع) صدق ابليس في كذبه حين اقسم له كاذبا لعدم به من الكذب في آدم قال الله تعالى: (ولم نجد عزما) لأن ابليس ابدع شيئا كان اول من ابدعه وغير معهود ظاهرا وباطنا فحشر هو بكذبه على معنى لم ينتفع به من صدق آدم (ع) على بقاء الابد وافاد آدم (ع) بتصديقه كذبه بشهادة الله عز وله ينفى عزمه عما يضاد عهده في


[ 35 ]

الحقيقة على معنى لم ينتقص من اصطفائه بكذبه شيئا فالصدق صفة الصادق حقيقة الصدق يقتضى تزكية الله تعالى لعبده كما ذكر عن صدق عيسى (ع) في القيمة بسبب ما اشار إليه من صدقه وهو براءة الصادقين من رجال امة محمد (ص) فقال تعالى: (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم) وقال أمير قوله المؤمنين (ع): الصدق سيف الله في ارضه وسمائه اينما هوى به يقده فإذا اردت تعلم أصادق أنت ام كاذب فانظر في صدق معناك وعقد دعواك وعيرهما بقسطاس من الله تعالى كانك القيامة قال الله تعالى: (والوزن يومئذ الحق) فإذا اعتدل معناك يفوز دعواك ثبت لك الصدق وادنى حد الصدق ان لا يخالف اللسان القلب ولا القلب اللسان ومثل الصادق الموصوف بما ذكرناه كمثل النازع لروحه لم ينزع فما ذا يصنع


[ 36 ]

الباب السادس عشر في الاخلاص قال الصادق (ع): الاخلاص بجميع فواضل الاعمال وهو معنى افتتاحه القبول وتوقيعه الرضا فمن تقبل الله منه ويرضى عنه فهو المخلص وان قل عمله ومن لم يتقبل منه فليس بمخلص وكثر عمله اعتبارا بادم (ع) وابليس عليه اللعنة وعلامة القبول وجود الاستقامة ببذل كل محاب مع اصابه علم حركة وسكون والمخلص ذائب روحه باذل مهجته تقويم ما به العلم والاعمال والعامل والمعمول بالعمل لانه إذا ادرك ذلك فقد ادرك الكل وإذا فاته فاته الكل وهو تصفية معاني التنزيه


[ 37 ]

في التوحيد كما قال الاول هلك العاملون إلا العابدون وهلك العابدون إلا العالمون وهلك العالمون الصادقون وهلك الصادقون إلا المخلصون وهلك المخلصون إلا المتقون وهلك المتقون إلا الموقنون وان الموقنين لعلى خلق عظيم. قال الله تعالى: (واعبد ربك حتى ياتيك اليقين) وادنى حد الاخلاص بذل العبد طاقته ثم لا يجعل لعمله عند الله قدرا فيوجب به على ربه مكافاة لعلمه بعمله انه لو طالبه بوفاء حق العبودية لعجز وادنى مقام المخلص الدنيا السلامة من جميع الاثام وفي الاخرة النجاة النار والفوز بالجنة


[ 38 ]

الباب السابع عشر في التقوى قال الصادق (ع): التقوى على ثلاثة اوجه: تقوى بالله وترك الخلاف فضلا عن الشبهة وهو تقوى خاص الخاص وتقوى من الله تعالى وهو ترك الشبهات فضلا عن الحرام وتقوى الخاص وتقوى من خوف النار والعقاب وهو ترك الحرام وهو تقوى العام ومثل التقوى كماء يجرى في النهر ومثل هذه الطبقات الثلاث في معنى التقوى كاشجار مغروسه على حافه ذلك النهر من كل لون جنس وكل شجرة منها تمتص الماء من ذلك النهر قدر جوهره وطعمه ولطافته وكثافته ثم منافع الخلق ذلك الاشجار والثمار على قدرها وقيمتها


[ 39 ]

قال الله تعالى: (صنوان أو غير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الاكل). فالتقوى للطاعات كالماء للاشجار ومثل طبائع الاشجار والاثمار في لونها وطعمها مثل مقادير الايمان فمن كان اعلى درجة في الايمان واصفى جوهره بالروح كان اتقى ومن كان التقى عبادته اخلص واطهر ومن كان كذلك كان من اقرب وكل عباده مؤسسه على غير التقوى فهى هباء منثورا. قال الله تعالى: (أفمن اسس بنيانه تقوى من الله ورضوان خير امن اسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم) وتفسير التقوى ما ترك ليس باخذه باس حذرا مما به الباس وهو في الحقيقة طاعه بلا عصيان وذكر بلا نسيان وعلم بلا جهل مقبول غير مردود


[ 40 ]

الباب الثامن عشر في الورع قال الصادق (ع): اغلق ابواب جوارحك عما يقع ضرره قلبك ويذهب بوجاهتك عند الله تعالى ويعقب الحسرة والندامة يوم القيامة والحياء عما اجترحت من السيئات والمتورع يحتاج الى ثلاثه اصول الصفح عن عثرات الخلق اجمع وترك خطيته فيهم واستواء المدح والذم واصل الورع دوام محاسبه النفس وصدق المقاولة وصفاء المعاملة والخروج من كل شبهة ورفض كل عيبة وريبة


[ 41 ]

ومفارقة جميع ما لا يعنيه وترك فتح ابواب لا يدرى كيف يغلقها ولا يجالس من يشكل عليه الواضح ولا يصاحب مستخفا الدين ولا يعارض من العلم لا يحتمل قلبه ولا يتفهمه من قائله ويقطعه عمن يقطعه الله عز وجل تعالى شانه


[ 42 ]

الباب التاسع عشر في المعاشرة قال الصادق (ع): حسن المعاشرة مع خلق الله تعالى غير معصيته من مزيد فضل الله تعالى عند عبده ومن كان مخلصا خاضعا لله في السر كان حسن المعاشرة في العلانية فعاشر الخلق لله تعالى ولا تعاشرهم لنصيبك لامر الدنيا ولطلب الجاه والرياء والسمعة ولا تسقطن لسببها عن حدود الشريعة من باب المماثلة والشهره فانهم يغنون عنك شيئا وتفوتك الاخرة بلا فائده فاجعل هو الاكبر منك بمنزلة الاب والاصغر بمنزلة الولد والمثل بمنزلة الاخ ولا تدع ما تعلمه يقينا من نفسك تشك


[ 43 ]

فيه من غيرك وكن رفيقا في امرك بالمعروف وشفيقا نهيك عن المنكر ولا تدع النصيحه في كل حال. قال الله تعالى: (وقولوا للناس حسنا) واقطع عما ينسيك وصله ذكر الله تعالى وتشغلك عن طاعة الله الفتنة فإن ذلك من اولياء الشيطان واعوانه ولا يحملنك رؤيتهم المداهنة عند الحق فإن في ذلك خسرانا عظيما نعوذ بالله تعالى


[ 44 ]

الباب العشرون في النوم قال الصادق (ع): نم نوم المعتبرين ولا تنم نوم الغافلين فإن المعتبرين الاكياس ينامون استراحة ولا ينامون استبطارا استبصارا قال النبي (ص): تنام عيناي ولا ينام قلبي وانو بنومك تخفيف مؤنتك على الملائكة واعتزال النفس عن شهواتها واختبر بها نفسك وكن ذا معرفه بانك عاجز ضعيف لا تقدر على شئ من حركاتك وسكونك إلا بحكم وتقديره وان النوم اخو الموت واستدل بها الموت الذي لا تجد السبيل الى الانتباه فيه والرجوع الى صلاح


[ 45 ]

ما فات عنك ومن نام عن فريضة أو سنة أو نافلة فانه بسببها شئ فذلك نوم الغافلين وسيرة الخاسرين وصاحبه مغبون ومن نام بعد فراغه من اداء الفرائض و السنن والواجبات من الحقوق فذلك نوم محمود ولا اعلم لاهل زماننا هذا شيئا إذا اتوا بهذه الخصال اسلم من النوم لأن الخلق تركوا مراعاة دينهم ومراقبة احوالهم واخذوا شمال الطريق والعبد ان اجتهد ان لا يتكلم كيف يمكنه ان لا يستمع إلا ما هو مانع له من وان النوم من احدى تلك الالات قال الله تعالى: (ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان مسؤلا) وان في كثرته آفات وان كان على سبيل ذكرنا وكثرة النوم يتولد من كثره الشرب وكثرة الشرب يتولد كثره الشبع وهما يثقلان النفس عن الطاعة ويقسيان القلب التفكر والخشوع واجعل كل نومك آخر عهدك الدنيا واذكر الله


[ 46 ]

تعالى بقلبك ولسانك وحف طاعتك على شرك مستعينا في الصيام الى الصلاة إذا انتبهت فإن الشيطان لك نم فإن لك بعد ليلا طويلا يريد تفويت وقت مناجاتك وعرض حالك على ربك ولا تغفل عن الاستغفار بالاسحار فإن للقانتين فيه اشواقا


[ 47 ]

الباب الواحد والعشرون في الحج قال الصادق (ع): إذا اردت الحج فقلبك لله عز وجل من قبل عزمك من كل شاغل وحجب عن كل حاجب وفوض امورك كلها الى خالقك وتوكل في جميع ما يظهر من حركاتك وسكونك وسلم لقضائه وحكمه وقدره وتدع الدنيا والراحه والخلق واخرج من حقوق يلزمك من جهة المخلوقين ولا تعتمد زادك وراحلتك واصحابك وقوتك وشبابك ومالك مخافه ان تصير ذلك اعداء ووبالا ليعلم ليس قوه ولا حيله ولا حد إلا بعصمة الله تعالى وتوفيقه واستعد استعداد من


[ 48 ]

لا يرجو الرجوع واحسن الصحبة وراع اوقات فرائض الله تعالى وسنن نبيه (ص) وما يجب عليك من الادب والاحتمال والصبر والشكر والشفقة والسخاء وايثار الراد على دوام الاوقات ثم اغتسل بماء التوبة الخالصة الذنوب والبس كسوة الصدق والصفاء والخضوع والخشوع واحرم عن كل شئ يمنعك عن ذكر الله وجل ويحجبك عن طاعته ولب بمعنى اجابة صافية خالصة زاكية لله عز وجل في دعوتك له متمسكا بالعروة الوثقى وطف بقلبك مع الملائكة حول العرش كطوافك مع المسلمين بنفسك حول حول البيت وهرول هروله فرا من هواك وتبرءا من جميع حولك وقوتك واخرج من غفلتك وزلاتك بخروجك الى منى ولا تمن ما لا يحل لك ولا تستحقه واعترف بالخطا بالعرفات وحدد عهدك عند الله تعالى بوحدانيته وتقرب إليه واتقه بمزدلفة واصعد بروحك


[ 49 ]

الى الملا الاعلى بصعودك الى الجبل واذبح حنجرة الهوى والطمع عند الذبيحة وارم الشهوات والخساسة والدناءة والافعال الذميمة عند رمى الجمرات واحلق العيوب الظاهرة والباطنة بحلق شعرك وادخل في امان الله تعالى وكنفه وستره وحفظه وكلائه من متابعه مرادك بدخول الحرم وزر البيت متحففا لتعظيم صاحبه ومعرفته وجلاله وسلطانه واستلم الحجر رضى بقسمته وخضوعا لعظمته ودع ما سواه بطواف الوداع وصف روحك وسرك للقاء تعالى يوم تلقاه بوقوفك على الصفاء وكن ذا مروة من الله بفناء اوصافك عند المروة واستقم شروط حجك ووفاء عهدك الذي عاهدت ربك واوجبته يوم القيامة واعلم بان الله لم يفترض الحج ويخصه من جميع الطاعات بالاضافة الى نفسه بقوله تعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) ولا شرع نبيه (ص) في خلال المناسك على ترتيب


[ 50 ]

شرعه للاستعداد والاشاره الى الموت والقبر والبعث والقيامة وفصل بيان السبق من دخول الجنة اهلها ودخول النار اهلها بمشاهدة مناسك الحج من اولها آخرها لاولى الالباب واولى النهى