موقف الإمام الصادق (عليه السلام) من العلويينأما العلويون الذين خدعهم العباسيون في اجتماع الابواء قبل انتصار العباسيين وبايعوا في حينه محمد بن عبد الله كخليفة للمسلمين ، فقد استجاب عبد الله بن الحسن أيضاً للعرض الذي تقدم به أبو سلمة وجاء للإمام الصادق مسروراً يبشره بهذا العرض. قال المسعودي : فخرج الرسول من عند الإمام الصادق وأتى عبد الله بن الحسن ، ودفع إليه الكتاب وقرأه وابتهج ، فلما كان غد ذلك اليوم الذي وصل إليه فيه الكتاب ركب عبد الله حتى أتى منزل أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) فلما رآه أبو عبد الله أكبر مجيئه ، وقال: يا أبا محمد (وهي كنية عبد الله المحض ) أمر ما أتى بك ؟ قال : نعم هو أجل من أن يوصف ، فقال له: وما هو يا أبا محمد ؟ قال: هذا كتاب أبي سلمة يدعوني للخلافة ، وقد قدمت عليه شيعتنا من أهل خراسان ، فقال له أبو عبد الله : يا أبا محمد ومتى كان أهل خراسان شيعة لك ؟ أنت بعثت أبا مسلم إلى خراسان؟ وانت أمرتهم بلبس السواد؟ هؤلاء الذين قدموا العراق أنت كنت سبب قدومهم أو وجهت فيهم ؟ وهل تعرف منهم أحداً ؟ فنازعه عبد الله بن الحسن الكلام إلى أن قال : إنما يريد القوم ابني محمداً لأنه مهدي هذه الاُمة. فقال أبو عبد الله جعفر الصادق : «ما هو مهدي هذه الاُمة ولئن شهر سيفه ليقتلن». فقال عبد الله : كان هذا الكلام منك لشيء. فقال الصادق (عليه السلام) : «قد علم الله أني أوجب النصيحة على نفسي لكل مسلم فكيف أدّخره عنك فلا تمنّ نفسك الاباطيل ، فإن هذه الدولة ستتم لهؤلاء وقد جاءني مثل الكتاب الذي جاءك»[1] . نهاية أبي سلمة الخلاّلولم يخف أمر أبي سلمة الخلال على العباسيين فقد أحاطوه بالجواسيس التي تسجل جميع حركاته وأعماله وترفعها إلى العباسيين ، فاتفق السفاح وأخوه المنصور على أن يخرج المنصور لزيارة أبي مسلم ويحدثه بأمر أبي سلمة ، ويطلب منه القيام باغتياله ، فخرج المنصور ، والتقى بأبي مسلم ، وعرض عليه أمر أبي سلمة فقال ، أبو مسلم : أفعلها أبو سلمة؟ أنا أكفيكموه؟ ثم دعا أحد قواده (مرار بن أنس الضبي) ، وقال له: انطلق إلى الكوفة فاقتل أبا سلمة حيث لقيته. فسار إلى الكوفة مع جماعة من جنوده وكان أبو سلمة يسمر عند السفاح الذي تظاهر باعلان العفو والرضا عنه ، واختفى مرار مع جماعته في طريق أبي سلمة فلما خرج من عند السفاح بادر إلى قتله ، وأشاعوا في الصباح: أن الخوارج هي التي قتلته[2] . موقف الإمام (عليه السلام) من عرض أبي مسلمأما أبو مسلم الخراساني الذي قاد الانقلاب على الاُمويين في خراسان وتم تأسيس الدولة العباسية على يديه نجده في الأشهر الاولى من انتصار العبّاسيين واعلان البيعة لأبي العباس السفاح بالكوفة يكتب للإمام الصادق(عليه السلام) رسالة يريد بها البيعة للإمام (عليه السلام) فقد جاء فيها: إني قد أظهرت الكلمة ، ودعوت الناس عن موالاة بني اُميّة إلى موالاة أهل البيت فإن رغبت فلا مزيد عليك[3] . لا شك أن أبا مسلم الخراساني المعروف بولائه وإخلاصه للعباسيين وهو صنيعتهم حينما تصدر رسالة من عنده بهذه اللهجة تعتبر مفاجأة ولابد أن تتأثر بعوامل طارئة قد غيّرت من قناعاته، سواء كانت تلك العوامل ذاتية أو موضوعية. وإلاّ فماهي الجهة التي تربطه بالإمام (عليه السلام)؟ لم يحدثنا التاريخ عن أي علاقة بينه وبين الإمام (عليه السلام) عقائدياً أو سياسياً سوى لقاء واحد لم يتم فيه التعارف بينهما أو التفاهم . نعم كان الإمام(عليه السلام) قد عَرِفه وذكر اسمه ومستقبله السياسي قبل إعلان العباسيين ثورتهم[4] . أما موقف الإمام من عرض أبي مسلم الخراساني فيمكن معرفته من جواب الإمام على الرسالة فقد جاء في جوابه (عليه السلام)«ما أنت من رجالي ولا الزمان زماني »[5]. كلمات مختصرة ومعبّرة عن تفسير الإمام للمرحلة وتشخيصه لأبي مسلم; لأن أبا مسلم لم يكن من تربية الإمام ، ولا من الملتزمين بمذهبه، فهو قبل أيام قد سفك من الدماء البريئة ما لا يُحصى وقيل لعبد الله بن المبارك: أبو مسلم خير أو الحجاج؟ قال : لا أقول أن أبا مسلم كان خيراً من أحد ولكن الحجاج كان شراً منه[6] وكان لا يعرف أحداً من خط أهل البيت ومواليهم; إذ كانت علاقته محصورة بدائرة ضيقة كما قد حددها له مولاه إبراهيم الإمام عندما أمره أن لا يخالف سليمان بن كثير، فكان أبو مسلم يختلف ما بين إبراهيم وسليمان[7] . كما نجده بعد مقتل إبراهيم الإمام الذي كان يدعو له يتحول بولائه لأبي العباس السفاح ومن بعده لأبي جعفر المنصور، علماً أن العلاقة كانت بينه وبين المنصور سيئة وكان أبو مسلم يستصغر المنصور أيام حكومة السفاح[8]إلاّ أن المنصور ثأر لنفسه أيام حكومته فقتله شر قتلة. أما المرحلة التي سادها الاضطراب فلم تكن في نظر الإمام (عليه السلام) وتقديره صالحة لتقبل اطروحته إذ قال له: (عليه السلام) «ولا الزمان زماني»[9] .
|
|